الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَخْبَرَنَا مُصْعَبٌ قَالَ كَانَ الْعُمَرِيُّ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَتَقَدَّمُ بِذَلِكَ عَلَى الْخُلَفَاءِ وَيَحْتَمِلُونَ لَهُ ذَلِكَ
وَقَالَ الزُّبَيْرُ كَانَ أَزْهَدَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَعْبَدَهُمْ انْتَهَى مُخْتَصَرًا
وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَا لَفْظُهُ عبد العزيز بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخطاب العدوي المدني ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَهُوَ وَالِدُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّاهِدِ الْعُمَرِيِّ انْتَهَى
فَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالصَّوَابُ أَنَّ اسْمَ الْعُمَرِيَّ الزَّاهِدَ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
9 -
(بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْفِقْهِ عَلَى الْعِبَادَةِ)
[2681]
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ البخاري رحمه الله (أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالصَّغِيرِ (أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ جَنَاحٍ) الْأُمَوِيُّ مولاهم أبو سعد الدمشقي ضعيف اتهمه بن حِبَّانَ مِنَ السَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (فَقِيهٌ) وَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ فَقِيهٌ وَاحِدٌ (أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ) لِأَنَّ الْفَقِيهَ لَا يَقْبَلُ إِغْوَاءَهُ وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالْخَيْرِ عَلَى ضِدِّ مَا يَأْمُرُهُمْ بِالشَّرِّ (مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ) قِيلَ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ كُلَّمَا فَتَحَ بَابًا مِنَ الْأَهْوَاءِ عَلَى النَّاسِ وَزَيَّنَ الشَّهَوَاتِ فِي قُلُوبِهِمْ بَيَّنَ الْفَقِيهُ الْعَارِفُ بِمَكَائِدِهِ وَمَكَامِنِ غَوَائِلِهِ لِلْمُرِيدِ السَّالِكِ مَا يَسُدُّ ذَلِكَ الْبَابَ وَيَجْعَلُهُ خَائِبًا خَاسِرًا بِخِلَافِ الْعَابِدِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَشْتَغِلُ بِالْعِبَادَةِ وَهُوَ فِي حَبَائِلِ الشَّيْطَانِ وَلَا يَدْرِي
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ السَّاجِيُّ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي الْفَوَائِدِ الْمَجْمُوعَةِ حَدِيثُ مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ فِي الدِّينِ وَفَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ وَلِكُلِّ شَيْءٍ عِمَادٌ وَعِمَادُ هَذَا الدِّينِ الْفِقْهُ
قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ ضَعِيفٌ وَفِي الْمَقَاصِدِ لَفَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ
أَسَانِيدُهُ ضَعِيفَةٌ لَكِنَّهُ يَتَقَوَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ
[2682]
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ) الْكِنْدِيُّ الْفِلَسْطِينِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ كَثِيرُ بْنُ قَيْسٍ الشَّامِيُّ وَيُقَالُ قَيْسُ بْنُ كَثِيرٍ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ كَثِيرُ بْنُ قَيْسٍ وَيُقَالُ قَيْسُ بْنُ كَثِيرٍ شَامِيٌّ رَوَى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ وَعَنْهُ دَاوُدُ بْنُ جَمِيلٍ جَاءَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ كَثِيرُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي الْإِسْنَادِ إِلَيْهِ وَتَفَرَّدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ بِتَسْمِيَةِ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ وَهُوَ وَهْمٌ
