الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وُفُود الْأَخْبَار بوصول جنود عثمانية إِلَى مَكَّة واليمن
وَفِي شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام من هَذَا الْعَام وفدت الْأَخْبَار إِلَى الْحرم الشريف واتصلت بِالْيمن أَن السُّلْطَان صَاحب الْأَبْوَاب قد وَجه إِلَى الْحرم خَارِجَة بِأَسْبَاب مِنْهَا مَا نمي إِلَيْهِ من الشريف من عدم الْوَفَاء سِيمَا مَعَ إهمال الْعين الزَّرْقَاء ونهرها الأصفي وَمَا نسب إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْأَيَّام من قتل مصطفى وَهَذِه الْخَارِجَة بِخمْس بواش من أُمَرَاء بني عُثْمَان وكل باشا بخيل سوابق وألوية بواسق وسناجق خوافق وأغوات وبكلر لبكيه وأعيان فانبهر لَهَا الشريف زيد وَأظْهر مواد الْقُوَّة وَأَسْبَاب الأيد وَقطع أَنه أول مرمي بِتِلْكَ الصَّوَاعِق وأقدام معني بِتِلْكَ الفيالق وتوقع سَائِر الْبلدَانِ اليمنية زائلة هَذِه الْخَارِجَة العثمانية فَلَمَّا توسطت تِلْكَ الأجناد يَنْبع وَمَا والاها من الْبِلَاد أخذت أَكْثَرهم الرمضاء بجمرها اللفاح وَانْقطع عَنْهُم لذيذ المَاء القراح فتفتت أكبادهم بالأوام وتخرمتهم مصَارِع الْأَيَّام وَوصل الْبَعْض مِنْهُم إِلَى مَكَّة وَقد فل حَدهمْ وَقل جهدهمْ وَرَأَوا الشريف فِي أبهة رائعة وَقُوَّة مَانِعَة فَمَا زادوا على عتابه بِسَبَب إهمال الْعين الزَّرْقَاء وَقد اعتذر إِلَيْهِم بِأَن عَملهَا يَوْم الإهمال كَانَ موجها إِلَى سواهُ وَأَن إهمالها كَذَلِك مِمَّا لَا يهواها فحلموا عَنهُ بعد ذَلِك الْكَلَام وَلَكِن
(كل حلم أَتَى بِغَيْر اقتدار
…
حجَّة لاجىء إِلَيْهَا اللئام)
وفيهَا نفر جمَاعَة من الْعَسْكَر من حَضْرَة الإِمَام إِلَى سوح بن أَخِيه عز الْإِسْلَام فَمَا زَالَ بهم حَتَّى عَادوا إِلَى حَضرته السامية
وَدخلت سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف فِيهَا مَاتَ الْأَمِير الْحُسَيْن بن عبد الْقَادِر صَاحب عدن وَفِي ربيع الأول مِنْهَا مَاتَ الْفَقِيه الْحَافِظ الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الحيمي بِصَنْعَاء الْيمن وقبر بجربة الرَّوْض وقبره الْآن مَشْهُور مزور عَلَيْهِ صَخْرَة عَظِيمَة فِيهَا التَّعْرِيف باسمه وحاله وَكَانَ فِي الْحِفْظ لألفاظ السّنة النَّبَوِيَّة نَسِيج وَحده درس مُدَّة فِي الْفُنُون على أَنْوَاعهَا مرجعا فِي الْبَحْث فِي كتاب الْكَشَّاف والعضد وحواشيهما ودرس شطرا من الزَّمَان فِي كتب الحَدِيث كجامع الْأُصُول وَلما قَرَأَ فِي هَذَا الْكتاب القَاضِي شرف الدّين الْحسن بن يحيى حَابِس على الْعَلامَة الْمُفْتِي حضر الْقِرَاءَة القَاضِي وجيه الدّين فَقَالَ لَهُ الْمُفْتِي الْقِرَاءَة فِي التَّحْقِيق عَلَيْك وَالْوُقُوف فِي المغنى بَين يَديك وناهيك باعتراف هَذَا الإِمَام شَهَادَة لهَذَا الْبَحْر اللهام وَللسَّيِّد الْعَلامَة البليغ أَحْمد بن الْحسن بن حميد الدّين جَامع ترويح المشوق عِنْد وَفَاته
(إِن وجيه الدّين حبر
…
عصره عالي السَّنَد)
(خير ثِقَات قَامَ بالعلوم
…
دهرا وَقعد)
(وحث فِيهَا عزمه
…
حِين انتقاها وانتقد)
(بَحر الْكَلَام البرقا
…
مُوسَى الصِّحَاح الْمُعْتَمد)
(عَاشَ سعيدا وَمضى
…
على السداد منتقد)
(فأرخوا ميلاده
…
بقل هُوَ الله أحد)
(وجآعد عمره
…
الله ذِي الطول الصَّمد)
(هَذَا وتاريخ الوفاه
…
جَاءَ مَجْمُوع الْعدَد)
(بِشَارَة إِشَارَة
…
عنوان فضل ومدد)
(بِاللَّه يَا من سبقه
…
إِلَى الْمَعَالِي والرشد)
(يَا جَامع الشادر مِمَّا
…
شَذَّ عَن قوم وند)
(يَا باذل المجهود فِي
…
الْعليا وَمن جد وجد)
(مَا فعلت تِلْكَ اللِّسَان
…
والبنان وَالْجَلد)
(والكلم الغرأ الَّتِي
…
سبت وروت من ورد)
(أقسم لَوْلَا أُسْوَة
…
أضحت على فِي الْأَبَد)
(وَإِن بعد الْيَوْم والأمس
…
على التَّحْقِيق غَد)
(لذبت من فرط الشجا
…
وحره فقد وَقد)
(فَاذْهَبْ حميدا وَلَك
…
الْآثَار والرأي الْأسد)
(وكل شَيْء صائر
…
بعد الْبَقَاء الى أمد)
(عَادَتْ عَلَيْك رَحْمَة
…
نعدها أَسْنَى الْعدَد)
(ولازمت مثواك مَا
…
أبرق غيم ورعد (
أنظر إِلَى هَذَا النَّهر الَّذِي ينصب الى رَوْضَة الْأَلْبَاب وَالْبَحْر الْقصير فِي المراثي على أمة فِي قصير ليَالِي وصال الأحباب وَقَوله فقد وَقد نوع من البديع الْجَدِيد سَمَّاهُ فِي الريحانة إِيهَام التَّأْكِيد وَأورد لَهُ أَمْثِلَة وَوَقع لي مِنْهُ
(لَئِن قَضَت الْأَيَّام بالبعد بَيْننَا
…
فَمَا فعلهَا فِيمَا نحاول بالخفي)
(وان خدعتني فِيك يَا نور مقلتي
…
فكم خدعت فِي رب بر وَفِي وَفِي)
نقل عَنهُ أَنه انْتقل عَن مَذْهَب الشَّافِعِي وَقد يظْهر تَرْجِيحه لمَذْهَب الشَّافِعِي فِي عبارَة شَرحه لبلوغ المرام ومشايخه فِي الحَدِيث الصَّابُونِي والجاص وَغَيرهمَا
وَحصل بَينه وَبَين الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم رحمه الله بعض
وحشه أدَّت إِلَى بعض نكاية وَقد كَانَ الْعَلامَة الْحُسَيْن بن الْقَاسِم يكافح وينافح عَنهُ وَكَانَت الرصانة من لوزامه فبدر مِنْهُ فِي بعض الْأَيَّام أَنه ذكر لَهُ طول قعُود الدولة العثمانية فِي تخت السلطنة فَقَالَ أما الزّبد فَيذْهب جفَاء وَأما مَا ينفع النَّاس فيمكث فِي الأَرْض وَمن لطيف شعره
(صنعاء إِذا كنت مشغوفا بمسكنها
…
فاعدد لَهَا من حُرُوف الْحَاء مَا رسما)
(حب وَحب وحمام مَعَ حطب
…
حَظِيرَة وحمار حِرْفَة وحما (
وفيهَا جهز الشاه عَبَّاس سُلْطَان الْعَجم على اللاهجان
وفيهَا سَار عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام من ذمار إِلَى الْيمن الْأَسْفَل فقوم المعوج وَأصْلح المهمل وبنا بِمَدِينَة إب بابنة السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام الْحسن وَاسْتقر أَيَّامًا وَفِي شهر ربيع الثَّانِي سَار الْأَمِير النَّاصِر بن عبد الرب بن عَليّ بن شمس الدّين أَمِير كوكبان إِلَى سوح الإِمَام فَلَمَّا انْتهى إِلَيْهِ وأدار شأبيب الْإِحْسَان عَلَيْهِ طلب مِنْهُ مدَدا يُعينهُ على مَا فِي جَانِبه من تكاليف الْجند الَّتِي اقْتَضَت الإستدانة لبيت المَال واستغرقت أَمْوَال الرِّجَال وَإِلَيْهِ كِفَايَة مُهِمّ الْجند وَالْقِيَام بأحوال ذَوي الْحُقُوق مَعَ كرم صَادِق ووفاء مُوَافق وَعدم الإستبداد وميل إِلَى الصدْق واستناد فَأخذ الإِمَام بضبعه وَأَعَادَهُ مجبور الخاطر إِلَى ربعه
وفيهَا مَاتَ الْأَمِير حسام الدّين صَالح بن النَّاصِر الجوفي الحمزي وَكَانَ إِلَيْهِ إِمَارَة بِلَاد الزَّاهِر وَقعد مَقْعَده أَخُوهُ جمال الدّين عَليّ بن الْحُسَيْن الحمزي وفيهَا أول ظُهُور القرش الدكني بِالْيمن ولكثرة غشه امْتنع النَّاس عَن التَّعَامُل بِهِ فِي مبادى الْأَمر ثمَّ تعاملوا بِهِ بِإِسْقَاط ثمنه
وفيهَا عقد عز الْإِسْلَام لوَلَده عماد الْملك يحيى بن مُحَمَّد ولَايَة تعز والحجرية
فأصدر فِيهَا وَأورد وبسق غُصْن ملكه بهَا وتأود وَأعْطى فأخجل الْغَيْث الهامع واستوفي سيبه الداني والشاسع وارتفع لَهُ قدر وتغخيم وانتصب لَهُ كرْسِي ملك عقيم فامتدت ذيول أوامره على غير تِلْكَ الْبِلَاد ولباه إِنْسَان السَّعَادَة بِلِسَان الأسعاد والسرفي كَمَال هَذِه الْمعَانِي واقتعاد الْكُرْسِيّ السُّلَيْمَانِي هُوَ الْكَرم الَّذِي لَا يوضع من الأناس إِلَّا فِي الْعُيُون {وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون}
وَفِي رجبها هَاجَتْ ريح بِلَا مطر فَرفعت العجاج وَكسرت الشّجر وفيهَا مَاتَ شيخ الْقرَاءَات السَّبع بِجَامِع صنعاء الْفَقِيه على الشريجي أَرَادَ الْحَج فطافت لَهُ الْمنية من كل فج وَكَانَ انْتِقَاله بمحروس حلي
وَفِي رمضانها توفّي الْفَقِيه الْعَارِف عبد الْهَادِي القويعي الْحَضْرَمِيّ الأَصْل الشَّافِعِي وَدفن بمقبرة بَاب الْيمن كَانَ متجردا عَن أَحْوَال الدُّنْيَا مائلا قلبه إِلَى الْعلم وَأَهله وَله كتب نَحْو سِتّمائَة مُجَلد صَارَت إِلَى القَاضِي الْحسن بن يحيى حَابِس بعد وَفَاته سوى ثلثهَا فقد جعله لفقراء الْمُسلمين بِصَنْعَاء تبَاع وَتصرف فيهم وَكَانَ لَهُ ولوع بِأَكْل القات وهصر أغصانه بأنامل اللَّذَّات ويعد ذَلِك عونا على مطلبه وَزِيَادَة فِي مكسبه وَمَا أحسن قَول بدر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن الخواجا لطف الله الشِّيرَازِيّ الأَصْل الصَّنْعَانِيّ المنشاء والمولد
(إِنِّي إمرؤ لي فِي الرِّضَا مشرب
…
أقطع فِيهِ جلّ أوقاتي)
(أقنع بالوصل إِذا جَاءَنِي
…
وقهوة تبسط أوقاتي)
وَلَا تتيسر لَهُ التورية مَعَ تكْرَار لفظ أَوْقَات إِلَّا مَعَ إلتزام الإيطاء بِاعْتِبَار
أحد الْمَعْنيين كَمَا يعرفهُ الْمَعْنَوِيّ بِأَدْنَى بادرة والفقيه عبد الْهَادِي هُوَ الَّذِي أخبر سَماع النداء من الهوا للْإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم قدس الله سره
وفيهَا توفّي بِصَنْعَاء الْفَقِيه الْعَارِف شيخ شرح الأزهار وَالْبَيَان على ابْن جَابر الشَّارِح وقراءته على الْفَقِيه صارم الدّين إِبْرَاهِيم حثيث وَالْإِمَام مُحَمَّد بن عز الدّين الْمُفْتِي وَنقل عَنهُ أَنه أحَال بِحَضْرَة الْمُفْتِي مَقْدُورًا بَين قَادِرين وَخَالفهُ السَّيِّد وَبرهن لَهُ على ذَلِك بِأَن حمل طرف حجر وَأمره أَن يحمل الطّرف الآخر ثمَّ قَالَ لَهُ هَل هَذَا مَقْدُورًا بَين قَادِرين فَأقر وَانْقطع وَهَذَا عَجِيب وَلَا أَظُنهُ يصدر عَن الْمُفْتِي إِلَّا من طَرِيق المفاكهة والمجون فَإِن من مَحل النزاع من المسئلة هَل يتَعَلَّق قدرَة زيد لعين مَا تعلّقت بِهِ قدرَة عمر وَهُوَ عَن الْمِثَال بمعزل بعيد المنال وَمِمَّا أخبر بِهِ الْمَذْكُور أَنه ظهر على رَأس قبَّة الإِمَام يحيى بن حَمْزَة لهبة كالمصباح فَذكر لشيخه القَاضِي إِبْرَاهِيم فَأنْكر ذَلِك وَسَار إِلَيْهِ ليعرف حَقِيقَة الْأَمر فَوجدَ الْمِصْبَاح كَمَا هُوَ فأطفأه فانطفأ ثمَّ عَاد إِلَى الظُّهُور بعد الخفاء وَهَذَا كَمَا ظهر على قبر الشَّيْخ حسن بن نَاجِي فِي قُبَّته بذمار ذكره
الموزعي وَغَيره من أهل تِلْكَ الديار وَهِي من الكرامات الْوَاضِحَة والبراهين اللائحة
وَفِي ذِي الْقعدَة وصلت إِلَى الإِمَام هَدِيَّة السُّلْطَان صَاحب حَضرمَوْت وفيهَا مَاتَ ببلدة السَّيِّد الْعَارِف مُحَمَّد بن عَليّ الحيداني بدولة الْمُؤَيد بِاللَّه والمتوكل على الله كَمَا مضى
وفيهَا مَاتَ الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم بن عمر بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن مطير الْحكمِي الشَّافِعِي كَانَ الْمَذْكُور بمساقط جبل تَيْس وَجوَار جبل ملْحَان وهم بَيت علم وَكَانَ يرجح أَشْيَاء تخَالف مَذْهَب إِمَامه الشَّافِعِي وَله منظومته على الأزهار وَشرح غَايَة السول ومصنفات أُخْرَى أَخذ فِي الحَدِيث عَن وَالِده وَعنهُ أَخذ الْفَقِيه عَليّ بن مُحَمَّد العقيبي وَنقل عَنهُ أَنه أنشأ رِسَالَة وَذكر مِنْهَا أَنه لَا يَصح حَدِيث سَتَفْتَرِقُ أمتِي على ثَلَاث وَسبعين فرقة كلهَا فِي النَّار إِلَّا فرقة وَاحِدَة وَهِي مَا أَنا عَلَيْهِ وأصحابي كَمَا أخرجه أهل السّنَن وَقَالَ الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ من طَرِيق مُعَاوِيَة بن ابي سُفْيَان لم يروه غَيره كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُود فِي سنَنه وَهُوَ أحادي لَا يحْتَج بِهِ فِي هَذِه المسئلة هَذَا مَا نقل عَنهُ لَكِن الحَدِيث رَوَاهُ غير أبي دَاوُود بطرق كَثِيرَة عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة غير مُعَاوِيَة مثل
