المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌خطبة الكتاب قال الشيخ الإمام العالم الأوحد أبو محمد موفق الدين - إرشاد العباد إلى معاني لمعة الاعتقاد

[عبد الرحمن بن ناصر البراك]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المعتني

- ‌خطبة الكتاب

- ‌الواجب فيما ثبتمن الأسماء والصفات

- ‌ذم التأويل وأهله

- ‌نقولات عن أئمة السلف فيمنهج الإيمان بالصفات وتقرير مذهبهم

- ‌الأمر بالاقتداء والاتباع،والنهي عن الإحداث والابتداع، والتدليل لذلك

- ‌الاستدلال والتمثيللبعض الصفات الواردة في القرآن

- ‌الاستدلال والتمثيللبعض الصفات الواردة في السنة

- ‌تتمة النصوص في الاستدلال للصفات

- ‌إثبات صفة الكلام لله تعالى

- ‌فصلفي إثبات أن القرآن كلام الله

- ‌فصلفي رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة

- ‌فصلفي القضاء والقدر

- ‌الاعتقاد الحق في الجمع بين الشرع والقدر

- ‌فصلفي بيان الإيمان

- ‌فصلفي تصديق النبي صلى الله عليه وسلم، والإيمان بالمغيبات

- ‌ومن المغيباتالتي يجب الإيمان بها: أشراط الساعة

- ‌ومن المغيباتالتي يجب الإيمان بها: عذاب القبر ونعيمه

- ‌ومن المغيبات التي يجب الإيمان بها:البعث بعد الموت، والحساب بعده

- ‌ومن المغيباتالتي يجب الإيمان بها: الميزان والحوض والصراط

- ‌الشفاعة

- ‌خلق الجنة والنار ودوامهما

- ‌فصلفي بعض ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الواجبات والحقوق

- ‌بيان بعض ما للخلفاء الراشدينمن الواجبات والحقوق

- ‌أحكام الشهادة لمعين بجنة أو نار

- ‌تكفير المعين

- ‌من أحكام الإمامة

- ‌بيان بعض ما لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلممن الواجبات والحقوق

- ‌بيان بعض ما لأزواج سيد المرسلين صلى الله عليه وسلممن الواجبات والحقوق

- ‌منزلة معاوية رضي الله عنه

- ‌بيان معتقد أهل السنة والجماعةفي وجوب الطاعة لأئمة المسلمين

- ‌موقف أهل السنة والجماعة من البدع وأهلها

- ‌موقف أهل السنة والجماعةمن الخلاف في الفروع

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌ ‌خطبة الكتاب قال الشيخ الإمام العالم الأوحد أبو محمد موفق الدين

‌خطبة الكتاب

قال الشيخ الإمام العالم الأوحد أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي الصالحي رحمه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن، جل عن الأشباه والأنداد، وتنزَّه عن الصاحبة والأولاد، ونَفُذَ حكمه في جميع العباد، لا تُمَثِّلُه العقول بالتفكير، ولا تتوهمه القلوب بالتصوير، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى* وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:6 - 7]، أحاط بكل شيء علماً، وقهر كل مخلوق عزة وحكماً، ووسع كل شيء رحمة وعلماً، {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110].

ص: 9

الشرح

قوله: ((الحمد لله)): استهل المؤلف -رحمه الله تعالى- هذه الرسالة الحسنة المعروفة بـ ((اللمعة في الاعتقاد))، بالحمد لله تعالى، وهو أهل الثناء والحمد، والُّلمعة في اللغة: هي القدر الذي فيه بُلغة (1).

قوله: ((المحمود بكل لسان)): يعني محمود بجميع اللغات، وهو -سبحانه- يحمده أهل السماوات وأهل الأرض ويسبحونه، فتسبحه الملائكة، وتسبحه العوالم كلها، بلسان المقال، وبلسان الحال.

قوله: ((المعبود في كل زمان)): أي: المستحق للعبادة في جميع الأزمنة، وهو معبود بالفعل؛ فإن كفر به الجن والإنس، فعنده ملائكة تعبده، {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت:38]، وقال سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف:206]، وقال سبحانه وتعالى:{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء:19]، وغيرها من الآيات.

