المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب حمل الجنازة والدفن - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٢

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌باب حمل الجنازة والدفن

الشيخ: من علم نفاقه لا يصلى عليه ولو صلى معنا لأن المنافقين يشهدون الصلاة مع الرسول عليه الصلاة والسلام لكن متى نعلم؟ المشكلة الآن أننا تكلمنا مع بعضهم أو من يقال إنه من رؤسائهم وقال أبداً أنا إنما سلكت هذا الطريق لأن هناك علمانية متطرفة إلحادية كفرية وأنه سلك هذا المسلك لينتشل الشباب من هذه العَلمانية ترى بالفتح العلمانية الكافرة الملحدة فكأنه يريد أن يسلك سبيلاً بين سبيلين لكن هل هذا المنهج صحيح؟ نعم إن كان ينتشله من هذه العلمانية الملحدة الكافرة ثم يقربهم إلى الإسلام ويبني كلامه على أدب إسلامي صحيح بعد الأدب الجاهلي فهذا ربما نقول أراد خيراً وإذا كان يشهد الجماعة ويتصدق ويحسن بجاهه فقد نظن به خيراً لكن رجل لا يعرف منه هذا الشيء ويقول أبداً طريقنا هي الصحيح ونحن نعرف أنه يريد أن ينكر الأديان لكن يتوسل بقول الأدب والأدباء وما أشبه ذلك إلى نبذ الدين فهذا شيء ثاني.

السائل: لكن الاستفاضة إذا تعذر العلم أليست بكافية؟

الشيخ: يا أخي نحن قيل لنا الصوفية وما الصوفية والصوفية فيهم وفيهم لكننا رأينا بعض الصوفية ما بيننا وبينهم إلا خلاف يسير.

‌باب حمل الجنازة والدفن

القارئ: وهما فرض على الكفاية لأن في تركها هتكاً لحرمتها وأذى للناس بها وأولى الناس بذلك أولاهم بغسله وأولى الناس بإدخال المرأة قبرها محارمها الأقرب فالأقرب وفي تفضيل الزوج عليهم وجهان بناءً على ما مر في الصلاة فإن لم يكن فالمشايخ من أهل الدين وعنه النساء بعد المحارم اختاره الخرقي والأول أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة فنزل في قبر ابنته دون النساء رواه البخاري ورأى النبي صلى الله عليه وسلم نساءً في جنازة فقال (أتدلين فيمن يدلي) قلن لا قال (فارجعن مأزورات غير مأجورات) أخرجه ابن ماجة ولأن الدفن يحتاج إلى قوة وضبط ويحضره الرجال فتولي المرأة له تعريض لها للهتك.

ص: 374

الشيخ: كل هذه التعليلات عليلة لأن أصل المسألة عليلة الأصل أن النساء لا يخرجن إلى المقابر وأنهن ينهين عن ذلك ولهذا جاء في الحديث الأخير أن الرسول قال (ارجعن مأزورات غير مأجورات) فأمرهن بالرجوع وأخبرهن بالإزر وأما قوله (أتدلين فيمن يدله) فمراده تحديهن يعني هل خرجتن لأجل أن تدلين كما يدلي الرجال؟ فقلن لا قال إذن ارجعن فأصل تبعية المرأة للرجال في هذا غير واردة إطلاقاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تتبع النساء الجنائز فالحاصل أن قول الخرقي هذا ضعيف والتعليلات التي ساقها المؤلف لا حاجة لها ولا داعي لها ولا يمكن أن تخرج النساء مع الرجال في الجنائز.

القارئ: والتربيع في حمل الجنازة مسنون لما روي عن ابن مسعود أنه قال إذا اتبع أحدكم جنازة فليأخذ بجوانب السرير الأربع ثم ليتطوع بعد أو ليذر فإنه من السنة رواه سعيد بن منصور وصفته أن يبدأ فيضع قائمة السرير اليسرى على كتفه اليمنى من عند رأس الميت ثم من عند رجليه ثم يضع قائمة السرير اليمنى على كتفه اليسرى من عند رأسه ثم من عند رجليه.

الشيخ: السرير الذي عليه الميت له أربع قوائم يبدأ الإنسان بالقائمة المقدمة اليسرى تكون على يمين الحامل والميت أيضاً فيبدأ بالقائمة المقدمة اليمنى ثم يتأخر ليأخذ بالقائمة المؤخرة نفس المكان ثم يعود إلى رأس الميت فيأخذ بقائمة السرير اليسرى التي هي على يسار الميت وكذلك عن يسار الحامل ثم يرجع.

القارئ: وعنه أنه يدور فيأخذ بعد يسار المؤخرة يامنة المؤخرة ثم المقدمة.

الشيخ: وهذا أيسر في الغالب لا سيما مع الزحام لأنه إذا قلنا بالأول صار لابد أن يذهب من عند رأسه وهذا قد يكون شاقاً أما الصفة الثانية فهو بعد أن يأخذ بالمؤخرة اليمنى يأخذ بالمؤخرة اليسرى ثم بالمقدمة اليسرى.

القارئ: فإن حمل بين العمودين فحسن روي عن سعد بن مالك وأبي هريرة وابن عمر وابن الزبير أنهم حملوا بين عمودي السرير.

ص: 375

الشيخ: السرير له قوائم أربع يحمل من بين القائمتين يكون بينهما ويحملها لكن هذا يحتاج إلى رجل قوي لأنه سيكون شاقاً عليه إلا أن يساعده أحد ويفعل مثل فعله فيمكن أن يكون سهلاً وأيضاً إذا كان السرير واسعاً يمكن أن يحمله اثنان كل واحد منهما طرفاً من السرير وهم في الوسط لكن هذا فيما إذا كان السرير واسعاً أما إذا كان ضيقاً فلا يمكن إلا واحد فقط وكل هذه ليست لازمة فإذا كان هناك زحام فاحمل كيفما تيسر.

