الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيهَا قتل الصوباشي على سوق صنعاء رجل من شعب لإحن قديمَة بَينهمَا
وَفِي لَيْلَة خَامِس عشر من جُمَادَى الْآخِرَة خسف الْقَمَر عِنْد طلوعه ببرج الثور وَفِيه جَاءَ الْخَبَر أَن أَصْحَاب حمود غزوا بندر القنفذة وَأَرَادُوا انتهابه فحرقوا أَطْرَاف البندر ودافعهم أَهلهَا فانكسروا بعد أَن ذهب بِالْقَتْلِ ثَلَاثَة أَنْفَار
وَفِيه شرع مُحَمَّد بن الإِمَام فِي استنباط غيل بالجرادء من أَعمال سنحان فَوجدَ الحفارون ثمَّ آثَار مجار قديمَة وَهُوَ حَال الرقم جَار يزِيد تَارَة وَينْقص أُخْرَى
وَفِيه وَقعت حروب فِي الْبَحْر مَا بَين الْعمانِي والفرنج بحدود بندر مسكت وَفِي رَجَب غزت المعضة وهم بَدو الْجوف وَمَعَهُمْ غَيرهم إِلَى بيجان فَلَقِيَهُمْ الْأَشْرَاف بذلك الْمَكَان وَوَقع بَينهم حَرْب آل الْأَمر إِلَى قتل سِتَّة من الْأَشْرَاف وجماعتهم وَنهب بعض الْمَوَاشِي
وَفِيه انتهب الْقَافِلَة بالعمشية أهل جبل غربان من أَطْرَاف بِلَاد خولان فَأرْسل عَلَيْهِم الإِمَام نَحْو خَمْسمِائَة من الْعَسْكَر فانتهبوا مَوَاشِيهمْ وَجَاءُوا بهَا إِلَى الإِمَام فوصلوا بعد ذَلِك إِلَى الحضرة يَشكونَ وَعَن فعلهم يَعْتَذِرُونَ فَرد إِلَيْهِم الإِمَام بعض النهب بعد رد مَا أَخَذُوهُ وَفِيه وصل إِلَى الإِمَام مَشَايِخ الحرامية من تِلْكَ الْبِلَاد التهامية ومساقط الْبِلَاد النجدية بِمُوجب طلب الإِمَام لَهُم لما انتهبوه على الْحَاج
قصَّة الشريف حمود بن عبد الله والأروام
قَالُوا إِن الشريف حمود بن عبد الله لما تقررت لسعد مراسم الْولَايَة ولحظ من السلطنة العثمانية بِعَين الْعِنَايَة أنفذ وَلَده إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان وأودع إِلَيْهِ مَا فِي خاطره من الأشجان فتعرض لَهُ صَاحب مصر بالتعويق وَمنعه عَن مُرُور الطَّرِيق فاستشاط حنقه واستطار قلقه فَأخذ يعتسف الْأُمُور ويحجر الطَّرِيق السُّلْطَانِيَّة عَن الْمُرُور فَتوجه عَلَيْهِ أحد البواش بِمصْر فِي عَسَاكِر
مَعْدُودَة وألوية معقودة وخزائن منقودة
وَكَانَ الشريف يَوْمئِذٍ بينبع فحط الباشا على أَطْرَافه وتأهب حمود فِي حَاشِيَته وأشرافه وَفِيهِمْ مُحَمَّد بن يحيى بن زيد فابتدأ الْحَرْب حمود فصدمهم بخميس هُوَ غرته وجيش لَا يَتَّقِي بالسابري معرته قلب جنبيته ذُو أحسن قد أشرعوا خرصانهم وأرخوا أرسانهم
(وَفِي أكفهم النَّار الَّتِي عبدت
…
قبل الْمَجُوس إِلَى ذَا الْيَوْم تضطرم)
(هندية إِن تصغر معشرا صغروا
…
بحدها أَو تعظم معشرا عظموا)
فلفح بَينهم هجير العراك وَوَقع الِاخْتِلَاط والاشتباك حَتَّى احتست الرماح من أقداح الرؤوس المفلقة وفاضت أَرْوَاح مَا أخالها من الَّتِي هِيَ فِي أَجْوَاف طير خضر معلقَة وقهرت بآخر المعركة صولة الْعِصَابَة الحسنية فاستأصلت شأفة الطَّائِفَة العثمانية
(وأزرق الصُّبْح يَبْدُو قبل أبيضه
…
وَأول الْغَيْث قطر ثمَّ ينسكب)
ناهيك أَن لم ينج من العطب إِلَّا من سعد بخته بالهرب وأعيت عَنهُ مواقع الطّلب ثمَّ أَمر الشريف حمود بذخيرة الباشا وشحنته وفيهَا مَا يخجل ضبط نفيسه الأقلام وتقطع لأَجله الأواصر والأرحام فنفح الْأَشْرَاف من تِلْكَ النفائس بجمهور وادخر مَا بَقِي مِنْهَا لعواقب الْأُمُور وَمُحَمّد بن يحيى فِي هَذَا الْحَرْب قلب ساقته وعقاب رايته
وَفِي شعْبَان سَار من بَيت القابعي إِلَى سَوْدَة شظب فصَام بهَا رَمَضَان
وَفِيه أرسل الإِمَام إِلَى حَضْرَة سعد بن زيد نَقِيبًا من الأهنوم يستطلع أَخْبَار الْبَصْرَة وَمَا آل إِلَيْهِ أَمر حمود
وَفِي رَمَضَان توفّي نَائِب جيزان وَأبي عَرِيش الشريف مُحَمَّد بن صَلَاح وَكَانَ فِي نظم الْأَحْوَال وَحفظ أَطْرَاف الْبِلَاد بِمحل عَظِيم وَخَلفه وَلَده الشريف أَحْمد بن مُحَمَّد
وَفِي ثَانِي وَعشْرين مِنْهُ وَهُوَ الثَّالِث وَالْعشْرُونَ من شباط ظهر وَقت الْمغرب من مسْقط الشَّمْس فِي الْمغرب عَمُود
نور مستطيل جدا أشبه شَيْء فِي عرضه وَطوله بالمنارة مُشْتَمل على برج الْحُوت وَأول برج الْحمل ولبث قدر عشْرين يَوْمًا يغرب وَقت الْعشَاء وَهُوَ من ذَوَات الأذناب الَّتِي يحدثها الله فِي غَالب الْعَادة عِنْد أَن يحدث غلاء الأسعار وَقلة الأمطار وَتعقبه غلاء شَدِيد وفاقة فِي الْقطر اليمني وَدَار النَّاس فِي الْبِلَاد لطلب الكلا والزاد
وفيهَا أَو الَّتِي بعْدهَا مَاتَ القَاضِي الْعَلامَة الْمُفْتِي عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن عمر النُّعْمَان الضمدي وَله كتاب السّلم شرح معيار الإِمَام الْمهْدي وحاشيته الموشح للخبيصي وَهِي مَعْرُوفَة متداولة فِي قدر حجم الموشح وَمَا كَانَ شرع فِيهِ من تَخْرِيج شفا الْأَمِير الْأَعْظَم الْحُسَيْن بن بدر الدّين وَلم يتم
وفيهَا توفّي قَاضِي جيزان عبد الله الضمدي وَفِي شَوَّال جَاءَ صَحِيح الْخَبَر بِخُرُوج طَائِفَة مصر الشَّام على الشريف حمود ثمَّ النّفُوذ إِلَى مَكَّة وهم زهاء أَرْبَعَة آلَاف فيهم خَمْسَة أُمَرَاء
وَفِي هَذِه الْأَيَّام جهز الإِمَام النَّقِيب سعيد بن ريحَان أَمِير للْحَاج اليمني وَاخْتَارَهُ لكماله واستمرار حسن أَحْوَاله وَضعف حج الْيمن هَذَا الْعَام بِسَبَب مَا اتّفق فِيهِ من الْقَحْط الْعَام وَاتفقَ أَيْضا بِمَكَّة وَسَائِر تهَامَة بِحَيْثُ رَجَعَ بعض الْحَاج من صَبيا
وبهذه السّنة أُصِيب أهل قَرْيَة بالشرق بصواعق تَتَابَعَت وَكَثْرَة فأهلكت بعض من فِي الْقرْيَة فانتقل الْبَاقُونَ إِلَى قَرْيَة أُخْرَى وَمن أعجب مَا اتّفق عِنْد ذَلِك أَن بعض المنتقلين نقل من أَحْجَار تِلْكَ الْقرْيَة إِلَى الَّتِي انْتقل إِلَيْهَا فأصابته الصَّوَاعِق فَتركت تِلْكَ الْقرْيَة وأحجارها وتحامى النَّاس بعد ذَلِك آثارها
وفيهَا أنشأ السَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ الغرباني رِسَالَة بهَا اعتراضات فِي السِّيرَة المتوكلية
وفيهَا اتّفق بَين الْجند الْعمانِي والبرتقال حَرْب بالبحر وَرجع الفرنج من بَاب المندب بعد أَن لَبِثُوا فِيهِ نَحْو ثَلَاثَة أشهر وَاشْتَدَّ الْقَحْط بِمَكَّة حَتَّى
رُوِيَ أَنه يَمُوت بِكُل يَوْم مائَة نفس فَأكْثر وَمن الدَّوَابّ والأنعام مَا لَا يحصر وَاسْتمرّ هَذَا الْحَال أَيْضا بِالْيمن من شَوَّال إِلَى آخر سنة تسع وَسبعين حَتَّى اتّفق أَن رجلا بِصَنْعَاء كفن بعد أَن كملت أَمَارَات مَوته ثمَّ أصعد على النعش وَحمل فَتحَرك وأفصح بالْكلَام وهتف بِالطَّعَامِ فَأعْطِي مَا طلب وَظهر أَنه إِنَّمَا ساخ وانقلب وَأكل بعض النَّاس الْميتَة وَكثير من النَّاس يطْلب الْقُوت بالبكاء والتمارض فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم حَتَّى كَانَ بِسَبَب هَذِه الشدَّة فِي الْيمن أَنه جَاوز المخا إِلَى جدة مركب شاحن من النفائس الْعَالِيَة والتفاريق الغالية وَكَانَ هَذَا بِخِلَاف الْعَادة
وفيهَا تعرض بعض هُذَيْل من قبائل مَكَّة لانتهاب الْقَافِلَة الدَّاخِلَة إِلَى مَكَّة من جدة فشعر بهم الشريف سعد فَوَثَبَ عَلَيْهِم وثوب الْأسد الْورْد وَضرب مِنْهُم رقابا وَقطع أَمِيرهمْ إربا
(أَلا لَا يجهلن أحد علينا
…
فنجهل فَوق جهل الجاهلينا)
وَفِي ذِي الْقعدَة طلع عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام من إب وجبلة إِلَى الْبِلَاد الْعليا فاستقر بيريم أَيَّامًا ثمَّ تقدم إِلَى ذمار وَعِيد فِيهِ الْأَضْحَى ثمَّ سَار إِلَى ضوران لزيارة ضريح وَالِده الْحسن ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ ثمَّ تقدم إِلَى صنعاء الْيمن فوصلها فِي محرم السّنة الْآتِيَة.
