الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: تكرار الجماعة في الحرمين الشريفين
لتكرار الجماعة في الحرمين الشريفين صورتان:
الصورة الأولى:
أن يكون لكل جماعة إمام راتب مثل أن يكون لكل أهل مذهب من المذاهب الأربعة إمام راتب يصلي بأهل مذهبه، ويذكر بأن هذا كان موجوداً في الحرمين الشريفين وقد ظهر ذلك في حوالي المائة السابعة (1)، وقيل: في المائة السادسة (2) ، ولم يكن قبل ذلك حتى إذا كان زمن موحد الجزيرة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود جمع المصلين على إمام واحد وهو عمل جليل يذكر فيشكر (3) .
فهذه الصورة اختلف العلماء رحمهم الله فيها هل هي من باب إعادة الجماعة بعد الإمام الراتب، ويكون الإمام الراتب من يصلي في مقام إبراهيم وهو الأول، ومن بعده حكمه حكم إعادة الجماعة بعد الإمام الراتب أو أشد من ذلك في الكراهة بل رُبَّمَا انتهى إلى المنع، أو أنّ صلاتهم جائزة لا كراهة فيها ومقاماتهم كمساجد متعددة؟ ولهم في ذلك قولان:
(1) ينظر: مواهب الجليل 2/438.
(2)
ينظر: رد المحتار 2/289 حيث نقل عن العلامة الشيخ رحمة الله السندي تلميذ المحقق ابن الهمام عن بعض مشايخ الحنفية إنكاره صريحاً حين حضر الموسم بمكة سنة 551 ?، ومواهب الجليل 2/438.
(3)
الأحكام الفقهية المتعلقة بالمدينة النبوية ص100 نقلاً عن الشيخ أحمد شاكر- يَرْحَمَهُ اللهُ.
القول الأول: يكره تعدد الأئمة الراتبين بمسجدي مكة والمدينة، وهذا هو قول عند الحنفية (1) وقول عند المالكية (2) والشافعية (3) والحنابلة (4) .
وحكى البعض الإجماع عليه (5) .
واستدلوا بما يلي:
1 -
أن الأمة مجمعة قبل خلاف المخالف على أن هذه الصلاة لاتجوز، وأن أقل أحوالها الكراهة فالقول بعدم الكراهة خرق للإجماع.
ذلك أن محل الخلاف إنَّما هو في مسجد ليس له إمام راتب أوله إمام راتب، وأقيمت الصلاة في جماعة ثم جاء آخرون فأرادوا إقامة تلك الصلاة جماعة.
أمَّا حضور جماعتين أو أكثر في مسجد واحد ثم تقام الصلاة فيتقدم الإمام الراتب فيصلي وأولئك عكوف من غير ضرورة تدعوهم إلى ذلك، تاركون لإقامة الصلاة مع الإمام الراتب متشاغلون بالنوافل والحديث حتى تنقضي صلاة الأول أو تحضر الصلاة الواحدة كالمغرب فيقيم كل إمام الصلاة جهراً يسمعها الكافة ووجوهم مترائية والمقتدون بهم مختلطون في الصفوف ويسمع كل واحد من الأئمة قراءة الآخرين ويركعون ويسجدون، فبعضهم في الركوع وبعضهم في السجود وآخرين في الرفع، فهذا لا يجوز والأمة مجمعة على عدم
(1) رد المحتار 2/289.
(2)
مواهب الجليل 2/438.
(3)
إعلام المساجد بأحكام المساجد لمحمد بن عبد الله الزركشي ص 366، والأحكام السلطانية للماوردي ص 178.
(4)
كشاف القناع 1/459.
(5)
مواهب الجليل 2/438.
جوازه (1) .
2 -
ما يترتب على التعدد من فوات فضيلة أول الوقت لمن يتأخر أو فوات كثرة الجميع (2) .
القول الثاني: لا يكره التعدد على الوجه المذكور بل هو جائز، وبه أفتى بعض المالكية (3) وبعض الحنفية، ومال إليه ابن عابدين (4) وخرجه على قول أبي يوسف أن الجماعة الثانية إذا لم تكن على الهيئة الأولى لا تكره (5) .
تدلوا بما يلي:
1 -
أن مسجدي مكة والمدينة ليس لها جماعة معلومون فلا يصدق عليه أنه مسجد محلة بل هو كمسجد الشارع لا يكره فيه تكرار الجماعة إجماعاً (6) .
ويُمكن أن يناقش: بأن تعدد الجماعة هنا في صورة النزاع تختلف عن صورة تكرارها في مسجد الشارع، ففي مسجد الشارع تصلى جماعة بعد أخرى وليس لكل جماعة إمام راتب بل الإمام الراتب للجماعة الأولى، أمَّا أن يصلي جماعات وكل جماعة بإمام راتب وتصلي جماعة والأخرى حاضرة تشاهد، فهذا
(1) مواهب الجليل 2/438، وينظر: ردّ المحتار 2/289، وإعلام الساجد بأحكام المساجد ص 366.
