الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على الخروج؛ لا بالقول ولا بالفعل، وحسابهم على الله تعالى في ظلمهم وفجورهم وعصيانهم، وهذا هو ما يعتقده أهل السنة والجماعة.
خلافاً للخوارج والمعتزلة؛ الذين من مذهبهم الخروج على ولاة الأمور، بحجة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول المعتزلة، ويدرجون فيه: الخروج على الولاة (1).
لكن عند أهل السنة والجماعة: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقوم على قاعدة عظيمة؛ هي: ((احتمال أدنى المفسدتين لتحقيق أعلاهما))، فالخروج على ولاة الأمور باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي إلى مزيد من المنكر، وتتفاقم بذلك الشرور والفتن.
موقف أهل السنة والجماعة من البدع وأهلها
ومن السنة: هجران أهل البدع، ومباينتهم، وترك الجدال والخصومات في الدين، وترك النظر في كتب المبتدعة، والإصغاء إلى كلامهم، وكل محدثة بدعة، وكل متسم بغير الإسلام مبتدع، كالرافضة، والجهمية، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، والمعتزلة، والكرامية، والكلابية، والسالمية، ونظائرهم؛ فهذه فرق الضلال، وطوائف البدع، أعاذنا الله منها.
(1) انظر شرح الطحاوية لفضيلة الشيخ عبدالرحمن البراك (ص 420).
الشرح
قوله: ((ومن السنة: هجران أهل البدع، ومباينتهم)): وذلك بالإعراض عنهم، وترك مجالستهم، إما زجراً لهم عن بدعتهم، وإما اتقاء لشرهم، لأن مجالستهم تجر إلى الوقوع في بدعتهم، وإلى التهاون في شأن البدع التي هم عليها.
والهجر إما أن يكون تأديباً وزجراً من باب إنكار المنكر، وإما أن يكون توقياً للشر الذي هم عليه.
وهذا لا يمنع من دعوتهم لمن رأى من نفسه ذلك، ورأى للدعوة مجالاً، وكان ممن يحسن الحجاج، والرد على الخصوم، لأن أهل البدع والكلام أصحاب جدل وشبهات، فيحتاج من يدعوهم إلى علم يرد به عليهم، ويدحض الشبهات.
قوله: ((وترك الجدال والخصومات في الدين)): وذلك بالخصومات التي لا طائل تحتها، بل على المسلم أن يتعلم الحق، ولا يدخل في معامع الجدل والمناظرات التي يقصد من وراءها الانتصار على الخصم؛ لا إحقاق الحق.
لكن إن تهيأت الأسباب للمناظرة التي ينصر بها الحق، ويدحض بها الباطل؛ فإن الله تعالى يقول:{وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]، فيكون حينئذ من طرق الدعوة.
قوله: ((وترك النظر في كتب المبتدعة، والإصغاء إلى كلامهم)): لأن النظر فيها يؤدي إلى وقوع الشبهات في القلب،
وقد لا يستطيع الإنسان دفعها عن نفسه، فإما أن تولد عنده شكوكاً، أو تزعزع يقينه وإيمانه، فلا ينبغي النظر في كتبهم الكلامية، التي تشتمل على الاعتقادات الباطلة، والشبهات التي يعارض بها الحق.
اللهم إلا أهل الشأن وأهل التخصص الذين عندهم من البصيرة في الدين، والقدرة على دحض الشبهات؛ فهؤلاء لهم شأن آخر، وينظر فيها بقدر ما يحصل به المقصود من بيان زيف أقاويلهم واستدلالاتهم وحججهم.
ومن أعظم من برز في هذا: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فله الاطلاع الواسع على كتب الطوائف وأرباب النحل من المبتدعة؛ كالمعتزلة والأشاعرة والفلاسفة والرافضة وغيرهم، وقد سدده الله؛ فألف المؤلفات في الرد على هذه الطوائف، وناقش أقوالهم مناقشة بديعة هائلة عظيمة، وصارت مصدراً لطلاب العلم الذين يريدون البيان ودحض الشبهات، فأحسن الله جزاءه عن الإسلام والمسلمين خيراً.
قوله: ((وكل محدثة بدعة)): دليل هذه الجملة قوله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (1)، أي: مردود، وفي اللفظ الآخر:((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (2)،
(1) رواه البخاري في صحيحه برقم (2697)، ومسلم في صحيحه برقم (1718)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
رواه البخاري في صحيحه معلقاً مجزوماً في كتاب البيوع، باب النجش. ووصله مسلم في صحيحه برقم (1718)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)) (1)، فكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وتكون عملاً مردوداً.
قوله: ((وكل متسم بغير الإسلام مبتدع)): فالتسمي فيه انتساب إلى أئمة البدع، أو إلى المذهب البدعية. ثم ضرب المؤلف رحمه الله لذلك أمثلة، فقال:
قوله: ((والجهمية)): نسبة إلى الجهم بن صفوان، إمام المعطلة.
قوله: ((والقدرية)): نسبة إلى القول بنفي القدر، فهو انتساب إلى مذهب باطل.
قوله: ((والكرامية)): نسبة إلى محمد بن كرام شيخ الكرامية.
قوله: ((والكلابية)): نسبة إلى عبدالله بن سعيد بن كلاب، وله أقوال بدعية، وهو أقرب إلى السنة من غيره، وهو الذي سلك الأشعري خطته، كما قاله ابن تيمية رحمه الله.
قوله: ((والسالمية)): نسبة إلى محمد بن أحمد بن سالم البصري.
(1) قطعة من حديث رواه مسلم في صحيحه برقم (867)، من حديث جابر رضي الله عنه. وعند أبي داود في سننه برقم (4607) من حديث العرباض رضي الله عنه مرفوعاً:((إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)).