الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحاديث فيها إثبات القضاء لله سبحانه وتعالى، وأن ما يقع فهو بقضائه وتقديره وتدبيره.
الاعتقاد الحق في الجمع بين الشرع والقدر
ولا نجعلُ قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره، واجتناب نواهيه، بل يجب أن نؤمن ونعلم أن لله علينا الحجة بإنزال الكتب، وبعثة الرسل، قال الله تعالى:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165]، ونعلم أن الله سبحانه وتعالى ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك، وأنه لم يجبر أحداً على معصية، ولا اضطره إلى ترك طاعة، قال الله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، وقال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، وقال تعالى:{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر:17]، فدل على أن للعبد فعلاً وكسباً، يجزى على حسنه بالثواب، وعلى سيئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره.
الشرح
قوله: ((ولا نجعلُ قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره، واجتناب نواهيه، بل يجب أن نؤمن ونعلم أن لله علينا الحجة بإنزال الكتب، وبعثة الرسل، قال الله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165])): يقول رحمه الله: لا تفعل فعل القدرية الجبرية المُشْركيَّة، الذين يغلون في إثبات
القدر، ويعارضون به الشرع، ويحتجون به على الشرك والذنوب، كما قال الله تعالى عن المشركين:{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:148]، وهي كلمة حق أريد بها باطل، وهي حجة داحضة، ولله الحجة البالغة.
يقول الشيخ رحمه الله: فلا نجعل القدر عذراً لنا في مخالفة أوامر الله ونواهيه، بل نعترف بذنوبنا، ونستغفر الله منها، ونؤمن بأن الحجة لله علينا، بإرسال رسله، وإنزال كتبه، وأن ليس للناس حجة على بعد ذلك:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:165].
قوله: ((واجتناب نواهيه)): عطف على ((أوامره))، والتقدير: في ترك أوامره، وترك اجتناب نواهيه.
والاحتجاج بالقدر على الذنوب هو سبيل إبليس وأتباعه، كما قال الله تعالى عنه:{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16].
قوله: ((ونعلم أن الله سبحانه وتعالى ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك، وأنه لم يجبر أحداً على معصية، ولا اضطره إلى ترك طاعة، قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، وقال تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر:17]، فدل على أن للعبد فعلاً وكسباً، يجزى على حسنه بالثواب، وعلى سيئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره)): أراد الشيخ رحمه الله بهذا الفصل الرد على الجبرية
القائلين: بأن العبد مجبور على أفعاله، ليس له قدرة ولا إرادة، بل أفعاله كحركة المرتعش، وكالريشة في مهب الريح، وهذا مذهب الجهمية.
والحق أن الله لم يأمر العباد ولم يكلفهم إلا بما لهم قدرة عليه، لا يكلفهم بما يعجزون عنه، ولا يستطيعونه، كما قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، وقوله:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97]، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286].
ومما يدل على بطلان قول الجبرية: أن الله تعالى رتب الجزاء على الأعمال ثواباً وعقاباً، فأخبر أنه يثيب المحسنين، ويعاقب المسيئين، كما قال تعالى:{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31]، والجزاء إنما يكون على ما للعبد عليه قدرة، وله فيه اختيار.
ويجب مع الإيمان بأن للعبد قدرة ومشيئة وله فعل حقيقة؛ يجب الإيمان بأن كل ذلك جار بقدر الله، فالعبد لا يشاء إلا أن يشاء الله، والله خالق قدرته ومشيئته وفعله، إذ لا خروج لشيء عن قدرة الله ومشيئته، كما لا خروج لشيء عن علمه، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ، {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر:62]، فمذهب أهل السنة والجماعة في أفعال العباد وسط بين مذهبي الجبرية والقدرية؛ النافين للقدر، القائلين بأن العباد هم الخالقون لأفعالهم.