الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: ((والكيف غير معقول)): معناه: غير مدرك بالمعقول، فهو غير معلوم.
قوله: ((والإيمان به واجب)): لأنه مما أخبر الله به ورسوله، فيجب إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله.
قوله: ((والسؤال عنه بدعة)): لأنه سؤال عما لا يعلمه البشر، ولا سبيل إلى معرفته، وهو من التكلف والتنطع المذموم.
إثبات صفة الكلام لله تعالى
ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم، يسمعه منه من شاء من خلقه، سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة، ومن أَذِنَ له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلِّم المؤمنين في الآخرة ويكلِّمونه، ويأذن لهم فيزورونه، قال الله تعالى:{وكلم الله موسى تكليماً} [النساء:164]، وقال سبحانه:{يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي} [الأعراف:144]، وقال سبحانه:{منهم من كلَّمَ اللهُ} [البقرة:253]، وقال سبحانه:{وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب} [الشورى:51]، وقال تعالى:{فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك} [طه:11 - 12]، وقال:{إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} [طه:14]، وغير جائز أن يقول هذا إلا الله، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:((إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء، كسلسلة على صفوان)). ورُويَ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عبد الله بن أُنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يحشر الله الخلائق يوم القيامة حفاة عراة غُرلا بهما، فيناديهم بصوت يسمعه من
بَعُد، كما يسمعه من قرُب، أنا الملك، أنا الديان))، رواه الأئمة، واستشهد به البخاري. وفي بعض الآثار أن موسى عليه السلام ليلة رأى النار فهالته وفزع منها، ناداه ربه:((يا موسى))، فأجاب سريعاً استئناساً بالصوت؛ فقال:((لبيك، لبيك، أسمعُ صوتك، ولا أرى مكانك، فأين أنت))؟ فقال: ((أنا فوقك، ووراءك، وعن يمينك، وعن شمالك))، فعَلِم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى، قال:((فكذلك أنت يا إلهي، أفكلامك أسمع أم كلام رسولك))؟ قال: ((بل كلامي يا موسى)).
الشرح
قوله: ((ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم)): استَظْهِر من كلام المصنف رحمه الله أنه ينحو منحى السالمية، فإنهم يقولون: أن كلام الله حروف وأصوات لكنها قديمة، فكلامه لا تتعلق به المشيئة، وإنما المشيئة تتعلق بإسماعه، فيُسمع كلامه القديم من شاء، فموسى إنما سمع كلام الله القديم، وهو قائم به على حد زعمهم، فهو مثل حياته وسمعه وبصره، قائم به لم يزل موصوفاً بهذا الكلام.
والمذهب الحق الذي هو موجب العقل والنقل والسمع: أن كلام الله قديم النوع، حادث الآحاد، أي: أن الله لم يزل يتكلم بما شاء، إذا شاء، كيف شاء، وأما آحاد الكلام فهي في أوقات تابعة للمشيئة، فخطاب الله لموسى كان في وقته عند مجيئه لميقات ربه، ونادى الأبوين حين أكلا من الشجرة، وخطابه للناس يوم القيامة سيكون، فالله نادى وينادي، وقال ويقول،
وهناك كلام قاله الله سبحانه من قبل، وكلام سيقوله في المستقبل، فهو يخاطب من شاء، متى شاء.
قوله: ((يسمعه منه من شاء من خلقه، سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة، ومن أَذِنَ له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلِّم المؤمنين في الآخرة ويكلِّمونه، ويأذن لهم فيزورونه)): يريد أن الله تعالى يكلم المؤمنين في الجنة ويكلمونه، ويأذن لهم فيزورونه، وذلك في يوم المزيد، الذي يوافق وقته يوم الجمعة في الدنيا، فيحضر المؤمنون فينعمون بالنظر إلى وجهه الكريم، وذلك أجل نعيم أهل الجنة، نسأله تعالى لذة النظر إلى وجهه الكريم.
قوله: ((قال الله تعالى: {وكلم الله موسى تكليماً} [النساء:164]، وقال سبحانه: {يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي} [الأعراف:144]، وقال سبحانه: {منهم من كلَّمَ اللهُ} [البقرة:253]، وقال سبحانه: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب} [الشورى:51]، وقال تعالى: {فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك} [طه:11 - 12]، وقال: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} [طه:14]، وغير جائز أن يقول هذا إلا الله)): وقد استدل المؤلف رحمه الله في إثبات كلام الله بهذه الآيات، وهي ظاهرة الدلالة على ما أراد من إثبات صفة الكلام لله، وأنه تعالى يتكلم ويكلم، وأن كلامه بصوت يسمعه المخاطب، وكل الآيات التي ذكرها في شأن تكليم الله لموسى، وتكليمه لمن شاء من البشر، وأشهر من كلمه الله من الرسل هو موسى عليه السلام، ولذا يعرف بأنه كليم الله، أي: مُكلَّم من الله،
وقد أخبر سبحانه وتعالى أنه نادى الأبوين، قال تعالى:{وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف:22]، وفي قصة آدم وإبليس ذِكْرُ خطابه تعالى للملائكة، وتوبيخه لإبليس، قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)} [الحجر]، إلى آخر القصة، والأدلة الدالة على إثبات صفة الكلام لله تعالى من نصوص الكتاب والسنة كثيرة.
