المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب صلاة الجمعة القارئ: وهي واجبة بالإجماع وروى ابن ماجه عن جابر - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٢

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌ ‌باب صلاة الجمعة القارئ: وهي واجبة بالإجماع وروى ابن ماجه عن جابر

‌باب

صلاة الجمعة

القارئ: وهي واجبة بالإجماع وروى ابن ماجه عن جابر قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (واعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في يومي هذا في شهري هذا في عامي هذا من تركها في حياتي أو بعد موتي وله إمام عادل أو جائر استخفافاً بها أو جحوداً لها فلا جمع الله له شمله ولا بارك له في أمره).

الشيخ: لو استدل بالآية لكان أحسن لأن الله تعالى قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ).

القارئ: ولا تجب إلا على من اجتمعت فيه شرائط ثمانية الإسلام والبلوغ والعقل لأنها من شرائط التكليف بالفروع والذكورية والحرية والاستيطان لما روى طارق بن شهاب قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو مرأة أو صبي أو مريض) رواه أبو داود، ولأن المرأة ليست من أهل الجماعات وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة يوم جمعة فلم يصلِّ جمعة وفي العبد رواية أخرى أنها تجب عليه لأنها فرض عين من الصلوات فوجبت عليه كالظهر والأولى أولى للخبر ولأن العبد مملوك المنفعة محبوس على سيده أشبه المحبوس بدين.

الشيخ: ننظر إلى الشروط الإسلام والبلوغ والعقل لا إشكال فيها والذكورية أيضاً لا إشكال فيها لأن المرأة ليست من ذوات الجماعة.

الحرية يقول الذي أسقطها عن العبد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إلا أربعة عبد مملوك) وذهب بعض أهل العلم وهي رواية عن أحمد أنها تجب عليه لأنها فرض عين فهي مقدمة على حق السيد وفصَّل بعضهم في هذا وقال إنما أسقطت عن المملوك من أجل انشغاله بحق سيده فإذا أذن له في ذلك وجبت عليه لأنه من المؤمنين وقد قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ).

ص: 180

وأما المسافر فدليله ما ذكره المؤلف رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تصادفه الجمعة في السفر ولم يكن يصليها حتى في يوم عرفة صادف يوم الجمعة ولم يصلها قال صلى الظهر وهذا دليل واضح ولكن لو كان المسافر في مكان تقام فيه الجمعة فهل تجب عليه أو لا؟ الصحيح أنها تجب سواء نوى إقامة أربعة أيام أو أكثر أو أقل لعموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) وهو من الذين آمنوا ولهذا لو قيل للمسافر هل أنت من الذين آمنوا فسيقول نعم نقول ما الذي أخرجك من هذا العموم؟ صلِّ (فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) إلا إذا خاف فوات رفقة أو تأخراً في سفره أو ما أشبه ذلك مما يتطلبه السفر فهنا يكون معذوراً بسبب سفره لا لفوات الأهلية.

ص: 181

الاستيطان: الاستيطان ضده على المشهور من المذهب شيئان الشيء الأول السفر والشيء الثاني الإقامة لأنهم يقسمون الناس إلى ثلاث أقسام مستوطن ومقيم ومسافر فالذي عليه الجمعة هو المستوطن والمسافر لا جمعة عليه والمقيم إن أقيمت بمستوطنين لزمته وإلا فلا وهو الذي يسمونه تجب عليه بغيره لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول إن تقسيم الناس إلى هذه الأقسام الثلاثة بدعة والناس إما مستوطنون أو مسافرون وليس هناك شيء ثالث ويظهر هذا بالمثال من نوى إقامة أكثر من أربعة أيام دون الاستيطان فهو على المذهب مقيم وليس مستوطناً ولا مسافراً ولهذا لا تنعقد به الجمعة ولا يكون إماماً فيها ولا خطيباً فيها وأما على كلام الشيخ رحمه الله فيقول هذا الذي نوى إقامة أكثر من أربعة أيام دون الإقامة المطلقة هذا ليس مقيماً بل هو مسافر ثم إذا كان في بلد تقام فيه الجمعة وحضر أهل البلد وأقاموه إماماً لهم فلا بأس بذلك وهذا هو الذي عليه العمل الآن سواء في الطلاب المسافرين أو فيما إذا قدم إنسان إلى بلد وهو من المشايخ الكبار مثلاً أحياناً يقال له صلِّ بنا الجمعة فيصلي بهم الجمعة فلو جاءنا أحد المشايخ مثلاً من مكة أو من المدينة وقلنا صلِّ بنا الجمعة فصلى بنا الجمعة فصلاتنا باطلة على المذهب لأنه غير مستوطن حتى وإن أراد أن يبقى عندنا أسبوعاً أو شهراً فإنه لا يصح أن يصلي بنا الجمعة لأنه ليس بمستوطن وعلى هذا فنقول المقيم الذي أقام في بلد وليس في هذا البلد مستوطنون لا تلزمه الجمعة لأنه مسافر ولا تلزمه الجمعة إذا لم يكن معه مستوطنون على المذهب فإن وجد معه مستوطنون فإنها تلزمه بغيره.

القارئ: السابع انتفاء الأعذار المسبقة للجماعة.

ص: 182

الشيخ: السابع انتفاء الأعذار هذه عند العلماء ليست بجيدة لأن انتفاء الأعذار معناه انتفاء الموانع ويفرقون بين الشرط وبين المانع ولهذا اختلفوا في باب الزكاة هل السوم شرط لوجوب الزكاة أو عدمه مانع وذكروا في هذا قولين للعلماء كما بحثها صاحب الفروع رحمه الله لكن من جهة المعنى العام نقول كل مانع فإنه يشترط لصحة الممنوع انتفاء ذلك المانع.

القارئ: الثامن أن يكون مقيماً بمكان الجمعة أو قريباً منه وتجب الجمعة على أهل المصر قريبهم وبعيدهم لأن البلد كالشيء الواحد.

الشيخ: حتى قالوا رحمهم الله تجب على أهل البلد ولو كانوا عن مسجد الجماعة فراسخ الفرسخ كم ميل؟ ثلاثة أميال فراسخ أقلها ثلاثة تسعة أميال الميل أكثر من الكيلو فيجب على أهل البلد إذا كان البلد واحد أن يحضروا لكن سيأتينا إن شاء الله أنه لا بأس بتعدد الجمع إذا ضاقت المساجد.

القارئ: وتجب على من بينه وبين الجامع فرسخ من غيرهم.

الشيخ: غير أهل البلد يعني لو كان مثلاً أناس نازلون خارج البلد لكن بينهم وبين الجامع أقل من الفرسخ فإنهم يحضرون.

القارئ: ولا تجب على غيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الجمعة على من سمع النداء) رواه أبو داود ولم يمكن اعتبار السماع بنفسه فاعتبر بمظنته والموضع الذي يسمع منه النداء في الغالب إذا كان المؤذن صيتاً بموضع عال والرياح ساكنة والأصوات هادئة والعوارض منتفية فرسخ فاعتبرناه به.

الشيخ: وعلى هذا فيكون سماع الأذان بالمايكرفون الآن لا عبرة به بل يقدر بأنه ليس هناك مايكرفون ولهذا اشترط أن تكون الرياح ساكنة لأن الرياح إذا كانت قوية نقلت الصوت إلى مكان بعيد.

السائل: هل تحديده بالفرسخ صحيح؟

الشيخ: هذا مثل ما يقول لأن الرسول علقه بسماع النداء والغالب أنه يسمع النداء من فرسخ فأقل.

السائل: هل يجوز شد الرحال إلى صلاة الجمعة لأنه عنده مسجد آخر ويشد الرحال مثلاً إلى جامع كبير؟

ص: 183

الشيخ: إذا كان المقصود البقعة فإن الرحال لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد وإذا كان المقصود الخطيب وما يلقيه من العلم فشد الرحل لطلب العلم جائز.

فصل

القارئ: وهذه الشروط تنقسم أربعة أقسام:

أحدها شرط للصحة والانعقاد وهو الإسلام والعقل فلا تصح من كافر ولا مجنون ولا تنعقد بهما لأنهما ليسا من أهل العبادات.

الثاني شرط للوجوب والانعقاد وهي الحرية والذكورية والبلوغ والاستيطان فلا تنعقد الجمعة بمن عدمت فيه ولا يصح إمامتهم فيها لأنهم من غير أهل الوجوب فلم تنعقد بهم كالنساء وتصح منهم وتجزئهم عن الظهر وحضورها لغير النساء أفضل لأن سقوطها عنهم رخصة فإذا تكلفوا فعلها أجزأتهم كالمريض يتكلف الصلاة قائما.

الشيخ: انتبه للشرط الثاني شرط الوجوب والانعقاد وهي الحرية والذكورية والبلوغ والاستيطان أربعة الحرية ضدها الرق فالرقيق لا تجب عليه ولا تصح منه الثاني الذكورية ضدها الأنوثة فالمرأة لا تجب عليها ولا تصح منها الثالث البلوغ فالصغير لا تجب عليه ولا تصح منه لكن تجزئه الاستيطان فغير المستوطن لا تصح منه ولا تجب عليه لكن لو حضروا أجزأتهم.

السائل: ما وجه تسمية مستوطن ومقيم مع أن المقيم هو صاحب البلد؟

الشيخ: لا ما هو صحيح المقيم هو الذي ليس من أهل البلد لكنه كان ماراً به وأقام فيه لعمل شيخ الإسلام يقول ليس هناك فرق لكن هذا تقسيم مصطلح أليس عندنا الآن حتى من جهة النظام يقال فلان مقيم إذا كان من القادمين للبلد لعمل أو وافد فيقسمونهم مواطن ومقيم.

السائل: قلنا لا تصح منهم وتجزئهم ما معنى هذا؟

الشيخ: معناه لا تنعقد بهم الجمعة لو فرضنا أنه يوجد ثلاثون مستوطنون وعشرة من هؤلاء الأصناف الأربعة فإنها لا تقام الجمعة على من يشترط الأربعين ولا تصح إمامتهم فيها ولا أن يكون خطيباً.

ص: 184

القارئ: الثالث شرط لوجوب السعي فقط وهو انتفاء الأعذار فلو تكلف المريض الحضور وجبت عليه وانعقدت به لأن سقوطها كان لدفع المشقة فإذا حضر زالت المشقة فوجبت عليه وانعقدت به كالصحيح.

الرابع شرط الانعقاد حسب وهو الإقامة بمكان الجمعة فلو كان أهل قرية يسمعون النداء من المصر لزمهم حضورها ولم تنعقد بهم ولو حرج أهل المصر أو بعضهم إلى القرية لم تنعقد بهم الجمعة لأنهم غير مستوطنين بها والظاهر أنها تصح إمامتهم فيها لأنهم من أهل الوجوب.

فصل

القارئ: والأفضل لمن لم تجب عليه الجمعة أن لا يصلي الظهر قبل صلاة الإمام لأنه ربما زال عذره فلزمته الجمعة.

الشيخ: هذا التعليل لأنه ربما زال عذره يدل على أنه إذا علم أنه لن يزول عذره كمريض مرض شديد يعلم أنه لا يزول فإن الأفضل أن يصلي الصلاة في أول وقتها يصلي الظهر في أول وقتها كالعادة وكذلك المرأة مثلاً لا نقول للمرأة انتظري حتى يصلي الناس الجمعة بل نقول صلي الظهر في أول وقتها كالعادة.

القارئ: فإن صلى فقال أبو بكر لا تصح صلاته لذلك والصحيح أنها تصح لأنه صلى فرضه فلا تبطل بالاحتمال كالمتيمم فإن زال عذره فقياس المذهب لا تلزمه الجمعة لأنه أدى فرض الوقت فأشبه المعضوب إذا أَحَجَّ عن نفسه ثم برئ وإن لم يزل العذر فحضروها كانت لهم نفلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر (فصلها معهم تكن لك نافلة) رواه مسلم، ولأن الأولى أسقطت الفرض فأما من تجب عليه الجمعة إذا صلى الظهر قبل صلاة الإمام لم تصح لأنه ما خوطب بالظهر فإن فاتته الجمعة أعادها ظهرا لأنه خوطب بها حينئذٍ.

وإن اتفق أهل بلد على ترك الجمعة وصلوا ظهرا لم تصح لذلك فإذا خرج وقت الجمعة لزمهم إعادة الظهر ولا يكره لمن فاتته الجمعة أو لم يكن من أهل فرضها أن يصلي الظهر في جماعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) متفق عليه فإن خاف التهمة استحب اخفاؤها ليدفعها عن نفسه

ص: 185

الشيخ: هذه الجملة الأخيرة مفيدة أن الإنسان ينبغي أن يدفع عن نفسه تهمة التفريط في واجب أو تهمة فعل المحرم وأصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتت إليه صفية في معتكفه وتحدثت عنده ساعة ثم خرج عليه الصلاة والسلام يشيعها فمر رجلان من الأنصار فأسرعا فقال (على رسلكما إنها صفية بنت حيي) قالا سبحان الله فقال عليه الصلاة والسلام (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً أو قال شراً) فهذا أصل دفع الإنسان عن نفسه التهمة وهناك أيضاً تعليل وهو أن نفسك أمانة فكما أنك تدافع عن عرض أخيك فلتدافع عن عرض نفسك أما كون الإنسان لا يبالي فهذا لا ينبغي لكن إذا وقعت بينه وبين شخص ما يوجب أن يحمل عليه فهنا يأتي دور العفو وهذا ليس من هذا الباب الذي نحن فيه.

السائل: المعذور إذا صلى الظهر وكان الإمام قد صلى الجمعة قبل الزوال وهو قد صلى قبل الإمام فما حكم صلاته؟

الشيخ: لا تصح لأن المعذور الذي لا تلزمه الجمعة فرضه الظهر والظهر لا تدخل إلا بالزوال وهذا فيه لبس لأن بعض الأئمة يصلي قبل الزوال مع أنه بحث هذه القضية مجلس هيئة كبار العلماء وأصدروا أمراً بأنه لا يأتي الخطيب قبل الزوال.

فصل

القارئ: ويشترط لصحة الجمعة أربعة شروط أحدها الوقت فلا تصح قبل وقتها ولا بعده بالإجماع.

الشيخ: وأما غيرها فيشترط دخول الوقت وفرق بين قولنا إن الوقت شرط وأن دخول الوقت شرط.

ص: 186

القارئ: وآخر وقتها آخر وقت الظهر بغير خلاف فأما أوله فذكر القاضي أنها تجوز في وقت العيد لأن أحمد قال في رواية عبد الله يجوز أن يصلي الجمعة قبل الزوال يذهب إلى أنها كصلاة العيد لحديث وكيع عن جعفر بن برقان عن ثابت بن حجاج عن عبد الله بن سيدان قال شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل انتصاف النهار وشهدتها مع عمر بن الخطاب فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد انتصف النهار ثم صليتها مع عثمان بن عفان رضوان الله عليهم أجمعين فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول قد زال النهار فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره وهذا نقل للإجماع وعن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة فنذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس رواه مسلم ولأنها صلاة عيد فأشبهت صلاة العيدين وقال الخرقي يجوز فعلها في الساعة السادسة وفي نسخةٍ الخامسة فمفهومه أنها لا يجوز قبل ذلك لأن ما رويناه تختص به والأفضل فعلها عند زوال الشمس صيفاً وشتاءً لا يقدمها إلى موضع الخلاف ولا يؤخرها فيشق على الناس لما روى سلمة بن الأكوع قال كنا نجمِّع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء متفق عليه فإن خرج الوقت وهم فيها فقال أحمد من أدرك التشهد أتمها جمعة فظاهره أنه يعتبر الوقت في جميعها إلا السلام لأن الوقت شرط فيعتبر في جميعها كالوضوء وقال الخرقي إن دخل وقت العصر وقد صلوا ركعة أجزأتهم جمعة لأنه شرط يختص بالجمعة فلا يعتبر في الركعة الثانية كالجماعة في حق المسبوق وإن أدرك أقل من ذلك فهل يتمها ظهراً أو يستأنف على وجهين بناءً على المسبوق بأكثر من ركعة وقال القاضي متى تلبس بها في وقتها أتمها جمعة قياساً على سائر الصلوات فإن شرع فيها ثم شك في خروج الوقت أتمها جمعة لأن الأصل بقاؤه وإن ضاق الوقت عما يجري في الجمعة لم يكن لهم فعلها.

