الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونوقش: بأن التفريق بين العالم والجاهل لا يسوغ بدليل أن من صلى منفرداً خلف الصف أمره بالإعادة مع كونه جاهلاً ولم يأمر أبا بكرة بالإعادة، فدلّ على صحة صلاته (1) .
الترجيح: بالنظر في أدلة الأقوال السابقة نجد أن العمدة في المسألة هو حديث أبي بكرة يستدل به كل قول ويوجهه ليتفق مع رأيه، وقد نوقش هذا الحديث بأنه قضية عين يحتمل دخوله في الصف قبل رفع الإمام، ويحتمل أنه لم يدخل فيه حتى رفع الإمام، وحكاية الفعل لا عموم لها، فلا يُمكن أن يحتج به على الصورتين، فهي إذا مجملة متشابهة قد عارضها النص المحكم الصريح في النهي عن صلاة المنفرد خلف الصف (2) ومن لم يدرك الصف والإمام راكع فقد صلى ركعة منفرداً مع قدرته على الاصطفاف فلا تصح ركعته.
فلهذا يترجح لي - والله أعلم - عدم صحة ركعته؛ لأنه صلاها منفرداً خلف الصف مع قدرته على الاصطفاف.
(1) ينظر: مجموع الفتاوى 23/397.
(2)
أعلام الموقعين 2/359 وما بعدها، وحديث النهي عن صلاة المنفرد خلف الصف سبق تخريجه ص 346.
*
المسألة الثالثة: إذا زالت فذوذيته بعد السجود:
وصورة ذلك: أن يدخل في الصف بعد السجود أو يأتي آخر ويصافه فهل تصح صلاته أو لا؟ لقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في ذلك على قولين:
القول الأول: أن ركعته تلك لا تصح، وهو قول الحنابلة، ولا نزاع عندهم في ذلك يقول الزركشي (1) : ((وإن لم يدخل مع الإمام في الصف حتى
(1) هو: شمس الدين، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الزركشي المصري الحنبلي، كان إماماً في المذهب، له تصانيف مفيدة أشهرها: شرح الخرقي، توفي سنة 772 ?. ينظر: شذرات الذهب 6/224.
سجد لم تصح تلك الركعة بلا نزاع)) (1) ويظهر لي من قوله بلا نزاع: أن المراد أن لا نزاع في المذهب في ذلك.
لكن هل تبطل تلك الركعة فقط بحيث لو دخل في الصف بعد الركوع أو انظم إليه آخر صحت بقية الصلاة ويقضي تلك الركعة أو تبطل صلاته جميعها؟
لقد ذكر الزركشي فيها روايتين منصوصتين حكاهما أبو حفص (2) واختار أنه يعيد ما صلى خلف الصف فقط؛ لأنه صلى بعض الصلاة منفرداً فلم تبطل جميعها كالتكبيرة والركوع من غير سجود (3) .
والمشهور بطلان جميع الصلاة؛ لأن القياس البطلان مطلقاً كالمتقدم في الصف، وإنَّما عفي عن التحريمة ونحوها لقصة أبي بكرة (4) .
القول الثاني: تصح صلاته مع الكراهة، وهذا قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية، فأمَّا المالكية فقد نصوا على أن من ركع دون الصف وهو يعلم أنه لا يُمكنه أن يصل إلى الصف حتى يرفع الإمام رأسه فلا يجوز له ذلك عند مالك، فإن فعل ذلك أجزأته ركعته ولا يمشي إلى الصف إلَاّ في الركعة الثانية (5) .
فأجازوا له في هذه الصورة أن يدب إلى الصف في الركعة الثانية، وركعته
(1) شرح الزركشي 2/122.
(2)
هو: عمر بن محمد بن رجاء، أبو حفص العكبري، حدث عن عبد الله ابن الإمام أحمد، توفي سنة 339 ?. انظر: المقصد الأرشد 2/306.
(3)
شرح الزركشي 2/122.
(4)
المرجع السابق.
(5)
انظر: التاج والإكليل مع مواهب الجليل 2/472.