المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: حكم إقامة جماعة ثانية في المسجد لمن لم يدرك الأولى في غير الحرمين - إدراك الركعة والجماعة والجمعة

[محمد بن إبراهيم الغامدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: إدراك الركعة

- ‌المبحث الأول: ماتدرك به الركعة

- ‌المبحث الثاني:مقدار الركوع الذي يدرك به المأموم الركعة مع الإمام

- ‌المبحث الثالث:شروط إدراك الركعة بإدراك الركوع

- ‌المبحث الرابع: الركوع دون الصف لإدراك الركعة

- ‌المسألة الأولى: إذا زالت فذوذيته بعد السجود

- ‌ المسألة الثانية: أن يكبر ويركع دون الصف لكن لايدرك الصف إلَاّ بعد قيام الإمام من الركوع:

- ‌ المسألة الثالثة: إذا زالت فذوذيته بعد السجود:

- ‌ المسألة الرابعة: الركوع دون الصف لمن لم يخش فوات الركعة:

- ‌الفصل الثاني: إدراك الجماعة

- ‌المبحث الأول: ماتدرك به الجماعه

- ‌المطلب الأول: إدراك فضيلة الجماعة

- ‌المطلب الثاني: إدراك حكم الجماعة

- ‌المبحث الثاني:من فاته جزء من الصلاة هل يدخل مع الإمام

- ‌المبحث الثالث: حكم إقامة جماعة ثانية في المسجد لمن فاتته الأولى

- ‌المطلب الأول: حكم إقامة جماعة ثانية في المسجد لمن لم يدرك الأولى في غير الحرمين

- ‌المطلب الثاني: تكرار الجماعة في الحرمين الشريفين

- ‌الفصل الثالث: إدراك الجمعة

- ‌المبحث الأول: إدراك ركعة من الجمعة مع الإمام

- ‌المطلب الأول: حكم من أدرك مع الإمام ركعة

- ‌المطلب الثاني: شروط الركعة التي تدرك بها الجمعة

- ‌المبحث الثاني: إدراك أقل من ركعة من صلاة الجمعة

- ‌المطلب الأول: حكم من أدرك من الجمعة أقل من الركعة

- ‌المطلب الثاني مايفعل من أدرك من الجمعة أقل من ركعة

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الأول: حكم إقامة جماعة ثانية في المسجد لمن لم يدرك الأولى في غير الحرمين

‌المبحث الثالث: حكم إقامة جماعة ثانية في المسجد لمن فاتته الأولى

‌المطلب الأول: حكم إقامة جماعة ثانية في المسجد لمن لم يدرك الأولى في غير الحرمين

المبحث الثالث:

حكم إقامة جماعة ثانية في المسجد لمن فاتته الأولى

وفيه مطلبان:

المطلب الأول:

حكم إقامة جماعة ثانية في المسجد لمن لم يدرك الأولى

في غير الحرمين الشريفين

وصورة ذلك: أن تصلي الجماعة الأولى، وبعدها تحضر جماعة أخرى فيصلون بعد الأولى، وكثيراً ما تقام في المساجد جماعة ثانية بعد الجماعة الأولى لمن سبق بجميع الصلاة، فإن كان مسجداً ليس له إمام راتب فلا كراهة في الجماعة الثانية والثالثة وأكثر بالإجماع، ومثله مسجد على طريق لا تكره فيه أيضاً إعادة الجماعة

(1)

، أمَّا إن كان مسجداً له إمام راتب وجماعة معلومين فقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في تكرار الجماعة فيه على قولين:

القول الأول: يكره تحريماً تكرار الجماعة في مسجد له إمام وجماعة معلومون بأذان وإقامة وهذا رأي الحنفية.

وعلى هذا فإن صلى في هذا المسجد بأذان وإقامة غير أهله أو صلى أهله ولكن بمخافتة الأذان، أو كرر أهله فيه الصلاة بدون أذان ولا إقامة جاز (2) .

(1) ينظر: رد المحتار 2/288، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1/332، والمجموع 4/222، والمغني 3/10 (2) رد المحتار 2/288. والقول بالكراهة تحريماً ذكره ابن عابدين جمعاً بين قول الكافي لا يجوز، وقول المجمع لا يباح، وقول شرح الجامع الصغير إنه بدعة.

وللحنفية أقوال أخرى فقد روى عن أبي يوسف أنه إنَّما يكره إذا كانت الجماعة الثانية كثيرة فأمَّا إذا كانوا ثلاثة أو أربعة فقاموا في زاوية من زوايا المسجد وصلوا بجماعة لا يكره، وروي عن محمد إنه إنَّما يكره إذا كانت الثانية على سبيل التداعي والاجتماع، فأمَّا إذا لم يكن فلا يكره. انظر: البدائع للكاساني 1/153.

ص: 379

القول الثاني: يكره إعادة الجماعة في المساجد التي لها أئمة مرتبون.

وهو قول مالك (1) ، والشافعي-رَحِمَهُما اللهُ- (2) ، وهو الصحيح المشهور، وبه قطع جمهور الشافعية، وممن كره الجماعة الثانية عثمان البتي والأوزاعي والليث والثوري (3) .

