الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي ذكر الْغَرَض من الْعَقِيقَة وَحكمهَا وفوائدها
قَالَ الْخلال فِي جَامعه بَاب ذكر الْغَرَض فِي الْعَقِيقَة وَمَا يؤمل لإحياء السّنة من الْخلف ثمَّ ذكر رِوَايَة الْحَارِث أَنه قَالَ لأبي عبد الله فِي الْعَقِيقَة فَإِن لم يكن عِنْده مَا يعق قَالَ إِن اسْتقْرض رَجَوْت أَن يخلف الله عَلَيْهِ أَحْيَا سنة وَمن رِوَايَة صَالح عَن أَبِيه إِنِّي لأرجو إِن اسْتقْرض أَن يَجْعَل الله لَهُ الْخلف أَحْيَا سنة من سنَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَاتبع مَا جَاءَ عَنهُ
وَمن فوائدها أَنَّهَا قرْبَان يقرب بِهِ عَن الْمَوْلُود فِي أول أَوْقَات خُرُوجه إِلَى الدُّنْيَا والمولود ينْتَفع بذلك غَايَة الِانْتِفَاع كَمَا ينْتَفع بِالدُّعَاءِ لَهُ وإحضاره مَوَاضِع الْمَنَاسِك وَالْإِحْرَام عَنهُ وَغير ذَلِك وَمن فوائدها أَنَّهَا تفك رهان الْمَوْلُود فَإِنَّهُ مُرْتَهن بعقيقته قَالَ الامام أَحْمد مُرْتَهن عَن الشَّفَاعَة لوَالِديهِ وَقَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح مُرْتَهن بعقيقته قَالَ يحرم شَفَاعَة وَلَده
وَمن فوائدها أَنَّهَا فديَة يفدى بهَا الْمَوْلُود كَمَا فدى الله سُبْحَانَهُ إِسْمَاعِيل الذَّبِيح بالكبش وَقد كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يفعلونها ويسمونها عقيقة ويلطخون رَأس الصَّبِي بدمها فَأقر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الذّبْح وأبطل اسْم العقوق ولطخ رَأس الصَّبِي بدمها فَقَالَ لَا أحب العقوق وَقَالَ لَا يمس رَأس
الْمَوْلُود بِدَم وَأخْبر صلى الله عليه وسلم أَن مَا يذبح عَن الْمَوْلُود إِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يكون على سَبِيل النّسك كالأضحية وَالْهَدْي فَقَالَ من أحب أَن ينْسك عَن وَلَده فَلْيفْعَل فَجَعلهَا على سَبِيل الْأُضْحِية الَّتِي جعلهَا الله نسكا وَفِدَاء لإسماعيل عليه السلام وقربه إِلَى الله عز وجل وَغير مستبعد فِي حِكْمَة الله فِي شَرعه وَقدره أَن يكون سَببا لحسن إنبات الْوَلَد ودوام سَلَامَته وَطول حَيَاته فِي حفظه من ضَرَر الشَّيْطَان حَتَّى يكون كل عُضْو مِنْهَا فدَاء كل عُضْو مِنْهُ وَلِهَذَا يسْتَحبّ أَن يُقَال عَلَيْهَا مَا يُقَال على الْأُضْحِية
قَالَ أَبُو طَالب سَأَلت أَبَا عبد الله إِذا أَرَادَ الرجل أَن يعق كَيفَ يَقُول قَالَ يَقُول باسم الله ويذبح على النِّيَّة كَمَا يُضحي بنيته يَقُول هَذِه عقيقة فلَان بن فلَان وَلِهَذَا يَقُول فِيهَا اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك وَيسْتَحب فِيهَا مَا يسْتَحبّ فِي الْأُضْحِية من الصَّدَقَة وتفريق اللَّحْم فالذبيحة عَن الْوَلَد فِيهَا معنى القربان والشكران وَالْفِدَاء وَالصَّدَََقَة وإطعام الطَّعَام عِنْد حوادث السرُور الْعِظَام شكرا لله وَإِظْهَار لنعمته الَّتِي هِيَ غَايَة الْمَقْصُود من النِّكَاح فَإِذا شرع الْإِطْعَام للنِّكَاح الَّذِي هُوَ وَسِيلَة إِلَى حُصُول هَذِه النِّعْمَة فَلِأَن يشرع عِنْد الْغَايَة الْمَطْلُوبَة أولى وَأَحْرَى
وَشرع بِوَصْف الذّبْح المتضمن لما ذَكرْنَاهُ من الحكم فَلَا أحسن وَلَا أحلى فِي الْقُلُوب من مثل هَذِه الشَّرِيعَة فِي الْمَوْلُود وعَلى نَحْو هَذَا جرت سنة الولائم
