المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: ماتدرك به الركعة - إدراك الركعة والجماعة والجمعة

[محمد بن إبراهيم الغامدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: إدراك الركعة

- ‌المبحث الأول: ماتدرك به الركعة

- ‌المبحث الثاني:مقدار الركوع الذي يدرك به المأموم الركعة مع الإمام

- ‌المبحث الثالث:شروط إدراك الركعة بإدراك الركوع

- ‌المبحث الرابع: الركوع دون الصف لإدراك الركعة

- ‌المسألة الأولى: إذا زالت فذوذيته بعد السجود

- ‌ المسألة الثانية: أن يكبر ويركع دون الصف لكن لايدرك الصف إلَاّ بعد قيام الإمام من الركوع:

- ‌ المسألة الثالثة: إذا زالت فذوذيته بعد السجود:

- ‌ المسألة الرابعة: الركوع دون الصف لمن لم يخش فوات الركعة:

- ‌الفصل الثاني: إدراك الجماعة

- ‌المبحث الأول: ماتدرك به الجماعه

- ‌المطلب الأول: إدراك فضيلة الجماعة

- ‌المطلب الثاني: إدراك حكم الجماعة

- ‌المبحث الثاني:من فاته جزء من الصلاة هل يدخل مع الإمام

- ‌المبحث الثالث: حكم إقامة جماعة ثانية في المسجد لمن فاتته الأولى

- ‌المطلب الأول: حكم إقامة جماعة ثانية في المسجد لمن لم يدرك الأولى في غير الحرمين

- ‌المطلب الثاني: تكرار الجماعة في الحرمين الشريفين

- ‌الفصل الثالث: إدراك الجمعة

- ‌المبحث الأول: إدراك ركعة من الجمعة مع الإمام

- ‌المطلب الأول: حكم من أدرك مع الإمام ركعة

- ‌المطلب الثاني: شروط الركعة التي تدرك بها الجمعة

- ‌المبحث الثاني: إدراك أقل من ركعة من صلاة الجمعة

- ‌المطلب الأول: حكم من أدرك من الجمعة أقل من الركعة

- ‌المطلب الثاني مايفعل من أدرك من الجمعة أقل من ركعة

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الأول: ماتدرك به الركعة

‌الفصل الأول: إدراك الركعة

‌المبحث الأول: ماتدرك به الركعة

الفصل الأول: إدراك الركعة

وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: ما تدرك به الركعة

اختلف أهل العلم فيما يدرك به المسبوق الركعة مع الإمام على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن الركعة تدرك بإدراك الركوع مع الإمام، وهذا قول جمهور أهل العلم وممن قال به: علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عمر رضي الله عنهم.

وبه قال أيضاً عطاء وإبراهيم النخعي وميمون بن مهران (1) وعروة بن الزبير (2) ، وبه قال الثوري والأوزاعي وأبو ثور وإسحاق (3) ، وقال به الحنفية (4) والمالكية (5)

(1) ميمون بن مهران، جزري تابعي ثقة، وكان فقيهاً فاضلاً ديناً، توفي سنة 116 ?، وقيل: 117 ?، وقيل: 118 ?، وكانت ولادته سنة 40 ?. انظر: معرفة الثقات 2/307، ومشاهير علماء الأمصار 117، وطبقات الحفاظ للسيوطي 46.

(2)

انظر: المصنف لابن أبي شيبة 1/243 وما بعدها، والتمهيد 7/73.

وعروة بن الزبير بن العوام، تابعي ثقة، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة، حدث عن أبيه، وعن أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وتفقه بها. انظر: سير أعلام النبلاء 4/421.

(3)

المصنف لابن أبي شيبة 1/243 وما بعدها، والتمهيد 7/73، والمغني لابن قدامة 2/182.

(4)

تبيين الحقائق 1/184، والبحر الرائق 2/82.

(5)

انظر: التمهيد لابن عبد البر 7/73، والذخيرة 2/274، والشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقي 1/348.

ص: 309

والشافعية (1) والحنابلة (2) .

واستدلوا بما يأتي:

الدليل الأول: حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه دخل المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال:" أيكم الذي ركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف؟ فقال أبو بكرة: أنا يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: زادك الله حرصاً ولا تعد"(3) .

ووجه الاستدلال: أن الصحابة رضي الله عنهم كان مستقراً عندهم أن الركوع تدرك به الركعة، وأيضاً: فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أبا بكرة بإعادة الصلاة فيدل على أنه أدرك الركعة، وإنَّما نهاه أن يعود إلى السعي الشديد والركوع دون الصف، كما ورد مصرحاً بذلك في بعض طرق الحديث (4) .

