الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَوْقِعَةُ صِفِّيْنَ
(1)
صِفِّيْنُ: مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الرِّقَةِ على شَاطِئِ الفُرَاتِ مِنَ الجَانِبِ الغَرْبِي بَيْنَ الرِّقَةِ وبالِسَ.
وفِيْهِ كانَتْ مَوْقِعَةُ صِفِّيْنَ الَّتي دَارَتْ رَحَاها بَيْنَ أهْلِ العِرَاقِ مِنْ أصْحَابِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وبَيْنَ أهْلِ الشَّامِ مِنْ أصْحَابِ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه؛ في شَهْرِ صَفَرَ سَنَةَ (37).
* * *
وذَلِكَ أنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه لمَّا فَرَغَ مِنْ وَقْعَةِ الجَمَلِ، ودَخَلَ البَصْرَةَ، وشَيَّعَ أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ رضي الله عنها لمَّا أرَادَتِ الرُّجُوْعَ إلى مَكَّةَ، ثمَّ سَارَ مِنَ البَصْرَةِ إلى الكُوْفَةِ فَدَخَلَهَا، وكان في نِيَّتِهِ أنْ يَمْضِيَ لِيُرْغِمَ أهْلَ الشَّامِ على الدُّخُوْلِ في طَاعَتِهِ كَمَا كان في نِيَّةِ مُعَاوِيَةَ ألَاّ يُبَايِعَ حتَّى يُقَامَ الحَدُّ على قَتَلَةِ عُثْمَانَ رضي الله عنه، أو يُسَلَّمُوا إلَيْهِ
(1) انظر مَوْقِعَةَ صِفِّيْنَ «تَارِيْخَ خَلِيْفَةَ» (191 ـ 197)، و «تَارِيخَ اليَعْقُوْبِي» (2/ 184) و «تَارِيخَ الطَّبَرِيِّ» (4/ 561)، و «البِدَايَةَ والنِّهايَةَ» لابنِ كَثِيْرٍ (7/ 253)، و «تَارِيخَ ابنِ خُلْدُوْنٍ» (2/ 169) و «مُعْجَمَ البُلْدَانِ» للحَمَوِيِّ (3/ 414 ـ 415)
ليَقْتُلَهُم، ولمَّا دَخَلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه الكُوْفَةَ شَرَعَ في مُرَاسَلَةِ مُعَاوِيَةَ ابنِ أبي سُفْيَانَ رضي الله عنهما، فَقَدْ بَعَثَ إلَيْهِ جَرِيْرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيَّ، ومَعَهُ كِتَابٌ أعْلَمَهُ فِيْهِ باجْتِمَاعِ المُهَاجِرِيْنَ والأنْصَارِ على بَيْعَتِهِ، ودَعَاهُ فِيْهِ إلى الدُّخُوْلِ فِيْمَا دَخَلَ فِيْهِ النَّاسُ، فَلَمَّا انْتَهَى إلَيْهِ جَرِيْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أعْطَاهُ الكِتَابَ فَطَلَبَ مُعَاوِيَةُ عَمْرَو بْنَ العَاصِ ورُؤُوْسَ أهْلِ الشَّامِ، فاسْتَشَارَهُم فأبَوْا أنْ يُبَايِعُوا حتَّى يَقْتُلَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، أو أنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِم قَتَلَةَ عُثْمَانَ رضي الله عنه فَرَجَعَ جَرِيْرٌ إلى عَلِيٍّ فأخْبَرَهُ بِمَا قَالُوا.
(1) انظر «تَارِيْخ الأُمَمِ والمُلُوْكِ» لابنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ (4/ 573)، و «الكَامِلَ» لابنِ الأثِيْرِ (3/ 285 - 286)، و «البِدَايَةَ والنِّهايَةَ» لابنِ كَثِيْرٍ (7/ 280).
