الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَشْهُرٍ وَلِأَرْبَعِينَ سَنَةً
وَالْمَعْنَى لَا أُضَيِّعُ حَقَّكَ وَلَا أَرُدُّ دُعَاءَكَ وَلَوْ مَضَى زَمَانٌ طَوِيلٌ لِأَنِّي حَلِيمٌ لَا أُعَجِّلُ عُقُوبَةَ الْعِبَادِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنِ الظُّلْمِ وَالذُّنُوبِ إِلَى إِرْضَاءِ الْخُصُومِ وَالتَّوْبَةِ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى يُمْهِلُ الظَّالِمَ وَلَا يُهْمِلُهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَلِكَ الْقَوِيَّ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ) لِأَنَّ فِي سنده زياد الطَّائِيَّ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَمَعَ هَذَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلًا
اعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ فَالْأَوَّلُ مِنْ قَوْلِهِ مَا لَنَا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ إِلَى قَوْلِهِ لَزَارَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي بُيُوتِكُمْ وَهَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
وَالثَّانِي مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا إِلَى قَوْلِهِ فَيَغْفِرُ لَهُمْ
وَهَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَالثَّالِثُ مِنْ قَوْلِهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ إِلَى قَوْلِهِ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ وَهَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَزَّارُ والطبراني في الأوسط وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وَالرَّابِعُ مِنْ قَوْلِهِ ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ إِلَخْ وَهَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي الدَّعَوَاتِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُنْذِرِيِّ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ مِنْ كِتَابِ التَّرْغِيبِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ عِنْدَ أحمد والبزار والطبراني وبن حِبَّانَ
(بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ غُرَفِ الْجَنَّةِ)
[2527]
قَوْلُهُ (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ كَصُرَدٍ جَمْعُ غُرْفَةٍ بِالضَّمِّ وَهِيَ الْعُلِّيَّةُ وَهِيَ بِالْفَارِسِيَّةِ بالأخانة
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ قَوْلِ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ
قَوْلُهُ (مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مِنْ جِهَةِ حِفْظِهِ (وَهُوَ كُوفِيٌّ) وَاسِطِيٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي بَابِ قَوْلِ الْمَعْرُوفِ (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْقُرَشِيُّ مَدَنِيٌّ وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا) وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَهُوَ أصلح من الواسطي
وقال بن سَعْدٍ هُوَ أَثْبَتُ مِنَ الْوَاسِطِيِّ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ وَثَّقَهُ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالْعِمَامَةِ
[2528]
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ هَذَا هُوَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ اسْمُهُ عَمْرٌو أَوْ عَامِرٌ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ حَضَّارٍ كُنْيَتُهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ أَقَرَّهُ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ وَهُوَ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ بِصَفِّينَ
قَوْلُهُ (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ جَنَّتَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا) أَيْ مِنَ الْقُصُورِ وَالْأَثَاثِ كَالسُّرُرِ وَكَقُضْبَانِ الْأَشْجَارِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ قِيلَ قَوْلُهُ مِنْ فِضَّةٍ خَبَرُ آنِيَتُهُمَا وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ جَنَّتَيْنِ أَوْ مِنْ فِضَّةٍ صِفَةُ قَوْلِهِ جنتين وخبر انيهما مَحْذُوفٌ أَيْ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا كَذَلِكَ وَكَذَا مِنْ جِهَةِ الْمَبْنَى وَالْمَعْنَى قَوْلُهُ (وَجَنَّتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا) ثُمَّ ظَاهِرُهُ أَنَّ جَنَّتَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ لَا مِنْ ذَهَبٍ وَجَنَّتَيْنِ بِالْعَكْسِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ صِفَةِ بِنَاءِ الْجَنَّةِ مِنْ أَنَّ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ أَنَّ الْأَوَّلَ صِفَةُ مَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ آنِيَةٍ وَغَيْرِهَا وَالثَّانِي صِفَةُ حَوَائِطِ الْجَنَّةِ
