الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ص [2591] قوله (أخبرنا شريك) هو بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي شَرِيكٍ النَّخَعِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي (عَنْ عَاصِمٍ) هُوَ بن بَهْدَلَةَ الْكُوفِيُّ أَبُو بَكْرٍ الْمُقْرِئُ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) هُوَ ذَكْوَانُ السَّمَّانُ الزَّيَّاتُ
قَوْلُهُ (أُوقِدَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَى النَّارِ) أَيْ نَارِ جَهَنَّمَ
قَالَ الطِّيبِيُّ عَلَى هَذَا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ أَيْ يُوقَدُ الْوَقُودُ فَوْقَ النَّارِ أَيِ النَّارُ ذَاتُ طَبَقَاتٍ تُوقَدُ طَبَقَةٌ فَوْقَ أُخْرَى وَمُسْتَعْلِيَةٌ عَلَيْهَا (حَتَّى احْمَرَّتْ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمُبَالَغَةُ فِي الِاحْمِرَارِ (فَهِيَ) الْآنَ (سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ) وَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ فَهِيَ سَوْدَاءُ كَاللَّيْلِ الْمُظْلِمِ وَالْقَصْدُ الْإِعْلَامُ بِفَظَاعَتِهَا وَالتَّحْذِيرُ مِنْ فِعْلِ مَا يُؤَدِّي إِلَى الْوُقُوعِ فِيهَا
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَوْ رَجُلٍ آخَرَ) أَوْ لِلشَّكِّ (وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مَوْقُوفٌ أَصَحُّ) كَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ مَوْقُوفٌ بِالرَّفْعِ
وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا بِالنَّصْبِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رواه الترمذي وبن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ يَعْنِي فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ قَالَ وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مُخْتَصَرًا مَرْفُوعًا قَالَ أَتَرَوْنَهَا حَمْرَاءَ كَنَارِكُمْ هَذِهِ لَهِيَ أَشَدُّ سَوَادًا مِنَ الْقَارِ
وَالْقَارُ الزِّفْتُ
زَادَ رَزِينٌ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ أَصَابُوا نَارَكُمْ هَذِهِ لَنَامُوا فِيهَا أَوْ قَالَ لَقَالُوا فِيهَا انْتَهَى
(بَاب مَا جَاءَ أَنَّ لِلنَّارِ نَفَسَيْنِ)
وما ذكر من يخرج من النار الخ [2592] قوله (أخبرناالمفضل بْنُ صَالِحٍ) الْأَسَدِيُّ النَّخَّاسُ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ الثامنة
قَوْلُهُ (اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا وَقَالَتْ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الشَّكْوَى هَلْ هِيَ بِلِسَانِ الْقَالِ أَوْ بِلِسَانِ الْحَالِ وَاخْتَارَ كُلًّا طَائِفَةٌ
وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ لِكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَجْهٌ وَنَظَائِرُ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ وَقَالَ عِيَاضٌ إِنَّهُ الْأَظْهَرُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَا إِحَالَةَ فِي حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ قَالَ وَإِذَا أَخْبَرَ الصَّادِقُ بِأَمْرٍ جَائِزٍ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى تَأْوِيلِهِ فَحَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَوْلَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ هُوَ الصَّوَابُ وَقَالَ نَحْوَ ذَلِكَ التُّورْبَشْتِيُّ وَرَجَّحَ الْبَيْضَاوِيُّ حَمْلَهُ عَلَى الْمَجَازِ فَقَالَ شَكَوَاهَا مَجَازٌ عَنْ غَلَيَانِهَا وَأَكْلُهَا بَعْضِهَا بَعْضًا مَجَازٌ عَنِ ازْدِحَامِ أَجْزَائِهَا وَتَنَفُّسُهَا مَجَازٌ عَنْ خُرُوجِ مَا يَبْرُزُ مِنْهَا
وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ الْمُخْتَارُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِصَلَاحِيَةِ الْقُدْرَةِ لِذَلِكَ وَلِأَنَّ اسْتِعَارَةَ الْكَلَامِ لِلْحَالِ وَإِنْ عُهِدَتْ وَسُمِعَتْ لَكِنَّ الشَّكْوَى وَتَفْسِيرَهَا وَالتَّعْلِيلَ لَهُ وَالْإِذْنَ وَالْقَبُولَ وَالتَّنَفُّسَ وَقَصْرَهُ عَلَى اثْنَيْنِ فَقَطْ بَعِيدٌ مِنَ الْمَجَازِ خَارِجٌ عَمَّا أُلِفَ مِنَ اسْتِعْمَالِهِ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ (فَجَعَلَ لَهَا نَفَسَيْنِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنَّفَسُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْجَوْفِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مِنَ الْهَوَاءِ (فَأَمَّا نَفَسُهَا فِي الشِّتَاءِ فَزَمْهَرِيرٌ) قَالَ الْحَافِظُ
الْمُرَادُ بِالزَّمْهَرِيرِ شِدَّةُ الْبُرْدِ وَاسْتُشْكِلَ وُجُودُهُ فِي النَّارِ وَلَا إِشْكَالَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّارِ مَحَلُّهَا وَفِيهَا طَبَقَةٌ زَمْهَرِيرِيَّةٌ
وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ النَّارَ لَا تُخْلَقُ إِلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ انْتَهَى (أَمَّا نَفَسُهَا فِي الصَّيْفِ فَسَمُومٌ) بِفَتْحِ السِّينِ الرِّيحُ الْحَارَّةُ تَكُونُ غَالِبًا بِالنَّهَارِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[2593]
قَوْلُهُ (قَالَ هِشَامٌ) أَيْ فِي حَدِيثِهِ (يَخْرُجُ) قَالَ الْحَافِظُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَيُرْوَى بِالْعَكْسِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَخْرِجُوا (وَقَالَ شُعْبَةُ) أَيْ فِي حَدِيثِهِ (أَخْرِجُوا) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنَ الْإِخْرَاجِ (مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)
قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ النُّطْقِ
بِالتَّوْحِيدِ أَوِ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ هُنَا الْقَوْلُ النَّفْسِيُّ
فَالْمَعْنَى مَنْ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ وَصَدَّقَ فَالْإِقْرَارُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلِهَذَا أَعَادَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَالتَّفَاوُتُ يَحْصُلُ فِي التَّصْدِيقِ
فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ لَمْ يَذْكُرِ الرِّسَالَةَ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَجْمُوعُ وَصَارَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ عَلَمًا عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُ قرأت قل هو الله أحد أَيِ السُّورَةَ كُلَّهَا انْتَهَى (وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ) أَيْ مِنَ الْإِيمَانِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (مَا يَزِنُ) أَيْ يَعْدِلُ (بُرَّةً) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَهِيَ الْقَمْحَةُ
قَالَ الْحَافِظُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ وَزْنَ الْبُرَّةِ دُونَ وَزْنِ الشَّعِيرَةِ لِأَنَّهُ قَدَّمَ الشَّعِيرَةَ وَتَلَاهَا بِالْبُرَّةِ ثُمَّ الذَّرَّةِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ
فَإِنْ قِيلَ إِنَّ السِّيَاقَ يَعْنِي سِيَاقَ الْبُخَارِيِّ بِالْوَاوِ وَهِيَ لَا تُرَتِّبُ
فَالْجَوَابُ أَنَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ ثُمَّ وَهِيَ لِلتَّرْتِيبِ انْتَهَى (وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً) بفتح المعجمة وتشديد الراء المفتوحة
قال الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قِيلَ هِيَ أَقَلُّ الْأَشْيَاءِ الْمَوْزُونَةِ
وَقِيلَ هِيَ الْهَبَاءُ الَّذِي يَظْهَرُ فِي شعاع الشمس مثل رؤوس الْإِبَرِ
وَقِيلَ هِيَ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ وَيُرْوَى عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِذَا وَضَعْتَ كَفَّكَ فِي التُّرَابِ فَنَفَضْتُهَا فَالسَّاقِطُ هُوَ الذَّرُّ وَيُقَالُ إِنَّ أَرْبَعَ ذَرَّاتٍ وَزْنُ خَرْدَلَةٍ
وَلِلْمُصَنِّفِ فِي أَوَاخِرِ التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ ثُمَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى شَيْءٍ وَهَذَا مَعْنَى الذَّرَّةِ انْتَهَى (وَقَالَ شُعْبَةُ) أَيْ فِي حَدِيثِهِ (مَا يَزِنُ ذُرَةً مُخَفَّفَةً) أَيْ بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ
قَالَ الْحَافِظُ صَحَّفَهَا يَعْنِي الذَّرَّةَ شُعْبَةُ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ ذُرَيْعٍ عَنْهُ فَقَالَ ذُرَةً بِالضَّمِّ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ كَوْنَهَا مِنَ الْحُبُوبِ فَنَاسَبَتِ الشَّعِيرَةَ وَالْبُرَّةَ قَالَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ يَزِيدُ صَحَّفَ فِيهَا أَبُو بِسْطَامٍ يَعْنِي شُعْبَةَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حصين فأخرجه البخاري وأبو داود وبن مَاجَهْ عَنْهُ مَرْفُوعًا يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَتِهِ فَيَدْخُلُونَ وَيُسَمَّوْنَ الْجُهَنَّمِيِّينَ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيُّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[2594]
