الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: الركوع دون الصف لإدراك الركعة
المسألة الأولى: إذا زالت فذوذيته بعد السجود
…
المبحث الرابع:
الركوع دون الصف لإدراك الركعة
كثيراً ما نسمع ونشاهد المسبوقين يَجْرُونَ في المسجد إذا دخلوا والإمام راكع من أجل أن يدركوا معه الركوع ليكونوا بذلك مدركين للركعة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إذا جئتم إلى الصلاة فأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا "، وفي رواية:" فاقضوا "(1) .
وقال لأبي بكرة لما جاء يسعى وركع دون الصف: «زادك الله حرصاً ولا تعد» (2) .
فعلى هذا ينبغي لمن جاء والإمام راكع أن يمشي وعليه السكينة حتى يقوم في الصف فإن أدرك الركوع معه في الصف ركع، وكان مدركاً للركعة بشروطها السابقة، وإن لم يدرك معه الركوع دخل معه وقضى ما فاته بعد سلام الإمام.
وإن أحرم دون الصف ثم دخل في الصف قبل الركوع أو أتى آخر فصافه فصلاته صحيحة بلا نزاع، وذلك لأنه لم ينفرد في شيء من صلاته (3) .
أمَّا إن ركع دون الصف، ودخل إلى الصف وهو راكع، أو بعد الرفع من الركوع أو بعد السجود، وكان ركوعه دون الصف خشية فوات الركعة، أو
(1) سبق تخريجه ص 321.
(2)
سبق تخريجه ص 310.
(3)
ينظر: بدائع الصنائع 1/218، ونهاية المحتاج 1/196، حيث صحح الحنفية والمالكية والشافعية صلاة المنفرد خلف الصف، وشرح الزركشي 2/196، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام 23/396.
كان ركوعه دون الصف من غير خشية الفوات (1) فهل يكون بذلك مدركاً للركعة أو لا؟ .
فهذه أربع صور وسوف يكون الكلام على كل واحدة من هذه الصور الأربع في مسألة مستقلة.
* المسألة الأولى: إذا زالت فذوذيته في الركوع:
وصورة ذلك: أن يركع دون الصف ويدرك الصف والإمام راكع ويكون ركوعه دون الصف خشية فوات الركعة.
فهذه الصورة اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم صلاته على أربعة أقوال:
القول الأول: يكره له ذلك، إلَاّ أن لا يجد فرجة في الصف، وهو قول أكثر مشايخ الحنفية (2) .
واستدلوا بما يلي:
1) - ما روي عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه دخل المسجد فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في الركوع فكبر لما دخل المسجد ودبّ راكعاً حتى التحق بالصفوف، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم قال له:" زادك الله حرصاً ولا تعد "(3) .
ووجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة، فدل على أنه أدرك الركعة، ونهاه أن يعود، فدل على كراهة ذلك العمل.
ويُمكن أن يناقش: بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن العود إلى ذلك الفعل فيدل على
(1) ينظر: شرح الزركشي 2/122.
(2)
بدائع الصنائع 1/218، وحاشية الشلبي بهامش تبيين الحقائق 1/185.
(3)
سبق تخريجه ص 310.
منعه، وإنَّما لم يأمره بالإعادة لكونه يجهل الحكم فبين له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
2) - أن من ركع دون الصف لا يخلوا عن إحدى الكراهتين:
الأولى: أن يتصل بالصفوف فيحتاج إلى المشي في الصلاة، وهو فعل مناف للصلاة في الأصل حتى قال بعض مشايخ الحنفية: إن مشى خطوة خطوة لا تفسد صلاته، وإن مشى خطوتين خطوتين تفسد، وعند بعضهم لا تفسد كيفما كان؛ لأن المسجد في حكم مكان واحد، لكن لا أقل من الكراهة.
والأمر المكروه الثاني: أن يتم صلاته في الموضع الذي ركع فيه فيكون مصلياً خلف الصفوف وحده مع إمكان الاصطفاف وهو مكروه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لمنتبذ خلف الصف "(1) وهذا نفي وأقل أحوال النفي هو نفي
(1) لم أجده بهذا اللفظ لكن أخرج أحمد في مسنده 4/23، وابن ماجة في السنن ص 1003 عن علي بن شيبان:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل فقال له: استقبل صلاتك، فلا صلاة لمنفرد خلف الصف» .