ونوقش: بأنه ليس في الحديث ما يدل على أنه لم يقضها فسقط الاستدلال بالحديث (5) .

ويُمكن الجواب عنه: بأنه ليس فيه ما يدل على أنه قضاها بل فيه ما يدل على أنه لم يقضها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما قضى صلاته أيكم الذي ركع دون الصف فأجابه أبو بكرة، وهذا يدل على أنه سلم معه، والله أعلم.

(1) انظر: المجموع 4/215 وما بعدها.

(2)

انظر: المغني 2/182.

(3)

أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إذا ركع دون الصف 1/190، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب: الرجل يركع دون الصف، حديث 683، 684 جـ1/440 وما بعدها، وهذا لفظه.

(4)

انظر: فتح الباري 2/156.

(5)

المحلى لابن حزم 3/244 وما بعدها.

ص: 310

ونوقش حديث أبي بكرة أيضاً: بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهاه عن العود إلى مثل ذلك والاحتجاج بشيء قد نهي عن لا يصح (1) .

وأُجيب: بأن معنى قوله: " لا تعد " يعني لا تركع دون الصف، وقيل: لا تعد أن تسعى إلى الصلاة سعياً يحفزك في النفس، وقيل: لاتعد إلَاّ الإبطاء.

ثم قد روي «لا تُعِد» بضم التاء وكسر العين، قال العيني: فإن صحت هذه الرواية فمعناه: ولا تعد صلاتك (2) .

ولو كان النهي للتحريم لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة (3) .

ونوقش أيضاً: بأنه واقعة عين فلا عموم لها (4) .

أقول: ويُمكن أن يُجاب عن هذا بأن الأصل العموم، ويتأيد هذا بفعل الصحابة - رِضْوَانُ الله عَلَيْهِمْ - فقد صح عن عدد منهم أنهم أدركوا الإمام في الركوع وركعوا دون الصف ودخلوا إلى الصف واعتدوا بتلك الركعة كما سيأتي في الدليل الرابع.

الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جئتم ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة "(5) .

(1) عون المعبود 3/146.

(2)

عمدة القاري 5/114.

(3)

المرجع السابق 5/115.

(4)

تحفة الأحوذي 3/164.

(5)

أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة باب في الرجل يدرك الإمام ساجداً كيف يصنع رقم (893) 1/553.

وأخرجه أيضاً ابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب إدراك المأموم ساجداً، والأمر بالإقتداء به في السجود 3/57 - 58، وقال:((في القلب من هذا الإسناد فإني كنت لا أعرف يحيى بن أبي سليمان بعدالة ولا جرح)) ، والدارقطني في السنن 1/346 - 347، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه 3/45 بلفظ:((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم الإمام صلبه)) ، والحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه 1/216 ووافقه الذهبي، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2/89 وقال:((تفرد به يحيى بن أبي سليمان المديني)) .

وصححه الشيخ العلامة الألباني؛ لأن له شاهداً قوياً أخرجه البيهقي، وجريان عمل جماعة من الصحابة عليه كما في إرواء الغليل 1/260 - 262.

ص: 311

ووجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من جاء إلى الصلاة والإمام ساجدٌ أن يسجد معه لكنه لا يحتسب تلك الركعة، وإن أدركه في الركوع دخل معه واحتسب تلك الركعة فلفظ الركعة يراد به الركوع (1) .

ونوقش: بأن فيه حمل الركعة الواردة في الحديث على الركوع، وهذا لايصح لأن مسمى الركعة جميع أركانها وأذكارها حقيقة شرعية وعرفية، وهما مقدمتان على اللغوية، فإطلاق الركعة على الركوع وما بعده مجاز لايصار إليه إلَاّ لقرينة كما وقع عند مسلم من حديث البراء:«فوجدت قيامه فركعته فاعتداله فسجدته» (2) .

فإن وقوع الركعة في مقابل القيام والاعتدال والسجود قرينة تدل على أن المراد بها الركوع.

وما نحن فيه ليس فيه قرينة تصرفه إلى الركوع (3) .

(1) ينظر: نيل الأوطار 1/790، 2/382.

(2)

صحيح مسلم 1/343 حديث [471] باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام.

(3)

نيل الأوطار 1/790.

ص: 312

ويُمكن الجواب عنه: بأن في الحديث ما يدل على أن المراد الركوع وهو قوله قبل أن يقيم الإمام صلبه، وقد وقعت أيضاً في مقابلة السجود كما في رواية ابن خزيمة والحاكم، وهو موضح في تخريج الحديث بالهامش.