الأدلة:

1-

ن النبي صلى الله عليه وسلم كان خرج ليصلح بين قوم فعادوا إلى المسجد وقد

(1) المدونة 1/181، والمعونة على مذهب عالم المدينة الإمام مالك 1/258، ومختصر خليل وشرحه مواهب الجليل 2/437.

جاء في المدونة للإمام مالك برواية سحنون 1/181: ((وقلت: فلو كان رجل هو إمام مسجد قوم ومؤذنهم أذن وأقام فلم يأته أحد فصلى وحده ثم أتى أهل ذلك المسجد الذين كانوا يصلون فيه؟ قال: فليصلوا أفذاذاً ولا يجمعون لأن إمامهم قد أذن وصلى، قال: وهو قول مالك)) .

وقد جزم بالكراهة من المالكية الشيخ الدردير تبعاً للرسالة، والجلاب، وعبر ابن بشير واللخمي وغيرهما بالمنع. انظر: الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 1/332، والتقريع للجلاب 1/262.

(2)

الأم 1/278 وجاء فيه: ((وإذا كان للمسجد إمام راتب، ففاتت رجلاً أو رجالاً فيه الصلاة صلوا فرادى، ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة، فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة، وإنَّما كرهت ذلك لهم، لأنه ليس من فعل السلف

)) .

(3)

المجموع 4/222، والمغني 3/10.

ص: 380

صلى أهل المسجد فرجع إلى منْزله فجمع أهله وصلى» (1) . ووجه الاستدلال: أنه لو جاز إعادة الجماعة لما اختار الصلاة في بيته على الجماعة في المسجد (2) .

ويُمكن مناقشته بما يلي:

أولاً: بأن الذي في الأحاديث الصحيحة أنه أدركهم في الصلاة، وصلى بهم إماماً (3) .

ثانياً: أن الحديث ولا تعلم صحته من عدمها، وقول الهيثمي: رجاله ثقات لا يكفي للحكم بصحته لاحتمال أن يكون في رواته مدلس وقد عنعنه، أو يكون منهم مختلط، ورواه صاحبه بعد اختلاطه، أو يكون فيه علة أو شذوذ.

ثالثاً: أن الحديث ليس نصاً في أنه عليه الصلاة والسلام صلى في منزله بل يحتمل أنه صلى بهم في المسجد، وكان ميله إلى منزله ليجمع أهله لا ليصلي فيه، وحينئذٍ يكون الحديث دليلاً لاستحباب الجماعة في المسجد ولو قد صلى فيه سابقاً، ولا يكون دليلاً على الكراهة.

رابعاً: لو دلّ الحديث على كراهة تكرار الجماعة لثبت كذلك كراهة الصلاة فيه فرادى لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل فيه جماعة ولا منفرداً، وهذا لم يقل به أحد.

خامساً: على فرض صحة الحديث وعدم تطرق الاحتمال إليه فإنه لا يدل على الكراهة بل غاية ما يثبت منه جواز الصلاة في البيت (4) .

(1) رواه الطبراني في الكبير والأوسط قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله ثقات، تحفة الأحوذي 1/190.

(2)

بدائع الصنائع 1/153.

(3)

أخرج ذلك البخاري في صحيحه، كتاب الصلح، باب ما جاء في الإصلاح بين الناس 3/165.

(4)

ينظر: أحكام المساجد للدكتور محمود الحريري ص 170 وما بعدها، وأحكام حضور المساجد، تأليف عبد الله بن صالح الفوزان ص 155.

ص: 381

2 -

ما روى أبو هلال (1) عن الحسن البصري (2) قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا المسجد قد صلى فيه صلوا أفراداً (3) .

ويُمكن أن يناقش: بأنه مرسل ولا حجة في مرسل.

3 -

أن هذا لم يكن يفعله السلف كما ذكر ذلك الشافعي في الأم (4) .

4 -

أن ذلك يؤدي إلى تشتيت الكلمة، ووقوع العداوة (5) .

5 -

أن في الإطلاق تقليل الجماعة معنى فإنهم إذا علموا أنها لا تفوتهم لا يجتمعون (6) .

أمَّا المساجد المستطرقة التي لا يختص بها أحد دون أحد فلا يوجد فيها المعنى الذي من أجله منع من تكرار الجماعة وهو ما يؤدي إليه من الفرقة والتشتت وأن يجد أهل البدع فرصتهم فيتخلفوا عن المسجد في وقت الصلاة

(1) هو: محمد بن سليم، أبو هلال، الراسبي البصري، قيل: كان مكفوفاً، وهو صدوق فيه لين، من السادسة، مات في آخر سنة سبع وستين بعد المائة، وقيل قبل ذلك. انظر: تقريب التهذيب 481.

(2)

هو: الحسن بن أبي الحسن واسم أبيه يسار، أبو سعيد، مولى زيد بن ثابت الأنصاري، ثقة فاضل، فقيه، مشهور، كان يرسل كثيراً ويدلس، قال البزار: كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم فيقول: حدثنا وخطبنا يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة، وهو من الطبقة الثالثة، رأى عثمان وطلحة، توفي سنة 110 ?. انظر: تقريب التهذيب ص 160، شذرات الذهب 1/136.