القارئ: والسنة الإسراع في المشي بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أسرعوا بالجنازة فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) متفق عليه ولا يفرط في الإسراع فيخضها ويؤذي متبعها.

السائل: بارك الله فيك ما حكم حمل الميت على عربة تجرها الخيول؟

الشيخ: هذا فخر وخيلاء ولهذا لا يركب العربة على الخيول إلا الملوك والأمراء لكن الآن أصبح الحمد لله السيارات موجودة.

السائل: يسمى بالجنازة العسكرية؟

الشيخ: هذا كما قلت لك الظاهر أن هذا من الفخر والخيلاء أن يحمل على عربة تجرها الخيول أو البغال.

فصل

القارئ: واتباع الجنازة سنة وهو على ثلاثة أضرب أحدها أن يصلي وينصرف والثاني أن يتبعها إلى القبر ثم يقف حتى تدفن لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من شهد جَنازة حتى يُصلَّى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان) قيل وما القيراطان قال (مثل الجبلين العظيمين) متفق عليه الثالث أن يقف بعد الدفن يستغفر له ويسأل الله له التثبيت كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دفن ميتاً وقف وقال (استغفروا له وأسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل).

ص: 376

الشيخ: رواه أبو داود وليت المؤلف أتى بلفظ الحديث لأن الحديث (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت) وهذا فيه استعطاف للحاضرين (استغفروا لأخيكم) وهذا الاستعطاف يوجب أن يستغفروا له وقوله (فإنه الآن يسأل) أي يسأله الملكان وعلم من ذلك أن الإنسان قبل الدفن لا يُسأل وعلى هذا

فالأموات الذين يجعلون في الثلاجات ينتظر بهم ما يحتاجون إلى الانتظار هؤلاء لا يحاسبون ولا تأتيهم الملائكة ولا يحصل لهم من النعيم ما يحصل لأهل القبور إذا كانوا من السعداء لكنهم قد حصل لهم البشارة عند الموت أما الآن فلا لأنهم لم يصلوا إلى مقرهم ومدفنهم وبناءً على ذلك لو مات الإنسان في البحر في السفينة ولم يمكن إبقاؤه إلى الشاطئ فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في البحر في الماء يجعل شيء يثقله كحجر ونحوه ثم يلقى في البحر وإلقاؤه في البحر يعتبر كالدفن يُسأَل له التثبيت ويستغفر له وهذه المسألة يلغز بها فيقال هل ينوب الماء عن التراب؟ نعم في هذه المسألة.

القارئ: والمشي أمامها أفضل لما روى ابن عمر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما يمشون أمام الجنازة رواه أبو داود ولأنهم شفعاء لها والشافع يتقدم المشفوع وحيث مشى قريباً منها فحسن وإن كان راكباً فالسنة أن يكون خلفها لما روى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها) حديث صحيح ويكره الركوب لمشيعها إلا للحاجة لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما ركب في جنازة ولا عيد ولا بأس بالركوب في الانصراف لما روى جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم اتبع جنازة ابن الدحداح ماشيا ورجع على فرس حديث حسن رواه الترمذي ورواه مسلم.

الشيخ: رواه الترمذي ورواه مسلم ما هو بموجود عندنا وعادة العلماء أن يقدموا الصحيحين على غيرهما.

السائل: في حمل الجنازة هل نقدم السيارة لأنها أسرع أو نقول المشي.

ص: 377

الشيخ: حمل الجنازة على السيارة خطأ إلا لحاجة كقلة المشيعين أو برد شديد أو حر شديد أو مطر وإلا فحملها على الأكتاف هذا هو السنة لينتفع المشيعون وليكون ذلك عبرة لمن مروا به ولئلا يتخذ حال الحمل كحال الزفاف والولائم لكن إذا صار هناك حاجة لا بأس.

السائل: هل وضع المسلم في تابوت فيه تشبه باليهود والنصارى؟

الشيخ: نعم هو تشبه لا شك فيه.

السائل: ما حكم التلقين بعد الدفن وهل الميت يسمع سلام من يزوره؟

الشيخ: أما التلقين بعد الدفن فهذا ليس بصحيح لأنه ليس فيه إلا حديث أبي أمامة وهو ضعيف ولا يسن التلقين إنما يسن الاستغفار فتقف على القبر بعد الدفن وتقول اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم ثبته اللهم ثبته اللهم ثبته وتنصرف لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا دعا ثلاثاً وأما تلقينه فهذا ليس بصحيح وأما كون الميت يسمع أو لا يسمع فهذا ورد أنه إذا انصرف عنه أصحابه فإنه

يسمع قرع نعالهم وورد أيضاً أنه إذا سلم عليه من يعرفه رد الله عليه روحه فرد عليه السلام والعلماء في هذا بين طرفين ووسط منهم من أنكر سماع الأموات مطلقاً إلا فيما ورد كسماع قتلى قريش في بدر وكسماع الرجل إذا انصرف عنه أصحابه يسمع قرع نعالهم وقال نقتصر على ما ورد فقط وضعفوا حديث أبي داود الذي قال ابن عبد البر أنه صحيح أن الرجل إذا جاء إلى صاحب قبر يعرفه وسلم عليه فإن الله يرد عليه روحه ويرد عليه السلام ومن العلماء من بالغ في هذا الشيء وقال إنه لو جلس رجلان عند القبر يتحدثان في شيء سمعهما الميت وجعلوه يسمع كل شيء وهذا أيضاً فيه مبالغة والصحيح أنه يسمع الخطاب الموجه إليه.

فصل

ص: 378

القارئ: وإذا سبقها فجلس لم يقف عند مجيئها وإن مرت به جنازة لم يستحب له القيام وعنه يستحب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تَخْلُفُه) رواه مسلم والأول أولى لقول علي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد رواه مسلم وهذا ناسخ للأول.

