المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بابما يكره في الصلاة - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٢

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌بابما يكره في الصلاة

‌باب

ما يكره في الصلاة

القارئ: يكره الالتفات لغير حاجة لأن عائشة قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل وهو في الصلاة فقال (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة الرجل) حديث صحيح ولا تبطل الصلاة به ما لم يستدر بجملته أو يستدبر الكعبة ولا يكره للحاجة لأن سهل بن الحنظلية قال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب قال وكان بعث أنس بن أبي مرثد طليعة رواه أبو داود وقال ابن عباس رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت يميناً وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره رواه النسائي.

الشيخ: هذه الفقرة فيها بيان حكم الالتفات في الصلاة وليعلم أن الالتفات في الصلاة نوعان التفات بالقلب والتفات بالجسد والكلام هنا عن الالتفات بالجسد فذكر المؤلف رحمه الله أنه مكروه واستدل بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) يعني سرقة يسرقها الشيطان من صلاة العبد وهذا التعليل كما ينطبق على الالتفات الجسدي ينطبق على الالتفات القلبي لأن الشيطان يصد القلب عن الصلاة حتى أن الإنسان ينصرف وما كتب له من صلاته إلا البعض لكن إنما كان يكره الالتفات بالجسد لأن التحرز منه لا يشق بخلاف الالتفات بالقلب فإن التحرز منه يشق ولهذا لا يكره للإنسان إذا حصل على قلبه وسواس أو حديث نفس لكنه لا ينبغي أن يسترسل معه لأنه ينقص صلاته هذه مسألة.

المسألة الثانية إذا التفت بجملته ليس بعنقه فقط أو استدبر القبلة بطلت صلاته لفوات شرط من شروط الصلاة.

ص: 10

المسألة الثالثة الالتفات المكروه إذا كان لحاجة فإن الكراهة تزول وقد قال الفقهاء رحمهم الله قاعدة المكروه تزيله الحاجة والحرام تزيله الضرورة ولا يستباح الحرام بالحاجة إلا إذا كان التحريم من باب تحريم الوسائل فإنه يباح للحاجة والحاجة دون الضرورة الضرورة تعني أن الإنسان يناله الضرر إذا لم يفعل والحاجة تعني أن الإنسان محتاج لذلك لكن بدون ضرورة مثال المحرم تحريم الوسائل وتبيحه الحاجة نظر الرجل إلى المرأة حرام لكنه محرم تحريم الوسائل لأن وجه المرأة في الأصل ليس بعورة لكن لما كان ذريعة ووسيلة إلى الفتنة والفاحشة صار حراماً ولما كان حراماً تحريم الوسيلة جاز للحاجة مثال الحاجة الخطبة مثال الحاجة الشهادة لو أراد أن يشهد على عين المرأة فله أن ينظر وجهها مثال الحاجة الدواء لو كان في المرأة داء في وجهها في عينها في أنفها في فمها جاز للرجل أن ينظر إليه لأن تحريم نظر الوجه تحريم وسائل فأباحته الحاجة ومثال ذلك أيضاً العرايا، العرايا مستثناة من تحريم ربا الفضل لأن ربا الفضل ممنوع لكونه وسيلة لربا النسيئة وربا النسيئة هو المقصود بالتحريم وهو الأكبر وهو الأصل ولهذا جاء في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه (إنما الربا في النسيئة) فحصل الربا في النسيئة حتى إن ابن عباس رضي الله عنهما أخذ بهذا الحديث وصار يبيح ربا الفضل ويقول يجوز للإنسان أن يبيع صاعاً بصاعين لكن يداً بيد إلا أنه فيما بعد لما ناظره بعض الصحابة رجع رضي الله عنه والشاهد من هذا أن نقول الالتفات المكروه تبيحه الحاجة وهو بالعنق والرأس وليس بالجسد، الالتفات بالجسد محرم ويبطل الصلاة إذاً تبيحه الحاجة، الحاجة مثل الإمام سها ولا يدري البعيد في طرف الصف لا يدري هل هو قام أو قعد فأراد أن يلتفت لينظر هل الإمام قعد أو قام افرض أنه سها عن التشهد الأول ولا يدري المأموم هل استتم قائماً فاستمر أو لم يستتم فرجع فأراد أن يلتفت فلا بأس ومثل أن يستأذن

ص: 11

عليه إنسان ولم يعرف صوته وأراد أن يلتفت لينظر من هو والحاجات كثيرة المهم أنه تبيحه الحاجة.

