الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ال
مقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونصلي ونسلم على عبده ورسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستنّ بسنته إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإن الصلاة ركن من أركان الدين وهي أعظم أركانه بعد الشهادتين وهي عمود الدين، ولا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وهي أساس صلاح الأعمال وقبولها، وهي أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن رُدّت رُدَّ سائر عمله، وفعلها في الجماعة من سنن الهدى، وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يصليها في الجماعة حتى توفاه الله، وما زال أصحابه من بعده والتابعون لهم بإحسان يحافظون على فعلها في الجماعة حتى كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين من شدة المرض حتى يوقف في الصف كما صح بذلك الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه (1) -، إنّ أمراً كهذا جدير بالعناية والاهتمام، وإنفاق الأوقات في تعلم أحكامه وتعليمها.
إن تعلم أحكام الصلاة فرض عين على كل مسلم ذكر أو أنثى، ولا يسع أحد من المسلمين الجهل بأحكام هذا الركن، كما أنّ الجماعة تتعلق بها أحكام، ولها فضل عظيم، وقد وقع الخلاف بين الفقهاء رحمهم الله فيما تدرك به صلاة الجماعة هل تدرك بركعة أو بما دونها؟ وإذا كانت لا تدرك إلَاّ بركعة فبم تدرك الركعة؟ كما وقع الخلاف بينهم فيما تدرك به الجمعة.
هذا كله هو ما دعاني إلى البحث في هذا الموضوع، فقد رأيت أن هذا مِمَّا لا يستغني عنه مسلم، فعقدت العزم على الكتابة في موضوع (إدراك
(1) رواه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، حديث [654] 1/453.
الركعة والجماعة والجمعة) لما رأيت من تهاون كثير من الناس في حضور الجمع والجماعات، وتأخر الكثيرين عن المبادرة إلى حضور المساجد عند سماع النداء أو قبل أن تقام الصلاة حتى أن الصلاة لتقام وما في المسجد إلَاّ بضعة نفر، ورُبَّما أقيمت وما في المسجد إلَاّ المؤذن والإمام وعدد يسير من كبار السن، فإذا ما قضيت الصلاة وسلم الإمام رأيت أكثر من المسجد يقومون لإتمام صلاتهم، ورُبَّما أقيمت في المسجد الواحد جماعات متعددة، وقد جمعتُ فيه أقوال الفقهاء رحمهم الله من كتبهم المعتمدة، وأوردت أدلتهم وناقشتها مناقشة علمية من أجل الوصول إلى الرأي الذي تطمئن إليه النفس.
وكان منهجي في البحث يتلخص في الآتي:
أولاً: الاقتصار في البحث على المذاهب الأربعة، مع ذكر أقوال الصحابة والتابعين وفقهاء السلف.
ثانياً: ترتيب الأقوال ترتيباً زمنياً مبتدئاً برأي الحنفية ومن وافقهم، ثم المالكية ومن وافقهم وهكذا، ولم أترك هذا الترتيب إلَاّ فيما ندر لسبب، كأن أجد المسألة منصوصاً عليها عند بعض الفقهاء ولم ينص عليها غيرهم، فأبدأ بالمذهب الذي نصّ على حكم المسألة، ثم أخرج من أقوال الفقهاء الآخرين ما يناسب حكم المسألة.
ثالثاً: أذكر عقب كل قول أدلته من الكتاب والسنة والإجماع والقياس إلى آخره ثم أذكر عقب كل دليل ما ورد عليه من المناقشات والجواب عنها حتى أصل إلى الرأي الراجح في المسألة.
رابعاً: أعزو الآيات إلى سورها.
خامساً: أخرج الأحاديث من مصادرها، فإن كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما اقتصرت عليه إلَاّ أن يكون اللفظ المستدل بها لغيرهما؛ إذ الغرض معرفة صحة الحديث، وإن لم يكن فيهما فإني أذكر من أخرجه، وأورد ما ذكره
أهل العلم في الحكم عليه.