(3)

أخرجه الشافعي في الأم 1/155.

(4)

المرجع السابق 1/278.

(5)

الأم للشافعي 1/278، والمعونة للقاضي عبد الوهاب 1/258.

(6)

بدائع الصنائع 1/153، ورد المحتار 2/289.

ص: 382

فإذا قضيت دخلوا فجمعوا، فيكون في هذا اختلاف وتفرق كلمة (1) .

وبناء على هذا فقد اختلف أصحاب هذا القول فيما يفعل من دخل المسجد ووجد الصلاة قد قضيت:

فظاهر الرواية عند الحنفية أنهم يصلون فرادى (2) ، وهو رأي الشافعي رحمه الله فإن صلوا جماعة أجزأتهم عنده، وهو رأي الإمام مالك (3) .

إلَاّ أن مالكاً رحمه الله قال: إن طمع أن يدرك جماعة من الناس في مسجد آخر غيره فلا بأس أن يخرج إلى تلك الجماعة.

وإن كانوا جماعة فلا بأس أن يخرجوا من المسجد فيجمعوا وهم جماعة إلَاّ أن يكون في المسجد الحرام أو المسجد النبوي الشريف (4) .

وكما هو ظاهر من كلام مالك لا فرق في كراهة تكرار الجماعة بين أن يكون الداخل واحداً أو جماعة.

أمَّا عند الشافعية فإن كان الداخل واحداً استحب لبعض الحاضرين الذين صلوا أن يصلوا معه لتحصل له الجماعة ويستحب أن يشفع له من له عذر في عدم الصلاة معه إلى غيره ليصلي معه (5) .

وذلك للحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري أن رجلاً جاء وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من يتصدق على هذا فقام رجل فصلى معه "(6) .

(1) رد المحتار 2/289، والمعونة للقاضي عبد الوهاب 1/258، ومواهب الجليل 2/437، والتاج والإكليل معه، والأم للشافعي 1/278.

(2)

رد المحتار 2/289.

(3)

المدونة 1/180، والمعونة 1/258.

(4)

المدونة 1/181.

(5)

المجموع 4/221 وما بعدها.

(6)

الحديث أخرجه أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب في الجمع في المسجد مرتين حديث رقم (574) ج1 ص 386 ولفظه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه» والترمذي في كتاب الصلاة باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صُلِّيَ فيه مرة، حديث (220) ج1/427 بلفظ:«أيكم يتجر على هذا فقام فصلى معه» وقال حديث حسن وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، المستدرك 1/209 كتاب الصلاة.

وأخرجه الإمام أحمد 3/45، وابن الجارود ص 121، وابن خزيمة 3/63، وابن حبان (الإحسان 4/58) ، والبيهقي في السنن الكبرى 3/68، 69.

وصححه الألباني كما في صحيح سنن أبي داود 1/224، 225.

ص: 383

القول الثاني: لاتكره إعادة أو تكرار الجماعة، وهو قول ابن مسعود، وعطاء، والحسن، والنخعي، وقتادة، وإسحاق، وأحمد رحم الله الجميع (1) .

واستدلوا بما يأتي:

1 -

قول النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة "، وفي رواية:" بسبع وعشرين درجة "(2) ، وهذا عام.

2 -

ما روى أبو سعيد رضي الله عنه قال: جاء رجل، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أيكم يتجر على هذا؟ "، فقام رجل فصلى معه. قال الترمذي: حديث حسن، ورواه الأثرم وأبو داود فقال:" ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه "،

(1) المغني 3/10.

(2)

تقدم تخريجه ص 299.

ص: 384

وروى الأثرم بإسناده عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد: قال: فلما صليا، قال:" وهذان جماعة "(1) .

3-

أنه قادر على الجماعة فاستحب له فعلها كما لو كان المسجد في ممر الناس (2) .

الترجيح:

نلاحظ من خلال ما مرّ أن أدلة القول الأول بعضها سلم من المناقشة وبعضها لم يسلم بينما سلمت أدلة القول الثاني من المناقشة، ولذلك فإني أرى أن الراجح - والله أعلم - أنه إن اعتاد قوم التخلف عن الصلاة مع الإمام ليصلوا جماعة بعده، فهؤلاء يكره لهم ذلك ويُنكر عليهم؛ لأن هؤلاء يعلم من حالهم أنهم إنَّما تخلفوا ليفرقوا بين المسلمين فيمنعون من ذلك.

وتحمل أدلة القول الأول عليه، أمَّا من لم تجر له عادة بذلك فلا كراهة - إن شاء الله - لأن عملهم هذا ليس فيه مكايدة ولا تفريقاً بين المسلمين، وبهذا نعمل أدلة الفريقين، والله تعالى أعلم.

(1) سبق تخريجه ص 383.

(2)

المغني 3/10 وما بعدها.

ص: 385