(2)
كشاف القناع 1/459.
(3)
مواهب الجليل 2/437.
(4)
هو: محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن عابدين الدمشقي، فقيه الديار الشامية، وإمام الحنفية في عصره، ولد سنة 1198 ?، وتوفي سنة 1252 ?، له مصنفات منها: رد المحتار ويعرف بحاشية ابن عابدين. انظر: الأعلام 6/42.
(5)
رد المحتار 2/289.
(6)
رد المحتار 2/289.
قياس مع الفارق.
2 -
أن الجماعة الثانية ليست كهيئة الأولى وبالعدول عن المحراب تختلف الهيئة، وإذا اختلف زالت الكراهة (1) .
ويُمكن أن يناقش: بعدم التسليم أن الثانية ليست كهيئة الأولى بل هي مثلها وإن تغير المحراب.
والراجح في نظري هو القول الأول، وذلك لعدم صحة ما وجه به أصحاب القول الآخر لقولهم، بالإضافة إلى أن هذا لم يكن معروفاً في القرون المفضلة، وإنَّما هو بدعة نشأ بسبب اختلاف المذاهب، فالشافعي لا يرى جواز الصلاة خلف الحنفي أو المالكي التارك للبسملة ونحو ذلك (2) ، وهذا مِمَّا أبطله المحققون من أهل العلم (3) .
الصورة الثانية:
أن تفوت أشخاصاً الجماعة مع الإمام فيصلون جماعة بعد الأولى وعلى غير الهيئة السابقة فهذه الصورة اختلف في حكمها على قولين:
القول الأول: الكراهة، وهذا هو الظاهر من قول الحنفية (4) والمالكية (5) والشافعية (6) حيث يطلقون القول بكراهة تكرار الجماعة على هذه الصورة دون
(1) المرجع السابق.
(2)
إعلام الساجد بأحكام المساجد ص 366.
(3)
ينظر في هذا: أحكام المساجد للدكتور محمود بن حسين الحريري ص 181 وما بعدها.
(4)
بدائع الصنائع 1/153.
(5)
المدونة 1/181.
(6)
الأم 1/278، والمجموع 4/222.
تفريق بين مسجدي مكة والمدينة وغيرهما، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهي المذهب (1) .
ووجهه: أن المتخلف إذا علم أنه يصلي في جماعة أخرى من غير كراهة حمله ذلك على التواني في حضور الجماعة مع الإمام الراتب (2) .
القول الثاني: عدم الكراهة، وهو قول عند الحنفية ورجحه ابن عابدين وخرجه على قول أبي يوسف من أن الجماعة الثانية إذا لم تكن على الهيئة الأولى فلا تكره (3) ، ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله (4) .
واستدلوا بما يلي:
1-
ما روى أبو سعيد رضي الله عنه قال: جاء رجل، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
" أيكم يتجر على هذا؟ " فقام رجل فصلى معه. قال الترمذي: ((حديث حسن)) .
وفي رواية فقال: " ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه ".
وروى الأثرم بإسناده عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد: قال: فلما صليا قال: " وهذان جماعة "(5) .
(1) الأنصاف 2/220، واستثنى في الإقناع حالة العذر كنوم ونحوه فلا يكره لمن فاتته الجماعة لعذر إعادتها بالمسجدين لحديث:«من يتصدق على هذا؟» ولأن إقامتها حينئذٍ أخف من تركها. الإقناع مع شرحه كشاف القناع 1/459، وشرح منتهى الإرادات 1/262.
(2)
المغني 3/11.
(3)
رد المحتار 2/289.
(4)
الإنصاف 2/289.
(5)
سبق تخريجه ص 383.
ووجه الاستدلال: أن هذا إعادةٌ للجماعة والظاهر أنه كان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فدلّ على عدم الكراهة.
ويُمكن أن يناقش: بأن هذا المتأخر يحتمل أن له عذراً في التأخر عن الجماعة الأولى فلم يكره في حقه.
2 -
أن مسجدي مكة والمدينة ليس لهما جماعة معلومون فلا يصدق عليه أنه مسجد محله بل هو كمسجد الشارع، ومسجد الشارع لا كراهة في تكرار الجماعة فيه إجماعاً (1) .
ويُمكن مناقشته: بأنا لو سلمنا أنه كمسجد الشارع ليس له جماعة معلومون فإنَّما يعذر في التأخير من كان له عذر وقت إقامة الجماعة الأولى، أمَّا من ليس له عذر فهو مفرط في المبادرة وإدراك الجماعة الأولى، ولذا فيترجح لي القول بالكراهة، والله أعلم.
(1) رد المحتار 2/289.