الدليل الثالث: ما روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك الركوع من الركعة يوم الجمعة فليضف إليها أخرى ومن لم يدرك الركوع فليتم الظهر أربعاً "(1) .

ووجه الاستدلال: أن الحديث نص في أن الركعة تدرك بإدراك الركوع، ولذلك فإن من أدرك الإمام يوم الجمعة وهو في الركعة الثانية فأدرك معه الركوع فيكون مدركاً للجمعة؛ لأنه أدرك ركعة كاملة مع الإمام فتنعقد صلاته جمعة، ومن لم يدرك معه الركوع فليصل الظهر أربعاً لفوات الجمعة.

ويُمكن مناقشته: بأنه حديث ضعيف كما هو مبين في تخريجه.

الدليل الرابع: الآثار عن الصحابة - رِضْوَانُ الله عَلَيْهِمْ - منها:

ما روي أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من لم يدرك الإمام راكعاً لم يدرك تلك الركعة (2) .

(1) أخرجه الدارقطني 2/12 وفي سنده سليمان بن أبي داود منكر الحديث فالحديث ضعيف وروي من طرق كلها ضعيفة. وانظر: خلاصة الأحكام للنووي مع تحقيقه لحسين إسماعيل الجمل 2/672.

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2/90 من طريقين عن أبي الأحوص عنه، قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 2/262: وهذا إسناد صحيح.

وروى ابن أبي شيبة في المصنف 1/255، والطحاوي 2/397.

والطبراني في المعجم الكبير 9/271 [9353]، والبيهقي 2/90 عن زيد بن وهب: خرجتُ مع عبد الله من داره إلى المسجد، فلما توسطنا المسجد ركع الإمام فكبر عبد الله ثم ركع، وركعتُ معه، ثم مشينا راكعين حتى انتهينا إلى الصف حتى رفع القوم رؤوسهم، قال: فلما قضى الإمام الصلاة قمت وأنا أرى أني لم أدرك، فأخذ بيدي عبد الله، فأجلسني وقال: إنك قد أدركت.

قال الشيخ الألباني في الإرواء 2/263: وسنده صحيح وله في الطبراني طرق أخرى.

ص: 313

وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «إذا جئت والإمام راكع فوضعت يديك على ركبتيك قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت» (1) .

وروى عبد الرزاق في المصنف: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «إذا أدركت الإمام راكعاً فركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت، وإن رفع قبل أن تركع فقد فاتتك» (2) .

وروى معمر عن الزهري عن سالم: أن زيد بن ثابت وابن عمر قالا: في الذي يدرك القوم ركوعاً مثل ذلك أيضاً، قالا: وإن وجدهم سجوداً سجد معهم ولم يعتد بذلك (3) .

(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 1/243، والبيهقي في السنن الكبرى 2/90، قال الألباني رحمه الله في الإرواء 2/263: إسناده صحيح.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف حديث (3361) 1/279، والبيهقي من طريق مالك وابن جريج 2/90، وقال الشيخ الألباني في الإرواء 2/263: إسناده صحيح.

(3)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف حديث (3355) 2/278.

وأخرج البهيقي من طريق مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمرو وزيد بن ثابت كانا يقولان ذلك. السنن الكبرى 2/90. وأخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/398 عن خارجة بن زيد بن ثابت ((أنّ زيد ابن ثابت كان يركع على عتبة المسجد ووجهه إلى القبلة، ثم يمشي معترضاً على شقه الأيمن ثم يعتد بها إن وصل إلى الصف أو لم يصل)) قال الشيخ الألباني في الإرواء 2/264: وإسناده جيد.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2/90 من طرق أخرى عن زيد نحوه. منها: عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أبا بكر الصديق وزيد بن ثابت دخلا المسجد والإمام راكع فركعا، ثم دبا وهما راكعان حتى لحقا بالصف.

قال الشيخ الألباني: وإسناده حسن، لكن أبا بكر بن عبد الرحمن لم يدرك أبا بكر الصديق فهو عنه منقطع، إلَاّ أنه يحتمل أن يكون تلقاه عن زيد بن ثابت، وهو عن زيد صحيح ثابت، فإنه ورد من طرق أخرى

إرواء الغليل 2/264.

ص: 314

وذكر مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: إذا فاتتك الركعة فقد فاتتك السجدة.

قال: وبلغني أن أبا هريرة كان يقول: «من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة ومن فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير» (1) .

وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: «لايعتد بالسجود إذا لم يدرك الركوع» (2) .

الدليل الخامس: أن من أدرك الإمام في الركوع لم يفته من الأركان إلَاّ القيام وهو يأتي به مع تكبيرة الإحرام (3) .

الدليل السادس: أن الشرط هو المشاركة للإمام في أفعال الصلاة ومن فاته الركوع لم يوجد منه المشاركة لا في القيام ولا في الركوع (4) .

القول الثاني: أن من أدرك إمامه راكعاً فكبر ووقف حتى رفع الإمام رأسه

(1) أخرجه مالك في الموطأ باب من أدرك ركعة من الصلاة. انظر: شرح الزرقاني على الموطأ 1/27 وما بعدها، والبيهقي في السنن الكبرى 2/90، وقال الزرقاني في شرح الموطأ 1/28، وبلاغة ليس من الضعيف؛ لأنه تتبع كله فوجد مسنداً من غير طريقة.

(2)

انظر: التمهيد 7/73 وما بعدها، والمغني 2/182، وتبيين الحقائق 1/184 - 185، والبحر الرائق 2/82.

(3)

المغني 2/182.

(4)

تبيين الحقائق 1/185.

ص: 315

من الركوع فقد أدرك الركعة وعليه أن يركع بعد ذلك، وهذا قول محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى (1) وزفر ابن الهذيل (2) ، والليث بن سعد (3) .

واستدلوا: بأنه أدرك الإمام فيما له حكم القيام بدليل جواز تكبيرات العيدين فيه فصار كما لو كبر الإمام قائماً فركع ولم يركع المؤتم معه حتى رفع رأسه (4) .

ونوقش: بأن الشرط هو مشاركة الإمام في أفعال الصلاة ولم توجد لا في القيام ولا في الركوع بخلاف ما استشهد به فإنه شاركه في القيام (5) .

وأيضاً: لا نسلم صحة مثل هذا إلَاّ من عذر.

وقد ذكر فقهاء الحنفية أن ثمرة الخلاف بينهم وبين زفر تظهر في أن من أدرك الإمام راكعاً وكبر ولم يركع حتى رفع الإمام فهو عند زفر لاحق فيأتي بهذه

(1) هو: الإمام الفقيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ولد سنة 74 ? ومات سنة 148 ?، وتولى القضاء بالكوفة ثلاثاً وثلاثين سنة تفقه بالشعبي، ومن تلاميذه سفيان الثوري. انظر: وفيات الأعيان 4/179 - 181.

(2)

ينظر: تبيين الحقائق 1/184، والبحر الرائق 2/82.

وزفر هو: زفر بن الهذيل العنبري الفقيه المجتهد، أبو الهذيل بن الهذيل بن قيس بن مسلم ولد سنة 110 ? حدث عن الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد وأبي حنيفة وغيرهم، وكان ثقة مأموناً، وكان من بحور الفقه تفقه بأبي حنيفة وهو من أكبر تلامذته توفي سنة 158?. ينظر: سير أعلام النبلاء 8/38، 41.

(3)

مصنف عبد الرزاق 2/279 رقم (3362) ، والتمهيد 7/73.

والليث هو: الليث بن سعد بن عبد الرحمن، الإمام الحافظ شيخ الإسلام ولد سنة 94 ?، سمع عطاء ابن أبي رباح، وابن أبي مليكة، والزهري، وغيرهم، وروى عنه خلق كثير توفي سنة 175 ?. ينظر: حلية الأولياء 7/318، وسير أعلام النبلاء 8/136.

(4)

تبيين الحقائق 1/184 وما بعدها، والبحر الرائق 2/82.

(5)

انظر: المصدرين السابقين.

ص: 316

الركعة قبل فراغ الإمام وعندهم هو مسبوق يأتي بها بعد فراغ الإمام.

لكن فقهاء الحنفية متفقون على أنه لو انتهى إلى الإمام وهو قائم فكبر ولم يركع مع الإمام حتى رفع الإمام ثم ركع أنه يصير مدركاً لهذه الركعة، واتفقوا على أنه لو اقتدى به في قومة الركوع لم يصر مدركاً لتلك الركعة

(1)

.

القول الثالث: أن من أدرك القوم ركوعاً لم يعتد بتلك الركعة، روي ذلك عن أبي هريرة (2) رضي الله عنه.

(1) تبيين الحقائق 1/184 وما بعدها، والبحر الرائق 2/82.