القارئ: ويكره رفع البصر لما روى البخاري أن أنساً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم).

الشيخ: رفع البصر إلى السماء في الصلاة يقول المؤلف إنه مكروه ومن غرائب الاستدلال أن يحكم على هذا الفعل بأنه مكروه ثم يستدل عليه بما يقتضي أن يكون من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما بال أقوام) وهذا الاستفهام للإنكار (يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم) فاشتد قوله في ذلك حتى قال (لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم) هل يمكن أن يرد مثل هذا الوعيد وهذا الإنكار على شيء مكروه؟ لا يمكن ولهذا الصحيح أن رفع البصر إلى السماء والإنسان يصلي حرام بل من كبائر الذنوب لماذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد عليه وهذا مثل قوله فيمن رفع قبل الإمام (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار) فهو من كبائر الذنوب ولكن لو رفع رأسه وهو يصلي فهل تبطل صلاته جمهور العلماء على أنها لا تبطل وأصل ذلك أنهم يرون أنه مكروه والمكروه لا يبطل الصلاة وقال ابن حزم وجماعة من العلماء بل تبطل الصلاة لأنه فعل محرم منهي عنه بخصوصه في الصلاة والقاعدة أن ما نهي عنه بخصوصه في العبادة يكون مبطلاً لها وعللوا بعلة أخرى قالوا إن الإنسان يجب أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) فعبر الله عن الكل بالوجه فالوجه إذاً مقصود بالذات فإذا رفع بصره إلى السماء فالغالب أنه يلزم من رفع البصر رفع الرأس وقد لا يلزم لكن الغالب، فإذا رفع بصره إلى السماء هكذا أين ولى وجهه؟ ولاه السماء فتبطل صلاته فجعلوا ذلك مبطلاً للصلاة لوجهين:

ص: 12

الوجه الأول أنه منهي عنه بخصوص الصلاة.

والثاني أنه خالف ما أمر الله به من استقبال القبلة بالوجه وهو قول قوي جداً قول الظاهرية في هذه المسألة أقوى من قول الجمهور بأنه حرام ووفي بطلان الصلاة لا أجزم بأن أقول إنها باطلة وأنه يجب عليه أن يعيد لكن لا أشك أنه حرام بل من كبائر الذنوب لوجود الوعيد عليه كثير من الناس الآن نراهم إذا قالوا سمع الله لمن حمده رفع الإنسان رأسه حتى يكاد يخصر ظهره إلى الوراء وهذا خطأ.

القارئ: ويكره أن يصلي ويده على خاصرته لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل مختصرا متفق عليه.

الشيخ: الخاصرة فوق الحقوين لكن لماذا نهى؟ في رواية أخرى لأنه فعل اليهود وكأن اليهود في صلاتهم يضعون أيديهم على خاصرتهم فيه أناس الآن يكادوا يكون فعلهم اختصاراً رأيت كثيراً من الناس إذا وضع يده اليمنى على اليسرى يضع على الخاصرة اليسرى سألنا بعضهم مرة من المرات وقلنا لماذا قال لأن القلب هنا من اليسار فيضعونها على قلوبهم فنقول عادة الإنسان يضع يده على قلبه إذا كان خائفاً (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) فالغالب أن الإنسان إذا كان خائفاً يضع يده هكذا أما إنه يضع يده على جنبه فهذا خطأ ولذلك أنا أنصحكم إذا رأيتم أحداً على هذه الحال أن ترشدوه لأنهم لا يفعلون ذلك إلا تعبداً لكن على جهل والمتعبد على جهل هدايته سهلة المشكلة المتعبد على ما يظنه علماً وليس بعلم هذا البلاء.

السائل: أخبرني من ناقش أحد الذين يضعون يدهم على خاصرتهم فشبهة هذا الرجل بأن هذا فعل عمر رضي الله عنه عندما طعن رضي الله عنه وأرضاه وضع يده على خاصرته يمسك أحشاءه وقال: عمر له سنة متبعة؟

الشيخ: صدق عمر له سنة متبعة لكن أولاً نطالبه بالدليل وثانياً نقول إذا طعنت من ها هنا فضع يدك على هذه هذا تمام الاقتداء.

