المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الشيخ: إذا علمت أن الإمام يستعجل فالواجب عليك المفارقة أصلاً - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٢

[ابن عثيمين]

الفصل: الشيخ: إذا علمت أن الإمام يستعجل فالواجب عليك المفارقة أصلاً

الشيخ: إذا علمت أن الإمام يستعجل فالواجب عليك المفارقة أصلاً لأنك لا يمكن المتابعة مع القيام بالأركان فأنت إما أن تفوت المتابعة وإما أن تفوت الأركان فنقول فارقه لأنه إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام أجاز من فارق إمامه للتطويل فمن فارق إمامه للإخلال بالأركان من باب أولى.

السائل: ما الفرق في المعنى في قولنا أنها ركعة ملفقة أو أنها فاتته؟

الشيخ: الفرق بينهما أننا إذا قلنا ركعة ملفقة معناه أنه وافق الإمام في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية أما من حيث القضاء فلابد من القضاء لا نقول إنه لما وصل الإمام إلى مكانه فإنها تبطل الصلاة بل نقول تبقى ركعة ملفقة.

‌باب

صفة الأئمة

القارئ: الكلام فيها في ثلاثة أمور أحدها صحة الإمامة والناس فيها على خمسة أقسام أحدها من تصح إمامته بكل حال وهو الرجل المسلم العدل القائم بأركان الصلاة وشرائطها فتصح إمامته وإن كان عبداً لأن أبا ذر وابن مسعود وحذيفة وناساً من أصحاب رسول الله قدموا أبا سعيد مملوكاً لأبي أسيد فصلى بهم ولأنه من أهل الأذان لهم فأشبه الحر.

الشيخ: قوله وهو الرجل المسلم إلى آخره إذا قال قائل أليست المرأة أيضاً تصح إمامتها؟ فيقال تصح إمامتها في النساء دون الرجال والكلام الآن على من تصح إمامته بكل حال بمن كانوا من جنسه ومن لم يكونوا من جنسه والرجل احترازاً من المرآة واحترازاً من الصغير، والمسلم احترازاً من الكافر، والعدل احترازاً من الفاسق، القائم بأركان الصلاة وشرائطها احترازاً من العاجز عنها كالذي لا يستطيع القيام أو لا يستطيع الركوع أو عاري يؤم مستورين أو ما شابه ذلك.

ص: 73

القارئ: وتصح إمامة الأعمى لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى رواه أبو داود، ولأن العمى فقد حاسة فأشبه فقد الشم وتصح إمامة الأصم لذلك فإن كان أصم أعمى فقال بعض أصحابنا لا تصح إمامته لأنه قد يسهو فلا يمكن تنبيهه والأولى صحتها لأنه لا يخل بشيء من واجبات الصلاة والسهو عارض فلا يبطل الصلاة احتمال وجوده كالجهل بحكم السجود.

الشيخ: وهذا هو الصحيح أن الإنسان الأصم الأعمى تصح إمامته لكن لاشك أنه إذا كان سميعاً بصيراً فهو أولى.

القارئ: وتصح إمامة ولد الزنا والجندي والخصي والأعرابي إذا سلموا في دينهم لدخولهم في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم) وتصح إمامة المتيمم بالمتوضئ لأن عمرو بن العاص صلى بأصحابه متيمما وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ولم ينكر عليه ولأن طهارته صحيحة أشبه الماسح.

السائل: لماذا خص بالذكر ولد الزنا والجندي والخصي والأعراب في سلامة الدين؟

الشيخ: ولد الزنا لأنه قد يكون شؤم أبيه يلحقه والجندي كما تعرف الغالب على الجنود أنهم يتساهلون في بعض الأشياء والخصي لأن فيه نقصاً في الخلقة وليس كالرجل الكامل ولهذا لا يلقح والأعرابي واضح، نص المؤلف على هذا لأن بعض العلماء يقول ما تصح إمامتهم وإلا المسألة واضحة.

فصل

القارئ: القسم الثاني من لا تصح إمامته وهم نوعان أحدهما من لا تصح صلاته لنفسه كالكافر والمجنون ومن أخل بشرط أو واجب لغير عذر فلا تصح إمامته بحال لأنه لا صلاة له في نفسه أشبه اللاعب إلا في المحدث والنجس إذا لم يعلم هو والمأموم حتى فرغوا من الصلاة.

الشيخ: المأموم المراد به الجنس هنا فيشمل الواحد والمتعدد.

