الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: إدراك الجماعة
المبحث الأول: ماتدرك به الجماعه
المطلب الأول: إدراك فضيلة الجماعة
…
الفصل الثاني: إدراك الجماعة
وفيه تمهيد وثلاثة مباحث:
التمهيد
* المسألة الأولى: فضل إدراك التكبيرة الأولى مع الإمام:
ينبغي للمسلم أن يبادر إلى فعل الخير، وأن لايشتغل عنه بأهل ولا مال فإن الإنسان إنَّما خلق ووجد في هذه الدنيا لعبادة الله عز وجل يقول الله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) فإذا كان هذا الخير هو الصلاة فالمسارعة إليه أولى وأحرى.
وقد جاء في فضل إدراك التكبيرة الأولى مع الإمام ما روى أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صلى أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان براءة من النَّار وبراءة من النفاق"(2) .
(1) الآية (56) من سورة الذاريات.
(2)
أخرجه الترمذي في سننه كتاب الصلاة باب ما جاء في فضل التكبيرة الأولى حديث رقم 241 ج2/7، وقال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث عن أنس موقوفاً، ولا أعلم أحداً رفعه إلَاّ ما روى مسلم بن قتيبة عن طعمة بن عمرو عن حبيب بن أبي ثابت عن أنس، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 1/528، والبيهقي في شعب الإيمان 3/62، وذكر الدارقطني في العلل 2/118 الاختلاف فيه وضعفه، وله طرق أخرى أوردها ابن الجوزي في العلل من حديث بكر بن أحمد الواسطي عن يعقوب بن تحية عن يزيد بن هارون عن حميد عن أنس وقال: هذا حديث لا يصح. العلل المتناهية 1/432.
وأورد الحافظ في التلخيص الحبير 2/27 طرقه وبين أنها كله ضعيفة.
وقال في تحفة المحتاج 11/438: ((هذا من فضائل الأعمال فيتسامح فيه)) .
ونقل الحطاب في مواهب الجليل اتفاق الفقهاء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال 1/25.
وروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: " بادروا واحد الصلاة " يعني تكبيرة الإحرام إذ ليس في الصلاة منها إلَاّ واحدة، وقد جاء في فضلها آثار أخرى عن السلف غير هذا (1) .
فلهذا يستحب المحافظة على إدراكها مع الإمام بأن يتقدم إلى المسجد قبل وقت الإقامة ذكره النووي رحمه الله في المجموع (2)، واحتج له بقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إنَّما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا "(3) .
ووجه الاستدلال منه: أن الفاء عند أهل العربية للتعقيب فالحديث صريح في الأمر بتعقيب تكبيرته تكبيرة الإمام (4) .
ويُمكن أن يستدل لهذا أيضاً بما روي في فضل النداء والصف الأول، وغالباً لا يدركه المتأخر.
ومنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لو أن الناس يعلمون ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلَاّ أن يستهموا عليه لاستهموا عليه "(5) .
(1) المجموع 4/206.
(2)
المرجع السابق.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الأذان باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة 1/179 من حديث أبي هريرة، ومسلم في كتاب الصلاة باب النهي عن مبادرة الإمام بالتكبير وغيره، حديث (417) .
(4)
ينظر: المجموع 4/206.
(5)
أخرجه البخاري في كتاب الأذان باب فضل التهجير إلى الظهر ج1/159 من حديث أبي هريرة، ومسلم في كتاب الصلاة باب تسوية الصفوف
…
، حديث (437) .
*المسألة الثانية: وقت إدراك فضيلة تكبيرة الإحرام:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في الوقت الذي يكون الشخص فيه مدركاً لفضيلة تكبيرة الإحرام على أقوال كثيرة متباينة.
فعند فقهاء الحنفية ستة أقوال وعند الشافعية خمسة أوجه ولم أجد للمالكية نصاً في المسألة أمَّا عند الحنابلة فقول موافق لأحد الأوجه الخمسة التي ذكرها الشافعية، ولما كانت هذه الأقوال متباينة فسوف أذكر أولاً ما ذكره فقهاء الحنفية ثم ما ذكره فقهاء الشافعية، وسوف أبين الوجه الذي اتفق فيه الحنابلة مع الشافعية.