ص: 13

القارئ: ويكره أن يكف شعره أو ثيابه أو يشمر كميه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف شعراً ولا ثوبا) متفق عليه.

الشيخ: هذا أيضاً مما يكره أن يكف شعره وهذا فيما كان معهوداً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الرجال يطلقون شعور رؤوسهم فيكره أن الإنسان يكف شعره لماذا؟ من أجل أن يكون ساجداً على الأرض كما كانت بقية الأعضاء فيقال لماذا ترفع شعرك لماذا تكف؟ الجبهة أشرف من الشعر ومع ذلك تعفر بها الأرض فكيف ترفع شعرك؟ هذا قد ينبئ عن نوع من الاستكبار أن ينال شعرك الأرض فيغبر بها كذلك أيضاً أو ثيابه، ثيابه يعني يرفع ثوبه عند السجود يكره ذلك بل يجعل ثوبه على إطلاقه لأنه ربما إذا جعل إطلاقه يفترش على الأرض من الثوب أكثر مما إذا كفه والكف نوعان كف من اليمين إلى اليسار أو اليسار لليمين وكف بمعنى التشمير يعني الرفع وكلاهما مما لا ينبغي.

ص: 14

قال أو يشمر كميه يعني يفسخهما هكذا يرفعهما بل يدعهما على ما هو عليه واختلف العلماء هل هذا مكروه ولو كان الإنسان قد فعله لعمل قبل الصلاة أو أن النهي إنما هو عن قصد هذا الفعل عند الصلاة؟ بعض العلماء يقول النهي إنما هو عن تقصد الفعل عند الصلاة أما لو كان الإنسان قد شمر أكمامه أو رفع ثوبه لعمل قبل الصلاة أو ربط شعره بعضه ببعض لعمل قبل الصلاة فإن هذا لا يكره وهذا هو الظاهر أنه إنما يكون عن تقصد هذا الفعل وأما إذا كان قد حصل من قبل فلا بأس به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أمرت أن أسجد وأن لا أكف) وقت الصلاة أو وقت السجود وأما ما كان قبل ذلك فإنه لا بأس به وكثير من العمال الآن تجده قد شمر ثوبه لا سيما الذين يعملون فيما سبق في الطين وما أشبه ذلك أو في سقاية الماء في البساتين تجده قد شمر ثوبه فهذا لا بأس به ومثل ذلك لو كان الثوب مشمراً حسب العادة لأن بعض الناس يكون ثوبه مشمراً بحسب العادة فمثلاً إذا كان الثوب إلى نصف الساق فهو في الحقيقة مشمر وكذلك بعض الناس يعتادون الثياب القصيرة المشمرة وإن كان السروال نازلاً فهذا أيضاً لا يكره وبعض الناس تكون أكمام يده قصيرة هذا أيضاً لا يدخل فما كان بأصل الخياطة والتفصيل فهذا غير داخل في هذه المسألة لكن الكلام ما كان راهياً رافياً ثم أراد الإنسان أن يكفه عند السجود فهذا هو الذي فيه النهي.

السائل: هل الشماغ يلحق بكف الثوب؟

الشيخ: الناس يلبسون الشماغ على صفات متعددة فهذا نوع من اللبس ما يدخل في الحديث.

القارئ: ويكره أن يصلي معقوصاً أو مكتوفا لما روي أن ابن عباس رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص فحله وقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف) رواه مسلم والأثرم.

ص: 15

الشيخ: المعقوص يعني لف الشعر هكذا وكان الصحابة فيما سبق رؤوسهم باقية ولهذا قال (لا أكف شعراً ولا ثوباً) هذا هو عقصه والمكتوف معناه الذي وضع يديه على كتفيه هكذا فالعقص من أوصاف الشعر إنسان عنده شعر كثير يعقده ويعقصه لأن المشروع في الشعر أن تبقيه حتى يسجد معك على الأرض إذا كان يصل إلى الأرض.

السائل: ما حكم إذا ضفره كما يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟

الشيخ: المضفر ليس هو معقوص مسترسل بل يكون فوق رأسه مثلاً أو طرف الرأس أو فوق الرقبة.

القارئ: ويكره أن يشبك أصابعه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج بين أصابعه رواه ابن ماجة ويكره فرقعة الأصابع لما روى علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تقعقع أصابعك وأنت في الصلاة) رواه ابن ماجه ويكره التروح لأنه من العبث.