وفي الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات.
قال في نيل الأوطار 2/428: حديث علي بن شيبان روى الأثرم عن أحمد أنه قال: هو حديث حسن.
وقال في نيل الأوطار أيضاً: قال ابن سيد الناس: رواته ثقات معروفون وهو من رواية عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه، وعبد الرحمن قال فيه ابن حزم: وما نعلم أحداً عابه بأكثر من أنه لم يرو عنه إلَاّ عبد الرحمن بن بدر. وهذا ليس بجرحه. انتهى كلام ابن حزم ثم قال الشوكاني: وقد روى له ابنه محمد ووعلة بن رئاب، ووثقه ابن حبان، وروى له أبو داود وابن ماجة، ويشهد للحديث ما رواه ابن حبان في صحيحه عن طلق مرفوعاً:«لا صلاة لمنفرد خلف الصف» انتهى من نيل الأوطار 2/428.
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/193، وابن خزيمة 3/30، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/394، والبيهقي في السنن الكبرى 3/105، وأخرجه ابن حزم في المحلى محتجّاً به 4/73، وقال الذهبي في المهذب في اختصار السنن الكبرى 3/79:((إسناده صالح)) وقال البوصيري في مصباح الزجاجة 1/122: ((وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات)) وصححه الشيخ أحمد بن محمد شاكر كما في شرحه على سنن الترمذي 1/446
الكمال (1) .
ويُمكن أن يناقش: بأن المشي إذا لم تدع إليه حاجة فهو مفسد للصلاة إذا كان كثيراً بخلاف اليسير منه فهو معنى عنه (2) .
وأمَّا بالنسبة للأمر المكروه الثاني: فلا يسلم للحنفية أنه إن أتم صلاته خلف الصف كان مكروهاً بل لا تصح الصلاة خلف الصف مع إمكان المصافة (3) .
لما روى وابصة بن معبد (4) أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد
(5)
.
(1) بدائع الصنائع 1/218.
(2)
المغني 2/426.
(3)
المغني 3/49 وما بعدها.
(4)
هو: وابصة بن معبد بن عتبة بن الحارث بن مالك بن الحارث بن أسد بن خزيمة الأسدي رضي الله عنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن ابن مسعود رضي الله عنه، وروى عنه ولداه سالم وعمر، وروى عنه زر بن حبش. انظر: الإصابة 6/590.
(5)
أخرجه أبو داود في السنن، كتاب الصلاة، باب الرجل يصلي وحده خلف الصف 1/439 حديث [682] ، والترمذي في السنن، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده، [230] 1/445، وقال: حديث حسن. وقال أحمد: حديث حسن. انظر: المغني 3/50، وأخرجه ابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: صلاة الرجل خلف الصف وحده 1/321، والإمام أحمد 4/227، 228، والدارمي 1/237، وابن الجارود في المنتقى 117، وابن أبي شيبة في مصنفه 2/192، والدارقطني 1/362، 363، وابن خزيمة 3/30، وابن حزم في المحلى محتجاً به 4/72 - 74، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/393، وصححه الشيخ أحمد بن محمد شاكر كما في شرحه على سنن الترمذي 1/393.
القول الثاني: يجوز له أن يكبر ويدرك الركعة ويدب إلى الصف وصلاته حينئذ صحيحة وهو قول بعض الحنفية (1) ، ورواية عن مالك، وهي مذهبه في المدونة، وهو القول المشهور في المذهب (2) ، وهو المنصوص عن أحمد، وهو القول المشهور المجزوم به في المذهب (3) .
وممن روي عنه ذلك زيد ثابت وابن مسعود وزيد بن وهب وأبو بكر عبد الرحمن وعروة وسعيد بن جبير، وابن جريج وغيرهم (4) .
واستدلوا بما يلي:
1 -
حديث أبي بكرة المتقدم.
ووجه الاستدلال منه: أنه أحرم بالصلاة منفرداً خلف الصف ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة لكونه دخل في الصف قبل رفع الإمام من الركوع فلم يصل منفرداً.