ص: 187

الشيخ: والصواب أن العبرة في ذلك بالركعة متى أدركوا ركعة من وقتها أتموها جمعة وإن أدركوا أقل من ذلك أتموها ظهراً لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة).

السائل: ما الراجح في مجيء الإمام وصلاته وخطبته قبل الزوال؟

الشيخ: الراجح أنه لا يأتي قبل الزوال لأن الأئمة الثلاثة كلهم يقولون لا تصح قبل الزوال وهي رواية عن أحمد أيضاً وهذا غير متعارض مع حديث جابر لأن حديث جابر يقول نصلي ثم نذهب إلى رحالنا فنريحها حين تزول الشمس وحين تزول الشمس يحتمل أنها عائدة على قوله نصلي ويحتمل أنها متعلقة بقوله نريحها وعلى هذا فيكون الفرق أقل من الساعة نصف ساعة ونحوه أما من وقت صلاة العيد فهذه بعيدة.

السائل: لو خطب الخطبة قبل الزوال والصلاة بعد الزوال؟

الشيخ: لا بأس إن شاء الله المذهب الذين يقولون لابد من الزوال يقولون لابد الخطبة والصلاة بعد الزوال.

السائل: بعض الذين في الغرب لا يستطيعون حضور صلاة الجمعة بعد الزوال لوجود محاضرات دراسية بعد الزوال فهل يجوز لهم الصلاة قبل الزوال؟

الشيخ: الظاهر أن مثل الساعة قبل الزوال لا تضر إن شاء الله.

فصل

القارئ: الشرط الثاني أن يكون في قرية مبنية بما جرت العادة ببناء القرى به من حجر أو طين او لبن أو قصب مجتمعة البناء بما جرت به العادة في القرية الواحدة يسكنها أربعون من أهل الجمعة سكنى إقامة لا يضعنون عنها صيفاً ولا شتاءً فأما أهل الخيام وبيوت الشعر فلا جمعة لهم لأن ذلك لا ينصب للاستيطان ولذلك كانت قبائل العرب حول المدينة فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بجمعة وإن كانت قرية يسكن فيها بعض السنة دون بعض أو متفرقة تفرقاً لم تجر به عادة لم تصح فيها الجمعة.

الشيخ: هذا الشرط الثاني أن تكون في قرية مبنية بما جرت العادة ببنائه ببناء القرى به من حجر أو طين أو لبن أو قصب مجتمعة البناء الحجر واضح والطين كيف يبنى به إلا بلبن؟

ص: 188

كانوا في الأول يبنون بالطين فيجعلونه عروقاً يعني يبني مثلاً نصف متر فإذا يبس بنى عليه ثم كلما يبس بنى عليه وهذا أقوى من اللبن ثم صاروا يبنون من اللبن يقول أو قصب القصب: نوع من العيدان تبنى به المنازل في بعض الجهات والمهم أن المدار في ذلك إلى العادة والعرف ما عد مسكناً فإنه معتبر وتكون القرية مبنية به ولابد أيضاً أن تكون مجتمعة البناء بما جرت به العادة في القرية الواحدة فإن كانت متفرقة مثلاً هذا بيت وبعد مسافة بيت آخر وبعد مسافة بيت آخر هذه ما هي قرية لكن إذا كانت مجتمعة بما جرت به العادة فإنها قرية ولابد أيضاً أن يكون أهلها من أهل الجمعة يسكنونها سكنى إقامة وأهل الجمعة سيأتينا إن شاء الله بيانهم أنه كل بالغ عاقل حر ذكر مستوطن وعلى هذا فلو كان فيها أناس مقيمون لعمل مَّا كما يفعله بعض الشركات تبني مقراً _ يعتبر قرية فيه أكثر من خمسمائة نفر _ على جانب الخطوط إذا كانت تعمل في إصلاح الخط ويبقون في هذا لمدة ستة أشهر أو أكثر لكنهم لم يستوطنوا فيه فهؤلاء لا جمعة عليهم ولا تصح الجمعة منهم يعني لا يصح أن يقيموا الجمعة لأنهم ليسوا في قرية هذه مقر ما داموا محتاجين إليه ثم يتركونه كما يوجد الآن في بعض الطرقات التي انتهى إصلاحها.

وقال فأما أهل الخيام وبيوت الشعر فلا جمعة لهم لأن ذلك لا ينصب للاستيطان ثم استدل لذلك بأن القبائل قبائل العرب حول المدينة في خيامهم فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالجمعة.

السائل: في بعض المعسكرات الخيام في الصحراء وينصبون خياماً أو كرمانات مثل الغرف فيمكثون كثيراً في الصحراء لإخراج البترول مثلاً وفيه عمال كثير؟

الشيخ: ما تقام فيهم الجمعة حتى يستوطنوا.

السائل: لو كان أناس الآن يعملون في مكان وكان قريب منهم بلدة تقام فيها الجمعة وذاك على حسب العمل أنهم لا ينصرفون في وقت الجمعة هل لهم أن يصلوا في مقرهم؟

ص: 189

الشيخ: لا يصلوا الجمعة لكنهم إذا كان بينهم وبين مكان إقامة الجمعة أكثر من فرسخ فلا جمعة عليهم ولو كان أقل لكن ما يستطيعون حسب وقت العمل (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا).

القارئ: فإن اجتمعت هذه الشروط في القرية وجبت الجمعة على أهلها وصحت بها لأن كعباً قال أسعد بن زرارة أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات رواه أبو داود قال الخطابي حرة بني بياضة قرية على ميل من المدينة ولأن هذا بناء استوطنه أربعون من أهل الجمعة فوجبت عليهم كأهل المصر وتجوز إقامة الجمعة فيما قارب البنيان من الصحراء لحديث أسعد بن زرارة فإن خربت القرية فلازموها عازمين على إصلاحها ومرمتها فحكمها باق وإن عزموا على النقلة عنها زال الاستيطان.

فصل

القارئ: الشرط الثالث اجتماع أربعين ممن تنعقد بهم الجمعة وعنه تنعقد بثلاثة لأنه جمع تنعقد بهم الجماعة وعنه بخمسين والمذهب الأول لأن جابراً قال مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة فينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم فإن انفضوا فلم يبق معه إلا أقل من أربعين لم يتمها جمعة لأنه شرط فاعتبر في جميع الصلاة كالطهارة وهل يستأنف ظهراً أو يبني على صلاته؟ على وجهين بناءً على المسبوق وقياس المذهب أنهم إن انفضوا بعد صلاة ركعة أتمها جمعة لأنها شرط تختص الجمعة فلم يعتبر الركوع في أكثر من ركعة كالجماعة فيها.

ص: 190

الشيخ: الشرط الثالث أن يجتمع عدد من أهل الوجوب واختلف العلماء في ذلك العدد فمنهم من قال أربعون ومنهم من قال خمسون ومنهم من قال اثنا عشر رجلاً ومنهم من قال ثلاثة وشذ شذوذاً بالغاً من قال اثنان وأرجح الأقوال في ذلك الثلاثة إذا وجد في القرية ثلاثة مستوطنون وجبت إقامة الجمعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الجمعة أو قال الجماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان) ولأنه داخل في عموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) وهذا يحصل بثلاثة مؤذن وإمام ومأمور بالسعي فالصحيح أنها تنعقد بثلاثة.

ولكن لو وجد العدد المطلوب في أول الصلاة ثم انصرف قبل تمامها فقيل إنهم يصلونها ظهراً وهل يتمون على ما صلوا أو يستأنفون؟ على قولين.

وهل إذا أتوا بركعة تامة يتمونها جمعة أو يتمونها ظهراً سواءً استأنفوا أم لم يستأنفوا؟ على أقوال كما سمعتم والصحيح أنهم إن صلوا ركعة وشرعوا في الثانية أتموها جمعة يعني لو فرضنا أنهم أربعون رجلاً فدخلوا في الصلاة وهم أربعون ولما قام إلى الركعة الثانية ذهب منهم عشرة فالصحيح أنهم يتمونها جمعة وإن ذهبوا في الركعة الأولى فإنهم يتمونها ظهراً وأقول أربعون بناءً على اشتراط الأربعين ولكن القول الراجح أن الشرط أن يكونوا ثلاثة إمام ومؤذن ومأمور بالسعي.

السائل: نقل ابن حزم رحمة الله عليه الإجماع على أن الجماعة تقام باثنين فلماذا لا نقول في صلاة الجمعة كذلك؟

ص: 191

الشيخ: كما سمعت الآية تدل أنه لابد من ثلاثة وكذلك الحديث (ما من ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الجمعة) وأقل ما يمكن من العدد في قوله (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) أقله ثلاثة، عندنا منادي وعندنا إمام منادىً له وعندنا منادى وهو الذي قيل له (فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) ما يتصور أقل من ثلاثة.

السائل: أحياناً يكون هناك معسكرات مغلقة قريبة من القرى ومن قوانينها أن من فيها لا يخرج، فهل يصلون الجمعة داخل المعسكرات؟

الشيخ: يصلونها ظهراً مثل المسجونين الذين في السجن في نفس المدن لا يقيمون الجمعة لأن هذا معذور.

فصل

القارئ: ولا يختلف المذهب أن المسبوق إذا أدرك الركوع مع الإمام في الثانية أنه يتمها جمعة وإن أدرك أقل من ذلك لم يتمها جمعة لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة) متفق عليه وفي لفظ (فليضف إليها أخرى) فأما من أدرك أقل من ذلك فقال الخرقي يبني على ظهر إذا كان قد دخل بنية الظهر وظاهر هذا أنه إن نوى جمعة لزمه الاستئناف لأنهما صلاتان لا تتأدى إحداهما بنية الأخرى فلم يجز بناؤها عليها كالظهر والعصر وقال أبو إسحاق ابن شاقلا ينوي جمعة لئلا تخالف نيته نية إمامه ثم يبني عليها ظهرا لأنهما فرض وقت واحد ردت إحداهما من أربع إلى ركعتين فجاز أن يبني عليها الأربع كالتامة مع المقصورة.

ص: 192

الشيخ: وما ذكره ابن شاقلا هو الصحيح وذلك لأن الإنسان إذا جاء يدخل مع الإمام لا يدري هل هذه هي الركعة الثانية فينوي الظهر أو الأولى فينوي جمعة ولو قلنا انتظر ربما تكون هذه هي الركعة الثانية فتفوته الجمعة ولهذا كان القول الراجح لا شك قول ابن شاقلا رحمه الله أنه يدخل بنية الجمعة ثم إذا تبين أنه لم يدرك الركعة الثانية أتمها ظهرا وإن لم ينو وهذا من التوسعة على المسلمين والقول إذا كان فيه توسعة ولم يكن مخالفاً بالنص فعليك به لأن أصل الدين مبني على اليسر والسهولة ومثل ذلك قوله أي ابن شاقلا فيما أظن أنه هو إن الإنسان يجوز أن يدخل في الصلاة بنية فرض الوقت ولا يحتاج إلى التعيين وهذا أيضاً من التيسير على الناس كثير من الناس مثلاً يأتي والإمام راكع في صلاة الظهر ثم يسرع ليدرك الركعة ويغيب عن ذهنه أن هذه هي الظهر لكن لا يغيب عن ذهنه أن هذه هي فرض الوقت وهذا أيضاً فيه توسعة على المسلمين وكثيراً ما ننسى نحن التعيين حتى ولو كان الإنسان أدرك الصلاة من أولها فإذا دخلت بنية أن هذه فرض الوقت كفى لأنه إن كان هو الظهر فإنه يلزم من نيتك فرض الوقت أن تكون الظهر.

السائل: رجل أدرك مع الإمام في الجمعة التشهد الأخير ثم بعد ذلك علم أنه لابد أن يتم أربعاً.

الشيخ: يستأنف الصلاة يعيدها أربعاً إلا إذا كان مسافراً فإذا كان مسافراً فإن فرضه ركعتان.

فصل

القارئ: من أحرم مع الإمام ثم زوحم عن السجود فأمكنه السجود على ظهر إنسان أو قدمه لزمه لما روي عن ابن عمر أنه قال إذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر أخيه أو قدمه رواه أبو داود الطيالسي ولأنه يأتي بما يمكنه حال العجز فوجب وصح كالمريض يومئ فإن لم يمكنه ذلك انتظر زوال الزحام ثم يسجد ويتبع الإمام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك في صلاة عسفان للعذر والعذر ها هنا قائم وكذلك إن تعذر عليه السجود لعذر من مرض أو نوم أو سهو.

ص: 193

الشيخ: هذه المسألة مهمة جداً وتقع كثيراً في أيام الزحام في المسجد الحرام والمسجد النبوي فالمذهب كما ذكر رحمه الله إذا أمكنه أن يسجد على ظهر إنسان سجد عليه أو على قدم الإنسان سجد عليه ولا يخفى أن هذا فيه شيء من النظر إن كان الذي أمامه امرأة كيف يسجد على ظهر امرأة أو على قدم امرأة وإن كان رجلاً ففي ظني أنه سوف يقع تشويشاً من هذا الرجل الذي سجد على ظهره وهو تصرف في الغير على وجه لا نعلم رضاه به ولهذا كان القول الثاني الذي ذكره المؤلف رحمه الله عند العجز أصح وهو أن ينتظر زوال الزحام ثم يسجد ويتابع الإمام ويكون التخلف هنا عن الإمام لعذر وفي المسألة قول ثالث أنه يومئ يعني يجلس ويومئ بالسجود إيماءً لأن الإيماء بالسجود فرض من لم يقدر على السجود والقول الثاني والثالث متكافئان لا يتبين رجحان أحدهما على الآخر وذلك لأن القول الأول الذي هو الانتظار يحصل به محذور وهو التخلف عن الإمام والقول الثاني يحصل به محذور وهو الإيماء بدل السجود على الأرض لكن تحصل به موافقة الإمام والأول يحصل به السجود على الأرض وتتخلف عنه متابعة الإمام فهما عندي متقابلان متكافئان إذا عمل بأيهما شاء فأرجو أن لا يكون عليه بأس أما القول الذي قدمه المؤلف رحمه الله فإنه قول ضعيف وما ورد من الآثار فهو اجتهاد ما فيه نص يجب المصير إليه ثم إن الساجد على ظهر الإنسان في الواقع حتى لو سجد على ظهر الإنسان هل هيئته هيئة ساجد؟ لا لأنه يريد أن يسجد مفترشاً ثم يسجد على ظهره إلا إذا كان الذي أمامه قصير القامة وقصير الرجلين وصغير الجسم وهذا رجلاه طوال وكبير الجسم يمكن يكون كهيئة الساجد لكن إن كان مثله فلا يكون كهيئة الساجد.

السائل: هل يجوز أن يدخل رأسه بين رجلي الذي أمامه عند الزحام؟

الشيخ: إذا أمكن لا بأس فالحقيقة أنه ما فاته شيء.