قوله: ((وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ((إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء، كسلسلة على صفوان)) (1). ورُويَ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (2).
وروى عبد الله بن أُنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يحشر الله الخلائق يوم القيامة حفاة عراة غُرلا بهما، فيناديهم بصوت يسمعه
(1) رواه البخاري في صحيحه تعليقاً بصيغة الجزم، موقوفاً في (كتاب التوحيد)، باب رقم (32).
(2)
روي ذلك مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود في سننه برقم (4738)، قال الألباني في الصحيحة (3/ 282 - ح 1293):((قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين))، وقال:((والموقوف وإن كان أصح من المرفوع، ولذلك علقه البخاري في صحيحه، فإنه لا يعل المرفوع، لأنه لا يقال من قبل الرأي كما هو ظاهر، لاسيما وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعاً نحوه؛ أخرجه البخاري، والترمذي، وابن ماجه، وابن خزيمة، وأبو جعفر ابن أبي شيبة في العرش، والبيهقي، بعضهم مطولاً، وبعضهم مختصراً، وقال الترمذي: ((حديث حسن صحيح)). ا. هـ.
من بَعُد، كما يسمعه من قرُب، أنا الملك، أنا الديان))، رواه الأئمة (1)، واستشهد به البخاري (2).
وفي بعض الآثار أن موسى عليه السلام ليلة رأى النار فهالته وفزع منها، ناداه ربه:((يا موسى))، فأجاب سريعاً استئناساً بالصوت؛ فقال:((لبيك، لبيك، أسمعُ صوتك، ولا أرى مكانك، فأين أنت))؟ فقال: ((أنا فوقك، ووراءك، وعن يمينك، وعن شمالك))، فعَلِم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى، قال:((فكذلك أنت يا إلهي، أفكلامك أسمع أم كلام رسولك))؟ قال: ((بل كلامي يا موسى)) (3): هذه الآثار والأحاديث التي ذكرها المصنف رحمه الله أوردها للاستدلال على أن الله يتكلم بصوت، وهذا حق: أن الله يتكلم بصوت، وهو مستفاد من القرآن الكريم، لا من هذه الآثار التي نقل، فإن الأصل في الكلام أن يكون بصوت، وقد قال الله تعالى في غير موضع:{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} [الشعراء:10]، والنداء: هو الخطاب بصوت مرتفع، وقال سبحانه:{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم:52]، ففيها: أن الله كلم
(1) رواه أحمد في مسنده برقم (16042)، والحاكم في المستدرك (2/ 438) وقال:((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه))، قال محقق المسند:((إسناده حسن)).
(2)
رواه البخاري في صحيحه تعليقاً بصيغة التمريض مرفوعاً في (كتاب التوحيد)، باب (32).
(3)
أورده السيوطي في الدر المنثور (10/ 163) عند تفسير الآية العاشرة من سورة (طه)، وهو أثر طويل جداً من كلام وهب بن منبه، ونسبه السيوطي إلى:((أحمد في الزهد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم)).
موسى، وأصرح منها في الدلالة قوله تعالى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]، وفيها: أن الله ناداه، وفيها أنه ناجاه، فكلمه نِداء ونِجاء، وهذا إنما يكون بصوت، وهذا هو الأصل، وجاء في المتفق عليه أن الله سبحانه وتعالى يقول: ((يا آدم!
…
)) (1) فينادى بصوت.
ويُستشهد بما ذكره المؤلف من أثر ابن مسعود رضي الله عنه، وحديث عبدالله بن أنيس الذي يقول فيه المؤلف:((رواه الأئمة واستشهد به البخاري)).
وأهل السنة متفقون على أن الله يتكلم بصوت، يسمعه من شاء، وأن موسى عليه السلام سمع كلام الله من الله، وأن الملائكة تسمع كلام الله إذا تكلم بالوحي، فيسمعونه ويأخذهم من ذلك صعق وغشي.
وأما الأثر الذي ذكره في قصة موسى؛ وتكليم الله له، فهو خبر إسرائيلي لا يعول عليه في شيء، فقد يكون في بعضه ما هو حق، كسماع موسى لكلام الله؛ فهذا حق لا شك فيه، ولا نحتاج في إثباته إلى هذا الأثر، والمؤلف استشهد به لإثبات مسألة الصوت.
فموسى عليه السلام سمع كلام الله بلا واسطة؛ ولكن من وراء حجاب، حيث قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ
(1) قطعة من حديثٍ رواه البخاري في صحيحه برقم (3348)، ومسلم في صحيحه برقم (222).