ويُمكن أن يناقش: بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن العود وإنَّما لم يأمره بالإعادة لكونه عذره بالجهل
(5)
.
(1) حاشية الشلبي على تبيين الحقائق 1/184 وما بعدها.
(2)
المدونة 1/166، ومواهب الجليل 2/472، والتاج والإكليل معه، والخرشي 2/189، وشرح الزرقاني على الموطأ 1/334، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 1/346.
(3)
شرح الزركشي 2/118، والإنصاف 2/290.
(4)
انظر: المغني 3/76، وشرح الزركشي 2/118، والإنصاف 2/290.
(5)
ينظر: المغني 3/50.
ويُمكن أن يجاب عنه: بأنه لا يصدق عليه أنه صلى خلف الصف؛ لأنه أدرك الصف والإمام راكع، وإنَّما افتتح صلاته خلف الصف.
2 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم من آخر الليل فصليت خلفه، فأخذ بيدي فجرني حتى جعلني حذاءه (1) .
ووجه الاستدلال من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر ابن عباس رضي الله عنهما بإعادة الصلاة لما وقف خلفه، فدل على أنه لو افتتح الصلاة منفرداً صحت صلاته.
3 -
أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان إذا أعجل يدب إلى الصف راكعاً (2) .
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه مثله (3) .
وعن ابن الزبير رضي الله عنه (4) - مثله.
(1) أخرجه أحمد في مسنده 1/330 من حديث طويل، وذكره صاحب مجمع الزوائد 9/284. وقال: رجاله رجال الصحيح. وصحح إسناده أحمد شاكر كما في تحقيق المسند، وانظر: تحقيق شرح الزركشي للشيخ عبد الله الجبرين 2/118.
(2)
أخرجه مالك في الموطأ 1/165، وعبد الرزاق في المصنف 1/283، وأخرجه ابن أبي شيبة بنحوه 1/255، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/397، والبيهقي في السنن الكبرى 2/90، وصحح إسناده الشيخ الألباني. إرواء الغليل 2/263.
(3)
أخرجه مالك في الموطأ 1/165، وابن أبي شيبة 1/256، والبيهقي في السنن الكبرى 3/106، وقال الألباني في الإرواء 2/264: إسناده جيد.
(4)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف 1/283، وابن خزيمة 3/32، والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه 1/214، والبيهقي في السنن الكبرى 3/106، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/96:((رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح)) .
4 -
أنه أدرك في الصف ما تدرك به الركعة، وحصوله فذاً في القيام لا أثر له بدليل إحرام الإمام وحده، أو المأموم الواحد خلفه، ومن عادة الجماعة التلاحق (1) .
القول الثالث: لا يكبر حتى يأخذ مقامه في الصف أو يقرب منه وهو رواية عن مالك (2) .
ودليله: ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم "قال إذا جاء أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه"(3) .
ويُمكن أن يناقش: بأن الحديث موافق لحديث أبي بكرة حينما نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن العود لكن لم يأمره بإعادة الصلاة لكونه لم ينفرد في شيء منها.
القول الرابع: إن كان حين أخذ في الركوع عالماً بالنهي لم تصح صلاته وإن لم يعلم صحت صلاته، حكي رواية عن الإمام أحمد، وهو ظاهر كلام الخرقي (4) .
ودليله أيضاً: ظاهر حديث أبي بكرة فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإعادة الصلاة لكونه لم يكن قد وقع لأحد مثل ذلك العمل لكن نهاه أن يعود لذلك، والله أعلم.
ويُمكن أن يناقش: بأنه لو كانت صلاته غير صحيحة لأمره بالإعادة إذ
(1) شرح الزركشي 2/118 وما بعدها.
(2)
انظر: المنتقى للباجي 1/294، ومواهب الجليل 2/472، والتاج والإكليل معه، والخرشي 2/189، وشرح الزرقاني على الموطأ 1/334.
(3)
أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/396، 398، وفي فتح الباري 2/269، قال: إسناده حسن.
(4)
شرح الزركشي 2/119، والإنصاف 2/190 وما بعدها.