الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِفَايَته وكفاية من إِلَيْهِ من أَصْحَابه وأخدانه وأحبابه وَأما عَليّ بن شمسان فَإِن الإِمَام رجح بقاه ذَلِك الأوان وَعمر لَهُ دَارا فاخرة وأجرى عَلَيْهِ الإنعامات الغامرة وَبعد ذَلِك وصل السَّيِّد الْعَلامَة إِسْمَاعِيل بن الْقَاسِم إِلَى جبل ضوران إِجَابَة لداعي أَخِيه الْحُسَيْن فَإِنَّهُ كَانَ قد استدعاه لينوب فِي تِلْكَ الْجِهَات مَا دَامَ بِالْيمن الْأَسْفَل وَلما وصل انتهض السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن الْحُسَيْن إِلَى حَضْرَة وَالِده متوخيا التتميم لمقاصده فوصل وَبَقِي شهر رَمَضَان وَعَاد إِلَى صنعاء فِي شَوَّال
وفيهَا تقدم عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن من ذمار إِلَى حَضْرَة عَمه الْحُسَيْن فوافاه بإب ثمَّ نزلا إِلَى تعز وَمَا زَالَ عز الْإِسْلَام يلاطف عَمه الْحُسَيْن فِي زِيَادَة قطعته وَيذكر لَهُ أَنَّهَا قَاصِرَة عَن الْوَفَاء بِمَا عَلَيْهِ وَفِي أثْنَاء هَذِه السّنة ذكر بعض السادات أَن السَّيِّد أَحْمد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَاسِم أصَاب فِي دَار الكيخيا كنزا عَظِيما من الذَّهَب الْأَحْمَر وَلَعَلَّه كَانَ من دَفِين عبد الله شلبي لِأَنَّهُ كَانَ مستقره لما حاصره حيدر باشا ايام الباشا جَعْفَر
وَدخلت سنة خمسين وَألف
فِيهَا تهَيَّأ شرف الْإِسْلَام للطلوع من الْيمن الْأَسْفَل الى ضوران ثمَّ الزِّيَارَة لحضرة الإِمَام فَسَار فِي شهر ربيع من السّنة الْمَذْكُورَة
فتح بَغْدَاد
وفيهَا وصلت الْأَخْبَار من تِلْقَاء الرّوم أَن السُّلْطَان مُرَاد بن أَحْمد خَان بن
عُثْمَان قصد محاصرة بَغْدَاد واقتلاع تِلْكَ الأفلاذ والشاه كَانَ قد استولى عَلَيْهِ وسَاق شحنته وَسَائِر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَكَانَ فِي الأَصْل من قَاعِدَة مَمْلَكَته إِنَّمَا وثب عَلَيْهِ الشاه بِقُوَّة جرأته فأحاط بِهِ من جَمِيع الجوانب ورتب عَلَيْهِ البواش والأغوات والمرازب وكل مقدم من أُولَئِكَ الْأَعْيَان ضبط تَحْتَهُ عُمْدَة من الرِّجَال والفرسان وَيُقَال إِنَّه كَانَ جملَة الخارجين مَعَ السُّلْطَان فِي ذَلِك الصوب أَرْبَعَة عشر لكا وَكَانَ جملَة أَيَّام الحطاط أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَعظم على السُّلْطَان الْخطب واستتب سعير هَذِه الْحَرْب بِسَبَب قُوَّة أَصْحَاب الشاه وَمَا كَانَ قد اخترعه من التَّرْتِيب وأنشأه فقصد الشَّيْخ الْأَعْظَم عبد الْقَادِر الكيلاني واستمد مِنْهُ الأنفاس وَأَن تكون جائلة أثْنَاء الصدام والمراس ثمَّ أَمر الْحداد أَن يصنع لَهُ مدفعا من الخوارق ليطلق على سور بَغْدَاد من جَوْفه صواعق وَفعل كَمَا أَمر وَوجه إِلَى السُّور فِي الْأَثر فَلَمَّا انْتَهَت حجره إِلَى الدائر انعكست على أَصْحَاب السُّلْطَان مُرَاد فأهلكت مِنْهُم جملَة من الْأَعْدَاد ثمَّ رمى بِهِ أُخْرَى فَفتح جانبا من السُّور وَكَانَ بِسَبَبِهِ الْفَتْح الْمَشْهُور لِأَنَّهُ انهار جانبا من ذَلِك الدائر فتبادرت إِلَى الدُّخُول مِنْهُ العساكر وَقتلُوا فِي بَغْدَاد عددا لَا يضبطه قلم وَكَانَ الشاه بِنَفسِهِ فِي جَانب من الْقصر ففر بِنَفسِهِ بعد تَدْبِير الْحِيلَة الْعَظِيمَة فِي ذَلِك فصادف هربه إشتغال النَّاس بِالْقَتْلِ وَالسَّلب والنهب وَلما أدْرك النجَاة كتب إِلَى السُّلْطَان مُرَاد يطْلب مِنْهُ الصُّلْح على
