الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَى الْجَبَلِ} [الأعراف:143]، وفي هذا الأثر يقول:((أنا فوقك، ووراءك، وعن يمينك، وعن شمالك))، فالله فوق كل شيء، ومحيط بكل شيء.
وقد تقدم قريباً قول المؤلف رحمه الله في ذلك.
فصل
في إثبات أن القرآن كلام الله
ومن كلام الله تعالى: القرآن العظيم، وهو كتاب الله المبين، وحبله المتين، وصراطه المستقيم، وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين، {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195]، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو سور محكمات، وآيات بينات، وحروف وكلمات، من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، له أول وآخر، وأجزاء وأبعاض، متلو بالألسنة، محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان، مكتوب في المصاحف، فيه محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي، {لَا يَاتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]، قال تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَاتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَاتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88].
وهو هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا: {وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [سبأ:31]، وقال بعضهم:{إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:25]، فقال سبحانه:{سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:26]، وقال بعضهم: هو شعر، فقال الله تعالى:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ} [يس:69]، فلما نفى الله عنه أنه شعر وأثبته قرآنا، لم يبق شبهة لذي لب في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي، الذي هو كلمات وحروف وآيات، لأن ما ليس كذلك لا يقول أحد: إنه شعر، وقال عز وجل:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23]، ولا يجوز أن يتحداهم بالإتيان بمثل ما لا يُدرى ما هو ولا يُعقل، وقال تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس:15]، فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم، وقال تعالى:{بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت:49]، وقال تعالى:{إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة:77 - 78] بعد أن أقسم على ذلك، وقال تعالى:{كهيعص} [مريم:1]، {حم * عسق} [الشورى:1 - 2].
وافتتح تسعاً وعشرين سورة بالحروف المقطعة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة)) حديث صحيح، وقال عليه السلام: ((اقرءوا القرآن قبل أن يأتي قومٌ يقيمون حروفه إقامة السهم لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون أجره ولا
يتأجلونه))، وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما:((إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه))، وقال علي رضي الله عنه:((من كفر بحرف منه؛ فقد كفر به كله))، واتفق المسلمون على عد سور القرآن، وآياته، وكلماته، وحروفه، ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة، أو آية، أو كلمة، أو حرفاً متفقاً عليه: أنه كافر؛ وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف.
الشرح
قوله: ((ومن كلام الله تعالى: القرآن العظيم، وهو كتاب الله المبين، وحبله المتين، وصراطه المستقيم، وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين، {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195]، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود)): بعد أن ذكر المؤلف رحمه الله ما يجب اعتقاده في كلام الله؛ وأنه سبحانه متكلم حقيقة بكلام حقيقي، يسمعه من قرب ومن بعد، ويسمعه من شاء الله من عباده، ذكر بعد ذلك ما يجب اعتقاده في القرآن، وأن القرآن من كلام الله، فكلام الله ليس محصوراً في القرآن، فالتوراة والإنجيل وغيرها من الكتب كلها من كلام الله، والله عز وجل لم يزل متكلماً، فالقرآن كلام الله، منزل من عند الله غير مخلوق، خلافاً للجهمية، نزل بلسان عربي مبين، على قلب سيد المرسلين، كما قاله الله تعالى:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:192 - 195].
ومن صفات هذا القرآن: أنه الهادي إلى الصراط المستقيم،
وهو حبل الله المتين؛ الذي من تمسك به نجا، كما قال الله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]، وقيل في الحبل: أنه القرآن (1).
قوله: ((وهو سور محكمات، وآيات بينات، وحروف وكلمات، من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات (2)، له أول وآخر، وأجزاء وأبعاض)): القرآن أربعة عشر ومئة سورة، وهذه السور مشتملة على آيات، وحروف وكلمات، وله أول وآخر، أوله سورة الفاتحة، وآخره سورة الناس، وله أجزاء وأبعاض، فالسورة الواحدة بعض القرآن، كما أن الآية بعض السورة، والكلمة بعض الآية.
(1) قال ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير (1/ 432): ((فأما الحبل؛ ففيه ستة أقوال، أحدها: أنه كتاب الله القرآن، رواه شقيق عن ابن مسعود، وبه قال قتادة والضحاك والسدي)).
(2)
يشير إلى ما رواه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أعربوا القرآن؛ فإن من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، وكفارة عشر سيئات، ورفع عشر درجات))، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 244 - ح 11655):((رواه الطبراني في الأوسط، وفيه نهشل وهو متروك))، وذكره الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (2348) وقال: ((موضوع
…
وقد روي الحديث من طرق أخرى عن ابن مسعود وغيره بألفاظ قريبة من هذا، ويزيد بعضهم على بعض، ولا يصح شيء منها، وبعضها أشد ضعفاً من بعض))، ولكن جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: {آلم} حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))، رواه الترمذي في جامعه برقم (2910)، وقال:((هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه))، وصححه الألباني.
