الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنهُ خاطره فجن فِي الْحَال وَآل بِهِ الْجُنُون إِلَى أَن حط فِي الْحَدِيد وَمَات بعد أَن قاسى الْحَال الشَّديد
وَدخلت سنة إثنتين وَثَمَانِينَ وَألف
فِي مدْخل يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاث من محرم وصل الْخَبَر إِلَى صنعاء من طَرِيق السراة أَنه لما رمى حسن باشا جَمْرَة الْعقبَة اتّفق على رميه من رَأس الأكمة الَّتِي هِيَ جنوبي الْجَمْرَة يقْعد فِيهَا أهل الْيمن للتفرج إثنان أَحدهمَا من بواردية الشريف وَالْآخر من هُذَيْل فأصيب فِي فَخذه فَخر لوجهه فِي آنه وأحاطت بِهِ عِصَابَة فرسانه فأدخلوه التخت وفتكوا بِثَلَاثِينَ رجلا فِي ذَلِك الْوَقْت أغلبهم من لَا يحمل السِّلَاح وَلَا يُطيق النزال والكفاح لما ثار بهم من الشراسة وداخلهم من الغيظ والحماسة واضطرب هُنَالك الحجيج وارتفع الصُّرَاخ والضجيج وَوَقع النَّاس فِي أَمر مريح وَمِنْهُم من أعجزه محموله وَمِنْهُم من اخْتَلَط معقوله
أَخْبرنِي من شَاهد الْحَال أَن أَصْحَاب الباشا مضوا بعد ذَلِك سائرين وأعملوا السَّيْف فِيمَن وجدوا من الْمُسلمين فَلَمَّا مروا بأمير حَاج الْيمن وَرَأى فعلهم السخيف ووضعهم السَّيْف فِي الْقوي والضعيف لَزِمته الأنفة فَصف لَهُم عَسْكَر الإِمَام بِجَانِب الطَّرِيق وَفعل فعل المتحرش فَلَزِمَ لَهُم الْمضيق فأغضوا عَنهُ عَجزا لَا حلما ومضوا بعيون عبرا وأكباد كلما وتسارع النهب فِي أَطْرَاف منى وقاسا ضعفة الْحَج أَشد العناء
والشريف ركب من حِينه بعد أَن لبس لَامة حربه وَحين قرب مِنْهُم وَرَأَوا بريق الصفاح وتعاقب الأرماح وَعرف أَن فِي خوضه لاستفصال الْقَضِيَّة نوعا من الْإِيهَام مَعَ مَا لَا يفوتهُمْ أَن ذَلِك الْأَمر بإشارته وَالسَّلَام رجح للفور الْعود إِلَى
مضربه وانتبه لحفظ حَقِيقَته وَضبط منصبه فَتقدم أَصْحَاب الباشا فِي التختروان ودخلوا مَكَّة فِي النَّفر الأول بالعساكر والركبان والشريف دخل وَحده وَقد أذن بالتحرز والبطش جنده وَكَانَت الْوَقْعَة يَوْم الْأَرْبَعَاء وَقت الظّهْر فِي النَّفر الأول لِأَن عَرَفَة كَانَت الْأَحَد والعيد كَانَ الأثنين وَلم يكن الباشا رما لما رمى غير ثَلَاث حَصَيَات وَبعد ذَلِك انضربت كَذَا أَحْوَال مَكَّة وَبَطل البيع وَالشِّرَاء فِيهَا وَتَأَخر عَن السّفر ركاب الْبَحْر للخوف مَا بَين مَكَّة وَجدّة
وَلما كَانَ ثامن عشر شهر ذِي الْحجَّة سَار الْأَمِير على حَاج الْيمن إِلَى دَار الشريف وتضرر وَمن مَعَه بِسَبَب الْبَقَاء من سَعَة النَّفَقَة وإهمال أَحْوَالهم فَوَعَدَهُمْ بِالْجَوَابِ إِلَى الْيَوْم الثَّانِي ثمَّ استدعى فِيهِ أَمِير الْمحمل الشَّامي وخلى بِهِ وَسَار بعد ذَلِك إِلَى بَيت الباشا حسن وَتعقب ذَلِك إِذْنه للنَّاس وبالانصراف وأصحب حَاج الْيمن من قبله إِنَّمَا فارقهم من جدة وَاسْتقر بِهِ نَائِبا عَن الباشا ثمَّ خرج الباشا مَعَ أَمِير الْمحمل الشَّامي فِي التختروان وَأظْهر للشريف أَنه عازم إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان فَلَمَّا وصل الْمَدِينَة اسْتَقر بهَا واستدعى زِيَادَة من مصر وَرفع الْقَضِيَّة إِلَى الْأَبْوَاب وانتظر هُنَالك الْجَواب