فِي المناكح وَغَيرهَا فَإِنَّهَا إِظْهَار للفرح وَالسُّرُور بِإِقَامَة شرائع الْإِسْلَام وَخُرُوج نسمه مسلمة يكاثر بهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة تعبدا لله ويراغم عدوه
وَلما أقرّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْعَقِيقَة فِي الْإِسْلَام وأكد أمرهَا وَأخْبر أَن الْغُلَام مُرْتَهن بهَا نَهَاهُم أَن يجْعَلُوا على رَأس الصَّبِي من الدَّم شَيْئا وَسن لَهُم أَن يجْعَلُوا عَلَيْهِ شَيْئا من الزَّعْفَرَان لأَنهم فِي الْجَاهِلِيَّة إِنَّمَا كَانُوا يلطخون رَأس الْمَوْلُود بِدَم الْعَقِيقَة تبركا بِهِ فَإِن دم الذَّبِيحَة كَانَ مُبَارَكًا عِنْدهم حَتَّى كَانُوا يلطخون مِنْهُ آلِهَتهم تَعْظِيمًا لَهَا وإكراما فَأمر بترك ذَلِك لما فِيهِ من التَّشَبُّه بالمشركين وعوضوا عَنهُ بِمَا هُوَ أَنْفَع لِلْأَبَوَيْنِ وللمولود وللمساكين وَهُوَ حلق رَأس الطِّفْل وَالتَّصَدُّق بزنة شعره ذَهَبا أَو فضَّة وَسن لَهُم أَن يلطخوا الرَّأْس بالزعفران الطّيب الرَّائِحَة الْحسن اللَّوْن بَدَلا عَن الدَّم الْخَبيث الرَّائِحَة النَّجس الْعين والزعفران من أطيب الطّيب وألطفه وَأحسنه لونا وَكَانَ حلق رَأسه إمَاطَة الْأَذَى عَنهُ وَإِزَالَة الشّعْر الضَّعِيف ليخلفه شعر أقوى وَأمكن مِنْهُ وأنفع للرأس وَمَعَ مَا فِيهِ من التَّخْفِيف عَن الصَّبِي وَفتح مسام الرَّأْس ليخرج البخار مِنْهَا بيسر وسهولة وَفِي ذَلِك تَقْوِيَة بَصَره وَشمه وسَمعه
وَشرع فِي الْمَذْبُوح عَن الذّكر أَن يكون شَاتين إِظْهَار لشرفه وَإِبَاحَة
لمحله الَّذِي فَضله الله بِهِ على الْأُنْثَى كَمَا فَضله فِي الْمِيرَاث وَالدية وَالشَّهَادَة وَشرع أَن تكون الشاتان مكافئتين قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة أبي دَاوُد مستويتان أَو متقاربتان وَقَالَ فِي رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ مثلان فِي رِوَايَة جَعْفَر بن الْحَارِث تشبه إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى لِأَن كل شَاة مِنْهُمَا كَانَت بَدَلا وَفِدَاء وَجعلت الشاتان مكافئتين فِي الْجِنْس وَالسّن فجعلتا كالشاة الْوَاحِدَة وَالْمعْنَى أَن الْفِدَاء لَو وَقع بِالشَّاة الْوَاحِدَة لَكَانَ يَنْبَغِي أَن تكون فاضلة كَامِلَة فَلَمَّا وَقع بالشاتين لم يُؤمن أَن يتجوز فِي إِحْدَاهمَا ويهون أمرهَا إِذْ كَانَ قد حصل الْفِدَاء بالواحدة وَالْأُخْرَى كَأَنَّهَا تتمه غير مَقْصُود فشرع أَن تَكُونَا متكافئتين دفعا لهَذَا التَّوَهُّم
وَفِي هَذَا تَنْبِيه على تَهْذِيب الْعَقِيقَة من الْعُيُوب الَّتِي لَا يَصح بهَا القربان من الْأَضَاحِي وَغَيرهَا وَمِنْهَا فك رهان الْمَوْلُود فَإِنَّهُ مُرْتَهن بعقيقته كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقد اخْتلف فِي معنى هَذَا الْحَبْس والارتهان فَقَالَت طَائِفَة هُوَ مَحْبُوس مُرْتَهن عَن الشَّفَاعَة لوَالِديهِ كَمَا قَالَ عَطاء وَتَبعهُ عَلَيْهِ الامام أَحْمد وَفِيه نظر لَا يخفى فَإِن شَفَاعَة الْوَلَد فِي الْوَالِد لَيست بِأولى من الْعَكْس وَكَونه والدا لَهُ لَيْسَ للشفاعة فِيهِ وَكَذَا سَائِر الْقرَابَات والارحام وَقد قَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم واخشوا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِد عَن وَلَده وَلَا مَوْلُود هُوَ جَازَ عَن وَالِده شَيْئا}