والمؤلف يردُّ بهذا الكلام وما بعده على من يقول: إن كلام الله معنى نفسي واحد لا يتبعض، وهذا القرآن المكتوب المحفوظ المسموع عبارة عن ذلك المعنى النفسي.
قوله: ((متلو بالألسنة، محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان، مكتوب في المصاحف)): فالقرآن هو كلام الله كيفما تصرَّف، سواء كان محفوظاً في صدور العباد، أو مكتوباً في المصاحف، أو مسموعاً بالآذان، أو منطوقاً به بالألسن، فنقول في المصحف: أن فيه كلام الله، ونقول عن المحفوظ في صدور العالِمين: هو كلام الله، كما قال الله تعالى:{بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت:49]، ونقول فيما يقرأه القارئ: هذا كلام الله، فالصوت صوت القارئ، والكلام كلام الباري، ونقول فيما نسمعه: هذا كلام الله، فمن يستمع إلى القرآن فإنما يسمع كلام الله، كما قال الله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة:6]، فسمَّى المسموع المتْلُوَّ: كلام الله.
قوله: ((فيه محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي، {لَا يَاتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]، قال تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَاتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَاتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88].
وهو هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [سبأ:31]، وقال بعضهم:{إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:25]، فقال سبحانه:
{سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:26]، وقال بعضهم: هو شعر، فقال الله تعالى:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ} [يس:69]، فلما نفى الله عنه أنه شعر وأثبته قرآنا، لم يبق شبهة لذي لب في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي، الذي هو كلمات وحروف وآيات، لأن ما ليس كذلك لا يقول أحد: إنه شعر، وقال عز وجل:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23]، ولا يجوز أن يتحداهم بالإتيان بمثل ما لا يُدرى ما هو ولا يُعقل، وقال تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس:15]، فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم)): يشير رحمه الله إلى تحدي الله عز وجل للثقلين -الجن والإنس- بهذا القرآن، وذكر بعض الآيات الدالة على ذلك، وقد تحداهم الله تعالى بالإتيان بمثله فقال سبحانه:{فَلْيَاتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:34]، وتحداهم بالإتيان بعشر سور مثله فقال عز وجل:{قُلْ فَاتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود:13]، وتحداهم بالإتيان بسورة من مثله فقال:{فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23].
والمؤلف رحمه الله حين يذكر مثل هذه الجوانب فإنه يذكرها ويقررها للرد على الأشاعرة؛ القائلين: أن كلام الله -ومنه القرآن- معنى نفسي واحد قديم، ليس بصوت ولا حرف ولا أبعاض، معنى نفسي واحد، لا يتجزؤ ولا يتبعض، ولذلك يقرر أن له أولاً وآخراً، وأجزاء وأبعاض، وأنه مكتوب ومتلو ومسموع،
ونحو ذلك من الجوانب والمعاني التي يصف بها القرآن؛ وهي متضمنة للرد على الأشاعرة ومن نهج نهجهم.
ويؤكد رحمه الله هذه المعاني ببعض العبارات الدالة على أن القرآن فيه معانٍ مختلفة، كقوله:((محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي))، فهذا خلاف ما تقوله الأشاعرة، من أن كلام الله معنى واحد لا تنويع فيه، وذكر هذا التنويع فيه رد عليهم، إذ أنهم يقولون: كيف يكون هذا المتنوع ما بين متلو ومسموع ومكتوب ومحفوظ ونحوها؛ كيف يكون كلام الله حقيقة؟! فهم ينفون كون هذا المتنوع هو كلام الله، وكفى بهذا ضلالاً عن الهدى، وعمى عن الحق؛ والعياذ بالله.
والرد عليهم هو الحق، لأن مذهبهم يقتضي أن هذا القرآن الموجود هو عبارة عن كلام الله، وأن القرآن الحقيقي هو المعنى الواحد الذي في نفس الرب تبارك وتعالى، فإن عُبِّر عنه بالعبرية فهو توراة، وإن عُبِّر عنه بالعربية فهو قرآن، وما إلى ذلك من الكلام المبتدع المنكر الذي لا أصل له.