(2)

روى البخاري في جزء القراءة خلف الإمام ص 94 حدثنا معقل بن مالك قال: حدثنا أبو عوانة عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال: إذا أدركت القوم ركوعاً لم تعتد بتلك الركعة. قال ابن عبد البر في التمهيد 7/72 وما بعدها: روي من طريق فيه نظر. وقال الشيخ الألباني في الإرواء 2/265: فهذا سند ضعيف من أجل عنعنة ابن إسحاق ومعقل فإنه لم يوثقه أحد غير ابن حبان، وقال الأزدي متروك.

لكن رواه البخاري في مكان آخر منه ص 57 قال: حدثنا مسدد وموسى بن إسماعيل ومعقل ابن مالك قالوا: حدثنا أبو عوانة عن محمد بن إسحاق عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((لا يجزيك إلَاّ أن تدرك الإمام قائماً)) .

ثم قال البخاري: حدثنا عبيد بن يعيش قال: حدثنا يونس قال: حدثنا إسحاق قال: أخبرني الأعرج قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: ((لا يجزئك إلَاّ أن تدرك الإمام قائماً قبل أن يركع)) .

قال الشيخ الألباني رحمه الله في الإرواء 2/265 فقد ثبت هذا عن أبي هريرة لتصريح ابن إسحاق بالتحديث، فزالت شبهة تدليسه، وأمَّا اللفظ الأول فلايصح عنه لتفرد معقل بن مالك به ومخالفته للجماعة في لفظه. قال رحمه الله: وثمة فرق واضح بين اللفظين فإن اللفظ الثابت يعطي معنى آخر لا يعطيه اللفظ الضعيف؛ ذلك لأنه يدل على أنه إذا أدرك الإمام قائماً ولو لحظة ثم ركع أنه يدرك الركعة هذا ما يفيده اللفظ المذكور، والبخاري ساقه في صدد إثباته وجود قراءة الفاتحة وأنه لا يدرك الركعة إذا لم يقرأها، وهذا مِمَّا لا يتحمله هذا اللفظ كما هو ظاهر. انتهى كلامه يرحمه الله.

ص: 317

وهو ظاهر كلام الإمام البخاري، وحكاه عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام (1) .

ونقل صاحب المجموع عن صاحب التتمة (2) نسبة هذا القول إلى الإمام محمد بن إسحاق ابن خزيمة وحكاه الرافعي عنه وعن أبي بكر الصبغي (3) ، وغيرهما من محدثي الشافعية وقواه تقي الدين السبكي (4) من المتأخرين (5) والعراقي (6) وابن

(1) القراءة خلف الإمام ص 58.

(2)

هو: عبد الرحمن بن مأمون بن علي بن إبراهيم النيسابوري، الشيخ أبو سعد المتولي، فقيه شافعي، تفقه بمرو على الفوراني وبمرو الروذ على القاضي الحسين، وببخارى على أبي سهل الأبيوري، برع في الفقه والأصول والخلاف من مصنفاته التتمة لم يتمه وصل فيه إلى القضاء وأكمله جماعة، مات في شوال سنة 478 ?، وكانت ولادته 6 وقيل 427 ?. ينظر: طبقات الفقهاء للشيرازي 1/238، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/247 وما بعدها.

(3)

هو: أحمد بن إسحاق بن أيوب بن يزيد أبو بكر النيسابوري المعروف بالصبغي، أحد أئمة الشافعية قال الحاكم: وكان يخلف ابن خزيمة في الفتوى بضع عشرة سنة في الجامع وغيره، ولد سنة 258 ?، ومات في شعبان سنة 342 ?، نقل عنه الرافعي في مواضع منها هذا، وله فيه مصنف. ينظر: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/122 وما بعدها.

(4)

هو: تقي الدين، أبو الحسن، علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي، ولد سنة 683 ?، يقال: ما جاء بعد الغزالي مثله، توفي سنة 756 ?. انظر: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 3/37 - 42.

(5)

انظر: فتح الباري 2/156، ونيل الأوطار 1/791.

(6)

انظر: عون المعبود 3/153.

والعراقي هو: الحافظ الإمام الكبير الشهير أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين ابن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي، ولد في جمادى الأولى سنة 725 ?، اشتغل بالعلوم وأحب الحديث فأكثر من السماع وتقدم في فن الحديث وصفه جمال الدين الأسنوي بحافظ العصر، شرع في إكمال شرح الترمذي الذي بدأه ابن سيد الناس، توفي في ثامن شعبان سنة 806 ?. انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي ص 544.

ص: 318

حزم (1) . وأفتى به الشيخ عبد الرزاق عفيفي (2) رحمه الله.