وَكَانَ تَحْويل هَذِه السّنة بِدُخُول الشَّمْس أول دَرَجَة الْحمل آخر شَوَّال وَاتفقَ قرَان بَين المُشْتَرِي والزهرة ببرج الثور وَكَانَ المريخ فِي الْعَقْرَب وزحل فِي أول برج الدَّلْو
وَفِي هَذِه السّنة ترسل الإِمَام للنَّهْي عَن بيع الشَّيْء بِأَكْثَرَ من سعر يَوْمه لأجل النِّسَاء وَصرف القروش بِالدَّرَاهِمِ والجريرة مَعَ عدم مُسَاوَاة مقابلها
وَدخلت سنة تسع وَسبعين وَألف كَانَ زحل بالدلو
وَفِي أول محرمها جَاءَ خبر الْحَاج أَنه دون الْعَادة سِيمَا حَاج الْيمن وَأما الْعِرَاقِيّ فَانْقَطع هَذَا الْعَام وَلما
شَارف حَاج الْيمن الْوُصُول إِلَى مَكَّة أنفذ الشريف إِلَيْهِ رَسُولا يَقُول لَهُ إِن الْأَمر مُضْطَرب وَالْحَال مُنْقَلب والمحمل الْمصْرِيّ منطو على شراسة وَمَعَهُ عدَّة من ذَوي المناصب والإمارة والسياسة وَقد استنشقنا مِنْهُم سموم التحرش الْوَقَّاد وأنسنا من جَانب طورهم نَار الْإِلْحَاد وَهَذَا حرم الله الملحوظ بِعَين التَّعْظِيم وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم نذقه من عَذَاب أَلِيم فالوصول مِنْكُم فِي زِيّ الْإِمَارَة قد تحترك مَعَه النَّفس الأمارة والموافق دخولكم فِي غمار النَّاس واستنادنا إِلَى جَانب السلطنة يَقْتَضِي أَن لَا يُلَاحظ جانبكم وَلَا نشيد فِي الظَّاهِر صَاحبكُم وَالْعَمَل فِيمَا بَيْننَا وَبَيْنكُم على الْبَاطِن معمور فَإِن الْمَذْهَب وَاحِد والعمدة على الْمَقَاصِد وَقد علمْتُم بصنع حمود فَلَا يكن غَيره الْمَقْصُود فتصاب غير الْمقَاتل وَيصدق قَول الْقَائِل
(وحملتني ذَنْب امرء وَتركته
…
كَذَا العر يكوي غَيره وَهُوَ راتع)
فولج هَذَا التَّدْبِير إِلَى مسامع الْأَمِير وأطرح الأبهة الملوكية وَاسْتقر بعد دُخُوله فِي الشبيكة على صُورَة خُفْيَة وَلما طرح الْعَسْكَر السلطاني الأثقال وأناخ بالْمقَام الشريف الرّحال انْصَرف الْأَعْيَان بِبَعْض الْجنُود إِلَى دور الشريف حمود وَقد كَانَ مَال عَن طَرِيق مرورهم وانحاز وتجلى بأجلد أعيانه إِلَى مشرق الْحجاز فتوغل فِي بِلَاد خَيْبَر فِي الأغوار والأنجاد وانتقل من بطُون الوهاد إِلَى صهوات الأطود وراوح بَين سوء الظَّن والحزم وَقد كَانَا أَخَوَيْنِ وناجى نَفسه بالبيتين الفائقين بل القصرين الشاهقين
(إِذا خَلِيل نكرت جَانِبه
…
لم تعييني فِي فِرَاقه الْحِيَل)
(فِي سَعَة الْخَافِقين مُضْطَرب
…
وَفِي بِلَاد عَن أُخْتهَا بدل)
وَلما خَرجُوا عَن آخر أَعمال الْحَج عَادوا إِلَى طلب حمود فِي كل فج وَلم يعذروا سَعْدا عَن الرحيل ليَكُون أول مقَاتل وأكيس دَلِيل فَهُوَ أطعن هُنَاكَ
بمشاقص الْقِتَال وأفطن ثمَّ بخيس ذَلِك الريبال فتوجهوا جَمِيعًا إِلَيْهِ ومالوا بجملة تِلْكَ الأجناد عَلَيْهِ فَكَانُوا كمطلق الْعَنَان إِلَى الْعَنَان وأنشدهم الْحَال من غير لِسَان
(إِذا شَاءَ أَن يلهو بلحية أَحمَق
…
أرَاهُ غباري ثمَّ قَالَ لَهُ الْحق)
فانعطفوا على قبائل يَنْبع وَمَا والاها من العربان وجرعوهم كؤوس الوبال والهوان وأنضدوا بأعناقهم السلَاسِل وشردوا بهم من خَلفهم من الْقَبَائِل واحتزوا رُؤُوس الرؤوس وهم ثَلَاثَة عشر شَيخا
وَلما رأى سعد بن زيد فظاعة الْأُمُور سدد وقارب فِي التَّخْفِيف عَن الْجُمْهُور وتدارك بعض الاختلال وَعمل بِمُقْتَضى الْحَال وانصرفت طَائِفَة الرّوم وأشوى سهمهم المسموم بقلوب لَهَا غليان وصفقة يتأسى بهَا أَبُو غبشان وانقلب سعد إِلَى دَار السَّعَادَة وَقد ثنيت لمملكته الوسادة وَبَقِي حمود فِي تِلْكَ النجُود يزأر زئير الْأسود ويحمحم جَوَاده ويجود غير أَنه نفذ مَا لَدَيْهِ وَقد كَانَ عِنْده ذخيرة وَلَكِن تمّ مَا لَا مزِيد عَلَيْهِ
وَفِي أول محرم تغلب جمَاعَة على قلعة دثينة وَذَلِكَ أَنه كَانَ بهَا رُتْبَة على الْقَوَاعِد الْقَدِيمَة فِي حفظ القلاع بِمن لَا يفارقها وَيكون بحشمه وَجَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ فقصدا إِلَى القلعة جمَاعَة مَعَهم سِلَاحهمْ وأظهروا أَن قصدهم زِيَارَة أرحامهم الَّذين بهَا فَلَمَّا استقروا طمعوا فِي الِاسْتِيلَاء عَلَيْهَا فَقتلُوا نَائِب القلعة وَولده وَأَغْلقُوا بَابهَا فَرفع خبرهم إِلَى شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْحسن
فاحترك خاطره لهَذَا الْفِعْل الفظيع والمقصد الشنيع وبادر إِلَيْهِم برئيس مَعَه كِفَايَة هَذَا الْأَمر من الْعَسْكَر النفعة فحاصروهم وضيقوا عَلَيْهِم فَلَمَّا قطعُوا بإخفاق مسعاهم إنسلوا من القلعة فِي وَقت خَفِي فِيهِ أَمرهم على عَسْكَر الدولة فَدَخلَهَا الْعَسْكَر فظفروا بِرَجُل مِنْهُم أقعده أَجله ولقى عمله فَقَتَلُوهُ وعادوا إِلَى شرف الْإِسْلَام
وَفِي آخر محرم حصل انتهاب فِي العمشية بِسَبَب ركة فِي سُفْيَان وتنقلهم للقحط فِي الْبلدَانِ فَجهز جمال الْإِسْلَام عَليّ بن أَحْمد مَعَ القوافل عسكره إِلَى عيان وارتفع الْقطر وَاشْتَدَّ الغلاء فِي عَامَّة الْيمن
وَفِي صفر صال قبائل بني حبيب وَآل كثير الَّذين مستقرهم شَرْقي بِلَاد صَبيا مِمَّا يَلِي جبال الخسر ومساقط بِلَاد فيفا وحقارها إِلَى حُدُود خبت الْبَقر فاستولوا على بِلَاد بيش وشردوا أَهلهَا بعد أَن انتهبوها ثمَّ أَقبلُوا على عتود والشقيق وَمحل النَّائِب للإشراف فَقتلُوا بعض أَهلهَا ونهبوا الْأَطْرَاف حَتَّى انْتَهوا إِلَى مَدِينَة صَبيا فَوَقع بَينهم وَبَين أَشْرَافهَا الْقِتَال الشَّديد وَلما طَال استصرخوا بِالْإِمَامِ وطلبوا الْغَارة والإلمام وَكَانَ الإِمَام قد وصل إِلَى صنعاء بآخر محرم وَوصل بوصوله عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن
وَفِي هَذِه الْأَيَّام هبت ريح بِالْقَذْفِ
من بِلَاد حُضُور فاحتملت بعض أَهلهَا وساقطت الْبَعْض على جنُوبهم وحملت جَمِيع الْحبّ من الجرين وبلاهم الله كَمَا بِلَا أَصْحَاب الْجنَّة {إِذْ أَقْسمُوا ليصرمنها مصبحين} فَإِنَّهُ نقل عَنْهُم أَنهم مَعَ تِلْكَ الشدَّة الَّتِي قدمناها {فَانْطَلقُوا وهم يتخافتون أَن لَا يدخلنها الْيَوْم عَلَيْكُم مِسْكين وغدوا على حرد قَادِرين} وَلم يبالوا بسد رَمق من يحترم دَمه وَلَا شالوا بضبع من عثرت بِهِ الأقلال قدمه والأعراب مَظَنَّة لفسق الْقلب
وذهوله وأجدر أَن لَا يعلمُوا حُدُود مَا أنزل الله على رَسُوله
وَلما انْتهى أَمِير الْحَاج هَذَا الْعَام إِلَى بعض الطَّرِيق ادّعى بعض أهل الْبِلَاد أَن أَصْحَاب الْأَمِير قتلوا من أَصْحَابه رجلا وَأَرَادُوا أَن يَأْخُذُوا بالثأر أَو ينتهب القطار فهم الْأَمِير بِالْقِتَالِ ثمَّ أحجم عَن ذَلِك بعد أَن عرف الْعَجز عَمَّا هُنَالك وَأَنه إِن فعل لَا محَالة هَالك
وَفِي ثامن عشر محرم توفّي القَاضِي الْعَلامَة الذكي الْوَرع صفي الْإِسْلَام أَحْمد ابْن سعد الدّين المسوري وَكَانَ قد صحب الإِمَام الْأَعْظَم الْمَنْصُور بِاللَّه ثمَّ الْمُؤَيد بِاللَّه فوزر لَهُ وخطب ثمَّ اسْتمرّ آخر مدَّته على تِلْكَ الْحَال مَعَ المتَوَكل على الله وَكَانَ عِنْد الْمُؤَيد عَظِيم الجاه مَبْسُوط الْكَلِمَة نَافِذ الْإِرَادَة كثير المواجهة للْإِمَام بِمَا ينقدح فِي خاطره مِمَّا يَعْتَقِدهُ أَنه يتَوَجَّه عَلَيْهِ من نصيحة الْأَئِمَّة من غير تخوف لمظنة التشنيع وَلَا مُلَاحظَة أَن النصح فِي الملإ تقريع وَكَلَامه مَعَ ذَلِك نَافِذ الْإِرَادَة جيد الإفادة مَعْقُود بكيميا السَّعَادَة وتناقص هَذَا الْحَال من الإِمَام المتَوَكل فَقرب وَبعد وَصوب وَصعد
وَالَّذِي استفاض عَنهُ إفناء جلّ أوقاته فِي مَقَاصِد صَحِيحَة وسعايات مليحة وَقد رَأَيْت فِي بعض المجاميع مَا يجرح الصَّدْر ويغلب على قَائِله بعض التحامل فِي شَأْن هَذَا الرجل الْجَلِيل وَقد قَالَ صلى الله عليه وسلم (لَا تسبوا الْأَمْوَات فَإِنَّهُم قد أفضوا إِلَى مَا قدمُوا لَا تسبوا الْأَمْوَات فتؤذوا الْأَحْيَاء) وَله رسائل ومسائل جرى فِيهَا على أسلوب مَخْصُوص بِقدر مَا عِنْده من الْعدة وَغلب عَلَيْهِ مَحْض التَّشَيُّع حَتَّى نسب إِلَيْهِ عقيدة الجارودية
وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس ثامن ربيع الأول مَاتَ ملك الْيمن عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام عقب وُصُوله من ذمار بمحروس الرَّوْضَة وقبره مَشْهُور عَلَيْهِ قبَّة فاخرة وَدفن بِجَانِب من بساتينه وَكَانَ مَوته رزأ لِلْإِسْلَامِ وانحلالا فِي النظام فَإِنَّهُ كَانَ عينا فِي الْمُلُوك وَالْعُلَمَاء ورأسا فِي الحلماء والحكماء مهيب الْجَانِب شَدِيد الْوَطْأَة على المردة والبطالين نظامه لقانون الْملك ملاحظا لجَانب الْعلم وَالْعُلَمَاء أَخذ عَن القَاضِي الْعَلامَة أَحْمد بن يحيى حَابِس أَيَّام سكونه
بصعدة وَغَيره من عُلَمَاء وقته وَسمع الْكَشَّاف وَالْبَحْر وأثاره فِي كتبه تدل على طول اتِّصَال الْعلمَاء بِحَضْرَتِهِ وَله خَزَنَة كتب غالبها فِيهِ عناية وَكَانَ يستصحب الْكتب فِي أَسْفَاره ويصحبه أَهلهَا وَاسْتمرّ ملكه مَعَ سَعَادَة قربت لَهُ الْبعيد وإطاعة فِي كل مَا يُرِيد حَتَّى نفذت أوامره ونواهيه إِلَى تَحت سَرِير الْخلَافَة
وَصلى عَلَيْهِ عَمه المتَوَكل على الله وَحضر دَفنه وَله شرح مرقاة جده الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَجَوَاب متين على الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن عَليّ بن مطير وَغير ذَلِك وَمن مآثره الحميدة توسيع جَامع ذمار من غربيه قدر الثُّلُث وَعمارَة منارته بعد نقضهَا ورثاه الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن صَالح الْهِنْدِيّ بقوله
(قضى الفخار فَلَا عين وَلَا أثر
…
وَا حلولك الْأُفق لَا شمس وَلَا قمر)
(أمهبط الْأَمر مَا هَذَا الَّذِي صنعت
…
يَد الْقَضَاء وماذا أحدث الْقدر)
(وَمَا الَّذِي مادت الدُّنْيَا لصدمته
…
تفجعا وتواري النَّجْم وَالشَّجر)
(وَمَا الَّذِي جزر الْبَحْر اللهام لَهُ
…
واستشعر الْحَشْر مِنْهُ البدو والحضر)
(وَمَا الَّذِي مَا دمنه الْكَوْن واضطربت
…
لَهُ الْجبَال وريع الرأد وَالسحر)
(يَا ناعي الْجُود وَالْمجد الْأَصِيل صه
…
مَاذَا زعمت لفيك الترب وَالْحجر)
(مهلا رويدك فِيمَا قد صدعت بِهِ
…
دهياء يذهب مِنْهَا السّمع وَالْبَصَر)
(أفق فَإِن جنَاح الْجَيْش منخفض
…
مِمَّا ذكرت وقلب الْملك منكسر)
(مَاتَ الْهمام أَبُو يحيى وحسبك من
…
رزءبة يتحامى حرهَا سقر)
(مَاتَ الَّذِي كَانَت الأفلاك دَائِرَة
…
بِمَا يَشَاء ولديه النَّفْع وَالضَّرَر)
(مَاتَ الَّذِي كَانَ للرواد منتجعا
…
وللعفاه إِذا مَا أخلف الْمَطَر)
(مَاتَ المليك الَّذِي كَانَت موارده
…
للواردين عبابا مَا بهَا كدر)
(هدت معالي المباني يَوْم مصرعه
…
ومربع الْمجد والعليا مندثر)
(وأقلعت يَا لعمري من أنامله
…
سحب شأبيبها الأبريز والبدر)
(وغاض بَحر عُلُوم مِنْهُ كم حفظت
…
مسَائِل وَهِي فِي جيد العلى دُرَر)
(وَكَانَ فِي صَدره حلم يحقر مَا
…
يجنى الْمُسِيء وللزلات يغْتَفر)
(من للرعيل وللخيل الْعتاق وَمن
…
يزهو لديك بهَا التحجيل وَالْغرر)
(وَمن لمرتبك الْأَمر الخطير وَمن
…
للمشكلات وجنح اللَّيْل معتكر)
(لهفي لأخلاقه الْعِزّ الْكِرَام إِذا
…
تصرمت وذوى من روضها الزهر)
(لهفي لهمته القعسا إِذا خمدت
…
نيرانها وَهِي لَا تنفك تستعر)
(لهفي لسطوته كلت مضا وَلكم
…
بفتكها مَضَت الْهِنْدِيَّة البتر)
(لهفي لعزمته العظماء إِذا هزمت
…
رعا لَهَا وَهِي مَلأ الأَرْض تَنْتَشِر)
(لهفي لأقلامه مَا كَانَ أنفذها
…
حكما يكَاد لَهَا المريخ يأتمر)
(نضى من الْعُمر سربالا فضافضه
…
ممدودة وعَلى التَّقْوَى تنقصر)
(طوته أَيدي الردا طي الرِّدَاء وَلم
…
يزل ثناه بِطيب النشر يدكر)
(لم أنس نعشا لَهُ أضحت تشيعها
…
الأفلاك والشهب والأملاك والبشر)
(وَمن دَعَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَهُ
…
وَسِيلَة وَهِي الزلفا وَالظفر)
(طود تحمله ظهر السرير وَهل
…
تحملت جبلا من قبله السرر)
(واستنهضوه إِلَى قبر فَقلت لَهُم
…
يَا بعد من قَالَ أَن الْبَحْر ينقبر)
(وحفرة أودعوها من شمائله
…
زهرا تنوح عَلَيْهِ الأنجم الزهر)
(لقد بكته خراد الْحَيّ نائحة
…
حَتَّى لقد سَالَ فِي أجفانها الْحور)
(يَا لَيْت أَكْفَانه من مهجتي نسجت
…
وليت حفرته فِي الْقلب تنحفر)
(يَا عين لَا تدخري دمعا ليَوْم غَد
…
فَلَيْسَ إِلَّا لهَذَا الْيَوْم يدّخر)
(لَا تكنزي ذَهَبا على كَبِدِي
…
يحمى وتكوى لتعذيب بهَا الْفِكر)
(قَالُوا دموعك بالدر الثمين هَمت
…
فَقلت وَالْقلب فِي أَثْنَائِهِ شرر)
(تِلْكَ اللألي الَّتِي قد كنت أنظمها
…
فِي مدحه هِيَ من عَيْني تنتثر)
(مَا أَن توفّي لَهُ الأحداق حق أسى
…
وَلَو غَدَتْ وَهِي بَين الدمع تنحدر)
وَقد كثر فِي هَذِه القصيدة مد الْمَقْصُور للضَّرُورَة وَلَا يخفى مَا فِي قَوْله أَو دَعُوهَا وَقَوله طود يحملهُ الخ فسائر الْمَعْنى قَول الأول
(مَا كنت أَحسب قبل موتك أَن أرى
…
رضوى على أَيدي الرِّجَال يسير)
وَقَوله قَالُوا دموعك الْبَيْتَيْنِ فسائر الْبَيْتَيْنِ للزمخشري فِي مرثاة شَيْخه أبي مُضر وتتبع محَاسِن القصيدة يخرج إِلَى التَّطْوِيل
واسطته عقد فَيرد وجوهرة يتحلى بهَا الْمنْكب والجيد لم يَأْتِ زمَان الرقم إِلَّا وَقد درست تِلْكَ الأثار الملوكية وأتى الجديدان على أكَابِر الدولة العزية وتعطلت عَنهُ وَأكْثر أَوْلَاده المغاني وَلم يبْق إِلَّا ذكرهم الْجَمِيل وَهُوَ الْعُمر الثَّانِي وَقد أبقى الله على عز الْملك وَالدّين فَإِنَّهُ ترك عَلَيْهِ فِي الآخرين بأصغر أَوْلَاده عمرا وأجلهم علما وَعَملا وخطرا وَهُوَ أَبُو الْعِزّ ضِيَاء الْملك زيد ابْن مُحَمَّد فَهُوَ الْيَوْم زهرَة غُصْن الإفادة وجوهرة عقد السِّيَادَة تعبق بِحَضْرَتِهِ نسائم البركات ويستمد من أنفاسه كرائم الدَّعْوَات فاضت إِلَيْهِ أسرار العارفين فأودع دراريها أصداف قُلُوب المريدين وألقيت عَلَيْهِ بردة الْعلمَاء المخلصين فألبسها من يتجمل بهَا لرئاسة الدُّنْيَا وَالدّين فموارد تلقينه ترفض بالصفاء وَإِلَى أَصَابِع رَاحَته الَّتِي أطلقت مفتاقا من وثاق وفكت مرتهنا من غلاق يعنعن النّيل الْوَفَاء مَعَ أَخْلَاق لَا يتَحَمَّل النسيم عَن الرَّوْض إِلَّا إِيَّاهَا وشمائل لَا يتدفق النَّهر السلسال إِلَّا سجاياها
(بِأبي عَمْرو زيدا ثَوْبه
…
طَاهِر بَين أهل الكسا)
(مغنم التَّقْوَى زَكَاة حازها
…
فطْرَة لم يحو مِنْهَا أخمسا)
درس على مَشَايِخ الْوَقْت وَقد صَار الْآن شيخ الشُّيُوخ وَإِمَام أهل الرسوخ يتَقَدَّم على غَيره من العلحاء فِي تلقين الطّلبَة لحقائق شرح القَاضِي عضد الدّين والكشاف وحواشيهما جمل الله بِهِ مجَالِس الذّكر والنوال وربى فِي ربوة الْمجد غُصْن شبابه الَّذِي طَابَ وَطَالَ وَمحل ذكره مدَاخِل السنين الْآتِيَة لكني ختمت شجون الحَدِيث خشيَة من قواطع الأمل ومصارع الْأَجَل قبل أَن يتجمل هَذَا المرقوم بجلي ذكره وجلي فخره وَله كتاب الْمجَاز شرح الإيجاز وَله أَيْضا كتاب إِقَامَة القسطاس للْحكم بَين الأساس والنبراس وَغَيره من الْفَوَائِد
وَقبل هَذِه الْمدَّة بأيام قَلَائِل بعث الإِمَام بهدية سنية للباشا مصطفى الَّذِي هُوَ بِالْحَبَشَةِ عوضا عَن هديته الَّتِي وصلت مِنْهُ فَأكْرم رَسُول الإِمَام وَذكر لَهُ محبته لأهل الْبَيْت عليهم السلام
وَفِي هَذِه الْأَيَّام خرج إِلَى الْيمن كثير من أَعْرَاب الْبِلَاد القاصية يطْلبُونَ المعاش لشدَّة وَقعت هُنَاكَ وغالبهم سليمانية فَإِنَّهُ ظهر من آحادهم التَّعَرُّض لأكل الْأَطْفَال
وَاسْتقر الْأَمر فِي بِلَاد عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن على أَمر مفصول فِيمَا بَين ولديه وَالْإِمَام بعد خوض فِيمَا يصلح أَن يصير إِلَيْهِمَا وَكَانَ الإِمَام قد فوض أَحْمد بن الْحسن عَمهمَا فِي سَائِر الْبِلَاد فأسعد ثمَّ اعتذر
