المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب حكم الخلطة - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٢

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌باب حكم الخلطة

‌باب حكم الخُلْطة

القارئ: وهي ضربان خُلطة أعيان: بأن يملكا مالاً مشاعاً يرثانه أو يشتريانه أو غير ذلك وخُلطة أوصاف وهي أن يكون مال كل واحد منهما متميزاً فخلطاه ولم يتميزا في أوصاف نذكرها وكلاهما يؤثر في جعل مالهما كمال الواحد في شيئين أحدهما: أن الواجب فيهما كالواجب في مال الواحد فإن بلغا معاً نصباً ففيهما الزكاة وإن زادا على النصاب لم يتغير الفرض حتى يبلغا فريضة ثانية فلو كان لكل منهما واحد عشرون كان عليهما شاة وإن كان لكل واحد منهما ستون لم يجب أكثر من شاة.

الشيخ: ستون مع ستين مجموعهما مائة وعشرون فيها شاة واحدة مع أنه لو انفردا لكان كل واحد عليه شاة.

القارئ: وإن كان لهما مال غير مختلط تبع المختلط في الحكم فلو كان لكل واحد منهما ستون فاختلطا في أربعين لم يلزمهما إلا شاة في مالهما كله لأن مال الواحد يضم بعضه إلى بعض في الملك فيَضمُ الأربعين المنفردة إلى العشرين المختلطة فيلزم انضمامها إلى العشرين التي لخليطه فيصير الجميع كمالٍ واحد، ولو كان لرجل ستون شاةً كل عشرين منها مختلطة بعشرين لآخر فالواجب شاة واحدة نصفها على صاحب الستين ونصفها على الخلطاء على كل واحد سدس شاة لما ذكرناه فإن كان لأحدهم شاة مفردة لزمهم شاتان.

والثاني أن للساعي أخذ الفرض من أيهما شاء سواء دعت إليه حاجة لكون الفرض واحدا أو لم تدع إليه حاجة بأن يجد فرض كل واحد منهما في ماله لأن مالهما صار كالمال الواحد في الإيجاب فكذلك في الإخراج ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) رواه البخاري يعنى: إذا أخذ الفرض من مال أحدهما.

والأصل في الخلطة ما روى أنس في حديث الصدقات (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) ولأن الماليين صارا كالمال الواحد في المؤن فكذلك في الزكاة.

ص: 468

الشيخ: الخلطة نوعان خلطة أعيان وخلطة أوصاف فخلطة الأعيان: أن يشترك الرجلان في النصاب اشتراك ملك مثل أن يرثا من أبيهما أربعين شاة أو مائة شاة هذه نسميها خلطة أعيان وهذه ظاهر أنها إذا بقيت لم تقسم فإن الزكاة تؤخذ منها.

والثاني: خلطة أوصاف: بأن يتميز مال كل واحد منهما عن الآخر لكن يشترك المالان فيما سيذكره المؤلف فهنا مال كل واحد منهما متميز عن الآخر لكن عند اختلاطهما يكونان كالمال الواحد ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) والخلطة قد تفيد تشديداً وقد تفيد تخفيفاً فإذا كان عند كل واحد عشرون شاة وخلطاها وجب عليهما شاة ولو لم يخلطاها فليس عليهما شيء إذاً الخلطة هنا صارت أشد وأوجبت التشديد ولو كان عند كل واحد منهما ستون شاة وخلطاها فصار مائة وعشرين لم يجب فيها إلا شاة واحدة فأفادت تخفيفاً.

فصل

القارئ: ويعتبر في الخلطة شروط خمسة: أحدها: أن تكون في السائمة ولا تؤثر الخلطة في غيرها وعنه تؤثر فيها خلطة الأعيان لعموم الخبر ولأنه مال تجب فيها الزكاة فأثرت الخلطة فيه كالسائمة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (والخليطان ما اجتمعا على الحوض والراعي والفحل) رواه الدارقطني.