الشيخ: المؤلف رحمه الله ذكر عدة مسائل:

المسألة الأولى: يكره تشبيك الأصابع واستدل بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (رأى رجلاً قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج بين أصابعه) رواه ابن ماجه لكن قد ينازع منازع في الاستدلال بهذا الحديث لأنه مجرد فعل ولم يقل لا تشبك فيقال إن النهي عن التشبيك ورد فيمن سبق إلى الصلاة أن لا يشبك بين أصابعه وإذا كان هذا فيمن سبق إلى الصلاة فمن كان في صلب الصلاة من باب أولى.

وأما المسألة الثانية فهي فرقعة الأصابع يعني غمز الأصابع حتى يكون لها صوت ووجهه ظاهر فإنه من العبث وإذا كان الإنسان مع الجماعة أدى ذلك إلى أن يشوش على الناس وأما التروح وهو أن يتروح الإنسان بالمروحة فإنه مكروه لأنه من العبث لكن إذا كان لحاجة كما لو كان في غم شديد وحر شديد واحتاج إلى أن يتروح بالمروحة فلا بأس لأن القاعدة عند أهل العلم أن المكروه تبيحه الحاجة، ولو تروح بعمامته أي حركها مثلها يكره إلا لحاجة.

ص: 16

القارئ: ويكره ويكره أن يعتمد على يده في الجلوس لما روى ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل وهو يعتمد على يده رواه أبو داود.

الشيخ: يعني يعتمد على يده في الأرض يجعل يده على الأرض ويعتمد عليها لكن لو دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس مثل أن يشق عليه الجلوس منتصباً فيضع يديه ليعتمد عليها فإن هذا حاجة لا بأس بها.

القارئ: ويكره مسح الحصى لما روى أبو داود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قام أحدكم في الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى) من المسند.

الشيخ: والحصى هو الذي تستر به الأرض وكان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مفروشاً بالحصباء وهي الحصى فلا يمسحها الإنسان لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس مثل أن يكون أمامه عند السجود حفرة فيحتاج إلى مسح الحصاء من أجل التسوية فهذا لا بأس به لأنه حاجة وقوله (فإن الرحمة تواجهه) هذا يشبه قول النبي عليه الصلاة والسلام (إن الله تعالى قبل وجهه) فإن الله إذا كان قبل وجهه فإن رحمة الله قريب من المحسنين.

القارئ: أن يكثر مسح جبهته لقول ابن مسعود إن من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل أن يفرغ من الصلاة.

الشيخ: ولأنه لا حاجة إليه فيكون من العبث لكن لو قال قائل إذا كنا نصلي على رمل فالعادة أن الرمل يلصق بالجبهة وربما يتناثر على العين فهل لي أن أمسحه كلما سجدت خوفاً من ذلك؟ فالجواب نعم لأنه حاجة.

القارئ: ويكره النظر إلى ما يلهيه لما روت عائشة قالت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام فقال (شغلتني أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم بن حذيفة وائتوني بأُمبجانيته) متفق عليه.

ص: 17

الشيخ: قوله إلى ما يلهيه سواء كان أمامه أو على مَسْجَده فإنه يكره أن ينظر إليه أما الذي أمامه فمثل ما يكتب في جدران القبلة سواء كان معلقاً أو منقوشاً على الجدار وأما الذي في مَسْجَده فكما يوجد في بعض فرش المساجد تكون موشاة أي فيها الوشي فإذا نظر الإنسان إليها ألهته لكن أحياناً إذا اعتاد الإنسان هذا الشيء فإنه لا يتلهى به لأن الإنسان أول ما ينظر إلى هذا الموشى فإنه يفكر فيه وينظر فيه لكن إذا داوم عليه فإنه لا يهتم به فالحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً.

القارئ: ويكره أن يصلي وبين يديه ما يلهيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة (أميطي عنا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي) رواه البخاري.

ويكره كثرة التميل لقول عطاء إني لأحب أن يقل فيه التحريك وأن يعتدل قائماً على قدميه إلا أن يكون إنساناً كبيراً لا يستطيع ذلك فأما التطوع فإنه يطول على الإنسان فلابد من التوكئ على هذا مرة وعلى هذا مرة وكان ابن عمر لا يفرج بين قدميه ولا يمس إحداهما بالأخرى ولكن بين ذلك.

