الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ الثَّاني عَدَدُ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ حَضَرُوا الفِتْنَةَ
أمَّا عَدَدُ الصَّحَابَةِ الذِيْنَ حَضَرُوا أيَّامَ الفِتْنَةِ (الجَمَلِ وصِفَّيْنَ) فَهُوَ قَلِيْلٌ جِدًّا، لا يَكَادُوْنَ يَتَجَاوَزُوْنَ الثَّلاثِيْنَ قَطْعًا، وهم أيْضًا مَعَ حُضُورِهِم هذا لم يُقَاتِلْ مِنْهُم أحَدٌ ابْتِدَاءً، أمَّا أكَابِرُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنِ الجَمِيْعِ فَلَمْ يَدْخُلُوا في فِتْنَةٍ قَطُّ (1)!
وعَلى هَذَا؛ نَدْفَعُ كَثِيْرًا ممَّا هو مَوْجُوْدٌ في كُتُبِ التَّارِيْخِ المُعْتمَدِ منها أو المُنْتَقَدِ، أو ممَّا يَتَنَاقَلُهُ النَّاسُ على ألْسِنَتِهِم، أو في مَجَالِسِهِم: أنَّ القِتَالَ كان بَيْنَ جُمْهُوْرِ الصَّحَابَةِ!
* * *
(1) مِنَ المُقَرَّرِ عِنْدَ أهْلِ السُّنةِ والجَمَاعَةِ: أنَّ أحَدًا مِنَ الصَّحَابةِ رضي الله عنهم لَمْ يَدْخُلْ في بِدْعَةٍ، أو فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ بدَافِعِ الهَوَى، أو الفَسَادِ، أو حُبِّ الدُّنْيا كَلَاّ؛ اللَّهُمَّ ما كَانَ مِنْ تَأوِيْلٍ واجْتِهَادٍ في بَعْضِ المسَائِلِ والموَاقِفِ الخَفِيَّةِ كَما هُو ظَاهِرُ مَعْرَكَتَيْ (الجَمَلِ، وصِفِّيْنَ)، فَهُم قَطْعًا بَيْنَ أجْرَيْنِ أو أجْرٍ، وبَيْنَ مَغْفُوْرٍ ومَأجُوْرٍ!
نَعَمْ؛ إنَّ أيَّامَ الفِتْنَةِ في الصَّدْرِ الأوَّلِ إذا أُطْلِقَتْ لا تَنْصَرِفُ إلَاّ لِلْصَّحَابَةِ،
إلَاّ أنَّ هذِهِ النِّسْبَةَ إليْهِم خَرَجَتْ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ المَعَارِكِ باسْمِ أُمَرَائِها وأشْرَافِهَا
…
والصَّحَابَةُ وقْتَئِذٍ هُم أُمَرَاءُ النَّاسِ وأفَاضِلُهُم!
* * *
وقَدْ ذَكَرَ ابنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله في كِتَابِهِ العُجَابِ العُبَابِ (مِنْهَاجِ السُّنَّةِ النَبَوِيَّةِ)(1)
بَعْضَ الآثَارِ السَّلَفِيَّةِ التي تَزِيْدُ المُسْلِمَ يَقِيْنًا على أنَّ أصَحَابَ رَسُوْلِ اللهِ (كَانُوا على السَّلامَةِ والمُسَالَمَةِ حَيَاةً ومَمَاتًا: «قال عَبْدُ اللهِ بنُ أحْمَدَ حَدَّثَنَا أبي، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْلُ (يَعْنِي ابنَ عُلَيَّةَ)، حَدَثَّنَا
(1)«مِنْهَاجُ السُّنةِ» لابنِ تَيْمِيَّةَ (6/ 236 - 237)، و «البِدَايَةُ والنِّهَايَةُ» لابنِ كَثِيْرٍ (10/ 474).
* أمَّا «مِنْهَاجُ السُّنةِ النَّبوِيَّةِ» فهُوَ بِحَاجَةٍ إلى تَقْرِيْبٍ لطُلابِ العِلْمِ تَقْرِيبًا عِلْمِيًّا وتِهْذِيْبًا مُحَرَّرًا مَعَ فَهَارِسَ دَقِيْقَةٍ لمِسَائِلِهِ وفَوَائِدِه، كُلُّ هَذا لأنَّ الكِتَابَ بِحَجْمِه هَذا أضْحَى للأسَفِ في زَمانِنا (حِجْرًا مَحْجُورًا) على طُلابِ العِلْمِ المُعْتَنِيْنَ بالعَقِيْدَةِ، فالكِتَابُ يَضُمُّ بَيْنَ دَفَّتَيْهِ أصُوْلاً وفُرُوعًا، وفَوَائِدَ وفَرَائدَ. تَحْتَاجُ إلى تَقْرِيْبٍ وتَرْتِيْبٍ؛ لاسِيَّما أنَّ أكْثَرَ مَسَائِلِه لَهَا تَعَلُّقٌ بالشِّيْعَةِ الَّذِيْنَ يَزْدَادُوْنَ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، فَحَسْبُنا اللهُ ونِعْمَ الوَكِيْلُ!
أيُّوْبُ السِّخْتِيَانيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ قال:«هَاجَتِ الفِتْنَةُ وأصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةَ آلافٍ، فَمَا حَضَرَهَا مِنْهُم مائَةٌ؛ بَلْ لم يَبْلُغُوا ثَلاثِيْنَ» .
وهَذَا الإسْنَادُ قال عَنْهُ ابنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: «مِنْ أصَحِّ الأسَانِيْدِ على وَجْهِ الأرْضِ، ومُحَمَّدُ بْنُ سِيْرِيْنَ مِنْ أوْرَعِ النَّاسِ، ومَرَاسِيْلُهُ مِنْ أصَحِّ المَرَاسِيْلِ!» .
وقَالَ الشَّعْبِيُّ رحمه الله: «لم يَشْهَدِ الجَمَلَ مِنْ أصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ عَلِيٍّ، وعَمَّارٍ، وطَلْحَةَ، والزُّبَيْرِ، فإنْ جَاءُوا بِخَامِسٍ فأنَا كَذَّابٌ» . وقَدْ رَوَى ابنُ بَطَّةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأشَجِّ قال: «أما إنَّ رِجَالاً مِنْ أهْلِ بَدْرٍ لَزِمُوا بُيُوْتَهُم بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَخْرُجُوا إلَاّ إلى قُبُوْرِهِم» .
قَالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ: «وأمَّا الصَّحَابَةُ فَجُمْهُورُهُم، وجُمْهُوْرُ أفاضِلِهِم ما دَخَلُوا في فِتْنَةٍ» (1).
فالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ
(1)«مِنْهَاجُ السُّنةِ» لابنِ تَيْمِيَّةَ (6/ 236).