واستدلوا بما يلي:

الدليل الأول: قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (3) . وجه الاستدلال: أن القيام ركن من أركان الصلاة ومن أدرك الإمام في الركوع فقد فاته القيام (4) .

ونوقش: بأنه يأتي بتكبيرة الإحرام وهو قائم ثم يركع فيكون قد أتى بركن القيام (5) .

وأُجيب: بأن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لم يأمرا الداخل في الصلاة أن يدخل في غير الحال التي يجد الإمام عليها، وأيضاً لا يجزئ قضاء شيء سبق به من الصلاة إلَاّ بعد سلام الإمام، لا قبل ذلك (6) .

ورُدَّ: بأن الآية عامة مخصوصة بحديث أبي بكرة رضي الله عنه فإنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم في الركوع ولم يأمره بالإعادة ولو كانت ركعته لا تصح لأمره

(1) المحلى 3/243.

(2)

فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبد الرزاق عفيفي 1/415.

(3)

الآية 238 من سورة البقرة.

(4)

انظر: المحلى 3/244، وعون المعبود 3/151.

(5)

المحلى 3/246.

(6)

المحلى 3/246.

ص: 319

أن يعيد؛ لأنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز (1) .

الدليل الثاني: روى أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك الإمام في الركوع فليركع معه، وليعد الركعة"(2) .

ونُوقش: بأن الصحيح أنه من قول أبي هريرة رضي الله عنه، وقد روى عن غيره من الصحابة خلافه.

الدليل الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ائتوا الصلاة وعليكم السكينة فصلوا ما أدركتم، واقضوا ما سبقكم "(3) .

ووجه الاستدلال: أن من أدرك الإمام في أول الركعة الثانية فقد فاتته الأولى كلها، وإن من أدرك سجدة من الأولى فقد فاتته وقفة وركوع ورفع وسجدة وجلوس، وأنّ من أدرك الجلسة بين السجدتين فقد فاته الوقفة والركوع والرفع وسجدة، وأن من أدرك الرفع فقد فاتته الوقفة والركوع، وأن من أدرك السجدتين فقد فاتته الوقفة والركوع وأن من أدرك الركوع فقد فاتته الوقفة وقراءة أم القرآن، وكلاهما فرض لا تتم الصلاة إلَاّ به (4) .

(1) انظر: عون المعبود 3/159 - 160.

(2)

رواه البيهقي في السنن 2/90، وقد رواه البخاري في القراءة خلف الإمام من حديث أبي هريرة أنه قال: إن أدركت القوم ركوعاً لم تعتد بتلك الركعة 94، لكن قال الحافظ: وهذا هو المعروف عن أبي هريرة موقوفاً وأمَّا المرفوع فلا أصل له. انظر: التلخيص الحبير 2/41، ونيل الأوطار 1/791.

(3)

أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن إتيانها سعياً حديث (602) 1/421 بلفظ: «إذا ثوب بالصلاة فلا يسعَ إليها أحدُكم ولكن ليمش وعليه السكينة والوقار، صلِّ ما أدركت واقض ما سبقك» وأخرج البيهقي في السنن الكبرى 2/297 (وما فاتكم فأقضوا) وفي تخريج أحاديث خلاصة الأحكام قوله: ((وإسناده صحيح على شرطهما)) .

(4)

المحلى 3/244، ونيل الأوطار 1/792.

ص: 320

ونوقش: بأنه لا يخلو من أن تكون (ما) في الحديث عامة على أصل وضعها، شاملة لجميع ما في الصلاة، أو مخصوصة، والأول باطل إذ يلزم منه قضاء فائت الثناء والتوجه ونحو ذلك من الأدعية الواردة، وفائت السورة وإن أدرك الفاتحة وغيرها من الأركان، والثاني مضرٌّ له، فإنه كما خصص اللفظ العام بالأركان والشرائط بدلائل أخر، فليخصص بما سوى الفاتحة بدلائل أُخَر، وهي النصوص التي تدل على إدراك الركعة بالركوع وسقوط الفاتحة عنه (1) .

الدليل الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتِمُّوا "(2) .

وجه الاستدلال: أن المأموم المسبوق إذا وجد الإمام في الركوع فقد فاته القيام والقراءة فيجب إتمامها وإنَّما يكون ذلك بعد سلام الإمام فيقضي ركعة (3) .

ونوقش: بما نوقش به الدليل السابق.

الدليل الخامس: عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير فسألتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب"(4) .

(1) إمام الكلام فيما يتعلق بالقراءة خلف الإمام ص 114.