وَيُقَال أَن ذَلِك الصَّوَاب حمل عَلَيْهِ فَهَلَك مِنْهُ قَالُوا وَالسَّبَب فِي الحَدِيث الَّذِي اتّفق مَعَ حسن باشا مَا ذكر للشريف من أَن الباشا موصى من الْأَبْوَاب ومصر بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وَإِن فرمان الْولَايَة لحسن باشا قد كَانَ بِيَدِهِ وَإِنَّمَا كتمه لعلمه أَنه لَو أظهر مَا عِنْده لعجز عَن مقاومة سعد مَعَ مَا عرفوه من جرأته وَإنَّهُ لَا يُبَالِي أَن يستبد ويستند فِي ملك مَكَّة والحجاز إِلَى نَفسه كَمَا فعل ذَلِك فِيمَا سَيَأْتِي من السِّيرَة
وَفِي هَذَا الشَّهْر ولدت بسعوان امْرَأَة عجلا فَبَقيَ يَوْمَيْنِ وَمَات وَفِي ربيع الآخر طلع جمال الْإِسْلَام عَليّ بن المتَوَكل إِلَى حَضْرَة وَالِده الإِمَام
وَفِيه اتّفق أَن السَّيِّد جَعْفَر بن المطهر نَائِب العدين فر بعض أَصْحَابه إِلَى مشْهد الشَّيْخ صَلَاح فَأمر بِإِخْرَاجِهِ من جورته فَلم يساعده إِلَى ذَلِك أحد فَسَار بِنَفسِهِ وَأَرَادَ إِخْرَاجه فَخرج عَلَيْهِ حَنش عَظِيم وَمَا زَالَ يرَاهُ فِي كثير من أوقاته فَسَار إِلَى المذيخرة فَلم يشْعر بِهِ إِلَّا وَقد أطل عَلَيْهِ من بَاب مَكَانَهُ فصاح واستوحش لذَلِك
وانتهبت هَذِه الْأَيَّام قافلة خرجت من جدة متوجهة إِلَى حسن باشا فِيهَا طَعَام ورصاص وَكَانَ السِّيَاق يخرج من مصر إِلَى يَنْبع فِي الْبَحْر حَتَّى تصل إِلَيْهِ
وَفِي جُمَادَى الأولى استولى الخسوف على جرم الْقَمَر بِالرَّأْسِ بمصاحبة زحل ومقابلة المريخ للكسوف بالسنبلة وَاسْتمرّ خمس سَاعَات
وَكَانَ حِسَاب الْيَهُود لعنهم الله قد تغير فِي هَذِه السّنة فِي تَوْفِيَة أعيادهم على الشُّهُور الرومية فقدموه على وقته بِقدر شهر كَامِل فجعلوه سبت السبوت فِي هَذِه السّنة فِي جُمَادَى الأولى وَهُوَ فِي آخِره وَرَجَعُوا فِي الْعَام الثَّانِي إِلَى الصَّوَاب ثمَّ عَادوا إِلَى التَّقْدِيم
وَفِي جُمَادَى الثَّانِي وصل إِلَى الإِمَام الشريف عبد الْكَرِيم بن باز من عتود وَمَعَهُ نَحْو ثَلَاثِينَ نَفرا يطْلب الْإِمْدَاد بِالْمَالِ وَالسِّلَاح ليستعين بذلك على طرد الْقَبَائِل الثائرين عَلَيْهِ هُنَاكَ وَكَانَ الشريف سعد قد ولاه تِلْكَ الْجِهَات وَأمره بالذب عَنْهَا فَلبث عِنْد الإِمَام نَحْو خَمْسَة أشهر ثمَّ أَعَانَهُ بِالَّذِي طلب وَسَار إِلَيْهَا
وَفِي هَذَا الشَّهْر عرض الإِمَام على وَلَده صفي الْإِسْلَام أَحْمد ولَايَة ذمار فأباها واشتاق إِلَى شهارة وَتلك الديار لِأَنَّهَا أوطانه الْقَدِيمَة ومواضع حل التميمة فولاه نصف بِلَاد عذر فَتَجَاوز عَنْهَا إِلَى غَيرهَا وَنهى وَأمر وعارض شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد بِاللَّه حَتَّى وهنت أَحْكَامه واتسعت أَوْهَامه
وضاف صَدره وَاخْتَلَطَ أمره وَلما وَفد عيد الْأَضْحَى خرج الْحُسَيْن بن شهارة وَأقَام الْعِيد فِي قَرْيَة الصاية ثمَّ عَاد وَكتب إِلَى الإِمَام يستعفيه عَن ولَايَة مَا فِي يَده من الْبِلَاد وَكَانَ يرى أَن ذَلِك مُنَبّه على الافتقاد وقامع لِأَحْمَد عَن دَائِرَة الإصدار والإيراد فَلم يعد الْجَواب إِلَّا بِأَمْر أَحْمد باتخاذ الرّيح والطبول والعسكر وَعرض أهل الْعَهْد والجند على الدفتر
وَفِي هَذِه الْأَيَّام سَار إِلَى الإِمَام كثير من أهل شبام وكوكبان وَشَكوا إِلَيْهِ أَن الْأَمِير عبد الْقَادِر بن النَّاصِر أخر عَنْهُم بعض مَا يعتادونه فأرجعهم إِلَيْهِ مصحوبين بالفقيه مُحَمَّد بن عز الدّين الْأَكْوَع الَّذِي كَانَ مَعَ شرف الْإِسْلَام الْحسن بن الْمَنْصُور