ص: 194

القارئ: فإن خاف فوات الركوع مع إمامه لزمه متابعته وترك السجود لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإذا ركع فاركعوا) ولأنه مأموم خاف فوات الركعة فلزمه متابعة إمامه كالمسبوق فيركع مع إمامه وتبطل الأولى وتصير الثانية أولاه فإن سجد وترك متابعة إمامه بطلت صلاته إن علم تحريم ذلك لأنه ترك الواجب عمدا وإن لم يعلم تحريمه لم تبطل صلاته ولم يعتد بسجوده لأنه أتى به في موضع الركوع جهلا فهو كالساهي وقال أبو الخطاب يعتد بسجوده ويتم ركعته الأولى فإن أدرك الركوع أيضاً صحت له ركعتان وإن فاته الركوع فاتته الثانية وحدها فيقضيها بعد سلام إمامه وتصح جمعته قال ويسجد للسهو وقال القاضي هو كمن لم يسجد فإن أدرك الركوع صحت له الثانية وحدها وإن فاته الركوع وأدرك معه السجدتين سجدهما للركعة الأولى وصحت له ركعة ويقضي ركعة وتمت جمعته لإدراكه ركعة وإن فاتته السجدتان أو إحداهما قضى ذلك بعد سلام إمامه فتصح له ركعة وكذا لو ترك سجدتي الأولى خوفاً من فوات ركوع الثانية فركع معه وزوحم عن سجدتي الثانية فأمكنه السجود في التشهد سجد وإن لم يمكنه سجد بعد سلام الإمام وصحت له ركعة ومثلها لو كان مسبوقاً بالأولى وزوحم عن سجود الثانية وهل يكون مدركاً للجمعة في كل موضع لم يتم له ركعة إلا بعد سلام إمامه على روايتين إحداهما يكون مدركاً لها لأنه قد يحرم بالصلاة مع الإمام أشبه ما لو ركع وسجد معه والثانية لا جمعة له لأنه لم يدرك مع إمامه ركعة فأشبه المسبوق بركوع الثانية وعلى هذه الرواية هل يستأنف أو يتمها ظهراً على وجهين.

وإن أحرم مع الإمام فزوحم وأخرج من الصف فصلى فذا لم تصح صلاته وإن صلى ركعة وأخرج في الثانية فأتمها وحده ففيه روايتان إحداهما يتمها جمعة لأنه أدرك مع إمامه ركعة فأشبه المسبوق والثانية يعيد لأنه فذ في ركعة كاملة.

ص: 195

الشيخ: الصحيح في هذه المسائل أنه يسجد إذا قام إمامه وزال الزحام ثم يقوم للثانية ويركع ولو بعد أن رفع إمامه من الركوع وذلك لأن تخلفه عنه إنما كان لعذر فإذا كان لعذر فإنه يعتد بالركعة الثانية وبالركعة الأولى وأما أن يقال إنه إذا خاف أن يفوته ركوع الثانية ترك السجدتين ثم ألغى الركعة الأولى فهذا فيه نظر لأن التخلف عن الإمام لعذر كالمتابعة وهذا هو الذي يطمئن إليه القلب وهو أسهل من هذه الصور التي ذكرها المؤلف رحمه الله فيقال متى زال الزحام فاسجد السجدتين اللتين فاتتا ثم قم للركعة الثانية متابعاً للإمام فإن أدركت الركوع فذاك وإن لم تدركه فلا حرج اركع ثم اتبع إمامك.

السائل: مسألة السجود على الظهر أو على القدم لو علم من قرينة الحال أن هذا المسجود عليه يرضى بهذا؟

الشيخ: ما يصح وكما قلت لكم أنه لا يمكن أن يسجد على هيئة السجود أبداً.

فصل

القارئ: فإن أدرك مع الإمام ركعة فقام ليقضي فذكر أنه لم يسجد إلا سجدة واحدة أو شك في إحدى السجدتين لزمه أن يرجع إن لم يكن شرع في قراءة الثانية فيأتي بما ترك ثم يقضي ركعة أخرى ويتمها جمعة نص عليه وإن ذكر بعد شروعه في قراءة الثانية بطلت الأولى وصارت الثانية أولاه ويتمها جمعة على المنصوص وفيه وجه آخر أنه لا تحصل له الجمعة لأنه لم يدرك مع الإمام ركعة كاملة وهكذا لو قضى الثانية ثم علم أنه نسي سجدة لا يدري من أيهما تركها أو شك في ذلك فإنه يجعلها من الأولى وتصير الثانية أولاه فأما إن شك في إدراك الركوع مع الإمام لم يعتد له بالركعة التي مع الإمام وتصير ظهراً قولاً واحدا.

الشيخ: أظن هذا واضح لكن القول الصحيح في المسألة في مسألة إذا ذكر أنه لم يسجد الصحيح أنه يرجع ما لم يصل إلى حد السجود وأنه ليس العبرة بكونه استتم قائماً أو شرع في القراءة أو ما أشبه ذلك الصحيح أنه يرجع ما لم يصل إلى حد المنسي.

ص: 196

القارئ: الشرط الرابع أن يتقدمها خطبتان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين يقعد بينهما متفق عليه وقد قال (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقالت عائشة رضي الله عنها إنما أقرت الجمعة ركعتين من أجل الخطبة.

الشيخ: لو استدل المؤلف بالآية لكان أولى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) ولم يقل فإذا قضي الذكر فدل هذا على أن هناك ذكراً يجب حضوره يكون قبل الصلاة وهذا استدلال واضح أما كون الرسول يخطب خطبتين ويقول (صلوا كما رأيتموني أصلي) فهذا قد ينازع فيه ويقال إن هذا خارج عن الصلاة فلا يدخل تحت الأمر وأما أثر عائشة فهذا ينظر فيه هل ثبت عنها ذلك أو لا؟ فإن كان ثبت عنها ذلك فقد قالته تفقهاً رضي الله عنها ويكون من اجتهادها وقد تخطئ وقد تصيب.

القارئ: ومن شرط صحتها حضور العدد المشروط للصلاة لأنه ذكر اشترط للصلاة فاشترط له العدد كتكبيرة الإحرام فإن انفضوا وعادوا ولم يطل الفصل صلى الجمعة لأنه تفريق يسير فلم يمنع كالتفريق بين المجموعتين ويشترط لهما الوقت لذلك ويشترط الموالاة في الخطبتين فإن فرق بين الخطبتين أو بين أجزاء الخطبة الواحدة أو بينهما وبين الصلاة فإن طال بطلت وإن كان يسيراً بنى لأنهما مع الصلاة كالمجموعتين ويحتمل أن الموالاة ليست شرطا لأنه ذكر يتقدم الصلاة فلم يشترط الموالاة بينهما كالأذان والإقامة.

الشيخ: نعم الصحيح أنه لا يشترط الموالاة بينهما وبين الصلاة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام يكلم رجلاً كلاماً طويلاً بعد الخطبة وقبل الصلاة فالصواب أنه ليس بشرط أما الموالاة بين الخطبة الواحدة أي بين أجزائها فالظاهر أنها شرط وأما الموالاة بين الخطبتين فالسنة إنما جاءت بفصل يسير بينهما.

ص: 197

القارئ: ولا يشترط لهما الطهارة نص عليه لذلك ولأنها لو شرطت لاشترط الاستقبال كالصلاة وعنه أنها شرط لأنه ذكر شرطت في الجمعة فأشبه تكبيرة الإحرام.

الشيخ: قياس ضعيف جداً لأن تكبيرة الإحرام من الصلاة فلابد من أن تكون على طهارة أما الخطبتان فليستا من الصلاة بل أعلى ما يقال فيهما أنهما شرط لها فلا يشترط لها الطهارة.

القارئ: ويشترط أن يتولاهما من يتولى الصلاة لذلك لكن يجوز الاستخلاف في الصلاة للعذر لأنه إذا جاز الاستخلاف في بعض الصلاة للعذر ففي الصلاة بكمالها أولى وعنه ما يدل على جواز الاستخلاف لغير عذر قال في الإمام يخطب يوم الجمعة ويصلي الأمير بالناس لا بأس إذا حضر الأمير الخطبة لأنه لا يشترط اتصالها بها فلم يشترط أن يتولاهما واحد كالصلاتين.

الشيخ: وهذا هو الصحيح أنه لا يشترط أن يتولاهما من يتولى الصلاة وأنه يجوز أن يتولاهما واحد ويصلي آخر بل يجوز أن يخطب واحد من الخطبة الأولى والثاني الثانية وثالث الصلاة لأن المقصود يحصل.

القارئ: وهل يشترط أن يكون الخليفة ممن حضر الخطبة؟ فيه روايتان إحداها لا يشترط لأنه لا يشترط في صحة جمعته حضور الخطبة إذا كان مأموما فكذلك إذا كان إماما والثانية يشترط لأنه إمام فاشترط حضوره للخطبة كما لو لم يُستَخْلَف.

الشيخ: الظاهر عدم الاشتراط.

السائل: ما معنى استخلف؟

الشيخ: استخلف يعني أقام من يكمل بهم الصلاة الاستخلاف أن يجعل له خليفة يكمل الصلاة بالناس.

فصل

القارئ: وفروض الخطبة أربعة أشياء حمد الله تعالى لأن جابراً قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له والثاني الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر رسوله كالأذان.

ص: 198

الشيخ: قياس غريب هل كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تفتقر إلى ذكر الرسول أبداً الذبح والوضوء أشياء كثيرة التسبيح في الصلاة بعد الصلاة التكبير في العيدين لكن جاؤوا بشبه هذا يسمونه قياس الشبه وهي أن يتردد فرع بين أصلين فيلحق بأكثرهما شبهاً وهذا القياس الذي ذكره المؤلف ما يصح لأن الأكثر أن لا يجب ذكر الرسول مع ذكر الله.

القارئ: الثالث الموعظة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظ وهي القصد من الخطبة فلا يجوز الإخلال بها.

الشيخ: المؤلف رحمه الله قال الموعظة وغيره قال الوصية بتقوى الله وما قاله المؤلف أَسَدّ أنها الموعظة سواء بصيغة التقوى أو بصيغة الطاعة وما أشبه ذلك وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لابد من خطبة تتحرك بها القلوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب احمرت عيناه واشتد غضبه وعلا صوته فلابد من أن تحرك القلوب أما أن يأتي بورقة مكتوبة يقرأها عليهم كأنما يقرأها في مجلس فهذا إن أدى الواجب فهي خطبة ضعيفة.

القارئ: الرابع قراءة آية لأن جابر بن سمرة قال كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا وخطبته قصدا يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس رواه أبو داود والترمذي.

الشيخ: قلت لكم فيما سبق إن المؤلف رحمه الله في هذا الباب خاصة عنده أقيسة غريبة بعيدة كل البعد مثلاً هنا يقول ولأن الخطبة فرض في الجمعة فوجبت فيها القراءة كالصلاة هل الخطبة فرض على أنها صلاة أو فرض لصلاة؟ والقراءة إنما تجب في الصلاة ولهذا لا تجب القراءة في الوضوء وهو شرط فيه هذه من وجه ومن وجه آخر لو صح القياس لقلنا يجب أن يقرأ الفاتحة لأنها هي الفرض في الصلاة وأنا قلت هنا لتتبينوا أن أقيسة الفقهاء رحمهم الله أحياناً تكون بعيداً عن صحة القياس.

ص: 199

القارئ: ولأن الخطبة فرض في الجمعة فوجبت القراءة فيها كالصلاة وعن أحمد رضي الله عنه ما يدل على أنه لا يشترط قراءة آية فإنه قال القراءة في الخطبة على المنبر ليس فيه شيء مؤقت ما شاء قرأ.

الشيخ: من الناحية التصريفية هل نقول ليس فيه شيء مُوَقَّت أو ليس فيه شيء مؤقت؟ يجوز الوجهان كالتوكيد والتأكيد يجوز فيها تأكيد وتوكيد (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) كذلك هذه قال الله تعالى (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) ولم يقل وقتت فيجوز الوجهان.

نص الإمام أحمد رحمه الله لا يدل على عدم وجوب القراءة إنما يدل على عدم وجوب شيء معين ولهذا قال ليس فيه شيء مؤقت ما شاء قرأ ولم يقل إن شاء قرأ فإذا قال ما شاء قرأ معناه أنه يقرأ ولكن من غير تحديد يقرأ ما يشاء وظاهر كلامه رحمه الله أنه يقرأ ما شاء وإن لم تستقل الآية بمعنى ولكن الفقهاء اشترطوا أن تستقل بمعنى فمثلاً (مُدْهَامَّتَانِ) يقول لا تكفي مع أنها آية (ثُمَّ نَظَرَ) لا تكفي مع أنها آية لأنها لا تستقل بالمعنى لكن ظاهر كلام الإمام أحمد أنه يكفي آية ولو لم تستقل بمعنى ويمكن أن يسوق الآية في سياق كلام منه ويكون لها معنى مثلاً يقول في وصف الجنة جنتان فيهما كذا وكذا وكذا مد هامتان فتكون آية لكنها سيقت في كلام الخطيب إنما اشتراط قراءة آية وكون الخطبة لا تصح إلا بذلك في النفس منه شيء لأن المقصود بالخطبة هو الموعظة وبيان الأحكام وتحريك القلوب فقد يكون بآية وقد يكون بغير آية.

القارئ: وتشترط هذه الأربعة في الخطبتين لأن ما وجب في إحداهما وجب في الأخرى كسائر الفروض.

ص: 200

الشيخ: الموعظة لا شك أنها شرط ولابد منها وخطبة بلا موعظة ليست بشيء وأما اشتراط حمد الله لعل القول بأنه لابد منه يؤيده أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا خطب حمد الله وأثنى عليه كلما ذكر الناس أنه خطب يقولون حمد الله وأثنى عليه فملازمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للحمد والثناء يدل على أنه لابد منه ثم إن الخطبة إذا لم تبدأ بالحمد كانت بتراء لا بركة فيها فالقول باشتراط الحمد قول قوي لكن لا يشترط له صيغة معينة بأن تقول الحمد الله بل لو قلت أحمد الله وأستعيذه أو أحمد الله وأثني عليه أو اللهم لك الحمد كفى وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا يظهر أنها شرط وقد سبق أن التعليل الذي ذكره المؤلف في اشتراطها تعليل عليل فالصواب أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليست بشرط.

السائل: لو اقتصر الإنسان على خطبة واحدة فيه محظور أم لا؟

الشيخ: لابد من خطبتين.

السائل: ما حكم الجلسة بين الخطبتين؟

الشيخ: الجلوس أفضل وإن بقي قائماً فلابد أن يأتي بما يدل على أنه افتتح الخطبة الثانية لئلا يظن أنه سكت لمانع من الكلام ثم استمر.

فصل

القارئ: وسننها ثلاث عشرة أن يخطب على منبر أو موضع عال لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب على منبره ولأنه أبلغ في الإعلام.

ص: 201

الشيخ: التعليل الثاني يدل على أنه كلما كان الشيء أبلغ في الإعلام كان أولى وعلى هذا فاستعمال مكبر الصوت في خطبة الجمعة أولى من عدم استعماله وقد كان أول ما خرج نزاع بين الناس هل يجوز أو لا يجوز فبعضهم قال إنه لا يجوز استعمال مكبر الصوت في الخطبة لأنه يشبه أبواق اليهود ومنعوا من أن توضع في مساجدهم وهكذا كل شيء يخرج جديداً على الناس تجد الناس يتنازعون فيه ثم يستقر الأمر على ما فيه الخير فالصواب أن استعمال مكبر الصوت من الأمور المطلوبة لأنه أبلغ في الإعلام وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي رأى الأذان قال له (ألقه على بلال فإنه أندى صوتاً منك) وأمر عمه العباس بن عبد المطلب في غزوة الطائف أن ينادي الصحابة الذين أدبروا لأنه كان جهوري الصوت فدل هذا على أن ما قصد به الإعلام كان كلما ارتفع الصوت فيه فهو أولى فإذا قال قائل إذاً ما فائدة كونه على منبر أو موضع عال نقول الفائدة عظيمة وهي المشاهدة لأن كون الناس يرون الخطيب وانفعالاته وتأثراته أبلغ مما إذا سمعوا صوته فقط وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا خطب احمرت عيناه واشتد غضبه وعلا صوته فلابد أن يتأثر وهذا لا يحصل إلا إذا كان على موضع عال ولهذا إذا جاءت نسخة من حال الخطيب قولية أو مرئية لم يكن تأثيرها كتأثير الخطيب حين يشاهد الآن، يخطب الخطيب أمام الناس خطبة يتأثر الناس منها كثيراً فإذا سمعوها مسجلة في الشريط لم يتأثروا بها ذاك التأثر بل قد يقول القائل هل هذه هي الخطبة التي سمعناها من فلان لعلها خطبة كانت قديمة لأنه لم يتأثر كذلك أيضاً لو شاهدناه عبر التلفاز وهو يخطب هل تكون مشاهدتنا له كمشاهدتنا له مباشرة؟ لا ولهذا نقول يسن أن يكون على موضع عالٍ ليراه الناس ولكن ما رأيكم في قوم حاضرين يشاهدون الخطيب لكن بأعينهم أو يشاهدون المعلم لكن بأعينهم يستفيدون؟ ما يستفيدون أبداً ما يستفيد إلا إذا أراد

ص: 202

الله أن ينتبه القلب.