أبي هُرَيْرَة وَآخَرين وَكَانَ فِي مسئلة الإِمَام على مَنْهَج الزيدية وَمن عقيدته مَا لَفظه إعتقادنا مَوَدَّة الْآل رَحْمَة الله على محسنهم ومسيئهم ونفضلهم وَنُصَلِّي عَلَيْهِم فلأجل الْقُرْبَى يكرمون ثمَّ قَالَ وَأعلم أَن إعتقادنا أَن الإِمَام بعد الرَّسُول صلى الله عليه وسلم عَليّ بن أبي طَالب ثمَّ أبناؤه مرتبين إِلَى آخر كَلَامه وعباراته فِي العلميات تدل على سبق فِي كثير مِنْهَا وَكَمَال عنايته
وَفِي ذِي الْحجَّة ثار السُّلْطَان جَعْفَر بن عبد الله بن عمر الكثيري على عَمه بدر ابْن عمر فَخرج من حضر موت إِلَى ظفار وَجمع جموعا وَقصد بهَا عَمه فَقتل وَلَده وطرده وَاسْتولى على ظفار وَمَا إِلَيْهَا وَذكر أَن ذَلِك بعناية وسعاية من أَخِيه صَاحب حَضرمَوْت وفيهَا توفّي رضوَان باشا أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ فناب عَنهُ فِي الْإِمَارَة مَمْلُوكه الْأَمِير قيطاس النَّائِب على جدة بعد قَتله مصطفى كَمَا سلف
وَدخلت سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف فِي آخر صفرها مَاتَ القَاضِي الْعَلامَة أَحْمد ابْن صَالح الْعَنسِي الأَصْل ثمَّ العياني ثمَّ البرطي كَانَ عَارِفًا بالنحو والمعاني وَالْأُصُول وَغلب عَلَيْهِ الْكَلَام واللطيف فتبحر فيهمَا على قَوَاعِد الْمُعْتَزلَة وَسمع الغايات وَتَذْكِرَة ابْن متويه من القَاضِي عبد الْهَادِي الثلائي وَغلب عَلَيْهِ الشَّك فِي وضوئِهِ وَصلَاته وَهُوَ دَاء يعتري الْفُضَلَاء وأصابه آخر مدَّته دَاء النقرس فِي قَدَمَيْهِ وَدفن بخزيمة مَقْبرَة صنعاء الْيمن وفيهَا مَاتَ القَاضِي الْعَارِف حَاكم ظفار وذيبين مُحَمَّد بن صَالح بن حَنش وفيهَا وَقع قتال بَين ذيبان وعيال عبد الله من حاشد وبكيل فَذهب من الْفَرِيقَيْنِ أَرْبَعَة أَنْفَار
وفيهَا سمع فِي الجو صَوت مهول وامر من وَرَاء الْعُقُول وَهُوَ شَيْء من نمط الصَّوَاعِق والآيات الباهرة الخوارق وَحسب كل من بِجِهَة شهارة وَمَا والاها فِي بلدته فأخرب فِي دَار الْقبَّة بشهارة جانبا وَأهْلك فِي سيران رجل أَو إثنان
وَفِي ربيع الثَّانِي وصل إِلَى الإِمَام السُّلْطَان بدر بن عمر شاكيا بِمَا اتّفق من ابْن
أَخِيه من الْغدر والإستيلاء على ظفار وَأَن ذَلِك بِسَبَب إِثْبَات الْخطْبَة لَهُ فِي تِلْكَ الأقطار فَاغْتَمَّ الإِمَام لذَلِك الْخلاف ووعد ذَلِك الْبَدْر بالإنصاف وأنزله فِي برج الْقبُول وَأهب على مطلبه المقبول نسمَة الْقبُول
الشُّرُوع فِي التَّجْهِيز على سُلْطَان حَضرمَوْت وَلما اسْتهلّ طالع جمادي الأول برز فِي المنشية يضْرب الوطاق وَوصل إِلَيْهِ فِي أول جمادي الْآخِرَة عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن وَكَانَ يَوْمئِذٍ بِصَنْعَاء الْيمن فأحكما عقد ذَلِك المرام وخاضا فِي بَحر التَّمام ثمَّ كرّ ذَلِك البيهس الكرار إِلَى محروسة ذمار وَقد قضيا الأوطار وأزمعا على إصطفاء الصفي لفتح الشحر وحضرموت وظفار وَفِي أخر الشَّهْر الْمَذْكُور وصل إِلَى الإِمَام من مَكَّة المشرفة الشريف الْحسن بن بَان بِجَمِيعِ حشمه وَجُمْلَة خدمَة مغاضبا للشريف زيد وَكَانَ إِلَيْهِ ولَايَة الْفَوْز فَأحْسن مِنْهُ النُّزُول وتلقاه بِالْقبُولِ وَقرر أَهله بِبَيْت الْفَقِيه برغبة من الشريف إِلَى ذَلِك لكَون الْجِهَات التهامية أنسب من الْجبَال بِحَال من خرج من مَكَّة وَجعل لبيوته وَأَتْبَاعه هُنَاكَ مَا يقوم بهم وَفِي هَذَا الشَّهْر توفّي عبد الله بن الْمَنْصُور بِاللَّه بذمار وقبر إِلَى جَانب صنوة الْعَلامَة الْحُسَيْن بقبته الْمُبَارَكَة
وَفِي شعبانها جَاءَت الْأَخْبَار أَن طَائِفَة من أهل يَنْبع أثبتوا للْإِمَام الْخطْبَة فِي بِلَادهمْ وَكَانَ لَهُ هُنَاكَ عين من أهل صنعاء الْمُهَاجِرين إِلَى تِلْكَ الديار يُقَال لَهُ الْفَقِيه حُسَيْن النَّحْوِيّ وَلما علم بَقِيَّة أهل الْبِلَاد أشفقوا من إشراف الشريف على مَا فَعَلُوهُ وَسعوا فِي ترك الْخطْبَة فَتركت وَكَانَ الشريف قد توعدهم بمساعدة أَمِيرهمْ فَأَنَّهُ كتب عَلَيْهِم سجلا وَأَرَادَ رَفعه إِلَى السُّلْطَان وَكتب الشريف أَيْضا إِلَى أهل الْمَدِينَة بِمثل ذَلِك وَفِي شعْبَان أَخذ الإِمَام يرعد ويبرق وَيُؤذن بالنفوذ إِلَى الْمشرق وَعين لَهُ البيهس الهصور والحسام الْمَشْهُور أَحْمد بن الْحسن بن الْمَنْصُور
وَفِي رمضانها كَانَ خُرُوج مُحَمَّد باشا عَن طَاعَة صَاحب الْأَبْوَاب مِمَّا أخرجه عَن دَائِرَة الصَّوَاب وجرعه من الْمنية مَا هُوَ أَمر من الصاب وَذَلِكَ أَن الْمَذْكُور كَانَ مبوشا بحرجة فَأمْسك عصى الْكبر وَضرب بهَا من بَحر الْخلاف فِي لجة فعزلة السُّلْطَان عَن تِلْكَ الْبِلَاد ورماه إِلَى دَائِرَة الأبعاد فَأَبت نَفسه إِلَّا الْعِصْيَان وإبراز صفحته للسُّلْطَان فَوجه إِلَيْهِ الْأَمِير قيطاس نَائِب الدفتردار بِمصْر على جدة وَغَيره من الْأُمَرَاء الكبرا فأحموا عَلَيْهِ جحيم الحروب وأهبوا على مغاطسه زعازع الخطوب وأمسكوه فِي قَبْضَة الأسار فبرز عَلَيْهِ أَمر السُّلْطَان بفصل الشجار وَقطع معقد الأزرار وَأُصِيب قيطاس بذلك الْحَرْب فَحمل إِلَى مصر وأدركه حمامه وفقد مقَامه
وَفِي الْخَامِس عشر من شَوَّال تهَيَّأ صفي الْإِسْلَام للنزال فَسَار إِلَى السِّرّ ومخلاف خولان ثمَّ مِنْهُ إِلَى قحوان ثمَّ مِنْهُ إِلَى رغوان وَاسْتقر إِلَى تَمام ذِي الْحجَّة ثمَّ سَار إِلَى مأرب وبيحان وَبَقِي بِمحل يُقَال لَهُ الحما ثمَّ دخل أَطْرَاف بِلَاد العولقي فوصل بَلْدَة وَاسِط ثمَّ سَار مِنْهَا إِلَى وَادي حجر وَأدْركَ الْجند بِهَذِهِ الطَّرِيق مشاق وتعويق لتوعر مسالكها وَكَثْرَة مهالكها وأكلوا لُحُوم الْحمر وانقطعت القوافل عَنْهُم وَفِي هَذِه الْأَيَّام سَار عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن من ذمار إِلَى رداع ردا للجند العازم وَلما بلغه من المشاق الَّتِي نَالَتْ أَخَاهُ صفي الدّين
وَفِي شهر ذِي الْقعدَة مَاتَ الآغا مُحَمَّد بن نَاصِر المحبشي نَائِب زبيد بألم النقرس وَكَانَ طلع إِلَى صنعاء واستناب ولد أَخِيه الشَّيْخ عبد الله بن سراج ولازم حَضْرَة عز الْإِسْلَام بذمار وَصَنْعَاء حَتَّى توفّي فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَلَا أَدْرِي
فِي أَي المحلين كَانَت وَفَاته
وفيهَا توفّي السَّيِّد أَحْمد الشرفي الْمَعْرُوف بشريف الْجِنّ وَكَانَ لَهُ معرفَة بأحوال الجان وَيَدعِي أَنه يراهم وَيسمع أَقْوَالهم وَفد على الإِمَام من الشّرف إِلَى ضوران فَمَاتَ بهَا وَكَانَ يَقُول أَنه أَخذ الْمعرفَة عَن الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم بن مُحَمَّد
وَدخلت سنة سبعين وَألف
إنقطع فِيهَا حَاج الْعرَاق لما حصل بَين الشريف زيد والشريف أَحْمد بن الْحَارِث من الْفِتْنَة وَطَرِيق الْعرَاق تقطع عرض بِلَاد الْيَمَامَة وَهِي بِلَاد ولَايَة الشريف أَحْمد وَأما تجار الحسا فأنهم نفذوا من بندرهم الْبَحْرين الْمَعْرُوف بالقطيف إِلَى الْبَحْر الْفَارِسِي وَخَرجُوا إِلَى عدن وَتركُوا مَكَّة وفيهَا جهز الإِمَام وَلَده مُحَمَّد بن الإِمَام وَولد أَخِيه مُحَمَّد بن أَحْمد بعساكر إِلَى الْبَيْضَاء لإِصْلَاح الطّرق وتسكين الْقَبَائِل فنزلاها واستقرا بهَا أَيَّامًا وفيهَا صالت الْجَرَاد على الْبِلَاد
(وَقَامَ مِنْهَا خطيب فَوق سنبلة
…
إِنَّا على سفر لَا بُد من زَاد) حَتَّى أفسدت مغارس البن بأخرف
وَفِي ربيع الثَّانِي توفّي الْفَقِيه الْعَالم الأديب الْمهْدي بن عبد الله المهلا النيساي الأَصْل ثمَّ الشوفي كَانَ عَارِفًا فِي النَّحْو مشاركا فِي الْأُصُول وَالسير وَله شعر متوسط وَخط مَقْبُول حصل عدَّة من الْكتب بِالْأُجْرَةِ للْإِمَام وَولد أَخِيه عز الْإِسْلَام
قتلة أحور وَكَانَ صفي الْإِسْلَام قد رتب بأحور جمَاعَة من البوادية الشجعان لإِصْلَاح الطَّرِيق وتنفيذ الخربة والأزواد والعليق وَكَانَ رئيسهم الْفَقِيه مُحَمَّد بن قَاسم بن أبي الرِّجَال طلب من أهل أحور الْجمال لتفد عَلَيْهَا الْأَحْمَال خلال ذَلِك الضعْف الَّذِي حصل لحجر المفضي إِلَى قطع الزَّاد وَأكل البهايم فامتنعوا عَن الإمتثال وَقد سبق فِي علم المليك المتعال أَن بدن الله تعقر من دون تِلْكَ الْجمال فتماسك الْجند وَأهل أحور وَقدم عَلَيْهِم طَائِفَة من الْعَسْكَر فصالوا على الْعَسْكَر بسيوفهم وخناجرهم وفتكوا بهم عَن آخِرهم وهم نَحْو الْعشْرين وَحين بلغ هَذَا رئيسهم مُحَمَّد بن الْقَاسِم حمل حَملَة الْأسد الضبارم وَأنْشد لِسَان حَاله وَهُوَ يجول
(وَمَا عِشْت من بعد الْأَحِبَّة رَغْبَة
…
ولكنني للنائبات حمول (
فَرمى بِنَفسِهِ على أهل أحور وسل فيهم السَّيْف الأبتر بعد أَن عَاتَبَهُمْ على قَبِيح الفعال وشنيع الْأَحْوَال وَلَكِن عتابه وَقع وسورتهم مشتعلة وأوامر النَّصْر لَهُم منفعلة وَمَعَ ركود ريح النَّصْر فسيغه القاضب مِخْرَاق لاعب فألحقوه بأولئك النَّفر وجرعوه من كؤوس الْمنية مَا مر وانحاز بَقِيَّة أَصْحَابه إِلَى جَانب من الْقرْيَة يستقبلون فِيهِ بؤسهم ويحفظون نُفُوسهم فَمَا كَانَ بأسرع من أَن هجم عَلَيْهِم أهل الْبِلَاد وسلوا عَلَيْهِم الْحداد وأشرعوا إِلَيْهِم أسنة الصعاد وَلم يخلصوا إِلَيْهِم بِضَرَر وسلمهم الله من حر ذَلِك الشرر
وَفِي هَذِه الْمدَّة إنتهب عَسْكَر الحيمة سوق الْحصين وعاثوا فِيهِ وَلما أطلع الإِمَام رأى أَن الصَّوَاب فِي أَن يتغاضى فِي ذَلِك الْمقَام فأودع كبارهم الْحَبْس وَكَانَ قَادِرًا على مَا هُوَ فَوق ذَلِك بِلَا لبس
وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس رَجَب بعث الإِمَام إِلَى قبائل برط من دهمة بِدَرَاهِم
وأكسية بِوَاسِطَة قاضيهم أَحْمد بن عَليّ وَأمرهمْ بالغزو إِلَى أَطْرَاف بِلَاد الرمل شَرْقي برط ومساقط الْجوف فغزوا إِلَى هُنَالك وبلغوا إِلَى بَدو وَيُقَال لَهُم المعضة والعرصان فانتهبوا أبلهم وَرَجَعُوا مقتصرين على ذَلِك الْفِعْل وَأَرَادَ الإِمَام من غزوهم هَذَا أَن يقوم مدد جند حَضرمَوْت قيل وَلم يكن لَهُ أثر فِي ذَلِك لبعدها عَن حَضرمَوْت وَلما طَال بَقَاء الصفي بِحجر تعسر عَلَيْهِ الذّهاب وتحيرت أَعماله فِي أنصاب بِسَبَب عدم الْجمال مَعَ قرب فعلة أحور ومالت قُلُوب الْجند إِلَى الوجل وأصابهم هُنَالك الضعْف وأدركهم الوهل وَأرْسل الإِمَام أهل الحيمة إِلَى الْبَيْضَاء ليرابطوا من ذَلِك الْجَيْش ويتأنس بهم الدَّاخِل وَالْخَارِج إِلَى حَضْرَة الصفي
ثمَّ أَن صفي الْإِسْلَام تجرد تجرد الحسام وعب عبة الْبَحْر اللهام فانفصل عَن حجر وطلع الْعقبَة وَقد قدم بعض عيونه ليسبرأ حوال الطَّرِيق فَلَمَّا استقروا بِأَعْلَى الْعقبَة شارفوا على إِدْرَاك بعض الطّلبَة فَانْهَزَمَ من أَعْلَاهَا أول مقدمي السُّلْطَان فمهد لمن بعده هَذَا الفعال وصنعوا صَنِيعَة حَذْو النِّعَال بالنعال واستولوا على خزانته وأزواده وذخيرته وأمداده وَهَذَا الْمحل هُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ ريدة انا مسدوس وَعند ذَلِك طلعت على الصفي طلائع الإنتصار وتواترت إِلَيْهِ قبائل تِلْكَ الأقطار ثمَّ تقدم إِلَى بِلَاد الهجرين وَلم يبْق بَينه
وَبَين السُّلْطَان غير مَسَافَة يَوْمَيْنِ وَهُوَ يَوْمئِذٍ فِي هينن فَتَلقاهُ الحضارم ركبانا وَرِجَاله وقاتلوا عَن منصب سلطانهم لَا محَالة فأطلقت عَلَيْهِم الرصاص المذابة وَوجه إِلَيْهِم الردى أَسبَابه فَخر مِنْهُم جماعات للجنوب وَانْهَزَمَ أَكْثَرهم إِلَى الأودية والشعوب وَانْهَزَمَ السُّلْطَان من هينن إِلَى شبام وَقد طوى عَنهُ بِسَاط الْأَحْكَام وَحل عَنهُ تَاج الْحل والإبرام وأدبرت عَنهُ ريح النَّصْر وَكَاد أَن يلقى يَوْم بدر فَدخل الصفي هينن بِمن مَعَه من الرِّجَال والفرسان واستلم الْبيعَة للْإِمَام واغتنم ذخائر السُّلْطَان ثمَّ عطف الصفي على شبام فَخرج عَنهُ السُّلْطَان إِلَى مَحل يُقَال لَهُ شنافر وامتثل نصفه الآخر امْتِثَال الْمَأْمُور للْآمِر فَدخل الصفي شبام وَهِي عين فِي مداين الْإِسْلَام وَاسْتولى بهَا على منَازِل ذَلِك الْبَدْر وَنسي أَصْحَابه مَا قاسوه فِي أَيَّام حجر وَلما سقط فِي يَد السُّلْطَان رَجَعَ إِلَى الطَّاعَة بعد الْعِصْيَان وصلحت الْأَحْوَال وَعَاد الصفي فِي أنعم بَال وَأطيب فال