مَا عدى هَذِه الْبِلَاد وَأَن يَأْمَن كل فِي سربه ويشتغل بطائفته وَحزبه فَأَجَابَهُ إِلَى مَا رام وَلم يكن فِي خلده غير فتح مَدِينَة السَّلَام واستقرت يَد الشاه على بِلَاده الَّتِي هُوَ فِيهَا من جبال فَارس وَمَا إِلَيْهَا وَاقْتصر بعد أَن عاين ذَلِك الهول عَلَيْهَا مَعَ أَنه لم يتْرك أثْنَاء حصاره مجهودا فِي إذهاب ريح السُّلْطَان فقد دبر الْحِيلَة الغريبة لَو كَانَت تصرف عَن الْحدثَان حكى أَنه ربى هرا وربط بِذَنبِهِ فتائل النَّار ثمَّ أرْسلهُ بعد التَّرْتِيب الى جبخانة البارود مَعَ غَفلَة بواردية السُّلْطَان مُرَاد فولج ذَلِك الهر وأحرق الجبخانة وَلم يَتَعَدَّ الْحَرِيق إِلَى غَيرهَا وَلما فتحت بَغْدَاد أَمر السُّلْطَان بعمارة قبر أبي حنيفَة رضى الله عَنهُ بِبَغْدَاد وَكَانَ الشاه قد أَمر بخرابه واعتل بِأَن أَبَا حنيفَة كَانَ يُعَارض الإِمَام جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق رضى الله عَنهُ بالفتوى الى غير ذَلِك وَأمر السُّلْطَان أَيْضا بعمارة قبر الإِمَام عَليّ بن مُوسَى الرضي فاصلح القبرين وَعمر المشهدين وَعظم الْإِمَامَيْنِ وَهَذِه من مناقبه قيل وَكَانَ مُرَاد السُّلْطَان مُرَاد
التَّجْهِيز على الْيمن بعد فتح بَغْدَاد فَلَمَّا تمّ لَهُ ذَلِك الْمطلب وتهيأ للتوجه على الْيمن وتأهب بلغه أَن صنوه إِبْرَاهِيم بن أَحْمد خَان قد خَالفه إِلَى إِرَادَة الاستبداد وخان وتغلب على مملكة الرّوم وَتمّ لَهُ الدست فِيمَا يروم فداخله من الضّيق مَا صده عَن تِلْكَ الطَّرِيق وأسرع بِهِ إِلَى طَرِيق الْمنية وعاون عَلَيْهِ سُلْطَان الْأَغْرَاض النفسانية فَفَاضَتْ روحه وخلا عَنهُ سوحه وَلما ثَبت أَخُوهُ السُّلْطَان إِبْرَاهِيم على كرْسِي السلطنة تحركت نَفسه لفتح مالطة وَمَا وَرَاءَهَا من تِلْكَ الممالك الشاحطة وَيَأْتِي فِيمَا بعد عَام خَبره وَكَيْفِيَّة نَصره وظفره
وَلم يفْتَتح السُّلْطَان مُرَاد مَدِينَة السَّلَام إِلَّا بعد إفناء الْأَمْوَال العديدة والذخائر العتيدة والأبطال الكرارة وَالْخَيْل المختارة وَأول جَيش توجه على بَغْدَاد من قبل السُّلْطَان جَيش الباشا حَافظ أَحْمد وَرجع بعد حروب طَوِيلَة بقلب مكمد وَتَبعهُ إرْسَال الْوَزير الْأَعْظَم والجناب الْمُقدم فطال حصاره للمدينة وَضرب خيامه بمشهد الْحُسَيْن وَرجع عَن فتح الْمَدِينَة بخفي حنين لكنه فتح كثيرا مِمَّا حولهَا وَتعقبه هَذَا المركز الْكَبِير الَّذِي كَانَ فِيهِ هَذَا الْفَتْح الشهير وَلما اسْتَقر الصُّلْح كَمَا سلف بَين السُّلْطَان مُرَاد والشاه قرر أَخُوهُ على مراسمه وَمَشاهُ برسوم رسمت على الشاه مِنْهَا إتاوة يحملهَا إِلَى السُّلْطَان فِي كل عَام فِيهَا الْحَرِير وَغَيره وَلم تطب حَال الشاه بعد غخراجه عَن الْعرَاق واستيلاء السلطنة على تِلْكَ الْآفَاق وَتعقب ذَلِك خُرُوجه عَن دَائِرَة الْحَيَاة وَدخُول مَمْلَكَته فِي يَد وَلَده صفي شاه ثمَّ إِن ابْن أَخِيه عَبَّاس شاه ثار عَلَيْهِ وَأخذ المملكة من يَدَيْهِ وجرعه كأس الْمنية وأعدمه تِلْكَ الأمنية