ص: 469

الشيخ: الخلطة لا تؤثر إلا في بهيمة الأنعام فقط أما غيرها من الأموال فلا تؤثر وعلى هذا لو كان رجلان مشتركين في نخل لهما أنصافاً وهذا النخل نصاب واحد فقط فهل عليهما زكاة؟ ليس عليهما زكاة لأن نصيب كل واحد منهما لا يبلغ النصاب فلا زكاة وكذلك لو اشترك اثنان في مال وحيث أن نصاب الفضة مائتا درهم فأحدهما أتى بمائة والثاني أتى بمائة وصارا يبيعان ويشتريان فيه وفي آخر الحول صار المال ثلاثمائة كان بالأول مئتين وصار الآن ثلاثمائة هل فيها زكاة؟ ليس فيها زكاة مع أن النصاب مائتان لكن لو نظرنا لنصيب كل واحد منهما لكان دون النصاب والخلطة لا تؤثر إلا في البهائم السائمة فقط هذا هوالمشهور في المذهب والرواية الثانية عن أحمد رحمه الله أن خلطة الأعيان مؤثرة وهذا القول هو الراجح لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث العمال لأخذ الزكاة من الثمار ومعلوم أنه لا تخلو من الشركة لو لم يكن منها إلا أن المساقي وصاحب الأصل شريكان ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ مما بلغ النصاب ولا يسأل هل له مشارك أو لا؟ فالصواب أن الخلطة مؤثرة في خلطة الأعيان أما الأوصاف كما لو كان هذان المالان في مخزن واحد وفي متجر واحد ويبيعهما دلال واحد فهذه لا تؤثر في غير المواشي فصارت الخلطة الآن على نوعين النوع الأول خلطة الأعيان والصحيح أنها مؤثرة في المواشي وغيرها وخلطة أوصاف وهذه لا تؤثر إلا في المواشي فقط والحديث الذي ذكره المؤلف مستدل به على عدم تأثير الخلطة في غير السائمة لا يدل على ما أراد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الخليطان) يعنى أن خليطي الأوصاف ما اجتمعا في كذا وكذا.

ص: 470

القارئ: وهذا تفسير للخلطة المعتبرة شرعا فيجب تقديمه ولأن الخلطة في السائمة أثرت في الضرر لتأثيرها في النفع وفي غيرها لا تؤثر في النفع لعدم الوقص فيها وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجمع بين متفرق خشية الصدقة) دليل على اختصاص ذلك بالسائمة التي تقل الصدقة بجمعها لأجل أوقاصها بخلاف غيرها.

الثاني أن يكون الخليطان من أهل الزكاة فإن كان أحدهما مكاتباً أو ذمياً فلا أثر لخلطته لأنه لا زكاة في ماله فلم يكمل به النصاب.

الشيخ: الشرط الثاني واضح أنه لابد أن يكون الخليطان من أهل الزكاة فإن كان الخليط من غير أهل الزكاة فلا أثر له مثل أن يشترك ذمي ومسلم في ماشية اشتراك أوصاف فإن هذا الخلطة لا تؤثر ويعتبر مال المسلم وحده على حدة إن بلغ الزكاة ففيه الزكاة وإن لم يبلغ فلا زكاة فيه أما المكاتب فيقولون إنه ليس في ماله زكاة والصحيح أن في ماله الزكاة لأن هذا المكاتب إما أن يستطيع الوفاء فيعتق وإما أن لا يستطيع فيكون ماله لسيده فماله الآن له مالك، إما أن يملكه هو إن قدر على وفاء دين الكتابة وإما أن يملكه السيد فهو ليس ضائعاً.