وَأما أَرْبَاب الدولة العزية فَإِنَّهُم تمزقوا وَتَفَرَّقُوا وَذهب عَنْهُم مَا كَانَ قد اعتادوه من سنى الْوَظَائِف والجوامك المنضبطة مَعَ الْأمان على اسْتِمْرَار مَا فرغ مِنْهُ وَعدم الإلتفات إِلَى مُعَارضَة حَاسِد أَو مزاحمة صَاحب عُهْدَة فَمنهمْ من أَوَى إِلَى صفي الْإِسْلَام وَمِنْهُم من أضْرب عَن لزام الدولة وَالْبَعْض من الْأَعْيَان والعسكر اتَّصل بالسيدين ريحانتي عز الْإِسْلَام وَمِنْهُم من دخل تَحت الفناء الْكَائِن بِهَذَا الْعَام فَإِنَّهُ عَم الْيمن عَن إستيلاء الْقَحْط عَلَيْهِ حَتَّى حصر موتى
الرَّوْضَة إِلَى قدر أَلفَيْنِ وموتى ضوران إِلَى قدر ثَمَانِيَة آلَاف وَخرج مِنْهَا فِي يَوْم وَاحِد سَبْعُونَ جَنَازَة وَمن صنعاء فِي أَيَّام مُتعَدِّدَة كل يَوْم قدر ثَلَاثِينَ جَنَازَة وَهَكَذَا فِي سَائِر الْبِلَاد كالتهايم والحازات وَالْجِبَال والشرف
وَفِي ربيع الثَّانِي أرسل الإِمَام وَلَده الْحسن بعساكر مُغيرَة على شرِيف صَبيا لدفع تِلْكَ الْقَبَائِل الَّتِي صالت عَلَيْهِ فَسَارُوا إِلَى هُنَالك ونزلوا ببيش خَارج صَبيا فهربت الْقَبَائِل إِلَى بِلَادهمْ ثمَّ حصل مِنْهُم حدث فِي الطَّرِيق فَجهز الْحسن بن الإِمَام الْفَقِيه الرئيس مُحَمَّد بن عَليّ جميل الحبوري فِي عَسْكَر مَعَه آخر نَهَار بُلُوغ الْخَبَر فَسَارُوا ليلتهم ونهار الْيَوْم الثَّانِي وظفروا بِكَثِير مِنْهُم وَقتلُوا خَمْسَة وَذهب وَاحِد مِنْهُم وسلبت مَوَاشِيهمْ وانحازوا إِلَى الْجبَال وَكَانَ بعض النهب مَا انتهبوه على أهل صَبيا بالمدة السَّابِقَة
وَفِي هَذَا الشَّهْر مَاتَ القَاضِي الْعَارِف عبد الْجَبَّار قَاضِي لاعة رحمه الله وَفِيه غزت قبائل بني نوف من دهمة إِلَى سفال الْجوف فَأخذُوا شَيْئا من الْمَاشِيَة فغزاهم بعد ذَلِك نهم وَقتلُوا مِنْهُم
وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصل إِلَى حَضْرَة الإِمَام من طَرِيق الْبَحْر الشريف أَحْمد بن باز من بني حسن مُلُوك مَكَّة المشرفة متشكيا من سعد وَإنَّهُ استبد بالأمداد كَمَا استبد بِالْحلِّ وَالْعقد وَكَانَ قد هَبَط مصرا ليلحق بالروم فَمَا تمّ لَهُ مَا يروم وصده نَائِب مصر عَن ذَلِك المُرَاد وتلى لَهُ {إِن الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد} فَأَنف من الْعود إِلَى مَكَّة وَعَاد إِلَى الْيمن فِي ضيق وركة وَحين وصل صنعاء علقت بِهِ
الْأَمْرَاض وغلبت عَلَيْهِ الْأَعْرَاض فنضى بهَا برد الهموم وَلبس أدراج الْأَجَل المحتوم وَدفن بقبة الْإِسْكَنْدَر إِلَى جنب قبر الشريف المحسن بداخل بَاب السبحة
وَفِي ربيع الآخر توفّي السَّيِّد الْعَارِف الْهَادِي بن أَحْمد القطابري الديلمي طلع مَعَ عز الْإِسْلَام إِلَى صنعاء وَمَات بهَا وَكَانَ شَاعِرًا مشاركا فِي الْفِقْه آخِذا فِي النَّحْو وقطابر بِالضَّمِّ كعلابط قَالَه فِي الْقَامُوس
وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر جُمَادَى الأولى توفّي السَّيِّد الْعَلامَة الْهَادِي بن أَحْمد الْجلَال بالجراف وَكَانَ يَوْمئِذٍ عِنْد صنوه الإِمَام الْفَاضِل الْحسن بن أَحْمد سكن أَولا بِمَدِينَة ذمار وَكَانَ يخْتَلف مِنْهَا إِلَى الْيمن لمعلومه من عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن ثمَّ نقل إِلَيْهِ أَوْلَاده واستوطنه وَفِي أَيَّام سكونه بِالْيمن سمع فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ وأثاره تدل على فطنة وتظلع وَشرح الْأَسْمَاء الْحسنى شرح وَافق فِي بعض مسَائِل الأشعرية وَخَالفهُم فِي مسئلة الْكسْب وألحقهم على أحد تقديرين بالجهمية وَأثبت الروية وَجعلهَا كمذهب أَوَائِل الْحَنَابِلَة حَقِيقَة وَجوز حُصُولهَا فِي الدُّنْيَا وَقطع فِي عقيدته الَّتِي صنفها بِخُرُوج العصاة الأشقياء
وَفِي هَذِه السّنة توفّي الْفَقِيه الْعَارِف عَليّ بن يحيى القملاني من بِلَاد قملان فِي أَيَّام صعدة كَانَ مشاركا فِي الْفُنُون على مَذْهَب الإِمَام زيد بن عَليّ الأول واشتدت الأزمة فِي هَذِه الْمدَّة حَتَّى انتهب الطلاب جانبا من زرايع قراضة فِي بِلَاد لاعة فَقتل مِنْهُم أهل الْبِلَاد اثْنَيْنِ
وَفِي آخر سَاعَة من يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع وَعشْرين من جُمَادَى الأولى كسفت الشَّمْس فِي برج الْعَقْرَب بعقدة الذَّنب
وَفِي جُمَادَى الْأُخْرَى سَار الإِمَام من صنعاء إِلَى ضوران وَاتفقَ الخسوف الْقمرِي فِي لَيْلَة خَامِس عشر هَذَا الشَّهْر بِالرَّأْسِ من آخر برج الثور
وَفِيه مَاتَ فَقِيه الْقَاعِدَة الحصباني بجهات تعز وَكَانَ عَارِفًا بالرمل والفلك والحرف واستدعاه صفي الدّين أَحْمد بن الْحسن ليوافقه على مَا يُرِيد فَعرفهُ بِبَعْض شَيْء وَاعْتذر عَن بعض
وَفِيه رفع الله أَمر الشدَّة والقحط بمطر وَقع بِالْيمن فِي لَيْلَة وَاحِدَة وَكَانَ آخر مطر الوسمي
بتشرين الثَّانِي من شهور الرّوم فتوفرت الثِّمَار وَسَقَطت الأسعار ولان الشتَاء وَسقط الثَّلج بجبل عيبان غربي صنعاء وَكَانَ لَا يعْتَاد ذَلِك من قبل وَإِنَّمَا يسْقط بجبل القاهر فِي حُضُور
وَفِيه انتهب ذُو مُحَمَّد من برط قافلة بالعمشية دَاخِلَة إِلَى صعدة وَقتلُوا من أَهلهَا وَاحِدًا فِي حد سُفْيَان وَآل عمار وتلقفها دهمة وانتهبوا أَكْثَرهَا ثمَّ أغارت عَلَيْهِم آل عمار وسُفْيَان فانتهبوا مَا بقى ثمَّ مَا سلمت بعد ذَلِك من انتهاب برط لجَانب مِنْهَا من أَيدي المنتهبين وَسبب ذَلِك الشدَّة الْمُتَقَدّمَة وَقد تعطل الْقَبَائِل بِانْقِطَاع معاليمهم
وَفِيه سَار السَّيِّد فَخر الدّين عبد الله بن أَحْمد بن الإِمَام من جبل العر غربي صعدة إِلَى سرج وَآل حبيب وهم من الْقَبَائِل الَّذين صالوا فِي تهَامَة على بِلَاد صَبيا وَكَانُوا قد ترافعوا عَن بطن تهَامَة بعد اسْتِقْرَار الْحسن بن الإِمَام فِي بيش فقصدهم عبد الله من الْجِهَة الْعليا فظفر بهم وَاسْتَاقَ شَيْئا من مَوَاشِيهمْ وَقتل مِنْهُم نَحْو ثَمَانِيَة رجال وَكَانَ قد تجيش عَلَيْهِم بِبَعْض الْقبل المحادة لَهُم فأسعدوه لإحن بَينهم
وَفِي نصف هَذَا الشَّهْر طلع حسن بن المتَوَكل من بيش إِلَى درب ملوح فقصد فِيمَن إِلَيْهِ تِلْكَ الْقَبِيلَة الْخَارِجَة عَن الطَّاعَة وَكَانُوا قد لجأوا إِلَى جبل لَهُم جمعُوا أمتعتهم إِلَيْهِ واتكلوا فِي حفظ أَرْوَاحهم وَأَمْوَالهمْ عَلَيْهِ فتسنم الْجند عَلَيْهِم الْجبَال وألوا بهم من حَيْثُ لَا يخْطر لَهُم ببال وَلما قاربوا حصنهمْ التحم الْقِتَال ودعيت نزال وَكَانَ يَوْمًا مشهودا حزت فِيهِ هامات الْمُخَالفين والذاهب مِنْهُم بِالْقَتْلِ نَحْو السِّتين ثمَّ أَن باقيهم انهزم وَترك ذَلِك المعقل الأطم وَالذَّهَب من عَسْكَر الدولة ثَلَاثَة أَنْفَار ثمَّ عَاد النَّاس إِلَى بيش وَوصل بعض مَشَايِخ بِلَاد فيفا بخاطب أَصْحَابه بالوصول ويفصح من جهتهم بالإمتثال والمثول وَكَانَ مِمَّن سبق مِنْهُ بعض اعوجاج فبادر قبل ظُهُور دائه بالعلاج لعلمه أَن الدولة غير مغفلة لقضيته وَأَن
(من حلقت لحية جَار لَهُ
…
فليسكب المَاء على لحيته)
وَفِي رَجَب توفّي السَّيِّد الْكَرِيم عماد الْإِسْلَام يحيى بن مُحَمَّد بن الْحسن بِصَنْعَاء وَأخرج إِلَى الرَّوْضَة بِأَمْر عَمه صفي الْإِسْلَام
فَدفن إِلَى جنب قبر أَبِيه وَكَانَ مَوته رَاحَة لمثله عَن تَعب الْأَحْوَال وخلوصا عَن قيد الإعتلال فَإِنَّهُ كَانَ قد احتجب أَكثر أوقاته لتقاصر الْموَاد مَعَ مَا قد أَلفه من الأمداد وإفاضة جزيل النوال على من تعرض لَهُ بالسؤال حَتَّى ذكر عَنهُ فِي هَذَا الْبَاب مَا يحير الْأَلْبَاب وَحين مَاتَ افْتقدَ مخلفه فَلم يُوجد فِيهِ غير آلَة الْملك من أَنْوَاع السِّلَاح الْمعدة لساعات الكفاح وَشَيْء من الْحلِيّ لَا يؤبه لَهُ بِالنّظرِ إِلَى سَعَة مملكة أَبِيه
وَفِي شعْبَان توفّي السَّيِّد البليغ أَحْمد بن مُحَمَّد الآنسي وَله ديوَان شعر فِيهِ الْجيد والمتوسط وتميز بالحدة الْخَارِجَة عَن الْحَد وَله تشيع باحتراق لم يكن عَن عدَّة فِي طَرِيقه فَإِن الرجل كَانَ عازفا عَن المعارف وَلكنه صحب جمَاعَة من أهل عصره دَان بدينهم وَعلة هَذِه المسئلة قديمَة
وَقد ورث تِلْكَ الحدة وَلَده
عَليّ بن أَحْمد وَله شعر أَجَاد فِيهِ بعض الإجادة
وَأحمد بن أَحْمد وَغلب على شعره مُرَاعَاة التَّجْنِيس واحتد فِيهِ على كبار الدولة فاستخرج خباياهم من أقفاصهم وَلم يكن فِي الْيمن مِمَّن استحد بسني العوارف بِشعرِهِ مثله وجهز مِنْهُ شَيْئا إِلَى مَكَّة فِي دولة الشريف أَحْمد بن غَالب فأثرى بِهِ كثيرا وهاجا شعراء مَكَّة وَفِي حِسَاب النَّاس أَنه غلبهم وَأَحْسبهُ كَذَلِك فَمَا يعاب شعره بِغَيْر شَيْء من اللّحن وركة الْمَعْنى مَعَ ديباجة لَا يظْهر مَعهَا ركة الْمعَانِي إِلَّا لمن تصفح قصائده وَقد اجْتمع لَهُ بعنايته ديوَان أكبر من ديوَان أَبِيه وغالبه جيد
وَعند كتب هَذَا التَّارِيخ وَقد استودعتهما الْمَقَابِر ولحقا بأمس الدابر توفّي عَليّ بن أَحْمد بِبِلَاد أنس وَأحمد بن أَحْمد بِمحل الْأَدَب حبس بندر زيلع وَكَانَ حَبسه لما ذكرنَا عَنهُ وَمن كَلَام السّلف اللِّسَان سبع إِذا أطلقته أكلك
وَفِي هَذِه السّنة وصل حسن بن الإِمَام درب ملوح وَاسْتقر فِيهِ أَيَّامًا ينْتَظر وُصُول آل حبيب ثمَّ انْتقل إِلَى صَبيا لمَشَقَّة الْحَال بِسَبَب الْقَحْط فوصل إِلَيْهِ جمع من أعيانهم فربطهم بالحبال ثمَّ توجه بهم إِلَى حَضْرَة أَبِيه بحبور فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ عَاتَبَهُمْ وَرَأى مِنْهُم من غلظة الطَّبْع وَالْجهل بِالشَّرْعِ مَا أَعْذرهُم مَعَه بعض الْعذر ثمَّ وعظهم وعرفهم بِصفة الشَّرِيعَة وَالْإِسْلَام وَاسْتحْسن إعادتهم إِلَى بِلَادهمْ فاحسن إِلَيْهِم وأعادهم وَقد أَخذ عَلَيْهِم المواثيق فِي الإستقامة على سَوَاء الطَّرِيق
وَكَانَ الإِمَام قد لوم على الْحسن فِي الْعود من غير ظفر بِالْجَمِيعِ فأرجعه إِلَى صَبيا وَأبي عَرِيش ثمَّ رأى أَن الصَّوَاب فِيمَا فعله لعدم الجدوى وَاسْتقر هُنَالك إِلَى أَن تهَيَّأ لإمارة الْحَج وَاشْتَدَّ الْقَحْط بِهَذِهِ الْأَيَّام فَكَانَ بِسَبَبِهِ انْقِطَاع طَرِيق العمشية وهيجان دهمة فِي أَطْرَاف الْبِلَاد وتخطفهم لأطراف بِلَاد الْجوف واليمن الْأَسْفَل
وَفِي هَذِه الْأَيَّام غزى صَاحب عمان إِلَى بندر الديو وَهِي مصالحة للفرنج وطرقه من طَرِيق الْبَحْر الزخار واستغفل من فِيهِ من التُّجَّار فانتهب مَا فِيهِ من الرغائب وشحن بِهِ بطُون المراكب وانقلب إِلَى بِلَاده وَفِيه جمَاعَة من الْمُسلمين ذهبت أَمْوَالهم وانهتكت أَحْوَالهم
وفيهَا وصلت الْأَخْبَار أَن صَاحب اسطنبول وَجه إِلَى ثغر مراكش جُنُوده وَعقد لأخذها بنوده وانفصل الْأَمر عَن حيازته لملكها ورتبت البشائر فِي الْبلدَانِ والعشائر وتتبع ذَلِك فتح الجريد وَهُوَ مَحل هُنَالك
وفيهَا انتهب أهل حُبَاشَة من سُفْيَان بعض قافلة مارة فَتوجه عَلَيْهِم من الحضرة السَّيِّد الرئيس صَالح بن عقبات فِي جمَاعَة من الْعَسْكَر فارتجع مَا أَخَذُوهُ وَاعْتَلُّوا بِأَن فعلهم ذَلِك لقطع مَا يعتادونه وَوصل شيخ حُبَاشَة إِلَى الحضرة فأودع الْحَبْس إِلَى أَن مَاتَ فِيهِ
وَفِي لَيْلَة الْأَحَد سادس عشر رَمَضَان توفّي القَاضِي الْعَلامَة الْحسن بن يحيى حَابِس بمحروس ذمار وَدفن بهَا بحوطة الإِمَام يحيى بن حَمْزَة وَكَانَ سَار إِلَيْهَا بِأَمْر الإِمَام لافتقاد تَرِكَة عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام وَكَانَ مشاركا فِي الْفُنُون صَاحب ذكاء وظرافة ونفاسة وَغلب على حَاله سَعَادَة مُتَّصِلَة فَقضى بِصَنْعَاء والجراف غرر الْأَيَّام ونال من الدولة جليل الجاه وَجَمِيل
الإعظام مَعَ مَال لَا يهرق مَعَه مَاء الْمحيا وسعادة صعدت بِهِ من معقد الخاتن إِلَى منَاط الثريا وَقد رَأينَا لِلْمَالِ دخلا فِي معرفَة قدر الْعلمَاء فِي وقتنا وَلَعَلَّ الْأَمر كَذَلِك فِي سَائِر الْأَوْقَات سِيمَا مَعَ دهماء النَّاس فَإِنَّهُم يعدلُونَ بالتبجيل إِلَى صَاحب الدُّنْيَا سِيمَا إِذا صَادف ذَاك نُفُوذ كلمة وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك من قَالَ
(وَإِذا مَا جمعت علما ومالا
…
كنت عين الزَّمَان بِالْإِجْمَاع)
وفيهَا مَاتَ القَاضِي الْعَارِف مُحَمَّد بن جَعْفَر وَكَانَ حَاكما بِبِلَاد رازح
وفيهَا توفّي القَاضِي الْعَلامَة الحبر الْبَحْر الصّديق بن نَاصِر رسام السوادي كَانَ الْمَذْكُور محققا لقواعد الْفِقْه وإماما فِي الْعَرَبيَّة وَإِلَيْهِ الْقَضَاء لجِهَة صعدة وساقين يتنقل فِيهَا سمع على السَّيِّد الْعَلامَة دأود بن الْهَادِي التَّفْسِير والكشاف وَغَيره وعَلى الشَّيْخ الإِمَام قطب الدّين لطف الله بن مُحَمَّد الغياث شرح نجم الدّين للكافية وَشرح الْعَضُد للمختصر وَله قراءات فِي غير ذَلِك على غَيرهمَا من مَشَايِخ وقته وَأفَاد عَالما فِي الْفُنُون على أَنْوَاعهَا
وَفِي آخر شَوَّال مَاتَ بِصَنْعَاء الْيمن القَاضِي الْعَلامَة مُحَمَّد بن يحيى الْعَنسِي وَكَانَ ذَا دراية بالنحو وَالْأُصُول مشاركا فِي الْفِقْه جَمِيع الإعتقاد وفيهَا مَاتَ الشَّيْخ عَليّ بن نَاصِر بن رَاجِح الَّذِي ذكر عَنهُ الْخلاف على الْمُؤَيد بِاللَّه فِيمَا مضى
وفيهَا تجلى أَمِير حلي والحرامية عَنْهَا بِسَبَب حَرْب وَقع بَينه وَبَين كنَانَة أفْضى إِلَى تعطل دياره وانتفى قراره
وفيهَا ابتلعت الأَرْض رجلا فِي بِلَاد رازح بِمَا مَعَه من الأغنام والبقور وَلم
يبْق إِلَّا يَده فِي كَمَال الظُّهُور فسبحان الْقَادِر على مَا يبهر الْعُقُول ويخرق الْعَادَات فِي كل الْأُمُور
وَفِي هَذِه الْأَيَّام نزل فِي وَادي مور سيل عَظِيم من أعالي جبال ساقين وخولان وَبلغ إِلَى تهَامَة وَأهْلك عدَّة من الْأَمْوَال
وَفِي ذِي الْقعدَة توفّي الْفَقِيه الأديب المنشئ المحاضر مُحَمَّد بن حسن أَفَنْدِي وَهُوَ الَّذِي ترَتّب للإنشاء لدولة عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن فِي أَوْقَات صفى لَهُ جوها ولمع بسعده ضوءها وَحين عملت أقلامه على الأنابيب الصم ونال من حَظّ الدولة المحمدية مَا فَاتَ الْوَزير بن القم ولازم عز الْإِسْلَام سفرا وحضرا وَكبر فِي عين الدولة خطرا وَقد كَانَ لَهُ بلاغة متوسطة لَكِن قبُول الدولة ضوع أعطارها وضاعف شنارها بِمَا تجمل بِهِ من خطير الْمَرَاتِب وسني الْمَوَاهِب وَهِي الَّتِي تنعش النُّفُوس وتزف الْمعَانِي إِلَى الْأَرْوَاح زف الْعَرُوس وَمَا زَالَ مواضبا على خدمَة عز الْإِسْلَام حَتَّى أفيض على مخدومه نفحة من دَار السَّلَام ثمَّ اتَّصل بِخِدْمَة عَمه المتَوَكل وَمَات بضوران للتاريخ الْمَذْكُور وَمَا كَانَ خَالِيا عَن مُشَاركَة فِي النَّحْو وَله يَد بِعلم الرمل والفلك
وفيهَا سير الإِمَام لولاية ظفار حَضرمَوْت الشَّيْخ زيد بن خَلِيل فَبلغ إِلَى
الشحر وَأرْسل وَلَده إِلَى هُنَاكَ وَوصل بعد ذَلِك إِلَى حَضْرَة الإِمَام نَائِبه الأول مَوْلَاهُ الْحَاج عُثْمَان زيد وَفِي آخر ذِي الْقعدَة وصل إِلَى بندر المخا سُلْطَان الأزبك ومستقر مَمْلَكَته كاشغر شَرْقي بِلَاد فَارس وَمَعَهُ قدر خَمْسمِائَة من الْعَسْكَر والأتباع وَلَهُم شَوْكَة ونجدة وَكَانَ قَصده الْحَج ففاته فِي هَذَا الْعَام وَاتفقَ خصام بَين أَصْحَابه وَبَين عَسْكَر حَاكم المخا السَّيِّد ضِيَاء الدّين بن زيد بن عَليّ الجحافي فَذهب من الْفَرِيقَيْنِ جمَاعَة أَكْثَرهم من أَصْحَاب السُّلْطَان وَلما علم الْحَاكِم أَن حسم مَادَّة شرهم لَا يكون إِلَّا بأقوى مِمَّا هُوَ فِيهِ استطاب نفس مقدمهم وَسلم ديات الْقَتْلَى