وَفِي أول رَمَضَان الْكَرِيم غزى مُحَمَّد بن الإِمَام وَمن فِي الْبَيْضَاء إِلَى بِلَاد الشَّيْخ عَليّ الهيثمي فوصلوا بِلَاده على حِين غَفلَة فانتهبوا مَا ظفروا بِهِ ثمَّ انتبه لِمَكَانِهِمْ فحصلت مناوشة حَرْب قتل فِيهَا إثنا عشر من الْفَرِيقَيْنِ وفر الهيثمي إِلَى بِلَاد الفضلي وَسبب الْغَزْو أَنه أعَان على قطع الطَّرِيق أَيَّام التَّخْرِيج على حَضرمَوْت
وَفِي هَذِه السّنة أَمر الإِمَام بِضَرْب الْخمس الْكِبَار فارتفع بِسَبَبِهَا صرف القرش إِلَى مائَة بقشه ثمَّ إِلَى ثَلَاثَة أحرف وَقلت القروش ثمَّ ضرب
أَحْمد البقشه الأحمدية الْمَعْرُوفَة وَفِي هَذِه الْأَيَّام أرسل صفي الْإِسْلَام إِلَى حَضْرَة الإِمَام بالسلطان بدر بن عبد الله فاستبقاه الإِمَام أَيَّامًا ثمَّ أَعَادَهُ إِلَى بِلَاده وَمَات لجهته كَمَا يَأْتِي فِي تَارِيخه
وَفِي آخر رَمَضَان غزى السَّيِّد شرف الدّين بن المطهر الشَّيْخ عَليّ بن الهيثمي فَوَقع أَوَائِل قتال وفر الهيثمي
وَفِي شَوَّال إنتشرت الْجَرَاد وأنحت على الْبِلَاد وفيهَا جهز الإِمَام وَلَده عَليّ ابْن الإِمَام إِلَى الْحَج إِلَى بَيت الله الْحَرَام فقضي المرام وَعَاد إِلَى حَضْرَة الإِمَام وَفِي هَذَا الشَّهْر وصل الهيثمي والقرعة والفضلي إِلَى حَضْرَة الإِمَام فَمَا ترك لَهُم من الْعَطاء والأكرام مَا يَلِيق بأحوالهم وأعادهم بعد صفاء الخواطر إِلَى رِجَالهمْ
وَفِي هَذِه اتّفق بَين الإِمَام وسلطان الْهِنْد رموز لَطِيفَة قاضية بأفكار صَحِيحَة وأذهان شريفة تبصرة للمشاعر وَتَذْكِرَة بقول الشَّاعِر
(حواجبنا تقضي الْحَوَائِج بَيْننَا
…
وَنحن صموت والهوى يتَكَلَّم)
وَذَاكَ أَنه وصل إِلَى الإِمَام رجل من الْهِنْد يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم لَهُ إتصال بالسلطان وَالسُّلْطَان فِي العقيدة على نهج أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ ويعزى إِلَيْهِ الْعرْفَان والتقيد للإنصاف وَفِي تَهْذِيب الْحَاكِم من كتب أَصْحَابنَا ردود على الأشعرية فِيهَا متانة ورصانة فطمع الإِمَام أَن يتفرس السُّلْطَان تِلْكَ الردود وَأَن تخفق من رُجُوعه إِلَى مَذْهَب الزيدية والمعتزلة بنود فرتب هَدِيَّة تلِيق بالشاجهان وَصدر من جُمْلَتهَا ذَلِك الْكتاب فِي الفرمان فَلَمَّا اتَّصَلت الْهَدِيَّة بالجناب وَوَقعت عينه على الْكتاب عرف المُرَاد عِنْدَمَا نظر مِنْهُ فِي مضان الإعتقاد وهيأ للْإِمَام هَدِيَّة سنية وأدمج أثناها أجل تفاسير الأشعرية وَهُوَ
مؤلف الرَّازِيّ الْمُسَمّى بمفاتح الْغَيْب فأيس الإِمَام عَن تِلْكَ الطلبات وَعرف أَن العقائد صَارَت موروثة مَعَ التركات
ثمَّ أَنه رَجَعَ صفي الْإِسْلَام وَاسْتقر بالبيضاء بعض الْأَيَّام
وَفِي آخر هَذَا الشَّهْر خر نجمان عظيمان فِي بِلَاد شرعب ضحوة النَّهَار ببلدة يُقَال لَهَا الجشب فَأحرق من فِيهَا وَيُقَال سمع صوتهما فِي بِلَاد عتمة فَأدْرك بعض السامعين صمم وَللَّه الْأَمر وَقيل أَن هَذِه الْآيَة الباهرة وَقعت عقيب إحراقهم الْجَرَاد والدبا بالنيران
خُرُوج الباطني بِالْهِنْدِ وَفِي هَذِه الْأَيَّام وفدت أَخْبَار الْهِنْد وَفِي طيها أَن رجلا من الباطنية الطغام وهم أَشد على الْإِسْلَام من عَبدة الْأَصْنَام إستخف قومه فأطاعوه وَأظْهر دَعْوَة النُّبُوَّة فأشاعوه وأذاعوه فمزق السُّلْطَان درع سحره المركوس ودمغ بالتنكيل بِهِ رُؤُوس الثنوية وَالْمَجُوس بِأَن رَمَاه
بصواعق الجيوش حَتَّى أودع جمعا من أَتْبَاعه بطُون الوحوش وعطله عَن بَلَده وَفرق بَينه وَبَين أَهله وَولده وأحرق كتبه الَّتِي تلعبت بِالدّينِ وأربت فِي الْخبث على أساطير الْأَوَّلين وَفِي هَذَا الْعَام حصل بَين أَوْلَاد السُّلْطَان إختلاف وشجار وَأُمُور غير مَبْنِيَّة على قَرَار لما أدركوه من شيخوخة والدهم مَعَ إضطراب أَحْوَالهم وإختلاف مقاصدهم
وَلما كَانَت بِلَاد البسوط ونعمان متوسطة بَين بِلَاد العولقي وبلاد الوآحدي وَكَانُوا أَيَّام الْخُرُوج على حَضرمَوْت قد قطعُوا الطَّرِيق وَسعوا فِي سَبِيل التَّفْرِيق رَجَعَ بهم الجملولي فِي الْحَدِيد فقرن مِنْهُم فِي الأصفاد كل شَيْطَان مُرِيد وبلغهم صلحت الْبِلَاد وَنفذ فِيهَا الإصدار والإيراد ثمَّ ارتحل صفي الْإِسْلَام يؤم حَضْرَة الإِمَام فوصل ضوران فِي أبهة فاخرة ودولة قاهرة تعنوا لَهَا الأكاسرة وَنصر عَجِيب وَفتح قريب وفيهَا اشْتهر رجل من لاعة من بني النَّاشِرِيّ يتعاطى الكيمياء فنمى إِلَى الإِمَام وَهُوَ بِصَنْعَاء فأفرغ لَهُ منظرة فاحتال فِي ترويج صَنعته خشيَة من الفضيحة وأدرج فِي البوتقة برادة الْفضة مَعَ تُرَاب قد أعده ثمَّ نزع من البوتقة سبيكة قطع الإِمَام أَنَّهَا من أثر صَنعته ولطيف حكمته ثمَّ استجاز من الإِمَام فَرَكبهُ على بغلة وَأَعْطَاهُ مَا رَآهُ وَلما انْفَصل عَن الحضرة شكى بِهِ الْغُرَمَاء وَأَنه اسْتَدَانَ مِنْهُم مَالا وَسَار عَنْهُم وَلم يقضه فَعرف احتياله واضطراب أمره واختلاله
والمعادن فِي الْيمن مَشْهُورَة لَكِن صنعتها لَا تكون إِلَّا بالأكسير وَكَانَ مَعَ مُلُوك حمير مخزونا وَهُوَ الَّذِي بجل ملكهم ونضد سلكهم وَقد عد فِي الْيمن مَا
بَين بيشة وعدن قدر خَمْسَة وَعشْرين معدنا مِنْهَا مَعْدن جبل عيشان ونهم وخولان وبينون
وَفِي هَذَا الشَّهْر جَاءَ الْخَبَر أَن جمَاعَة خَرجُوا بحمائل من حضر موت وَكَانَت طريقهم شبوة يُرِيدُونَ اللحوق بالصفي انتهبوا فِي الطَّرِيق ثمَّ قتلوا
وَفِي الْعشْر الْآخِرَة أظهر التعمية شرِيف من بني الْجلَال يُسمى بعلي وَلَيْسَ حَاله بعلي وانهمك فِي أَنْوَاع مِنْهَا فَكَانَ يضم رَاحَته على شَيْء مدرك ثمَّ يفتحها خَالِيَة وَفعله تعمية أَو بمصاحبة الْجِنّ فحسبه الإِمَام بكمران فَبسط حصرة على مَاء الْبَحْر ثمَّ وثب إِلَيْهَا وَخرج سائرا إِلَى الْبر عَلَيْهَا وَكَانَ خليعا يقطع الصَّلَوَات وينهمك فِي اللَّذَّات ويعدل عَن سيرة سلفه السادات وَدخل الْمشرق وَلَعَلَّه كَانَ مُنْتَهى سَفَره ومنقطع خَبره
وَفِي هَذَا الشَّهْر كَانَت بمنبر صنعاء أول خطْبَة من القَاضِي صفي الدّين أَحْمد
ابْن سعد الدّين فأطاب وَأطَال وصال وَقَالَ وَبدل شَيْئا كَانَت الخطباء تعتمد ذكرهَا وابتدأ ذكر الإِمَام الْوَلِيّ زيد بن عَليّ عليه السلام
وَفِيه جَاءَ الْخَبَر أَن صَاحب عمان جهز على ظفار بِدلَالَة جَعْفَر بن عبد الله الكثيري واستدعائه وَفِي هَذِه السّنة خرج إِلَى الْيمن والحرمين السَّيِّد مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْهِنْدِيّ الْمَذْكُور سَابِقًا وَمَعَهُ للْإِمَام هَدِيَّة عرف مِنْهَا قدر عشْرين من البراذين الملونة ببياض وَسَوَاد وَهِي مِمَّا لَا يكَاد يُوجد فِي هَذِه الْبِلَاد وهدية إِلَى صَاحب الْحَرَمَيْنِ وعارضه فِي يريم ألم فَتوفي هُنَاكَ وَنفذ الآغا من جِهَته إِلَى حَضْرَة الإِمَام بالهديتين فَقبض مَا هُوَ إِلَيْهِ وَحفظ هَدِيَّة الشريف حَتَّى وصل لَهَا نَائِب آخر من السُّلْطَان
وفيهَا جَاءَت الْأَخْبَار باضطراب أَوْلَاد الشاجهان بعد وَفَاته واستقرار الْملك وَالتَّرْتِيب فِي يَد وَلَده أورنقزيب بعد أَن عرض وَاحِدًا من أخوته على الإنطاع وأقحم الآخر بفيله الْبَحْر وَهُوَ الشا الشجاع وفيهَا اعْتِرَاض الْعَلامَة أَحْمد ابْن عَليّ الشَّامي فِي شَأْن إهدار الدِّمَاء الذاهبة فِي مُدَّة الأروام وَفِي سَماع الدَّعْوَى فِيهَا فِيمَا يحصل من الْخُصُومَات وصنوف التعدى بَين الْمُتَأَخِّرين وأنجر كَلَامه إِلَى غير ذَلِك وَقد سبق إِلَى مثله القَاضِي عبد الْقَادِر المحيرسي وَضمن السَّيِّد ذَلِك رِسَالَة مِنْهَا أعلم أرشدنا الله وَإِيَّاك أَنه قد صَار يتعاطى بعض عُلَمَاء الْعَصْر التجاري بالتكفير والتعسيق والفتاوى بإهدار الدِّمَاء وَهُوَ ظَاهر الْبطلَان لِأَن دَار الْحَرْب حَيْثُ فرضت وَقيل بهَا فِي الْبِلَاد الَّتِي ولايتها على أهل الْجَبْر والتشبية إِنَّمَا هِيَ دَار إِبَاحَة فِيمَا بَين الْكفَّار وَأما بَين الْمُسلمين فَلَا وَجه لإهدار الدِّمَاء الَّتِي حرمهَا الله وأكد تَحْرِيمهَا وَأجْمع أَئِمَّة الْآل وشيعتهم على ذَلِك إِلَى أَن قَالَ وَكَذَلِكَ القَوْل بِسُقُوط الْقصاص فِيهَا إِنَّمَا يتَّجه على قَول من يَجعله حدا وَذَلِكَ غير مَعْمُول بِهِ عِنْد من تقدم ذكره وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة عِنْد أبي طَالب القَوْل بِثُبُوتِهِ كَمَا فِي التَّذْكِرَة
وَغَيرهَا ثمَّ قَالَ وَلَو فرض صِحَة النَّقْل عَن أبي طَالب فَهُوَ مَسْبُوق بأجماع سلفه كَيفَ والأدلة القرآنية وَالسّنة النَّبَوِيَّة قاضية بِثُبُوتِهِ نَحْو قَوْله تَعَالَى {كتب عَلَيْكُم الْقصاص} {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ} {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا} وَقَوله {والجروح قصاص} وَقَوله صلى الله عليه وسلم من قتل لَهُ قَتِيل فأهله بَين خيرتين أَو كَمَا قَالَ والمصير إِلَيْهِ فِي الدَّار الْمَفْرُوضَة لَا يعْتَمد عَلَيْهِ وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ مَعَ مَا ذكرْتُمْ ثمَّ قَالَ وَأما لَو قَالَ أَن الْمُسلمين يكفرون بإقامتهم فِي تِلْكَ الدَّار فَهَذَا أبعد ونفيه أَحَق ارشد لقِيَام الْأَدِلَّة الْوَاضِحَة فِي ثُبُوت الْإِسْلَام فِي دَار الْكفْر قَالَ تَعَالَى {وَالَّذين آمنُوا وَلم يهاجروا مَا لكم من ولايتهم من شَيْء} فِي آخر الْأَنْفَال ولإجماع السّلف وَالْخلف من أهل الْحل وَالْعقد وَغَيرهم على صِحَة إِسْلَام من أسلم فِي مَكَّة قبل مهاجرته صلى الله عليه وسلم من النِّسَاء وَالرِّجَال كَأبي بكر وَغَيره وَإِسْلَام أهل البيعتين وَغَيرهم مِمَّن وَفد على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَعَ كَونهم فِي بِلَاد الشّرك وَأما تَكْفِير الْقَاعِد مَعَ الخائض فالسبب أَن ذَلِك الْقَاعِد كَافِر بِالْأَصَالَةِ لأَنهم من أهل النِّفَاق وَيدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء بعد قَوْله {وَقد نزل عَلَيْكُم} إِلَى قَوْله {إِن الله جَامع الْمُنَافِقين والكافرين فِي جَهَنَّم جَمِيعًا} ثمَّ قَالَ وَقَوله فِي آيَة الْأَنْعَام {وَمَا على الَّذين يَتَّقُونَ من حسابهم من شَيْء} ثمَّ قَالَ وَفِي الْقعُود المنهى عَنهُ
مَا عرف من الْخلاف مَعَ أَن كفر من وقف مَعَ الخائض إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ رَضِي بالْكفْر بِمَا علمه مِمَّا يُؤَدِّي إِلَيْهِ وَيَقْضِي على قَائِله بِهِ بِدَلِيل قَوْله {وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا} وَمن لم يعلم مِنْهُ الرِّضَا فالإقدام على تكفيره هجوم وإقدام على مَا لَا يَنْبَغِي لذِي لب وحذر فَكيف بِمن كَانَ من أهل الْعلم وَالنَّظَر لِأَن التَّكْفِير والتفسيق إِنَّمَا هُوَ بالأدلة القاطعة كَمَا لَا يخفى ذَلِك بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى {وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا} مَعَ مَا فِي هَذَا القَوْل من الْمَفَاسِد فَأَنَّهَا لَو إمتدت يَد إِمَام زمَان على أقطار كَثِيرَة صَارُوا مُسلمين فَإِذا كَانَت الكرة بعد ذَلِك لأهل الْعدوان لزم أَن يَكُونُوا مرتدين عُلَمَائهمْ وجهالهم وَلزِمَ عدم صِحَة أنكحتهم وموارثيهم وَفِي هَذَا مَا يَكْفِي ويصد عَن الْميل إِلَيْهِ والتعويل فِي مثل ذَلِك عَلَيْهِ مَعَ أَن مسئلة التَّكْفِير فِيهَا من الْخلاف والإختلاف مَا لَا يخفى على ذَوي الْأَبْصَار فِي التَّكْفِير بالإلزام والتكفير بِهِ لَا يَلِيق وَلَا يقوم بِهِ حجَّة لِأَن التَّكْفِير إِنَّمَا هُوَ بالأدلة القاطعة كَمَا سبق ذكره وَللْإِمَام شرف الدّين كَلَام حسن فِي مثل هَذَا الشَّأْن إنتهى كَلَام السَّيِّد وَفِيه متانة ورصانة إِلَّا قَوْله أَن التَّكْفِير والتفسيق إِنَّمَا هُوَ بالأدلة القاطعة فَلم ينتهض لَهُ دَلِيل وَلَا وضح لَهُ فِي سير الإستقامة سَبِيل والإستدلال عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أضرار بِالْغَيْر فَلَا بُد أَن يسْتَند إِلَى قَاطع كَمَا فِي كتب الْأَصْحَاب منقوض بإضجاع الْمُسلم للذبح بِشَهَادَة ظنية وَالْقَوْل بِأَن هَذَا خُصُوص كَلَام من يستروح إِلَى دفع الْبَرَاهِين بِمُجَرَّد الدعاوي وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قد إستند فِي تَكْفِير بني المصطلق إِلَى قَول الْفَاسِق بِنَصّ الْقُرْآن الْوَلِيد بن عقبَة فَجهز عَلَيْهِم ثمَّ نزل قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ} الْآيَة فضيحة لذَلِك الْفَاسِق اللعين وأمرا بالتبين
