الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تسْتَعْمل فالأشياء على الْإِبَاحَة وَلَا يجوز حظر شَيْء مِنْهَا إِلَّا بِحجَّة وَلَا نعلم مَعَ من منع أَن يختن الصَّبِي لسبعة أَيَّام حجَّة
وَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث زُهَيْر بن مُحَمَّد عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر قَالَ عق رَسُول الله النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن الْحسن وَالْحُسَيْن وختنهما لسبعة أَيَّام
وفيهَا من حَدِيث مُوسَى بن عَليّ بن رَبَاح عَن أَبِيه أَن إِبْرَاهِيم ختن إِسْحَاق وَهُوَ ابْن سَبْعَة أَيَّام قَالَ شَيخنَا ختن إِبْرَاهِيم إِسْحَاق لسبعة أَيَّام وختن إِسْمَاعِيل عِنْد بُلُوغه فَصَارَ ختان إِسْحَاق سنة فِي بنيه وختان إِسْمَاعِيل سنة فِي بنيه وَالله أعلم
الْفَصْل السَّابِع فِي حِكْمَة الْخِتَان وفوائده
الْخِتَان من محَاسِن الشَّرَائِع الَّتِي شرعها الله سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ ويجمل بهَا محاسنهم الظَّاهِرَة والباطنة فَهُوَ مكمل للفطرة الَّتِي فطرهم عَلَيْهَا وَلِهَذَا كَانَ من تَمام الحنيفبة مِلَّة إِبْرَاهِيم وأصل مَشْرُوعِيَّة الْخِتَان لتكميل الحنيفية فَإِن الله عز وجل لما عَاهَدَ إِبْرَاهِيم وعده أَن يَجعله للنَّاس إِمَامًا ووعده أَن يكون أَبَا لشعوب كَثِيرَة وَأَن يكون الْأَنْبِيَاء والملوك من صلبه وَأَن يكثر نَسْله وَأخْبرهُ أَنه جَاعل بَينه وَبَين نَسْله عَلامَة الْعَهْد أَن يختنوا كل مَوْلُود مِنْهُم وَيكون عهدي هَذَا ميسما فِي أَجْسَادهم فالختان علم للدخول فِي مِلَّة إِبْرَاهِيم وَهَذَا
مُوَافق لتأويل من تَأَول قَوْله تَعَالَى {صبغة الله وَمن أحسن من الله صبغة} الْبَقَرَة 138 على الْخِتَان
فالختان للحنفاء بِمَنْزِلَة الصَّبْغ والتعميد لعباد الصَّلِيب فهم يطهرون أَوْلَادهم بزعمهم حِين يصبغونهم فِي المعمودية وَيَقُولُونَ الْآن صَار نَصْرَانِيّا فشرع الله سُبْحَانَهُ للحنفاء صبغة الحنيفية وَجعل ميسمها الْخِتَان فَقَالَ {صبغة الله وَمن أحسن من الله صبغة} الْبَقَرَة 138 وَقد جعل الله سُبْحَانَهُ السمات عَلامَة لمن يُضَاف مِنْهَا إِلَيْهِ الْمعلم بهَا وَلِهَذَا النَّاس يسمون دوابهم ومواشيهم بأنواع السمات حَتَّى يكون مَا يُضَاف مِنْهَا إِلَى كل إِنْسَان مَعْرُوفا بسمته ثمَّ قد تكون هَذِه السمة متوارثة فِي أمة بعد أمة
فَجعل الله سُبْحَانَهُ الْخِتَان علما لمن يُضَاف اليه وَإِلَى دينه وملته وينسب اليه بِنِسْبَة الْعُبُودِيَّة والحنيفية حَتَّى إِذا جهلت حَال إِنْسَان فِي دينه عرف بسمة الْخِتَان ورنكه وَكَانَت الْعَرَب تدعى بِأمة الْخِتَان وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيث هِرقل إِنِّي أجد ملك الْخِتَان قد ظهر فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه لَا يهمنك هَذَا فَإِنَّمَا تختتن الْيَهُود فاقتلهم فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك وَإِذا برَسُول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قد جَاءَ بكتابه فَأمر بِهِ أَن يكْشف وَينظر هَل هُوَ مختون فَوجدَ مختونا
فَلَمَّا أخبرهُ أَن الْعَرَب تختتن قَالَ هَذَا ملك هَذِه الْأمة وَلما كَانَت وقْعَة أجنادين بَين الْمُسلمين وَالروم جعل هِشَام بن الْعَاصِ يَقُول يَا معشر الْمُسلمين إِن هَؤُلَاءِ القلف لَا صَبر لَهُم على السَّيْف فَذكرهمْ بشعار عباد الصَّلِيب ورنكهم وَجعله مِمَّا يُوجب إقرام الحنفاء عَلَيْهِم وتطهير الأَرْض مِنْهُم
