الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَاب الثَّانِي
فِي كَرَاهَة تسخط الْبَنَات
قَالَ الله تَعَالَى {لله ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض يخلق مَا يَشَاء يهب لمن يَشَاء إِنَاثًا ويهب لمن يَشَاء الذُّكُور أَو يزوجهم ذكرانا وإناثا وَيجْعَل من يَشَاء عقيما إِنَّه عليم قدير} الشورى 49 50
فقسم سُبْحَانَهُ حَال الزَّوْجَيْنِ إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام اشْتَمَل عَلَيْهَا الْوُجُود وَأخْبر أَن مَا قدره بَينهمَا من الْوَلَد فقد وهبهما إِيَّاه وَكفى بِالْعَبدِ تعرضا لمقته أَن يتسخط مَا وهبه وَبَدَأَ سُبْحَانَهُ بِذكر الْإِنَاث فَقيل جبرا لَهُنَّ لأجل استثقال الْوَالِدين لمكانهن وَقيل وَهُوَ أحسن إِنَّمَا قدمهن لِأَن سِيَاق الْكَلَام أَنه فَاعل مَا يَشَاء لَا مَا يَشَاء الأبوان فان الْأَبَوَيْنِ لَا يُريدَان إِلَّا الذُّكُور غَالِبا وَهُوَ سُبْحَانَهُ قد أخبر أَنه يخلق مَا يَشَاء فَبَدَأَ بِذكر الصِّنْف الَّذِي يَشَاء وَلَا يُريدهُ الأبوان
وَعِنْدِي وَجه آخر وَهُوَ أَنه سُبْحَانَهُ قدم مَا كَانَت تؤخره الْجَاهِلِيَّة
من أَمر الْبَنَات حَتَّى كَانُوا يئدوهن أَي هَذَا النَّوْع الْمُؤخر عنْدكُمْ مقدم عِنْدِي فِي الذّكر وَتَأمل كَيفَ نكر سُبْحَانَهُ الْإِنَاث وَعرف الذُّكُور فجبر نقص الْأُنُوثَة بالتقديم وجبر نقص التَّأْخِير بالتعريف فَإِن التَّعْرِيف تنويه كَأَنَّهُ قَالَ ويهب لمن يَشَاء الفرسان الْأَعْلَام الْمَذْكُورين الَّذين لَا يخفون عَلَيْكُم ثمَّ لما ذكر الصِّنْفَيْنِ مَعًا قدم الذُّكُور إِعْطَاء لكل من الجنسين حَقه من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ من ذَلِك
وَالْمَقْصُود أَن التسخط بالإناث من أَخْلَاق الْجَاهِلِيَّة الَّذين ذمهم الله تَعَالَى فِي قَوْله {وَإِذا بشر أحدهم بِالْأُنْثَى ظلّ وَجهه مسودا وَهُوَ كظيم يتَوَارَى من الْقَوْم من سوء مَا بشر بِهِ أيمسكه على هون أم يدسه فِي التُّرَاب أَلا سَاءَ مَا يحكمون} النَّحْل 58 59 وَقَالَ {وَإِذا بشر أحدهم بِمَا ضرب للرحمن مثلا ظلّ وَجهه مسودا وَهُوَ كظيم} الزخرف 17 وَمن هَاهُنَا عبر بعض المعبرين لرجل قَالَ لَهُ رَأَيْت كَأَن وَجْهي أسود فَقَالَ أَلَك امْرَأَة حَامِل قَالَ نعم قَالَ تَلد لَك أُنْثَى
وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من عَال جاريتين حَتَّى تبلغا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة أَنا وَهُوَ هَكَذَا وَضم إصبعيه
وروى عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة قَالَت جَاءَت امْرَأَة وَمَعَهَا ابنتان لَهَا تَسْأَلنِي فَلم تَجِد عِنْدِي شَيْئا غير تَمْرَة وَاحِدَة فأعطيتها إِيَّاهَا فأخذتها فشقتها بَين ابنتيها وَلم تَأْكُل مِنْهَا شَيْئا ثمَّ قَامَت فَخرجت هِيَ وابنتاها فَدخل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على تفيئة ذَلِك فَحَدَّثته حَدِيثهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من ابْتُلِيَ من هَذِه الْبَنَات بِشَيْء فَأحْسن إلَيْهِنَّ كن لَهُ سترا من النَّار رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عَن عُرْوَة وَهُوَ فِي الصَّحِيح والْحَدِيث فِي مُسْند أَحْمد