القارئ: الثاني أن يسلم عقيب صعوده إذا أقبل عليهم لأن جابراً قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم عليهم رواه ابن ماجه.

الشيخ: قال الفقهاء رحمهم الله يسلم على من حول الباب لو دخل لأنه مر بهم ثم يسلم إذا أقبل على الناس السلام العام وهل يجب رد هذا السلام؟ فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين.

هل يجب إن سمعنا خطيباً يسلم عبر الراديو أن نرد عليه السلام؟ لا، لأنه لا يسلم علينا.

هل يجب إذا سمعنا مذيعاً عبر الراديو يسلم يقول أيها المستمعون الكرام السلام عليكم ورحمة والله؟ نعم لأنه يسلم على المستمعين ونحن مستمعون لكن الرد الذي لا يُسمع وما الفائدة منه؟ حصول الدعاء يعني أننا ندعو له الآن لكنه فرض كفاية ويبقى النظر هل نحن نعلم أن أحداً من الناس أسقط عنا هذا الفرض ورد السلام؟ ما نعلم إذاً الأصل شغل الذمة حتى نعلم براءتها وحينئذٍ نرد السلام.

إذا كان المُسلِّم غير مسلم لأن بعض الإذاعات يكون المذيعون غير مسلمين هل نرد؟ نعم فماذا نقول؟ وعليكم وإذا قال السلام عليكم باللام الواضحة نقول عليكم السلام.

القارئ: الثالث أن يجلس إذا سلم عليهم لأن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب ثم يجلس فلا يتكلم ثم يقوم فيخطب رواه أبو داود.

الرابع أن يخطب قائما لأن جابر بن سمرة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب فمن حدثك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب رواه مسلم وأبو داود وليس ذلك بشرط لأن المقصود يحصل بدونه.

الخامس أن يجلس بينهما لما رويناه وليس بواجب لأنها جلسة للاستراحة وليس فيها ذكر مشروع فأشبهت الأولى.

ص: 203

السادس أن يعتمد على سيف أو قوس أو عصا لما روى الحكم بن حزن قال (وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدنا معه الجمعة فقام متوكئاً على سيف أو قوس أو عصا فحمد الله وأثنى عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات) رواه أبو داود ولأن ذلك أمكن له فإن لم يكن معه شيء أمسك شماله بيمينه أو أرسلهما عند جنبيه وسكنهما.

الشيخ: هذا السادس أن يعتمد أي الخطيب على سيف أو قوس أو عصا يعني أو غيرهما مما يعتمد عليه لأن ذلك أمكن له وأقوى في التحمل لئلا يتعب جسمه ولأنه في الغالب أقوى في إطلاق الكلمات مما لو وقف بدون اعتماد ولهذا اختلف العلماء هل اعتماده على سيف أو قوس أو عصا هل هو مقصود بعينه أو مقصود لغيره؟ من العلماء من قال إنه مقصود بعينه وأنه ينبغي أن يعتمد على سيف أو قوس إظهاراً لعزة المسلمين وأن الإسلام انتصر بالسيف الذي فيه قطع الرقاب والقوس الذي فيه إرسال السهام ومنهم من قال إن هذا مقصود لغيره والمقصود هو الاتكاء سواء على هذا أو على هذا وأن النبي صلى الله عليه وسلم اتكأ على هذه دون قصد وإنما وقع اتفاقاً فقط وفي هذا أيضاً دليل على أن الخطيب في الجمعة ليس كالخطيب في غير الجمعة، الخطيب في غير الجمعة يتحرك وإذا جاء ذكر الله رفع أصبعه إلى السماء وإذا جاء شيء فيه انفعال قال هكذا بيده وهز يده وما أشبه ذلك لكن في الجمعة لا ولهذا جاءني قبل سنتين تقريباً رجل عامي قال والله خطبنا واحد وقام يهوشن قلت له كيف؟ قال يقول كذا وكذا وإما يلتفت هنا وإما يلتفت هنا نعم هذا غير مشروع هذا وإن كان يحمس الناس لكن في غير هذا الموضع لأن المقصود هنا الموعظة ولهذا قال المؤلف رحمه الله أمسك شماله بيمينه كيف؟ كذا شماله بيمينه لكن ما هو على الصدر أو أرسلهما عند جنبيه وأسكنهما يعني ما يتحرك.

السائل: إذاً تسقط الورقة؟

الشيخ: لا يخطبون من ورقة ولهذا قالوا لا بأس أن يخطب من صحيفة ما كانوا يعتدون بهذا.

ص: 204

السائل: في بعض البلدان إذا أذن الأذان الأول يقوم الإمام يقول ترجمة الخطبة بغير العربية حتى إذا جاء وقت الأذان الثاني يخطب بالعربي.

الشيخ: أنا أرى أنه إذا كان يخطب في قوم لسانهم غير عربي أن يخطب بلسانهم ولا حاجة للخطبة العربية لأن التعبد باللسان العربي ليس وارداً إلا في القرآن وإذا كنا نريد أن نبين لهؤلاء فليكن بلسانهم قال الله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) وأي فائدة في أن يتكلم بلسان هؤلاء القوم ثم يأتي به بالعربية ليس فيه فائدة إلا إطالة الوقت عليهم وإملالهم وهذا غير مطلوب.

السائل: بالنسبة للدرس قبل الخطبة في بعض البلاد كأنه واجب عندهم أنه ينبغي أن يقوم الخطيب أو غيره بإلقاء درس قبل الخطبة؟

الشيخ: هذا غلط بدعة تذهب فائدة السنة لأنه إن كان في موضوع الخطبة فلا فائدة منه وإن كان في غير موضوع الخطبة صار حديث الناس والتهوا به عن الخطبة فضاعت الفائدة.

السائل: قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعمى (هل تسمع النداء) قال نعم قال (فأجب) هل نقول ذلك لمن يسمعه بمكبر الصوت؟

الشيخ: لا هذا يقاس بما لو أذن المؤذن من غير مكبر الصوت كما أن العكس كذلك لو كان الإنسان قريباً ولا يسمع المؤذن لصممه مثلاً هل يجيب أو لا يجيب؟ يجب والله أعلم.

القارئ: السابع أن يقصد تلقاء وجهه لأن في التفاته إلى أحد جانبيه إعراضاً عمن في الجانب الآخر.

الثامن أن يرفع صوته لأن جابراً قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم ولأنه أبلغ في الإسماع.

ص: 205

الشيخ: هذا من آداب الخطبة أن يرفع صوته وأن يكون متأثراً بالخطبة ليكون مؤثرا لقول جابر كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم يعني العدو ومساكم ثم يقول (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله) يقول (أما بعد) وليس يقول ثم أما بعد كما أحدثها المحدثون نسمع بعض الإخوان يقول ثم أما بعد وهذه الثُّم جاءت من كيسه ولا وجه لها هنا لأن أما بعد كلام مستأنف وقد قيل إنها يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر لكن هذا فيه نظر لأنه لو كان يؤتى بها من أسلوب إلى آخر لكان يأتي بها كلما أتى بموضوع ولكنه يؤتى بها للدخول إلى موضوع الخطبة أو الكلام هذا هو الصحيح يؤتى بها للدخول في الموضوع وقوله (أما بعدُ) مبني على الضم لحذف المضاف إليه.

(فإن خير الحديث كتاب الله) لا شك فكتاب الله حديث وهو خير الحديث خيره من كل وجه خيرية مطلقة.

ص: 206

(وخير الهدي) يعني السلوك والمنهج (هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فصار عندنا الآن شريعة وعندنا ما يحصل به الشريعة الكتاب تحصل به الشريعة والشريعة منهاج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالكتاب خير الحديث كتاب الله وفي هذا الحديث دليل على أن القرآن يسمى حديثاً وقد قال الله تعالى (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً)(وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها) شر الأمور جمع أمر والمراد به أمور الدين أما أمور الدنيا فالحادث فيها ليس ببدعة شرعية وقوله (وكل بدعة ضلالة) كل بدعة يعني كل محدثة ضلالة لأن البدعة هي ما ابتدع وأحدث ضلالة حتى وإن زعم صاحبها أنه على هدى وأنه يريد الخير فإنها ضلالة لا تزيده من الله إلا بعدا فإن قال قائل كيف نجمع بين هذا الحديث الذي يعلنه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الخطبة وبين قوله صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) قلنا الحمد لله أن ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يقع فيه تناقض وإنما التناقض في الفهم فالبدعة التي أراد الرسول عليه الصلاة والسلام هي بدعة الدين أن يأتي الإنسان بدين لم يشرع سواء كان عقيدة أو قول أو فعل والسنة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة) المراد بها الفعل يعني تنفيذ السنة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها حينما جاء الرجل بصرة أثقلت يده بعد أن حث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الصدقة فإن هذا سن العمل بهذه السنة فكان أول الناس والناس له تبع أو يقال المراد بالسنة ما كان وسيلة لأمر مشروع كسنة تنقيط المصحف وإعرابه وجمعه وبناء المدارس وما أشبه ذلك هذه لا شك أنها سنة حسنة وإن كان لم يوجد أصلها في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبذلك تلتئم الأدلة هنا يقول (إن خير الحديث كتاب الله) ونسمع بعض إخواننا

ص: 207

يقول فإن أصدق الحديث كتاب الله فإن صحت هذه الجملة بهذا اللفظ عن الرسول عليه الصلاة والسلام فعلى العين والرأس وإن لم تصح فإنه قد بخس الحديث حقه لأن الخيرية خيرية مطلقة في الصدق في الخبر والعدل في الحكم وإصلاح المنهج وغير ذلك والصدق إنما يكون وصفاً للكلام فقط وليس لكل كلام بل للخبر من الكلام.

السائل: بعضهم يقول إن أحسن؟

الشيخ: إن أحسن أقرب إلى قوله إن خير.

القارئ: التاسع أن يكون في خطبته مترسلاً معربا مبيناً من غير عجلة ولا تمطيط لأنه أبلغ وأحسن.

الشيخ: صحيح هذا لا شك أنه من المستحب إذا ترسل الخطبة وصار أيضاً أحياناً يفعل ما يوجب الانتباه بأن يزيد في قوة الصوت أو ما أشبه ذلك فهذا أيضاً من الأمور المطلوبة.

القارئ: العاشر تقصير الخطبة لما روى عمار قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة) رواه مسلم.

الشيخ: هذا أيضاً من السنة أن يقصِّر الخطبة إلا إذا استدعت الحاجة أحياناً إلى التطويل بأن كان الموضوع يحتاج إلى بسط أو إلى زيادة إيضاح وما أشبه ذلك فعلى ما تدعو الحاجة إليه وإلا فالأفضل التقصير.

القارئ: الحادي عشر ترتيبها يبدأ بالحمد لله ثم بالصلاة على رسوله ثم يعظ لأنه أحسن والنبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالحمد لله وقال (كل كلام ذي بالٍ لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر).

ص: 208

الشيخ: لم يذكر المؤلف التشهد ولم يذكر الآية أين يكون موضعها وقد جرت عادة الخطباء أن تكون الآية في آخر الخطبة لتكون كالدليل لما سبق ومن ثم تختار الآية المناسبة للخطبة فمثلاً إذا كان يدعو إلى فعل الخير أتى بالآيات التي تدل بالحث على فعل الخير ولم يذكر التشهد ولكن هذا يعتبر تقصيراً من المؤلف رحمه الله وإلا فالتشهد أمر مطلوب في الخطبة كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلم أصحابه خطبة الحاجة وفيها وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله والتشهد في الخطبة كالحمد في الخطبة بل إن بعض العلماء قال إن التشهد فيها ركن وأنه لا تصح خطبة ليس فيها تشهد.

السائل: بعض الناس الآن إذا انتهى الإمام من صلاة الجمعة قام ويتكلم ويعظ الناس فهل هذا جائز؟

الشيخ: هذا بارك الله فيك إذا كان ممنوعاً من قبل ولاة الأمور فالواجب السمع والطاعة وإذا لم يكن ممنوعاً فتركه أولى حتى إن الإمام أحمد قال لا يستمع إليه إلا أن يكون كتاباً من السلطان ولأن هذه الموعظة إما أن تكون في موضوع الخطبة فلا داعي لها وربما يكون فيها شيء من لمز الخطيب وأنه لم يوفِ بالمقصود وإن كانت خارجة عن موضوع الخطبة مسحت موضوع الخطبة من أفهام الناس وصار الذي في أذهانهم ما قيل بعد الصلاة فلهذا فيها ضرر كما أن فيها ضرراً أيضاً من وجه آخر وهي أن بعض الناس قد يكون له حاجة في الخروج من المسجد لكنه يخجل من أن يقوم أمام الناس فتجده محصوراً متعباً في مدافعة الأخبثين ولكنه لا يستطيع أن يخرج أمام الناس بسبب من الأسباب ثم يقال إنها إذا بقيت هذه الكلمة راتبة كل جمعة صارت الجمعة لها ثلاث خطب خطبتان قبلها وخطبة بعدها وهذا تغيير للهيئة والصفة التي جاءت بها السنة.

القارئ: الثاني عشر أن يدعو للمسلمين لأن الدعاء لهم مسنون في غير الخطبة ففيها أولى وإن دعا للسلطان فحسن لأن صلاحه نفع للمسلمين فالدعاء له دعاء لهم.

ص: 209

الشيخ: الدعاء للمسلمين لا ينبغي أن يكون سنة راتبة لو صح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للمؤمنين في كل جمعة لأخذنا به لكنه ضعيف وعلى هذا فالدعاء للمسلمين لا ينبغي أن يكون دائماً في كل خطبة وكذلك الدعاء للسلطان لكن يفعله أحياناً.

وإذا كان الدعاء للسلطان لا يرضي بعض الناس فيُدعى وإن لم يرضَ لأن بعض الناس نسأل الله العافية إذا رأى من السلطان انحرافاً قال لا تدعو له ادعو عليه بأن الله يهلكه وهذا غلط ادعو له بالهداية لأن الدعاء له كما قال المؤلف دعاء للمسلمين عموماً إذ بصلاحه صلاح الرعية غالباً.

القارئ: الثالث عشر أن يؤذن لها إذا جلس الإمام على المنبر لأن الله تعالى قال (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) يعني الأذان قال السائب كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث رواه البخاري وهذا النداء الأوسط هو الذي يتعلق به وجوب السعي وتحريم البيع لأنه الذي كان مشروعاً حين نزول الآية فتعلقت الأحكام به ويسن الأذان الأول في أول الوقت لأن عثمان سنه وعملت به الأمة بعده وهو مشروع للإعلام بالوقت والثاني للإعلام بالخطبة والإقامة للإعلام بقيام الصلاة.

ص: 210

الشيخ: قوله رحمه الله يسن الأذان الأول في أول الوقت وأول الوقت عند الحنابلة في صلاة الجمعة عند ارتفاع الشمس قيد رمح وعلى هذا فيكون المشروع في الأذان الأول يوم الجمعة أن يكون بعد ارتفاع الشمس بمقدار رمح لكن الأذان في هذا الوقت لا يفيد كثيراً لأنه لن يستجيب إلا النادر وكذلك على العكس من ذلك من لا يؤذن الأذان الأول إلا إذا زالت الشمس ثم بعد دقيقتين أو ثلاث يأتي الإمام ويؤذن الأذان الثاني هذا لا قيمة له في الواقع فأحسن ما يكون أن يكون قبل الوقت بساعة أو نحوها أي قبل الزوال بساعة أو نحوها حتى يتهيأ الناس للحضور إذا أذن الأذان الثاني.