أولاً: آراء الحنفية:
يرى الإمام أبو حنيفة رحمه الله أن وقت إدراك فضيلة تكبيرة الافتتاح تحصل بمقارنة تكبيرة المأموم للإمام، وعلى هذا اتفقت الروايات عن أبي حنيفة (1) .
واستدل: بأن الإقتداء مشاركة وحقيقة المشاركة المقارنة إذ بها تتحقق المشاركة في جميع أجزاء العبادة
(2)
.
ويُمكن مناقشته بأنه قول مردود بالسنة الصحيحة الدالة على أن تكبير المأموم يأتي بعد تكبير الإمام لا مقارناً له، وذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إنَّما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا "(3) ، والفاء في اللغة تفيد التعقيب (4) .
(1) بدائع الصنائع 1/200، ورد المحتار 2/240.
(2)
بدائع الصنائع 1/200.
(3)
سبق تخريجه ص 323.
(4)
المجموع 4/206.
القول الثاني: لصاحبي أبي حنفية - أبي يوسف ومحمد - تحصل عندهما الفضيلة إذا كبر المأموم في وقت استفتاح الإمام.
ووجه قولهما: أن المقتدي تبع للإمام ومعنى التبعية لا تتحقق في المقارنة (1) .
القول الثالث: أنها تحصل بالشروع قبل قراءة ثلاث آيات لو كان المقتدي حاضراً.
القول الرابع: أنها تحصل بالشروع قبل قراءة سبع آيات لو كان غائباً.
القول الخامس: تحصل بإدراك الركعة الأولى.
القول السادس: أنها تحصل بإدراك قراءة الفاتحة واختاره ابن عابدين في الحاشية (2) . ولم يذكروا لهذه الأقوال الأربعة دليلاً.
ثانياً: آراء الشافعية ورأي الحنابلة:
نُقل عن فقهاء الشافعية في هذه المسألة خمسة أوجه:
الأول: أن من شهد تكبيرة الإمام كان مدركاً لفضل التكبيرة الأولى، وهذا هو الأظهر عند الشافعية، وهو قول الحنابلة.
قال الشافعية: ولا يضره اشتغاله عقيب تكبيرة الإمام بعقد الصلاة من غير وسوسة ظاهرة.
ووجه هذا القول: أن التكبير إذا أجرى في غيبته لم يسم مدركاً (3) .
الثاني: أن فضيلة التكبيرة الأولى تدرك بإدراك الركوع الأول، وهو وجه عند الشافعية وقيده الغزالي بمن لم يحضر إحرام الإمام فأمَّا من حضر فقد فاتته
(1) بدائع الصنائع 1/200.
(2)
رد المحتار 2/240 وما بعدها.
(3)
انظر: فتح العزيز شرح الوجيز 2/144، والمجموع 4/206، والفروع 1/584.
فضيلة التكبيرة وإن أدرك الركعة.
وهذا الوجه قريب من الوجه الخامس عند الحنفية.
ولعل مستند هذا القول: أن الركعة تدرك بإدراك الركوع، وبالركعة يدرك فضل الجماعة فيدرك بذلك فضل التكبيرة من باب أولى.
الثالث: أن إدراك الركوع لا يكفي في إدراك فضيلة التكبيرة الأولى بل يشترط إدراك شيء من القيام أيضاً وهو الوجه الثالث عند الشافعية وقيده الغزالي أيضاً بما ذكر في الوجه الذي قبله. ولم يذكروا له دليلاً.
الرابع: إن شغله أمر دنيوي لم يكن بإدراك الركوع مدركاً للفضيلة وإن منعه عذر واشتغال بأسباب الصلاة كالطهارة وغيرها كفاه إدراك الركوع.
وهذا هو الوجه الرابع عند الشافعية.
ولعل مستنده: أن من شغله أمر دنيوي فهو مقصر في المسارعة إلى الصلاة، أمَّا من منعه عذر واشتغال بأسباب الصلاة كالطهارة ونحوها فهو معذور فصار كمن فاتته جميع الصلاة لعذر.
