الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَحْقِيْقُ قِصَّةِ الحَكَمَيْنِ رضي الله عنهما
أمَّا مَا يَذْكُرُهُ المُؤَرِّخُوْنَ مِنْ أنَّ الحَكَمَيْنِ لمَّا اجْتَمَعَا بأذْرُحَ مِنْ دُوْمَةِ الجَنْدَلِ (1)، وتَفَاوَضَا على أنْ يَخْلَعَا الرَّجُلَيْنِ (عَلِيًّا، ومُعَاوِيَةَ)، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ لأبي مُوْسَى: اسْبِقْ بالقَوْلِ، فتَقَدَّمَ فقَالَ: إنِّي نَظَرْتُ فَخَلَعْتُ عَلِيًّا عَنِ الأمْرِ، ويَنْظُرُ المُسْلِمُوْنَ لأنْفُسِهِم كَمَا خَلَعْتُ سَيْفِي هذا مِنْ عُنُقِي، وأخْرَجُهُ مِنْ عُنُقِهِ فَوَضَعَهُ في الأرُضِ، وقَامَ عَمْرُو فَوَضَعَ سَيْفَهُ في الأرُضِ، وقَالَ: إنِّي نَظَرْتُ فأثْبَتُّ مُعَاوِيَةَ في الأمْرِ: كمَا أُثْبِتُ سَيْفِي هذا في عَاتِقِي وتَقَلَّدَهُ، فأنْكَرَ أبُوْ مُوْسَى، فقَالَ عَمْرٌو: كَذَلِكَ اتَّفَقْنَا، وتَفَرَّقَ الجَمْعُ على ذَلِكَ مِنَ الاخْتِلافِ (2).
(1) أذْرُحُ: بَلَدٌ في أطْرافِ الشَّامِ، ودُوْمَةُ الجَنْدَلِ: اسمُ مَكَانٍ على سَبْعِ مَرَاحِلَ مِنْ دِمِشْقَ، انظر «مُعْجَمَ البُلْدَانِ» لياقُوْتَ الحَمَوِيِّ (1/ 174)، (2/ 486).
(2)
انظر «العَوَاصِمَ من القَوَاصِمِ» لابنِ العَرَبيِّ (174 - 176)، و «الأُمَمَ والمُلُوْكَ» للطَّبَريِّ (5/ 71)، و «الكَامِلَ» لابنِ الأثِيْرِ (3/ 332 - 333)، و «البِدَايَةَ والنِّهايَةَ» لابنِ كَثِيْرٍ (7/ 309 - 310).
فَهَذِهِ الحِكَايَةُ وما يَشْبَهُهَا مِنَ اخْتِلاقِ أهْلِ الأهْوَاءِ والبِدَعِ الَّذِيْنَ لا يَعْرِفُوْنَ قَدْرَ أبي مُوْسَى وعَمْرو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما، ومَنْزِلَتَهُمَا في الإسْلامِ!
* * *
قَالَ أبُو بَكْرٍ ابنُ العَرَبِيُّ مُبيِّنًا كَذِبَ هذه القِصَّةِ: «هذا كُلُّهُ كَذِبٌ صُرَاحٌ ما جَرَى مِنْهُ حَرْفٌ قَطُّ، وإنِّما هُوَ شَيْءٌ أخْبَرَ عَنْهُ المُبْتَدِعَةُ، ووضَعَتْهُ التَّارِيْخِيَّةُ (القَصَّاصُوْنَ) لِلْمُلُوكِ، فتَوَارَثَهُ أهْلُ المُجَانَةِ والجَهَارَةِ بِمَعَاصِي اللهِ والبِدَعِ» (1).
ولم يَكْتَفِ الوَاضِعُوْنَ مِنْ أهْلِ التَّارِيْخِ بِهَذا؛ بَلْ وَسَمُوا الحَكَمَيْنِ بِصِفَاتٍ مَرْذُوْلَةٍ هَزِيْلَةٍ يتَّخِذُوْنَ مِنْهَا وَسِيْلَةً لِلتَّفَكُّهِ والتَّنَدُّرِ!
فقَدْ وَصَفُوا عَمْرَو بْنَ العَاصِ رضي الله عنه: بأنَّهُ كان صَاحِبَ غَدْرٍ وخِدَاعٍ، ووصَفُوا أبا مُوْسَى رضي الله عنه أنَّهُ كان أبْلَهًا، ضَعِيْفَ الرَّأيِ، مَخْدُوْعًا في القَوْلِ، كما وصَفُوْهُ بأنَّهُ كان على جَانِبٍ كَبِيْرٍ مِنَ الغَفْلَةِ (2).
(1)«العَوَاصِمُ مِنَ القَوَاصِمِ» لابنِ العَرَبِيِّ (177).
(2)
انظر «الأُمَمَ والمُلُوْكَ» للطَّبَريِّ (5/ 70)، و «الكَامِلَ» لابنِ الأثِيْرِ (3/ 332 - 333)، و «مُرُوْجَ الذَّهَبِ» للمَسْعُوْدِيِّ (2/ 684 - 685).
ونَخْتِمُ كلامَنَا بِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ نَاصِرُ الشَّيْخُ: «وكُلُّ ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في هذا المَبْحَثِ عَنْ مَوْقِعَتَيْ (الجَمَلِ وصِفِّيْنَ)، وقَضِيَّةِ التَّحَكِيْمِ: هو اللائِقُ بِمَقَامِ الصَّحَابَةِ فَهُوَ خَالٍ ممَّا دَسَّهُ الشِّيَعَةُ الرَّافِضَةُ وغَيْرُهُم على الصَّحَابَةِ في تِلْكَ المَوَاطِنِ مِنَ الحِكَايَاتِ المُخْتَلَقَةِ، والأحَادِيْثِ المَوْضُوْعَةِ وممَّا يَعْجَبُ لَهُ الإنْسَانُ أنَّ أعْدَاءَ الصَّحَابَةِ إذا دُعُوا إلى الحَقِّ أعْرَضُوا عَنْهُ، وقالُوا: لَنَا أخْبَارُنا ولَكُمْ أخْبَارُكُمْ، ونَحْنُ حِيْنَئِذٍ نَقُوْلُ لَهُم كَمَا قال تعالى: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}» (1).
والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ
(1)«عَقِيْدَةُ أهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ في الصَّحَابَةِ» لنَاصِرٍ الشَّيْخِ (2/ 726).