قَوْلُهُ (مِنَ الْمَدِينَةِ) الْمُنَوَّرَةِ (وَهُوَ) أَيْ أَبُو الدَّرْدَاءِ (بِدِمَشْقَ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَيُكْسَرُ (مَا أَقْدَمَكَ) مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ جَاءَ بِكَ هُنَا (حَدِيثٌ) أَيْ أَقْدَمَنِي حَدِيثٌ يَعْنِي جِئْتُكَ لِتُحَدِّثَنِي بِهِ (أَمَا جِئْتَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَمَا نَافِيَةٌ (مَنْ سَلَكَ) أَيْ دَخَلَ أَوْ مَشَى (طَرِيقًا) أَيْ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا (يَبْتَغِي فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ أَوْ فِي ذَلِكَ الْمَسْلَكِ أَوْ فِي سُلُوكِهِ (عِلْمًا) قَالَ الطِّيبِيُّ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الطَّرِيقَ وَالْعِلْمَ لِيَشْمَلَا فِي جِنْسِهِمَا أَيَّ طَرِيقٍ كَانَ مِنْ مُفَارَقَةِ الْأَوْطَانِ وَالضَّرْبِ فِي الْبُلْدَانِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَأَيَّ عِلْمٍ كَانَ مِنْ عُلُومِ الدِّينِ قليلا أو كثيرا رفعيا أَوْ غَيْرَ رَفِيعٍ (سَلَكَ اللَّهُ بِهِ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى مَنْ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ جَعَلَهُ سَالِكًا وَوَفَّقَهُ أَنْ يَسْلُكَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ وَقِيلَ عَائِدٌ إِلَى الْعِلْمِ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَسَلَكَ بِمَعْنَى سَهَّلَ وَالْعَائِدُ إِلَى مَنْ مَحْذُوفٌ وَالْمَعْنَى سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِسَبَبِ الْعِلْمِ (طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) فَعَلَى الْأَوَّلِ سَلَكَ مِنَ السُّلُوكِ وَعَلَى الثَّانِي من السلك والمفعول محذوف كقوله تعالى ويسلكه عذابا صعدا قيل عذابا مفعول ثان
وعلى التقدير نِسْبَةُ سَلَكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ كَذَا قَالَ الطِّيبِيُّ (لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا) جَمْعُ جَنَاحٍ (رِضًى) حَالٌ أَوْ مَفْعُولٌ لَهُ عَلَى مَعْنَى إِرَادَةِ رِضًا لِيَكُونَ فِعْلًا لِفَاعِلِ الْفِعْلِ الْمُعَلَّلِ بِهِ (لِطَالِبِ الْعِلْمِ) اللَّامُ مُتَعَلِّقٌ بِرِضًا وَقِيلَ التَّقْدِيرُ لِأَجْلِ الرِّضَا الْوَاصِلِ مِنْهَا إِلَيْهِ أَوْ لِأَجْلِ إِرْضَائِهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ بِمَا يَصْنَعُ مِنْ حِيَازَةِ الْوِرَاثَةِ الْعُظْمَى وَسُلُوكِ السَّنَنِ الْأَسْنَى
قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ وَغَيْرُهُ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَتَوَاضَعُ لِطَالِبِهِ تَوْقِيرًا لِعِلْمِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
واخفض لهما جناح الذل من الرحمة أَيْ تَوَاضَعْ لَهُمَا أَوِ الْمُرَادُ الْكَفُّ عَنِ الطَّيَرَانِ وَالنُّزُولُ لِلذِّكْرِ كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ مَعْنَاهُ الْمَعُونَةُ وتيسير المؤونة بِالسَّعْيِ فِي طَلَبِهِ أَوِ الْمُرَادُ تَلْيِينُ الْجَانِبِ وَالِانْقِيَادُ وَالْفَيْءُ عَلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ وَالِانْعِطَافِ أَوِ الْمُرَادُ حَقِيقَتُهُ وَإِنْ لَمْ تُشَاهَدْ وَهِيَ فَرْشُ الْجَنَاحِ وَبَسْطُهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ لِتَحْمِلَهُ عَلَيْهَا وَتَبْلُغَهُ مَقْعَدَهُ مِنَ الْبِلَادِ نَقَلَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ وَنَقَلَ بن الْقَيِّمِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ
قَالَ كُنَّا عِنْدَ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ بِالْبَصْرَةِ فَحَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ وفي المجلس شخص من المعتزلة فجعل يستهزىء بِالْحَدِيثِ فَقَالَ وَاللَّهِ لَأَطْرُقَنَّ غَدًا نَعْلِي وَأَطَأُ بِهَا أَجْنِحَةَ الْمَلَائِكَةِ فَفَعَلَ وَمَشَى فِي النَّعْلَيْنِ فَحُفَّتْ رِجْلَاهُ وَوَقَعَتْ فِيهِمَا الْأَكَلَةُ
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ سمعت بن يَحْيَى السَّاجِيَّ يَقُولُ كُنَّا نَمْشِي فِي أَزِقَّةِ الْبَصْرَةِ إِلَى بَابِ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ فَأَسْرَعْنَا الْمَشْيَ وَكَانَ مَعَنَا رَجُلٌ مَاجِنٌ مُتَّهَمٌ فِي دِينِهِ فَقَالَ ارْفَعُوا أَرْجُلَكُمْ عَنْ أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ لَا تكسروها كالمستهزىء بِالْحَدِيثِ فَمَا زَالَ عَنْ مَوْضِعِهِ حَتَّى حُفَّتْ رِجْلَاهُ وَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ انْتَهَى
وَالْحَفَاءُ رِقَّةُ الْقَدَمِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ
قَالَ مَرْحَبًا بِطَالِبِ الْعِلْمِ إِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ لَتَحُفُّ بِهِ الْمَلَائِكَةُ وَتُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا فَيَرْكَبُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ حَتَّى تَبْلُغَ السَّمَاءَ الدُّنْيَا من حبهم لما يطلب
نقله الشيخ بن الْقَيِّمِ وَقَالَ الْحَاكِمُ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ مَجَازٌ مِنْ إِرَادَةِ اسْتِقَامَةِ حَالِ الْمُسْتَغْفَرِ له انتهى
قال القارىء وَالْحَقِيقَةُ أَوْلَى (حَتَّى الْحِيتَانُ) جَمْعُ الْحُوتِ خُصَّ لِدَفْعِ إِيهَامِ أَنَّ مَنْ فِي الْأَرْضِ لَا يَشْمَلُ مَنْ فِي الْبَحْرِ كَذَا قِيلَ (وَفَضْلُ الْعَالِمِ) أَيِ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ وَهُوَ الَّذِي يَقُومُ بِنَشْرِ الْعِلْمِ بَعْدَ أَدَائِهِ مَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ (عَلَى الْعَابِدِ) أَيِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ الْعِبَادَةُ وَهُوَ الَّذِي يَصْرِفُ أَوْقَاتَهُ بِالنَّوَافِلِ مَعَ كَوْنِهِ عَالِمًا بِمَا تَصِحُّ بِهِ الْعِبَادَةُ (كَفَضْلِ الْقَمَرِ) أَيْ لَيْلَةَ الْبَدْرِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ) قَالَ الْقَاضِي شَبَّهَ الْعَالِمَ بِالْقَمَرِ وَالْعَابِدَ بِالْكَوَاكِبِ لِأَنَّ كَمَالَ الْعِبَادَةِ وَنُورَهَا لَا يَتَعَدَّى مِنَ الْعَابِدِ وَنُورُ الْعَالِمِ يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ (إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَرَثَةُ الرُّسُلِ ليشمل الكل
قاله بن الْمَلِكِ (لَمْ يُوَرِّثُوا) بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّوْرِيثِ (دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا) أَيْ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا وَخُصَّا لِأَنَّهُمَا أَغْلَبُ أَنْوَاعِهَا وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى زَوَالِ الدُّنْيَا وَأَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهَا إِلَّا بِقَدْرِ ضَرُورَتِهِمْ فَلَمْ يُوَرِّثُوا شَيْئًا مِنْهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَطْلُبُونَ شَيْئًا مِنْهَا يُورَثُ عَنْهُمْ (فَمَنْ أَخَذَ بِهِ) أَيْ