وقوله وكثر الناس زاد النداء الثالث كيف النداء الثالث؟ الإقامة حسبت لأنها تعتبر نداءً لكنها حسبت تبعاً وهذا الذي ظنه بعض الناس أي أنه يؤذن عند دخول الوقت الذي هو الزوال ثم يحضر الإمام فيؤذن مرة ثانية يشبه ما روي في أذان بلال وابن أم مكتوم في رمضان أنه ليس بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا فإن هذه الرواية شاذة ولا تستقيم وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في أذان بلال (ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم) وإذا كان لإيقاظ النائم حتى يتسحر ولإرجاع القائم حتى يتسحر فهل يمكن أن يحصل هذا وليس بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا؟ لا يمكن ولذلك لا شك أن بين أذانيهما وقتاً يتسع للسُّحور.

السائل: هل يدعو للإمام أن يطيل الله عمره ولو كان عنده منكرات أو يدعو له بالهداية؟

الشيخ: لا، يدعو الله تعالى أن يطيل عمره في طاعته ولكن إذا قال اللهم اهدِ الإمام أحسن لأن الناس قد لا يتفطنون لقوله أطل عمره في طاعته أو قد يظنون أن هذا الداعي يحابي الإمام وليس له هم إلا أن يطيل عمر الإمام لكن إذا دعا له بالهداية والتوفيق وصلاح البطانة والاستقامة فهذا أحسن.

فصل

ص: 211

القارئ: ولا يشترط للجمعة إذن الإمام لأن علي رضي الله عنه صلى بالناس وعثمان رضي الله عنه محصور ولأنها من فرائض الأعيان فلم يعتبر لها إذن الإمام كالظهر قال أحمد وقعت الفتنة بالشام تسع سنين فكانوا يجمِّعون لكن إن أمكن استئذانه فهو أكمل وأفضل وعنه أنها شرط لأنه لا يقيمها في كل عصر إلا الأئمة.

الشيخ: والصحيح أنها ليست بشرط وأنها لو أقيمت الجمعة بغير إذن الإمام في مكان تقام فيه الجمعة فإنها صحيحة لكن إذا قال الإمام لا يقيم أحد الجمعة إلا بإذني فحينئذٍ يتعين أن يستأذن حفظاً للنظام وعدم التلاعب لأنه لو لم يرجع إليه لصار كل أهل حي يريدون أن يقيموا في مسجدهم جمعة فتحصل الفوضى أما كونها شرطاً لصحة الصلاة بحيث لا تصح الصلاة إلا بإذنه ففي النفس منه شيء.

فصل

القارئ: وتصلى خلف كل بر وفاجر لحديث جابر ولأنها من شعائر الإسلام الظاهرة وتختص بإمام واحد فتركها خلف الفاجر يفضي إلى الإخلال بها فلم يجز ذلك كالجهاد ولهذا أبيح فعلها في الطرق ومواضع الغصب صيانة لها عن الفوات.

الشيخ: يعني لا يشترط في إمام الجمعة أن يكون عدلاً بل تصح خلف كل بَرٍّ وفاجر وعلل المؤلف رحمه الله ذلك:

أولاً بحديث جابر السابق أن نصلي خلف كل بر وفاجر.

والثاني أن هذا من عمل المسلمين فإن المسلمين ما زالوا يصلون خلف الأئمة الذين يقيمون الجمعة وهم ليسوا على بِر.

والثالث أنها من شعائر الإسلام الظاهرة وظاهر كلام المؤلف أن ما كان من شعائر الإسلام الظاهرة فإنه يصح من البر والفاجر وعليه فيصح أذان الفاجر لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة ومن ثم قال العلماء إنه يشترط في الأذان أن يكون المؤذن عدلاً ولو ظاهرا.

الرابع أنها تختص بإمام واحد فلو قلنا لا تصلى خلف فاجر لزم أن لا تقام الجمعة أبداً إذا كان الإمام فاجراً.

ص: 212

ويقول يجوز فعلها في الطرق ومواضع الغصب صيانة لها عن الفوات الصحيح أن هذا ليس من خصائص الجمعة وأن الصلاة في الطريق صحيحة والنهي عن الصلاة في الطريق ضعيف وأما مواضع الغصب يعني مثل أن تكون الأرض مغصوبة حول المسجد فيصلى فيها الجمعة فلا بأس والصحيح أنه حتى غير الجمعة وأن الصلاة في الأرض المغصوبة صحيحة لكنه يأثم حيث منعها صاحبها وأما الصلاة فصحيحة لأن النهي لم يرد عن الصلاة بل النهي ورد عن الغصب فالجهة إذاً منفكة لو قيل لا تصلي في مكان حرام فصلى في مكان غصب بطلت الصلاة لكن لم يأتِ هكذا بل قيل لا تغصب (إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم) فالنهي إذاً ليس عن الصلاة ولكن عن الاغتصاب، اغتصاب الأرض فهو أمر خارج ولهذا كان القول الراجح في جميع المغصوبات كثوب السترة وماء الوضوء وما أشبه ذلك الصحيح أن عدم الغصب ليس شرطاً للصحة.

السائل: الصلاة في المسجد الضرار ما حكمه؟

الشيخ: الصلاة في مسجد الضرار لا تصح لأن الله نهى عنه قال (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً).

ومسجد الضرار ليس كالمغصوب ولهذا أرض مسجد الضرار حلال ليست حراماً لكن الصلاة فيه منهي عنها فلو صلى في مسجد الضرار بطلت صلاته.

السائل: بعض المساجد مبنية على أرض مغصوبة والباني له الأوقاف فبعض الناس يتحرج من الصلاة فيه؟

الشيخ: على كل حال القول الصحيح أنه تصح الصلاة والإثم على من غصبه.

فصل

القارئ: وإذا فرغ من الخطبة نزل فأقيمت الصلاة فصلى بهم ركعتين يقرأ في كل ركعة بـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) وسورة معها ويجهر بالقراءة للإجماع ونقل الخلف عن السلف.

ص: 213

الشيخ: هذا من خصائص الجمعة أنه يجهر فيها بالقراءة والحكمة والله أعلم اجتماع الخلق الكثير وتأكيد الاجتماع لكونهم على قارئ واحد ولهذا يسن الجهر بالقراءة النهارية في الجمعة وفي العيد وفي الكسوف وفي الاستسقاء لأنها صلوات يجتمع فيها الناس فيكون أكبر عدد ممكن على إمام واحد بخلاف السرية فإن السرية هذا يقرأ سورة وهذا يقرأ سورة ولا يجتمعون وكذلك أيضاً الليل يجهر فيه بالقراءة في الجماعة من أجل اجتماع القلب على قراءة واحدة.

القارئ: ومهما قرأ به بعد أم الكتاب فيها أجزأه إلا أن المستحب أن يقرأ فيها بالجمعة والمنافقين أو بـ (سبح) و (الغاشية) لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بسورة الجمعة والمنافقين في الجمعة وعن النعمان بن بشير قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين والجمعة بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) رواهما مسلم.

فصل

القارئ: ومتى أمكن الغنى بجمعة واحدة في المصر لم يجز أكثر منها لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لم يقيموا إلا جمعة واحدة وإن احتيج إلى أكثر منها جاز لأنها تفعل في الأمصار العظيمة في جوامع من غير نكير فصار إجماعا ولأنها صلاة عيد فجاز فعلها في موضعين مع الحاجة في غيرها.

الشيخ: المؤلف رحمه الله استدل على جواز التعدد للحاجة:

أولاً بفعل المسلمين فإن المسلمين منذ القرن الثالث يصلون عدة جمع وأخذ الناس ذلك صاغراً عن كابر وهذه حجة.

الثاني قال ولأنها صلاة عيد فجاز فعلها في موضعين مع الحاجة كغيرها يشير إلى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج إلى مصلى العيد وخلَّف علي بن أبي طالب يصلي بالضعفة في المسجد وهذا أصل.

ص: 214

القارئ: وإن استُغْنِيَ بجمعتين لم تجز الثالثة فإن صليت في موضعين من غير حاجة وإحداهما جمعة الإمام فهي الصحيحة ويحتمل أن السابقة هي الصحيحة لأنه لم يتقدمها ما يفسدها وبعد صحتها لا يفسدها ما بعدها والأول أولى لأن في تصحيح غير جمعة الإمام افتئاتاً عليه وتبطيلاً لجمعته ومتى أراد أربعون نفساً إفساد صلاة الإمام والناس أمكنهم ذلك.

الشيخ: هذا تبع التعليل الأول يعني يقول يحتمل أن السابقة هي الصحيحة ولكن بماذا يكون السبق هل هو بالتقدم الزمني في تكبيرة الإحرام أو بالتقدم الزمني في إقامة الجمعة الصحيح الثاني والمذهب الأول لكن يقول الشيخ رحمه الله إن الأول هو الصحيح الأول أولى وعلل ذلك قال لأن في تصحيح غير جمعة الإمام افتياتاً عليه وتبطيلاً لجمعته ومتى أراد أربعون نفساً إفساد صلاة الإمام والناس أمكنهم ذلك ماذا يصنعون؟ يسبقون بالصلاة يجتمع ناس مثلاً في مسجد حي من الأحياء ويقول الإمام مثلاً والجماعة الآن يصلون في الجامع الكبير كل أهل البلد إلا القليل تعالوا نحن أربعون نفراً نريد نصلي الجمعة في مسجدنا ونريد أن سبق جمعة الإمام لكي تكون صلاة الإمام والناس كلهم صلاة باطلة وهذا تعليل جيد لأن بعض أهل الشر يفعلون هذا يقول ما دام الصحيحة هي السابقة بالإحرام تعال فإذا صلوا جمعتهم خطب الخطيب وصلوا الجمعة وذهبوا إلى المسجد الكبير الذي فيه الإمام نادوا بأعلى أصواتهم أيها الناس إن جمعتكم باطلة لأنكم مسبوقون وهذا ربما يقع على كل حال الصحيح أنه ما باشرها الإمام أو أذن فيها فإن تساوتا في الإذن أو عدمه فالسابقة ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على هذا.

القارئ: فإن لم يكن لإحداهما مزية فالسابقة هي الصحيحة لما ذكرنا وتفسد الثانية وإن وقعتا معاً فهما باطلتان لأنه لا يمكن تصحيحهما ولا تعيين إحداهما بالصحة فبطلتا كما لو جمع بين أختين.

ص: 215

الشيخ: يعني كما لو جمع بين أختين في عقد واحد بأن قال أبوهما زوجتك ابنتيَّ فإنه لا يصح العقد واعلموا أن هذه المسألة هي مسألة فرضية في الواقع لأنه من يدرك ولا سيما في زمنهم رحمهم الله أن هاتين الجمعتين كانتا تكبيرة الإحرام فيهما واحدة في آن واحد هذا بعيد لكن إن وقع.

القارئ: كما لو جمع بين أختين وعليهم إقامة جمعة ثالثة لأنه مصر لم تصلِّ فيه جمعة صحيحة وإن علم سبق إحداهما وجهلت فعلى الجميع الظهر لأن كل واحد لم يتيقن براءة ذمته من الصلاة وليس لهم إقامة الجمعة لأن المصر قد صليت فيه جمعة صحيحة.

الشيخ: إذاً سوف يصلي هؤلاء جمعتين وظهرين.

القارئ: وإن جهل الحال فسدتا وهل لهم إقامة الجمعة على وجهين أحدهما لا يقيمونها للشك في شرط إقامتها والثاني لهم ذلك لأننا لا نعلم المانع من صحتها والأصل عدمه وذكر القاضي وجهاً في إقامتها مع العلم بسبق إحداهما لأنه لما تعذر تصحيح إحداهما بعينها صارت كالمعدومة.

الشيخ: والصحيح في هذه المسائل أنه إذا أقيمت بالفعل فإن الإنسان يتحرى المسجد الأول الذي تقام فيه الجمعة فيصلي فيه فإذا امتلأ صلى فيما أقيمت فيه الجمعة بعده وذلك لأن الضرر إنما كان في الزائد فالأول الذي وضع أولاً هو مسجد جمعة فيحرص الإنسان على أن يصلي فيه فإن امتلأ ففي المسجد الذي كان بعده فإن امتلأ ففي الثالث وإن شق عليه أو كان لا يعلم فيصلي في أي مسجد وتصح الصلاة أما أن نلزم العامة بإعادة الصلاة ونقول صلاتكم باطلة فهذا فيه مشقة على الناس تندفع بتيسير هذا الإسلام.

القارئ: ولو أحرم بالجمعة فعلم أنها قد أقيمت في مكان آخر لم يكن له إتمامها وهل يبني عليها ظهراً أو يستأنفها؟ على وجهين أصحهما استئنافها لأن ما مضى منها لم يكن جائزاً له فعله ويعتبر السبق بالإحرام لأنه متى أحرم بإحداهما حرم الإحرام بالأخرى للغنى عنها.

ص: 216

الشيخ: وقد سبق لنا أن الصحيح أن المعتبر الأسبق إقامة وأن المسجد الذي كانت تقام فيه الجمعة هو الأصل والثاني هو الذي جاء كمسجد الضرار.

السائل: إن كان إمام المسجد الأول صوفي فإن تمكن الشباب الملتزم من إقامة جمعة ولو كانت زائدة فهل يجوز لهم؟

الشيخ: لا ما يجوز يقال هذا الصوفي إن كان رجلاً خارجاً عن الإسلام فالواجب إزالته وإن كانت صوفيته لا تخرجه وقد نصب من ولاة الأمور فلا يجوز الاختلاف عليه.

فصل

القارئ: ولا يجوز لمن تجب عليه الجمعة السفر بعد دخول وقتها لأنه يتركها بعد وجوبها عليه فلم يجز كما لو تركها لتجارة إلا أن يخاف فوت الرفقة فأما قبل الوقت فيجوز للجهاد لما روى ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة فقدم أصحابه وقال أتخلف فأصلي مع رسول الله ثم ألحقهم قال فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال (ما منعك أن تغدو مع أصحابك) فقال أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم) من المسند وهل يجوز لغير الجهاد؟ فيه روايتان إحداهما يجوز لأن عمر قال الجمعة لا تحبس عن سفر ولأنها لم تجب فأشبه السفر من الليل والثانية لا يجوز لما روى

الدارقطني في الأفراد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من سافر من دار إقامة يوم الجمعة دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفره).

ص: 217

الشيخ: الحديث الأول حديث ابن عباس في قصة بعث عبد الله بن رواحة قد يعارض في استدلال المؤلف فيقال إن وقت الجمعة كوقت الظهر لا يدخل إلا بعد الزوال يعني إلا إذا زالت الشمس وعلى هذا فيكون سفر عبد الله بن رواحة قبل دخول الوقت والصحيح أنه يجوز أن يسافر ما لم يؤذن لها فإن أذن لها فإنه لا يجوز أن يسافر لقول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) فأوجب الله السعي عند أذان الجمعة وأما قبل ذلك فإنه لا يلزمه البقاء خصوصاً مثل أوقاتنا الآن إذا كان يمكنه أن يأتي بأهل طريق بحيث يعرج على بعض البلاد ويقيم فيها الجمعة.

السائل: الاعتراض على استدلال المؤلف على حديث ابن عباس ما فهمته؟

الشيخ: عبد الله بن رواحة بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة فقدم أصحابه وقال أتخلف فأصلي مع الرسول فهنا ذهبت السرية بعد دخول وقت الجمعة لأن على المشهور من المذهب يدخل وقتها إذا ارتفعت الشمس قيد رمح فيقول المؤلف يجوز للجهاد فنقول من يقول إنه دخل وقت الجمعة.