قوله: ((وقال تعالى: {بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت:49]، وقال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة:77 - 78] بعد أن أقسم على ذلك، وقال تعالى: {كهيعص} [مريم:1]، {حم * عسق} [الشورى:1 - 2]، وافتتح تسعاً وعشرين سورة بالحروف المقطعة)): فمن هذه السور ما افتُتح بحرف واحد، وهي ثلاث سور،
{ص} ، وَ {ق} ، وَ {ن} ، ومنها ما افتُتح بحرفين، كالسور المفتتحة بـ {حم} وهي سبع سور، ومنها ما افتُتح بثلاثة أحرف، وهو كثير، كسورة البقرة، وآل عمران، والعنكبوت، والروم، ولقمان، والسجدة، فكلها مفتتحة بـ {آلم} ، ومنها ما افتُتح بأربعة أحرف؛ كسورة الرعد {المر} ، وسورة الأعراف:{المص} ، ومنها ما افتُتح بخمسة أحرف؛ كسورة مريم:{كهيعص} ، وسورة الشورى:{حم * عسق} .
وهذه الحروف التي افتتح الله بها بعض سور كتابه يسميها العلماء: الحروف المقطعة، وقد ذكرت غير مرتبة، وتنطق هذه الحروف في القرآن بأسمائها، ألف لام ميم، ونحو ذلك، ولا تنطق كلمة مركبة من الأحرف الثلاثة، فلا تقول في ألف لام ميم: أَلَمْ. ولا في طاء سين ميم: طَسَمْ.
قوله: ((وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة)) حديث صحيح، وقال عليه السلام:((اقرءوا القرآن قبل أن يأتي قومٌ يقيمون حروفه إقامة السهم لا يجاوز تراقيهم (1)، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه)) (2).
(1) قال ابن الأثير في النهاية (ص 107): ((التراقي: جمع ترقوة، وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق. وهما ترقوتان من الجانبين. ووزنها فَعْلُوَة بالفتح. والمعنى: أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها، فكأنها لن تتجاوز حلوقهم. وقيل: المعنى أنهم لا يعملون بالقرآن، ولا يثابون على قراءته فلا يحصل لهم غير القراءة)).
(2)
رواه الإمام أحمد في مسنده برقم (22865)، وأبو داود في سننه برقم (831).
وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: ((إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه)): يشير المؤلف رحمه الله إلى ما رتب الله عز وجل من الأجر والفضل لمن قرأ القرآن وتلاه، كما جاء ذلك من حديث ابن مسعود رضي الله عنه:((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: {آلم} حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) (1)، وذكر حديث:((من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة)) حديث صحيح، وإعراب القرآن: هو النطق به وقراءته على الوجه الصحيح، مما يوافق قواعد اللسان العربي -اللغة العربية-، ويقابل الإعراب في المعنى: اللحن.
وأما التجويد: فإن كان فيه إقامة الحروف والإتيان بها على الوجه الصحيح؛ فهو واجب لابد منه، وأما قواعد التجويد المعروفة التي فيها تحسين القراءة فليست بواجبة، بل ربما أدى مراعاته إلى التكلف.
وأصح من هذا الحديث الذي ذكره المؤلف: حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران)) (2)، وهو حديث صحيح.
(1) سبق تخريجه (ص 39).
(2)
رواه البخاري في صحيحه برقم (4937)، ومسلم في صحيحه برقم (798)، واللفظ له.
وأشار إلى ما ورد من النصوص في الحث على قراءة القرآن، قراءةً وإعراباً، وأنه سيأتي قوم يقرئون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يتعجلون أجره؛ فيتوصلون به إلى أغراضهم الدنيوية، ولا يتأجلون أجره إلى يوم القيامة.
قوله: ((وقال علي رضي الله عنه: ((من كفر بحرف منه؛ فقد كفر به كله))، واتفق المسلمون على عد سور القرآن، وآياته، وكلماته، وحروفه)): لا يزال المؤلف رحمه الله في معرض الرد على الأشاعرة؛ القائلين بأن كلام الله معنى نفسي واحد قديم، وأن هذا القرآن المكتوب الذي نقرؤه إنما هو عبارة عن كلام الله.
وقد ذكر المؤلف رحمه الله اتفاق العلماء على عد سوره وآياته وكلماته وحروفه، وقد ذكر أهل العلم أشياء حول عدها، وقد يختلفون في العدّ، لكن المهم في ذلك: هو معرفة عدد سور القرآن، وأن عددها مئة وأربعة عشر سورة، وأن ذلك أمر متفق عليه.
قوله: ((ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة، أو آية، أو كلمة، أو حرفاً متفقاً عليه: أنه كافر)): ثم ذكر رحمه الله مسألة التكذيب ببعض القرآن، وأن من كذب ببعض القرآن فقد كفر؛ لأن من كذب ببعض القرآن فهو مكذب بالقرآن كله، كما أن من كذَّب الرسول في شيءٍ واحد ثابت عنه يكون مكذباً لجميع ما جاء عنه، ومن كذَّب رسولاً واحداً فهو مكذب لجميع الرسل.
قوله: ((وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف)): وفي هذه الجملة تتمة للرد على من يقول: إن القرآن ليس بحروفٍ ولا