ص: 74

القارئ: إذا لم يعلم هو والمأموم حتى فرغوا من الصلاة أعاد وحده لما روي عن عمر أنه صلى بالناس الصبح ثم خرج إلى الجرف فأهراق الماء فوجد في ثوبه احتلاماً فأعاد ولم يعد الناس وروى الأثرم نحو هذا عن عثمان وعلي وابن عمر ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعا ولأن هذا مما يخفى فكان المأموم معذوراً في الاقتداء به والنجاسة كالحدث لأنها مما تخفى ولا يعفى عن سائر الشروط لأنها ليست من مظنة الخفاء.

ص: 75

الشيخ: هذا القسم الثاني ممن لا تصح إمامته وهم نوعان أحدهما من لا تصح صلاته لنفسه كالكافر فمن لا تصح صلاته لنفسه لا تصح إمامته لغيره فالكافر لو كان إماماً فإنه لا تصح إمامته لكن إذا كان كافراً لا علامة على كفره وصلى بأناس فإن صلاتهم صحيحة لأنهم معذورون بخفائه كما لو أنه رجل ينكر الإيمان باليوم الآخر ولا يعترف به لكنه أمام الناس يصلي فهذا لا تصح إمامته لمن كان عالماً بحاله وأما من كان جاهلاً فإنه معذور تصح وظاهر كلام المؤلف أنها لا تصح مطلقاً وأنه متى علم أنه كافر وجبت عليه الإعادة وفي هذا نظر الصواب أن الجاهل بحال الإمام ليس عليه شيء كذلك المجنون كيف المجنون هل أحد يريد أن يقدم شخصاً مجنوناً؟ نقول نعم ربما يكون مجنوناً لكنه لا يظهر جنونه لكل أحد ولكن علمنا بعد أن شرع في الصلاة أنه مجنون فهذا ظاهر كلام المؤلف أن إمامته لا تصح بحال والصحيح أن من جهل حاله صحت صلاته خلفه كذلك من أخل بشرط أو واجب لغير عذر مثل أن لا يطمئن أو أن لا يسجد أو أن لا يركع أو أن يدع ما يجب من الذكر كتكبيرة الانتقال والتسبيح والتحميد والتسميع وما أشبه ذلك يقول فلا تصح إمامته بحال لأنه لا صلاة له في نفسه أشبه اللاعب إلا المحدث والنجس إذا لم يعلم هو والمأموم حتى فرغوا من الصلاة فإنه يعيد وحده وأما المأموم فلا وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لو علم المحدث بحدثه في أثناء الصلاة وجب عليه الإعادة ووجب على المأموين معه وهذا هو المذهب والصحيح خلاف ذلك وأنه إذا كان المأموم لا يعلم بحدث إمامه فائتمامه به صحيح سواء علم الإمام في أثناء الصلاة أو لم يعلم إلا بعد فراغها لأن العلة واحدة وهي جهل المأموم بحال الإمام ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتاه جبريل في أثناء الصلاة وأخبره أن في نعليه قذراً فخلعهما واستمر في صلاته وظاهر كلام المؤلف أنه لو علم بالنجاسة في أثناء الصلاة بطلت صلاته وبطلت صلاة المأموين

ص: 76

معه والصواب في مسألة النجاسة أنها لا تبطل صلاته إذا أمكنه التخلي عنها كما لو كانت في غترته نجاسة فهنا يمكن أن يتخلى عنها ويمضي في صلاته أو في نعليه فإنه يمكن أن يتخلى ويمضي في صلاته والقاعدة الآن أنه متى كانت صلاة الإمام باطلة على وجه لا يعلم بها المأموم فإن صلاة المأموم صحيحة سواء كان ذلك عن حدث أو عن نجاسة أو عن فسق لم نعلم به أو عن كفر لم نعلم به أو كان يركع ويسجد بدون ذكر وبدون قول المهم أن المأموم معذور بعدم العلم فالصواب أن صلاته صحيحة.

القارئ: ولا يعفى عن سائر الشروط لأنه ليست من مظنة الخفاء فإن علم الإمام والمأموم ذلك في أثناء الصلاة لزمهم الاستئناف وحكي عنه في المأموم أنه يبني على ما مضى لو سبق الإمام الحدث والمذهب الأول لأن ما مضى بني على غير طهارة بخلاف من سبقه الحدث وإن علم بعض المأمومين دون بعض فالمنصوص أنهم يعيدون جميعاً لعدم المشقة فيه ويحتمل أن تختص الإعادة بمن علم لأنه اختص بالعلم المبطل فاختص بالبطلان كما لو أحدث.

