الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: إدراك حكم الجماعة
فرق الفقهاء رحمهم الله بين إدراك فضل الجماعة، فاختلفوا فيه على قولين كما سبق وبين إدراك حكمها، وممن فرق بين إدراك الفضل والحكم الحنفية والمالكية، وأشار إليه بعض الحنابلة.
ومعنى إدراك الحكم كما فسره المالكية: أن لايقتدى به، ولا يعيد في جماعة ويترتب عليه سهو الإمام، وأن يسلم على الإمام أو على من على يساره، وأن يصح استخلافه، هذا هو من أدرك الحكم.
أمَّا من لم يدرك حكمها: فيعيد في جماعة، ولا يسلم على الإمام ولا على من على يساره، ويصح الإقتداء به
(1)
.
فالذي يفهم من هذا أن المراد بإدراك الحكم أن يكون مأموماً في جميع الصلاة يترتب عليه أحكام المأموم.
وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله فيما يدرك به حكم الجماعة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن حكمها كفضلها لايدرك إلَاّ بركعة كاملة يدركها مع الإمام، وهو قول فقهاء المالكية (2) .
واستدلوا: بحديث: " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة "(3) .
(1) مواهب الجليل 2/398، والخرشي 2/134، ومختصر خليل وحاشية العدوي مع الخرشي 2/134، وحاشية الدسوقي والشرح الكبير بهامشه 1/320.
(2)
المراجع السابقة، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 2/397، ومواهب الجليل 2/397.
(3)
سبق تخريجه ص 369.
ووجه الاستدلال: أن الحديث عام في إدراك فضلها وحكمها (1) .
القول الثاني: إن كانت الصلاة رباعية لم يدرك حكمها بركعة، وكذا الثلاثية لا يدرك حكمها بركعة وهذا قول الحنفية.
وحجتهم في ذلك: أنه لو حلف لا يصلي الظهر مع الإمام ولم يدرك الثلاث لا يحنث؛ لأن شرط حنثه أن يصلي الظهر مع الإمام وقد انفرد عنه بثلاث ركعات، وإن أدرك معه ثلاث وفاته ركعة فعلى ظاهر الجواب لا يحنث؛ لأنه لا يحنث ببعض المحلوف عليه (2) .
ومدرك الثنتين من الثلاثي حكمه حكم مدرك الثلاث من الرباعي، أمَّا مدرك ركعة من الثنائي فالظاهر أنه لا خلاف فيه كما في مدرك الثنتين من الرباعي.
وقال السرخسي (3) : ((للأكثر حكم الكل وضعفه في البحر بما اتفقوا عليه في الأيمان من أنه لو حلف لا يأكل هذا الرغيف لا يحنث إلَاّ بأكله كله فإن الأكثر لا يقام مقام الكل)) (4) .
القول الثالث: أن حكم الجماعة لا يدرك إلَاّ بإدراك جميع الصلاة، وهو المفهوم من قول الحنابلة يقول صاحب المحرر مفسراً معنى إدراك فضل الجماعة
(1) الخرشي 2/134.
(2)
ينظر: تبيين الحقائق 1/184، وحاشية رد المحتار 2/514، والبحر الرائق 2/81.
(3)
هو: محمد بن أحمد بن أبي سهل، أبو بكر، شمس الأئمة السرخسي، كان إماماً علامة حجة، عده ابن كمال باشا من المجتهدين في المسائل، توفي في حدود 490 ?، وقيل في حدود 500 ?، تفقه عليه جماعة من العلماء، من كتبه المبسوط أملاه وهو في السجن. انظر: الفوائد البهية 158.
(4)
المبسوط 1/174 وما بعدها، والبحر الرائق 2/81، ورد المحتار 2/515.
بركعة يقول: ((معناه أصل فضل الجماعة، لا حصولها فيما سبق به فإنه منفرد حساً وحكماً إجماعاً)) (1) .
والراجح في نظري هو ما ذهب إليه فقهاء المالكية من أن حكم الجماعة كفضلها لا يدرك إلَاّ بركعة كاملة، وذلك لصحة ما استدلوا به من قول النبي صلى الله عليه وسلم:" من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة "، وهذا عام في الفضل والحكم، والله أعلم.
(1) نقله في الإنصاف 2/222 ولم أجده في المحرر.