(2)

أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب: لا يسعى إلى الصلاة وليأت بالسكينة والوقار

1/156، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، والنهي عن إتيانها سعياً، حديث (602) 1/420.

(3)

انظر: المحلى 3/244، وعمدة القاري 4/321.

(4)

أخرجه البخاري في كتاب تقصير الصلاة، باب: إذا لم يُطق قاعداً صلى على جنب 2/21.

ص: 321

ووجه الاستدلال: أن الحديث دلّ على ركنية القيام ومن أدرك الإمام في الركوع قد فاته القيام فلابد من قضائه

(1)

.

ونوقش: بأنه عام مخصوص بحديث أبي بكرة رضي الله عنه (2) .

الدليل السادس: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "(3) . وما في معنى الحديث من الأحاديث الدالة على وجوب قراءة الفاتحة في حق المأموم (4) .

وجه الاستدلال: دلّ الحديث على وجوب قراءة المأموم للفاتحة ومن أدرك الإمام في الركوع لم يقرأ الفاتحة فلابد من قضائها (5) .

ونوقش: بأنه عام مخصوص بحديث أبي بكرة رضي الله عنه فقد ركع ولم يقرأ الفاتحة ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة (6) .

ذلك أن الأحاديث المصرّحة بأنه لا صلاة إلَاّ بفاتحة الكتاب قد دلت على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة دلالة ظاهرة بينة، وقد ثبت أن من أدرك الإمام على حالة فليصنع كما يصنع الإمام (7) ، فمن وصل والإمام في آخر القيام

(1) انظر: أحكام الإمامة والائتمام في الصلاة 367.

(2)

المرجع السابق 368.

(3)

أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر 1/184، ومسلم في كتاب الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة حديث (394) 1/295.

(4)

تحفة الأحوذي 3/164.

(5)

تحفة الأحوذي 3/164.

(6)

انظر: عون المعبود 3/159.

(7)

في حديث أبي هريرة مرفوعاً: «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة» ، وفي لفظ:«من أدرك الركوع أدرك الصلاة» ، وقد تقدم تخريجه ص 311.

ص: 322

فليدخل معه فإذا ركع بعد تكبير المؤتم فقد ورد الأمر بمتابعته له بقوله: وإذا ركع فاركعوا، كما في حديث " إنَّما جعل الإمام ليؤتم به "(1) وهو حديث صحيح فلو توقف المؤتم عن الركوع بعد ركوع الإمام وأخذ يقرأ فاتحة الكتاب لكان مخالفاً لهذا الأمر، فقد تقرر أنه يدخل مع الإمام، وتقرر أنه يتابعه ويركع بركوعه، ثم ثبت بحديث:"من أدرك مع الإمام ركعة قبل أن يقيم صلبه فقد أدركها" أن هذا الداخل مع الإمام الذي لم يتمكن من قراءة الفاتحة قد أدرك الركعة بمجرد إدراكه له راكعاً، فيكون هذا مخصصاً لعموم إيجاب قراءة الفاتحة في كل ركعة، ولا وجه لما قيل أنه يقرأ بفاتحة الكتاب ويلحق الإمام راكعاً، وأن المراد الإدراك الكامل وهو لا يكون إلَاّ مع إدراك الفاتحة، فإن هذا يؤدي إلى إهمال حديث إدراك الإمام قبل أن يقيم صلبه، فإن ظاهره بل صريحه أن المؤتم إذا صل والإمام راكع وكبر وركع قبل أن يقيم الإمام صلبه فقد صار مدركاً لتلك الركعة وإن لم يقرأ حرفاً من حروف الفاتحة، فهذا الأمر الأول مِمَّا يقع فيه من عرضت له الشكوك؛ لأنه إذا وصل والإمام راكع أو في آخر القيام ثم أخذ يقرأ ويريد أن يلحق الإمام الذي قد صار راكعاً فقد حاول ما لا يُمكن الوفاء به في غالب الحالات ومن هنا يكون مهملاً لحديث إدراك الإمام قبل أن يقيم صلبه.

والأمر الثاني: أنه صار مخالفاً لأحاديث الإقتداء بالإمام وإيجاب الركوع بركوعه والاعتدال باعتداله وبيان ذلك أنه وصل حال ركوع الإمام أو بعد ركوعه ثم أخذ يقرأ الفاتحة من أولها إلى آخرها ومن كان هكذا فهو مخالف لإمامه لم يركع بركوعه وقد يفوته أن يعتدل باعتداله، وامتثال الأمر بمتابعة

(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب: إنَّما جعل الإمام ليؤتم به 1/169، ومسلم في كتاب الصلاة، باب: ائتمام المأموم بالإمام، حديث (411) 1/308.