فصل

ص: 218

القارئ: ويجب السعي بالنداء الثاني لما ذكرنا إلا لمن منزله في بعد فعليه أن يسعى في الوقت الذي يكون به مدركاً للجمعة لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ويستحب التبكير بالسعي لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) متفق عليه وقال علقمة خرجت مع عبد الله يوم الجمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه فقال رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الناس يجلسون يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعة) رواه ابن ماجه.

الشيخ: في الحديث الأول من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة هل المراد بذلك أن يكون عليه جنابة بحيث يجامع أهله ثم يغتسل أو المراد غسل الجنابة يعني كغُسلها؟ الثاني هو المراد وقوله (ثم راح فكأنما قرب) لفظ الرواية بدون (في الساعة الأولى) ولهذا يحتاج إلى التخريج لأنها عندي (في الأولى) مصححه والذي أحفظه من البخاري أنه ليس فيها في الأولى (من راح فكأنما قرب) وهذا الرواح ليس معناه الذهاب بعد زوال الشمس وإنما المراد به مطلق الذهاب كما هو اللغة المشهورة عندنا الآن نقول فلان راح ولو كان في الليل فلان راح لكذا ولو كان في أول النهار فقوله (من راح) يراد به المشي أي مطلق الرواح خلافاً لمن فهم أن المراد من راح أي بعد زوال الشمس وعلى هذا فتكون الساعات كلها في خلال ربع ساعة وهذا بعيد فالصواب أن المراد (راح) أي ذهب فهي على مطلق الرواح.

ص: 219

وفيه أيضاً تفاوت الأجر بتفاوت العمل فيؤخذ منه حكمة الله عز وجل في المجازاة وأن الجزاء من جنس العمل أما لم كان هذا التفاوت؟ فهذا ليس إلينا لأن تقدير الأجور والثواب عند الله عز وجل وليس لنا من الأمر شيء فلا يقال لماذا كان الأول كأنما قرب بدنة والأخير كأنما قرب بيضة لأن هذا أمر يرجع إلى الله عز وجل وليس لنا إلا مطلق التسليم.

وفيه أيضاً لماذا خص الكبش الأقرن؟ قالوا لأن الكبش الأقرن في الغالب يكون أقوى وأكبر حجماً فيميز على غيره ولهذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أضحيته يختار الأقرن.

وقد استدل بعض العلماء بجواز الأضحية بالدجاج قال لأنه قال (فكأنما قرب دجاجة) فجعلها في مصاف بهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم فتجوز التضحية بالدجاجة بالديك فيقال له إذن جَوِّز الأضحية بالبيضة لأنه قال (فكأنما قرب بيضة) وهو استدلال غريب لكن بعض الناس يأخذ بظاهر اللفظ ولا ينظر إلى النصوص الأخرى الدالة على أن الأضاحي إنما هي من بهيمة الأنعام لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)

وفي الحديث أيضاً أن الملائكة تستمع إلى الخطبة فبينما هي على أبواب المساجد مساجد الجمع فإنه إذا جاء الإمام تركت الكتابة وأنصتت للخطبة فإن قال قائل أي فائدة للملائكة بسماع الخطبة؟ قلنا إن وجودهم بركة وخير ويكون هذا من باب زيادة النعمة على مصلي الجمعة أن الملائكة تحضر وتستمع ثم هي إذا سمعت تعظيم الله عز وجل في هذه الخطبة وتلاوة آياته وموعظة المسلمين لا شك أنهم يزدادون إيماناً وإن كانوا هم على أعلى ما يكونوا من الإيمان لكن كلما قوي الإيمان كان أكمل.

وفيه أيضاً في الحديث تسخير الله عز وجل لبني آدم الملائكة تسخر لهم تقف على أبواب المساجد تكتب كل من جاء الأول فالأول يعني كأنهم جنود جندهم الله عز وجل ليكتبوا الأول فالأول.

ص: 220

وفي هذا دليل على أن الخطبة تسمى ذكراً ونستفيد من هذه الفائدة وجوب حضور الخطبة واستماعها لقول الله تعالى (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) فنقول (إلى ذكر الله) أي إلى الخطبة فيستدل به على وجوب حضور خطبة الجمعة والاستماع إليها.

وفي حديث علقمة مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه دليل على حرص الصحابة على التقدم في الجمعة وعلى تأسفهم إذا وجدوا غيرهم قد سبقهم لقول ابن مسعود (رابع أربعة) كأنه انتقد نفسه وأحب أن يكون هو الأول والمراد تقدم الإنسان في نفسه لا بمنديله ولا بكتابه ولا بكرسي المصاحف كما يفعل بعض الناس اليوم تجده يضع المنديل بعضهم يضع المسواك بعضهم يضع المفاتيح وما أبلغ أمنه إذا وضع المفاتيح لأنه يخشى أن يأتي إنسان يأخذ المفاتيح ويقول الحمد لله مفتاح سيارة ومفتاح باب لكن مع ذلك عندهم قوة أمن فالمراد بالتقدم إلى الجمعة أن يتقدم الإنسان بنفسه ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله في جواز وضع الشيء في المكان ليحجزه لنفسه؟ فمنهم من أجاز ذلك ومنهم من منعه فمن أجازه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم أذن ببناء الخيمة في المسجد وهذا نوع من الحجز لأن مكان الخيمة لن يصلي فيه أحد ولن يستقر فيه إلا صاحبه ومنهم من منع ذلك وقال إنه لا يجوز وأن هذا تحجر لمكانٍ غيرُه أحق به منه والراجح التفصيل في هذا أنه إذا وضع هذا الشيء ليحجز به المكان وهو قد خرج من المسجد لعذر وسيعود بعد انتهاء عذره فإن هذا لا بأس به لحاجة الإنسان إلى الخروج وإن كان وضع هذا المكان وخرج إلى بيته وأهله ومتجره فهذا جناية على من سبق لأنه أحق بهذا المكان منه.

السائل: الذي ذكرته في زيادة الساعة الأولى قال محقق الكافي طبعة دار الفكر الشيخ سليم يوسف وهذه الزيادة انفرد بها مالك في الموطأ والحديث منسوب للشيخين وهذه الزيادة ليست عندهما فلم نثبتها في المتن وليست عندنا في الأصل.

ص: 221

الشيخ: لكن إذا قيل كيف نعرف أنها الأولى؟ نقول لأنه لما قال ومن راح في الثانية فيكون قوله من راح يعني في الأولى ومن راح يعني في الثانية فهو وإن لم تكن موجودة لفظاً فبقية الحديث يدل عليها.

القارئ: ويستحب أن يأتيها ماشياً ليكون أعظم للأجر وعليه سكينة ووقار لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تأتوا الصلاة وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والوقار) متفق عليه ويقارب بين خطاه لتكثر حسناته.

الشيخ: أما كون الأفضل أن يأتيها ماشياً فكما قال المؤلف رحمه الله لأجل أن ينال أجر الخطا.

وأما قوله رحمه الله ويقارب بين خطاه ففي هذا نظر لأن المقاربة بين الخطا أمر يقصد ولو كان من الأمور المشروعة لبينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم (لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة ويحط بها عنه خطيئة) فالمراد الخطوة المعتادة وأما أن يقصر خطاه بزيادة الأجر ففي هذا نظر ظاهر.

وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (عليكم السكينة والوقار) الفرق بينهما أن الوقار في الظاهر والسكينة في الباطن قال الله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) فيكون ساكن القلب مطمئناً وقوراً بحيث لا يتحرك حركات تخالف الوقار والمروءة.

فصل

القارئ: ويستحب أن يغتسل ويتطيب ويتنظف بقطع الشعر وقص الظفر وإزالة الرائحة لما روى أبو سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج) فلا يفرق بين اثنين ثم صلى ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) رواه البخاري.

الشيخ: قوله يستحب أن يغتسل سيأتي رواية أخرى عن أحمد أن الغسل واجب وقوله ويتطيب بماذا يتطيب؟ بالطيب البخور أو الدهن والدهن أبقى.

ص: 222

وقوله ويتنظف بيَّن التنظيف بقوله بقطع الشعر وقص الظفر وإزالة الرائحة، قطع الشعر الذي يسن قطعه مثل الشارب والأبط والعانة ولا تترك هذه الأشياء الثلاثة فوق أربعين يوماً لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقتها ولو جعل الإنسان لنفسه موعداً معيناً حتى لا ينسى لكان حسناً مثل أن يتخذ أول جمعة في الشهر أو آخر جمعة أو ثاني جمعة أو ثالث جمعة من كل شهر لا تعبداً لله بهذا التوقيت ولكن لأجل أن لا ينسى لأن الإنسان إذا ترك التوقيت نسي فزاد على أربعين إلا إذا طال الشعر أو الظفر قبل الأربعين فتزال من حيث تطول.

القارئ: وعنه أن الغسل واجب لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (غسل الجمعة واجب على كل محتلم والسواك وأن يمس طيبا) رواه مسلم.

الشيخ: المؤلف رحمه الله أخطأ في هذا الحديث من وجهين الوجه الأول أنه قال لما روي وهذه صيغة تدل على التضعيف.

الثاني أنه قال رواه مسلم مع أن الجملة الأولى منه (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) قال في البلوغ إنه أخرجها السبعة كل أصحاب السنن والصحيح أخرجوها البخاري ومسلم والإمام أحمد كلهم أخرجوا هذا الحديث (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) وهذا هو الصحيح أنه واجب ويدل عليه أمور الأول لفظ (واجب) صريح في الوجوب وقد صدرت من أعلم الخلق بالشرط ومن أعلم الخلق بما يقول ومن أعلم الخلق بمدلولات الألفاظ ومن أفصح الخلق ومن أنصح الخلق فلا يمكن أن يطلق مثل هذا اللفظ وهو يريد من الأمة أن يدعوه إذا شاؤوا فهو صريح في الوجوب ومعلوم أن هذه العبارة لو وجدت في مصنف من المصنفات للفقهاء ما شك القارئ أن المصنف يرى أنه واجب فكيف وقد صدرت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ص: 223

الثاني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) والأصل في الأمر الوجوب لأن الله هدد المخالف فقال (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الثالث أن الصحابة فهموا الوجوب فإن عثمان بن عفان رضي الله عنه أتى وعمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة وكأنه عرَّض به فقال والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن توضأت ثم أتيت فقال والوضوء أيضاً وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) فلامه على ذلك ولا موجب لصرفه عن الوجوب ليس فيه إلا حديث سمرة المرسل الركيك اللفظ وهو قوله (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل) هذا الكلام بمجرد ما تسمعه تكاد تجزم أنه لم يخرج من مشكاة النبوة كلام ركيك وبعيد أن يكون الرسول قد قاله عليه الصلاة والسلام على ما في الخلاف من حديث الحسن عن سمرة ونقول أيضاً إيجاب ذلك على الناس أحوط من عدم الإيجاب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه).

فإن قال قائل هل وجوبه كوجوب الغسل من حدث بحيث لو لم يفعل لم تصح صلاته؟ فالجواب لا لأن الصحابة يكاد يكون إجماعاً بينهم في قصة عمر أنه أي الاغتسال ليس بشرط لصحة الصلاة بل هو واجب للصلاة وليس شرطاً فيها.

فإن قال قائل وهل يجزئ الغسل بعد الصلاة؟ فالجواب لا لأن الغسل للجمعة أي لصلاة الجمعة وإذا انتهت الصلاة فلا فائدة من الغسل لأنه انتهى المقصود.

ص: 224

أما السواك وأن يمس طيباً فهذا ليس بواجب بالاتفاق على أن أحد رواته ونسيت من هو وأظنه أبا سعيد قال أما الغسل فواجب وأما السواك فلا أدري وكأنه توقف لأن السواك لا يحصل به من التنظيف كما يحصل من الاغتسال ويتأكد الاغتسال في أيام الصيف وأيام الحر التي يكثر فيها العرق وتفوح الرائحة ولهذا توسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال إن غسل الجمعة واجب على من فيه رائحة لا تزول إلا بالاغتسال لكن العموم أولى أعني عموم الوجوب أولى من القول بالتقييد.

السائل: ما إذا كانت الرائحة طبيعية لا يمكن أن تزول بالغسل؟

الشيخ: إذا كانت الرائحة طبيعة فلا يمكن أن تزول بالغسل لكن من الممكن أن يدهن بأطياب قوية تخفف الرائحة لأنه يوجد أطياب لها رائحة قوية تخفف الرائحة.

السائل: بعض العطور التي يضعها الرجل قد تؤذي رجلاً آخر؟

الشيخ: إذا كان يؤذي أكثر الناس فلا يستعمله.

القارئ: والمذهب الأول لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل) قال الترمذي هذا حديث حسن والخبر الأول أريد به تأكيد الاستحباب ولذلك ذكر فيه السواك والطيب وليسا واجبين.

الشيخ: هذا غير مسلم ليسا واجبين وإذا سلمنا بإجماع العلماء يعني مثلا بأن العلماء أجمعوا على أن السواك والطيب غير واجبين فنقول خرج هذا بالإجماع أنه ليس بواجب ودلالة الاقتران ضعيفة ولم يقل بها إلا نفر قليل من العلماء ولهذا كان القول الصحيح أن الخيل حلال وإن كانت مقرونة في القرآن بالحمير والبغال.

القارئ: ووقت الغسل بعد الفجر لقوله (يوم الجمعة) والأفضل فعله عند الرواح لأنه أبلغ في المقصود ولا يصح إلا بنية لأنه عبادة.

ص: 225

الشيخ: قوله رحمه الله وقت الغسل بعد الفجر هذا فيه احتمال لا شك لأن اليوم الشرعي يدخل بطلوع الفجر لكن لو أخره إلى ما بعد طلوع الشمس لكان أحسن لأنه إذا أخره حتى طلوع الشمس كان اغتساله في اليوم قطعاً وقبل طلوع الشمس أمر مشكوك فيه.

وقوله ولا يصح إلا بنية لأنه من العبادة وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما الأعمال بالنيات).

القارئ: فإن اغتسل للجمعة والجنابة أجزأه وإن اغتسل للجنابة وحدها احتمل أن يجزئه لقوله عليه السلام (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة) ولأن المقصود التنظيف وهو حاصل واحتمل أن لا يجزئه لقوله عليه السلام (وليس للمرء من عمله إلا ما نواه).

الشيخ: الظاهر أنه روى الحديث بالمعنى (ليس للمرء من عمله إلا ما نواه) لأنه قريب من معنى (وإنما لكل امرئ ما نوى) والذي يظهر أنه يجزئ إذا نوى عن الجنابة وغاب عن ذهنه نية الغسل للجمعة فإنه يجزئه.

لكن لو نوى للجمعة دون الجنابة هل يجزئه أو لا؟ لا يجزئه لأن غسل الجنابة عن حدث ولابد من رفعه بالنية وغسل الجمعة تنظيف وليس عن حدث ولا يجزئ الأدنى عن الأعلى.

لو نواهما جميعاً؟ صح كما لو نوى بالراتبة تحية المسجد مع الراتبة وإن اغتسل أولاً عن الجنابة ثم عاد واغتسل للجمعة يجزئ أم لا؟ يجزئ بل قال الفقهاء إنه أكمل أن يغتسل للواجب أولاً ثم للمسنون ثانياً وقال ابن حزم رحمه الله لا يجزئ أحدهما عن الآخر بل لابد أن يغتسل أولاً للجنابة ثم ثانياً للجمعة وبناءً على هذا يكون إعادة الغسل مرتين يكون أحوط من وجه آخر إتقاءً لهذا القول الذي ذهب إليه ابن حزم وإن كنا نرى أنه قول ضعيف لكنه قد قيل.

وأما قول المؤلف لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة) فقد سبق أن معناه كغسل الجنابة.