الشيخ: وهذا الذي اختاره المؤلف رحمه الله خلاف الصواب فالصواب أنه يقوم لها إذا مرت به وقعود النبي عليه الصلاة والسلام يحمل على بيان الجواز ليتبين أن الأمر في الأول ليس للوجوب وإنما هو للاستحباب فيبقى السنة أن يقوم لها وفي القيام لها من الاتعاظ وحضور القلب ما ليس في البقاء جالساً غير مبال بها وقد قام النبي عليه الصلاة والسلام لجنازة يهودي فقال (إن للموت فزعاً) فالصواب استحباب القيام وأما قعود الرسول عليه الصلاة والسلام فهو لبيان الجواز على أنه لا ينبغي أن يصار إلى النسخ بمثل هذا لأنه قد يقول قائل تعارض فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله والمقدم قوله وهذا هو الحق يعني لو فرض التعارض من كل وجه لأخذنا بقوله لكن التعارض في هذا ليس بوارد إطلاقاً إذ يمكن حمل القعود على بيان الجواز والخلاصة الآن أنه ينبغي للإنسان إذا مرت به الجنازة وهو قاعد أن يقوم حتى تمر من عنده وتُخَلِّفُه.

القارئ: فأما من مع الجنازة فيكره أن يجلس حتى توضع عن الأعناق لما روى أبو سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من تبع جنازة فلا يجلس حتى توضع) رواه البخاري ومسلم وفي لفظ حتى توضع في الأرض رواه أبو داود.

الشيخ: وهذا يبين أن الوضع المراد به الوضع في الأرض وليس المراد الوضع في القبر ثم إن الفقهاء رحمهم الله قالوا أن توضع في الأرض للدفن فلو فرض أنها وضعت لإصلاح الجنازة على النعش أو أنها وضعت لتعب الحاملين فلا يدخل في هذا يعني يبقى النهي ممتداً إلى أن توضع في الأرض للدفن.

ص: 379

القارئ: ويكره إتباع النساء الجنازة لما روت أم عطية قالت نهينا عن اتباع الجنائز متفق عليه.

الشيخ: سبحان الله المؤلف قال يكره اتباع النساء الجنائز ثم أتى بحديث النهي وهذا يقتضي أن يكون حراماً ولو أنه أتى بآخر الحديث لكان له حجة حيث قالت (ولم يُعْزَم علينا) قالوا وفي قولها ولم يعزم علينا دليل على أن النهي للكراهة لكن مع ذلك فيه مناقشة أو منازعة لأن الذين قالوا إنه يحرم اتباع النساء للجنائز قالوا إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال للنساء (ارجعن مأزورات غير مأجورات) وأما قول أم عطية (ولم يعزم علينا) فهذا ظن منها وتفقه منها فلا يعارض نهي النبي عليه الصلاة والسلام والأصل بقاء النهي على ما كان وهذا إلى الصواب أقرب لأن اتباع النساء الجنائز يحصل فيه من المفاسد ما الله به عليم اختلاط ونياح وربما تصفيق وزغرطة المهم أن القول الراجح أن اتباع النساء الجنائز محرم.

القارئ: ويكره أن تتبع بنار أو صوت لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار) رواه أبو داود.

الشيخ: أما الصوت فهو صوت النياحة لا تتبع بصوت وكذلك ما يوجد في بعض البلاد صوت الطبول والمزامير وأما النار فظاهر أنها لا تتبع بالنار ولكن هذا مقيد بما إذا لم يكن هناك حاجة فإن كان هناك حاجة كالليالي المظلمة فلا بأس أن يصطحبوا معهم سراجاً لأنهم محتاجون لهذا.

فصل

القارئ: ويجوز الدفن في البيت لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر دفنوا في بيت والدفن في الصحراء أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع وإنما دفن بالبيت كراهة أن يتخذ قبره مسجدا ولولا ذلك لأبرز قبره كذلك قالت عائشة رضي الله عنها متفق عليه.

ص: 380

الشيخ: يقول رحمه الله إنه يجوز الدفن في البيت لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر دفنوا في البيت وفي هذا المقال نظر وذلك لأن الدفن في البيت يؤدي إلى مفاسد كبيرة بل نقول لأن الدفن في البيت معصية للرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) ولهذه الجملة معنيان أحدهما لا تدفنوا فيها والثاني لا تجعلوها بمنزلة المقابر لا تصلوا فيها وكلاهما صحيح ولأن القبر في البيت يؤدي إلى فتنة ربما يؤدي إلى عبادته ولو على المدى البعيد ولأن الدفن في البيت يؤدي إلى امتهان الميت إن جعل في الساحة ولأنه يؤدي إلى الرهبة والخوف من الصبيان ونحوهم أو يؤدي إلى عدم المبالاة وعدم الاتعاظ في القبور وكلاهما مفسدة أما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنما دفن في بيته حذراً من هذا المحذور الكبير حذراً من أن يتخذ مسجداً ثم إنه ورد أيضاً أنه (ما من نبي مات إلا دفن حيث قبض) فيكون هذا أيضاً سبباً آخر وهذا لا يأتي في غير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما دفن صاحبيه معه فهذا أيضاً

من خصائصهما لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان دائماً قريناً لهذين الرجلين كان يقول دائماً ذهبت أنا وأبو بكر وعمر وجئت أنا وأبو بكر وعمر فكانا صاحباه في الدنيا وصاحباه في القبر وسيكونان صاحبيه في الآخرة في المحشر فبهذا نجيب عما ذكره المؤلف رحمه الله بالنسبة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم فهو من خصائصه.

