الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ الثَّاني
وُجُوْبُ مَحَبَّةِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم
لَقَدْ بَاتَ مِنْ عَقَائِدِ أهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ: وُجُوبُ مَحَبَّةِ أصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وتَعْظِيْمِهِم، وتَوْقِيْرِهِم، وتَكْرِيْمِهِم، والإقْتِدَاءِ بِهِم، والأخْذِ بآثارِهِم، وحُرْمةُ ضِدِّ ذَلِكَ مِنْ: بُغْضِهِم، أو ازْدِرَائِهِم، أو ذِكْرِ مَسَاوِئِهِم
…
!
قَالَ تَعَالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} [الحشر: 10].
فَفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيْلٌ على وُجُوْبِ مَحَبَّةِ الصَّحَابَةِ، لأنَّهُ تَعَالى جَعَلَ لِمَنْ بَعْدَهُم حَظًا في الفَيْءِ ما أقَامُوا على مَحَبَّتِهِم، ومُوَالاتِهِم، والاسْتِغْفَارِ لَهُم، وأنَّ مَنْ سَبَّهُم، أو واحِدًا مِنْهُم، أو اعْتَقَدَ فِيْهِ شَرًّا: أنَّه لا حَقَّ لَهُ في الفَيْءِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وغَيْرِهِ.
وقَالَ الطَّحَاوِيُّ رحمه الله مُبَيِّنًا مَا يَجِبُ على المُسْلِمِ اعْتِقَادُهُ في مَحَبَّةِ أصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم «ونُحِبُّ أصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا نُفْرِطُ في حُبِّ أحَدٍ مِنْهُم، ولا نَتَبَرَّأُ مِنْ أحَدٍ مِنْهُم، ونُبْغِضُ مَنْ يُبْغِضُهُم وبِغَيْرِ الخَيْرِ يَذْكُرُهُم، ولا نَذْكُرُهُم إلَاّ بِخَيْرٍ، وحُبُّهُم دِيْنٌ وإيِمَانٌ وإحْسَانٌ، وبُغْضُهُم كُفْرٌ ونِفَاقٌ وطُغْيَانٌ» (2).
* * *
فَعَلى المُسْلِمِ أنْ يَسْلُكَ في حُبِّ الصَّحَابَةِ مَسْلَكَ السَّلَفِ الصَّالِحِ، بِحَيْثُ يُحِبُّهُم جَمِيْعًا، ولا يَفْرُطُ في حُبِّ أحَدٍ مِنْهُم، وأنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ طَرِيْقَةِ الشِّيَعَةِ الرَّافِضَةِ الَّذِيْنَ يَتَديَّنُوْنَ بِبُغْضِهِم وسَبِّهِم، ومِنْ طَرِيْقِ النَّوَاصِبِ والخَوَارِجِ الَّذِيْنَ ابْتُلُوا بِبُغْضِ أهْلِ بَيْتِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم!
(1)«الجامِعُ لأحْكامِ القُرآنِ» للقُرْطُبِيِّ (18/ 32).
(2)
«شَرْحُ الطَّحاوِيَّةِ» لابنِ أبي العِزِّ (2/ 689).
قَالَ ابنُ تَيْمِيَةّ رحمه الله: «ويَتَبَرَّؤُوْنَ (أَي السَلَفُ) مِنْ طَرِيْقَةِ الرَّوَافِضِ والشِّيَعَةِ الَّذِيْنَ يُبْغِضُوْنَ الصَّحَابَةَ ويَسُبُّونَهُم، وطَرِيْقَةِ النَّوَاصِبِ والخَوَارِجِ الَّذِيْنَ يُؤْذُوْنَ أهْلَ البَيْتِ بِقَوْلٍ أوْ عَمَلٍ» (1).
وبَعْدَ هَذا؛ فمَنْ أرَادَ السَّلامَةَ لِدِيْنِهِ فَليُحِبَّهُم جَمِيْعًا، وأنْ يَخْتِمَ ذَلِكَ على نَفْسِهِ، وعلى كُلِّ أبْنَاءِ جِنْسِهِ؛ لأنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ على جَمِيْعِ الأمَّةِ، واتَّفَقَ على ذَلِكَ الأئمَّةُ، فلا يَزُوْغُ عَنْ حُبِّهِم إلَاّ هَالِكٌ، ولا يَزُوْغُ عَنْ وُجُوبِ ذَلِكَ إلَاّ آفِكٌ (2).
(1)«شَرْحُ العَقِيْدَةِ الوَاسِطِيَّةِ» لمُحَمَّد خَلِيْل هَرَّاسٍ (173).
(2)
انظُرْ «لَوَامِعَ الأنْوَارِ البَهِيَّةِ» للسَّفارِيْنِيِّ (2/ 354).