عِنْد إخْبَاره للْمُؤْمِنين والمنصور بِاللَّه عبد الله بن حَمْزَة يذهب إِلَى التَّكْفِير بالأحادي وَكَذَا الْفَقِيه حميد ذكره فِي الْعُمْدَة وَهُوَ الَّذِي انتصر لَهُ الْحجَّة مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم فِي إيثاره وعواصمه وَقد نقلت معنى هَذَا بأوضح مِنْهُ فِي رسالتي الْمُسَمَّاة بإرسال الذوابة وعندما اطلع الإِمَام على هَذِه الرسَالَة أَعنِي رِسَالَة السَّيِّد صفي الدّين حرر عَنْهَا جَوَابا وَرَأَيْت لبَعض من وقف على جَوَابه أَنه صَادف غير مَحل النزاع وَلم أَقف عَلَيْهِ
وَدخلت سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف وَفِي شهر محرم منع الإِمَام أهل الذِّمَّة من عصير الْخمر فِي بُيُوتهم وَأمر بِكَسْر أواني الْخمر وَلما وصل مشائخ الْمشرق إِلَى الحضرة صُحْبَة الجملولي مكبلين فِي الْحَدِيد أفرد الإِمَام مِنْهُم الهيثمي بالهوان وإيداعه حصن كوكبان لِكَثْرَة إساءته وَقُوَّة جرأته واستوثق من سَائِر الْمَشَايِخ وَأخذ عَلَيْهِم حفظ الطَّرِيق وأعادهم على مناصبهم إِلَى بِلَادهمْ
وفيهَا ظهر فِي صنعاء ثلج على الْأَشْجَار وَفِي صفرها عقد الإِمَام لوَلَده عز الْإِسْلَام فِي ضوران وبلاد آنس فَسَار إِلَيْهَا من صنعاء وَاسْتقر بهَا وَهُوَ فِي التشرع على نمط وَاحِد مَا عرف بِغَيْرِهِ
وفيهَا جَاءَ الْخَبَر أَن أَوْلَاد ملك الْعَجم ثارت بَينهم الْفِتَن فِي بِلَاد اللاهجان وَهِي من قَاعِدَة ممالكهم وَأَهْلهَا إمامية وَحكى قطب الدّين النهرواني فِي بعض كتبه أَنه كَانَ بلاهجان زيدية فِي رَأس الْمِائَة التَّاسِعَة لَكِن ذكر بَعضهم
عَن الْحَكِيم مُحَمَّد صَالح حَكِيم صنعاء أَنه لم يبْق للزيدية مَذْهَب هُنَاكَ فِي هَذَا الْعَصْر الْأَخير وَهَذَا مُحَمَّد صَالح خرج من الْعَجم إِلَى الْيمن بدولة المتَوَكل وَقد برع فِي الطِّبّ وَظَهَرت عَنهُ فِيهِ خوارق وعَلى الْجُمْلَة لم يسمع فِي العصور الْمُتَأَخِّرَة بعد الشَّيْخ دَاوُود صَاحب التَّذْكِرَة بِمثلِهِ وَكتب بِخَطِّهِ عدَّة من كتب الطِّبّ فِي الْيمن وَكَانَ قد خدم رجَالًا فِي الْعَجم فِي هَذَا الْفَنّ وترتب عَلَيْهِم وتنقل مَعَهم فِي الْأَسْفَار وخاض مَعَهم الْبحار روى شَيخنَا الْعَلامَة الْحُسَيْن بن مُحَمَّد المغربي حفظه الله عَنهُ أَنه قَالَ مَا مَعْنَاهُ خدمت حكيما نَصْرَانِيّا وَكنت متشددا فِي نَجَاسَة رطوبته وَلَا أظهر لَهُ من ذَلِك شَيْئا فركبت مَعَه الْبَحْر وشاهدت مده والجزر فاتفق أَنه قطع ذَات يَوْم حَبَّة من الْخِيَار وقلبها من الْيمن إِلَى الْيَسَار ثمَّ أرسل إِلَيّ قِطْعَة لأكلها فانتولتها وَمَا زلت بِهِ حَتَّى غفل عني لبَعض حاجاته ثمَّ أرسلتها فِي الْبَحْر
وَكَانَ يتعاطى عُلُوم الْعَرَبيَّة وشيئا من عُلُوم الْفِقْه وَلَا يعرف شَيْئا من ذَلِك والكمال موزع وَأَصله من بِلَاد الجيل
وَفِي النّصْف الآخر من ربيع الأول توفّي القَاضِي الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن الْحسن العيزري الأهنومي بِمَدِينَة صنعاء كَانَ ملازما للكتابة للْإِمَام وَعَلِيهِ فصل القضايا وَالْأَحْكَام وَله مقصد مليح ورأي صَحِيح وَدفن بخزيمة غربي صنعاء وَفِي الْعشْر الْوُسْطَى من جُمَادَى الأولى توفّي حَاكم برط القَاضِي الْعَلامَة أَحْمد بن عَليّ بن قَاسم الْعَنسِي ثمَّ العياني كَانَ عَارِفًا بالفقه وَعلم الْكَلَام كوالده وَكَانَ
إستقراره ووالده بِمَدِينَة عيان ثمَّ لما خربَتْ ذَلِك الْوَقْت انتقلوا إِلَى برط فاستقروا بِهِ وَصَارَ إِلَيْهِم وَاجِبَات قبائلهم باختيارهم وتخيرهم وأجراهم على ذَلِك الْمُؤَيد بِاللَّه إِلَّا مَا فضل عَن كفايتهم واستمروا على ذَلِك وَوصل إِلَى الإِمَام وَهُوَ بِصَنْعَاء وقبائله من برط لزيارة الإِمَام فصادف وُفُود الْحمام كَانَت وَفَاته ببير العزب غربي صنعاء وَدفن بخزيمة
وَفِي هَذِه السّنة توفّي قَاضِي جبلة القَاضِي الْعَارِف صَلَاح الفلكي وَفِي الْعشْر الْوُسْطَى من الشَّهْر الْمَذْكُور سَار الإِمَام إِلَى بِلَاد شهارة وانتشرت فِيهِ الْجَرَاد وَأَتَتْ على ثَمَرَات الْبِلَاد فوجفت الْقُلُوب وَارْتَفَعت أَثمَان الْحُبُوب وفيهَا اتّفق إختلاف بَين قُلُوب الْأُمَرَاء الَّذين بِمصْر من قبل السُّلْطَان وافتراق الْعَسْكَر بقاهرة مصر وَفِي شهر جمادي الْآخِرَة حصل بعض إختلال فِي طَرِيق عدن من حُدُود بِلَاد الفضلي فِي الْجِهَة الجنوبية وَقتل هُنَاكَ أَرْبَعَة من الْعَسْكَر فَأرْسل صفي الْإِسْلَام من كشف أَمر الْعَسْكَر ورسم أدبا بِمُقْتَضى ذَلِك الْفِعْل الْمُنكر ثمَّ وَقع إختلال بِبِلَاد الفضلي والهيثمي إقتضى نهوض الصفي إِلَى تِلْكَ الْجِهَات بِنَفسِهِ فَأصْلح مَا فسد من الْجِهَة وهرب الفضلي عَن مَحَله وَفِي آخر رَمَضَان ذكر أَنه إتحد الْأَمر بَين السُّلْطَان بدر بن عمر الكثيري وَولد أَخِيه السُّلْطَان جَعْفَر وَطلب من عَمه أَن يتوسط لَهُ فِي أَخذ الْأمان من الإِمَام والوصول إِلَيْهِ
وَفِي هَذِه السّنة خرجت بنت سُلْطَان الْهِنْد من الْبَحْر إِلَى محروس المخا بأموال وخدم وَأَتْبَاع وحشم تُرِيدُ الْحَج إِلَى بَيت الله الْمُعظم ونفحت نَائِب المخاء السَّيِّد زيد بن عَليّ جحاف بِمَال عَظِيم وهدية فاخرة وأخبرت أَن بِالْهِنْدِ شدَّة شَدِيدَة
وفيهَا ساخ جبل فِي جِهَات بني عشب فأخرب قَرْيَة تَحْتَهُ إِلَّا بَيْتَيْنِ فِي طرفها وَدفن كثير من أموالها وَفِي شوالها توفّي بِصَنْعَاء الْفَقِيه الْعَارِف عَليّ بن يحيى الخيواني ثمَّ الصَّنْعَانِيّ كَانَ مكفوفا وَزَاد عمره على الثَّمَانِينَ وشارك فِي
الْفُنُون مَعَ جدل وحدة وَأدْركَ فِي حفظ السّير والقصائد يدا طولى ودرس فِي أصُول الْفِقْه وَغَيره
وَفِي الْعشْر الْآخِرَة من شَوَّال توفّي السَّيِّد الْعَلامَة شمس الْإِسْلَام أَحْمد بن عَليّ الشَّامي من ذُرِّيَّة الإِمَام يحيى ابْن المحسن بن مَحْفُوظ الَّذِي مشهده بساقين من بِلَاد خولان صعدة الشَّام ولأجله عرف بالشامي كَانَ مَعَ أَهله بمسور من خولان صنعاء فانتقل إِلَى الْمَدِينَة وَأَقْبل على جَمِيع الْعُلُوم فِي مُدَّة الْوَزير حسن فأدركها وبرع فِي فقه الزيدية والفرائض وَتخرج على الْعَلامَة الْمُفْتِي وَالْقَاضِي يحيى السحولي وَغَيرهمَا وَجعله الباشا إِمَامًا لمَسْجِد الشهيدين وفوضه فِي غلَّة بَين الشهدين فَبَقيت فِي يَده حَتَّى مَاتَ ثمَّ قبضهَا نظار الْوَقْف وَمَا زَالَ مَعَ إشتغاله بالعلوم والتعلق بوظيفة الْمَسْجِد يشارف على عُقُود الْأَنْكِحَة وأجوبة الأسئلة فارتفع ذَلِك إِلَى الأفندي من قبل الباشا وهما مِمَّا يصير إِلَيْهِ فِي مقابلتها رعايات كَمَا ذكرُوا فَتغير خاطر الأفندي وَبلغ إِلَى السَّيِّد عَنهُ مَا أوحش خاطره وَأوجب خُرُوجه إِلَى الحيمة وَكَانَت يَوْمئِذٍ مائلة قُلُوب أَهلهَا إِلَى الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم بن مُحَمَّد فَعَظمُوا جَانب السَّيِّد وأنزلوه منزلَة أَمْثَاله من الْعلمَاء العاملين ودارت بَينه وَبَين الإِمَام مكاتبات فقرره على الْبَقَاء فِي الحيمة واستنابه على جَانب من أَعمالهَا ولازم آخر مدَّته الْعَلامَة الْحُسَيْن بن الْمَنْصُور سفرا وحضرا وَاعْتَمدهُ فِي الفتاوي والحكومات وَحكمه فِيمَا شَاءَ من وُجُوه الرعايات فَإِنَّهُ بذلك خليق فَإِنَّهُ عين فِي أهل الْيمن علما وَعَملا ورئاسة وَاسْتقر بعد موت الْحُسَيْن ببيته فِي السبحة غربي صنعاء يدرس فِي
الْفُنُون ويفيد بالفتاوى وَقد كف بَصَره وَكَانَ لَهُ على أهل البطالات وَطْأَة شَدِيدَة وَله أنظار على نهج الصِّحَّة والرصانة مشحونة بهَا الْكتب المأنوسة للدرس والتدريس واختيارات مِنْهَا فسخ زَوْجَة الْغَائِب وَالْقَوْل بِمذهب الْقَاسِم والمالكيه من طَهَارَة قَلِيل المَاء مَا لم يتَغَيَّر أحد أَوْصَافه وَالْقصاص فِي اللَّطْمَة كَمَا هُوَ مَذْهَب يحيى وَاخْتَارَهُ الإِمَام شرف الدّين عليه السلام وَانْفَرَدَ بقوله إِن الزَّوَال ميل الظل أدنى ميل فِي الشتَاء والصيف من غير فرق كَذَا روى عَنهُ وَنقل الْقُرْآن غيبا بعد أَن كف بَصَره واستكتب جَامع الْأُصُول لإبن الْأَثِير وسَمعه عَلَيْهِ بعض أَوْلَاده فَكَانَ حسن الختام وقبر جنوبي مَسْجِد بَاب السبحة خَارج صنعاء الْيمن
وفيهَا أَو الَّتِي قبلهَا توفّي الْعَلامَة الْمُحدث أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن علا الدّين البابلي الْمصْرِيّ إستقر بِمَكَّة أَيَّامًا ينفتق بديمة آرائه زهور الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية ويتعطر بنفحات إمْلَائِهِ مجَالِس السّنة النَّبَوِيَّة مَعَ حفظ رائع وتلقين نَافِع حَتَّى شهد لَهُ من يسند إِلَيْهِ الْعرْفَان فِي فنون شَتَّى وَأَنه وحيد عصره وَإِمَام دهره وَلما فَارق حبيبته إشتاق إِلَى وَطنه من بِلَاد مصر فَسَار إِلَيْهِ وَمَات فِيهِ وَمن الْمَنْسُوب لَهُ
(رب إِمَام قَلِيل فهم
…
يؤم النَّاس ثمَّ يجحف)
(مُخَالفا فِيهِ قَول طه
…
من آم بِالنَّاسِ فليخفف)
وَفِي شوالها توفّي الشَّيْخ الْعَارِف عبد الرَّحِيم بن بادشاه اللاهوري بمحروس شهارة حَضْرَة الإِمَام كَانَ متمسكا بالعمليات غير خَال عَن الْفَائِدَة وَقد سمع فِي الحَدِيث من البابلي مقدم الذّكر والعلامة زين العابدين بن عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ وَذكر أَن أَعلَى من الْأَسَانِيد فِي وقته إِسْنَاد زين العابدين شَيْخه واستكتب بِحَضْرَة الإِمَام أَحْكَام الْهَادِي وأمالي أَحْمد بن عِيسَى ومستدرك الْحَاكِم وَأكْثر
مجمع الزوايد فِي الحَدِيث للهيثمي وَكَانَ بِمحل من الدّيانَة وَمن لطيف مَا أتفق عَنهُ أَنه قدمه النَّاس بِمَسْجِد الْجَامِع بضوران للصَّلَاة لعدم حُضُور الرَّاتِب وجلالة قدره وَهُوَ يرى الرّفْع عِنْد التَّكْبِيرَة وَوضع الْكَفّ على الْكَفّ قَالَ فعارضت فِي نَفسِي بَين أَن أفعل بِمُقْتَضى مذهبي وينقض هَذَا الْجمع ويتغير خواطر أَكْثَرهم أَو أترك وَهُوَ سنة فِي مذهبي ثمَّ رَأَيْت التّرْك وأديتها كَمَا يحبونَ وَمَا فَاتَنِي من ثَوَاب السّنة جبره ثَوَاب التجميع وَعدم التَّفَرُّق فِي الدّين
هَذَا معنى كَلَامه رحمه الله
وفيهَا توفّي الشريف حسن بن باز الْمَكِّيّ وَالسَّيِّد عَليّ بن إِبْرَاهِيم المحنكي وَكَانَ لَهُ مُشَاركَة فِي الْعلم وَبلغ فِي الْعُمر فَوق مائَة سنة حَتَّى سَقَطت شُعُور حواجبه على عَيْنَيْهِ وأقعد آخر عمره وَأما سَمعه وبصره فَلم يتغيرا كَانَ نايب بِلَاد ذيبين وأوقاف مشْهد الإِمَام الْأَعْظَم أَحْمد بن الْحُسَيْن رحمه الله وَفِي آخر شهر ذِي الْقعدَة جَاءَت الْأَخْبَار أَن أَصْحَاب صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن غزوا إِلَى بِلَاد الْجيد لقبضه وَقبض الفضلي فَلم يظفروا بالجيد وظفروا بالفضلي ثمَّ أفلت من أَيْديهم وفر إِلَى وَالِي عدن أَمِير الدّين الْقرشِي فَأَمنهُ وأرسله الحضرة