القارئ: ويدفن الشهيد في مصرعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر بشهداء أحد أن يردوا إلى مصارعهم) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي، وكان بعضهم قد حمل إلى المدينة وحمل الميت إلى غير بلده لغير حاجة مكروه لأنه أذىً للأحياء والميت لغير فائدة.

ص: 381

الشيخ: هذا كما قال المؤلف حمل الإنسان ليدفن في غير بلده الذي مات فيه مكروه لما فيه من الأذية على المشيعين والأذية على الميت وتأخير الدفن أيضاً ولأنه ربما يحصل بذلك ضرر عام مثل أن يختار الناس الدفن في البقيع كل أحد يتمنى أن يدفن في البقيع فإذا قلنا بعدم الكراهة وأن البقيع محل يرجى لأهله المغفرة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) لو فتحنا الباب لامتلأت المدينة كلها مقبرة فلهذا نقول كل إنسان يدفن حيث مات في بلده إلا إذا كان في بلد كفر فإنه لا بأس بنقله اتقاءً للمكان السيء الذي يكثر به أموات الكفار مع أنه يجب أن تُمَيّز قبور المسلمين عن قبور الكفار.

القارئ: وإن تنازع وارثان في الدفن في مقبرة المسلمين أو البيت دفن في المقبرة لأن له في البيت حقا فلا يجوز إسقاطه ويستحب الدفن في المقبرة التي فيها الصالحون لينتفع بمجاورتهم.

الشيخ: كلام المؤلف رحمه الله في قوله لينتفع بمجاورتهم فيه نظر لأنه يحتاج إلى توقيف ونص والصالحون ينتفع بمجاورتهم في الدنيا لأنهم قد يحصل منهم أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو تعليم أو ما أشبه ذلك وأما في الآخرة فإنه قد يكون الرجلان في قبر واحد أحدهما يعذب والثاني ينعم فالصواب أنه لا وجه لما قاله المؤلف من جمع الصالحين في مكان واحد وأما لو احتج محتج بما جرى لأبي بكر وعمر لقلنا إن هذا قياس مع الفارق.

القارئ: وجمع الأقارب في الدفن حسن لتسهل زيارتهم والترحم عليهم وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك عند رأس عثمان بن مظعون صخرة وقال (أَتَعَلَّمُ بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي) رواه أبو داود.

الشيخ: أنا عندي أعلم ما هي مشكولة وعندكم مشكولة وأُعَلِّمُ يعني أجعل علامة أو أَعْلَمُ يعني أعرف.

ص: 382

القارئ: وإن تشاح اثنان في مقبرة مسبلة قدم السابق لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به) وإن استويا في السبق أقرع بينهما ولا يدفن ميت في موضع فيه ميت حتى يبلى الأول ويرجع فيه إلى أهل الخبرة بتلك الأرض.

الشيخ: هذا صحيح لا يدفن ميت على ميت وذلك لأن الميت إذا قبر صار هذا المكان من اختصاصاته فكما لا يسكن أحد بيت أحد في الدنيا إلا برضاه فكذلك لا يقبر أحد على أحد اللهم إلا إذا دعت الحاجة فإنه يجوز أن يجمع رجلان في قبر واحد.

مسألة: في مكة وغيرها الأراضي تختلف يعني بعض الأراضي تكون حارة تأكل اللحم والعظم بسرعة وبعضها تكون باردة ما تأكل هذا ولكن بعض العوام يقدرونها بأربعين سنة وهذا لا صحة له فقد وجد أناس دفنوا من زمان طويل ووجدوا على ما هم عليه لكنهم على كل حال بمجرد ما يبينون للهواء تكون عظامهم ولحومهم هشة وكان في مكة يحصل أوبئة كثيرة فيما سبق حتى قال بعضهم إنه يكون بالمئات يموتون في اليوم الواحد ويقولون إنها إذا ألّفت رفع البلاء ومعنى ألّفت يعني يموت في اليوم ألف واحد هذا مع قلة الناس لكن مع الأوبئة عظيمة صاروا لا يستطيعون أن يحفروا قبوراً فيضعون هذا مع القبو ويضعون الأموات فيه وقيل لي أيضاً أنهم يضعون عليه شيئاً يتلفه بسرعة كالنورة لأجل أن يأتوا إليه ثم يرصون العظام في جهة من هذا القبو ويدفنون من جديد وهذا للحاجة لا بأس به لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الموتى في قبر واحد يوم أحد.

السائل: أحسن الله إليكم رأيت أناساً في بعض البلدان إذا مر على الميت عدة أشهر في المقبرة وضعوا أكثر من ميت فوق بعض فهل هذا يجوز؟

الشيخ: لا يجوز وفيه أيضاً بعض الجهات يعمقون القبر ثم إذا مضى مدة غير بعيدة لكن عُلِم أن الميت قد زال تغيره حفروا ودفنوا آخر ولهذا تجدها طبقات هذا على كلام المؤلف لا يجوز.

السائل: أحسن الله إليكم ما فيه فاصل بينهم؟

ص: 383

الشيخ: هذه تخضع في الواقع لتنظيم البلدة نفسها قد لا يكون هناك أماكن للقبور فيضطرون إلى مثل هذه الحال.

السائل: بارك الله فيكم في قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم على الأرض أكل أجساد الأنبياء) أو كما قال صلى الله عليه وسلم هل يؤخذ من هذا الحديث أنه إن حفر للرجل ووجد أنه لم يتغير يعني بقي كما هو دليل على صلاحه؟

الشيخ: نعم ربما يكون هذا من الكرامة أنه خرج عن غيره بهذه الكرامة.