ص: 18

الشيخ: التميل يعني أن يعتمد مرة على الرجل اليمنى ومرة على الرجل اليسرى هذا في الفريضة مكروه لأنه حركة لا داعي لها والغالب أنها لا تشق على الشاب لأن أكثر ما يُقرأ هو طوال المفصل وهذا لا يشق على الشاب بحيث يحتاج إلى المراوحة بين قدميه لكن الكبير أو النفل الذي تطول فيه القراءة لا حرج عليه أن يراوح بين قدميه بل يستحب ذلك إذا كان هذا أريح له في الصلاة لأنه ربما إذا اعتمد على القدمين جميعاً مع طول القيام تتعب القدمان فإذا راوح بينهما مرة على هذا ومرة على هذا هان عليه ولهذا استثنى قال إلا أن يكون إنساناً كبيراً لا يستطيع ذلك فأما التطوع فإنه يطول الإنسان فلا بد أن يتوكأ على هذه مرة وهذه مرة وأما قوله وكان ابن عمر لا يفرج بين قدميه ولا يمس إحداهما بالأخرى ولكن بين ذلك فهذا في حال القيام في حال القيام لا تفرج بين القدمين ولا تلصق بينهما ولكن بين ذلك أي أنك تجعل موضع القدمين على حالهما بدون ضم ولا فتح ولا فرق في هذا بين الإنسان الذي يصلي مع الجماعة أو الذي يصلي وحده أو الإمام كلهم يجعلون القدمين على طبيعتهما لا فتح ولا ضم وأما ما يفعله بعض الناس اقتداءً بالصحابة كما زعم أنه يفتح قدميه فتحاً شديداً حتى يبقى ما بين الكتفين منفرجاً فهذا خلاف السنة كان الصحابة يلصق الإنسان كعبه بكعب أخيه ومنكبه بمنكبه وهذا يدل على التراص وليس يدل على أنك تفتح القدمين حتى تلصقها بكعب أخيك.

السائل: في الحديث (فإن الرحمة تواجهه) كيف تواجهه؟

الشيخ: هذا مثل ما قلت لك كقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله قبل وجهك) وتواجه المصلي يعني إنها تجاهه ومناسبة الرحمة مع عدم مس الحصى لأن الإنسان إذا صار يمسح الحصى فإنه يكون عابثاً وقد يُحْرَم الرحمة بسبب هذا العبث.

السائل: إذا احتاج الإنسان فتح قدميه في الصلاة حتى يسد الفرج؟

ص: 19

الشيخ: ليس سد الفرج بفتح القدمين وإنما سد الفرج بالتراص وأما إذا كان الذي أمامه له كتفان واسعان بحيث يكون كالهرم المقلوب هنا يحتاج إلى فتح قدميه أما إذا كان عادي فالغالب أن الإنسان إذا وقف وقوفاً طبيعياً تكون قدماه على حذاء منكبيه هذا الغالب.

السائل: ما رأيكم في طريقة المؤلف في الاستدلال بقول عطاء وهو من التابعين؟

الشيخ: أقوال التابعين يستأنس بها وليست بحجة لكنه يستأنس بها لأن عطاء بن أبي رباح عالم كبير معروف.

القارئ: ويكره تغميض العين نص عليه أحمد وقال هو من فعل اليهود.

الشيخ: تغميض العين مكروه في حال الصلاة لأنه من فعل اليهود ولأن للعينين وظيفة وهو النظر إلى موضع السجود فإذا غمض عينيه فاتت هذه الوظيفة ولأن ظاهر حال النبي عليه الصلاة والسلام أنه يفتح عينيه لحديث عائشة السابق أنه نظر إلى أعلام الخميصة نظرة وهذا يدل على أنه لا يغمض عينيه لكن لو فرض أنه حدث شيء يحتاج معه إلى تغميض العينين مثل أن يصلي في بيته فأتى أحد الصبيان فجعل يتجول بين يديه ففي هذه الحال ربما يكون التغميض أدعى للخشوع ويسأل بعض الناس يقول أنا إذا غمضت عيني كان أدعى للخشوع فيقال له هذا من الشيطان هو الذي يجعلك تفعل هذا المكروه وأنت تعتقد أن هذا أدعى للخشوع فعود نفسك فتح العينين مع مراعاة الخشوع وأما أن تفعل المكروه من أجل الحصول على الخشوع فهذا ليس بمسوغ لك.