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْثِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ اللَّهَ أَحَاطَ حَائِطَ الْجَنَّةِ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ (وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ
الْكِبْرِيَاءِ)
قَالَ عِيَاضٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ الِاسْتِعَارَةَ كَثِيرًا وَهُوَ أَرْفَعُ أَدَوَاتِ بَدِيعِ فَصَاحَتِهَا وَإِيجَازِهَا ومنه قوله تعالى (جناح الذل) فَمُخَاطَبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ بِرِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى
وَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ تَاهَ فَمَنْ أَجْرَى الْكَلَامَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَفْضَى بِهِ الْأَمْرُ إِلَى التَّجْسِيمِ وَمَنْ لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهَا إِمَّا أَنْ يُكَذِّبَ نَقَلَتَهَا وَإِمَّا أَنْ يأولها أَنْ يُقَالَ اسْتَعَارَ لِعَظِيمِ سُلْطَانِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ وَهَيْبَتِهِ وَجَلَالِهِ الْمَانِعِ إِدْرَاكَ أَبْصَارِ الْبَشَرِ مَعَ ضَعْفِهَا لِذَلِكَ رِدَاءَ الْكِبْرِيَاءِ فَإِذَا شَاءَ تَقْوِيَةَ أَبْصَارِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ كَشَفَ عَنْهُمْ حِجَابَ هَيْبَتِهِ وَمَوَانِعَ عَظَمَتِهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ مَا حَاصِلُهُ إِنَّ رِدَاءَ الْكِبْرِيَاءِ مَانِعٌ عَنِ الرُّؤْيَةِ فَكَانَ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ فَإِنَّهُ يَمُنُّ عَلَيْهِمْ بِرَفْعِهِ فَيَحْصُلُ لَهُمُ الْفَوْزُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ فَكَأَنَّ الْمُرَادَ أن المؤمنين إذا تبوأوا مقاعدهم من الجنة لولاما عِنْدَهُمْ مِنْ هَيْبَةِ ذِي الْجَلَالِ لِمَا حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرُّؤْيَةِ حَائِلٌ فَإِذَا أَرَادَ إِكْرَامَهُمْ حَفَّهُمْ بِرَأْفَتِهِ وَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِتَقْوِيَتِهِمْ عَلَى النَّظَرِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ
قَالَ الْحَافِظُ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي حَدِيثِ صُهَيْبٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى لِلَّذِينَ أحسنوا الحسنى وزيادة مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِرِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْحِجَابُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ صُهَيْبٍ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَكْشِفُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ إِكْرَامًا لَهُمْ
وَالْحَدِيثُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَقُولُ اللَّهُ عز وجل تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَتُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ قَالَ فَيَكْشِفُ لَهُمُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إليهم منه ثم تلاهذه الاية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى تَأْوِيلِهِ بِهِ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الرِّدَاءُ اسْتِعَارَةٌ كَنَّى بِهَا عَنِ الْعَظَمَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي وَلَيْسَ الْمُرَادُ الثِّيَابَ الْمَحْسُوسَةَ لَكِنَّ الْمُنَاسَبَةَ أَنَّ الرِّدَاءَ وَالْإِزَارَ لَمَّا كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ لِلْمُخَاطَبِ مِنَ الْعَرَبِ عَبَّرَ عَنِ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ بِهِمَا وَمَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ مُقْتَضَى عِزَّةِ اللَّهِ وَاسْتِغْنَائِهِ أَنْ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ لَكِنَّ رَحْمَتَهُ المؤمنين اقْتَضَتْ أَنْ يُرِيَهُمْ وَجْهَهُ كَمَالًا لِلنِّعْمَةِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ فَعَلَ مِنْهُمْ خِلَافَ مُقْتَضَى الْكِبْرِيَاءِ فَكَأَنَّهُ رَفَعَ عَنْهُمْ حِجَابًا كَانَ يَمْنَعُهُمْ انْتَهَى (عَلَى وَجْهِهِ) حَالٌ مِنْ رِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ (فِي جَنَّةِ عَدْنٍ) رَاجِعٌ إِلَى الْقَوْمِ
وَقَالَ عِيَاضٌ مَعْنَاهُ رَاجِعٌ إِلَى النَّاظِرِينَ أَيْ وَهُمْ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لَا إِلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا تَحْوِيهِ الْأَمْكِنَةُ سبحانه وتعالى
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْقَوْمِ مِثْلُ كَائِنِينَ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