قوله: ((الذي لا يخلو من علمه مكان)): فعلمه محيط بكل شيء، بالسماوات والأرض، وما فيهما وما بينهما، {وَهُوَ

(1) قال الزبيدي في تاج العروس (5/ 504): ((ومن المجاز: اللمعة: البلغة من العيش يُكتفى به)).

ص: 10

عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الحديد:6]، والآيات التي تفصل ذلك كثيرة، منها قوله تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]، وقال تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7]، وقال تعالى:{وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [فاطر:11]، وقال على لسان لقمان:{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَاتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16].

قوله: ((ولا يشغله شأن عن شأن)): فهو سبحانه يدبر أمر هذه العوالم، ولا يشغله شأن عن شأن، يخفض ويرفع، يعز ويذل، ويعطي ويمنع، ويهدي ويضل، ويميت ويحيي، ويتصرف في هذه العوالم، ولا يشغله شأن عن شأن.

يسمع دعاء الداعين، ولا تختلط عليه المسائل مع كثرة اللغات، وتفنن السائلين في طلب الحاجات، فلا يشغله سماعه لهذا عن سماعه للآخر، يسمع كلام أولياءه، وكلام أعداءه، {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]، فيسمع كلام هؤلاء وهؤلاء، وسمعه واسع لجميع الأصوات.

ص: 11

قوله: ((جل عن الأشباه والأنداد)): جل: يعني: عظم وارتفع سبحانه وتعالى، وهي كلمه تنزيه، مثل كلمة:(تعالى)، وكلمة:(تبارك).

فهو منزه عن الأشباه والأنداد، فليس له شبيه ولا ند، كما قال تعالى:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22]، وقال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة:165]، وقال سبحانه:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65]، وقال جل وعلا:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4].

جل عن الأشباه والأنداد، فلا شبيه له، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، فلا كفؤ له، ولا ند له، ولا شبيه له.

قوله: ((وتنزه عن الصاحبة والأولاد)): تنزّه وجلّ كلمتان متقاربتان في المعنى.

وقال الله تعالى عن الجن: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} [الجن:3]، وقال سبحانه وتعالى:{أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام:101]، وقال جل وعلا:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3]، وقال تعالى:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون:91]، والآيات الدالة على تنزيهه سبحانه كثيرة.

وقد رد الله تعالى على اليهود والنصارى والمشركين في نسبة الولد إليه، ووصف ما قالوه بأنه إفك، وأن إثبات ذلك مخالف للعقل والشرع، كما في قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ

ص: 12

يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة:30]، وقال سبحانه:{أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) فَاتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157)} [الصافات].

قوله: ((ونَفُذَ حكمه في جميع العباد)): فحكمه سبحانه نافذ، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضاءه، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، والحكم المضاف إليه قسمان:

- الحكم الشرعي، وهو أمره ونهيه، فالحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، والدين ما شرعه الله.

- الحكم الكوني، وهذا القسم هو النافذ الماضي، كما جاء في الحديث من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:((ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك)) (1).

قوله: ((لا تُمَثِّلُه العقول بالتفكير، ولا تتوهمه القلوب بالتصوير)): وهاتان الجملتان معناهما متقارب، فالقلوب بمعنى العقول، والتصوير بمعنى التصور.

(1) رواه أحمد في مسنده (3712)، وابن حبان في صحيحه (3/ 253 - ح 972)، قال الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 387 - ح 199):((وجملة القول: أن الحديث صحيح من رواية ابن مسعود وحده، فكيف إذا انضم إليه حديث أبي موسى رضي الله عنهما. وقد صححه شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم)).

