الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التهكم
يقال: تهكمت البئر إذا تهدمت، وتهكم عليه: اشتد غضبه. والمتهكم المتكبر وقال أبو زيد: تهكمت: تعتبت، وهكمت، عيرته تهكيماً عبته، وعلى هذا يكون التهكم إما لشدة الغضب قد أوعد بلفظ البشارة أو لشدة الكبر وتهاونه بالمخاطب قد فعل ذلك أو ذكر بفعله عند العقوبة على سبب المعيرة له، فهذا أصله.
وهو في الاستعمال عبارة عن الإتيان بلفظ البشارة في موضع الإنذار، والوعد في مكان الوعيد، والمدح في معرض الاستهزاء، فشاهد البشارة من الكتاب العزيز قوله تعالى:" بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً " وقد مر في الباب الذي قبله قوله تعالى: " ذق إنك أنت العزيز الكريم " وهو شاهد الاستهزاء بلفظ المدح.
ومن التهكم قول الزمخشري في تأويل قوله تعالى: " له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله " قال: هم الحرس من حول
السلطان يحفظونه على زعمه من أمر الله على سبيل التهكم به، فإنهم لا يحفظونه من أمر الله في الحقيقة إذا جاء، والله أعلم.
ومنه أيضاً قوله تعالى: " قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين " فقوله سبحانه " إيمانكم " تهكم، والله أعلم.
ومن السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم " بشر مال البخيل بحادث أو وارث ".
وشاهد المدح في موضع الاستهزاء قول ابن الذروى في ابن أبي حصينة من أبيات خفيف:
لا تظنن حدبة الظهر عيباً
…
فهي في الحسن من صفات الهلال
؟ وكذاك القسي محدودبات وهي أنكى من الظبا والعوالي
وإذا ما علا السنام ففيه
…
لقروم الجمال أي جمال
وذنابى القطاة وهي كما تع
…
لم كانت موصوفة بالجلال
وأرى الانحناء في منسر البا
…
زي لم يعد مخلب الرئبال
كون الله حدبة فيك إن شئ
…
ت من الفضل أو من الإفضال
فأتت ربوة على طود حلمٍ
…
طال أو موجةً ببحر نوال
ما رأتها النساء إلا تمنت
…
لو غدت حليةً لكل الرجال
ثم ختمها بقوله:
وإذا لم يكن من الهجر بدٌ
…
فعسى أن تزورني في الخيال
وكقول ابن الرومي سريع:
فيا له من عمل صالح
…
يرفعه الله إلى أسفل
وأحسب أن أول من نطق بالتهكم في شعره امرؤ القيس، حيث يقول: متقارب:
فأنشب أظفاره في النسا
…
فقلت هبلت ألا تبصر
فإن قوله للثور هبلت ألا تبصر من التهكم اللطيف. وأطرف ما سمعت في التهكم قول حماد عجرد مجزوء الكامل:
فيا ابن نوح يا أخا ال؟
…
حلس ويا بن القتب
ومن نشا والده
…
بين الربا والكثب
يا عربي يا عربي
…
يا عربي يا عربي
والفرق بين التهكم والهزل الذي يراد به الجد أن التهكم ظاهره جد وباطنه هزل، وهو ضد الأول، لأن الهزل الذي يراد به الجد يكون ظاهره هزلاً وباطنه جداً.