فصل

ص: 226

القارئ: وإذا أتى المسجد كره له أن يتخطى الناس لقوله عليه السلام (ولم يفرق بين اثنين) إلا أن يكون إماماً ولا يجد طريقا فلا بأس بالتخطي لأنه موضع حاجة ومن لم يجد موضعاً إلا فرجة لا يصل إليها إلا بتخطي الرجل والرجلين فلا بأس فإن تركوا أول المسجد فارغاً وجلسوا دونه فلا بأس بتخطيهم لأنهم ضيعوا حق نفوسهم وإن ازدحم الناس في المسجد وداخله اتساع فلم يجد الداخل لنفسه موضعاً فعلم أنهم إذا قاموا تقدموا جلس حتى يقوموا وإن لم يرجو ذلك فله تخطيهم لأنه موضع حاجة.

الشيخ: قول المؤلف رحمه الله كره أن يتخطى الناس في الاقتصار على الكراهة نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتخطى الناس فقال له (اجلس فقد آذيت) والأمر للوجوب ولا سيما أنه علل ذلك بالأذية وأذية المسلمين محرمة ولا سيما إذا كان ذلك في وقت الخطبة فإنه مع أذيتهم بالتخطي يوجب أن تنشغل قلوبهم عن استماع الخطبة.

أما ما ذكره من الإمام إذا لم يكن له باب من قبلة المسجد فنعم لأن تخطيه لحاجة وأما ما ذكره ممن رأى فرجة تركها من تقدم ففي النفس من هذا شيء لأن ظاهر الحديث في الرجل الذي يتخطى الناس العموم فهي قضية عين تحتمل أن الرجل يتخطى لفرجة ويحتمل أنه يتخطى لعله يجد فرجة لذلك لا نرى أن يتخطى لأجل الفرجة لكن نرى أن من تقدموا فلا ينبغي لهم أن يدعوا فرجاً كما نراه بعض الأحيان تجد في الصفوف الأولى متسعات يعني تكاد تقول كل رجل بينه وبين أخيه ما يسع لرجل آخر وهذا تضييق للمسجد ومنع لغيرهم ممن يأتي ليتخذ مكاناً.

السائل: كيف نجيب على قولهم الذين يقولون إن قوله صلى الله عليه وسلم (واجب) هذا يرد في اللغة العربية كقولهم حافظت علي واجباً ويقولون إن الرسول صلى الله عليه وسلم لسان عربي مبين فهو من أهل اللغة فهو يأتي ما تدل عليه اللغة.

ص: 227

الشيخ: وهل إن كلمة واجب في اللغة لا تأتي إلا للمستحب؟ لا، وما هو الأصل؟ الأصل أنها تأتي للواجب فإذا كان الأصل أن تأتي للواجب فالواجب إجراء النصوص على ظاهرها ثم إن قول حققك علي واجب أولاً من قال إن هذه عبارة موروثة عن العرب قد تكون هذه عبارة عرفية ثم إن حق المسلم على المسلم واجب الأصل فيه الوجوب هذا الأصل ولهذا من استثنى من الحقوق الخمسة التي جمعها الرسول في قوله (حق المسلم على المسلم) خمسة من استثنى واحداً منها بأنه للاستحباب طولب بالدليل.

السائل: من يقول غسل الجمعة لا يرفع الحدث مع أن الغسل واجب وغسل الجنابة واجب وهو يرفع الحدث فكلاهما واجب؟

الشيخ: نعم لكن غسل الجنابة عن حدث فإذا نوى ذلك اختفى، وغسل الجمعة للنظافة ليس عن حدث وأما وجوبه فهو واجب للنظافة فكيف يرفع حدثاً لم ينوه.

القارئ: وليس لأحد أن يقيم غيره ويجلس مكانه لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يقيم الرجل الرجلَ من مقعده ويجلس فيه) متفق عليه وإن قام له رجل من مكانه وأجلسه فيه جاز لأن الحق له لكن إن كان المنتقل ينتقل إلى موضع أبعد من موضعه كره لما فيه من الإثار بالقربى.

ولو قدم رجل غلامه فجلس في موضعه فإذا جاء قام الغلام وجلس مكانه فلا بأس به كان ابن سيرين يفعله وإن فرش له مصلى لم يكن لغيره الجلوس عليه وهل لغيره رفعه والجلوس في موضعه؟ فيه وجهان.

وإن قام الجالس من موضعه لحاجة ثم عاد إليه فهو أحق به لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به) رواه مسلم وإن نعس فأمكنه التحول إلى مكان لا يتخطى فيه أحداً استحب له ذلك لما روى ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه فليتحول إلى غيره) من المسند وهو حديث صحيح.

الشيخ: هذه مسائل في هذا القطعة:

ص: 228

المسألة الأولى أنه لا يجوز أن يقيم غيره ويجلس مكانه واستدل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا يقيم الرجل رجلاً من مقعده ويجلس فيه) متفق عليه والنفي هنا بمعنى النهي وإذا جاء النفي بمعنى النهي فهو أبلغ في الزجر عنه لأن التقدير أن هذا أمر معلوم بحيث صار سجية وطبيعة بأن الإنسان لا يقيم غيره وظاهر كلام المؤلف أنه لا يقيم أخاه الصغير ولا ابنه ولا الصبي الصغير لعموم قوله وليس لأحد أن يقيم غيره ويجلس مكانه وهذا حق أنه لا يجوز أن يقيم الإنسان غيره ويجلس مكانه مهما كان هذا الغير.

المسألة الثانية إذا قام له الرجل من مكانه وأجلسه فيه فهل له أن يقبل؟ الجواب نعم له أن يقبل لأن الحق للجالس الأول فإذا أسقطه فلا بأس.

المسألة الثالثة هل للإنسان أن يقدم غيره في المكان الفاضل ويتأخر إلى المكان المفضول؟ يقول المؤلف إن هذا مكروه لما فيه من الإيثار بالقرب وهذا صحيح يعني لا ينبغي للإنسان أن يوثر غيره بالقربى لأنه سيحتاج إليها إلا إذا ترتب على ذلك مصلحة أكبر مثل أن يؤثر أباه أو أحداً له فضل على الناس بمال أو علم أو ما أشبه هذا ويريد أن يؤثره تشجيعاً له ولغيره فهذا يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل.

المسالة الرابعة إذا قدم أحداً يجلس في مكان فاضل حتى يحضر سواء كان غلامه أو ابنه الصغير أو غيرهما فهل له ذلك؟ يقول المؤلف إنه لا بأس واستدل بفعل ابن سيرين وابن سيرين من التابعين وفعله ليس بحجة وقوله ليس بحجة لأن العلماء اختلفوا في قول الصحابي هل يكون حجة أم لا فضلاً عن قول التابعي ولهذا نرى أن في النفس شيئاً وذلك أن هذا الذي قدم فجلس لم يتقدم لنيل الفضل له وإنما تقدم لنيل الفضل لغيره وغيره ليس له حق أن يتقدم في المكان الفاضل ويتأخر من سبقه بالمجيء فهو يشبه التحجر بقطعة المنديل أو بالسجادة أو ما اشبه ذلك.

ص: 229

المسالة الخامسة هل له أن يفرش شيئاً في مكان ليصلي فيه إذا حضر؟ المذهب أن ذلك جائز وليس لغيره أن يجلس فيه لأن هذا المصلى للذي فرشه ولا يجوز أن يصلي عليه فيتصرف في مال غيره لكن هل للغير أن يرفعه؟ يقول المؤلف إن فيه وجهين: الوجه الأول أن له أن يرفعه لأن هذا وضعه بغير حق والوجه الثاني ليس له أن يرفعه والمذهب أنه ليس له أن يرفعه إلا إذا أقيمت الصلاة ولا شك أنه لو رفعه سوف يكون بينه وبين صاحبه خصومة وشجار وعداوة وينظر كل واحد منهما إلى الآخر نظرة غضب ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح لكن ينصح هذا الرجل الذي يضع مصلى أو غيره يحجزه عن الناس الذين هم أحق به منه ينصح ويقال يا أخي لا تفعل هذا لأنك إذا فعلت حرمت غيرك المكان الفاضل وإذا فعلت فإنك تعتمد على أنك قد وضعت مكاناً لك في مقدم المسجد فتتهاون في الحضور والتقدم كما هو الشأن الآن فيما يشاهد الناس أن الذين يحجزون في الأماكن المتقدمة تجدهم لا يأتون إلا في آخر الناس لأنه يرى أنه قد ضمن لنفسه أن يكون في الصف الأول فيتأخر أما إذا قام من مجلسه لعذر ثم رجع فإنه أحق بمكانه وله أن يقيم من جلس فيه لكن ينغي له إذا خرج لعذر أن يضع في مكانه شيئاً يدل على أنه سيرجع لئلا يجلس فيه أحد فيحصل النزاع إذا رجع وقال قم عن مكاني وكلما حصل به درء المشاجرة بين المسلمين فهو خير.

المسألة الأخيرة إذا نعس فالأفضل أن يتحول إلى مكان آخر واستدل له المؤلف بحديث في المسند وقال إنه حديث صحيح وربما يشهد له أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نام في السفر ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس أمرهم أن يتحولوا إلى مكان آخر فارتحلوا إلى مكان آخر ولكن إذا لزم من هذا أن يتخطى رقاب الناس فنقول له لا تتخطى تبقى في مكانك وتحاول طرد النعاس بالتسوك أو تغيير الجلوس مثلاً أو إذا كان لا يؤثر على من إلى جانبه بالتحدث إليه قليلاً يعني قبل مجيء الإمام المهم أنه يحاول أن يطرد النعاس.

ص: 230

السائل: مجيء الإنسان مبكراً ولكنه متعب ويأتي فيضع مثلاً سجادة أو كتاب في موضعه ثم ينام في غير موضعه لكنه في المسجد؟

الشيخ: ما دام في المسجد فلا بأس.

السائل: إذا قام رجل من مكانه يؤثر رجلاً فهل الأفضل قبول ذلك أم ينصحه أن لا يؤثر غيره؟

الشيخ: يقول إذا آثر غيره فهل الأفضل للمؤثَر أن يقول يا فلان لا تؤثر أحداً في مكانك الفاضل أو أن يقبل تحوله عنه وإيثاره؟ ينظر للمصلحة لأنك لو قلت له إنه لا ينبغي أن تفعل هذا ورددت إيثاره إياك صار في نفسه شيء لأنه ما قام إلا ليكرمك وأنت إذا رددته أهنته فالذي أرى أنك تقبل هذا الإيثار ثم بعد ذلك تنصحه.

فصل

القارئ: ويتستحب الدنو من الإمام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغُ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها) رواه ابن ماجة والنسائي وإن حضر قبل الخطبة اشتغل بالتنفل أو ذكر الله وقراءة القرآن ويكثر من الدعاء لعله يوافق ساعة الإجابة ويكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرأ سورة الكهف لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وقي الفتنة).

فصل

ص: 231

القارئ: فإذا جلس الإمام على المنبر انقطع التنفل فإذا أخذ في الخطبة حرم الكلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت) متفق عليه، وروى ثعلبة بن مالك أنهم كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر جالس على المنبر فإذا سكت المؤذن قام عمر ولم يتكلم أحد حتى يقضي الخطبتين فإذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا وعنه لا يحرم الكلام لما روى أنس قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال يا رسول الله هلك الكراع هلك الشاء فادعو الله أن يسقينا وذكر الحديث متفق عليه والأول أولى وهذا يحتمل أنه في تكليم الخطيب دون غيره لأنه لا يشتغل بتكليمه عن سماع خطبته.

الشيخ: الصواب المتعين في هذا أن الكلام حال خطبة الجمعة محرم ولا إشكال في هذا وأستغرب أن يكون للإمام أحمد رحمه الله رواية في عدم التحريم لأنه رضي الله عنه ورحمه من المتمسكين بالسنة والسنة في هذا واضحة وما أوردوه استدلالاً فإنه لا دليل فيه لأن هذا الرجل يكلم الخطيب فلا يشتغل بتكليمه عن سماع الخطبة إذ أن الخطيب سوف يكلمه ولا يخطب على تكليمه ويستثنى من ذلك ما إذا دعت الضرورة إلى الكلام كما لو تكلم لإنقاذ معصوم من هلكه فإن ذلك جائز مثل أن يرى شخصاً يخشى أن يسقط في بئر أو نحوه فيتكلم فهنا الكلام جائز بل هو واجب لأنه لإنقاذ معصوم.

ص: 232

وهل يتكلم جواباً لسؤال أو رداً لسلام؟ الجواب لا يرد السلام ولكن إذا انتهت الخطبة يقول للمسلم إنه لا يحل لك أن تسلم ولا يحل لغيرك أن يجيبك على سلامك لأن لا يتهمه بالكبرياء وليفهم الحكم فهو إذا أخبره بهذا استفاد فائدتين الفائدة الأولى له والفائدة الثانية لمن لم يجبه الفائدة لمن لم يجبه أنه يدفع عن نفسه تهمة الكبر والفائدة لمن لم يسلم أنه يعرف الحكم حتى لا يعود مرة ثانية ويسلم وهل يسكت المتكلم نقول أما بالاشارة فنعم وأما بالعبارة فلا لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت) واللغو أن لا يدرك أجر الجمعة وعلى هذا فيكون معنى قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ومن لغا فلا جمعة له) يعني أنه لا يدرك فضلها وليس المعنى أن صلاته تبطل بل صلاته صحيحة مجزئة ولا أظن في ذلك خلافاً لكن أجر الجمعة الخاص لا يناله لأنه لغا وفي مسند الإمام أحمد (أن الذي يتكلم والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفاراً والذي يقول أنصت لا جمعة له).

السائل: عندما نسمع ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام في الخطبة فإننا نصلي عليه؟

ص: 233

الشيخ: لو صليت عليه هل هذا كلام أو دعاء؟ دعاء ثبت لوجود سببه فأنت تقول اللهم صلِّ وسلم عليه بحيث لا تشوش على من حولك أو تقول آمين لأن تأمينك على صلاة الخطيب بمنزلة دعائك أنت إذ أن المؤمِّن على دعاء يستمع إليه داعٍ ودليل هذا قوله سبحانه وتعالى في قصة موسى وهارون (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا) والداعي موسى لكن قالوا إن هارون كان يؤمن فقال الله (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا) فأنت إذا سمعت أحداً يصلي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنت تستمع إليه وقلت آمين كفى.

السائل: مما لا شك فيه أن ما وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ولا الصحابة ولا السلف الصالح أنه مخالف للسنة هل ثبت عن السلف أنهم كانوا يرفعون أيديهم بين الخطبتين؟

الشيخ: يقولون ما ثبت بطريق العموم ولم ينقل فعدم النقل ليس نقلاً للعدم ومن المعلوم أن هذه الساعة ساعة إجابة وأن من آداب الدعاء رفع اليدين فإذا رفع أحد يديه فإننا لا ننكر عليه لأن هذا الوقت وقت إجابة وهذا هو الذي يتبين به إطلاق أن عدم النقل ليس نقلاً للعدم معناه ما ثبت بعموم أو نحوه فلا يحتاج إلى أن ينقل العمل به لأن الأصل أنهم يعملون به ويقال عدم النقل ليس نقلاً للعدم نعم لو نقل أنهم لا يفعلون حينها نقول لا تفعل ادعو الله بدون رفع اليدين كما تقول ربي اغفر لي في الصلاة وأنت لا ترفع يديك.

السائل: ما حكم رفع اليدين في الخطبة؟

ص: 234

الشيخ: رفع اليدين في الخطبة أنكره الصحابة على بشر بن مروان لكن قد ثبت رفع اليدين في الخطبة في حال الاستسقاء وفي حال الاستصحاء وفي غير ذلك لا تُرفع الأيدي لا الخطيب ولا المستمع.

السائل: ذكر بعض العلماء أنه إذا ورد النص العام فإنه لا يعمل بجزء منه إلا إذا ثبت عن السلف العمل به؟

الشيخ: نعم هذه قاعدة مهدومة لأن الأصل هو العمل والأصل أن العام شامل لجميع أفراده لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر التشهد (وعلى عباد الله الصالحين) قال (إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض).

القارئ: والبعيد والقريب سواء في ذلك وقد روي عن عثمان أنه قال إن للمنصت الذي لا يسمع من الخطبة مثل ما للسامع إلا أن للبعيد أن يذكر الله ويقرأ القرآن سرا وليس له الجهر ولا المذاكرة في الفقه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة والإمام يخطب وروى أبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة.