ولسلاطين الْعَجم هولاء حَسْبَمَا تَوَاتر أَحْوَال حكمُوا فِيهَا الْملك الَّذِي عاقبته إِلَى زَوَال مثل فرش الْأَبْنِيَة بخالص الْحَرِير وَاسْتِعْمَال أنية الذَّهَب
وَالْفِضَّة المرصعة بالجواهر النفيسة وَإِطْلَاق رسن البطالين فِي مدنهم مَعَ البغايا تعللا بِشُبْهَة الْمُتْعَة وتسليط بعض الْأَنْعَام على بعض بالإغراء بَينهَا للتفرج والتفكه بِمَا يتَّفق مِنْهَا وَقد يسمون مارك فِي النطاح بِمن يغمصون جَانِبه من الصَّحَابَة وَإِذا غلب صالوا على من هُوَ فِي ملكه وَذكر بعض السادات عَمَّن روى لَهُ أَو شَاهد أَنهم يرقمون أَسمَاء مشاهير الصَّحَابَة فِي نعَالهمْ ويرفعون أَصْوَاتهم بلعنهم ويجعلون ذَلِك نوعا من التَّقَرُّب إِلَى الله وَهَذِه خَاصَّة لَيْسَ بنكير من مَذْهَبهم وَمن هُوَ على طرزهم إِنَّمَا العجيب إنهماكهم عَن آخِرهم فِي تِلْكَ الْأَحْوَال الَّتِي تدل على الْخُلُو عَن الْعقل والحشمة بِكُل حَال وَعدم الْإِلْمَام بِشَيْء من شَرِيعَة الْملك المتعال فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم
وَفَاة الْحُسَيْن بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَاسِم
وَفِي شهر ربيع الآخر من هَذِه السّنة طلع شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن من الْيمن الْأَسْفَل إِلَى ذمار وَاتفقَ فِيهِ بَين مُعَسْكَره وَبَين أهل الْمَدِينَة شجار لِأَن عَسْكَر الحيمة الَّذين كَانُوا صحبته أَرَادوا دُخُول الْبيُوت وَلم يكن قد سبق مثل ذَلِك من الْعَسْكَر فاحتركت نفوس أهل ذمار وَأَقْبلُوا عَلَيْهِم بالحجار وَكَانَ فِيهَا يَوْمئِذٍ عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام فَكَأَنَّهُ كَانَ مِنْهُ إِلَيْهِم رمز لطيف إِن ذبوا عَن أَنفسكُم وَلَو بِالدفع العنيف قبل أَن تثبت عَادَة ويعسر تغييرها عِنْد الْإِرَادَة فَيثبت مَا رسموه وَلم ينْحل مَا أبرموه
وَأما الْحُسَيْن فَإِنَّهُ علق بِهِ الْأَلَم من ذَلِك الْحِين وَيُقَال أَنه ذَات الْجنب فَفَارَقَ الْحَيَاة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس الشَّهْر الْمَذْكُور وَإِلَى الله عَاقِبَة الْأُمُور وَكَانَ قد قَامَ بكفاية بِلَاد الْحسن بن الإِمَام فدبر الْأُمُور وساس الْجُمْهُور وَكَانَ رَحمَه
الله بعد وَفَاة صنوه وتحمله لعهدته قد ظهر مِنْهُ الْخلق الْوَاسِع وَالعطَاء النافع وَحضر دَفنه ولد أَخِيه عز الْإِسْلَام وقبر حول حوطة الإِمَام المتَوَكل على الله المطهر بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الحمزي وَأما علمه فَهُوَ الَّذِي طبق الْآفَاق وانعقد عَلَيْهِ الإتفاق ويكفيه تَحْقِيقا وتدقيقا وترصيفا وتنميقا مُؤَلفه فِي أصُول الْفِقْه الْمُسَمّى غَايَة السول وَشَرحه الْمُسَمّى هِدَايَة الْعُقُول وَقد كتبت مِمَّا قلته فِي ديباجة غَايَة السول