وفيهَا وصل إِلَى الْيمن من الأقطار الْهِنْدِيَّة سُؤال يتَعَلَّق بغامض الْفَرَائِض وَالضَّرْب وَالْقِسْمَة وَلَفظه بعد الْبَسْمَلَة تيمنا بِذكر الْأَعْلَى مَا قَول أَئِمَّة الدّين رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ إِذا أوصى الرجل لرجل بِمثل نصيب أحد بنيه وَلآخر بِمثل مَا يبْقى من الثُّلُث بعد النَّصِيب وَكَانَ النَّصِيب مثل جذر المَال وَلآخر بِمثل نصف ربع خمس سبع تسع عشر ذَلِك الجذر ثمَّ مَاتَ وَخلف ثَلَاثَة بَنِينَ انْتهى
وتصديره من حَضْرَة السُّلْطَان أورنقزيب على يَدي مُحَمَّد خَان أَمِين فعرضه الإِمَام على من لَهُ رسوخ قدم فِي هَذَا الْفَنّ من عُلَمَاء ذمار وَغَيرهم فَمنهمْ من قَالَ هُوَ طلسم مَسْتُور إِذْ لَا يَنْقَسِم فِي الظَّاهِر على جِهَة الجبور وَأجَاب عَنهُ القَاضِي الْمهْدي بن عبد الْهَادِي الثلائي من عُلَمَاء الزيدية وتصدى للجواب عَنهُ أَيْضا بعض عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة وَرَأَيْت بِخَط بعض السَّادة الآخذين فِي هَذَا الْفَنّ أَن الْكل قد عجز عَن حل السُّؤَال وَأَن الْأَمر فِي حل مشكلة كَمَا قَالَ
(وكل يَدعِي وصلا لليلى
…
وليلى لَا تقر لَهُم بذاكا)
وَأَنه قد أجَاب عَنهُ فِي بعض مصنفاته بِجَوَاب يحل معاقده ويوضح مقاصده وَلم أَقف على شَيْء من ذَلِك وَعند الله علم مَا هُنَالك فَإِن معي فِي تَحْقِيق نقل السُّؤَال كَمَا هُوَ نظرا وَفهم معنى الْفظ كَيفَ مَا كَانَ مُتَوَقف على تلقيه كَمَا كتبه ملقيه
وَفِي غرَّة ذِي الْحجَّة تعرض العمانيون بساحل عدن والمخا للإنتهاب ووقعوا من مُرَادهم على ثَلَاثَة جلاب وَهِي مِمَّا وصل للفرنج إِلَى بَاب الفرضة وكافح الفرنج عَن أَمْوَالهم فَهَلَك بِالْقَتْلِ مِنْهُم جمَاعَة وَعجز نَائِب المخا دفعهم لكثرتهم فَإِنَّهُم وصلوا إِلَى هُنَالك فِي سبع براش وَكَانَ قد جلب عَلَيْهِم بغوائر من زبيد وَغَيره واستدعى من الإِمَام زِيَادَة من الْعَسْكَر المختارة فَلم يصلوا إِلَّا وَقد انفصلوا واتصلوا من الْأَمْوَال بِمَا اتصلوا فضعف البندر بِسَبَب هَذِه الْخَارِجَة وَتوجه بعض المراكب إِلَى جدة
وفيهَا توفّي السُّلْطَان مُحَمَّد بن بدر الكثيري ملك حَضرمَوْت
وَفِي ذِي الْحجَّة جَاءَ الْخَبَر أَن العمانيين بلغُوا فِي عودهم إِلَى حُدُود سواحل بِلَاد الْمهرِي ثمَّ دخلوها وانتهبوها وعاثوا بِجَزِيرَة سقطرى وانتهبوها وأمسكوا شيخها فأوردوا هامته حدادهم وعادوا قبحهم الله إِلَى بِلَادهمْ
وَدخلت سنة ثَمَانِينَ وَألف عزل يحيى باشا قد ذكرنَا فِي أثْنَاء حوادث سنة خمس وَسبعين أَن طَائِفَة السُّلْطَان صَاحب اسطنبول بعد طرد حُسَيْن باشا عَن
الْبَصْرَة بوشوا بهَا قَرِيبه يحيى عليان وَإِن السُّلْطَان مَال عَن ذَلِك الشَّأْن وَكَانَ الأحب إِلَيْهِ أَن تجتث علائق حُسَيْن باشا وَأَن صنيعهم بتولية قريبَة لم يكن كَمَا شَاءَ وَحين أَخذ يحيى من حَظّ الباشوية مَا سبق فِي علم باري الْبَريَّة وانقضى دور ولَايَته القسرية وَهَبَطَ عَلَيْهِ نَافِذ الْأَوَامِر القهرية وتحركت عَلَيْهِ نفس السُّلْطَان فأجلب عَلَيْهِ من كل مَكَان حَتَّى سلبه تِلْكَ الْبردَة وفار عَلَيْهِ التَّنور بأبطال تمور من عين ورده بعد معركة غرق فِي تامورها الْعباب وشابت لهولها قوادم الْغُرَاب
وَفِي محرمها وفدت الْأَخْبَار إِلَى صنعاء بِتمَام عمل الْحَج واجتماع محامل الْعرَاق وَالشَّام ومصر واليمن وبخروج حسن باشا مولا من الْأَبْوَاب على الْحجاز وَمَكَّة وَجدّة وتوليه للمدينة عِنْد مُرُور إِلَيْهَا وانضرب لذَلِك خاطر الشريف سعد بن زيد وأوجس مِنْهُ الْمَكْر والكيد فاستخدم الْأَبْطَال وَعمر بِالْإِحْسَانِ قُلُوب الرِّجَال وَكَانَ أهل مَكَّة قد ارتجفوا فِي أَوَائِل الْحَال وأغلقت الدكاكين فصاح الباشا بالأمان وَأمر بِإِسْقَاط المكوس وَالضَّمان ثمَّ صَار إِلَى جدة وَأَرَادَ أَن يجمع بهَا من عدَّة الْحَرْب مَا يَسْتَعِين بِهِ على زحلفة يَد الشريف وبالتحقيق أَن ولَايَة سعد سَمَاوِيَّة مِمَّن بِيَدِهِ أزمة التصريف وَكَانَ قد عرض على حسن بن الإِمَام عقيب إتْمَام الْحَج أَن يُقيم عِنْده تِلْكَ الْمدَّة وَيقوم بكفاية من مَعَه من الْعَسْكَر فلاطفه بالإعتذار وَقبل مِنْهُ
وَفِي هَذِه الْأَيَّام طاس جمَاعَة من أُولَئِكَ العمانيين إِلَى جيزان فِي أثر مركب بايزيد لِأَنَّهُ جَاوز المخا فتبعوه ظنا مِنْهُم أَنهم سيعودون بِهِ ففاتهم إِلَى جدة وهرب عَنْهُم أهل جيزان عِنْد دُخُولهمْ ثمَّ ارتفعوا عَنهُ وَقد كذبت أوهامهم وطاشت سِهَامهمْ
وفيهَا مَاتَ القَاضِي صَلَاح بن يحيى الْحسي وَكَانَ إِلَيْهِ منصب الْقَضَاء بالمحويت فَجَلَسَ مَكَانَهُ القَاضِي الْعَارِف عبد الحفيظ النزيلي
وَفِي صفر
مَاتَ شيخ الْقرَاءَات السَّبع بِصَنْعَاء مُحَمَّد السلاخ بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة بِوَزْن غراب وَكَانَ مكفوفا
وَفِي صفر استدعا الإِمَام وَلَده جمال الدّين عَليّ بن أَمِير الْمُؤمنِينَ من المخا فوصل إِلَيْهِ وَأذن للسَّيِّد الْعَلامَة ضِيَاء الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْحسن وصنوه أَحْمد فِي النُّزُول إِلَى بِلَاد ولايتهما العدين فَسَار إِلَيْهِ من طَرِيق النايجة ومضيا إِلَى رماع وتهامة حَتَّى دخلا وَادي العدين فَمَاتَ بِهِ أَحْمد بن مُحَمَّد وقبر بالمذيخرة رَأس العدين وَاسْتقر الضياء بِبَلَد ولَايَته وَكتب لَهُ الْإِنْشَاء مَعَ المشارفة على أَحْوَاله للسَّيِّد الأديب جَعْفَر بن المطهر الجرموزي
وَفِيه قتل السَّيِّد صَالح بن حُسَيْن المحنكي بِصَنْعَاء على يَدي ولد ريحَان وَرجلَيْنِ آخَرين أَحدهمَا عبد دلال وَالْآخر من أهل الشَّام كَانَ خَادِمًا للسَّيِّد وَكَانَ خاصه فعامل على قَتله الرجلَيْن وَأخذُوا مَاله بعد فعلتهم القبيحة فانبعث شنيع فعلهم إِلَى حَاكم صنعاء يَوْمئِذٍ وَهُوَ عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن المتَوَكل فضبط الْعَبْدَيْنِ وانفلت الْخَادِم الشَّامي فتبع ورد من بِلَاد الظَّاهِر ثمَّ تهدده بِالضَّرْبِ فَأقر بِمَا كَانَ من الثَّلَاثَة فَشدد على الْجَمِيع وَوصل أَوْلِيَاء دم السَّيِّد من الشَّام وَلما تعلق
دم السَّيِّد بِذِمَّة الْمَذْكُورين لم ير أولياؤه أَنهم أهل للْقصَاص قَالُوا وَكَانَ الْمُبَاشر ولد ريحَان وَهُوَ فِي حَال الرقم فِي قيد الْوُجُود فأطلقوا عَن الإعتقال بعد وَفَاء الْأَدَب وَأما مَاله الَّذِي كَانَ سَبَب قَتله فَإِنَّهُ استخرج من أَمَاكِن بعد أَن دلّ عَلَيْهِ وَصَارَ إِلَى أَهله وراثة وخسرت صَفْقَة أُولَئِكَ الثَّلَاثَة
وَلم يمض شهر من الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَحْمد بن مُحَمَّد حَتَّى قضي على أَخِيه السَّيِّد الْعَلامَة إِسْمَاعِيل ابْن مُحَمَّد بالعدين فذرفت لمصرعه عُيُون الْأَعْيَان وتوالت لفقده مَوَاضِع الأشجان وأصبحت الْعُيُون عبرا والأرجاء غبرا وَكَانَ بَقِيَّة أَعْيَان الدولة العزية بحماه لائذين وَمن طوارق آفَات الإمتهان بجواره عائذين فضوعف لَهُم أجر الصابرين على الْبِلَاد بذهاب وَاسِطَة عقدهم وَولي حلهم وعقدهم وَكَانَ بِمَثَابَة من سَائِر الْعُلُوم فآثاره فِي كتبه تقضي بالوقوع على طائل عَظِيم وحظ جسيم وَله سمط اللآل فِي شعر الْآل وَقعد مَكَان ولَايَته السَّيِّد جَعْفَر بن مطهر بِولَايَة الإِمَام
وَذكر بَعضهم أَن السَّيِّد صارم الدّين فِي هَذِه الْأَحَايِين تحرّك للدعوة بِسَبَب اشْتِبَاه اسْم الإِمَام باسم ذَلِك السَّيِّد الْهمام فَظن أَنه الْمقْضِي عَلَيْهِ والموجه وَجه الْقَضَاء إِلَيْهِ وَالله أعلم بِحَقِيقَة ذَلِك وَكَانَ ملك عز الْإِسْلَام وَأَوْلَاده الْأَعْلَام إِلَى تَارِيخ وَفَاة وَلَده إِسْمَاعِيل فَوق أَرْبَعِينَ عَاما