ص: 235

الشيخ: يقول رحمه الله القريب والبعيد في هذا سواء يعني كل من في المسجد لا يجوز لهم الكلام لكن من لم يسمع فله أن يذكر الله عز وجل أو يسبح أو يقرأ القرآن أو يطالع في الفقه بشرط أن لا يشوش على غيره فإن شوش على غيره فإنه يمنع ربما يكون مثلاً إنسان يقلب الكتاب ويسمع له صوت ويشوش على الناس فهذا يمنع ولو كان بعيداً ثم إن المؤلف رحمه الله استدل بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التحلق يوم الجمعة في اللفظ الأول التحلق والإمام يخطب وفي الثاني التحلق قبل الصلاة فيحتمل أنه أراد بما قبل الصلاة وقت الخطبة ويحتمل أنه أراد ما هو أوسع يعني حتى ما قبل ذلك فإن كان الأول فالنهي ظاهر لأن الناس إذا تحلقوا والإمام يخطب غفلوا عما يقول الخطيب وإن كان الثاني فإنه يحمل على ما إذا كان التحلق يضيق على من سبق إلى المسجد لأن يوم الجمعة يتقدم الناس فإذا كان هناك تحلق فإنه يضيق على المصلين الذين قدموا للجمعة من وجه وربما يشوش عليهم بالأصوات من وجه آخر فلهذا نهى عن التحلق أما لو كان هناك حلقة بعد صلاة الفجر يوم الجمعة وتنتهي قبل أن يبدأ حضور الناس فهذه لا نهي فيها.

القارئ: ومن يسمع متكلماً لم ينهه بالقول للخبر ولكن يشير إليه ويضع أصبعه على فيه وإن وجب الكلام مثل تحذير ضرير شيئاً مخوفاً فعليه الكلام لأنه لحق آدمي فكان مقدماً على غيره ومن سأله الإمام عن شيء فعليه إجابته لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الداخل (أصليت) فأجابه وسأل عمر عثمان فأجابه.

الشيخ: إن سأله الإمام يقول فعليه الإجابة وجوباً أو استحباباً؟ إن كان الإمام ممن يصر على ما يتكلم به فإجابته واجبة لأنه لو لم يجبه لأعاد عليهم الطلب مرة ثانية وربما زجره وإن كان الإمام من أهل اليسر والتسهيل فإن الإجابة لا تجب إلا إذا ترتب على ذلك مصلحة عامة كما لو انقطع تيار الكهرباء مثلاً أو مكبر الصوت وقال يا فلان أصلح هذا فهنا قال يجب أن يجيبه لأن لا تتعطل المصلحة.

ص: 236

قصة عمر مع عثمان ما هي؟ تأخر وقال أيضاً لم أزد على أن توضأت فقال له عمر والوضوء أيضاً وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل).

القارئ: وفي رد السلام وتشميت العاطس روايتان إحداهما يفعله لأنه لحق آدمي فأشبه تحذير الضرير والأخرى لا يفعله لأن المُسلِّم سَلَّم في غير موضعه والتشميت سنة لا يترك لها الإنصات الواجب.

الشيخ: الصحيح أنه لا يجوز لا رد السلام ولا تشميت العاطس ولو حمى وذلك لأن الاستماع إلى الخطبة أهم وإذا كان من نهى عن منكر يلغو فهذا مثله وكما قال المؤلف المسلِّم سلَّم في غير وقت تسليم لأن هذا وقت لا يسلم فيه على أحد.

القارئ: ولا يتصدق على سائل والإمام يخطب وإذا لم يسمع الخطبة فلا بأس أن يشرب الماء.

الشيخ: وإن كان يسمع ظاهر كلام المؤلف أنه لا يشرب لكن يقال إن احتاج وعطش عطشاً يشغله عن استماع الخطبة فلا بأس أن يقوم ويشرب.

فصل

في كلام الخطيب

القارئ: ولا يحرم الكلام على الخاطب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكلم وعمر سأل عثمان أية ساعة هذه فإذا وصل الخطيب إلى الدعاء ففيه وجهان أحدهما يباح الكلام لأنه فرغ من الخطبة والثاني لا يباح لأنه تابع للخطبة أشبه التطويل في الموعظة.

الشيخ: الوجه الثاني هو الصحيح أنه ما دام الخطيب لم يسكت فإن الواجب الإنصات.

وظاهر كلام المؤلف لا يحرم الكلام مع الخاطب فللخاطب أن يتكلم بما شاء متى شاء وليس كذلك بل لا يتكلم إلا لمصلحة أو حاجة حتى الخطيب لا يتكلم إلا لمصلحة أو حاجة فأما لدون مصلحة أو حاجة فلا يجوز أن يتكلم فلو دخل أحد قد أوصاه الخطيب بشيء فلما دخل قال له اشتريت الذي وصيتك عليه وهو يخطب هذا لا يصح لكن لحاجة أو مصلحة لا بأس.

فصل

ص: 237

القارئ: ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يركع ركعتين يوجز فيهما لما روى جابر قال دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب قال (صليت يا فلان) قال لا قال (فصلِّ ركعتين) متفق عليه زاد مسلم ثم قال (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما).

الشيخ: هذا الحديث استدل به بعض العلماء على وجوب تحية المسجد وعلل ذلك بأن الانشغال في التحية يستلزم الانشغال عن سماع الخطبة وسماع الخطبة واجب ولا ينشغل عن واجب إلا بواجب وفيه أيضاً دليل على تقديم الواجب على السنة والمستحب لقوله (وليتجوز فيهما) لأن الأمر بالتجوز من أجل التفرغ لاستماع الخطبة مع أن تطويل الإنسان في صلاة النفل بكثرة الدعاء والقراءة أفضل لكن لهذا العارض أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتجوز فيؤخذ من هذا القاعدة المعروفة أن الواجب مقدم على النفل إذا كان من جنسه أما إذا كان من غير جنسه فله تفصيلات.

فصل

القارئ: ويسن أن يصلي بعد الجمعة أربعا لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصلِّ بعدها أربعا) رواه مسلم وإن شاء صلى ركعتين لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين متفق عليه وإن شاء صلى ستا لأن ابن عمر روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله.

ص: 238

الشيخ: هذه ثلاث صفات ركعتان وأربع وست لكن الرواية الثانية عن ابن عمر تحتاج إلى تخريج لأن المعروف أنه كان يصلي ركعتين في بيته فمن العلماء من قال إنه مخير كما مشى عليه المؤلف ومنهم من قال يسن ركعتان فقط ومنهم من قال يسن أربع ركعات ومنهم من قال إن صلاها في المسجد فأربع وإن صلاها في البيت فركعتان قال لأن السنة الفعلية أن الرسول صلى في البيت ركعتين والسنة القولية قال (فليصلِّ بعدها أربعاً) فيحمل هذا على ما إذا كان في المسجد وأما في البيت فلا يزيد على ما صلاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا شك أن الأحوط أن يصلي أربعاً سواءً في البيت أو في المسجد لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم مقدم على فعله وبعض العلماء قال يصلي ستاً لا لهذا الحديث الذي أشار إليه المؤلف حديث ابن عمر ولكن قال نجمع بين القول والفعل فالقول أربع والفعل ركعتان والجميع ست ركعات والأمر في هذا واسع لكن الذي تطمئن إليه النفس أنه يصلي أربعا سواءً في المسجد أو في بيته إلا إذا صح حديث ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي ستاً فالأخذ بالأكثر هو الأفضل.

القارئ: ويستحب أن يفصل بين الجمعة والركوع بكلام أو رجوع إلى منزله لما روى السائب بن يزيد قال قال لي معاوية إذا صليت صلاة الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بذلك رواه مسلم.

ص: 239

الشيخ: نعم فيسن أن يفصل بين الفرض وسنته سواءً الجمعة وغير الجمعة بكلام أو انتقال من مكانه أما الكلام فصريح (حتى تتكلم أو تخرج) وأما الانتقال من المكان فلأنه يحصل به الفصل بين الفرض والسنة إلا إذا كان لا مكان مثل أيام الزحام في المسجد الحرام والمسجد النبوي فلا بأس أن يصلي في مكانه على أن الأفضل أن يصلي الإنسان النوافل في البيت حتى في المسجدين المسجد الحرام والمسجد النبوي لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي النوافل في بيته وقال (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة).

السائل: هل الكلام هنا التسبيح أو كلام الآدميين؟

الشيخ: الظاهر والله أعلم أنه ما يحصل به التمييز سواءً كان تسبيحاً طويلاً أو كلام آدميين يعني يطول التسبيح ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم يقوم يصلي.

فصل

القارئ: ويستحب أن يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة (الم (1) تَنْزِيلُ) و (هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة (الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ) و (هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) رواه مسلم قال أحمد ولا أحب أن يداوم عليها لأن لا يظن الناس أنها مفضلة بسجدة.

ص: 240

الشيخ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهاتين السورتين كاملتين لأن فيهما مبدأ خلق الإنسان وأحواله ومنتهاه فيذكر الناس يوم الجمعة ببدء الخلق لأن يوم الجمعة بدء فيه خلق آدم وبأحوالهم وبمنتهى أمرهم لأن يوم الجمعة تقوم فيه الساعة لا لأن تنزيل فيها السجدة ولهذا يغلط بعض الأئمة يظن أن فجر يوم الجمعة يسن فيه السجدة بأي سورة وهذا غلط كما أن بعض الأئمة يفصل إحدى السورتين إما سورة السجدة وإما سورة الإنسان وهذا أيضاً غلط كما أن بعضهم يقرأ نصف (الم تنزيل) السجدة ونصف (هل أتى) وهذا أيضاً غلط فيقال إما أن تفعل السنة كما وردت وإما فاقرأ ما تيسر لك أما أن تفصم عرى السنة وتقسم ظهرها فهذا لا يليق بك فإما أن تقرأ السورتين كاملتين وإما أن تدعهما وتقرأ غيرهما وأما قول الإمام أحمد لا أحب أن يداوم ففيه نظر لأنه قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يديم ذلك وخشية ظن الناس أنها مفضلة بسجدة أو أن هذا أمر واجب هذا يزول بما إذا أخلف الإنسان في السنة مرة أو في الشهر مرة أو قال للناس أنه ليس بواجب.

السائل: المسبوق في فجر الجمعة وفاتته ركعة هل يقرأ الإنسان أم السجدة؟

الشيخ: لا يقرأ السجدة لأنها فاتته السجدة إنما شرعت في الركعة الأولى وهذا الداخل فاتته الركعة الأولى إلا على قول من يقول إنما يقضيه أول صلاته فيقرأها وعلى هذا فيقرأ ما تيسير.

فصل

القارئ: فإذا اتفق عيد في يوم جمعة فصلوا العيد لم تلزمهم الجمعة ويصلون ظهرا لما روى زيد ابن أرقم قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم فصلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال (من شاء أن يجمِّع فليجمِّع) وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون إن شاء الله) رواهما أبو داود.

ص: 241

وتجب الجمعة على الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنا مجمعون) ولأن تركه لها منع لمن يريدها من الناس وعنه لا يجب لأن ابن الزبير لم يصلها وكان إماماً ولأن الجمعة إذا سقطت عن المأمومين سقطت عن الإمام كحالة السفر فإن عجل الجمعة في وقت العيد أجزأته عن العيد والظهر في ظاهر كلامه لما روى عطاء قال اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال عيدان قد اجتمعا في يوم واحد فجمعهما وصلاهما ركعتين فلم يزد عليهما حتى صلى العصر وبلغ فعله ابن عباس فقال أصاب السنة.

ص: 242

الشيخ: إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد فتصلى العيد في وقتها والجمعة في وقتها هكذا جاءت السنة كما ثبت في صحيح مسلم من حديث النعمان بن بشير هذا بالنسبة للإمام يصلي العيد والجمعة وأما غير الإمام فمن حضر العيد سقط عنه حضور الجمعة سقوط حضور لا سقوط وجوب بمعنى أنه لو حضر لعد من أهل الجمعة ومن أهل وجوبها وانعقدت به الجمعة ومن لم يحضر وجب عليه حضور الجمعة لئلا يفوته عيد ولكن من حضر صلاة العيد وقلنا لا يجب عليك حضور الجمعة فهل يصلي الظهر أو لا؟ قال بعض العلماء لا يجب عليه صلاة الظهر والصحيح أن الظهر تجب عليه لأن الظهر صلاة أوجبها الله تعالى بالزوال وجعل الجمعة تحل محلها في وقتها فإذا لم يصلها هذا الرجل وجب عليه أن يصلي الظهر لأن سبب فرضها وهو الزوال قائم فوجب عليه أن يصلي فالصواب في هذه المسألة أن نقول الإمام يجب عليه أن يصلي صلاة العيد وصلاة الجمعة ومن حضر معه صلاة العيد فهو بالخيار إن شاء حضر الجمعة وإن شاء لم يحضر ولكن يجب عليه أن يصلي الظهر ولو قدمت الجمعة في وقت صلاة العيد فالمذهب تجزئ لأن وقتها يدخل من ارتفاع الشمس قيد رمح أعني وقت الجمعة فإذا قدمها فلا بأس لكن يلزم من ذلك أن تكون الخطبة قبل الصلاة بخلاف صلاة العيد فإن الخطبة تكون بعدها وهذا المذهب وأما على رأي الجمهور وهو أن الجمعة لا تصح إلا بعد الزوال فإنها لا تتأتى هذه الصورة أي أن يقدم الجمعة في مكان العيد لأن الجمعة لا تصح إلا بعد الزوال والأقرب أن يقال كما أشرنا أولاً تصلى العيد في وقتها والجمعة في وقتها ومن حضر العيد فهو بالخيار بالنسبة للجمعة لكن تجب عليه صلاة الظهر.

السائل: من حضر العيد ولم يحضر الجمعة فكيف تصلى الظهر؟

الشيخ: لا تقام الجماعة في المساجد يصلونه في بيوتهم لأن إقامة الجماعة في المساجد هذه يحصل فيها تضارب وخلاف، وإن شاء الله يحصل بذلك أجر الجماعة ما دام أسقطه الله عنه.

ص: 243

السائل: رجل صلى في فجر الجمعة بالسجدة والإنسان فأنكر عليه رجل وقال لا تقرأ بهما لكي تخفف على الناس فما رأيكم؟

الشيخ: نحن نقول أتمها وقوله من أجل التخفيف على الناس نقول لا أحد أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال أنس بن مالك ما صليت وراء إمامٍ قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكان الصحابة يقرؤون بسورة يوسف وسورة المؤمنين وغيرها من السور الطوال فمن أتى بالسنة فهو مخفف مهما كان والذي يثقل على الناس هو من أتى بما يخالف السنة أما من أتى بالسنة فهي خفيفة.

السائل: أيهما أفضل الخطبة مع التقصير في القراءة أم تقصير الخطبة وتطويل القراءة ما السنة في ذلك؟

الشيخ: قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه) تقصير الخطبة أفضل أولاً دفع المشقة عن الناس والثاني إذا كانت الخطبة قصيرة وعاها الناس وأحاطوا بها وإذا كانت طويلة لا سيما إن كانت المواضيع مختلفة تشتت على الناس أما الصلاة فكلما طال وقوف الإنسان بين يدي الله وطالت مناجاته مع الله فهو أفضل لا شك.

السائل: في بعض الأماكن ربما لا يسمح في المسجد تقام فيه موعظة إلا يوم الجمعة في الخطبة؟

الشيخ: قصر قصر أحسن صحيح بعض الناس يقول الخطيب يقعد ساعة في الخطبة أو ساعة وربع لماذا يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أعوذ بالله هذا خلاف السنة تماماً.

السائل: إذا دعا الإمام في الخطبة فالعوام عموماً يأمنون من وراء الخطيب هل نقول يحرم كلامهم؟

ص: 244