(لله من غَايَة أعوذها
…
بِاللَّه من عين كل ذِي حسد)
(كم كللت للفصول جَوْهَرَة
…
وَكم لَهَا من يَد على الْعَضُد)
وَقد اشْتغل آخر مدَّته بِالْحَدِيثِ وَسمع الْجُزْء الأول من صَحِيح مُسلم على الْفَقِيه الْحَافِظ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الحيمي رحمه الله وَله مُصَنف فِي عدم اشْتِرَاط الإِمَام الْأَعْظَم فِي صَلَاة الْجُمُعَة وَهُوَ لقَوْل الشَّافِعِي وَللسَّيِّد الإِمَام الْحسن الْجلَال مُصَنف فِي نهجه وأصل هَذَا الْبَحْث للأمير الْحُسَيْن وَقد زَاد عَلَيْهِ مَا لَا معدل عَنهُ للنظار الإِمَام الْحجَّة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن
المرتضى فِي رِسَالَة مَشْهُورَة وَله رِسَالَة فِي النَّهْي عَن منع الشَّافِعِيَّة من القادمين فِي الصَّلَاة لما مَنعهم بعض وُلَاة الْيمن الزيدية جهلا مِنْهُ وَنَهَاهُ الْحُسَيْن عَن التَّعَرُّض للنَّهْي عَن الْمسَائِل الخلافية وَلما وصلت الرسَالَة إِلَى الْيمن أثنوا عَلَيْهِ خيرا وَله مُخْتَصر أدب الْعَالم والمتعلم وَله حَوَاشِي على أساس أَبِيه الإِمَام الْأَعْظَم وَشَرحه للسَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد الشرفي رحمهم الله وَكَانَ لَهُ من شدَّة الْبَأْس مَا يخرج عَن طور الْبشر ومواطنه مَعَ شجعان الأتراك أَيَّام الحطاط على حيدر وَغَيرهَا مَعْرُوفَة وَمِمَّا اتّفق لَهُ من الشدائد الْعَظِيمَة أَنه سبح فِي بعض الْأَيَّام فِي غَدِير الرصدين من جِهَات البطنة من بِلَاد عذر فَغمسَ فِي المَاء كَمَا يَفْعَله الماهر فِي عمل السباحة فقذفه المَاء عِنْد إرتفاعه إِلَى جَانب شَدِيد الظلمَة فانحسر عَنهُ المَاء لِأَن الغدير بَين جبلين فَبَقيَ فِي ذَلِك الْجَانِب متحيرا فِي أمره من نَهَار ذَلِك الْيَوْم الى صباح الْيَوْم الثَّانِي فَعِنْدَ ذَلِك ظهر لَهُ شُعَاع الشَّمْس عِنْده شروقها وَأدْركَ ضوءها بَين المَاء فَغمسَ فِي المَاء تخيتا وتخمينا لمصعد النجَاة فخلصه الله وبرز من ذَلِك الخضم بعد أَن حصل الْإِيَاس عَنهُ ثمَّ
وَكَانَ رحمه الله يرى أَن الْخلاف بَين الْعلمَاء فِي أصُول الدّين لَفْظِي وَأَنه
لَا يجوز التَّكْفِير والتفسيق بالإلزام وَمِمَّا ذكره فِي شرح غَايَة السُّؤَال أَن تَرْجِيح الدَّاعِي يكون بالإرادة وَهُوَ قَول السَّمرقَنْدِي وَغَيره وَمن مآثره رحمه الله الْمَسْجِد الْمَشْهُور بِبَاب السبحة ووقف عَلَيْهِ مَا يَكْفِيهِ وَقد زَاده وَحسنه وَلَده الْعَلامَة عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الإِمَام وَلم يلبث بعد صنوه الْحسن غير سنة وَكَانَ أَخُوهُ الْمُؤَيد بِاللَّه رحمه الله قد جعل إِلَيْهِ مَا كَانَ إِلَى الْحسن بأجمعه وَلما مَاتَ شرف الْإِسْلَام توجه مَا كَانَ إِلَيْهِ من أَعمال العساكر إِلَى عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن وَقَررهُ الإِمَام على الْقطعَة الَّتِي بِيَدِهِ من عَمه الْحُسَيْن وَاقْتصر عَلَيْهَا خلى انه أمده من بَقِيَّة الْبِلَاد بأرزاق من انضاف إِلَيْهِ من الأجناد هَذَا وَيَد عز الْإِسْلَام مُطلقَة فِي تَنْفِيذ الْأَوَامِر والإنصاف من الْمَظَالِم وَإِصْلَاح قوانين الْبِلَاد اليمنية