قَوْلُهُ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسِ) بْنِ مَالِكٍ أَبِي مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ ذَكَرَنِي) أَيْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا مُخْلِصًا (يَوْمًا) أَيْ وَقْتًا وَزَمَانًا (وَخَافَنِي فِي مَقَامٍ) أَيْ مَكَانٍ فِي ارْتِكَابِ مَعْصِيَةٍ مِنَ الْمَعَاصِي كَمَا قَالَ تَعَالَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عن الهوى فإن الجنة هي المأوى قَالَ الطِّيبِيُّ أَرَادَ الذِّكْرَ بِالْإِخْلَاصِ وَهُوَ تَوْحِيدُ اللَّهِ عَنْ إِخْلَاصِ الْقَلْبِ وَصِدْقِ النِّيَّةِ وَإِلَّا فَجَمِيعُ الْكُفَّارِ يَذْكُرُونَهُ بِاللِّسَانِ دُونَ الْقَلْبِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ
وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ كَفُّ الْجَوَارِحِ عَنِ الْمَعَاصِي وَتَقَيُّدُهَا بِالطَّاعَاتِ وَإِلَّا فَهُوَ حَدِيثُ نَفْسٍ حَرَكَةٌ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى خَوْفًا وَذَلِكَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ سَبَبٍ هَائِلٍ وَإِذَا غَابَ ذلك السبب عن الحسن رَجَعَ الْقَلْبُ إِلَى الْفَضْلَةِ
قَالَ الْفُضَيْلُ إِذَا قِيلَ لَكَ هَلْ تَخَافُ اللَّهَ فَاسْكُتْ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ لَا كَفَرْتَ وَإِذَا قُلْتَ نَعَمْ كَذَبْتَ أَشَارَ بِهِ إِلَى الْخَوْفِ الَّذِي هُوَ كَفُّ الْجَوَارِحِ عَنِ الْمَعَاصِي
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ البعث والنشور
[2595]
10 قَوْلُهُ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ النَّخَعِيُّ (عَنْ عَبِيدَةَ) بفتح أوله بن عَمْرٍو (السَّلْمَانِيِّ) بِسُكُونِ اللَّامِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا الْمُرَادِيِّ أَبِي عَمْرٍو الْكُوفِيِّ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مُخَضْرَمٌ ثِقَةٌ ثَبْتٌ كَانَ شُرَيْحٌ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْئًا سَأَلَهُ
قَوْلُهُ (إِنِّي لَأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا) زَادَ الْبُخَارِيُّ وَكَذَا مُسْلِمٌ وَآخِرَ أَهْلِ الجنة دخولا
قال القارىء الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلتَّوْضِيحِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا مِمَّا عَسَى أَنْ يُتَوَهَّمَ مِنْ حَبْسِ أَحَدٍ فِي الْمَوْقِفِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حِينَئِذٍ (رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا) أَيْ مِنَ النَّارِ (زَحْفًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ حَبْوًا
قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَبْوُ الْمَشْيُ عَلَى الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَرُبَّمَا قَالُوا عَلَى الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَرُبَّمَا قَالُوا عَلَى يَدَيْهِ وَمَقْعَدَتِهِ
وَأَمَّا
الزحف فقال بن دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ هُوَ الْمَشْيُ عَلَى الِاسْتِ مَعَ إِشْرَافِهِ بِصَدْرِهِ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَبْوَ وَالزَّحْفَ مُتَمَاثِلَانِ أَوْ مُتَقَارِبَانِ وَلَوْ ثَبَتَ اخْتِلَافُهُمَا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ فِي حَالٍ يَزْحَفُ وَفِي حَالٍ يَحْبُو
انْتَهَى (قَالَ فَيَذْهَبُ لِيَدْخُلَ فَيَجِدُ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا الْمَنَازِلَ فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ قَدْ أَخَذَ النَّاسُ الْمَنَازِلَ) يَعْنِي وَلَيْسَ لِي مَكَانٌ فِيهَا
وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ قَالَ فيأيتها فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى (فَيُقَالُ لَهُ أَتَذْكُرُ الزَّمَانَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ) أَيِ الدُّنْيَا كَذَا قَالَ الْحَافِظُ (فَيُقَالُ لَهُ تَمَنَّ) أَمْرُ مُخَاطَبٍ مِنَ التَّمَنِّي وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَمَنَّهْ بِزِيَادَةِ هَاءِ السَّكْتَةِ (فَيُقَالُ لَهُ فَإِنَّ لَكَ الَّذِي تَمَنَّيْتَ وَعَشَرَةُ أَضْعَافِ الدُّنْيَا) وَفِي رِوَايَةٍ عَشَرَةُ أَمْثَالِ الدُّنْيَا
قَالَ النَّوَوِيُّ هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ
وَإِحْدَاهُمَا تَفْسِيرُ الْأُخْرَى فَالْمُرَادُ بِالْأَضْعَافِ الْأَمْثَالُ فَإِنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الضِّعْفَ الْمِثْلُ انْتَهَى (فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَعْنَى أَتُسْخَرُ بِي أَقْوَالٌ أَحَدُهَا قَالَهُ الْمَازَرِيُّ إِنَّهُ خَرَجَ عَلَى الْمُقَابَلَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ دُونَ لَفْظِهِ لِأَنَّهُ عَاهَدَ اللَّهَ مِرَارًا أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَ مَا سَأَلَ ثُمَّ غَدَرَ فَحَلَّ غَدْرُهُ مَحَلَّ الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ فَقَدَّرَ الرَّجُلُ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ ادْخُلِ الْجَنَّةَ وَتَرَدُّدَهُ إِلَيْهَا وَتَخْيِيلَ كَوْنِهَا مَمْلُوءَةً ضَرْبٌ مِنَ الْإِطْمَاعِ لَهُ وَالسُّخْرِيَةِ بِهِ جَزَاءً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَدْرِهِ وَعُقُوبَةً لَهُ فَسَمَّى الْجَزَاءَ عَلَى السُّخْرِيَةِ سُخْرِيَةً فَقَالَ تَسْخَرُ بِي أَيْ تُعَاقِبُنِي بِالْإِطْمَاعِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ نَفْيُ السُّخْرِيَةِ الَّتِي لَا تَجُوزُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى
كَأَنَّهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّكَ لَا تَهْزَأُ بِي لِأَنَّكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَعْطَيْتَنِي مِنْ جَزِيلِ الْعَطَاءِ وَأَضْعَافِ مِثْلِ الدُّنْيَا حَقٌّ وَلَكِنَّ الْعَجَبَ أَنَّكَ أَعْطَيْتَنِي هَذَا وَأَنَا غَيْرُ أَهْلٍ لَهُ قَالَ وَالْهَمْزَةُ فِي أَتَسْخَرُ بِي هَمْزَةُ نَفْيٍ قَالَ وَهَذَا كَلَامٌ مُنْبَسِطٌ مُتَدَلِّلٌ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنْ يَكُونَ صَدَرَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَهُوَ غَيْرُ ضَابِطٍ لِمَا نَالَهُ مِنَ السُّرُورِ بِبُلُوغِ مَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ فَلَمْ يَضْبِطْ لِسَانَهُ دَهَشًا وَفَرَحًا فَقَالَهُ وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُ حَقِيقَةَ مَعْنَاهُ وَجَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي الدُّنْيَا فِي مُخَاطَبَةِ الْمَخْلُوقِ وَهَذَا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّجُلِ الْآخَرِ إِنَّهُ لَمْ يَضْبِطْ نَفْسَهُ مِنَ الْفَرَحِ فقال أنت عبد وَأَنَا رَبُّكَ انْتَهَى
(ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِالْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ اللغة
وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ الْمُرَادُ بِالنَّوَاجِذِ هُنَا الْأَنْيَابُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالنَّوَاجِذِ هُنَا الضَّوَاحِكُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا الْأَضْرَاسُ وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِي إِطْلَاقِ النَّوَاجِذِ فِي اللُّغَةِ وَلَكِنَّ الصَّوَابَ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ مَا قَدَّمْنَاهُ
قَالَ وَفِي هَذَا جَوَازُ الضَّحِكِ أنه لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ وَلَا يُسْقِطُ للمروة إِذَا لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ الْحَدَّ الْمُعْتَادَ مِنْ أَمْثَالِهِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[2596]
قَوْلُهُ (عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ) هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ
قَوْلُهُ (وَآخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ) أَيْ فِيهَا (يُؤْتَى بِرَجُلٍ) وَزَادَ مُسْلِمٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (فَيَقُولُ سَلُوا عَنْ صِغَارِ ذُنُوبِهِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَيُقَالُ اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذنوبه (وأخبأوا كِبَارَهَا) ضُبِطَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ بِالْقَلَمِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ
وَقَالَ فِي هَامِشِهَا أمر من الإخباء وهو والإخفاء انْتَهَى
قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرٌ مِنَ الْخَبْءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ خَبَأَهُ كَمَنَعَهُ سَتَرَهُ كَخَبَّأَهُ وَاخْتَبَأَهُ انْتَهَى
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ خَبَّأْتُ الشيء أخبأه خبأ إِذَا أَخْفَيْتُهُ (يَوْمَ كَذَا وَكَذَا) أَيْ فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ (عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا) زَادَ مُسْلِمٌ فَيَقُولُ نَعَمْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ (فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كل سيئة حسنة) قال القارىء وَهُوَ إِمَّا لِكَوْنِهِ تَائِبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وقد قال تعالى إلا من تاب وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حسنات لَكِنْ يُشْكِلُ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فَعَلَ بَعْدَ التَّوْبَةِ ذُنُوبًا اسْتَحَقَّ بِهَا الْعِقَابَ وَإِمَّا وَقَعَ التَّبْدِيلُ لَهُ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّانِي أَظْهَرُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَطْمَعُ فِي كَرَمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ (فَيَقُولُ يَا رَبِّ لَقَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ) أَيْ مِنَ الْكَبَائِرِ (مَا أراها ها هنا) أَيْ فِي الصَّحَائِفِ أَوْ فِي مَقَامِ التَّبْدِيلِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْإِيمَانِ
[2597]
قَوْلُهُ (حَتَّى يَكُونُوا فِيهَا حُمَمًا) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى الْمُخَفَّفَةِ وَهُوَ الْفَحْمُ الْوَاحِدَةُ حُمَمَةٌ (وَيُطْرَحُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَيُجْعَلُونَ بِفِنَاءِ الْجَنَّةِ (فَيَرُشُّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْمَاءَ) أَيْ مَاءَ الْحَيَاةِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي بَابٌ الصِّرَاطُ جِسْرُ جَهَنَّمَ (فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْغُثَاءُ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَبَعْدَ الْأَلِفِ هَمْزَةٌ هُوَ فِي الْأَصْلِ كُلُّ مَا حَمَلَهُ السَّيْلُ مِنْ عِيدَانٍ وَوَرَقٍ وَبِزُورٍ وَغَيْرِهَا وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا حَمَلَهُ مِنَ الْبُزُورِ خَاصَّةً (فِي حِمَالَةِ السَّيْلِ) حِمَالَةُ السَّيْلِ مَا يَحْمِلُهُ السَّيْلُ مِنْ غُثَاءٍ أَوْ طِينٍ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْغُثَاءَ الَّذِي يَجِيءُ بِهِ السَّيْلُ يَكُونُ فِيهِ الْجَنَّةُ فَيَقَعُ فِي جَانِبِ الْوَادِي فَتُصْبِحُ مِنْ يَوْمِهَا نَابِتَةً
قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ التَّشْبِيهُ فِي سُرْعَةِ النَّبَاتِ وَحُسْنِهِ وَطَرَاوَتِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا
[2598]
قَوْلُهُ (فَمَنْ شَكَّ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الحديث فاقرأوا إِنْ شِئْتُمْ إِلَخْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مثقال ذرة فَسَّرَ الْبُخَارِيُّ قَوْلَهُ تَعَالَى (مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) بِقَوْلِهِ يَعْنِي زِنَةَ ذَرَّةٍ
قَالَ الْحَافِظُ هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) أَيْ زِنَةَ ذَرَّةٍ وَيُقَالُ هَذَا مِثْقَالُ هَذَا أَيْ وَزْنُهُ وَهُوَ مِفْعَالٌ مِنَ الثِّقَلِ انْتَهَى
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الذَّرَّةِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْبَابِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مطولا
[2599]
قوله (حدثني بن أَنْعَمَ) اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أنعم (عن أبي عثمان) قال في تهذب التَّهْذِيبِ أَبُو عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ دَخَلَ النَّارَ اشْتَدَّ صِيَاحُهُمَا الْحَدِيثَ
وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ قال بن عَسَاكِرَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَبُو عُثْمَانَ الْأَصْبَحُ عُبَيْدُ بْنُ عَمْرٍو وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمَا
وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو عُثْمَانَ شَيْخٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ هُوَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ وَإِلَّا فَمَجْهُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (مِمَّنْ دَخَلَا) كَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا دَخَلَ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ وَهُوَ الصَّوَابُ (اشْتَدَّ صِيَاحُهُمَا) فِي الْقَامُوسِ الصَّيْحُ وَالصَّيْحَةُ وَالصِّيَاحُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَالصَّيَحَانُ مُحَرَّكَةً الصَّوْتُ بِأَقْصَى الطَّاقَةِ (فَقَالَ الرَّبُّ تبارك وتعالى أَيْ لِلزَّبَانِيَةِ (قَالَا فَعَلْنَا ذَلِكَ) أَيِ اشْتِدَادُ الصِّيَاحِ (رَحْمَتِي لَكُمَا أَنْ تَنْطَلِقَا) أَيْ تَذْهَبَا (فَتُلْقِيَا أَنْفُسَكُمَا حَيْثُ كُنْتُمَا مِنَ النَّارِ) قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ أَنْ تَنْطَلِقَا فَتُلْقِيَا خَبَرُ أَنْ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يَجُوزُ حَمْلُ الِانْطِلَاقِ إِلَى النَّارِ وَإِلْقَاءِ النَّفْسِ فِيهَا عَلَى الرَّحْمَةِ قُلْتُ هَذَا مِنْ حَمْلِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُمَا لَمَّا فَرَّطَا فِي جَنْبِ اللَّهِ وَقَصَّرَا فِي الْعَاجِلَةِ فِي امْتِثَالِ أَمْرِهِ أُمِرَا هُنَالِكَ بِالِامْتِثَالِ فِي إِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمَا فِي النَّارِ إِيذَانًا بِأَنَّ الرَّحْمَةَ إِنَّمَا هِيَ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ عز وجل (فليقي أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ) أَيْ فِي النَّارِ (فَيَجْعَلُهَا) اللَّهُ (عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا) أَيْ كَمَا جَعَلَهَا بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (وَيَقُومُ الْآخَرُ) أَيْ يَقِفُ (مَا مَنَعَكَ أَنْ تُلْقِيَ نَفْسَكَ) أَيْ مِنْ إِلْقَائِهَا فِي النَّارِ (كَمَا أَلْقَى صَاحِبُكَ) أَيْ كإلقائه فيها
(لَكَ رَجَاؤُكَ) أَيْ مُقْتَضَاهُ وَنَتِيجَتُهُ كَمَا أَنَّ لِصَاحِبِكَ خَوْفُهُ وَعَمَلُهُ بِمُوجِبِهِ (فَيُدْخَلَانِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِدْخَالِ أَيْ فَيُدْخِلُهُمَا اللَّهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ مِنَ الدُّخُولِ
[2600]
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ) بْنِ فَرُّوخَ التَّمِيمِيُّ أَبُو سَعِيدٍ الّقَطَّانُ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ حَافِظٌ إِمَامٌ قُدْوَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ) أَبُو سَلَمَةَ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ يُخْطِئُ وَرُمِيَ بِالْقَدَرِ وَكَانَ يُدَلِّسُ مِنَ السَّادِسَةِ
قَوْلُهُ (يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ) جَمْعُ جَهَنَّمِيٍّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْجَهَنَّمِيُّونَ بِالْوَاوِ فَقِيلَ إِنَّهُ عَلَمٌ لَهُمْ فَلَمْ يُغَيَّرْ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ أَنَسٍ فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ فَيَقُولُ اللَّهُ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَزَادَ فَيَدْعُونَ اللَّهَ فَيُذْهِبُ عَنْهُمْ هَذَا الِاسْمَ
وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْثِ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْهُ يُقَالُ لَهُمُ الْجَهَنَّمِيُّونَ فَذَكَرَ لِي أَنَّهُمُ اسْتَعْفَوْا اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ الِاسْمِ فَأَعْفَاهُمْ
وَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ لَيْسَتْ تَنْقِيصًا لَهُمْ بَلْ لِلِاسْتِذْكَارِ لِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيَزْدَادُوا بِذَلِكَ شُكْرًا كَذَا قَالَ وَسُؤَالُهُمْ إِذْهَابَ ذَلِكَ الِاسْمِ عَنْهُمْ يَخْدِشُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَاخِرِ الرِّقَاقِ وَأَبُو داود في السنة وبن مَاجَهْ فِي الشَّفَاعَةِ