وفيهَا مَاتَ السَّيِّد الرَّمْلِيّ الفلكي سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن عَامر
وَفِي هَذِه الْمدَّة أَمر عماد الدّين يحيى بن مُحَمَّد بن الْحسن بِإِعَادَة النّوبَة وَكَانَت قد تركت من أَيَّام دولة الْحسن بن الْمَنْصُور فهيئت أدواتها واستكملت آلاتها
فرجفت طبولها فِي قُلُوب أهل العناد وأوبت عِنْد سماعهَا جبال الصافنات الْجِيَاد وفيهَا مَاتَ الشَّيْخ السّلمِيّ من أكَابِر مَشَايِخ الْيمن وَمِمَّنْ عظم شَأْنه فِي ذَلِك الزَّمن وبموته سقط جلالهم واضمحل حَالهم وتفرق عبيدهم فِي الْجِهَات وتشتتوا تَحت كل كَوْكَب لطلب الأقوات
وفيهَا وصل السُّلْطَان جَعْفَر الكثيري وَالشَّيْخ الفضلي إِلَى حَضْرَة الإِمَام وَفِي ثَانِي عيد النَّحْر أَو فِي ثالثه توفّي القَاضِي الْعَلامَة حَاكم الْمُسلمين بِبِلَاد كوكبان الْحسن بن أَحْمد الحيمي سكن وَأَهله بِمَدِينَة شبام يعفر وَكَانَ عَارِفًا بالفقه مشاركا فِي الْفُنُون أحسن مُشَاركَة صَاحب عارضة وذكاء وَهُوَ الَّذِي دخل الْحَبَشَة رَسُولا للْإِمَام وَله الأن ذُرِّيَّة يعرف من حَالهم الْمُرُوءَة والرئاسة رَأْسهمْ وَرَئِيسهمْ وَلَده القَاضِي الْعَلامَة مُحَمَّد بن الْحسن بن أَحْمد وَله الْإِنْشَاء الرَّقِيق وَالنّظم المطبوع وَالْكَرم الخلقي ومحبة صَنِيع الْمَرْوَة وَلَو بِمَشَقَّة يدرس فِي الْفُنُون بذهن أدق من خطّ إقليدس وأمضى من السَّيْف وَله مقالات فِي الزهديات وَغَيرهَا
وَفِي آخر ذِي الْحجَّة وصل صفي الدّين أَحْمد بن الْحسن إِلَى مُسْتَقر أَهله الْغِرَاس وَذي مرمر وَفِي هَذَا الْعَام عطل مرض الْحمى والنافض بُيُوتًا وَالْأَمر لله سُبْحَانَهُ وفيهَا مر بعض الهنود بهيجة من بِلَاد تهَامَة فعقر عَلَيْهِ الْأسد حِمَاره وَتَركه فريسة يوافيها اللَّيْل فيأكلها على مَا هُوَ قَاعِدَة الْأسد فِي أَنَّهَا لَا تَأْكُل مَا عقرته بِالنَّهَارِ إِلَّا اللَّيْل فألهم الْهِنْدِيّ سم الفأر فَوَضعه فِي جَوف
الْحمار ثمَّ وافاه الْأسد فَأكل مِنْهُ فَهَلَك ثمَّ جَاءَت الْأسود فَأكلت مِنْهُ فَهَلَكت ثمَّ كَذَلِك حَتَّى تغطت الْأسود بِتِلْكَ الهيجة وَكثير من الْهياج
وَدخلت سنة إثنتين وَسبعين وَألف غلت فِيهَا الأسعار وَقلت فِيهَا الثِّمَار وَشَمل الْقَحْط سَائِر الْبِلَاد وانتشر فِيهَا الْجَرَاد وفيهَا توفّي السَّيِّد حُسَيْن المؤيدي عَامل العدين فَأَرَادَ أَوْلَاد السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام أَن يَنْتَظِم لَهُم فِيهَا حَال فَلم يتم لَهُم من أجلهَا مقَال وَاسْتولى عَلَيْهَا عماد الدّين يحيى بن مُحَمَّد بن الْحسن ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ الإِمَام قد أَرَادَ أَن يوليها فحال بَينه وَبَين ذَلِك عز الْإِسْلَام ونبهه على أَن الْبِلَاد بلادي فِيهَا عَامِلِي
وفيهَا إنتهب الْمحمل الشامى قبائل عنزه وَلَام وفيهَا يَوْم الْإِثْنَيْنِ توفّي السَّيِّد الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن شرف الدّين الجحافي بِمَدِينَة صنعاء وَكَانَ عَاملا بحفاش للحسين بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور ثمَّ للْإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه ثمَّ للْإِمَام المتَوَكل وعذره عَن عمالتها فاستقر بِصَنْعَاء على أحسن حَال كَانَ عَارِفًا بالنحو وأصول الْفِقْه والمنطق وَله شرح على غَايَة السول وَكَانَ متواضعا إِلَى نِهَايَة وَتمسك بِالسنةِ النَّبَوِيَّة فَسمع مُخْتَصر الديبع لجامع الْأُصُول واستجاز فِيهِ وَفِي غَيره من السَّيِّد الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن يحيى بن الْهَدْي وَسمع صَحِيح مُسلم على الْفَقِيه الْعَلامَة عبد الْوَاحِد النزيلي كَمَا تقدم
وَفِي الْعشْر الْآخِرَة من ربيع الثَّانِي توفّي السَّيِّد الْعَلامَة الْحُسَيْن بن مُحَمَّد النعمي التهامي من صَبيا سَار إِلَى مَدِينَة صعدة فَقَرَأَ بهَا الْفِقْه على القَاضِي شهَاب الدّين
حذف أَحْمد بن يحيى حَابِس وَغَيره ثمَّ وصل صنعاء فَقَرَأَ على الْعَلامَة الْمُفْتِي فِي الْفِقْه ودرس فِيهِ وَلم يكن لَهُ فِي غَيره يَد لقحط سَائِر الْبِلَاد وانتشر فِيهَا الْجَرَاد وفيهَا توفّي السَّيِّد حُسَيْن المؤيدي عَامل العدين فَأَرَادَ أَوْلَاد السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام أَن يَنْتَظِم لَهُم فِيهَا حَال فَلم يتم لَهُم من أجلهَا مقَال وَاسْتولى عَلَيْهَا عماد الدّين يحيى بن مُحَمَّد بن الْحسن ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ الإِمَام قد أَرَادَ أَن يوليها فحال بَينه وَبَين ذَلِك عز الْإِسْلَام ونبهه على أَن الْبِلَاد بلادي فِيهَا عَامِلِي
وفيهَا إنتهب الْمحمل الشَّامي قبائل عنزة وَلَام وفيهَا يَوْم الْإِثْنَيْنِ توفّي السَّيِّد الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن شرف الدّين الجحافي بِمَدِينَة صنعاء وَكَانَ عَاملا بحفاش للحسين بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور ثمَّ للْإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه ثمَّ للْإِمَام المتَوَكل وعذره عَن عمالتها فاستقر بِصَنْعَاء على أحسن حَال كَانَ عَارِفًا بالنحو وأصول الْفِقْه والمنطق وَله شرح على غَايَة السول وَكَانَ متواضعا إِلَى نِهَايَة وَتمسك بِالسنةِ النَّبَوِيَّة فَسمع مُخْتَصر الديبع لجامع الْأُصُول واستجاز فِيهِ وَفِي غَيره من السَّيِّد الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن يحيى بن الْهَدْي وَسمع صَحِيح مُسلم على الْفَقِيه الْعَلامَة عبد الْوَاحِد النزيلي كَمَا تقدم
وَفِي الْعشْر الْآخِرَة من ربيع الثَّانِي توفّي السَّيِّد الْعَلامَة الْحُسَيْن بن مُحَمَّد النعمي التهامي من صَبيا سَار إِلَى مَدِينَة صعدة فَقَرَأَ بهَا الْفِقْه على القَاضِي شهَاب الدّين
أَحْمد بن يحيى حَابِس وَغَيره ثمَّ وصل صنعاء فَقَرَأَ على الْعَلامَة الْمُفْتِي فِي الْفِقْه ودرس فِيهِ وَلم يكن لَهُ فِي غَيره يَد
وَفِي هَذَا الشَّهْر سَار عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن من صنعاء إِلَى الْيمن الْأَسْفَل فاستقر باءب وجبلة وَاقْتضى الْحَال أَن يكف يَد وَلَده يحيى عَن كَثْرَة التَّصَرُّفَات لما رَآهُ من كرمه وتهالكه على فعل الْمَعْرُوف واستبد فِي نُزُوله هَذَا بمحصول بِلَاد العدين وَفِي آخر هَذَا الشَّهْر سَار جمال الدّين عَليّ بن أَحْمد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى فيفا وانضم إِلَيْهِ رَئِيس الإِمَام الْفَقِيه الجملولي فواجه إِلَيْهِ بَنو مَالك وَمن انضاف إِلَيْهِم وَفِيه انتهب الثمثمي من مَشَايِخ سُفْيَان دَرَاهِم للحطروم فِي العمشية فِي الْوَقْت الَّذِي عهدته فِي تَأْمِين الطَّرِيق فِيهِ فعيبه قبائله على قواعدهم واسترجعوا مِنْهُ أَكْثَرهَا
وَفِي هَذِه السّنة أَو الَّتِي تَلِيهَا تهَيَّأ السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن حُسَيْن بن جحاف لِلْحَجِّ فَلَمَّا وصل صَبيا حضر صَلَاة الْجُمُعَة هُنَاكَ فَسمع من الْخَطِيب تَقْدِيم الْمَشَايِخ على أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالْجمع بَين الإِمَام وَالسُّلْطَان صَاحب الأروام فَلم يتماسك السَّيِّد عَن الْقيام والتكلم فِي جَانب الْخَطِيب بِمَا ينكي من الْكَلَام وَشرع الْحَال يُفْضِي إِلَى قتل وقتال
وَفِي الأولى توفّي السَّيِّد الفقهي أَحْمد الذنوبي درس بِبِلَاد حجَّة والظفير فِي الْفِقْه وَكَانَ إِذا خرج إِلَى بَلَده الذُّنُوب يشْتَغل بِنَفسِهِ فِي أَمْوَاله ويفتي مَعَ ذَلِك
وَفِي هَذَا الشَّهْر غزى الشريف مُحَمَّد بن الْحُسَيْن صَاحب صَبيا إِلَى أَطْرَاف بِلَاده مِمَّا يَلِي بِلَاد الحرامية فنشب الْحَرْب بَينه وَبينهمْ وَكَانَت الدائرة عَلَيْهِ فَقتل من أَصْحَابه نَحْو السّبْعين وانتهب سِلَاحهمْ وَلم يخل الشريف بِنَفسِهِ عَن
الْجِنَايَات وَكَانَ فِيمَا مضى هُوَ الَّذِي يَغْزُو وينهب ويرضي ويغضب فَانْقَلَبَ الدست وانعكس البخت وَصَارَ يقْصد إِلَى عقر دَاره ويزعج من قراره حَتَّى قفرت الْقرى الَّتِي يضبطها حكمه وَيجْرِي عَلَيْهَا رسمه وقصارى دولته الدّفع عَن مُجَرّد صَبيا
وَفِي هَذَا الشَّهْر توفّي حَاكم السودة بهَا القَاضِي الْعَلامَة مُحَمَّد بن عَليّ الجملولي وَقد ولي منصب الْقَضَاء ببندر المخاء زَمَانا ثمَّ رفع بِقَضَاء السودة وَفِيه حصل مَا بَين قبايل ذيبان وشوابة وهران حَرْب أفضا إِلَى قتل جمَاعَة ثمَّ اصْطَلحُوا
وَفِي آخر جمادي الأولى توفّي السَّيِّد الْعَارِف نَاصِر صبح الَّذِي عَارض الْمَنْصُور بِاللَّه آخر دولته وَكَانَ فِي تِلْكَ الْمدَّة قد سكن ثعلان وأجابه من بهَا من السكان فقصده مُحَمَّد باشا فتعبأ أَصْحَابه لِلْقِتَالِ وتأهبوا للنزال ثمَّ بدا لَهُم الْخُرُوج إِلَى يَد نَائِب الباشا وَآل الْأَمر إِلَى فتك مُحَمَّد باشا بمشايخهم وفرار السَّيِّد إِلَى العصيمات ثمَّ وصل من بعد شهارة وَبهَا مَاتَ
وَفِي هَذَا الشَّهْر توفّي السَّيِّد الْعَارِف الْمهْدي بن الْهَادِي النوعة كَانَ ذَا ولوع بالتاريخ وصنف فِيهِ مؤلفا فِي جلدين سَمَّاهُ الإقبال ولاه شرف الْإِسْلَام الْحسن بن الْمَنْصُور ذِي السفال وَاسْتمرّ كَذَلِك فِي زمن الْمُؤَيد وَرَفعه المتَوَكل فَجعل لإبن أَخِيه صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن ولَايَة فِيهِ فَسَار إِلَى بَلَده ساقين ثمَّ عاود حَضْرَة الصفي وَدخل مَعَه حَضرمَوْت وَكَانَ فِي مُدَّة الْمُؤَيد عزم إِلَى ساقين بِمَال جزيل فَرفع خَبره إِلَى الإِمَام فاستدعاه من الطَّرِيق وَهُوَ بِبَيْت القابعي بِمَا مَعَه من المَال فوصل وَذكر أَن المَال من غلَّة أَمْوَاله الَّتِي شراها أَيَّام ولَايَة
الْحسن لَهُ وَمِمَّا أَحْيَاهُ هُنَالك فَكف عَنهُ الإِمَام غير أَنه سمح بِجَانِب مِنْهُ فَقَبضهُ الإِمَام لما عرف طيبَة نَفسه ببذله
وَفِي شهر رَجَب سَار صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن إِلَى رَأس غيل الخارد الْأَعْلَى سكن هُنَاكَ أَيَّامًا وَقطع شَجَرَة كَانَت الْعَوام قد أعادت بهَا شنار الْأَصْنَام وَلأَهل نهم فِيهَا إعتقاد جروا فِيهِ على مَنْهَج الْآبَاء والأجداد ثمَّ رَجَعَ الْغِرَاس وَقد قطع الْغِرَاس واجتثه من الأساس ثمَّ أَن الصفي مَا برح يعاود غيل الخارد وَيضم إِلَى التنقل جملا من الْمَقَاصِد فَصنعَ بِهِ الْحمام وطنب فِيهِ الْخيام وطاب لَدَيْهِ الْمقَام وَفِي هَذِه الْمدَّة أَشَارَ الإِمَام إِلَى ولد أَخِيه عز الْإِسْلَام أَن يسمح لَهُ بالعدين فَلم ير بدا من عدم الإسعاد وَهُوَ حقير فِي جنب وفور الأجناد وَكَثْرَة الأمداد وَالسَّعْي فِي حياطة الْبِلَاد والعباد أعَاد الله من بركَة الْجَمِيع آمين
وَفِي هَذِه الْمدَّة أذن الإِمَام للشَّيْخ عبد الله بن هرهرة بالغعود إِلَى بِلَاده وَفِي نصف شعْبَان سَار الإِمَام من وَادي أقرّ الْمَعْرُوف بدرب الْأَمِير وَبَيت القابعي إِلَى سَوْدَة شطب ثمَّ سَار عَنْهَا إِلَى بِلَاد عفار وكحلان وَعَاد إِلَيْهَا
خُرُوج الفرنج إِلَى سَاحل عدن وَفِي نصف رَمَضَان خرج جمَاعَة من شياطين البردقال من سواحل الْهِنْد إِلَى سَاحل عدن فِي ثَلَاثَة أغربة فجرت الرّيح بأمرهم رخاء وحالوا بَين التُّجَّار وبندر المخاء والنائب بِهِ يَوْمئِذٍ السَّيِّد ضِيَاء الدّين زيد بن عَليّ الجحافي وَكَانَ بَحر الود بَينهم وَبَينه غير صافي الحَدِيث