ص: 323

الإمام واجب ومخالفته حرام.

الأمر الثالث: أن قوله عليه الصلاة والسلام: "من أدرك الإمام على حالة فليصنع كما يصنع الإمام " يدل على لزوم الكون مع الإمام على الحالة التي أدركه عليها، وأنه يصنع مثل صنعه ومعلوم أنه لا يحصل الوفاء بذلك إلَاّ إذا ركع بركوعه واعتدل باعتداله فإذا أخذ يقرأ الفاتحة فقد

أدرك الإمام على حالة ولم يصنع كما صنع الإمام فخالف الأمر الذي يجب امتثاله وتحرم مخالفته فتبين بذلك ما في إيجاب قراءة الفاتحة على المؤتم المدرك لإمامه حال الركوع أو بعده من المفاسد التي حدثت بسبب وقوعه في مخالفة ثلاث سنن صحاح (1) .

والراجح في نظري - والله أعلم - هو القول الأول: أنّ الركعة تدرك بإدراك الركوع وذلك لأن أدلة هذا القول وإن كان بعضها لم يسلم من المناقشة إلَاّ أن عمل الصحابة عليه وحديث أبي بكرة رضي الله عنه يؤيده، وهو حديث صحيح، وفيه دليل على أنه كان مستقراً عند الصحابة أن الركعة تدرك بإدراك الركوع بدليل سعيه لإدراك الركوع؛ ولذلك لم ينقل عن أحد منهم خلاف ذلك إلَاّ عن أبي هريرة رضي الله عنه من طريق قال ابن عبد البر فيه نظر (2)، وقد روى عنه ما يفيد الإدراك (3) فقد أخرج مالك في الموطأ بلاغاً أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول:«من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة ومن فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير» (4) .

(1) بتصرف يسير من جواب للشوكاني رحمه الله رجع فيه إلى قول الجمهور أن الركعة تدرك بإدراك الركوع، وكان قبل ذلك يرى عدم الإدراك. انظر: عون المعبود 3/157 - 160.

(2)

التمهيد 7/72 وما بعدها.

(3)

عون المعبود 3/154.

(4)

أخرجه مالك في الموطأ 1/11، والبيهقي في السنن الكبرى 2/90 قال الزرقاني في شرح الموطأ 1/28 وبلاغه ليس من الضعيف؛ لأنه تتبع له فوجد مسنداً من غير طريقه.

ص: 324

وما في صحيح ابن خزيمة رحمه الله خلاف ما نقلوه عنه (1)، فقد أخرج عن أبي هريرة:«من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم الإمام صلبه» (2) ، وترجم له ذكر الوقت الذي يكون فيه المأموم مدركاً للركعة إذا ركع إمامه قبل، وترجم بعد ذلك باب إدراك الإمام ساجداً والأمر بالإقتداء به في السجود وأن لا يعتد به إذ المدرك للسجدة إنَّما يكون بإدراك الركوع قبلها (3) .

ووصف النووي هذا القول - أعني القول الثالث - أنها لا تدرك بإدراك الركوع بأنه وجه ضعيف مزيف، ونقل عن صاحب التتمة أن هذا ليس بصحيح؛ لأنّ أهل الأعصار قد اتفقوا على الإدراك به فخلاف من بعدهم لا يعتد به

(4)

.

وإن كان دعوى الإجماع لا تصح لكن فيما ذكرته من أدلة من يرى الإدراك ما يكفي، والله أعلم.

(1) عون المعبود 3/155.

(2)

أخرجه ابن خزيمة في صحيحه 3/45، وأخرجه الدارقطني 1/346، والبيهقي 2/89، وفيه يحيى بن حميد عن قرة، قال البخاري رحمه الله في القراءة خلف الإمام 76: ((وأمَّا

مجهول لا يعتمد على حديثه غير معروف بصحة خبره مرفوع وليس هذا مِمَّا يحتج به أهل العلم)) قال الشيخ الألباني 2/262: ((ويحيى هذا ضعفه الدارقطني

)) قال: ((وقد وجدت له طريقاً أخرى إلى الزهيري أخرجه الضياء المقدسي

بلفظ: «من أدرك الإمام وهو راكع فليركع معه، وليعتد بها من صلاته» وهذا إسناد واهٍ جداً

)) قال: ((ومِمَّا يقوي الحديث جريان عمل الصحابة عليه)) .

(3)

صحيح ابن خزيمة 3/57.

(4)

المجموع 4/115.

ص: 325