الشيخ: الصواب أنهم إذا لم يعلموا فإن صلاتهم صحيحة وأنه إذا علم الإمام في أثناء الصلاة انصرف وأمر من يتم بهم الصلاة لأن المأمومين معذورون وقد قال الله تبارك وتعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولو قلنا بعدم العذر للزم من ذلك أنه كلما تقدم إمام يقول المأمومون له هل أنت على طهارة هل ثيابك طاهرة لأن لا يقعوا في الحرج فيما لو تبين أنه محدث أو أن في ثوبه نجاسة فالصواب أن المأمومين إذا لم يعلموا فإنه لا إعادة عليهم سواء علم الإمام في أثناء الصلاة أو لم يعلم إلا بعد انتهائها.

ص: 77

القارئ: النوع الثاني الفاسق إما بالأفعال أو ببدعة لا تكفره ففي إمامته روايتان إحداهما تصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر (كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة عن أوقاتها) قال قلت فما تأمرني قال (صلِّ الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصلِّ فإنها لك نافلة) من المسند وكان ابن عمر يصلي وراء الحجاج والحسن والحسين يصليان وراء مروان.

والثانية لا تصح لأن جابراً قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تؤمن امرأة رجلا ولا فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسلطان أو يخاف سوطه أو سيفه) رواه ابن ماجة ولأنه لا يؤمن على شرائط الصلاة ويحتمل أن تصح الجمعة والعيد دون غيرهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهما خلف كل بر وفاجر ولأنها تختص بإمام واحد فالمنع منها خلف الفاسق يفضي إلى تفويتها فسومح فيها دون سائر الصلوات.

ص: 78

الشيخ: هذا الاحتمال هو المذهب أنها تصح الصلاة خلف الفاسق في الجمعة والعيد إذا تعذر خلف غيرهم لأننا لو قلنا لا تصلي لزم أن لا يصلي الجمعة دائماً وأن لا يصلي العيد أما الصلوات الخمس إذا قلنا لا تصلي أمكنه أن يصلي وحده أو أن يصلي في جماعة في مكان آخر والصحيح في هذا الرواية الأولى التي قدمها المؤلف وهو أن الفاسق تصح الصلاة خلفه سواء كان فاسقاً بالأقوال أو بالأفعال أو بالاعتقاد فإن الصلاة تصح خلفه لأن من صحت صلاته صحت إمامته إلا ما دل الدليل على خلافه ولأننا لو اعتبرنا هذا شرطاً لم نجد في يومنا الحاضر من يصلح للإمامة لأنه وإن كان الإنسان مستقيم الدين فيما بينه وبين الله لكن أين الذي يسلم من الغيبة بل كثير من أئمة المساجد لا تطيب لهم المجالس إلا بالغيبة نسأل الله العافية فالصواب إذاً أن الصلاة تصح خلف الفاسق وفعل الصحابة رضي الله عنهم يدل على ذلك فإن ابن عمر رضي الله عنه صلى خلف الحجاج مع أنه يمكن أن لا يصلي خلفه وقد يقال إن ابن عمر رضي الله عنه كان يصلي خلف الحجاج لأن لا يؤدي تخلفه عن الصلاة خلفه إلى فتنة وكذلك الحسن والحسين يصليان خلف مروان قد يقال أيضاً كذلك إنهما يخشيان من الفتنة لكن نقول إنه لا دليل على اشتراط أن يكون الإمام عدلاً صحيح أنه إذا كان عدلاً فهو أولى بلا شك لكن كوننا نجعل ذلك شرطاً لا تصح الصلاة إلا به فيه نظر وينبني على ذلك ما لو كان الإمام حالقاً لحيته فهذا فاسق بالأفعال وهل ينبني على ذلك ما إذا كان فاسقاً بجر ثوبه خيلاء أو ينبني على شيء آخر؟ هذا ينبني على شيء آخر وهو أننا إذا جعلنا من شرط صحة الساتر أن يكون مباحاً صار هذا الذي عليه الثوب النازل كالعاري تماماً فصلاته غير صحيحة وإذا لم تصح صلاته لم تصح إمامته ولهذا يجب أن نعرف الفرق بين رجل مسبل وبين رجل حالق لحيته الفرق بينهما أن إسبال هذا يتعلق بشرط من شروط الصلاة وأما حالق اللحية فلا، مع أن القول الراجح أنه

ص: 79

ليس من شرط صحة الساتر أن يكون مباحاً وأن الإنسان لو ستر عورته بمحرم فالستر ثابت لكنه آثم أما من يرى أن الإسبال مبطل للصلاة فهنا لا يصح الائتمام به لأنه سوف يأتم بمن يرى أن صلاته باطلة وهذا لا يستقيم.

إذا اجتمع شخصان كل واحد منهما فاسق من وجه فأيهما يقدم؟ الأخف.