أوصل إِلَيْهِم فِي الْعَام الْمَاضِي لَا يمحوا حنقه عَن قُلُوبهم غير السّنة المواضي فَأرْدف على صَاحب دستهم ردفين وَوجه إِلَى نَحْو أغربتهم مدفعين مَعَ عَسْكَر يبتلعون كل بتان ويصيدون بعقبان راياتهم الشواهين مَعَ الْغرْبَان فَلَمَّا علم البردقال كَذَا أَنه لَا قدرَة لَهُم على مناصاة تِلْكَ الْأَبْطَال دبروا الْحِيلَة بِكُل فكر ولود وتفطنوا من مركب الْمُسلمين لجبخانة البارود ثمَّ أرْسلُوا عَلَيْهَا بَنَادِق من البارود بِتِلْكَ الهندسة فانقضت عَلَيْهَا من بطُون الأوراق كالسهام المقرطسة والطيور الَّتِي النيرَان لَهَا أَجْنِحَة أَو العساكر الَّتِي شرر الْجَحِيم لَهَا أسلحة فأحرقت الجبخانة مركب الْمُسلمين وصدقت المحنة والإبتلاء لأهل الدّين فانكسر مركبهم العامر ودارت عَلَيْهِم الدَّوَائِر فَهَلَك بِالسَّيْفِ من الْمُسلمين من هلك وَأدْركَ الْغَرق مِنْهُم من أدْرك وانتظمت مِنْهُم سلسلة الْأسر من لم يبرز عَلَيْهِ الْأَمر فتوجهوا تِلْقَاء كوَّة بالأسارى وابتهج لقدومهم من هُنَاكَ من النَّصَارَى فَلَمَّا حصلوا بَين يَدي النَّائِب أرسلهم إِلَى حَضْرَة سلطانهم الشَّيْطَان وخاضوا الْبَحْر إِلَى أَن وصلوا مستقره الَّذِي هُوَ بمغرب الجوان وَأخْبر الْفَتى سرُور من أهل المخا وَكَانَ من جملَة الأسرى الَّذين رجعُوا إِلَى الْيمن بعد أَن أطلقهُم سُلْطَان الفرنج أَنهم سافروا بهم فِي الْبَحْر سَبْعَة أشهر وَفِي الْبر ثَلَاثَة عشر شهرا وَلم يتوجهوا إِلَى أَمِيرهمْ الْأَقْرَب إِلَّا بعد أَن قضوا كل مأرب وترسموا على المراكب الْهِنْدِيَّة بِبَاب المندب فَأخذُوا الأتاوه كَمَا شاؤا وانفردوا
بغضب الله عَلَيْهِم وباؤا وانتهبوا سفر حَضرمَوْت وأرهقوهم الْمَوْت فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَلما طرق مسامع الصفي أَحْمد بن الْحسن هَذَا الْفِعْل الشنيع وَالْخَبَر الفظيع وَالْإِمَام يَوْمئِذٍ بعمران لم يَأْخُذ مِنْهُ حِينَئِذٍ رخصَة الإستئذان لتضيق هَذَا الْحَادِث الَّذِي يجرح لَهُ صدر الْإِسْلَام وَيحل شخص الْبَاطِل فِي أَعلَى ذرْوَة السنام فوالا المراحل وأنضى الرَّوَاحِل وَحل مَا كَانَ أحكمه من الإبرام من معاودة بَيت الله الْحَرَام لترجيح هَذَا المهم وَرفع هَذَا الملم وأبرق وأرعد وناجى نَفسه ببيتي أَحْمد
(تبدل أيامي وعيشي ومنزلي
…
نجايب لَا يفكرن فِي النحس والسعد)
(وأوجه فتيَان حَيا تلثموا
…
عَلَيْهِنَّ لَا خوفًا من الْحر وَالْبرد)
فرقم لَهُ فِي عليين ثَوَاب الْغُزَاة المرابطين وَلم يظفر بطلبته من أُولَئِكَ الشَّيَاطِين فَأَنَّهَا طارت بهم الْغرْبَان إِلَى الوطن قبل أَن يصل إِلَى بندر عدن وَالْإِمَام سَار إِلَى صنعاء بَقِي بهَا أَيَّامًا ثمَّ ارتحل إِلَى ضوران وَاسْتقر بِتِلْكَ الأوطان وفيهَا توفّي بِمَكَّة المشرفة الْعَلامَة الزمزمي
وفيهَا توفّي بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد القشاشي وَهُوَ الَّذِي شرح عقيدة الإِمَام المتَوَكل على الله
وَلما إستقر صفي الْإِسْلَام بعد أَن جهز إِلَى ملك الْهِنْد هَدِيَّة من الْخَيل الْعتاق وخيل الْيمن هُنَاكَ أعز من بيض الأنواق وأشف من الْبراق فَعَاد
الرَّسُول بعد أَيَّام بهدية مضاعفة وتحف مرادفة وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء منسلخ ذِي الْحجَّة توفّي الْأَمِير الْكَبِير الصَّدْر الشهير النَّاصِر بن عبد الرب بن عَليّ بن شمس الدّين ملك كوكبان وحافظ حوزته فِي ذَلِك الأوان وَهُوَ فرع من تِلْكَ الدوحة المتوكلية وشعاع مُتَّصِل بِتِلْكَ الهالة الشمسية
(وَابْن الأولى غير زجر الْخَيل مَا عرفُوا
…
إِذْ تعرف الْعَرَب زجر الشاو والعكر)
(جمال ذِي الأَرْض كَانُوا فِي الْحَيَاة وهم
…
بعد الْوَفَاة جمال الْكتب وَالسير)
كَانَت مخاليف الْيمن بِحُدُودِهِ تَحت رسم آبَائِهِ وجدوده تلقاها المطهر من أَبِيه الأطهر فرقم ملكه على صفحاتها بِلِسَان السَّيْف الأبتر
(وَمَا تقر سيوف فِي ممالكها
…
حَتَّى يقلقل دهرا قبل فِي القلل (
كرد عَنْهَا أُمَرَاء الأتراك بِكُل ملحمة بلغت بهَا سيول الدِّمَاء إِلَى كَعْب الشرَاك حَتَّى طهر مِنْهُم كل رستاق وأذاق شجعانهم السم الزعاق وَمَا خلا عَن طرف من الْعرْفَان الْمَنْسُوب إِلَى أَخَوَيْهِ فَخر الدّين عبد الله الرِّضَا وجمال الدّين عَليّ المرتضى ولكنهما تربعا فِي كرْسِي مملكة المعارف ولبسا من قمص التَّحْقِيق جميل المطارف وَمن وقف على مَا دَار بَينهمَا فِي الْجَواب عَن معنى قَوْله صلى الله عليه وسلم أَنا مَدِينَة الْعلم وعَلى بَابهَا تنسم نفحة كَلَام أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأعلم أَن السلالة النَّبَوِيَّة هم المُرَاد بقول الصَّادِق الْأمين لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي على الْحق ظَاهِرين واختص جمال الْهدى باقتناه السِّرّ العرفاني وسمت ذَاته إِلَى إرتفاع التجرد عَن حضيض هَذَا الْعَالم الفاني
وَلما انْقَضى دور الدولة المطهرية المطهرة تلعب من بعده وَبعد أَخِيه الْملك
شمس الدّين بالمملكة تلعب الصولجان بالكرة وفاتهم ضم النشر وَجمع الْأَمر فَفَاضَتْ روح مملكتهم إِلَى جَسَد الإشتراك واستحكمت الأتباع على أَمرهم حَتَّى سقط إِلَى ايدي الأتراك وأشخص مِنْهُم إِلَى الأروام من نفذت عَلَيْهِ أَحْكَام وصرفت بإمتحان أَقْلَام ثمَّ لما إستحكمت وَطْأَة الدولة المنصورية والعصابة القاسمية كَانَ أهل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ روحين فِي جثمان وجوادين فِي مقبض عنان فانضمت أَيْديهم على ملك كوكبان فَأمروا فِيهِ بِالْمَعْرُوفِ ونهو عَن الْعِصْيَان وقسموا بِالسَّوِيَّةِ وَعدلُوا فِي الرّعية وَمَا زَالَ الْأَمِير مِنْهُم يقفوا الْأَمِير والخطير الْمِقْدَار يتبع الخطير
(نُجُوم سَمَاء كلما إنقض كَوْكَب
…
بدى كَوْكَب تاوى إِلَيْهِ كواكبه)
وهم الْآن درة تَاج مجد باذخ وعصابة دَائِرَة بهامة ذَلِك الْعلم الشامخ فيهم البلغاء وَالْعُلَمَاء والعباد والكرماء وَلما انْقَضى حِسَاب الْأَمِير النَّاصِر طلع تَحْتَهُ وَلَده الْأَمِير عبد الْقَادِر نجيب الْأَفْعَال مُنْقَطع الأشكال
وَدخلت سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف فِي نصف محرمها توفّي حَاكم صنعاء الْيمن القَاضِي الْعَارِف شرف الدّين الْحُسَيْن بن يحيى السحولي وَدفن إِلَى جنب أَخِيه بالتربة الَّتِي تجمعهم بِبَاب الْيمن وضيعة المحاريق ملاصقة لمسجدهم وَفِي هَذِه السّنة كَانَ من صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام إبتدأ شعار يَوْم الغدير ثامن عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام بنشر الْأَعْلَام وسل المشطب الحسام وَمد الحراب وأشراعها على الرّقاب وَلما وصل الصفي إِلَى حَضْرَة الإِمَام وَهُوَ بجبور إجتمعا على هَذَا الشعار فَقَامَ بِهِ للشيعة شنار
وَجَاء الْخَبَر مَعَ حَاج الْيمن أَن عنزة إنتهبوا الركب الشَّامي وهزموا أَمِيرهمْ وأسروا وَلَده وَهُوَ صَغِير السن فتفاداه مِنْهُم بِمَال جزيل وَأما أَمِير حَاج الْيمن فَأن الحرامية تلقوهُ فِي رُجُوعه وَقتلُوا من عسكره أَرْبَعَة أَنْفَار وَمن
الْحجَّاج رجلا بِسَبَب تَقْصِيره فِيمَا يعتادونه وَقت دُخُوله وَحج الْعرَاق حج على أتم الْأَحْوَال بِسُكُون فتْنَة أَحْمد بن الْحَارِث كَمَا تقدم وَلما وصل أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ الْمَدِينَة رَاجعا تلقى فرمان الْعَزْل فانعزل وَسلم الْأَمر وامتثل
وفيهَا بِبِلَاد صنعاء ظَهرت دود خضر وسود فمنعت الإنبات وأكلت النَّبَات وَظَهَرت الدبا بالتهايم والسهول من الرمل وَفِي صفرها عزل صَاحب مصر الباشا بسواكن والباشا النَّائِب بالمسوع وجدد أَعنِي صَاحب مصر هَذَا الْعَام مقَام الشَّافِعِي وَأصْلح خللا فِيهِ
وَفِي ربيع الأول كثر الْجَرَاد بتهامة فَأَتَت على أَكثر الزرايع
وَفِي شهر ربيع كَانَ الْقرَان الألفي وَهُوَ قرَان المُشْتَرِي وزحل فِي برج الْقوس وَهُوَ الْقرَان الأول من الدّور الْخَامِس عشر كَمَا أجمع عَلَيْهِ الْحُكَمَاء وَله عِنْدهم أَحْكَام وَفِي هَذَا الْعَام لم يدْخل إِلَى بندر المخا غير يسير من البن بِسَبَب فتْنَة الفرنج الْمُتَقَدّمَة وفيهَا سَار مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام إِلَى الْإِصْلَاح بَين قبائل ذيبان وعيال عبد الله وَكَانَ الشَّرّ قد نشب بعد وُصُوله بَين أهل الرجو وَبَعض أهل الْبِلَاد بِسَبَب ضَربهمْ الطبل فِي بِلَاد الرجو ثمَّ زَالَ الإنضراب وَسكت الْكل وأنسد بَاب
وفيهَا وَقع حَرْب فِي عنس ومذحج وَقتل مِنْهُم قدر الْعشْرَة وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة هرب الشَّيْخ الْجيد من حبس ضوران إِلَى بِلَاده وفيهَا وصل إِلَى حَضْرَة أَحْمد بن الْحسن شيخ يُقَال لَهُ الجميلي وبلاده يُقَال لَهَا البديع متوسطة بَين الدواسر وَبَين الأحساء وَولَايَة بِلَاده منسوبة إِلَى الشريف صَاحب مَكَّة فِي
الْجُمْلَة فَأكْرمه وَعَاد بِلَاده وَمَعَهُ خطيب إستدعاه الْمَذْكُور فَلَمَّا إستقر ببلاده خطب للْإِمَام جُمُعَة أَو جمعتين ثمَّ عَاد الْخَطِيب وَلم يتم ذَلِك التَّرْتِيب
وَلما قبض عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام جانبا من بِلَاد وَلَده يحيى أَخذ بِطرف من أَعمال الْجند وَأذن لأهل النّوبَة بالإنصراف فَسَارُوا إِلَى حَضْرَة عَمه صفي الْإِسْلَام فَأَمرهمْ بالإستمرار على عهدتها مَعَه فَضربت فِي هَذَا الْعَام واشتاقت إِلَيْهَا نفوس الْعَوام لما يسمعونه عَن أهل الْأَسْنَان الْعَالِيَة المشاهدين لدولة الأروام وَلم يكن قصد عز الْإِسْلَام غير زحلفتها من بَاب وَلَده لتلقيها وأربابها جملا وافرة من مدده مَعَ كرمه الْمَشْهُور على صفحات الدهور فَلَمَّا تمّ لَهُ مُرَاده وغفل عَنْهَا عماده أَمر فَضربت بَين يَدَيْهِ وضوعفت أَسبَابهَا وأقيم أَرْبَابهَا وَقد تَركهَا الإِمَام الْأَعْظَم صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن عَليّ تضرب بَين يَدَيْهِ وَتعرض فِي كل عرضة عَلَيْهِ بعد أَن قبضهَا على الشريف إِدْرِيس وَالْجَوَاب عَن فعلهَا وَنَحْو ذَلِك من القدوحات الَّتِي غلت بهَا أَفْئِدَة الباغضين وهمهمت بهَا أَفْوَاه المتأكلين كَفعل الدواة الْمَحَلِّيَّة والمحضرة وإسدال الْحجاب بعض الأحيان وَنَحْو ذَلِك مَبْسُوط فِي كَرِيمَة العناصر فِي الذب عَن سيرة الإِمَام النَّاصِر وَغَيرهَا من كتب مَوْلَانَا الْهَادِي بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ المرتضى
إنتزاع ظفار من يَد الْأَمِير خلف وَفِي آخر شهر رَجَب إختلف الْأَمر على خلف وإضطراب وَهُوَ الْأَمِير على ظفار من جِهَة الْعمانِي الْمُسَمّى سُلْطَان بن
سيف فَإِن آل كثير مَا زَالَ ذَلِك المعقل شجا فِي حُلُوقهمْ وَرَايَة سَوْدَاء فِي سوقهم لِأَنَّهُ نَازل من حَضرمَوْت وعمان منزلَة الْوَاسِطَة من عقد الجمان فهم يرَوْنَ أَن خلفا تطفل على ظفار ويتناشدون فِي مجَالِس السمار
(قدر أحلك ذَا الْمجَاز وقدرى
…
وأبى مَالك ذُو الْمجَاز بدار)
فَشُنُّوا الغارات على خلف وَكَاد أَن يَذُوق مرَارَة التّلف وَقتلُوا من أَصْحَابه زهاء أَرْبَعِينَ وَكَانَ أرسلهم لإستنجاز مطَالب وَقَضَاء مأرب فَلَمَّا رأى خلف أَن الْفِرَار نِهَايَة الملاذ وَأَن قراة إمارته صحت من الشواذ هرب إِلَى حَيْثُ يجد الإعتصام وخدمت ضَمِيره جوَار فِي الْبَحْر كالأعلام فَأصْبح أثرا بعد عين وَلم يتْرك بظفار غير مدفعين فَدَخلَهَا السُّلْطَان مُحَمَّد بن جَعْفَر الكثيري وَبدل قوانينها وَالْأَحْكَام وحول الْخطْبَة بهَا للْإِمَام وَلما سك هَذَا الْخَبَر مسمع الْعمانِي وَكسر من سُورَة نَصبه التحتاني شمخ أَنفه وتشاوس طرفه وَقَالَ لم نبعث أَمِير إِلَى ذَلِك الصقع الحقير إِلَّا تَلْبِيَة الدَّاعِي آل كثير وإشالة بضبع من عدم النصير وَإِلَّا نَحن فِي غنية عَن تِلْكَ الْبِلَاد بمملكتنا الوافرة ودولتنا الْقَاهِرَة وَأما أميرنا خلف فَلهُ عَن هَذَا الْألف المركوز خلف وَهُوَ متبر عَنهُ من المبادي ولسان حَاله يُنَادي