السائل: بارك الله فيكم ما الفرق بين خُلطة الأعيان وخلطة الأوصاف؟

الشيخ: الفرق بينهما أن خلطة الأوصاف كل واحد من الخليطين له مال مستقل وخلطة الأعيان المال مشترك بين الخليطين مثال ذلك رجلان مات أبوهما وخلف لهما مائة شاة الخلطة خلطة أعيان لأن كل واحد له من كل ذرة من الغنم نصيب والمثال الثاني رجلان كل واحد منهما له خمسون شاة فخلطاها يعني جعلاها سواءً يعني ترعى جميعاً وترجع من المرعى جميعاً والفحل واحد حسب ما سيذكر في الأوصاف الآن ما ل كل واحد منهما مستقل متميز عن الآخر كل واحد يعلم أنه هذه له وهذه لصاحبه.

السائل: لو توفي رجل عن ابنين وارتد أحدهما بعد أخذ نصيبه كيف يزكي المسلم حقه؟

ص: 471

الشيخ: يزكي المسلم منهما حقه إذا كان يبلغ النصاب زكاه وإن لم يبلغ النصاب فلا زكاة عليه إلا إذا كان عنده من جنسه فيضمه إليه والزكاة على نصفه أما الثاني ما عليه زكاة.

السائل: الذي ماله من حرام هل عليه زكاة؟

الشيخ: نعم هذا ما تعتبر زكاته مطهرة لماله ولا مطهرة لإيمانه هذا حق الفقراء لابد أن يؤخذ منه والله ما يقبل إلا طيباً أرأيت الإنسان إذا سرق مالاً وتاب وتصدق به تخلصاً منه هل يقبله الله على أنه صدقة؟ لا يقبله لكن تبرأ به الذمة.

السائل: لماذا لا نقيس عليه الفوائد المأخوذة من البنوك؟

الشيخ: إذا تاب لا بأس أن يصرفها في أي مصرف لكن لا يتقرب إلى الله تعالى بالصدقة بها يتقرب إلى الله بالتوبة منها.

القارئ: الشرط الثالث: أن يختلطا في نصاب فإن اختلطا فيما دونه مثل أن يختلطا في ثلاثين شاة لم تؤثر الخلطة سواء كان له مال سواه أو لم يكن لأن المجتمع دون النصاب فلم تجب الزكاة فيه.

الشيخ: وظاهره ولو كان له مال من جنس مختلط مثاله رجلان اختلاطا في ثلاثين شاة لكل واحد خمس عشرة شاة لكن أحدهما عنده خمس وعشرون شاة في مكان آخر فهذا عنده ما يبلغ النصاب أما الآخر الذي ليس عنده إلا خمس عشرة شاة فهذا ليس عليه شيء لكن الثاني هل يجب عليه شيء أو لا يجب؟ لا يجب لأنها متفرقة في مكان خمسٌ وعشرون شاة وفي مكان آخر خمس عشرة شاةً فلا يجب عليه لكن القول الراجح تجب عليه الزكاة لأنه ملك نصاباً ملك أربعين شاة.

ص: 472

القارئ: الشرط الرابع: أن يختلطا في ستة أشياء لا يتميز أحدهما عن صاحبه فيها وهي: المسرح والمشرب والمحلب والمراح والراعي والفحل لما روى الدارقطني بإسناده عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والراعي) نص على هذه الثلاثة فنبه على سائرها ولأنه إذا تميز كل مال بشيء مما ذكرناه لم يصيرا كالمال الواحد في المؤن ولا يشترط حلب المالين في إناء واحد لأن ذلك ليس بمرفق بل ضرر لاحتياجهما إلى قسمته.

الشيخ: أن يختلطا في ستة أشياء المسرح يعني مكان السرح فلا يكون أحدهما يسرح شرقاً والثاني غرباً بل يكون المسرح واحداً وهل يشترط الزمن؟ نعم يشترط يعني بحيث لا يكون أحدهما يسرح بالليل والثاني بالنهار إذاً المسرح مكاناً وزماناً.

والمشرب يعني أنهما يشربان من ساقية واحدة ليس لأحدهما ساقية منفردة به.