بِالْعِلْمِ (فَقَدْ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) أَيْ أَخَذَ حَظًّا وَافِرًا يَعْنِي نَصِيبًا تَامًّا أَيْ لَا حَظَّ أَوْفَرَ مِنْهُ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ أَوِ الْمُرَادُ أَخَذَهُ مُتَلَبِّسًا بِحَظٍّ وَافِرٍ مِنْ مِيرَاثِ النُّبُوَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ فَمَنْ أَرَادَ أَخْذَهُ فَلْيَأْخُذْ بِحَظٍّ وَافِرٍ وَلَا يَقْتَنِعْ بِقَلِيلٍ (هَكَذَا حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ هَذَا الْحَدِيثَ) يَعْنِي عَنْ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا (وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ) يَعْنِي بزيادة داود بن جميل بن عَاصِمِ بْنِ رَجَاءٍ وَكَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ وَكَذَلِكَ رواه أبو داود وبن مَاجَهْ وَدَاوُدُ بْنُ جَمِيلٍ هَذَا ضَعِيفٌ وَيُقَالُ اسْمُهُ الْوَلِيدُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَعَنْهُ عَاصِمُ بْنُ رَجَاءِ بن حيوة ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَفِي إِسْنَادِ حَدِيثِهِ اخْتِلَافٌ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَجْهُولٌ وَقَالَ مَرَّةً هُوَ وَمَنْ فَوْقَهُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ ضُعَفَاءُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ خِدَاشٍ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى عَنْ عَاصِمٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ خِدَاشٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ بِإِسْقَاطِ دَاوُدَ بْنِ جَمِيلٍ وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ثُمَّ ذَكَرَهُ مُفَصَّلًا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْهُ
[2683]
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ) اسْمُهُ سَلَّامُ بْنُ سليم (عن بن أَشْوَعَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَشْوَعَ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ قَاضِيهَا ثِقَةٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلَمَةَ) بْنِ يَزِيدَ (الْجُعْفِيِّ) صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ وَيُقَالُ إِنَّهُ نَزَلَ الْكُوفَةَ
قَوْلُهُ (أَخَافُ أَنْ يُنْسِيَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ مِنَ الْإِنْسَاءِ (أَوَّلَهُ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (آخِرُهُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ (تَكُونُ جِمَاعًا) بِكَسْرِ الْجِيمِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْجِمَاعُ مَا جَمَعَ عَدَدًا أَيْ كَلِمَةٌ
تَجْمَعُ كَلِمَاتٍ (اتَّقِ اللَّهَ) أَيْ خَفْهُ وَاخْشَ عِقَابَهُ (فِيمَا تَعْلَمُ) أَيْ فِي الشَّيْءِ الَّذِي تَعْلَمُهُ وَذَلِكَ بِأَنْ تَجْتَنِبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ كُلَّهُ وَتَفْعَلَ مِنَ الْمَأْمُورِ بِهِ مَا تَسْتَطِيعَهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الكبير (وبن أَشْوَعَ اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ أَشْوَعَ) أَشْوَعُ هُوَ جَدُّ سَعِيدٍ وَاسْمُ أَبِيهِ عَمْرٌو كَمَا عَرَفْتَ
[2684]
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ (حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ الْعَامِرِيُّ) أَبُو سَعِيدٍ الْبَلْخِيُّ فَقِيهٌ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَرُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ مِنَ التَّاسِعَةِ (عن عوف) هو بن أبي جميلة (عن بن سِيرِينَ) هُوَ مُحَمَّدٌ
قَوْلُهُ (خَصْلَتَانِ لَا تَجْتَمِعَانِ فِي مُنَافِقٍ) بِأَنْ تَكُونَ فِيهِ وَاحِدَةٌ دُونَ الْأُخْرَى أَوْ لَا يَكُونَا فِيهِ بِأَنْ لَا تُوجَدَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فِيهِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالِاجْتِمَاعِ تَحْرِيضًا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى جَمْعِهِمَا وَزَجْرًا لَهُمْ عَنِ الِاتِّصَافِ بِأَحَدِهِمَا