عونيا وخازنا
وَفِي خلال ذَلِك سَار السَّيِّد الإِمَام الْعَلامَة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْمفضل إِلَى الْوَادي وَالسَّيِّد الرئيس عماد الدّين يحيى بن أَحْمد الحمزي إِلَى صنعاء قَالَ بعض قرَابَة الإِمَام وَكَانَ فِي خاطرهما شَيْء من ذَلِك فَلَمَّا اسْتَقر الْفَقِيه بكوكبان دفتر الْحُقُوق بقلم التَّحْقِيق وَنظر فِي قانون التقسيط بِنَظَر التدقيق فَرُبمَا عالت الْفَرِيضَة على الكبراء وَدخل النَّقْص على الْأَعْيَان والأمراء فَظهر وَجه الرِّعَايَة للسيدين وقصدهما بعناء قَول بن الْحُسَيْن
(وندعهم وبهم عرفنَا فَضله
…
وبضدهما تتبين الْأَشْيَاء)
ووفدت الْأَخْبَار إِلَى هَذِه الديار أَن قصَّة حسن باشا لما اتَّصَلت بالسلطان كدرت أَحْوَاله وشوشت عَلَيْهِ باله وَرُبمَا استنبط فِيهَا تغلب الشريف على مَا دون مصر فبرزت أوامره على صَاحب مصر أَن يُجهز على جدة عَسَاكِر فِيهَا كِفَايَة لحفظها ريثما يفتقد الْأَمر
وَفِي هَذِه الْأَيَّام دخل الفرنج إِلَى جَزِيرَة سقطرى من بِلَاد الْمهرِي فَصَالحهُمْ لعدم الْقُدْرَة على حربهم وَسَكنُوا مِنْهَا بمَكَان يُقَال لَهُ قشن وَكَانَ الإِمَام قد هم بتجهيز الشَّيْخ زيد الْهَمدَانِي عَلَيْهِم فَبَلغهُ تجهيز مُحَمَّد شاويش من مصر إِلَى مَكَّة فَأَضْرب عَن ذَلِك
وَفِي ذِي الْحجَّة جَاءَت كتب من الشَّقِيق وجازان تَتَضَمَّن الْأَخْبَار بِخُرُوج مُحَمَّد شاويش وَجُنُوده قَالُوا وَأَصله من الْيمن
وَفِي سَابِع عشر ذِي الْقعدَة دخل مَكَّة فِي قدر ثَلَاثَة آلَاف وَحط بِالْعُمْرَةِ والشريف سعد عِنْد ذَلِك أَمر بِلَالًا من المماليك بالمرور على الجناب مُحَمَّد شاويش لتسلم الخلعة فَسَار إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ الْمُعْتَاد مِنْهَا
وَكَانَت الْأَخْبَار قد وصلت من جيزان إِلَى هَذِه الْجِهَات وفيهَا أَنهم انفصلوا عَن جدة وَقد وصل إِلَيْهَا خبر تجهيز الْوَزير حُسَيْن باشا على الشريف سعد مَعَ الْمحمل الشَّامي وَكَانَ الإِمَام قد جهز لإمارة الْحَج الآغا فرحان فَفِي منسلخ ذِي الْحجَّة وصل مِنْهُ مَكْتُوب يخبر أَنه وصل بِمن مَعَه إِلَى السعدية مَحل الْإِحْرَام للتوجه إِلَى الْمَنَاسِك الْعِظَام فَجَاءَتْهُ كتب الشريف قاضية بالإرجاف والتخويف آمرة لَهُ وَلمن مَعَه بِالرُّجُوعِ إِلَى الْيمن مخبرة أَنه سيصل إِلَى مَكَّة بيك حُسَيْن فِي خيل وخول وأمراء ودول وَقد تقدمه مُحَمَّد شاويش بِتِلْكَ الْجنُود والعسكر الْمَفْقُود المنقود وَأَن الْخَيل الدَّاخِل إِلَى مَكَّة قدر الْأَلفَيْنِ والعسكر وركاب المطايا زهاء عشرَة آلَاف راجل على خَمْسَة آلَاف مَطِيَّة كل راجل مَعَه بندقان وَمَعَهُمْ الدباب وَهِي آلَة للحرب قد كَانَ بَنو أَيُّوب وَبَنُو رَسُول بِالْيمن يتخذونها واتخذها الإمامان الأعظمان صَلَاح الدّين النَّاصِر وَولده الْمَنْصُور وَأخْبر بعض من حضر دُخُول الْوَزير حُسَيْن إِلَى مَكَّة أَن جملَة الرجالة من عسكره إحد عشر ألفا
وَرجع الآغا فرحان بِمن مَعَه من السعدية رَابِع ذِي الْحجَّة وَكَانَ قد أنفذ بعض مَا عِنْده من الصر إِلَى الشريف سعد فَقَبضهُ وَلما