الخامس: يدركها ما لم يشرع الإمام في الفاتحة وهو الوجه الخامس للشافعية (1) .
وهذا الوجه يتفق مع قول أبي يوسف ومحمد من الحنفية كما مر.
والراجح في نظري - والله أعلم - أن من شهد تكبيرة الإمام وكبر عقب تكبيرته أنه يكون مدركاً لفضيلة تكبيرة الإحرام، وكذا من كان بالمسجد عند تكبيرة الإمام لكنه اشتغل بإتمام نافلة قد شرع فيها وكان إتمامها أولى من الخروج منها، فهذا له عذر في التأخر عنه، والله أعلم.
(1) هذه الأوجه في فتح العزيز 2/144، والمجموع 4/206.
المبحث الأول: ما تدرك به الجماعة
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: إدراك فضيلة الجماعة
اختلف الفقهاء رحمهم الله فيما تدرك به فضيلة الجماعة على قولين:
القول الأول: أن فضيلة الجماعة تدرك بإدراك التكبيرة قبل سلام الإمام أي أن من كبر قبل أن يسلم الإمام فقد أدرك فضيلة الجماعة، وهذا قول الحنفية (1) ، وهو قول عند المالكية قال به ابن يونس (2) وابن رشد (3) .
وبه قال جماعة من الشافعية من أهل العراق وتابعهم صاحب المهذب، والتهذيب وهو ظاهر المذهب قال النووي: هذا المذهب الصحيح، وبه قطع المصنف (4) .
وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد قال في الإنصاف: هذا المذهب نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب وهو المعمول به في المذهب.
(1) البحر الرائق 2/81، وتبيين الحقائق 1/184، ورد المحتار 2/514.
(2)
هو: أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس التيمي الصقلي، الإمام الحافظ، أحد العلماء وأئمة الترجيح، ألف كتاباً في الفرائض وكتاباً حافلاً للمدونة، توفي في ربيع الآخر سنة 451 ?. انظر: شجرة النور ص 111.
(3)
ينظر: التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 2/397، ومواهب الجليل 2/397، وحاشية الدسوقي 1/320، وابن رشد هو: القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، الفقيه المالكي، له مصنفات منها البيان والتحصيل، والمقدمات، ولد سنة 455 ?، وتوفي سنة 520 ?. انظر: شجرة النور ص 129.
(4)
انظر: فتح العزيز 2/144، والمجموع 4/219، ومغني المحتاج 1/231.
وقال المجد في شرحه: هذا إجماع من أهل العلم (1) .
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولاتسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا "(2) .
وجه الاستدلال: أن من أدرك الإمام ساجداً أو جالساً في التشهد الأخير يسمّى مدركاً فيتمم ما فاته وعلى هذا فيكون من كبر قبل سلام الإمام مدركاً للجماعة.
الدليل الثاني: أنه أدرك جزءاً من صلاة الإمام أشبه ما لو أدرك ركعة.
ويُمكن مناقشته: بأن إدراك الركعة منصوص على إدراك الجماعة به بخلاف ما دونها فليس بمنصوص عليه.
الدليل الثالث: القياس على المسافر يدرك جزءاً من صلاة المقيم.
ويُمكن أن يناقش: بأنه لايلزم من ذلك إدراك فضيلة الجماعة إذ النص ورد أن الفضل يدرك بركعة.
الدليل الرابع: أنه يلزمه أن ينوي الصفة التي عليها وهو كونه مأموماً فينبغي أن يدرك فضل الجماعة (3) .
ويُمكن أن يناقش: بأنه ينوي كونه مأموماً لحصول حقيقة الائتمام في جزء من الصلاة لكن لا يلزم من ذلك إدراك فضل الجماعة لما قلنا في مناقشة
(1) الإنصاف 2/221 وما بعدها، والمبدع 2/48، ودعوى الإجماع هنا لا تصح.
(2)
سبق تخريجه ص 344.
(3)
ينظر: الشرح الكبير مع المغني 2/9، والمبدع 2/48.
الدليلين السابقين.