والثالث المحلب يكون حلبهما في مكان واحد وهل يشترط أن يخلط الحليب؟ لا ليس بشرط.

والمراح يعني المأوى والمبيت يكون واحداً والراعي يكون واحداً فإن كان لكل واحد منهما راعٍ لماشيته فليس ذلك بخلطه أما لو كانا راعيين وكانا يرعيان جميع السائمة فهما كراعٍ واحد.

والفحل يعني أنه ليس لأحدهما فحل يختص بطرق ماشيته بل الفحل يطرق ماشية هذا وماشية هذا فإن كان لكل واحد منهما فحل يختص بماشيته فليس هذا خلطة.

ص: 473

القارئ: الشرط الخامس أن يختلطا في جميع الحول فإن ثبت لهما حكم الانفراد في بعضه زكيا زكاة المنفردين فيه لأن الخلطة معنىً يتعلق به إيجاب الزكاة فاعتبرت في جميع الحول كالنصاب فإن كان مال كل واحد منهما منفرداً فخلطاه زكياه في الحول الأول زكاة الانفراد وفيما بعده زكاة الخلطة فإن اتفق حولاهما مثل أن يملك كل واحد منهما أربعين في أول المحرم وخلطاها في صفر فإذا تم حولهما الأول أخرجا شاتين فإذا تم الثاني فعليهما شاة واحدة.

الشيخ: لأن الحول الأول ما فيه خلطة وعند كل واحد منهما أربعون نصاب.

القارئ: وإن اختلف حولاهما فملك أحدهما أربعين في المحرم والآخر أربعين في صفر فخلطاها في ربيع أخرجا شاتين للحول الأول فإذا تم حول الأول والثاني فعليه نصف شاة فإن أخرجها من غير النصاب فعلى الثاني عند تمام حوله نصف شاة وإن أخرجها من النصاب فعلى الثاني من الشاة بقدر ماله من جميع المالين فإذا كان ماله أربعين ومال صاحبه أربعون إلا نصف شاة فعليه أربعون جزءاً من تسعة وسبعين جزءاً ونصف من شاة ونصف من شاة وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد دون صاحبه نحو أن يملكا نصابين فخلطاهما ثم باع أحدهما ماله أجنبيا فعلى الأول شاة عند تمام حوله لأنه ثبت له حكم الانفراد فإذا تم حول الثاني فعليه زكاة الخلطة لأنه لم يزل مخلطاً في جميع الحول.

فصل

ص: 474

القارئ: فإن كان بينهما نصابان مختلطان فباع أحدهما غنمه بغنم صاحبه وأبقياها على الخلطة لم ينقطع حولهما ولم تزل خلطتهما وكذلك إن باع البعض بالبعض من غير إفراد قل المبيع أو كثر، فأما إن أفرداها ثم تبايعا ثم خلطاها وطال زمان الإفراد بطل حكم الخلطة وإن لم يطل ففيه روايتان إحداهما: لا ينقطع حكم الخلطة لأن هذا زمن يسير فعفي عنه والثاني: يبطل حكم الخلطة لأنه قد وجد الانفراد في بعض الحول فيجب تغليبه كالكثير فإن أفردا بعض النصاب وتبايعاه وكان الباقي على الخلطة نصابا لم تنقطع الخلطة لأنها باقية في نصاب وإن بقي أقل من نصاب فحكمه حكم إفراد جميع المال وذكر القاضي: أن حكم الخلطة ينقطع في جميع هذه المسائل ولا يصح لأن الخلطة لم تزل في جميع الحول والبيع لا يقطع حكم الحول في الزكاة فكذلك في

الخلطة ولو كان لكل واحد أربعون مخالطة لمال آخر فتبايعاها مختلطة لم يبطل حكم الخلطة وإن اشترى بالمختلطة مفردة أو بالمفردة مختلطة انقطعت الخلطة وزكى زكاة المنفرد لأن زكاة المشتري تجب ببنائه على حول المبيع وقد ثبت لأحدهما حكم الانفراد في بعض الحول فيجب تغليبه.