وَالْمُنَافِقُ إِمَّا حَقِيقِيٌّ وَهُوَ النِّفَاقُ الِاعْتِقَادِيُّ أَوْ مَجَازِيٌّ وَهُوَ الْمُرَائِي وَهُوَ النِّفَاقُ الملي (حُسْنُ سَمْتٍ) أَيْ خُلُقٌ وَسِيرَةٌ وَطَرِيقَةٌ
قَالَ الطيبي هو التزيي بِزِيِّ الصَّالِحِينَ
وَقَالَ مَيْرَكُ السَّمْتُ بِمَعْنَى الطَّرِيقِ أَعْنِي الْمَقْصِدَ وَقِيلَ الْمُرَادُ هَيْئَةُ أَهْلِ الْخَيْرِ والأحسن ما قاله بن حجر أنه تحرى طرق الخير والتزيي بِزِيِّ الصَّالِحِينَ مَعَ التَّنَزُّهِ عَنِ الْمَعَائِبِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ (وَلَا فِقْهٌ فِي الدِّينِ) عُطِفَ بِلَا لِأَنَّ حُسْنَ سَمْتٍ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَلَا لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ الْمُسَاقِ
قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ حَقِيقَةُ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ مَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى اللِّسَانِ فَأَفَادَ الْعَمَلَ وَأَوْرَثَ الْخَشْيَةَ وَالتَّقْوَى وَأَمَّا الَّذِي يَتَدَارَسُ أَبْوَابًا مِنْهُ لِيَتَعَزَّزَ بِهِ وَيَتَأَكَّلَ بِهِ فَإِنَّهُ بِمَعْزِلٍ عَنِ الرُّتْبَةِ الْعُظْمَى لِأَنَّ الْفِقْهَ تَعَلَّقَ بِلِسَانِهِ دُونَ قَلْبِهِ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ كُلَّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ
قِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ إِحْدَاهُمَا قَدْ يَحْصُلُ دُونَ الْأُخْرَى بَلْ هُوَ تَحْرِيضٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى الِاتِّصَافِ بِهِمَا وَالِاجْتِنَابِ عَنْ أَضْدَادِهِمَا فَإِنَّ الْمُنَافِقَ مَنْ يَكُونُ عَارِيًا مِنْهُمَا وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ ونحوه قوله تعالى فويل للمشركين الذي لا يؤتون الزَّكَاةَ إِذْ فِيهِ حَثٌّ عَلَى أَدَائِهَا وَتَخْوِيفٌ مِنَ الْمَنْعِ حَيْثُ جَعَلَهُ مِنْ أَوْصَافِ الْمُشْرِكِينَ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَهُوَ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ (وَلَا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ) أَيْ كَيْفَ حَالُ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ وَأَطَالَ تَرْجَمَتَهُ وَقَالَ فِيهِ فَقِيهُ أَهْلِ بَلْخٍ وَزَاهِدُهُمْ تَفَقَّهَ بِأَبِي يُوسُفَ وبن أَبِي لَيْلَى وَأَخَذَ الزُّهْدَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَذَكَرَ جَمَاعَةً قَالَ وَكَانَ قُدُومُهُ إِلَى نَيْسَابُورَ سَنَةَ 203 وَتُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ 215 وَقَالَ الْعَقِيلِيُّ عَنْ أَحْمَدَ حَدَّثَ عَنْ عَوْفٍ وَقَيْسٍ بِمَنَاكِيرَ وَكَانَ مُرْجِئًا وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ ضَعِيفٌ وَقَالَ الْخَلِيلِيُّ صَدُوقٌ مَشْهُورٌ كَانَ يُوصَفُ بِالسَّتْرِ وَالصَّلَاحِ وَالزُّهْدِ وَكَانَ فقيها على رأي الكوفيين وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ كَانَ مُرْجِئًا غَالِيًا أَسْتَحِبُّ مُجَانَبَةَ حَدِيثِهِ لِتَعَصُّبِهِ انْتَهَى
[2685]
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى) هُوَ الصَّنْعَانِيُّ (أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ رَجَاءٍ) التَّمِيمِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يُغْرِبُ مِنَ الثَّامِنَةِ
قَوْلُهُ (ذُكِرَ) بصيغة المجهول (رجلان) قال القارىء يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَمْثِيلًا وَأَنْ يَكُونَا مَوْجُودَيْنِ فِي الْخَارِجِ قَبْلَ زَمَانِهِ أَوْ فِي أَوَانِهِ (أَحَدُهُمَا عَابِدٌ) أَيْ كَامِلٌ فِي الْعِبَادَةِ (وَالْآخَرُ عَالِمٌ) أَيْ كَامِلٌ بِالْعِلْمِ (فَضْلُ الْعَالِمِ) بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ مَعَ الْقِيَامِ بِفَرَائِضِ الْعُبُودِيَّةِ (عَلَى الْعَابِدِ) أَيْ عَلَى الْمُتَجَرِّدِ لِلْعِبَادَةِ بَعْدَ تَحْصِيلِ قَدْرِ الْفَرْضِ مِنَ الْعُلُومِ (كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ) أَيْ نِسْبَةُ شَرَفِ الْعَالِمِ إِلَى شَرَفِ الْعَابِدِ كَنِسْبَةِ شَرَفِ الرَّسُولِ إِلَى شَرَفِ أَدْنَى الصَّحَابَةِ