وَالْمَقْصُود أَن صبغة الله هِيَ الحنيفية الَّتِي صبغت الْقُلُوب بمعرفته ومحبته وَالْإِخْلَاص لَهُ وعبادته وَحده لَا شريك لَهُ وصبغت الْأَبدَان بخصال الْفطْرَة من الْخِتَان والاستحداد وقص الشَّارِب وتقليم الْأَظْفَار ونتف الْإِبِط والمضمضة وَالِاسْتِنْشَاق والسواك والاستنجاء فظهرت فطْرَة الله على قُلُوب الحنفاء وأبدانهم
قَالَ مُحَمَّد بن جرير قي قَوْله تَعَالَى {صبغة الله} يَعْنِي بالصبغة صبغة الْإِسْلَام وَذَلِكَ أَن النَّصَارَى إِذا أَرَادَت أَن تنصر أطفالهم جعلتهم فِي مَاء لَهُم تزْعم أَن ذَلِك لَهَا تقديس بِمَنْزِلَة غسل الْجَنَابَة لأهل الْإِسْلَام وَأَنه صبغة لَهُم فِي النَّصْرَانِيَّة فَقَالَ الله جلّ ثَنَاؤُهُ لنَبيه صلى الله عليه وسلم لما قَالَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى {كونُوا هودا أَو نَصَارَى تهتدوا قل بل مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا وَمَا كَانَ من الْمُشْركين} إِلَى قَوْله {صبغة الله وَمن أحسن من الله صبغة} الْبَقَرَة 135 - 138
قَالَ قَتَادَة إِن الْيَهُود تصبغ أبناءها يهودا وَالنَّصَارَى تصبغ أبناءها نَصَارَى وَإِن صبغة الله الْإِسْلَام فَلَا صبغة أحسن من الْإِسْلَام وَلَا أطهر
وَقَالَ مُجَاهِد صبغة الله فطْرَة الله وَقَالَ غَيره دين الله هَذَا مَعَ مَا فِي الْخِتَان من الطَّهَارَة والنظافة والتزيين وتحسين الْخلقَة وتعديل الشَّهْوَة الَّتِي إِذا أفرطت ألحقت الْإِنْسَان بالحيوانات وَإِن عدمت بِالْكُلِّيَّةِ ألحقته بالجمادات فالختان يعدلها وَلِهَذَا تَجِد الأقلف من الرِّجَال والقلفاء من النِّسَاء لَا يشْبع من الْجِمَاع
وَلِهَذَا يذم الرجل ويشتم ويعير بِأَنَّهُ ابْن القلفاء إِشَارَة الى غلمتها وَأي زِينَة أحسن من أَخذ مَا طَال وَجَاوَزَ الْحَد من جلدَة القلفة وَشعر الْعَانَة وَشعر الْإِبِط وَشعر الشَّارِب وَمَا طَال من الظفر فَإِن الشَّيْطَان يختبىء تَحت ذَلِك كُله ويألفه ويقطن فِيهِ حَتَّى إِنَّه ينْفخ فِي إحليل الأقلف وَفرج القلفاء مَا لاينفخ فِي المختون ويختبىء فِي شعر الْعَانَة وَتَحْت الْأَظْفَار فالغرلة أقبح فِي موضعهَا من الظفر الطَّوِيل والشارب الطَّوِيل والعانة الْفَاحِشَة الطول وَلَا يخفى على ذِي الْحس السَّلِيم قبح الغرلة وَمَا فِي إِزَالَتهَا من التحسين والتنظيف والتزيين وَلِهَذَا لما ابتلى الله خَلِيله إِبْرَاهِيم بِإِزَالَة هَذِه الْأُمُور فأتمهن
جعله إِمَامًا للنَّاس هَذَا مَعَ مَا فِيهِ من بهاء الْوَجْه وضيائه وَفِي تَركه من الكسفة الَّتِي ترى عَلَيْهِ
وَقد ذكر حَرْب فِي مسَائِله عَن مَيْمُونَة زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَت للخاتنة إِذا خفضت فأشمي وَلَا تنهكي فَإِنَّهُ أسرى للْوَجْه وأحظى لَهَا عِنْد زَوجهَا
وروى أَبُو دَاوُد عَن أم عَطِيَّة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَمر ختانه تختن فَقَالَ إِذا ختنت فَلَا تنهكي فَإِن ذَلِك أحظى للْمَرْأَة وَأحب للبعل وَمعنى هَذَا أَن الخافضة إِذا استأصلت جلدَة الْخِتَان ضعفت شَهْوَة الْمَرْأَة فَقلت حظوتها عِنْد زَوجهَا كَمَا أَنَّهَا إِذا تركتهَا كَمَا هِيَ لم تَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا ازدادت غلمتها فَإِذا أخذت مِنْهَا وأبقت كَانَ فِي ذَلِك تعديلا للخلقة والشهوة هَذَا مَعَ أَنه لَا يُنكر أَن يكون قطع هَذِه الْجلْدَة علما على الْعُبُودِيَّة فَإنَّك تَجِد قطع طرف الْأذن وكي الْجَبْهَة وَنَحْو ذَلِك فِي كثير من الرَّقِيق عَلامَة لرقهم وعبوديتهم حَتَّى إِذا أبق رد إِلَى مَالِكه بِتِلْكَ الْعَلامَة فَمَا يُنكر أَن يكون قطع هَذَا الطّرف علما على عبودية صَاحبه لله سُبْحَانَهُ حَتَّى يعرف النَّاس أَن من كَانَ كَذَلِك فَهُوَ من عبيد الله الحنفاء فَيكون الْخِتَان علما لهَذِهِ السّنة الَّتِي