مسألة: المشتري يبني على هذا لأنها خلطة أوصاف لا خلطة أعيان حتى نقول انتقل فيها الملك.

فصل

ص: 475

القارئ: إذا كان لرجل نصاب فباع نصفه مشاعاً في الحول فقال أبو بكر: ينقطع حول الجميع لأنه قد انقطع في النصف المبيع فكأنه لم يجر في حول الزكاة أصلا فلزم انقطاعه في الباقي، وقال ابن حامد: ولا ينقطع الحول فيما لم يبع لأنه لم يزل مخالطاً لمال جارٍ في حول الزكاة وحدوث الخلطة لا يمنع ابتداء الحول ولا يمنع استدامته وهكذا لو كان النصاب لرجلين فباع أحدهما نصيبه أجنبياً فعلى هذا إذا تم حول ما لم يبع ففيه حصته من الزكاة فإن أخرجت منه نقص النصاب فلم يلزم المشتري زكاة وإن أخرجت من غيره وقلنا: الزكاة تتعلق بالعين فلا شيء على المشتري أيضا لأن تعلق الزكاة بالعين يمنع وجوب الزكاة، وقال القاضي: لا يمنع فعلى قوله: على المشتري زكاة حصته إذا تم حوله وإن قلنا: تتعلق بالذمة لم يمنع وجوب الزكاة على المشتري لأن النصاب لم ينقص.

فأما إن أفرد بعض النصاب وباعه ثم خلطه المشتري بمال البائع فقال ابن حامد: ينقطع حولهما لثبوت حكم الانفراد لهما وقال القاضي: يحتمل أن لا ينقطع حكم حول البائع لأن هذا زمن يسير.

ولو كان لرجلين نصاب خلطة فاشترى أحدهما نصيب صاحبه أو ورثه أو اتهبه في أثناء الحول فهذه عكس المسألة الأولى صورةً ومثلها معنى لأنه في الأولى كان خليط نفسه ثم صار خليط أجنبي وهاهنا كان خليط أجنبي فصار خليط نفسه والحكم فيها كالحكم في الأولى لاشتراكهما في المعنى.

ولو استأجر أجيراً يرعى غنماً بشاة منها فحال الحول ولم يفردها فهما خليطان وإن أفردها ونقص النصاب فلا زكاة فيهما لنقصانها وإن استأجره بشاة موصوفة صح وجرت مجرى الدين في منعها من الزكاة على ما مضى من الخلاف فيه.

فصل

القارئ: وذكر القاضي شرطاً سادساً وهو نية الخلطة لأنه معنىً يتغير به الفرض فافتقر إلى النية كالسوم والصحيح أنه لا يشترط لأن النية لا تؤثر في الخلطة فلا تؤثر في حكمها لأن المقصود بها الارتفاق بخفة المؤنة وذلك يحصل مع عدم النية.

ص: 476

الشيخ: ويظهر الفرق فيما إذا اختلط الغنم بدون علم أهلها فإنه على رأي القاضي لا تكون خلطة ولو اختلطت كل الحول وعلى الرأي أنه لا يشترط تكون خلطة وهذا أقرب لأن العبرة بالصورة.

فصل

القارئ: إذا أخذ الساعي الفرض من مال أحدهما رجع على خليطه بقدر حصته من المال لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) فإذا كان لأحدهما الثلث فأخذ الفرض من ماله رجع على خليطه بقيمة ثلثيه، وأن أخذه من صاحبه رجع صاحبه عليه بقيمة ثلثه.