وَفِي شعْبَان هَذَا الْعَام توفّي السَّيِّد الْمُجْتَهد عز الدّين مُحَمَّد بن عز الدّين الْمُفْتِي رحمه الله وَكَانَ وَفَاته بذهبان وَنقل إِلَى خُزَيْمَة غربي صنعاء وقبر إِلَى جنب وَالِده فِي مدفنهم الْمَعْرُوف بخزيمة وَكَانَ هَذَا السَّيِّد زِينَة الْأَيَّام بركَة فِي الْأَنَام وَجه إِلَيْهِ منصب الْفتيا من الباشا فَأفْتى فِي الْمذَاهب الْأَرْبَعَة مَعَ ورع شحيح وَدين قويم صَحِيح وَمن مشايخه السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن أَحْمد المؤيدي وَالسَّيِّد الْعَلامَة صَلَاح بن عبد الله الْوَزير وَلم يتَخَرَّج فِي الْفِقْه إِلَّا فِي آخر الْأَمر فَإِنَّهُ أنْفق جُمْهُور شبابه فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية ثمَّ اقبل على الْفِقْه
بِالْقَلْبِ والقالب فجلا فِي ميدانه وَملك مقبض عنانه وَله الْبَدْر الساري فِي أصُول الدّين وَشَرحه وَاسِطَة الدراري وَقد سلك مَسْلَك الْحجَّة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم فِي الإيثار والعواصم وَالرَّوْض الباسم إِلَّا أَنه لم يُصَرح بمذهبه وَقد أفْصح عَن بعض مطلبه فَإِنَّهُ قوى مَا يعْتَمد إِلَيْهِ فِي الْبَاطِن وَترك مَكَان مَا لَا يُريدهُ من التفتيح والتنقيح من بَاب المساكن وَهِي صناعَة تدل على غور حصيف وذهن شرِيف وملاحظة لأحوال الزَّمَان ومداراة حَسَنَة للأخوان وَله شرح تَكْمِلَة الْأَحْكَام للْإِمَام الْمهْدي عليه السلام وَله مَنْهَج الْإِنْصَاف فِي النَّهْي عَن سبّ الصَّحَابَة وَله غير ذَلِك من الأنظار الَّتِي عجز عَنْهَا النظار بِعِبَارَة قَصِيرَة وفوائد غزيرة وَكَانَ يُفْتِي بِمَا لَا يلائم خاطر الباشا فِي بعض الْأَحْوَال وينتظم لَهُ مَا أَرَادَ وَلَا يتَغَيَّر لَهُ حَال
اتّفق فِي مُدَّة جَعْفَر باشا أَنه أفتى بِيَوْم الْفطر فَأفْطر من أفطر بفتواه فَطَلَبه الباشا وعاتبه فِي ذَلِك وَقَالَ لَهُ كَانَ عَلَيْك أَن تشعر الأفندي فَقَالَ السَّيِّد قد أشعرناه فَطلب الأفندي إِلَى حَضْرَة الباشا وَسُئِلَ فِي ذَلِك فَقَالَ كلَاما مَعْنَاهُ أفتى السَّيِّد بِشَاهِدين مَا يكمل بهما الحكم على مَذْهَب أبي حنيفَة لأَنهم لَا يعْملُونَ إِلَّا بِأَرْبَعِينَ شَاهدا حَيْثُ الْأُفق لَا عِلّة فِيهِ من سَحَاب وَلَا غَيره فَتغير خاطر الباشا وَقَالَ للسَّيِّد ليكن حَبسك بَيْتك فانفصل عَن حَضرته وَبَقِي ببيته أَيَّامًا ثمَّ أَن الباشا استدرك هَذِه الهفوة فاستطاب خاطر السَّيِّد وَنَوع لَهُ الْإِحْسَان وَقد كَانَ ينْسب إِلَى جَعْفَر باشا الْميل إِلَى جَانب الْعلمَاء بِسَبَب أَنه كَانَ لَهُ حِصَّة وافرة فِيهِ سِيمَا علم الْمَعْقُول
وَدخلت سنة إِحْدَى وَخمسين وَألف فِيهَا جهز السُّلْطَان إِبْرَاهِيم بن أَحْمد خَان على مالطة من بِلَاد الفرنج بأطراف جَزِيرَة الأندلس مِمَّا يَلِي الْحَرْب فَمَا زَالَت سراياه تناوش تِلْكَ الديار بحروب تذهل عِنْدهَا الْقُلُوب واستفتح