القارئ: ويكره العبث كله وما يذهب بخشوع الصلاة ولا تبطل الصلاة بشيء من هذا إلا ما كان عملاً كثيرا.

السائل: ما حكم الحديث الغريب؟

الشيخ: الغريب قد يكون صحيح ألم تعلم أن حديث (إنما الأعمال بالنيات) غريب.

فصل

القارئ: ولا بأس بعدِّ الآي والتسبيح لأنه روي عن طاووس والحسن وابن سيرين.

ص: 20

الشيخ: أولاً استدلال المؤلف رحمه الله بأنه روي عن طاووس والحسن وابن سيرين قد علمتم بأنه لا حجة بما قاله التابعي لكنه يستأنس به والصحيح أنه يكره أن يعد التسبيح والآي إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك وذلك لأن عدها حركة والأصل في الحركات في الصلاة الكراهة إلا ما دعت الحاجة إليه فإن دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس وإلا فلا والمراد التسبيح الذي في الصلاة أما التسبيح الذي بعدها فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيمينه ولا بأس به لأنه طويل ولأن الإنسان في غير الصلاة فله أن يتحرك.

القارئ: ولا بأس بقتل الحية والعقرب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب.

الشيخ: الأسودان الواقع أن السواد في العقرب فقط لكن هذا من باب التغليب وربما تكون بعض الحيات سوداء لكن غالب الحيات ليست سوداً فإن قال قائل قول المؤلف ولا بأس بقتل ثم استدل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الأسودين في الصلاة فكيف يكون هذا يحكم بالإباحة ورفع البأس ثم يستدل بما فيه الأمر؟ فالجواب أن يقال إن أمر الرسول عليه الصلاة والسلام هنا على سبيل الإباحة لأن الأصل في المصلي أن يمنع من الحركة لكن هذه حركة لأمر مقصود لكن ما لم تهاجمه فإن هاجمته الحية أو العقرب وجب عليه الدفاع لأن الإنسان مأمور بأن يدافع عن نفسه.

السائل: التسبيح عبادة لله لماذا يعده في الصلاة؟

الشيخ: يمكن يعد وقد يكون محتاج إلى عدده لكونه إماماً ويخشى أن يطيل على الناس مثلاً أو لأنه يريد أن تكون صلاته متناسبة فيعد مثلاً سبحت في الركوع عشراً في السجود عشراً وما أشبه ذلك.

القارئ: وإن قتل القملة فلا بأس لأن عمر كان يقتل القمل في الصلاة رواه سعيد، قال القاضي والتغافل عنها أولى ولا بأس بالعمل اليسير للحاجة لما قدمنا.

ص: 21

الشيخ: قوله التغافل عنها أولى ما لم تشغله، أحياناً ما يمكن يتغافل عنها تؤذيه وقتلها أقل حركة بكثير مما إذا أشغلت قلبه لكن الحكة بدون قمل هي التي نقول إن التغافل عنها أولى لأن الإنسان إذا تغافل عنها سكنت لكن إذا حكها انفتح عليه باب آخر إذا حك الكتف حكه الظهر وإذا حكه جاء البطن وهكذا لكن إذا تغافل عنها هدأت أما إذا كان قملاً فإن القمل لابد أن يسلم الإنسان من شره ويدافعه ويقتله إذاً كلام القاضي صحيح فيما إذا كانت لا تشغله أو مجرد حكة.

فصل

القارئ: فإن تثاءب في الصلاة استحب له أن يقضم فإن لم يقدر وضع يده على فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا تثاءب أحدكم فليقضم ما استطاع) وفي رواية (فليضع يده على فيه فإن الشيطان يدخل) وهذا حديث حسن، وإن بدره البصاق بصق عن يساره أو تحت قدمه فإن كان في المسجد بصق في ثوبه وحك بعضه ببعض لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل على المسجد فقال (ما بال أحدكم يقوم مستقبل القبلة فيتنخع أمامه أيحب أن يستقبل فيتنخع في وجهه وإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا) ووصف القاسم فتفل في ثوبه ومسح بعضه على بعض رواه مسلم.

ص: 22