وَفِي صفر مَاتَ السَّيِّد الْعَارِف الْحُسَيْن بن عَليّ بن صَلَاح العبالي القاسمي وأصل وَالِده من بِلَاد الحرجة بِالشَّام سكن بالعبال من بِلَاد حجَّة وَنسب إِلَى السَّيِّد الْحُسَيْن اختراق التَّشَيُّع وتضليل الْمُعْتَزلَة وَجَمَاعَة من الْأَئِمَّة كَالْإِمَامِ الْمُؤَيد بِاللَّه الهاروني وَالْإِمَام يحيى بن حَمْزَة وَالْإِمَام الْمهْدي وإنكار الدَّجَّال وَقد قَالُوا أَن الْأَحَادِيث بِخُرُوجِهِ آخر الزَّمَان بلغت التَّوَاتُر وَنسب إِلَيْهِ أَيْضا اعْتِقَاد الحسينية وَقد انقرض مَذْهَبهم السخيف والطعن فِي كتب السّنة النَّبَوِيَّة وَإِن الدَّابَّة لَا تكون على الْحَقِيقَة وَإِنَّمَا هِيَ الْمهْدي وَفتح رَاء الرّوم من قَوْله تَعَالَى {الم غلبت الرّوم} وَتَفْسِيره بِمذهب الْحُسَيْن بن الْقَاسِم وَغير ذَلِك فَلَا حول
وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم
وفيهَا توفّي القَاضِي الْعَارِف بدر بن حميد من ذُرِّيَّة حميد الشَّهِيد كَانَ لَهُ معرفَة بالفقه وَتوجه إِلَيْهِ منصب الْقَضَاء والخطابة فِي جبل عفار وكحلان بدولة مُحَمَّد باشا وَفضل الله باشا وَاسْتمرّ أَيَّامًا على الْقَضَاء بدولة الْمُؤَيد ثمَّ عزل وَكَانَ زاهدا فِي ملبوسه متواضعا مطرحا للمراتب العلوية وَعرف دولة الْوَزير حسن وَكَانَ الباشا سِنَان يَوْمئِذٍ كدخداه وخادمه
وَأخْبر أَنه رأى الْوَزير فِي بعض الأعياد خَارِجا إِلَى الْجَبانَة لصَلَاة الْعِيد وَمَعَهُ أبطال الأجناد والنوبة الَّتِي تأوب لَهَا جبال الْجِيَاد فَلَمَّا نزل الْوَزير عَن الحصان وَدخل بَاب الْجَبانَة احتضنه بِيَدِهِ الْأَمِير سِنَان وَكَانَ فِي نِهَايَة الجسامة والظرافة والوزير فِي نِهَايَة اللطف والنحافة
وفيهَا جَاءَت أَخْبَار حَضرمَوْت بِأَن عشْرين برشة من الفرنج غزوا بِلَاد الْعمانِي مُكَافَأَة لمغزاه الْمَاضِي إِلَى الديو فَدَخَلُوا أَطْرَاف بِلَاده وسواحلها وانتهبوا فِيهَا وَقتلُوا من أَصْحَابه فَوق عشْرين نفسا
وفيهَا رفع الإِمَام الْآدَاب عَن أهل الذِّمَّة بعد أَن مَاتَ بَعضهم من الْجُوع وَأسلم الْبَعْض
وَفِي وسط خريفها درت شأبيب الرَّحْمَة وعاودت الْحَيَاة الْبِلَاد والعباد وَالْحَمْد لله
وفيهَا غزت دهمة إِلَى حُدُود براقش بالجوف فانتهب طرفا من إبلها وَهِي ترعا
وَفِي هَذِه الْأَيَّام عرض الإِمَام على ولد أَخِيه الْقَاسِم بن أَحْمد بن الإِمَام الدُّخُول فِي ولَايَة الْبِلَاد الَّتِي تَحت يَد صنوه مُحَمَّد بن أَحْمد فأباها احتشاما لجَانب أَخِيه فَعظم بذلك عِنْده وَعند النَّاس
وَفِي ربيع الأول وصل إِلَى الإِمَام مَكْتُوب من ملك عمان سُلْطَان بن سيف وَلَفظه
بسم الله الرحمن الرحيم
من إِمَام الْمُسلمين سُلْطَان بن سيف رَأس الْعَرَب اليعربي إِلَى عالي ذرْوَة جناب الْمُعظم الْهمام المكرم إِسْمَاعِيل بن قَاسم الْقرشِي الْعَرَبِيّ أما بعد فَإنَّا نحمد الله على سوابغ آلائه وَجَمِيل صنعه وبلائه ونستر شده إِلَى سلوك سَبِيل
رِضَاهُ ونستزيده من خَزَائِن مواهبه وعطاه إِنَّه بِيَدِهِ مَفَاتِيح كل خير وكفاية كل بؤس وضير وَإِن سَأَلت أَيهَا الْمُحب عَنَّا ورمت كنه كَيْفيَّة الْحَال منا فَإنَّا نحمد الله فِي حَال يسر بِهِ الْوَدُود ويسأله الحسود ثمَّ لتعلم أَيهَا الْملك المبجل وَالسَّيِّد المجلل أَنه قد وصل إِلَيْنَا فِي مُدَّة أَيَّام قد تصرمت وشهور قد تخرمت رجل من جنابكم يزْعم أَنكُمْ أرسلتم بِيَدِهِ طروسا بهَا دُرَر من رائق لفضكم وخطابكم غير أَنه يَقُول أَن الْمركب الَّذِي أقبل فِيهِ عابه الإنكسار فغرق فِي اليم فَأدْرك الطروس المصطره حكم التّلف ثمَّ بيد أَنه قد تناها إِلَيْنَا من نتائج لِسَانه واتضح لنا من وَاضح نطقه وَبَيَانه أَنكُمْ علينا عاتبون وَمنا واجدون لأجل قطع خدامنا فِي الْعَام الْمَاضِي للْمُشْرِكين على بَابَكُمْ وَأَخذهم لسفنهم القاصدة إِلَى جنابكم ولعمري إِنَّا نَدْرِي أَن العتاب بَين الأخلا عنوان الْمَوَدَّة الْخَالِصَة والصفاء ورائد مَحْض الْمحبَّة الصادقة وَالْوَفَاء غير أَنه يجب عَن افْتِرَاق الجرائم وانتهاك الْمَحَارِم فَأَما نَحن فَلم نسلك إِلَى ارْتِكَاب ذَلِك سَبِيلا وَلَا نجد لَك على إلزامنا فعل ذَلِك دَلِيلا إِذْ كُنَّا لم نجهز مراكبنا ونحشد مخالبنا لسيارة رعيتك وَلَا لاستباحة أهل حكمك وقضيتك لَكِن جهزنا الجيوش والعساكر وأعددنا اللهاذم والبواتر لتدمير عَبدة الْأَوْثَان واعدا الْملك الديَّان تعرضا منا لرضى رب الْعَالمين وإحياء لسنة نبيه الْأمين ورغبة فِي إِدْرَاك فضل الصابرين الْمُجَاهدين وحاشا مثلك أَن يغْضب لقِتَال عَبدة الْأَصْنَام وأعداء الله وَالْإِسْلَام السِّت من سلالة عَليّ بن أبي طَالب الساقي للْمُشْرِكين وَبِي المشارب وَأَنت تَدْرِي بِمَا جرى بَيْننَا وَبينهمْ من قبل فِي سواحل عمان وَفِي سَائِر الْأَمَاكِن والبلدان من سفك الدِّمَاء وَكَثْرَة الصيال وتناهب الْأَمْلَاك وَالْأَمْوَال وَإِنَّا نأخذهم فِي كل مَوضِع تحل بِهِ مراكبهم وتغشاه حَتَّى من كنح وحميروية بندرى الشاه وَلم يظْهر لنا من أجل ذَلِك عتابا وَلَا نكيرا فَإِن كنت فِي شكّ من ذَلِك
فاسأل بِهِ خَبِيرا إِلَّا وَإِنَّا نذكرك أَيهَا الْملك والذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ وَإِنَّا لَك من الْمُنْذرين وَعَلَيْك من الحذريين إِنَّا لما ملكنا تِلْكَ الْأَيَّام بَلْدَة ظفار وَهِي عَنَّا نازحة الفيافي والقفار لم نر فِي تَملكهَا صلاحا لشَيْء أوجبه منا النّظر وحاكته الأذهان والفكر فتركناها لَا من خوف قُوَّة قاهرة وَلَا لكلمة علينا ظَاهِرَة وَلَا يَد غالبة وَلَا كف سالبة وَسَاعَة مَا خرج مِنْهَا عاملنا خلف خلف بهَا شَيْئا من مدافع الْمُسلمين لغفلة مِنْهُ جرت عَن حملهَا فِي ذَلِك الْحِين وَلما ملكتم أَنْتُم زِمَام عَنْهَا واجتليتم ضوء بدرها وشمسها وَلم تدفعوا إِلَيْنَا تِلْكَ المدافع كَأَن لم يكن من وَرَائِهَا ذَا يَد وَلَا دَافع فَاعْلَم أَيهَا الْملك أَن البعل غيور وَاللَّيْث هصور وَالْحر على غير الإهانة صبور وَمن أنذر فقد أعذر وَمَا غدر من حذر على إِنَّا لإِصْلَاح ذَات الْبَين بَيْننَا وَبَيْنكُم طالبون وَفِي اسْتِيفَاء صحبتك راغبون ولإطفاء الْفِتَن والإحن بَيْننَا وَبَيْنك مؤثرون فَإِن كنت رَاغِبًا فِي الَّذِي فِيهِ رغبتنا وطالبا لمَاله طلبنا إخمادها فأدفع لَك الْخَيْر لنا إِيَّاهَا وَلَا تتحسن بِسُرْعَة الإعتداء حمياها وَإِن أَبيت إِلَّا الْميل لاغتنامها والجزم على نفس امْرِئ على خبط ظلامها فَفِي الإستعانة بِاللَّه مِمَّن اعْتدى فسحة وسعة وَمن كَانَ مَعَ الله كَانَ الله مَعَه وَالسَّلَام وَرَحْمَة الله انْتهى الْمَكْتُوب بِحُرُوفِهِ
وَفِيه من رئاسة الْأَلْفَاظ وتخير كَلِمَات الأنفة والسمو مَا يقْضِي بِأَن عَامله الْمُسَمّى بخلف إِنَّمَا رغب عَن ظفار لرغبة مخدومه وَقد سلف صفة إِخْرَاجه عَنهُ شَيْء من هَذَا وَهَذِه صناعَة فحول الْمُلُوك على أَيدي أكَابِر الدولة وبلغائها فَإِن من الْبَيَان لسحرا وَإِلَّا فَإِن خلفا لم يخرج من ظفار إِلَّا بِمَا دهمه من جَيش السُّلْطَان الكثيري وَلَو كَانَ خُرُوجه رَغْبَة لما رغب عَن المدفعين وَهُوَ أمس مَا يكون إِلَيْهِمَا وَكَيف لَا وهما آيَة الْإِبْقَاء على دولته ورئاسته وَأعظم مَا يتجمل بِهِ عِنْد الْوُفُود على مخدومه الْعمانِي
(وينتحل المقهور كل تعلة
…
وَلَا بُد للمغلوب أَن يتعللا)
وَالْإِمَام أَمر بِإِطْلَاق المدفعين وَتَوَلَّى الْجَواب من لَا يحسن الدُّخُول فِي هَذَا الْبَاب ولأمر مَا حَافظ الْمُلُوك على تشييد مناصب كتاب الْإِنْشَاء كالصاحب والصابي وَالْقَاضِي الْفَاضِل وَغَيرهم مِمَّن يكون ترشيحه فِي دست الْكِتَابَة نصف المملكة أَو ثلثيها وأسمج بِملك يطبق الدُّنْيَا ملكه وَلَا يجد إِذْ نابه مَا يَدْعُو إِلَى الْكِتَابَة غير الأفدام