(فيا برق لَيْسَ الكرخ دَاري وَإِنَّمَا
…
رماني إِلَيْهِ الدَّهْر مُنْذُ ليَالِي)
إِلَى كَلَام يمِيل بِهِ الحيداء وَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ يتنفس الصعداء
وَفِي أول فصل الصَّيف من هَذِه السّنة حصل غيم ومطر طبق جَزِيرَة الْيمن
فِي شَرق وَغرب وقبلة وعدن واتصل كَذَلِك بِشَهْر رَجَب وَشَعْبَان فَمن الزرايع مَا بَطل لِكَثْرَة الْمَطَر وَمِنْهَا مَا أثمر وَهُوَ الْأَكْثَر وَهَبَطَ السّعر عِنْد جذ الثِّمَار حَتَّى بلغ سعر الْقدح إِلَى عشرَة كبار وَفِي شعْبَان حصلت غوائر مَا بَين بِلَاد خِيَار ووادعة الظَّاهِر فَقتل سَبْعَة أَنْفَار من الْجَانِبَيْنِ فأدبهم الإِمَام وارتفع ذَلِك الْخِصَام وَفِي رَمَضَان احتال الهيثمي لِلْخُرُوجِ من حبس كوكبان فتم لَهُ الْخُرُوج لَكِن شعر بِهِ أهل الأهجر فِي الطَّرِيق فاعادوه وضوعف عَلَيْهِ التَّضْيِيق وفيهَا توفّي حَاكم ذمار القَاضِي الفقهي المبرز فِي قَوَاعِد الْفِقْه والفرائض مُحَمَّد بن صَلَاح الفلكي وَكَانَ لَهُ الْيَد الطُّولى فِي علم الهندسة والمساحة مَعَ دماثة أَخْلَاق وَحسن عبارَة ولطف مساق وَللسَّيِّد صفي الدّين أَحْمد بن الْحُسَيْن رحمه الله فِي تَارِيخ وَفَاته
وَفِي شَوَّال طلع عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن من الْيمن الْأَسْفَل إِلَى ذمار ثمَّ إِلَى ضوران فقر بِالْإِمَامِ ناظرة وأشفى بِهِ خاطره ثمَّ توجه إِلَى صنعاء والسعود ناظره إِلَيْهِ وَرَايَة الإقبال خافقة عَلَيْهِ وَلما انهمك النَّاس فِي الطّلب وَاخْتَلَطَ على الإِمَام حَال ذَوي الإستحقاق وإضطرب أَمر الْعمَّال بِعرْض التحاويل وَهُوَ نظر دَقِيق من هَذَا الإِمَام الْجَلِيل
وَفِي هَذَا الْعَام أتفق أَن حَاكم بِلَاد بعدان تنَازع إِلَيْهِ خصمان فَبعد تَقْرِير الْأَمر بَين يَدَيْهِ رغمت أنف أَحدهمَا بعد الحكم عَلَيْهِ فثارت حرارته وهاجت مرارته ففتك بالحاكم وَقتل بعده بِالْقصاصِ اللَّازِم
وَفِي هَذِه الْمدَّة توالت الْفِتَن بَين بني حُذَيْفَة وسحار من بِلَاد صعدة فَسَار إِلَيْهِم جمال الْإِسْلَام عَليّ بن أَحْمد بن الإِمَام فاستاق أَشْيَاء من مَوَاشِيهمْ على جِهَة التَّأْدِيب وفيهَا كتب الإِمَام إِلَى سُلْطَان الْعَجم عَبَّاس شاه على طَرِيق المعاهدة وجلب الالفة فَأجَاب الشاه بِمَا يدعوا إِلَى الصَّفَا ويكمل بِشُرُوط الوفا
وَدخلت سنة أَربع وَسبعين وَألف
وَفِي نصف محرم مِنْهَا خسف الْقَمَر ببرج الدَّلْو حَتَّى انطمس جرمه وفيهَا سَار الإِمَام من ضوران إِلَى صنعاء وَفِي عيد النَّحْر حصل بعمران حَرْب بَين قبائلها وعيال سريح بِسَبَب دُخُولهمْ إِلَيْهَا بالطبول على مَا جرت بِهِ قَوَاعِد الْقَبَائِل من الآنفة عَن ذَلِك وَذهب فِي الْفَرِيقَيْنِ أَربع نفوس وَكَانَ بهَا يَوْمئِذٍ السَّيِّد بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام فَفرق بَين الْفَرِيقَيْنِ وَرفع الْفِتْنَة من الْبَين
وَفِي هَذِه الْمدَّة فرض الإِمَام مجبا يُؤْخَذ من أهل البيع وَالشِّرَاء وَضرب
نَاظر الْوَقْف على كل وَاحِد من الجزارين شَيْئا مَعْلُوما وَاسْتمرّ ذَلِك إِلَى ربيع الثَّانِي من سنة سبع وَسبعين وتضرر بِهِ النَّاس فرفعه الإِمَام وَأما النَّاظر فأبقاه لسهولته على النَّاس وَفِي الْعشْرين من جمادي الأولى سَار الإِمَام من رَوْضَة حَاتِم إِلَى الخارد لضيافة إستدعاه لَهَا صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن ثمَّ سَار مِنْهُ إِلَى ناعط ثمَّ خرج إِلَى السودة ثمَّ سَار إِلَى شهارة وَاسْتقر بهَا زَمَانا
وفيهَا وصل رجل من الغرب الْأَقْصَى من القيروان وَمِمَّا أخبر بِهِ أَن بعض أُمَرَاء تِلْكَ الْبِلَاد لَهُ مرْآة يرى الْإِنْسَان فِيهَا بَاطِنه كَمَا يرى ظَاهره وَهَذَا لَا يكَاد يصدق بِهِ والعهدة عَلَيْهِ فِيمَا نقل
وَفِي رَجَب طلع الْقَمَر فِي برج الدَّلْو خاسفا وَفِي رَجَب توفّي القَاضِي الْعَارِف أَبُو الْقسم بن الصّديق التهامي الضمدي بمحروسة زبيد جعل إِلَيْهِ الإِمَام منصب الْقَضَاء بهَا بعد إرتفاع يَد القَاضِي إِسْحَق بن جغمان وَلما مَاتَ بهَا للتاريخ الْمَذْكُور أُعِيد القَاضِي إِسْحَق إِلَى منصبه وَفِي رَمَضَان جَاءَت الْأَخْبَار أَن الأنقريز إنتهبوا بندر سورت فِي الْهِنْد وَخَرجُوا عَن طَاعَة سلطانهم فتغلبوا على بلدانهم
وَفِيه حصل شجار بَين سُفْيَان وسحار بِحَضْرَة الإِمَام بشهارة وأفضى إِلَى تراجم وتراجم فحجز بَينهم عَسْكَر الإِمَام وَفِي شَوَّال مَاتَ الْأَمِير طَالب بن
الْحُسَيْن الجوفي أَمِير بيحان وَتلك الْبلدَانِ استدعى إِلَى صنعاء من أجل قتل بعض قرَابَته ببيحان فَتوفي بهَا
وَفِي شَوَّال مَاتَ القَاضِي الْعَالم عَليّ بن سعيد الهبل بعد أَن طعن فِي السن وَذهب بَصَره كَانَ حَاكما بشهارة بتولية الْمُؤَيد بِاللَّه معولا عَلَيْهِ مرجوعا فِي أَكثر القضايا إِلَيْهِ فَلَمَّا مَاتَ إِمَامه إنتقل إِلَى بِلَاده خولان صنعاء وسيقت إِلَيْهِ واجباتها وَلما قضى نظر الإِمَام المتَوَكل على الله بتوليه الْبِلَاد إرتفعت يَد القَاضِي عَن الإصدار والإيراد وتخلف عَنهُ مَا كَانَ ينساق إِلَيْهِ من الأمداد فانتقل بأَهْله إِلَى رَوْضَة حَاتِم وَأدْركَ بهَا حسن الْخَوَاتِم فَهِيَ كَمَا قلته فِي قصيدة
(مَا يعدل الرَّوْضَة الْغِنَا وبهجتها
…
سوى الْجنان فَلَا تنقص وَلَا تزد)
(فنونها نعْمَة للناظرين وَفِي
…
أفنانها نعْمَة للطائر الغرد)
(أقمارها عانقت أَغْصَانهَا جذلا
…
وصافحتها قماراها يَد الْيَد)
(والفوج يحمل فِي راحات ساحتها
…
مجامر الند فِي الحارات والسدد)
(وَالنّهر يمشي الهوينا فِي جداولها
…
كَأَنَّهُ الْملك يمشي مشي مقتصد)
(يسْقِي قَوَارِير كرم للبياض بدا
…
كلؤلؤ بَين منثور ومنتضد)
(ورازقيا غَدا فِي كف قاطفه
…
كَأَنَّهُ ذهب فِي كف منتقد) (
وَمَات القَاضِي بهَا فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَفِي ذِي القعده حصل حَرْب فِي صعفان من بِلَاد حراز بِسَبَب محجر المرعا إختلفت فِيهِ أَحْكَام الْحُكَّام فَأخذ كل فريق بقول إِمَام وأفضى الشجار إِلَى قتل سَبْعَة أَنْفَار فبادر الإِمَام بِالْإِرْسَال عَلَيْهِم وأدبهم بِمُقْتَضى الْحَال
وفيهَا أَمر الإِمَام الشَّيْخ عَامر بن صَلَاح الصايدي بالنزول إِلَى تعز وافتقاد مَا شجر بَين السَّيِّد الْحُسَيْن المحرابي عَامل عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن وَالشَّيْخ رَاجِح الكينعي عَامل الإِمَام بعد أَن قتل فِي الْبَين وَاحِد من أَصْحَاب أحد الرجلَيْن فَنزل إِلَى هُنَاكَ والتأمت بوصوله الْأَحْوَال مَا بَين الرئيسين
وفيهَا أَمر الإِمَام بِبِنَاء قصر مَدِينَة عيان وإعادته على مَا كَانَ فِي دولة آل عُثْمَان فناب على عمل عِمَارَته السَّيِّد الرئيس صَالح عقبات وَلما كمل بُنْيَانه وَارْتَفَعت أَرْكَانه على كره من أهل الْبِلَاد لميلهم إِلَى دواعي الْفساد اسْتَقر بِهِ السَّيِّد وَأمر الإِمَام أَن تجمع زكوات خيوان وَغَيره إِلَى ذَلِك الْقصر وَمَا زَالَ السَّيِّد مُسْتَقرًّا بِهِ إِلَى أَن ظهر لَهُ من سُفْيَان مَا يقْضِي بالخدع والعصيان وَلم يكن عِنْده نِصَاب يقطع بِهِ تِلْكَ الْأَسْبَاب فاستعفا الإِمَام عَن الْبَقَاء بعيان وَرفع إِلَيْهِ حَدِيث سُفْيَان فَأَجَابَهُ واستدعاه وَاسْتحْسن مَا رَآهُ
وَفِي هَذِه السّنة ساخ جبل فِي جِهَات مدوم من بِلَاد الشّرف وَكَانَ على ظَهره أَمْوَال هَلَكت بهلاكه وَفِي شهر ذِي الْحجَّة ثارت فتْنَة بَين خيوان وَبَين صبارة فِي سُفْيَان وَذهب من الْجَمِيع سَبْعَة أَنْفَار فأدبهم الإِمَام وهدأت نَار حربهم عَن الإضطرام
وفيهَا أَو الَّتِي بعْدهَا أحرق الإِمَام كتاب الفصوص لإبن عَرَبِيّ وَهُوَ محيي الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن عَرَبِيّ الطَّائِي الْحَاتِمِي الأندلسي بِنَاء على أَن مَا فِيهِ كفر بحت
وَدخلت سنة خمس وَسبعين وَألف فِي نصف محرمها خسف الْقَمَر فِي برج الدَّلْو
إستيلاء صَاحب الْبَصْرَة على الحسا والقطيف قد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن عِيسَى باشا طرد أَبَاهُ وَمَشى فِيمَا يأباه حِين لم يخْفض لَهُ جنَاح الذل من الرَّحْمَة وَلَا اسْتَفَادَ حِين عدم بر الْوَالِدين دوَام النِّعْمَة وَإِن أَبَاهُ صَمد إِلَى الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة بقلب ملسوع وَحَال غير مَجْمُوع فَفِي هَذِه الْأَيَّام ناقشه صَاحب الْبَصْرَة الباشا حُسَيْن وتاقت نَفسه إِلَى بِلَاده فَفتح الْعين إِلَى ضم القطرين وطحنه بالأنفاس وهم أَن يُرْسل عَلَيْهِ شواظين من نَار ونحاس فَعِنْدَ أَن أنس من مَمْلَكَته رَمَاه من حشاه ذَلِك الْقطر العريض الطَّوِيل فَكَأَنَّمَا جناله غرس العقوق حَبَّة فيل فارتفع عَن كرْسِي ملكه وَلَا كإرتفاع الْمَسِيح وَخرج من بِلَاده رَاهِبًا والراهب قد يسيح وانْتهى بِهِ الْهَرَب إِلَى حرم الحبيب وسوحه الرحيب فَوَقع على الْأمان بدعوة الْخَلِيل إِبْرَاهِيم وَكَانَ قد أدْرك عِيسَى من الْخَوْف مَا أدْرك مُوسَى الكليم واتصل بحمى الشريف زيد وخلص من حبائل الكيد وَكتب عرضا إِلَى السُّلْطَان يستعديه على صَاحب الْبَصْرَة ويستخرج من رفيع العتبات راية الأفراح لتحصل النُّصْرَة فَكَانَ بِسَبَب ذَلِك التَّجْهِيز على الباشا حُسَيْن كَمَا سَيَأْتِي فَإِن الباشا عِيسَى بعد أحيان عاوده الزَّمَان وانتصر لَهُ السُّلْطَان ولعلها عَادَتْ عَلَيْهِ عواطف تَوْبَة أبرمها أَو حَسَنَة قدمهَا
وَفِي ربيع الأول سَار عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام إِلَى ذمار وَفِيه جَاءَ الْخَبَر عَن مَكَّة أَن أسواقها زينت لفتح حصل لجنود السُّلْطَان بِبِلَاد مالطة
وَفِي ربيع آخر هبت بجهات لحج ريح عقيم فِيهَا عَذَاب أَلِيم فاحتملت فِي الجو شَيْئا من الْحَيَوَانَات وَقيل إِنَّهَا إحتملت ثَلَاث نسوه ثمَّ دفع الله ضرها وَكفى أمرهَا وَفِي نصف هَذَا الشَّهْر سَار صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام إِلَى أَعلَى الْجوف فوصل إِلَى مَحل يُسمى الْمُلْتَقى بسفال وَادي شوابة فَأصْلح أحوالا وَأقَام هُنَاكَ أَمْوَالًا وَهِي أوطان مغلة كَانَت مُهْملَة مُنْذُ زمَان
فزرعت الذّرة وَالْبر وَالشعِير والجلجلان وَلم تنْبت الْفَوَاكِه والبن بعد تَكْرِير الْغَرْس إِنَّمَا كَانَ ينْبت الشّجر وَلَا ينبث لَهُ ثَمَر وَفِي أول جُمَادَى الأولى ظهر نجم فِي الْمشرق لَهُ ذَنْب طَوِيل وَنور مستطيل فِي مِقْدَار سَبْعَة أَذْرع ثمَّ انْتقل إِلَى وسط السَّمَاء واعوج كالقوس ثمَّ عَاد إِلَى الإستقامة وإبتدأ ظُهُوره فِي برج الثور وَقت السحر ثمَّ انْتقل إِلَى الْمغرب ثمَّ عَاد إِلَى الْمشرق وَقبل الْفجْر ثمَّ بعد نَحْو شَهْرَيْن إضمحل وَهُوَ من النيازك وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ مَا يقْضِي أَن ظُهُورهَا معلم لإرتفاع الأسعار وَقد جرت بذلك الْعَادَات فِي غَالب الْأَوْقَات وَفِيه وَقع بِبِلَاد برط وَقت الْعَصْر صعقات لنجوم خرت من السَّمَاء فَوَقَعت بِبَلَد هُنَاكَ تسمى الْعَنَان وَسمعت أصواتها فِي بِلَاد سُفْيَان وَفِي تَاسِع وَعشْرين من جمادي الْآخِرَة كسفت الشَّمْس وَقت صَلَاة الضُّحَى من يَوْم الْجُمُعَة فِي برج الجدي بعقدة الذَّنب
وفيهَا وصل السُّلْطَان بدر بن عبد الله الكثيري إِلَى الإِمَام من طَرِيق الْجوف وَكَانَ قد أعد للْإِمَام هَدِيَّة فانتهبتها بَدو المعضة عَلَيْهِ أهل الْمشرق وَاسْتَأْذَنَ السُّلْطَان بدر الإِمَام فِي الْحَج وَمَعَهُ ولد أَخِيه فَسَار وَمَات بطرِيق الْحَج فرجح رَأْي الإِمَام أَن يُوَجه للشحر نَائِبا فسير إِلَيْهَا الْفَقِيه أَمِير الدّين الْقرشِي وقرريد ولد السُّلْطَان على ولَايَة حَضرمَوْت وَمَا إِلَيْهَا وَهُوَ السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن بدر