الدليل الخامس: أن هذا الجزء من صلاته إذا لم يكن محسوباً من صلاته، فلو لم ينل به الفضيلة لمنع من الإقتداء والحالة هذه، لكونها زيادة في الصلاة لا فائدة فيها (1) .
ويناقش: بأن المأموم لم يدرك قدراً يحسب له.
وأجيب: بأن هذا غلط بل تكبيرة الإحرام أدركها معه وهي محسوبة له (2) .
الدليل السادس: لم يختلف الفقهاء بأن صلاته تنعقد ولولم تحصل له الجماعة لكان ينبغي أن لا تنعقد (3) .
الدليل السابع: أن من أدرك آخر الشيء فقد أدركه ولذا لو حلف لايدرك الجماعة حنث بإدراك الإمام ولو في التشهد (4) . وبناء على هذا القول فهو يدركها إذا كبر قبل سلام الإمام ولولم يجلس وهو المعتمد عند الشافعية (5) ، وهو المذهب عند الحنابلة، واشترط بعض الحنابلة أن يجلس بعد تكبيره وقبل سلام إمامه (6) .
هذا إن كبر المسبوق قبل أن يشرع الإمام في السلام.
أمَّا إذا كبر بعد شروع الإمام في التسليمة الأولى وقبل تمامها ففي إدراكه للجماعة عند أصحاب هذا القول خلاف على قولين:
(1) ينظر: العزيز شرح الوجيز 2/144.
(2)
ينظر: المرجع السابق 4/219 وما بعدها.
(3)
ينظر: المجموع 4/219.
(4)
تبيين الحقائق 1/184، والبحر الرائق 2/81، ورد المحتار 2/514.
(5)
ينظر: نهاية المحتاج 2/145.
(6)
ينظر: الإنصاف 2/222، والمبدع 2/48.
أحدهما: يكون محصلاً للجماعة، وهو احتمال عند الشافعية، وجزم به الأسنوي (1) وقال إنه مصرح به.
ووجهه: أنه أدرك جزءاً من صلاة الإمام فكان مدركاً لفضيلة الجماعة (2) .
والثاني: لايدركها، وهو احتمال آخر عند الشافعية، وجزم به أبو زرعة (3) في تحريره وقال الكمال بن أبي شريف (4) :هو الأقرب الموافق لظاهر عبارة المنهاج، ويفهمه قول ابن النقيب (5) في التهذيب أخذاً من التنبيه:((وتدرك بما قبل سلام الإمام)) .
(1) هو: عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر بن علي إبراهيم الأموي الأسنوي، نزيل القاهرة، جمال الدين، أبو محمد، شيخ الشافعية في وقته ومفتيهم، ولد في ذي الحجة سنة 704 ?، وله مصنفات عديدة منها: طبقات الفقهاء، وتصحيح التنبيه، وغير ذلك كثير، توفي سنة 772 ?. انظر: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 3/98 وما بعدها.
(2)
ينظر: نهاية المحتاج 2/145، ومغني المحتاج 1/231.
(3)
هو: عبد الرحمن بن عمرو بن صفوان النصري الدمشقي، محدث الشام في زمانه، وكان ثقة حافظاً، روى عن خلق كثير بالشام والعراق والحجاز منهم أحمد بن حنبل، توفي سنة 281 ?. انظر: الجرح والتعديل 5/267، وتهذيب التهذيب 6/236 وما بعدها، وسير أعلام النبلاء 13/311.
(4)
هو: كمال الدين أبو المعالي محمد بن ناصر الدين محمد بن أبي بكر على بن أبي شريف القدسي الشافعي، ولد في ذي الحجة سنة 822 ? بالقدس، ونشأ بها في عفة وديانة، وحفظ القرآن والشاطبية والمنهاج للنووي، توفي سنة 905 ?. التعليقات السنية مع الفوائد البهية 234.
(5)
هو: أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المعروف بابن النقيب، توفي سنة 764 ?. طبقات الشافعية لابن قاضي شهبه 3/77 وما بعدها.
قال في نهاية المحتاج: وهذا هو المعتمد كما أفتى به الوالد - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى (1) .