السائل: بارك الله فيكم السؤال هل هذا على إطلاقه لأنه حفر قبر قسيس ووجد كما هو من مائة سنة عندنا في البلاد وطارت الدنيا به؟

الشيخ: هذا مصبر من الأصل ليوهموا على الناس أن لهم كرامات وهذا كما قال شيخ البطائحية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما تناظر معه في العقيدة وقال له سنمتحن ندخل النار فأينا لم تحرقه النار فهو صاحب الحق فقال له شيخ الإسلام ما في مانع لكن بشرط أن لا ندخل النار حتى نغتسل في النهر وإذا اغتسلنا في النهر ونظفنا أنفسنا دخلنا النار فانهزم الرجل لماذا؟ لأنه قد طلى نفسه بشيء ضد النار وشيخ الإسلام رحمه الله تفطن لهذا فقال له ذلك فهؤلاء القساوسة لا شك أنهم على دين باطل أبطلته الشريعة الإسلامية ولا يمكن أن يكون هذا كرامة لهم لكنهم ربما يتحايلون ويضعون عليه ما يصبِّرُه.

فصل

القارئ: ويستحب تعميق القبر وتوسيعه وتحسينه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (احفروا وأوسعوا وأعمقوا) رواه أبو داود قال أحمد يُعمَّق إلى الصدر لأن الحسن وابن سيرين كانا يستحبان ذلك ولأن في تعميقه أكثر من ذلك مشقة وقال أبو الخطاب يعمق قدر قامة وبسطة.

الشيخ: رحمه الله قامة وبسطة عميق جداً لكن إلى الصدر نعم هذا أحسن شيء ثم إنه يختلف أيضاً فبعض الأراضي لو عمقنا إلى الصدر ربما تخرج الرائحة لأنها رمل والرائحة تتخلل الرمل فهذه يعمق أكثر.

ص: 384

القارئ: والسنة أن يلحد له لقول سعد بن مالك (الحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم، قال أحمد ولا أحب الشق لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اللحد لنا والشق لغيرنا) رواه أبو داود ومعنى الشق أنه إذا وصل إلى الأرض شق في وسطه شقاً نازلا فإن كانت الأرض رخوة لا يثبت فيها اللحد شق فيها للحاجة.

الشيخ: يعني لو كانت الأرض رملاً فاللحد لا يمكن أن يستقيم لأن اللحد معناه أن نشق شقاً يسع الميت في جانب القبر مما يلي القبلة وسمي لحداً لميله إلى أحد الجانبين أما الشق فهو في وسط القبر تحفر حفرة نازلة في وسط القبر فهذا خلاف السنة إلا إذا دعت الحاجة بأن كانت الأرض رملية فإن اللحد لا يمكن أن يستقيم فحينئذٍ نحفر شقاً في وسط اللحد ثم نضع اللبن هكذا ثم نضع الميت ونضع عليه اللبن وهذا للحاجة لا بأس به.

السائل: بارك الله فيك في قول النبي صلى الله عليه وسلم (اللحد لنا والشق لغيرنا) ما معنى لغيرنا؟

الشيخ: معنى لغيرنا أي للكفار.

السائل: أحسن الله إليكم ما هي صفة الشق؟

الشيخ: الشق إنه يحفر حفرة كالقبر المعتاد لكن ما يجعل فيه لحد في جانبه الذي يلي القبلة بل يجعل اللحد في الوسط هذا هو الشق فهذا إذا كانت الأرض رملية نحتاج إليه لأنك لو لحدت انهد الرمل.

السائل: وكيف يوضع اللبن؟

الشيخ: اللبن يوضع بالطول ليصير مثل الحوض لأجل أن يمنع من انهيال الرمل على الميت ثم يوضع الميت بين هذه اللبنات ثم يصف اللبن عليه فوق.

الشيخ: يسأل ويقول بعض البلاد تعودوا على الشق وليس هناك حاجة إليه فهل إذا لحدنا يعتبر هذا من إحياء السنة الجواب نعم.

فصل

القارئ: ولا يدفن في القبر اثنان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن كل ميت في قبره فإن دعت الحاجة إليه جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كثرت القتلى يوم أحد.

ص: 385

الشيخ: عندنا كثر ما فيها تاء لكن على كل حال هي جائزة قال الله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا).

القارئ: لما كثرت القتلى يوم أحد كان يجمع بين الرجلين في القبر الواحد ويسأل أيهم أكثر أخذاً للقرآن فيقدمه في اللحد حديث صحيح ويقدم أفضلهم إلى القبلة للخبر ويجعل بين كل اثنين حاجزاً من تراب ليصير كل واحداً منفرداً كأنه في قبر منفرد وإن دفن رجل وصبي وامرأة في قبر واحد جعل الرجل في القبلة والصبي خلفه والمرأة خلفهما وقال الخرقي تقدم المرأة على الصبي قال أحمد وإن حفروا شبه النهر رأس هذا عند رجل هذا جاز ويجعل بينهما حاجزا لا يلزق أحدهما بصاحبه فإن مات له أقارب بدأ بمن يخاف تغيره فإن استووا بدأ بأقربهم إليه على ترتيب النفقات فإن استووا قدم أسنهم وأفضلهم.

الشيخ: الله أكبر هذه الأمور التي يذكرونها قد تكون بأوبئة يكثر الموتى فيها أو بحروب نسأل الله العافية يكثر فيها القتلى فالمهم أن السنة أن يفرد كل ميت بقبر فإن دعت الحاجة إلى جمع أكثر من واحد في قبر فلا بأس لكن كما قال المؤلف يجعل بين كل اثنين حاجز من تراب حتى يكون ذلك شبه القبر المنفرد وإذا

كان لا يتأتى أن يكون بعضهم خلف بعض إما لصخرة تعرض أو ما أشبه ذلك جعلوا كالنهر ومعنى كالنهر أي أنهم يكونون طولاً رأس كل إنسان عند رجل الآخر حتى يتسع لهم المكان.

فصل

القارئ: ولا توقيت في عدد من يدخل القبر إنما هو بحسب الحاجة إليه نص عليه.