وَفِي رَجَب ظهر فِي جبل جبع من مساقط بِلَاد حفاش رجل يُنَادي ويعظ النَّاس وَلَا يعرف لَهُ مَحل مَخْصُوص دخل هيجة لاحمة وتوارى بهَا أَيَّامًا وسمى نَفسه عبد الله وَادّعى تَارَة أَنه واعظ شرِيف وَتارَة أَنه الْمهْدي وَلَيْسَ هَذَا زمَان
الْمهْدي كَمَا يظْهر لمن رَاجع الْآثَار النَّبَوِيَّة والملاحم المروية مَعَ أَن ظُهُور الْمهْدي من مَكَّة كَمَا جَاءَ فِي الْأَخْبَار وَآل أمره إِلَى أَن عمر هُنَاكَ قصرا وَجعل حوليه أَمَاكِن الْخَيل وَله أَصْحَاب قد أفسد أَحْوَالهم وزين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم وَحَقِيقَة أمره أَنه رجل من بني سود لَهُم اصل فِي الرِّئَاسَة والتظهر بِمَا فِيهِ غرابة من الْأُمُور فيلبث نَهَاره بِالْبَيْتِ الَّذِي عمره ويوهم القصاد أَنه نَائِب عبد الله فَإِذا أرْخى اللَّيْل سدوله لبس هَيْئَة الصُّوفِيَّة من القبع والمسبحة وَنَحْو ذَلِك وَقد يلبس الملابس الفاخرة ثمَّ يخرج إِلَى الْخَلَاء وشواهق الْجبَال وَتظهر مِنْهُ أصوات تقع فِي خاطر من يسْمعهَا وَأَصْحَابه عِنْد هَذَا الشّغل يرصدون من مَكَان قريب ليحفظوه ويقوموا بخدمته فَمن رام أَن يَأْخُذ مِنْهُ وَقْفَة يُشَاهِدهُ فِيهَا فَلَا سَبِيل إِلَى ذَلِك إِنَّمَا يكون بَينه وَبَينه قيد رمح أَو أَكثر إِمَّا فِي ليل دامس أَو مَعَ التستر الشَّديد فِي ليَالِي الْقَمَر فيخاطبه بِأَلْفَاظ عامية تقضي بِأَنَّهُ من أحاد الْعَوام الَّذين يستفزون طيش ضعفة الْعُقُول وَمَا زَالَ على هَذَا الْحَال حَتَّى تأثل حَاله وَجمع النذور من كل أَوب وشحن بهَا بَيته وَأَخْبرنِي صاحبنا القَاضِي الْعَلامَة فَخر الدّين عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن عبد الْمُؤمن النزيلي حماه الله إِنَّه نحى إِلَى وَالِده أَن عبد الله الْمشَار إِلَيْهِ هُوَ السودي بِعَيْنِه فَأرْسلهُ إِلَى هُنَاكَ ليَأْخُذ حقائق الْأَحْوَال وَهَذَا القَاضِي عبد الْقَادِر بِمحل من الذكاء لَا يجوز مَعَه التراهات وَلَا تتفق عِنْده الخرافات فعزم وَمَعَهُ من يَخْدمه إِلَى هُنَاكَ فَعِنْدَ أَن وصل طلب موقفا من السودي فأسعده إِلَى ذَلِك فأتقن كَلَامه وَكَيْفِيَّة عِبَارَته ونغمات صَوته وإنفصل عَنهُ إِلَى مَكَانَهُ الَّذِي صرفه إِلَيْهِ وَكَانَ قد ذكر لَهُ أَن يَأْخُذ لَهُ رَأيا من عبد الله فِي الإتفاق فَقَالَ لَا يتهيأ لَك الإتفاق بمولانا عبد الله إِلَّا فيب
اللَّيْل بِمحل كَذَا وَكَذَا وسينبهك على ذَلِك من مأنره بالتنبيه فَلَمَّا أقبل اللَّيْل أرصد القَاضِي فَخر الدّين بَاب بَيت السودي وَمَعَهُ أَتْبَاعه كَذَلِك فَلم يشعروا إِلَّا بِخُرُوج السودي من الْبَاب على هَيْئَة مُنكرَة وَلم يزل يتلفت حذرا من أَن يطلع على تدليسه ثمَّ إلتقاه جمَاعَة وبعدوا عَنهُ وَلما بعد عَن بَيته ظَهرت مِنْهُ تِلْكَ الْأَصْوَات وأشعر القَاضِي بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ فَسَار إِلَيْهِ وَوصل بِالْقربِ مِنْهُ وَلم يصافحه بل كَانَ بَينهمَا مَسَافَة فَمَا زَالَ يؤنسه ويسأله عَن وَالِده ويبحث عَن اشياء ذكرت النَّهَار بِحَضْرَة السودي قَالَ القَاضِي فَغير صَوته بِأَن رَفعه وَإِلَّا فالصوت الصَّوْت وَالرجل الرجل والعبارة الْعبارَة فاستأذنته وَقد فرغت من تَحْقِيق حَاله
وَقد أفْضى تَدْلِيس هَذَا الْمَذْكُور إِلَى الملحمة الَّتِي طحنت الجماجم وأنست بالعظائم فَإِن السَّيِّد إِبْرَاهِيم المحدوري فِي رَجَب فِي سنة إِحْدَى عشرَة وَمِائَة وَألف ثار من جبل مدوم وَادّعى أَن عبد الله هُوَ الْمهْدي المنتظر وَإنَّهُ نَائِب الْمهْدي ثمَّ استغلوا أهل الشّرف وطافت عساكره الْبِلَاد بِالسَّيْفِ إِلَى أَن وصلوا ثلاء فانعكس حَالهم وأصدق فيهم أهل ثلاء الطعْن وَالضَّرْب ووصلوا ببقيتهم إِلَى سمسرة وهب وهم نَحْو الثَّمَانِينَ وَلما وصلت إِلَى صنعاء أجناد الإِمَام متوجهة على ذَلِك الْفَاجِر الْحقيق بقول الشَّاعِر
(شرِيف أَصله أصل حميد
…
وَلَكِن فعله غير الحميد)
(كَأَن الله لم يخلقه إِلَّا
…
لتنعطف الْقُلُوب على يزِيد)
فتكوا بهم صبرا عَن آخِرهم وتوجهوا لبلاده وَقد استغوا أهل الْجِهَات الغربية وَأكْثر أهل الْبِلَاد الظَّاهِرَة والظليمية حَتَّى إنبهر مِنْهُ الشريف صَاحب مَكَّة ذكر لي ذَلِك عَنهُ من لقِيه فِي حجَّة تِلْكَ السّنة واتفقت ملاحم ذهب فِيهَا من الْجَانِبَيْنِ تَحت السَّيْف نَحْو خَمْسَة آلَاف نفر وَآل أمره إِلَى
الْفِرَار إِلَى صعدة حَضْرَة السَّيِّد الْعَلامَة عَليّ بن أَحْمد بن الإِمَام فَلَمَّا خَاضَ مَعَه فِي مُسْتَند مَا فعله أجبا بِجَوَاب يقتضى بِأَنَّهُ من أَغْنَام النَّاس فحبسه ثمَّ أطلقهُ إِلَى السَّيْف
وَقد وضعت مَا هُوَ أبسط من هَذَا فِي تسيير أمره وبدو شَره وَكنت لَا أَشك فِي أَنه أحد الدجاجلة لَوْلَا أَن فِي الحَدِيث أَن بَين السَّاعَة قَرِيبا من ثَلَاثِينَ دجالًا كل وَاحِد مِنْهُم يَدعِي النبؤة وَهُوَ لم يدع النُّبُوَّة كَمَا سلف وَقلت فِي ذَلِك
(فِي رَجَب دَاع دَعَا
…
إِلَى فَسَاد وَتلف)
(يَا بئس مَا قدمه
…
من الْقَبِيح واقترف)
(فِي فتكه بالعلما
…
وكل من لَهُ شرف)
(وَوَصفه قد جَاءَ فِي
…
تَارِيخه شَرّ الشّرف) وَقلت
(مِثَال الْمَعَالِي بالعوالي اللهاذم
…
وَمسح الطلا بالبيض لَا بالطلاسم)
(وَتَحْت ظلال المشرفية جنَّة
…
أرائكها منضودة من جماجم)
(محت سود أرقام الكهانة فِي الوغا
…
ذوابل أرماح كنقش الأراقم)
(وجرد إِذا هاج الْوَطِيس تزأرت
…
عَلَيْهَا لهاميم الكماة الضراغم)
(تناعس إِبْرَاهِيم فِي سنة الْكرَى
…
وَمَال إِلَى أضغاثه كل نَائِم)
(ورام افتتاحا للبلاد بجبة
…
وقبع وطلسم غَدا نقش خَاتم)
(وَفِي كل وَاد هام بِالسحرِ قلبه
…
وَوَافَقَهُ فِي سخفه كل هايم)
(وصير تمويه الكهانة حجَّة
…
فَطَافَ بِهِ فِي حجَّة والتهايم)
(وَلَو كَانَ (بدر بن الْمقنع) مقنعا
…
لَكَانَ عَلَيْهِ الْيَوْم دين الْأَعَاجِم)
(أما أَن هاروتا وماروت حذرا
…
بِبَابِل من يشرى بصفقه نادم)
(وللنصح قَالَا إِنَّمَا نَحن فتْنَة
…
لقوم فَلَا تكفر بِرَبّ العوالم)
(فَمَا بَال إِبْرَاهِيم علم قومه
…
وأهمل نصحا كَانَ ضَرْبَة لَازم)
(وَزَاد على هَذَا فأودع سحره
…
حمائل فِي قمصانهم والعمائم)
(يروم دوَام الْملك فِي قفل مدوم
…
وهيهات غير الله لَيْسَ بدائم)
(أيدعى إِمَامًا من تعاطى شَرِيعَة
…
بِجَهْل وعادى كل قطب وعالم)
(وَبث إِلَى الْآفَاق جمعا مكسرا
…
با وفاقه حَتَّى انثنى غير سَالم)
(فحكمت الْأَبْطَال فيهم صوارما
…
وَمَا غَيرهَا فِي فيصل من تحاكم)
(وَلَو حكمُوا فِي مَا أَتَوا من صنيعهم
…
لدانوا بِأَن الله أعدل حَاكم)
(أيا قَاسم دم قاسما كل مغنم
…
فَإنَّك فِي ذَا الْعَصْر أهيب قَاسم)
(سللت سيوفا مزقت درع سحرهم
…
وَكَانَ لجرح الْبَغي اشغى المراهم)
(وأودعت أطواق الْحَدِيد رقابهم
…
وَهل ينفع المسحور غير التمائم)
(وَحين تَمَادَوْا فِي قَبِيح فعالهم
…
بعثت بأساد الجلاد القشاعم)
(تَطوف من الْأَبْطَال شرقا ومغربا
…
بطوفان نوح من قِنَا وصوارم)
(لقد نصبوا فَوق الذوابل أرؤسا
…
تنوح على الخرصان نوح الحمائم)
(وأفنوا بطاريق الوغا فِي بروجها
…
وَلَو أَنَّهَا لاذت ببرج النعائم)
(لإن فر إِبْرَاهِيم عَن حومة الوغى
…
فَمن فَوْقه طير الشقا أَي حائم)
(وَمَا فر إِلَّا والمهند خَلفه
…
يلوح وأصوات الردى فِي هماهم)
(فَلَو كَانَ فرعانا ودبر حِيلَة
…
إِلَى الجو لاستنزلته بالسلالم)
(وَلَو كَانَ بلقيسا لأرسلت آصفا
…
فجَاء بِهِ فِي لمحة أَي راغم)
(تنْحَل عَنَّا صعدة الشَّام لائذا
…
فَكَانَ لبرق الشؤم أمثل شائم)
(مضى ليقص الحادثات لمن بهَا
…
وَقد قصّ من علياه ريش القوادم)
(وَكَانَ لشدق الهندواني طعمة
…
فَللَّه سيف طاعم أَي طاعم)
(كَذَا من عصى فِي مَذْهَب الْبَغي رَأسه
…
فَلَيْسَ لَهُ غير العواصي العواصم)
وَلما انحسم ضَرَره وبتر عمره تَوَجَّهت الأجناد إِلَى تتبع بَقِيَّة أَصْحَابه وَفِيهِمْ السودي فاتفقت عِنْد ذَلِك حروب مُتعَدِّدَة تولى شَأْنهَا الْأَمِير السَّيِّد الْأَعْظَم إِسْحَاق بن الْمهْدي وَغَيره وَكَانَ غَايَة ذَلِك الإستيلاء على جمَاعَة السودي وفر بِنَفسِهِ إِلَى حَيْثُ يخفى مَكَانَهُ ويستتر جثمانه وسكنت زعازع فتنته واستراح النَّاس من قَبِيح فعلته وَلَيْسَ هَذَا مَحل الْقِصَّة وَإِنَّمَا جر إِلَيْهِ ذكر السودي الْمُسَمّى بِعَبْد الله
وَفِي اول شعْبَان سَار صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن إِلَى معِين من بِلَاد الْجوف وَأرْسل جمَاعَة من الْجند إِلَى صروم المعضة الَّذين انتهبوا هَدِيَّة السُّلْطَان بدر فَاسْتَاقُوا بعض مَوَاشِيهمْ ثمَّ تبعتهم المعضة بعد عزمهم ففاتتهم الْمَوَاشِي وَقتلُوا من أَصْحَاب الصفي أَرْبَعَة أَنْفَار وَاتفقَ بَين بني أَسد بسفيان هَذِه الْأَيَّام غارات ذهب فِيهَا سِتَّة أَنْفَار وَفِي هَذَا الشَّهْر سَار السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن عَليّ الغرباني من صنعاء إِلَى برط وَلما وصل إِلَيْهِم ذكر لَهُم أَشْيَاء استنكرها من السِّيرَة المتوكلية وَأَنه قد تضيق عَلَيْهِ الْقيام وَعَلَيْهِم الْإِجَابَة والإنعام وَآل أمره إِلَى الْعود إِلَى صنعاء لانخرام ذَلِك الْحساب وَعدم من يُعينهُ على فتح هَذَا الْبَاب
وَفِي رَمَضَان توفّي السَّيِّد الْعَلامَة عز الدّين بن دريب بالطويلة غربي كوكبان وبيته هُنَالك وَكَانَ صَاحب عرفان فِي الْفِقْه مشاركا فِي غَيره وَسمع البُخَارِيّ
على بعض بني النزيلي وَكَانَ فِي زمن الْمُؤَيد بِاللَّه نَائِبا بالطويلة فَلَمَّا صَارَت إِلَى الْأَمِير النَّاصِر بن عبد الرب بِولَايَة الإِمَام المتَوَكل عذره عَنْهَا فاستمر استقراره بهَا وَتَوَلَّى منصب الْقَضَاء وَكَانَ بَصيرًا بمواقع الْجَواب كتب إِلَيْهِ الإِمَام وَهُوَ أَمِير بخدار للداعي أَحْمد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ صنو الإِمَام وَكَانَ من كِتَابه لَا يَنْبَغِي من مثلكُمْ وَأَنْتُم بِمحل من الْعلم أَن تَكُونُوا بغاة علينا ومحاربين لنا وصنوكم أَحْمد الْمُتَقَدّم إِلَى الدعْوَة عَلَيْكُم فَأجَاب الإِمَام ظنية اجتهاديه وَكَانَ صَاحب توقد وحدة وَفِي الْأَحَادِيث الدائرة على الْأَلْسِنَة الحدة تعتري خِيَار أمتِي
اتّفق فِي بعض مجَالِس تدريسه أَن رجلا رَاجعه فِي العقائد وَكَانَ ذكر لَهُ أَن مَذْهَب آبَائِك كَذَا وَكَذَا فَقَالَ أَنا أعرف بِمذهب أهل الْبَيْت مِنْك وأقوالهم وكتبهم ورواياتهم وأحوالهم ثمَّ أَمر بِإِخْرَاجِهِ من حَضرته وَأَن لَا يعود إِلَيْهَا
وَلما اسْتَقر الصفي هَذِه الْمدَّة بالجوف وجد هُنَالك مآثر أشبه بأهرام مصرمحفوفة بنهر مُرَاد ونهر شوابه وَهُوَ نهر فوار لَا يُمكن عبوره أَيَّام الأمطار وَفِي غَيرهَا لَا يعبره إِلَّا الشطار قيل وَهُوَ كنهر السحول بِالْيمن لَكِن أَهله أشرار وَلَيْسَ فِي الْغَالِب من أهل الْقَرار إِنَّمَا عمدتهم على اللحوم والألبان لاعلى الثِّمَار وَلما تخَلّل الصفي وَمن مَعَه تِلْكَ المآثر الَّتِي تبهر الْإِنْسَان وتنطق عَن ساكنيها بِغَيْر لِسَان دبت عَلَيْهِم نمل كَأَنَّهَا الرمل وأزعجتهم عَن ذَلِك الْمحل وَهَذِه الأثار المجهولة والأطلال الَّتِي كَانَت مأهولة قد حملت فِي نظيرها فِي بِلَاد دهمة طيور على من أَرَادَ أَن يفتش عَن عجائبها حَتَّى اضطرتهم إِلَى الْخُرُوج عَن جوانبها
وَفِي شَوَّال اتّفق أَن بَيْتا بِالْقربِ من دَار النَّقِيب جَوْهَر سَعْدَان شرس على أَهله الجان وأصابه طائف من الشَّيْطَان فتكرر إِلَيْهِ الرَّجْم فِي اللَّيْل