وهذا هو الصحيح عند الحنابلة وهو المذهب (2) .
ووجهه: أن من كبر بعد شروع الإمام في التسليمة الأولى فإنَّما عقد النية والإمام في التحلل فلايكون مدركاً لفضل الجماعة (3) .
فإن كبر بعد سلام الإمام الأولى وقبل سلام الثانية، فالمفهوم من كلام الشافعية والحنفية وهو ظاهر كلام ابن قدامة في المقنع أنه لا يدركها قال في الإنصاف، وهو صحيح، وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وقيل: يدركها وأطلقهما في الفائق.
وعنه: يدركها أيضاً إذا كبر بعد سلامه من الثانية إذا سجد للسهو بعد السلام وكان تكبيره قبل سجوده (4) .
القول الثاني: أن فضيلة الجماعة لا تحصل للمأموم إلَاّ بإدراك ركعة مع الإمام، وهذا قول عند المالكية إلَاّ أن ابن رشد الحفيد قيد إدراك الفضيلة بركعة بالمعذور بأن فاته ما قبلها اضطراراً، وذكر أن هذا هو مذهب مالك، وعليه اقتصر أبو الحسن (5) في شرح الرسالة فقال عبد الباقي
(1) ينظر: نهاية المحتاج 2/145 ومغني المحتاج 1/231.
(2)
ينظر: الإنصاف 2/222.
(3)
المرجعان السابقان.
(4)
الإنصاف 2/221 وما بعدها، والمبدع 2/48.
(5)
هو: أبو الحسن، نور الدين، علي بن محمد بن محمد بن محمد بن خلف، فقيه مالكي، من مؤلفاته: شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، وشرح مختصر خليل، وشرح على صحيح مسلم، توفي سنة 939 ?. انظر: شجرة النور ص 272.
الزرقاني (1) : ومقتضاه اعتماده وتبعه من تبعه حتى ذكروا أن من فرط في ركعة لم يحصل له الفضل.
وقال الشيخ الدردير (2) في النفس منه شيء فإن مقتضاه أن يعيد للفضل وذكر غير واحد أن ما قاله الحفيد مخالف لظاهر الروايات (3) .
وممن قال لا تدرك إلَاّ بركعة كاملة الغزالي (4) من الشافعية، وقول عند الحنابلة، وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى، واختاره الشيخ تقي الدين، وذكره رواية عن أحمد، وقال: اختاره جماعة من أصحابه، واختاره شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب والشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي وسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز (5) .
واستدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1 -
حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أدرك ركعة من الصلاة
(1) هو: عبد الباقي بن يوسف بن أحمد الزرقاني، أبو محمد، الفقيه العلامة، أخذ عن الأجهوري، والشبراملسي وغيرهما، له مؤلفات منها شرح على المختصر توفي سنة 1099 ? وكانت ولادته سنة 1020 ?. انظر: شجرة النور ص 304.
(2)
هو: أبو البركات أحمد بن الشيخ محمد العدوي الشهير بالدردير، له شرح على المختصر، وأقرب المساك لمذهب مالك، توفي سنة 1201 ?، وكانت ولادته سنة 1127 ?. انظر: شجرة النور ص 359.
(3)
مواهب الجليل 2/398، وحاشية الدسوقي 1/320، وحاشية العدوي على الخرشي 2/134 وما بعدها.
(4)
انظر: فتح العزيز شرح الوجيز 2/144، والمجموع 4/219.
(5)
الإرشاد لابن أبي موسى ص 68، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 23/330، والإنصاف 2/222، ومؤلفات شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، القسم الثاني، المجلد الثاني آداب المشي إلى الصلاة ص 25، والمختارات الجلية ص 29، ومجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 12/157 - 158.
فقد أدرك الصلاة " متفق عليه (1) .
وفي لفظ لمسلم: "من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة "(2) . وفي لفظ له: «فقد أدرك الصلاة كلها» .
ووجه الاستدلال: أن الحديث نص في أن الإدراك إنَّما يكون بركعة كاملة، وهذا النص يرفع النزاع (3) ، ومفهومه أن من لم يدرك ركعة لم يدرك الصلاة.
الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر "(4) .
ووجه الاستدلال من وجهين:
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم علق الأحكام بإدراك الركعة فمفهومه أنها لا تدرك بأقل من ذلك.
والثاني: أن قدر التكبيرة لم يعلق به الشارع شيئاً من الأحكام، لا في
(1) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة باب من أدرك من الصلاة ركعة 1/145، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة حديث (607) ج1/423 وما بعدها.
(2)
أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة حديث (607) مسلسل 162.
(3)
مجموع الفتاوى 23/332.
(4)
أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك من الفجر ركعة 1/144، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة، حديث (608) مسلسل 163 واللفظ له.
الوقت، ولا في الجمعة، ولا الجماعة ولا غيرها فدل على أن ذلك القدر لا تدرك به الركعة (1) .
الدليل الثالث: أن الجمعة لا تدرك إلَاّ بركعة كما أفتى به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم: ابن عمر، وابن مسعود، وأنس وغيرهم، ولا يعلم لهم في الصحابة مخالف، وقد حكى غير واحد أن ذلك إجماع الصحابة (2) .
الدليل الرابع: القياس على إدراك الركعة فإن من لم يدرك مع الإمام قدراً يحتسب له به كمن أدركه في قيامه من الركوع أو في السجود أو في جلسة الفصل لا يكون بذلك مدركاً للركعة مع أنه أدرك مع الإمام جزءاً من الصلاة لكنه جزء غير محتسب له فكذلك من لم يدرك مع الإمام ركعة لا يكون مدركاً للجماعة لأنه لم يدرك من الصلاة قدراً محتسباً له به (3) .
ويُمكن مناقشة هذا الدليل: بأنه لا يسلم أن من لم يدرك الركعة كاملة لم يدرك جزءاً يحتسب له به بل قد أدرك جزءاً محسوباً له وهو تكبيرة الإحرام أتى بها قبل أن يسلم الإمام ولولم تكن محسوبة له للزمه أن يستأنف بعد سلام الإمام.
الخامس: أن المسافر إذا ائتم بمقيم وأدرك معه ركعة فما فوقها فإنه يتم الصلاة، وإن أدرك معه أقل من ركعة صلاها مقصورة نص عليه الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه، وهذا لأنه بإدراك الركعة قد ائتم بمقيم جزءاً من صلاته، فلزمه الاتمام، وإذا لم يدرك معه ركعة فصلاته صلاة منفرد فيصليها مقصورة (4) .
(1) مجموع الفتاوى 23/331.
(2)
المرجع السابق 23/332.
(3)
المرجع السابق 23/333.
(4)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام 23/334.
ويُمكن مناقشته: بأنه استدلال بمسألة مختلف فيها (1) .
الترجيح: في نظري أن القول الثاني هو الراجح - إن شاء الله -؛ وذلك لأنه قد ورد نص صريح في أن الجماعة إنَّما تدرك بركعة كاملة، ومفهومه أنها لا تدرك بأقل من ذلك، وهو حديث صحيح.
لكن من كان له عذر شرعي وفاتته الجماعة فيحصل له - إن شاء الله - فضل الجماعة وإن لم يدركها.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمله وهو صحيح مقيم " رواه البخاري (2) .
ولقوله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: " إن في المدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلَاّ وهم معكم، حبسهم العذر ".
وفي رواية لمسلم: " إلَاّ شركوكم في الأجر " متفق عليه (3) .
ومِمَّنْ أفتى بهذا سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، مفتي عام المملكة العربية السعودية (4) سابقاً تغمده الله بواسع رحمته.
(1) انظر: الخلاف في المسألة في المغني 3/143 وما بعدها.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير من صحيحه باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة 4/17.
(3)
أخرجه البخاري في الصحيح كتاب المغازي، باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم في الحجر 5/136، ومسلم في كتاب الإمارة باب ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر - آخر حديث (1911) ج2/1518.
(4)
ينظر: فتاوى مهمة تتعلق بالصلاة من أجوبة سماحة الشيخ عبد الله بن باز ص 75 وما بعدها.