ولمَّا رَجَعَ أُوْلَئِكَ النَّفَرُ إلى عَلِيٍّ رضي الله عنه، وأخْبَرُوهُ بِجَوَابِ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه لَهُم، وأنَّهُ لَنْ يُبَايِعَ حَتَّى يَقْتُلَ القَتَلَةَ، أو يُسْلِمَهُم، عِنْدَ ذَلِكَ نَشَبَتِ الحَرْبُ بَيْنَ الفَرِيْقَيْنِ
…
فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَ أهْلُ الشَّامِ المَصَاحِفَ فَوْقَ الرِّمَاحِ، وقالُوا: هذا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ، قَدْ فَنَى النَّاسُ فَمَنْ لِثُغُورِ أهْلِ الشَّامِ بَعْدَ أهْلِ الشَّامِ؟ ومَنْ لِثُغُوْرِ العِرَاقِ بَعْدَ أهْلِ العِرَاقِ؟ فَلَمَّا رَأَىَ النَّاسُ المَصَاحِفَ قَدْ رُفِعَتْ قالُوا: نُجِيْبُ إلى كِتَابِ اللهِ عز وجل، ونُنِيْبُ إلَيْهِ» (1)، ولمَّا رُفِعَتِ المَصَاحِفُ فَوْقَ الرِّمَاحِ تَوَقَّفَتِ الحَرْبُ
…
فَتَمَّ الاتِّفَاقُ بَيْنَ الفَرِيْقَيْنِ على التَّحْكِيْمِ بَعْدَ انتِهَاءِ مَوْقِعَةِ صِفِّيْنَ، وهو أنْ يُحَكِّمَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلاً مِنْ جِهَتِهِ، ثمَّ يَتَّفِقَ الحَكَمَانِ على مَا فِيْهِ مَصْلَحَةُ المُسْلِمِيْنَ، فَوَكَّلَ مُعَاوِيَةُ عَمْرَو بنَ العَاصِ، ووكَّلَ عَلِيٌّ أبا مُوْسَى الأشْعَرِيَّ رضي الله عنهم جَمِيْعًا، ثمَّ أخَذَ الحَكَمَانِ مِنْ عَلِيٍّ ومُعَاوِيَةَ ومِنَ الجُنْدَيْنِ العُهُوْدَ والمَوَاثِيْقَ أنَّهُمَا آمِنَانِ على أنْفُسِهِمَا وأهْلِهِمَا، والأمَّةُ لَهُمَا أنْصَارٌ على الَّذِي يَتَقَاضَيَانِ عَلَيْهِ، وعلى المُؤْمِنِيْنِ والمُسْلِمِيْنَ مِنَ الطَائِفَتَيْنِ كِلَيْهِمَا عَهْدُ اللهِ، ومِيْثَاقُهُ
(1) انظر «تَارِيْخَ الأُمَمِ والمُلُوْكِ» لابنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ (4/ 574 - 575)، و «الكَامِلَ» لابنِ الأثِيْرِ (3/ 286 - 287)، و «البِدَايَةَ والنِّهايَةَ» لابنِ كَثِيْرٍ (7/ 280 - 281)
أنَّهُمَا على ما في ذَلِكَ الكِتَابِ، وأجَّلا القَضَاءَ إلى رَمَضَانَ، وإنْ أحَبَّا أنْ يُؤَخِّرَا ذَلِكَ فَعَلى تَرَاضٍ مِنْهُمَا (1).
فَلَمَّا اجْتَمَعَ الحَكَمَانِ وتَرَاوَضَا على المَصْلَحَةِ لِلمُسْلِمِيْنَ، ونَظَرَا في تَقْدِيْرِ الأمُوْرِ، ثمَّ اتَّفَقَا على أنْ يَكُوْنَ الفَصْلُ في مَوْضُوْعِ النِّزَاعِ بَيْنَ عَلِيٍّ ومُعَاوِيَةَ يَكُوْنُ لأعْيَانِ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ تَوَفَّى رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهو رَاضٍ عَنْهُم، هَذا ما اتَّفَقَ عَلَيْهِ الحَكَمَانِ فِيْمَا بَيْنَهُمَا لا شَيْءَ سِوَاهُ (2)!
* * *
(1) انظر «تَارِيْخَ الأُمَمِ والمُلُوْكِ» لابنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ (5/ 48 - 49)، و «الكَامِلَ» لابنِ الأثِيْرِ (3/ 316 - 318)، و «البِدَايَةَ والنِّهايَةَ» لابنِ كَثِيْرٍ (7/ 298 - 299)
(2)
«البِدَايَةُ والنِّهايَةُ» لابنِ كَثِيْرٍ (7/ 302 - 309)، و «الأُمَمُ والمُلُوْكُ» للطَّبَريِّ (5/ 67)، و «الكَامِلُ» لابنِ الأثِيْرِ (3/ 329).
(3)
انْظُرْ «البِدَايَةَ والنِّهايَةَ» لابنِ كَثِيْرٍ (6/ 245).
وإذَا كَانَ قَرَارُهُمَا الَّذي اتَّفَقَا عَلَيْهِ لم يَتِمَّ فَمَا في ذَلِكَ تَقْصِيْرٌ مِنْهُمَا؛ لأنَّهُمَا قَدْ قَامَا بِمُهِمَّتِهِمَا بِحَسَبِ ما أدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُمَا واقْتِنَاعُهُمَا، ولَوْ لم تُكَلِّفْهُمَا الطَّائِفَتَانِ مَعًا بأدَاءِ هذه المُهِمَّةِ لمَا تَعَرَّضَا لَهَا ولا أبْدَيا رَأيًا فِيْهَا، فَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وعَنْ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ أجْمَعِيْنَ!