) لُقْمَان 33 وَقَالَ تَعَالَى {وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس عَن نفس شَيْئا وَلَا يقبل مِنْهَا شَفَاعَة} الْبَقَرَة 48 وَقَالَ تَعَالَى {من قبل أَن يَأْتِي يَوْم لَا بيع فِيهِ وَلَا خلة وَلَا شَفَاعَة} الْبَقَرَة 254 فَلَا يشفع أحد لأحد يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا من بعد أَن يَأْذَن الله لمن يَشَاء ويرضى فإذنه سُبْحَانَهُ فِي الشَّفَاعَة مَوْقُوف على عمل الْمَشْفُوع لَهُ من توحيده وإخلاصه وَمن الشافع من قربه عِنْد الله ومنزلته لَيست مُسْتَحقَّة بِقرَابَة وَلَا بنوة وَلَا أبوة وَقد قَالَ سيد الشفعاء وأوجههم عِنْد الله لِعَمِّهِ ولعمته وَابْنَته لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا وَفِي رِوَايَة لَا أملك لكم من الله شَيْئا وَقَالَ فِي شَفَاعَته الْعُظْمَى لما يسْجد بَين يَدي ربه ويشفع فَيحد لي حدا فَأخْرجهُمْ من النَّار وأدخلهم الْجنَّة فشفاعته فِي حد مَحْدُود يحدهم الله سُبْحَانَهُ لَهُ لَا يجاوزهم شَفَاعَته
فَمن أَيْن يُقَال إِن الْوَلَد يشفع لوالده فَإِذا لم يعق عَنهُ حبس عَن الشَّفَاعَة لَهُ وَلَا يُقَال لمن لم يشفع لغيره إِنَّه مُرْتَهن وَلَا فِي اللَّفْظ مَا يدل على ذَلِك
وَالله سُبْحَانَهُ يخبر عَن ارتهان العَبْد بِكَسْبِهِ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {كل نفس بِمَا كسبت رهينة} المدثر 38 وَقَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذين أبسلوا بِمَا كسبوا} الْأَنْعَام 70 فالمرتهن هُوَ الْمَحْبُوس إِمَّا بِفعل مِنْهُ أَو فعل من غَيره وَأما من لم يشفع لغيره فَلَا يُقَال لَهُ مُرْتَهن على الْإِطْلَاق بل الْمُرْتَهن هُوَ الْمَحْبُوس عَن أَمر كَانَ بصدد نيله وحصوله وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن يكون بِسَبَب مِنْهُ بل يحصل ذَلِك تَارَة بِفِعْلِهِ وَتارَة بِفعل غَيره وَقد جعل الله سُبْحَانَهُ النسيكة عَن الْوَلَد سَببا لفك رهانه من الشَّيْطَان الَّذِي يعلق بِهِ من حِين خُرُوجه إِلَى الدُّنْيَا وَطعن فِي خاصرته فَكَانَت الْعَقِيقَة فدَاء وتخليصا لَهُ من حبس الشَّيْطَان لَهُ وسجنه فِي أسره وَمنعه لَهُ من سَعْيه فِي مصَالح آخرته الَّتِي إِلَيْهَا معاده فَكَأَنَّهُ مَحْبُوس لذبح الشَّيْطَان لَهُ بالسكين الَّتِي أعدهَا لأتباعه وأوليائه وَأقسم لرَبه أَنه ليستأصلن ذُرِّيَّة آدم إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم فَهُوَ بالمرصاد للمولود من حِين يخرج إِلَى الدُّنْيَا فحين يخرج يبتدره عدوه ويضمه إِلَيْهِ ويحرص على أَن يَجعله فِي قَبضته وَتَحْت أسره وَمن جملَة أوليائه وَحزبه فَهُوَ أحرص شَيْء على هَذَا
وَأكْثر المولودين من أقطاعه وجنده كَمَا قَالَ تَعَالَى {وشاركهم فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد} الْإِسْرَاء 64 وَقَالَ {وَلَقَد صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظَنّه}