الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يخطر بباله؛ بل ويعلم ويعتقد أن الله في السماء، فوق جميع المخلوقات، ويعلم ويعتقد بأنه سبحانه له هذه الصفات الذاتية والفعلية، فكل هذا يؤمن به ويعتقده، لكن الشأن فيما يخطر بالبال من الكيفيات، وما يتخيله الإنسان؛ فإن الله تعالى بخلاف ذلك، لأن العبد إنما يتخيل في حدود ضيقة، مما يحسه وما يشاهده ونحو ذلك، وكيفية ذاته وصفاته بخلاف كيفية ذات وصفات المخلوقين، وقد عَلِمْنا أن الخوض في الكيفية يستلزم التمثيل، فالتشبيه يستلزم التمثيل، ولا يمكن للمرء أن يفكر في ذات الله سبحانه، لأن الكيف مجهول.
تتمة النصوص في الاستدلال للصفات
ومن ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، وقوله:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16]}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:((ربَّنا الله الذي في السماء تقدَّس اسمك))، وقال للجارية:((أين الله؟)) قالت: في السماء. قال: ((اعتقها فإنها مؤمنة))، رواه مالك بن أنس، ومسلم، وغيرهما من الأئمة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحُصَين:((كم إلهاً تعبد؟)) قال: سبعة؛ ستة في الأرض، وواحداً في السماء، قال:((ومن لرهبتك ورغبتك؟)) قال: الذي في السماء. قال: ((فاترك الستة، واعبد الذي في السماء، وأنا أعلمك دعوتين)). فأسلم وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: ((اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي))، وفيما نقل من علامات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الكتب المتقدمة: أنهم يسجدون بالأرض، ويزعمون
أن إلههم في السماء، وروى أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن ما بين سماءٍ إلى سماءٍ مسيرة كذا وكذا -وذكر الخبر إلى قوله: - وفوق ذلك العرش، والله سبحانه فوق ذلك))، فهذا وما أشبهه مما أجمع السلف رحمهم الله على نقله وقبوله، ولم يتعرضوا لرده ولا تأويله، ولا تشبيهه ولا تمثيله، سئل مالك بن أنس الإمام رضي الله عنه فقيل: يا أبا عبدالله! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟ فقال: ((الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)) ثم أَمَر بالرجل فَأُخرج.
الشرح
قوله: ((ومن ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، وقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16]})): عاد رحمه الله إلى ذكر بعض النصوص الدالة على بعض الصفات.
قوله: ((وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ربَّنا (1) الله الذي في السماء تقدَّس اسمك)) (2)، وقال للجارية:((أين الله؟)) قالت: في السماء.
(1) ضبصها الشارح حفظه الله بقوله: ((ربَّنا: أي يا ربَّنا))، وفي عون المعبود (10/ 274):((ربَّنا: بالنصب على النداء)).
(2)
رواه أحمد في مسنده برقم (23957)، عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، وفي إسناده: ابن أبي مريم عن الأشياخ. وفي تحقيق المسند: ((إسناده ضعيف، لضعف أبي بكر بن عبدالله بن أبي مريم، ولإبهام الشيوخ الذين روى عنهم)).
ورواه أبو داود في سننه برقم (3892)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (10807)، والحاكم في المستدرك (1/ 344)، وقال:((قد احتج الشيخان بجميع رواة هذا الحديث؛ غير زيادة بن محمد، وهو شيخ من أهل مصر قليل الحديث))، والثلاثة رووه: عن أبي الدرداء رضي الله عنه، وفي إسناده عندهم: زيادة بن محمد الأنصاري، قال عنه الحافظ في التقريب (ص 350):((منكر الحديث))، قال عنه الذهبي في الميزان (2/ 98 - 2988): ((قال البخاري والنسائي: منكر الحديث
…
وقد انفرد بحديث الرقية
…
))، وانظر عون المعبود (10/ 275).
قال: ((اعتقها فإنها مؤمنة))، رواه مالك بن أنس (1)، ومسلم (2)، وغيرهما من الأئمة (3)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحُصَين:((كم إلهاً تعبد؟)) قال: سبعة؛ ستة في الأرض، وواحداً في السماء، قال:((ومن لرهبتك ورغبتك؟)) قال: الذي في السماء. قال: ((فاترك الستة، واعبد الذي في السماء، وأنا أعلمك دعوتين)). فأسلم وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: ((اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي)) (4))): ذكر المؤلف رحمه الله آيتين وأحاديث؛ وفيها الدلالة على علو الله
(1) رواه مالك في الموطأ (ص 552/ 1464).
(2)
رواه مسلم في صحيحه برقم (537)، عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه.
(3)
رواه أحمد في مسنده برقم (19992)، وأبو داود في سننه برقم (930 - 3282)، والنسائي في سننه برقم (1218)، قال محقق المسند:((إسناده صحيح على شرط الشيخين)).
(4)
رواه الترمذي في سننه برقم (3483) وقال: ((هذا حديث غريب، وقد روي هذا الحديث عن عمران بن حصين من غير هذا الوجه))، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي، ونقل المزي في تحفة الأشراف عن الترمذي قوله:((حسن غريب))، ونقل النووي في رياض الصالحين قوله:((حسن))، قال الألباني في تعليقه على رياض الصالحين:((ولعله في بعض نسخ الترمذي، وإلا ففي نسخ بولاق: ((حديث غريب)) يعني: ضعيف، وهو اللائق بحال إسناده فإن فيه انقطاعاً وضعفاً)).