فإن اختلفا في القيمة فالقول قول المرجوع عليه إذا عدمت البينة لأنه غارم فالقول قوله كالغاصب وإن أخذ الساعي أكثر من الواجب بغير تأويل فأخذ مكان الشاة اثنتين لم يرجع على صاحبه إلا بقدر الواجب لأن الزيادة ظلم فلا يرجع بها على غير ظالمه

الشيخ: الصحيح أنه يرجع وأنهما يتساوون في الظلم والعدل لأن الساعي أخذ اثنتين عن ماليهما فيرجع عليه بما ظلمه وهذا هو العدل.

القارئ: وإن أخذه بتأويل فأخذ صحيحة كبيرة عن مراضٍ صغار رجع على صاحبه لأن ذلك إلى اجتهاد الإمام فإذا أداه اجتهاده إلى أخذه وجب دفعه إليه وكان بمنزلة الواجب وإن أخذ القيمة رجع بالحصة منها لأنه مجتهد فيه.

فصل

القارئ: فإذا كانت سائمة الرجل في بلدين لا تقصر بينهما الصلاة فهي كالمجتمعة وإن كان بينهما مسافة القصر فكذلك اختاره أبو الخطاب لأنه مال واحد فضم بعضه إلى بعض كغير السائمة وكما لو تقارب البلدان والمشهور عن أحمد أن لكل مال حكم نفسه لظاهر قوله عليه السلام (لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة) ولا يختلف المذهب في سائر الأموال أنه يضم مال الواحد بعضه إلى بعضه تقاربت البلدان أو تباعدت لعدم تأثير الخلطة فيها.

ص: 477

الشيخ: لو كان عند الإنسان متجران أحدهما في المدينة والثاني في مكة فإنه يضم بعضهما إلى بعض لأنهما مال واحد ولا أثر للخلطة كما سبق في غير المواشي وهذا واضح وهو الصحيح وأما قوله عليه الصلاة والسلام (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين المجتمع خشية الصدقة) لأن الساعي إذا جاء ليأخذ الصدقة فليس له إلا ما يشاهد فقط فقد يفرق الإنسان ماله يجعل مثلاً عشرين شاة في جهة وعشرين في جهة أخرى والساعي إذا جاء ليس له إلا ما شاهد هل يأخذ الزكاة في هذه الحال أو لا؟ لا يأخذ الزكاة لأنه لا يشاهد إلا عشرين فالصحيح في هذا أن مال الإنسان يضم بعضه إلى بعض في الماشية والزروع والحبوب والأثمان والعروض تباعد ما بينهما أو تقارب لأنه ماله فلا فرق.

مسألة: الساعي لايأخذ من المتفرق فليس فيها شيء لكن هذا الذي يملك العشرين هنا والعشرين هناك فيما بينه وبين ربه يجب عليه أن يزكى.

والقاعدة أن خلطة الأوصاف تكون كأنها مال واحد فإذا انفرد أحد الخليطين في بعض الحول فكأنما نقص النصاب وإذا نقص النصاب انقطع الحول فإذا أعيدت الخلطة صار كأنه ملك نصاباً جديداً فتعتبر الخلطة من رجوعه لا من الأول والظاهر لي أنه سواء طال الزمن أو قصر والمؤلف حكى الخلاف فيما إذا طال الزمن والظاهر أنه لا فرق لأنه إذا انقطعت الخلطة في يوم من الأيام فكأنما نقص النصاب وهو فعلاً نقص النصاب فلو أن أحد الخليطين أفرد ملكه لمدة عشرة أيام مثلاً نزح به إلى مكان آخر ليرعى هناك أو إلى مكان آخر ليشرب أو ليسقي بهائمه فينقطع فإذا أعاده ابتدأ حولاً جديداً، ومسألة الرجوع على أحد الشريكين هذا يظهر بالحساب ويعرف بالحساب.

السائل: إذا تفرق المختلطان عمداً ليسقطا الزكاة عنهما فهل تؤخذ منها الزكاة أم لا؟

الشيخ: تؤخذ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولدينا حديث يعتبر جبلاً عظيماً في الشريعة (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فهذه الحيلة لا تنفع.

ص: 478