قَالَ القارىء فِيهِ مُبَالَغَةٌ لَا تَخْفَى فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ كَفَضْلِي عَلَى أَعْلَاكُمْ لَكَفَى فَضْلًا وَشَرَفًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ اللَّامَ فِيهِمَا لِلْجِنْسِ فَالْحُكْمُ عَامٌّ وَيُحْتَمَلُ الْعَهْدُ فَغَيْرُهُمَا يُؤْخَذُ بِالْمُقَايَسَةِ (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله إِنَّ اللَّهَ) اسْتِئْنَافٌ فِيهِ تَعْلِيلٌ (وَمَلَائِكَتَهُ) قَالَ القارىء أي حملة العرش وقوله (وأهل السماوات) تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ انْتَهَى
(وَالْأَرَضِينَ) أَيْ أَهْلُ الْأَرَضِينَ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَجَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ (حَتَّى النَّمْلَةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ حَتَّى عَاطِفَةٌ وَبِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهَا جَارَّةٌ وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا ابْتِدَائِيَّةٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (فِي جُحْرِهَا) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ أَيْ ثُقْبِهَا
قَالَ الطِّيبِيُّ وَصَلَاتُهُ بِحُصُولِ الْبَرَكَةِ النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ (وَحَتَّى الْحُوتَ) كَمَا تَقَدَّمَ وَهُمَا غَايَتَانِ مُسْتَوْعِبَتَانِ لِدَوَابِّ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (لَيُصَلُّونَ) فِيهِ تَغْلِيبٌ لِلْعُقَلَاءِ عَلَى غَيْرِهِمْ أَيْ يَدْعُونَ بِالْخَيْرِ (عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ) قِيلَ أَرَادَ بِالْخَيْرِ هُنَا عِلْمَ الدِّينِ وَمَا بِهِ نَجَاةُ الرَّجُلِ وَلَمْ يُطْلِقِ الْمُعَلِّمَ لِيُعْلَمَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الدُّعَاءِ لِأَجْلِ تَعْلِيمِ عِلْمٍ مُوَصِّلٍ إِلَى الْخَيْرِ انْتَهَى وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى وَجْهِ الْأَفْضَلِيَّةِ بِأَنَّ نَفْعَ الْعِلْمِ مُتَعَدٍّ وَنَفْعَ الْعِبَادَةِ قَاصِرٌ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ مُرْسَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ رَجُلَانِ وَقَالَ فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وَسَرَدَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَا لَفْظُهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مُخْتَصَرًا قَالَ مُعَلِّمُ الْخَيْرِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ انْتَهَى
قوله (يدعي كبيرا في ملكوت السماوات) أي في ملك السماوات والمعنى أن أهل السماوات يَدْعُونَهُ كَبِيرًا لِكِبَرِ شَأْنِهِ لِجَمْعِهِ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ وَالتَّعْلِيمَ وَهَذَا قَوْلُ الْفُضَيْلِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ يَدُلُّ عَلَى هَذَا
[2686]
قَوْلُهُ (لَنْ يَشْبَعَ الْمُؤْمِنُ) أَيِ الْكَامِلُ (مِنْ خَيْرٍ) أَيْ عِلْمٍ (حَتَّى يَكُونَ) لَمَّا كَانَ يَشْبَعَ مُضَارِعًا دَالًّا عَلَى الِاسْتِمْرَارِ تَعَلَّقَ بِهِ حَتَّى (مُنْتَهَاهُ) أَيْ غَايَتُهُ وَنِهَايَتُهُ (الْجَنَّةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ أَوِ الرَّفْعِ عَلَى الِاسْمِيَّةِ يَعْنِي حَتَّى يَمُوتَ فيدخل الجنة
[2687]