على خلقه، واستواءه على عرشه، والقول في أدلة العلو والاستواء: كالقول في سائر أدلة الصفات، فنؤمن بما دلت عليه من الصفات، ولا نصرفها عن ظاهرها، فنؤمن بأنه سبحانه فوق العرش، مستوٍ عليه، وأن العرش سقف المخلوقات، وهو في السماء، أي: في جهة العلو المطلق؛ الذي ليس وراءه شيءٌ، فهو تعالى الظاهر الذي ليس فوقه شيء، وهو فوق كل شيء، وليس فوقه شيءٌ.
قوله: ((وفيما نقل من علامات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الكتب المتقدمة: أنهم يسجدون بالأرض، ويزعمون أن إلههم في السماء (1)، وروى أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن ما بين سماءٍ إلى سماءٍ مسيرة كذا وكذا -وذكر الخبر إلى قوله: - وفوق ذلك العرش، والله سبحانه فوق ذلك)) (2))): وتمام هذا
(1) أسنده المصنف رحمه الله في كتابه العلو (ص 78) عن عدي بن عميرة بن فروة العبدي رضي الله عنه، حيث سمع يهودياً اسمه: ابن شهلاء يحدث بهذا الخبر. وذكره الذهبي في كتابه (العلو للعلي الغفار) من طريقين، قال عن الأول (1/ 325 - ح 35):((هذا حديث غريب))، والثاني من طريق ابن قدامة (1/ 373 - ح 50) رحمهم الله، وهذا الخبر سمعه عدي بن عميرة من الحبر اليهودي، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك أسلم وتبعه. وأورد القصة ابن حجر في كتابه (الإصابة في معرفة الصحابة 7/ 132).
(2)
قطعة من حديثٍ رواه أحمد في مسنده برقم (1770)، وأبو داود في سننه برقم (4723)، والترمذي في جامعه برقم (3320)، وابن ماجه في سننه برقم (193) من حديث العباس رضي الله عنه، قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مناظرة الواسطية (3/ 192): ((هذا الحديث مع أنه رو
…
اه أهل السنن كأبي داود، وابن ماجه، والترمذي، وغيرهم: فهو مروي من طريقين مشهورين؛ فالقدح في أحدهما لا يقدح في الآخر)). وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (3/ 398 - ح 1247)، وأجاب عن تقوية شيخ الإسلام ابن تيمية له، رحم الله الجميع.
الحديث: ((ويعلم ما أنتم عليه))، وهذا الحديث من شواهد إثبات علو على خلقه، واستواءه على عرشه، وقد دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، والآثار من أقوال الصحابة والتابعين والأئمة؛ كلها متطابقة ومتضافرة على إثبات العلو لله تعالى، وهي تدل على أن العلو لله تعالى على ثلاثة أنواع:
- الأول: علو بذاته.
- الثاني: علو القدر.
- الثالث: علو القهر.
فالثاني والثالث ليس فيهما نزاع بين الطوائف، وإنما النزاع في النوع الأول؛ في علوه تعالى بذاته، ففيه نزاع بين أهل السنة ومخالفيهم من أهل البدعة.
قوله: ((فهذا وما أشبهه مما أجمع السلف رحمهم الله على نقله وقبوله، ولم يتعرضوا لرده ولا تأويله، ولا تشبيهه ولا تمثيله.
سئل مالك بن أنس الإمام رضي الله عنه فقيل: يا أبا عبدالله! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟ فقال: ((الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب،
والسؤال عنه بدعة)) ثم أَمَر بالرجل فَأُخرج)) (1): هذه الكلمات تروى عن الإمام مالك رحمه الله، وهي أشهر، وعن شيخه ربيعة، وهذه الكلمات الأربع منهج في إثبات الصفات، فهي تتضمن الإثبات والعلم بالمعنى؛ لكن مع الإمساك عن التكييف.
قوله: ((الاستواء غير مجهول)): أي معلوم، لأن الله تعالى خاطبنا بلسان عربي مبين، فمعنى الاستواء في اللغة معلوم.
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/ 365) في شرح حديث النزول: ((ومثل هذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك، وقد روى هذا الجواب عن أم سلمة رضى الله عنها موقوفاً ومرفوعاً، ولكن ليس إسناده مما يعتمد عليه، وهكذا سائر الأئمة قولهم يوافق قول مالك)) وقال في الفتوى الحموية (ص 303): ((وروى الخلال بإسناد كلهم ثقات عن سفيان بن عيينة قال: سئل ربيعة بن أبي عبدالرحمن عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟
…
فذكر الجواب؛ ثم قال: وهذا الكلام مروى عن مالك بن أنس تلميذ ربيعة بن أبى عبدالرحمن من غير وجه
…
)) وساق بعض هذه الأوجه. قال الذهبي في العلو (2/ 954): ((هذا ثابت عن مالك، وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبة: أن كيفية الاستواء لا نعقلها؛ بل نجهلها، وأن استواءه معلوم كما أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به، لا نعمق ولا نتحذلق، ولا نخوض في لوازم ذلك نفياً ولا إثباتاً، بل نسكت ونقف كما وقف السلف، ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إلى بيانه الصحابة والتابعون، ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه، ونعلم يقيناً مع ذلك أن الله جل جلاله لا مثل له في صفاته، ولا في استوائه، ولا في نزوله، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً))، قال ابن حجر في فتح الباري (13/ 417): ((وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب قال: كنا عند مالك
…
)) فذكره.