سادساً: أورد ترجمة موجزة للأعلام غير المشهورين الوارد ذكرهم في صلب البحث، أمَّا المشهورين من الصحابة والتابعين فلم أترجم لهم؛ استغناءً بشهرتهم؛ وحتى لا أثقل هوامش البحث بالتراجم مع كثرة الأعلام الوارد ذكرهم في البحث.
سابعاً: اعتمدت على المراجع الأصيلة لكل مذهب فلا أنقل قولاً لمذهب إلَاّ من كتب فقهاء المذهب.
ثامناً: أذكر ما أفتى به أهل الفتوى المعتبرين في عصرنا ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
تاسعاً: ذيلت البحث بفهارس للمراجع وآخر للموضوعات حتى يستطيع القارئ أن يجد بغيته في أقصر وقت ممكن.
وقد اقتضت طبيعة البحث أن يكون في مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول وخاتمة:
أولاً: المقدمة: تحدثتُ عن أهمية الموضوع، والأسباب الداعية إلى البحث فيه، ومنهج البحث وخطته.
ثانياً: التمهيد: تحدثتُ فيه عن حكم صلاة الجماعة.
ثالثاً: فصول البحث:
الفصل الأول: إدراك الركعة، وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: ما تدرك به الركعة.
المبحث الثاني: مقدار الركوع الذي يدرك به المأموم الركعة مع الإمام.
المبحث الثالث: شروط إدراك الركعة بإدراك الركوع.
المبحث الرابع: الركوع دون الصف.
الفصل الثاني: إدراك الجماعة، وفيه تمهيد وثلاثة مباحث:
التمهيد: حكم صلاة الجماعة
اختلف أهل العلم في حكم صلاة الجماعة للصلوات الخمس على أربعة أقوال:
القول الأول: أن الجماعة واجبة وليست شرطاً لصحة الصلاة، وهو قول الحنفية وجزم به صاحب التحفة (1) وغيره.
وهو وجه عند الشافعية، وقيل: إنه قول للشافعي (2) .
واختاره ابن خزيمة (3) وابن المنذر (4) من الشافعية (5) .
وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو المذهب (6) ، وبه قال عطاء (7)
(1)
تحفة الفقهاء 1/227، وبدائع الصنائع 1/155، والبحر الرائق 1/365، وحاشية الشلبي مع تبيين الحقائق 1/132.
(2)
روضة الطالبين 1/339.
(3)
هو: محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر، الحافظ الحجة، الفقيه، شيخ الإسلام، أبو بكر، النيسابوري الشافعي، حدث عنه البخاري ومسلم في غير الصحيحين، ولد سنة 223 ? ومات سنة 311 ?. ينظر: سير أعلام النبلاء 14/365 - 382.
(4)
هو: الإمام الحافظ العلامة، شيخ الإٍسلام، أبو بكر، محمد بن المنذر النيسابوري الفقيه، معدود في فقهاء الشافعية، له تصانيف منها: الإشراف في اختلاف الفقهاء، وكتاب الإجماع، والأوسط، وله اختيار لا يتقيد فيه بمذهب بل يدور مع الدليل، توفي سنة 309 أو 310 ?. ينظر: سير أعلام النبلاء 14/490، ووفيات الأعيان 4/207.
(5)
روضة الطالبين 1/339.
(6)
المغني 3/5، والإنصاف 2/210 ?.
(7)
عطاء: أبو محمد عطاء بن أبي رباح، أسلم - وقيل: سالم - بن صفوان، مولى بني فهر أو جُمَحْ المكي، وقيل: إنه مولى أبي ميسرة الفهري، من مولدي الجند، وكان من أجلاء الفقهاء، وتابعي مكة، توفي سنة 115?، وقيل: 114?. انظر: وفيات الأعيان 3/261، وتهذيب التهذيب 7/199.