ص: 13

فلا يمكن للعقول أن تصفه، ولا أن تكيِّفَه بالتفكير، بل لا يجوز التفكر في ذاته، ولا في كيفية صفاته، لأن الكيفية محجوبة، ولا سبيل إلى معرفة كيفية ذاته ولا صفاته، فلا يجوز التفكير فيها، وقد جاء في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنه:((تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذات الله)) (1)، تفكروا في مخلوقات الله: من آياته الكونية، لتهتدوا بها إلى معرفة الله، ولكن يجوز التفكير في كيفية صفاته، من أنه سبحانه وتعالى موصوف بالعلم والقدرة ونحوها، فنتفكر في كمال قدرته، والتفكر في المخلوقات: يتضمن التفكر في صفاته، وفي معانيها.

والتفكر في ذات الله أو صفاته: لن يوصل إلى شيء، لأن العقول لا تبلغ ولا تصل إلى معرفة كيفية ذاته، أو كيفية صفاته.

قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]: هذه الآية من كتاب الله تعالى تضمنت الدلالة على الحق، ورد الباطل، ففي قوله:{ليس كمثله شيء} رد للتشبيه والتمثيل، وقوله:{وهو السميع البصير} رد للإلحاد والتعطيل، ففيها رد على المشبهة، وعلى المعطلة.

وفيها الدلالة على المذهب الحق، وهو: إثبات الصفات لله سبحانه وتعالى على ما يليق به، إثباتاً بلا تشبيه، وتنزيهاً

(1) رواه أبو الشيخ في كتابه العظمة (1/ 210) مرفوعاً وموقوفاً، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 46) وأطال محققه في تخريجه وضعفه، قال ابن حجر في الفتح (13/ 394):((موقوف وسنده جيد))، وراجع السلسلة الصحيحة للألباني (4/ 395 - ح 1788).

ص: 14

بلا تعطيل، وهذه الآية -وما في معناها- هي محور ومرتكز مذهب أهل السنة والجماعة، فمذهبهم يرتكز على:

- إثبات الصفات،

- ونفي التمثيل،

- ونفي العلم بالكيفية.

قوله: ((له الأسماء الحسنى)): كما قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه:8]، ويقول سبحانه:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، وقال تعالى:{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:110].

قوله: ((والصفات العلى)): وهو الموصوف بالصفات العلى الكاملة، كما قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل:60].

{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]: هذه الآية دلت على أنه تعالى مستوٍ على عرشه، والاستواء معناه: العلو والارتفاع والاستقرار (1)، فهي من أدلة الاستواء، وأدلة العلو، وجاء ذكر الاستواء في سبعة مواضع من القرآن (2)، وأهل السنة

(1) نظمها ابن القيم في نونيته [بيت رقم: 1353] بقوله:

فلهم عبارات عليها أربع * قد حصلت للفارس الطعان

وهي استقر وقد علا وكذلك ار * تفع الذي ما فيه من نكران

وكذاك قد صعد الذي هو رابع * ........................ .

(2)

سردها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الوسطية (ص 123): حيث قال: ((في سورة الأعراف قوله: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} ، وقال في سورة يونس عليه السلام:{إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} ، وقال في سورة الرعد:{الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش} ، وقال في سورة طه:{الرحمن على العرش استوى} ، وقال في سورة الفرقان:{ثم استوى على العرش الرحمن} ، وقال في سورة آلم السجدة:{الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش} ، وقال في سورة الحديد:{هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} ا. هـ.

ص: 15

يثبتون ذلك، ويؤمنون بأنه تعالى فوق سماواته، على عرشه، بائن من خلقه، خلافاً للمعطلة من الجهمية ومن تبعهم.

قوله: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى* وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:6 - 7]: فالله سبحانه وتعالى يعلم السر، وما هو أخفى السر، فعلمه محيط بما كان، وما يكون، وما يُسِرُّ العباد، وما يعلنون، والآيات الدالة على ذلك في كتاب الله كثيرة.

قوله: ((أحاط بكل شيء علماً)): ولا يحيط به العباد علماً، كما قال الله تعالى:{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110]، وقال سبحانه:{لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:12].

قوله: ((وقهر كل مخلوق عزة وحكماً)): كما قال الله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام:18]، فهو القاهر الذي لا شيء يعجزه، ولا غالب له، له العزة التامة، والقوة الكاملة.

ص: 16