وَفِيه أَيْضا من حَدِيث أَيُّوب بن بشير الْأنْصَارِيّ عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يكون لأحد ثَلَاث بَنَات أَو ثَلَاث أَخَوَات أَو بنتان أَو أختَان فيتقي الله فِيهِنَّ وَيحسن إلَيْهِنَّ إِلَّا دخل الْجنَّة وَرَوَاهُ الْحميدِي عَن سُفْيَان عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَيُّوب بن بشير عَن سعيد الْأَعْشَى عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من كَانَ لَهُ ثَلَاث بَنَات أَو أَخَوَات أَو بنتان أَو أختَان فَأحْسن صحبتهن وصبر عَلَيْهِنَّ وَاتَّقَى الله فِيهِنَّ دخل الْجنَّة
وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن ابْن جريج حَدثنِي أَبُو الزبير عَن عمر بن نَبهَان عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من كَانَ لَهُ ثَلَاث بَنَات فَصَبر على لأوائهن وعَلى ضرائهن دخل الْجنَّة وَفِي رِوَايَة فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله واثنتين قَالَ واثنتين قَالَ يَا رَسُول الله وَوَاحِدَة قَالَ وَوَاحِدَة
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ حَدثنَا أَحْمد بن الْحسن حَدثنَا الْأَصَم حَدثنَا الْحسن بن مكرم حَدثنَا عُثْمَان بن عمر أنبأ النهاس عَن شَدَّاد أبي عمار عَن عَوْف بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من كَانَ لَهُ ثَلَاث بَنَات ينْفق عَلَيْهِنَّ حَتَّى بَين أَو يمتن كن لَهُ حِجَابا من النَّار
وَقَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع حَدثنَا النهاس بن قهم حَدثنَا شَدَّاد أَبُو عمار عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من عبد يكون لَهُ ثَلَاث بَنَات فينفق عَلَيْهِنَّ حَتَّى يبن أَو يمتن إِلَّا كن لَهُ حِجَابا من النَّار فَقَالَت امْرَأَة يَا رَسُول الله وابنتان قَالَ وابنتان قَالَ وَقَالَ أَبُو عمار عَن عَوْف بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنا وَامْرَأَة سفعاء الْخَدين كهاتين فِي الْجنَّة
وروى فطر بن خَليفَة عَن شُرَحْبِيل بن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من مُسلم يكون لَهُ ابنتان فَيحسن إِلَيْهِمَا مَا صحبهما وصحبتاه إِلَّا أدخلتاه الْجنَّة
وَقَالَ عبد الرَّزَّاق أَنبأَنَا معمر عَن ابْن الْمُنْكَدر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من كَانَ لَهُ ثَلَاث بَنَات أَو أَخَوَات فكفهن وآواهن وزوجهن دخل الْجنَّة قَالُوا وابنتان قَالَ وابنتان حَتَّى ظننا أَنهم لَو قَالُوا أَو وَاحِدَة قَالَ أَو وَاحِدَة هَذَا مُرْسل
وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك عَن حَرْمَلَة بن عمرَان قَالَ سَمِعت أَبَا عشانة قَالَ سَمِعت عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من كَانَت لَهُ ثَلَاث بَنَات فَصَبر عَلَيْهِنَّ فأطعمهن وسقاهن وكساهن من
جدته كن لَهُ حِجَابا من النَّار رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده
وَقد قَالَ تَعَالَى فِي حق النِّسَاء {فَإِن كرهتموهن فَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَيجْعَل الله فِيهِ خيرا كثيرا} النِّسَاء 19 وَهَكَذَا الْبَنَات أَيْضا قد يكون للْعَبد فِيهِنَّ خير فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَيَكْفِي فِي قبح كراهتهن أَن يكره مَا رضيه الله وَأَعْطَاهُ عَبده وَقَالَ صَالح بن أَحْمد كَانَ أبي إِذا ولد لَهُ ابْنة يَقُول الْأَنْبِيَاء كَانُوا آبَاء بَنَات وَيَقُول قد جَاءَ فِي الْبَنَات مَا قد علمت وَقَالَ يَعْقُوب بن بختان ولد لي سبع بَنَات فَكنت كلما ولد لي ابْنة دخلت على أَحْمد بن حَنْبَل فَيَقُول لي يَا أَبَا يُوسُف الْأَنْبِيَاء آبَاء بَنَات فَكَانَ يذهب قَوْله همي