الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الفرائد
هذا باب مختص بالفصاحة دون البلاغة، لأن مفهومه إتيان المتكلم بلفظة تتنزل من كلامه منزلة الفريدة من حب العقد تدل على عظم فصاحته وقوة عارضته، وشدة عربيته، حتى إن هذه اللفظة لو سقطت من الكلام لعز على الفصحاء غرامتها وهي كقول أبي نواس كامل:
وكأن سعدي إذ تودعنا
…
وقد اشرأب الدمع أن يكفا
فلفظة اشرأب من الفرائد التي لا نظير لها في فصيح الكلام، ولا يقع مثلها إلا على سبيل الندور، وكقوله أيضاً بسيط
حتى إذا ما غلا ماء الشباب لها
…
وأفعمت في تمام الجسم والعصب
فاستعارة الغليان لماء الشباب من الفرائد البديعة، وكذلك قول أبي تمام وافر:
وقدما كنت معسول الأماني
…
ومأدوم القوافي بالسداد
فلفظة مأدوم من الفرائد التي لا يقدر على نظيرها، ولا يعثر على شبيهها وكقول البحتري في المعتز بالله خفيف:
لا بس حلة الوفاء ومن أب
…
هة السيف أن يكون محلى
فقوله أبهة من الفرائد الغريبة في مكانها التي يعجز الفصحاء عن الإتيان بها، وقد جاء في الكتاب العزيز من ذلك غرائب يعز حصرها، منها قوله سبحانه وتعالى:" فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين " وانظر إلى قوله تعالى: " فلما استيأسوا منه خلصوا نجياً " فألفاظ هذه الجملة كلها فرائد معدومة النظائر، وكقوله عز وجل:" حتى إذا فزع عن قلوبهم " فانظر إلى لفظة " فزع " وغرابة فصاحتها، تعلم أن الفكر لا يكاد يقع على مثلها وكقوله تبارك وتعالى:" يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور " وهذه الفريدة في هذه الآية أعجب من كل ما تقدم، فإن لفظة " خائنة " سهلة مستعملة، كثيرة الجريان على ألسن الناس، لكن على انفرادها، فلما أضيفت إلى " الأعين " حصل لها من غرابة التركيب ما جعل لها في النفوس هذا الموقع العظيم، بحيث لا يستطاع الإتيان بمثلها، ولا يكاد يقع في شيء من فصيح الكلام شبهها، وأشباه ذلك في الكتاب العزيز لا يدخل تحت الحصر، وقد ورد في السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام مواضع شريفة، منها قوله عليه السلام: استذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا
من صدور الرجال من النعم من عقلها فالمح لفظتي استذكروا، وتفصيا لترى ما يذهل عقل السامع فصاحة، ويروعه جزالة وحلاوة، وكذلك قوله عليه السلام:" إذا ذكر الصالحون فحى هلاً بعمر " فإن لفظة " حى، هلاً " من الفرائد العجيبة وفيها من الفصاحة ما يعجز عن مثله كل فصيح، وعلى هذه الأمثلة فقس ترشد إن شاء الله تعالى.