الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقْوَالُ النَّاسِ فِيْمَا وَقَعَ في صِفِّيْنَ
فلا رَيْبَ أنَّ مَا وَقَعَ بَيْنَ العَسْكَرَيْنِ (عَسْكَرِ عَلِيٍّ ومُعَاوِيَةَ بِصِفِّيْنَ)، لم يَكُنْ لِعَلِيٍّ ومُعَاوِيَةَ رضي الله عنهما اخْتِيَارٌ في الحَرْبِ ابْتِدَاءً؛ بَلْ كَانَا مِنْ أشَدِّ النَّاسِ حِرْصًا على أنْ لا يَكُوْنَ قِتَالٌ.
وقِتَالُ صِفِّيْنَ لِلْنَّاسِ فِيْهِ أقْوَالٌ:
الأوَّلُ: مَنْ يَقُوْلُ: كِلاهُمَا كَانَا مُجْتَهِدًا مُصِيْبًا، وَبِهِ قَالَ أكْثَرُ أهْلِ الكَلامِ، والفِقْهِ، والحَدِيْثِ ممَّنْ يَقُوْلُ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيْبٌ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيْرٍ مِنَ الأشْعَرِيَّةِ، والكُّرَّاميَّةِ وَغَيْرِهِم.
الثَّاني: مَنْ يَقُوْلُ: بَلِ المُصِيْبُ أحَدُهُمَا لا بِعَيْنِهِ.
الثَّالِثُ: مَنْ يَقُوْلُ: عَلِيٌّ هُوَ المصِيْبُ وَحْدَهُ، ومُعَاوِيَةُ مُجْتَهِدٌ مُخْطِئٌ، وَهُوَ قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ أهْلِ الكَلامِ، والفُقَهَاءِ أهْلِ المَذَاهِبِ الأرْبَعَةِ.
وقَدْ حَكَى هَذِهِ الأقْوَالَ الثَّلاثَةَ أبُو عَبْدِ اللهِ ابنُ حَامِدٍ عَنْ أصْحَابِ أحْمَدَ وغَيْرِهِم.
الرَّابِعُ: مَنْ يَقُوْلُ: كَانَ الصَّوَابُ أنْ لا يَكُوْنَ قِتَالٌ، وكَانَ تَرْكُ القِتَالِ خَيْرًا لِلْطَّائِفَتَيْنِ، فَلَيْسَ في الاقْتِتِالِ صَوَابٌ، ولَكِنْ عَلِيٌّ كَانَ أقْرَبَ إلى الحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ، والقِتَالُ قِتَالُ فِتْنَةٍ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ولا مُسْتَحَبٍ، وكَانَ تَرْكُ القِتَالِ خَيْرًا لِلْطَّائِفَتَيْنِ، مَعَ أنَّ عَلِيًّا كَانَ أوْلى بالحَقِّ!
وهَذَا هو قَوْلُ أحْمَدَ، وأكْثَرِ أهْلِ الحَدِيْثِ، وأكْثَرِ أئمَّةِ الفُقَهَاءِ، وهُوَ قَوْلُ أكَابِرِ الصَّحَابَةِ، والتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بإحْسَانٍ (1)، وعَلَيهِ تَحْقِيْقُ أهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ.
(1) انْظُر «مِنْهَاجَ السُّنةِ» لابنِ تَيْمِيَّةَ (4/ 447 - 448) بتَصَرُّفٍ.