الشيخ: معناه من يدخل القبر عند الدفن ليس فيه عدد محدود بل هو حسب الحاجة قد يكفي اثنان وقد يكفي واحد وقد لا يكفي الاثنان قد نحتاج إلى ثلاثة أو أربعة فيكفي واحد فيما لو كان صغيراً ويكفي اثنان فيما لو كان جسده عادياً ونحتاج إلى أكثر لو كان جسده ضحماً المهم أنه ينزل في القبر بقدر الحاجة.

ص: 386

القارئ: ولا توقيت في عدد من يدخل القبر إنما هو بحسب الحاجة إليه نص عليه ويسل الميت من قبل رأسه وهو أن يجعل رأسه عند رجلي القبر ثم يسل سلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه وإن كان الأسهل غير ذلك فعل الأسهل.

الشيخ: وهذا مختلف فيه بعضهم يقول إنه يسل كما ذكر المؤلف يؤتى بالنعش من قبل رجلي القبر ثم يُنَزَّل الميت على رأسه حتى يستقر في اللحد وبعض العلماء يقول الأفضل أن يأتي به من جهة القبلة محاذياً رأسُه رأسَ القبر ورجلاه رجلي القبر ثم يُسَلَّم إلى من كان في القبر ويوضع في لحده والعمل عندنا على هذا وهذا هو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله وأصحابه ومع هذا المؤلف يقول إن كان الأسهل غير ذلك فإنه يتبع الأسهل ومعلوم أن الأسهل ما عليه عملنا الآن وأما السل فصعب لأنه لابد أن تتجاوز القبر كله عند السل ثم تأتي به من جهة رجلي القبر ثم تسلمه للذين في القبر أما هذا فإنه يؤتى به على حذاء القبر تماماً رأسُه عند رأس القبر ورجلاه عند رجل القبر ثم تسلمه إلى الذين في القبر وهو أسهل بلا شك.

القارئ: ويقول الذي يدخله بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله إذا أدخل الميت القبر من المسند يضعه في اللحد على جانبه الأيمن مستقبل القبلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه) ويوسد رأسه بلبنة أو نحوها كالحي إذا نام ويُجْعل خلفه تراب يسنده لئلا يستلقي على قفاه وإن وطّأ تحته بقطيفة فلا بأس لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك تحته قطيفة كان يفرشها.

الشيخ: يفترشها نسخة.

القارئ: لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك تحته قطيفة كان يفترشها وينصب عليه اللبن نصباً لحديث سعد وإن جعل عليه طين فصب جاز لما روى عمرو بن شرحبيل.

ص: 387

الشيخ: عندنا وإن جعل عليه طن قصب، تصويب لأن الطين لا يمكن صبه وطن قصب بدل عن الإذخر الذي كان أهل مكة يجعلونه في القبور.

القارئ: وإن جعل عليه طن قصب جاز لما روى عمرو بن شرحبيل أنه قال إني رأيت المهاجرين يستحبون ذلك ويكره الدفن في التابوت وأن يدخل القبر آجراً أو خشباً أو شيئاً مسته النار لأن إبراهيم قال.

الشيخ: إبراهيم من هو؟

الطالب: النخعي؟

الشيخ: نعم النخعي.

القارئ: لأن إبراهيم قال كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب والآجر ولأنه آلة بناء المترفين وسائر ما مسته النار يكره للتفاؤل بها.

الشيخ: لكن ينبغي أن تكون اللبن طويلة بعض الشيء حتى تكون قوية في استنادها على جدار القبر لأنها لو كانت قصيرة ثم تراكم عليها التراب هبطت وهذا هو المعمول به الآن عندنا تجد اللبنات في المقبرة طويلة.

فصل

القارئ: ولا يخمر قبر الرجل لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قد مر بقوم وقد دفنوا ميتاً وبسطوا على قبره الثوب فجذبه وقال إنما يصنع هذا بالنساء ويستحب ذلك للنساء للخبر ولئلا ينكشف منها شيء فيراه الحاضرون.

الشيخ: يعني معناه إذا أردنا أن ننزل المرأة في قبرها نغطي القبر من أجل أن لا يرى الناس جسم المرأة أما الرجل فلا يغطى ولهذا كانت عبارة زاد المستقنع ويسجى قبر امرأة فقط.

فصل

القارئ: ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر لما روى الساجي أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره عن الأرض قدر شبر ولأنه يعلم أنه قبر فيتوقى ويترحم عليه ولا يزاد عليه من غير ترابه لقول عقبة بن عامر لا تجعلوا على القبر من التراب أكثر مما خرج منه رواه أحمد.

الشيخ: عندي لا يجعل وعندكم لا تجعلوا.

ص: 388

القارئ: ويستحب أن يرش عليه الماء ليتلبد وروى أبو رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سل سعداً ورش على قبره ماء رواه ابن ماجة وتسنيمه أفضل من تسطيحه لما روى البخاري عن سفيان التمار أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنماً ولأن المسطح يشبه أبنية أهل الدنيا ولا بأس بتعليمه بصخرة ونحوها لما ذكرنا من حديث عثمان بن مظعون ولأنه يعرف قبره فيكثر الترحم عليه.

الشيخ: أما رش الماء على القبر فالغرض منه تلبيد التراب وليس كما يظن العامة أن الغرض أن نبرد على الميت فإن الميت لا يبرده الماء وإنما يبرده ثوابه لكن من أجل أن يتلبد التراب وأما ما ذكره من كونه مسنماً فإنه أفضل لوجهين الأول لأن ذلك هو الذي يشابه قبور النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهم ولأنه إذا كان مسنماً فإنه يزل ماء المطر عنه يميناً وشمالاً وإذا كان مسطحاً فإنه يبقى فيه الماء ويخشى أن ينزل الماء إلى اللبن فتذوب اللبنة وينخسف القبر.