وَفِي نصف ربيع الثَّانِي غزت دهمة من برط وَمَعَهُمْ بَنو نوف إِلَى حُدُود معِين من بِلَاد الْجوف فانتهبوا مَا فِيهَا وأقدموا إِلَى صَافِيَة الصفي أَحْمد فَأرْسل وَلَده الْحُسَيْن بن أَحْمد فِي جمَاعَة إِلَى معِين فَلم يُصَادف أُولَئِكَ الغازين وَكَانُوا قد ارتفعوا قبل وُصُوله وَتعقب ذَلِك مسير جمَاعَة من برط إِلَى أَطْرَاف المراشي وَمَعَهُمْ الدَّاعِي السَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ الغرباني وطلبوا الْوَاجِبَات من أَهلهَا وَكَانَت قِطْعَة للْقَاضِي عَليّ بن مُحَمَّد الْعَنسِي وَمن إِلَيْهِ فمنعوا عَنْهَا فَاقْتَتلُوا فَذهب وَاحِد من أهل الْقرْيَة فَحمل عَلَيْهِم أهل الْقرْيَة وجنو على جمَاعَة مِنْهُم ثمَّ رَجَعَ السَّيِّد الدَّاعِي إِلَى المرانة
وَفِي هَذِه السّنة صَالح الشريف حمود سعد بن زيد ملك مَكَّة وَلم يدْخل مَكَّة خشيَة غيلَة الأروام فسكن من الْحجاز فِي أمنع مَكَان وجال فِي ميادين
تِلْكَ الوهاد بِمن مَعَه من الفرسان وَكَانَ قد ترك الشُّهُود لأطراف القنا وَأرْسل عنان فرسه إِلَى عنان كل عَنَّا وَمَا اسْتَفَادَ من نجدته غير قرع النجُود والعدول عَن سكنه إِلَى مساكنة السيدان وَالْأسود مصاحبا القرضابة منشدا لأترابه وأحبابه
(ولي دونكم أهلون سيد عملس
…
وأرقط زهلول وعرفاء جيأل)
(هم الْأَهْل لَا مستودع السِّرّ ضايع
…
لديهم وَلَا الْجَانِي بِمَا جر يخذل)
والباشا حسن اسْتَقر هَذِه الْأَيَّام بجدة وَأعد بتحويل السِّيَاق إِلَى مَكَّة عدَّة
وفيهَا اتّفق بَين السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الله العياني وناظر الْوَقْف بِصَنْعَاء شجار فِي أَمْلَاك فَرفع إِلَى حَاكم الْبَلَد السَّيِّد عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الإِمَام وَاقْتضى رَأْيه تَأْدِيب جمَاعَة السَّيِّد فاحترقت لذَلِك أنفاسه وأعان على غيظه وسواسه فَلبس الغرارة وَجعلهَا لغيظة أَمارَة واشتعل نَار غيظه حَتَّى رمت بشرر كالقصر لما كَانَ قد أَلفه من نُفُوذ الْكَلِمَة الَّتِي تقدم مَعهَا أَرْبَاب الْأَمر
(وَمَا كل وَقت يمنح الْمَرْء سؤله
…
فَخذ عَفْو مَا واتى ودع كلما استعصا)
وَفِي إِحْدَى جماديين مَاتَ حُسَيْن بن أَحْمد الْوَادي وَكَانَ بارعا فِي اسْتِخْرَاج الْكَوَاكِب من جداول الزيجات وترتيب الْأَحْكَام عَلَيْهَا فِي السّكُون والحركات فَلَمَّا أَرَادَ السّفر إِلَى قعار نظر فِي أَحْكَام الْفلك الدوار فَقضى عرفانه بالنقلة من صنعاء إِلَى وهب فِي سَاعَة اخْتَارَهَا وأثاره من علم آثارها
فأمسى هُنَاكَ ثمَّ أصبح مُسَافِرًا وَقد أَطَاعَته أفلاكه وضل عَنهُ ملاكه فَإِنَّهُ مَا اسْتَقر ثمَّ إِلَّا وَقد دَعَاهُ مُدبر الْأَمْلَاك ومدبر الأفلاك فانتظم هَالة محياه برج الضريح قبل أَن يُعِيد فِي تحريكه نظره الصَّحِيح سُبْحَانَ من علم لذاته الْعُظْمَى مَا كَانَ وَمَا يكون وَله الْملك والملكوت {قل لَا يعلم من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا الله} {وَمَا تَدْرِي نفس مَاذَا تكسب غَدا وَمَا تَدْرِي نفس بِأَيّ أَرض تَمُوت} وَشَيْخه فِي الْفلك الْفَقِيه حسن بن عبد الله السرحي صَاحب الزيج الْمَعْرُوف
وَفِي هَذِه الْأَيَّام وَقعت من الصفي أَحْمد بن الْحسن إِشَارَة إِلَى الإِمَام فِي أَن يُوَجه إِلَيْهِ العدين وَيكون نظره إِلَى وَلَده بدر الْإِسْلَام مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن ابْن الإِمَام لِأَنَّهُ حضر موت عَمه ضِيَاء الدّين فرجح نظر الإِمَام اسْتِمْرَار السَّيِّد جَعْفَر بن المطهر على عمله قلت عِنْد كتب هَذَا المسطور وَولده الْمشَار إِلَيْهِ إِمَام هَذَا الْقطر اليمني ومفيض فرات مشرعه الهني وَهُوَ الْمهْدي لدين الله مُحَمَّد بن الْمهْدي لدين الله أَحْمد بن ملك الْيمن الْحسن بن الْمَنْصُور وَسَيَأْتِي عِنْد ذكر دولة وَالِده ودولته اسْتِيفَاء الْكَلَام بعون مفيض الْإِعَانَة العلام
وفيهَا استدعى الإِمَام الْحَاكِم اللِّحْيَة وَالضُّحَى ومور وَهُوَ النَّقِيب سعيد المجربي فَاعْتَذر بضعفه عَن الْوُصُول وناب عَنهُ وَلَده فِي المثول فَصدقهُ فِي قَوْله وعذره وعَلى كمران واللحية قصره وَتوجه الضحي ومور إِلَى غَيره على الْفَوْر
وفيهَا وصلت إِلَى الإِمَام اتحافات وهدايا من الباشا عِيسَى بن الباشا عَليّ
مقدمي الذّكر وفيهَا حِصَّة للصفي أَحْمد بن الْحسن وَشرف الدّين الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد فَعَاد رَسُوله بِثَوَاب الإثابة ورياض المنا المستطابة وَفِي آخر رَجَب سَافر الشريف عَليّ بن حسن الْمَكِّيّ من صنعاء إِلَى مَكَّة وَكَانَ قد أَقَامَ بِالْيمن قدر عشْرين سنة وَلم يتْرك لَهُ الصفي أَحْمد شَيْئا فِي نَفسه مِمَّا يوصله إِلَى بَلَده ويحمله عِنْد الْوُصُول بَين أَهله وَولده فَلبث هُنَالك ثَلَاث سِنِين بعد استقراره وثار بَينه وَبَين قَرِيبه الشريف حيدر خصام خلص فِيهِ عَن قيد الْوُجُود إِلَى فضي الإعدام وأعان حيدر على غلبته الركة الَّتِي لحقته بِسَبَب انكسار إِحْدَى رجلَيْهِ عِنْد خُرُوجه إِلَى الْيمن فِي بِلَاد خمر بسقوطه من على فرسه وَلما قَتله حيدر واستشعر من قرَابَته الشَّرّ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ فَفَارَقَ مَكَّة إِلَى الْيمن ومشاها خطا عَلَيْهِ كتبت
وَفِي هَذِه الْأَيَّام اتّفق بَين الْعمانِي والفرنج فِي الْبَحْر قتال شَدِيد وَكَانَ ريح النَّصْر فِي مبادئه مَعَ جند الْعمانِي ثمَّ عطف الفرنج عَلَيْهِم فَقتلُوا مِنْهُم زهاء مِائَتي نفر وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ وَثَبت الفرنج فِي الْبَحْر يعوثون أَيَّامًا حَتَّى خرج مِنْهُم من خرج إِلَى المخا
وَفِي عَاشر شعْبَان اقْترن زحل والمريخ بِأول برج الْحُوت
وَفِي هَذِه الْأَيَّام غزى قوم لَا يدرى مِنْهُم إِلَى برط فَقتلُوا نَحْو الْمِائَة
وفيهَا اغتال أهل ظفار وَقتلُوا من أَصْحَاب الإِمَام عشْرين من الْخِيَار فانحصر أَمِير الدولة وَهُوَ ولد الشَّيْخ زيد بن خَلِيل واحتار فرجح نظر الإِمَام إرْسَال عَبده الْحَاج عُثْمَان زيد إِلَى حَضرمَوْت لنيابته واستدعاه الشَّيْخ زيد خَلِيل وَلَده من ظفار فَخَرَجَا جَمِيعًا إِلَى الحضرة
فَأَما ظفار فتغلب عَلَيْهِ أحد جند الدولة الكثيرية واستند فِي الظَّاهِر إِلَى الحضرة الْعلية وَكَانَ الإِمَام قد عرض ولَايَة بِلَاد حَضرمَوْت وَمَا يتَعَلَّق بهَا وَالدُّخُول إِلَيْهَا على ابْن أَخِيه شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْحسن فَامْتنعَ عَن ذَلِك بمشاورة صنوه صفي الْإِسْلَام وَأرْسل بعض مقاومته وَلم يتم لَهُ مرام
وَفِي رمضانها توفّي الْعَلامَة الْمُحدث زين العابدين بن عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ إِمَام مقَام الشَّافِعِيَّة بِالْحرم الشريف وَدفن بِمَكَّة وَهُوَ صَاحب أَسَانِيد عالية فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ
(وَخذ النّوم من جفوني فَإِنِّي
…
قد خلعت الْكرَى على العشاق)
فَسَار إِلَيْهَا السُّلْطَان وطلع تحتهَا فِي أشرف طالع وأسعد قرَان فزهر بدره وَنفذ نَهْيه وَأمره
قَالَ الْمُؤلف أبقاه الله فِي نسخته المنقولة هَذِه مِنْهَا من خطه كمل الْجُزْء الأول من طبق الْحَلْوَى فِي اللَّيْلَة المسفرة عَن رَابِع وَعشْرين من شَوَّال أحد شهور سنة خمس عشرَة وَمِائَة وَألف على يَد مُؤَلفه الْفَقِير عَبده بن عَليّ بن الْوَزير غفر الله ذنُوبه وَستر عُيُوب صلى الله عليه وسلم سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم
انْتهى كَمَا وجد فِي الْأُم بِلَفْظِهِ