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه بن حِبَّانَ
قَوْلُهُ (الْكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ) قَالَ مَالِكٌ الْحِكْمَةُ هِيَ الْفِقْهُ فِي الدِّينِ قَالَ تَعَالَى يُؤْتِي الحكمة من يشاء الْآيَةَ وَقِيلَ الَّتِي أُحْكِمَتْ مَبَانِيهَا بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ دَالَّةٌ عَلَى مَعْنًى فِيهِ دِقَّةٌ مَصُونَةٌ مَعَانِيهَا عَنِ الِاخْتِلَالِ وَالْخَطَأِ وَالْفَسَادِ وَقَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ جُعِلَتِ الْكَلِمَةُ نَفْسَ الْحِكْمَةِ مُبَالَغَةً كَقَوْلِهِمْ رَجُلٌ عَدْلٌ وَيُرْوَى كَلِمَةُ الْحِكْمَةِ بِالْإِضَافَةِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ وَيُرْوَى الْكَلِمَةُ الْحَكِيمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ لِأَنَّ الْحَكِيمَ قَائِلُهَا كقوله تعالى يس والقرآن الحكيم كَذَا فِي شَرْحِ الطِّيبِيِّ (ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ) أَيْ مَطْلُوبُهُ (فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا) أَيْ بِقَبُولِهَا
قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ يَعْنِي أَنَّ الْحَكِيمَ يَطْلُبُ الْحِكْمَةَ فَإِذَا وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا أَيْ بِالْعَمَلِ بِهَا وَاتِّبَاعِهَا أَوِ الْمَعْنَى أَنَّ كَلِمَةَ الْحِكْمَةِ رُبَّمَا تَفَوَّهَ بِهَا مَنْ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ ثُمَّ وَقَعَتْ إِلَى أَهْلِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ قَائِلِهَا مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى خَسَاسَةِ مَنْ وَجَدَهَا عِنْدَهُ أَوِ الْمَعْنَى أَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي فَهْمِ الْمَعَانِي وَاسْتِنْبَاطِ الْحَقَائِقِ الْمُحْتَجِبَةِ وَاسْتِكْشَافِ الْأَسْرَارِ الْمَرْمُوزَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْكِرَ مَنْ قَصُرَ فَهْمُهُ عَنْ إِدْرَاكِ حَقَائِقِ الْآيَاتِ وَدَقَائِقِ الْأَحَادِيثِ عَلَى مَنْ رُزِقَ فَهْمًا وَأُلْهِمَ تَحْقِيقًا كَمَا لَا يُنَازِعُ صَاحِبَ الضَّالَّةِ فِي ضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا أَوْ كَمَا أَنَّ الضَّالَّةَ إِذَا وُجِدَتْ مُضَيَّعَةً فَلَا تُتْرَكُ بَلْ تُؤْخَذُ وَيُتَفَحَّصُ عَنْ صَاحِبِهَا حَتَّى تُرَدَّ عَلَيْهِ كَذَلِكَ السَّامِعُ إِذَا سَمِعَ كَلَامًا لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ وَلَا يَبْلُغُ كُنْهَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ لَا يُضَيِّعَهُ وَأَنْ يَحْمِلَهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ فَلَعَلَّهُ يَفْهَمُ أَوْ يَسْتَنْبِطُ مِنْهُ مَا لَا يَفْهَمُهُ وَلَا يَسْتَنْبِطُهُ هُوَ أَوْ كَمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَنْعُ صَاحِبِ الضَّالَّةِ عَنْهَا فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهَا كَذَلِكَ الْعَالِمُ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَعْنًى لَا يَحِلُّ لَهُ كِتْمَانُهُ إِذَا رَأَى فِي السَّائِلِ اسْتِعْدَادًا لِفَهْمِهِ
كَذَا قَالَهُ زَيْنُ الْعَرَبِ تَبَعًا لِلطِّيبِيِّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) وأخرجه بن ماجه وأخرجه بن عَسَاكِرَ عَنْ عَلِيٍّ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
قَوْلُهُ (وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْفَضْلِ الْمَخْزُومِيُّ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْفَضْلِ الْمَخْزُومِيُّ الْمَدَنِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ وَيُقَالُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ مَتْرُوكٌ مِنَ الثامنة