السائل: إذا كان تعليم القبر مستحب ألا يخشى إذا كان المقبور من المشهورين كالعلماء وعلم قبره أن تكثر زيارته ثم يتبرك به؟

الشيخ: على كل حال إذا خشي هذا في بلد يعتادون الغلو في قبور الصالحين فلا ينبغي لكن مثل هذا عندنا والحمد لله إنما تُعَّلم من أجل أن من أراد أن يزوره ويدعو له فعل.

السائل: أحسن الله إليك قبر ارتفع عن الأرض مقدار متر فالميت دفن على وجه الأرض ولو حفرنا القبر لخرج الماء؟

الشيخ: البناء عليه في هذه الحال من باب الضرورة إذا كان لا يمكن أن نحفر له لأن الأرض رخوة ويتسرب الماء إلى المكان المحفور فحينئذ يكون هذا ضرورة.

فصل

القارئ: ويكره البناء على القبر وتجصيصه والكتابة عليه لما روى جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يبني عليه وأن يقعد عليه رواه مسلم زاد الترمذي وأن يكتب عليها وقال حديث صحيح ولأنه من زينة الدنيا فلا حاجة بالميت إليه.

ص: 389

الشيخ: قول المؤلف رحمه الله يكره البناء على القبر إن أراد بالكراهة كراهة التحريم فهذا حق وإن أراد بذلك كراهة التنزيه فهذا ضعيف والصواب أن البناء على القبور حرام ولا يجوز أولاً إن كان في مسبلة يعني في مقبرة مسبلة فإنه سوف يأخذ من الأرض هذه أكثر مما يحتاج وإن كان في مقبرة ملكاً له فإنه يخشى من تعظيمه والصلاة عنده وما أشبه ذلك فالصواب أن البناء على القبر محرم وكذلك تجصيصه حرام بأن يجصص التراب الذي على القبر والظاهر أيضاً أن تجصيص اللحد من هذا النوع يعني لو جصص اللحد فإنه يحرم لأن هذا إضاعة مال ومن زينة الدنيا وكذلك الكتابة عليه أيضاً حرام ولا يجوز أن يكتب على القبر لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكتابة عليه في سياق البناء والتجصيص ولا دليل على إخراج الكتابة من التحريم لكن قال بعض مشايخنا إن المراد بالكتابة التي نهى عنها الرسول عليه الصلاة والسلام ما كانوا يفعلونه في الجاهلية يكتب على القبر هذا فلان ابن فلان وتذكر محاسنه وأما مجرد أن أكتب اسمه فقط للدلالة عليه فهذا لا بأس به وهذا القول جيد بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرن الكتابة بماذا؟ بالبناء والتجصيص الذي يكون به المغالاة في الميت وقبره وقوله (أن يقعد عليه) أيضا ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن النهي للكراهة والصواب أنه للتحريم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتخرق ثيابه فتمضي إلى جلده أو قال جسمه خير من أن يجلس على القبر) وهذا يدل على تحريم أن الإنسان يجلس على القبر وانظر إلى هذا الحديث يتبين لك أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الغلو في القبور وعن إهانة القبور والدين الإسلامي وسط بين التفريط والإفراط فالبناء على القبور غلو في التعظيم والجلوس على القبور مهانة لصاحب القبر فجمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين هذا وهذا من أجل أن يكون الإنسان مستقيماً على العدل لا هذا ولا هذا.

ص: 390

القارئ: ولا يجوز أن يبنى عليه مسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا) متفق عليه.

الشيخ: الحديث أن الرسول لعن اليهود والنصارى قال (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وقد ذكر ذلك حين ذكرت له أم سلمة كنيسة في أرض الحبشة فقال (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).

القارئ: لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا) متفق عليه ويكره الجلوس عليه والاتكاء إليه والاستناد إليه لحديث جابر ويكره المشي عليه لما روى عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم ولا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق) رواه ابن ماجه، فإن لم يكن له طريق إلى قبر من يزوره إلا بالوطأ جاز لأنه موضع حاجة.

الشيخ: كلام المؤلف هذا فيه نظر من وجهين الأول أنه قال إنه يكره وطأ القبور والجلوس عليها والأدلة تدل على أنه يحرم وهذا فيه هذا الوعيد الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام الثاني أنه ذكر أنه إذا كان له قريب يريد أن يزوره وليس هناك طريق فإنه لا بأس أن يطأ على القبور وهذا أيضاً فيه نظر لأننا نقول أولاً ليس هناك ضرورة أن تذهب إلى قبر قريبك وتقف عليه وبالإمكان أن تقف قُبالته ولو بعيداً عنه وتدعو له هذه واحدة وأيضاً لا يمكن أن تكون القبور كلها مرصوفة بحيث لا يوجد بينها موطئ قدم لابد أن يكون هناك موطئ قدم لابد من هذا وكونه يقال إن هذا ضرورة فيه نظر فالصواب أنه لا يجوز الوطأ على القبور وأنه لا يجوز أن يطأ عليها من أجل أن يذهب إلى قبر قريب له.

فصل

ص: 391

القارئ: ولا يجوز الدفن في الساعات المذكورة في حديث عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب رواه مسلم ويجوز الدفن في سائر الأوقات ليلاً ونهارا لأن النبي صلى الله عليه وسلم دُفِن ليلاً ودَفَنَ ذا البجادين ليلاً والدفن في النهار أولى لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زجر عن الدفن ليلا رواه مسلم ولأن النهار أمكن وأسهل على مشيعيها وأكثر لمتبعيها.

