الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا وَقَعَ بَينَ الصَّحَابَةِ قَدْ دَلَّتْ عَلَيْه
النُّصُوصُ الشَّرْعَيَّةُ
هُنَاكَ نُصُوصٌ شَرْعِيَّةٌ قَدْ أَشَارَتْ وَأَخْبَرَتْ بِمَا سَيَقَعُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مِنْ قِتَالٍ ونِزَاعٍ مَعَ بَيَانِ فَضْلِهِم وَاصْطِفَائِهِم كَمَا مَرَّ مَعَنَا آنِفًا، فَمِنْهَا:
مَا رَوَاهُ الشَيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيْمَةٌ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ» (1) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
فَالمُرَادُ بِالفِئَتَيْنِ في هَذَا الحَدِيْثِ جَمَاعَةُ عَلِيٍّ، وَجَمَاعُةُ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنهما، والمُرَادُ بالدَّعْوَةِ أيْضًا الإسْلامُ على الرَّاجِحِ، وقِيْل المُرَادُ: اعْتِقَادُ كُلٍّ مِنْهُما الحَقَّ (2).
* * *
(1) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (4/ 231)، ومُسْلِمٌ (4/ 2214).
(2)
انظُرْ «فَتْحَ البارِي» لابنِ حَجَرٍ (12/ 303).
وعَنْ أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ جَاءَ الحَسَنُ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، ولَعَلَّ اللهَ أنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ» (1) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
ففِي هَذَا الحَدِيْثِ شَهَادَةٌ مِنَ النَبِيِّ صلى الله عليه وسلم بإسْلامِ الطَّائِفَتَيْنِ ـ أهْلِ العِرَاقِ وأهْلِ الشَّامِ ـ لِذَا كَانَ يَقُوْلُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنةَ رحمه الله: «قَوْلُهُ: فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، يُعْجِبُنَا جِدًّا» .
* * *
وهَذَا عَلِيُّ بْنُ أبي طَالِبٍ رضي الله عنه يَقُوْلُ فِيْمَا رَوَاهُ حَمْزَةُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أبِيْهِ قَالَ: وقَفَ عَلِيُّ بْنُ أبي طَالِبٍ عَلَى قَتْلاهُ وقَتْلَى مُعَاوِيَةَ، فقَالَ:«غَفَرَ اللهُ لَكُم» لِلْفَرِيْقَيْنِ جَمِيْعًا» (3).
(1) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (2704)، (3746).
(2)
«الاعْتِقَادُ» للبَيْهَقِيِّ ص (198)، و «فَتْحُ البارِي» لابنِ حَجَرٍ (13/ 66).
(3)
«تَنْزِيهُ خَالِ المُؤْمِنِيْنَ مُعَاوِيَةَ بنِ أبي سُفْيانَ» لأبي يَعْلَى الحَنْبَلِيِّ (92).
وقَالَ أيْضًا فِيْمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عُرْوَةَ (126) قالَ: أخْبَرَني مَنْ شَهِدَ
صِفِّيْنَ، قَالَ: رَأيْتُ عَلِيًّا خَرَجَ في بَعْضِ تِلْكَ اللَّيَالِي فَنَظَرَ إلى أهْلِ الشَّام، فَقَالَ:«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ولَهُم» (1).
ورَوَى الشَّعْبِيُّ (104) قَالَ: قُلْتُ لِلْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ: ما شَأنُ الحَسَنِ (ابْنِ عَلِيٍّ) بايَعَ مُعَاوِيَةَ؟
قَالَ: إنَّه سَمِعَ مِنْ أمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيِّ بْنِ أبي طَالِبٍ ما سَمِعْتُ.
قُلْتُ: ومَا سَمِعْتَ؟
قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: «لا تَكْرَهُوا إمَارَةَ مُعَاوِيَةَ، فإنَّكُم لَو فَقَدتُّمُوهُ رَأيْتُم رُؤُوْسًا تَبْدُرُ عَنْ كَوَاهِلِها كأنَّهَا الحَنْظَلُ» (2) ابنُ أبي شَيْبَةَ.
وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «لا تَسُبُّوا أصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فِإنَّ اللهَ قَدْ أمَرَنَا بالاسْتِغْفَارِ لَهُمْ، وهُوَ يَعْلَمُ أنَّهُم سَيَقْتَتِلُونَ» (3).
* * *
(1) أخْرَجَهُ ابنُ أبي شَيْبَةَ في «مُصَنَّفِهِ» (15/ 297)، وانُظْر «تَنْزِيهُ خَالِ المُؤْمِنِيْنَ مُعَاوِيَةَ» لأبي يَعْلَى (93).
(2)
أخْرَجَهُ ابنُ أبي شَيْبَةَ في «مُصَنَّفِهِ» (15/ 293) وانُظْر «تَنْزِيهُ خَالِ المُؤْمِنِيْنَ مُعَاوِيَةَ» لأبي يَعْلَى (93).
(3)
«الشَّرْحُ والإبانَةُ» لابنِ بَطَّةَ (119)، وأوْرَدَهُ القُرْطُبيُّ في «تَفْسِيْرِه» (18/ 33)
وهَذِهِ الأحَادِيْثُ والآثَارُ المُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا قَاطِعَةٌ بأنَّ أهْلَ العِرَاقِ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ كَانُوا مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طَالِبٍ، وأهْلَ الشَّامِ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ كَانُوا مَعَ مُعَاوِيَةَ بنِ أبي سُفْيَانَ بأنَّهُم مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، ومُتَعلِّقُوْنَ جَمِيْعًا بالحَقِّ، كَمَا شَهِدَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ (1).
(1) وفي هذا رَدٌّ على طَائِفَتَيْنِ ضَالَّتَيْنِ: الخَوَارِجِ الَّذِيْنَ كَفَّرُوا الصَّحَابَةَ، والشِّيْعَةِ الَّذِيْنَ كَفَّرُوا مُعْظَمَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم!
(2)
انظُرْ «مِنْهَاجَ السُّنةِ» لابنِ تَيْمِيَّةَ (4/ 449 - 450).