الشيخ: هذه الأوقات الثلاثة إذا طلعت الشمس حتى ترتفع قيد رمح وعلى هذا فإذا وصلنا إلى المقبرة وطلعت الشمس نتوقف عن الدفن حتى ترتفع قيد رمح وحين يقوم قائم الظهيرة يعني عند الزوال وذلك نحو عشر دقائق وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب وتضيفها للغروب أن يكون بينها وبين الغروب كما بينها وبين الإشراق يعني في خلال ربع ساعة أو نحو ذلك هذه الأوقات نهى النبي صلى الله عليه وسلم

أن نقبر فيها الأموات وأما الدفن فيما عدا ذلك فهو جائز سواء في الليل أو في النهار إلا إذا كان الدفن في الليل لا يتأتى فيه القيام بما يجب من إحسان الكفن والتغسيل وما أشبه ذلك فهنا ينهى عنه فيجمع بين الأحاديث الواردة في جواز الدفن ليلاً وبين الأحاديث الواردة في النهي بأن النهي فيما إذا لم يحسن الكفن وقصّروا في واجب الميت.

فصل

القارئ: وإذا ماتت ذمية حامل من مسلم لم تدفن في مقبرة المسلمين لكفرها ولا تدفن في مقبرة الكفار لأن ولدها مسلم وتدفن مفردة ظهرها إلى القبلة لأن وجه الجنين إلى ظهرها.

ص: 392

الشيخ: هذا حكمة من الله عز وجل أن يكون الجنين وجهه إلى ظهر أمه وظهره إلى بطنها لأن ظهر الجنين أقوى على تحمل الكدمات وما أشبه ذلك فكان من حكمة الله عز وجل أن الجنين في بطن أمه يكون وجهه إلى ظهر أمه وظهره إلى وجه أمه فإذا ماتت ذمية وفي بطنها حمل من مسلم فإنها لا تدفن مع الكفار لأن ولدها مسلم ولا مع المسلمين لأنها كافرة لكن تدفن وحدها على الوجه الذي ذكره المؤلف رحمه الله.

القارئ: وإن ماتت امرأة حامل وولدها يتحرك ورجيت حياته سَطَت عليه القوابل فأخرجنه ولا يشق بطنها لأن فيه هتكاً لحرمة متيقنة لإبقاء حياة موهومة بعيدة فإن لم يخرج تركت حتى يموت ثم تدفن ويحتمل أن يشق بطنها إن غلب على الظن أنه يحيا لأن حفظ حرمة الحي أولى.

الشيخ: هذا هو الصحيح لا سيما في وقتنا الحاضر فإن عملية إخراج الجنين لا تعد مثلة فإذا ماتت امرأة وفي بطنها حمل يتحرك أجريت لها العملية فوراً وأخرج الجنين وليس في هذا مثلة إطلاقاً.

القارئ: وإن بلع الميت جوهرة لغيره شق بطنه وأخذت لأن فيه تخليصاً له من مأثمها ورداً لها إلى مالكها ويحتمل أن يغرم قيمتها من تركته ولا يتعرض له صيانة عن المثلة به فإن لم يكن له تركة تعين شقه فإن كانت الجوهرة له ففيه وجهان أحدهما يشق بطنه لأنها للوارث فهي كجوهرة الأجنبي والثاني لا يشق لأنه استهلكها في حياته فلم يتعلق بها حق الوارث.

الشيخ: والصواب أنه لا يشق بطنه لأن هذا ماله وقد استهلكه في حياته فلا يحل أن يشق بطنه بل يبقى فإذا قدر أنه أي الميت بلي وصار رميماً أخذت الجوهرة ومثله الذهب.

مسألة: تحية المسجد وكل صلاة لها سبب ليس عنها نهي لأن القول الراجح أن ذوات الأسباب لا نهي عنها.

السائل: بارك الله فيكم الذمية هل يصلى عليها صلاة الجنازة؟

الشيخ: الذمية لا يجوز أن تصلى عليها صلاة الجنازة.

السائل: ولدها مسلم؟

الشيخ: لكن هي ما يصلى عليها إذا مات يصلى على الجنين فقط أما هي فلا يصلى عليها.

ص: 393

السائل: والجنين في بطنها؟

الشيخ: نعم يصلى عليها والجنين في بطنها.

القارئ: وإن بلع مالاً يسيراً لم يشق بطنه ويغرم القيمة من تركته وإن وقع في القبر ما له قيمة نبش وأخذ لأنه يمكن رده إلى صاحبه بغير ضرورة فوجب وإن دفن الميت بغير غسل أو إلى غير القبلة نبش وغسل ووجه لأن هذا مقدور على فعله فوجب إلا أن يخاف عليه الفساد فلا ينبش لأنه تعذر فسقط كما يسقط وضوء الحي لتعذره وإن دفن قبل الصلاة عليه احتمل أن يكون حكمه كذلك لأنه واجب فهو كغسله واحتمل أن يصلى على القبر ولا تهتك حرمته لأنه عذر.

الشيخ: وهذا الاحتمال أصح أن يصلى على القبر لأنه يمكن أن يؤدي الواجب بالصلاة على القبر فلا حاجة أن ينبش.

فصل

القارئ: سئل أحمد رضي الله عنه عن تلقين الميت في قبره فقال ما رأيت أحداً يفعله إلا أهل الشام قال وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر ابن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه وقال القاضي وأبو الخطاب يستحب ذلك وروي فيه حديث عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم عند رأس قبره ثم ليقل يا فلان ابن فلانة فإنه يسمع ولا يجيب ثم ليقل يا فلان ابن فلانة الثانية فيستوي قاعداً ثم ليقل يا فلان ابن فلانة فإنه يقول أرشدنا يرحمك الله ولكن لا تسمعونه فيقول اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن إماما فإن منكراً ونكيراً يتأخر كل واحد منهماً

فيقول انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجتَه ويكون عند الله حجيجه دونهما فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه قال فلينسبه إلى حواء رواه الطبراني في معجمه بمعناه.

ص: 394