شارب الدخان وحالق اللحية من يقدم؟ شارب الدخان لأن ذنبه أهون من وجهين الوجه الأول أنه لا نص على تحريمه والوجه الثاني أن شارب الدخان لم يجاهر به وإن جاهر فإنما يجاهر عند من كانوا حوله لكن حالق اللحية قد جاء النص بوجوب إعفاء اللحية وأيضاً حالق اللحية معلن إعلاناً تاماً بالمخالفة والمعصية فهو من المجاهرين والعياذ بالله.

أيهما أولى شارب الدخان أو المغتاب؟ شارب الدخان أولى من الذي يغتاب لأن الغيبة كبيرة وشرب الدخان صغيرة لا يكون كبيرة إلا بالإصرار وعلى هذا فإذا اجتمع شخص معروف بالغيبة وأكل لحوم الناس وآخر شارب للدخان أيهما أولى؟ شارب الدخان مع أن هذا عند العامة شيء كبير.

اجتمع شارب دخان وشارب خمر أيهما أولى؟ شارب الدخان أولى بالإمامة لأن شرب الدخان أهون من شرب الخمر.

السائل: إذا أردنا أن نمنع مجموعة من العوام وهم يشربون الدخان والشيشة فنبدأ بالتوحيد والأشياء المهمة أم بتحذيرهم من الدخان؟

ص: 80

الشيخ: على كل حال الدعوة للتوحيد قبل كل شيء لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما بعث معاذاً إلى اليمن قال فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لكن إذا كانت دعوتنا إليهم بالأسهل سبباً لقبولهم للأعلى فلا مانع وهذا يكون من باب الوسيلة كما لو أعطيناهم دراهم للتأليف على الإسلام مثلاً لنفرض أن أناساً يعني يعظمون القبور على وجه الغلو فهل مثلاً نحدثهم أول ما نحدثهم عن ذلك أو نحدثهم أولاً فيما يجب في الطهارة والصلاة والأشياء التي تلين قلوبهم لها ثم بعد ذلك إذا قبلوا منا وأقبلوا علينا نهيناهم عن هذا على كل ينظر في هذا للمصلحة وإلا فالأصل أن الدعوة للتوحيد قبل كل شيء.

فصل

القارئ: القسم الثالث من تصح إمامته بمثله ولا تصح بغيره وهم ثلاثة أنواع المرأة يجوز أن تؤم النساء لما تقدم ولا يجوز أن تؤم رجلاً ولا خنثى مشكلا في فرض ولا نفل لقوله عليه السلام (لا تؤمن امرأة رجلا) ولأنها لا تؤذن للرجال فلم يجز لها أن تؤمهم كالمجنون.

ص: 81

الشيخ: أما الأول (لا تؤمن امرأة رجلا) ففي صحته نظر وأما الثاني في كونها لا تؤذن للرجال فإن هذه علة طردية وليست هي علة معنوية كونها ما تؤذن للرجال نقول لا تؤمهم إذاً ممكن أن نقول إذا كانت لا تؤذن للرجال أيضاً لا تكلمهم فهذا لا يصح التعليل به لكن يمكن أن يصح التعليل بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وكوننا نعطيها القيادة في صلاتنا هذا تولية أمر ثم إن كونها إماماً فيه مفسدة وهي الفتنة العظمى لا سيما إن كانت شابة وكان صوتها رقيقاً وكان الذين وراءها شباباً فحدث ولا حرج فالحاصل أن العلة هي عموم الحديث (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) والفتنة، مع أن الفتنة في الحقيقة غير منضبطة يعني لو قال قائل أبطلوا إمامة المرأة فيما إذا كانت شابة حسنة الصوت حسنة الأداء والذين وراءها شباب أبطلوها لا بأس لكن إذا كانت عجوزاً والذين وراءها شيوخ وقراءتها مكسرة وصوتها رديء ليس هناك فتنة لكن يقال الفتنة لا تنضبط وكما قيل لكل ساقطة لاقطة فإغلاق الباب هو الأولى.

إذاً هذه لا تصح إمامتها إلا لامرأة لا تصح إمامتها إلا بمثلها ولا تصح بأعلى منها مثل الرجل والخنثى إذا قال قائل الرجل واضح وأما الخنثى لاحتمال أن يكون رجلا والخنثى هو الذي لم يظهر خلقه إما أن يكون ذكراً أو أنثى وسبب عدم الظهور وجود إحدى أربع صور يقول الموفق رحمه الله في المغني إنه ذكر في الشام رجل ليس له إلا ثقب بين مخرج السبيلين ثقب واحد يخرج منه البول والغائط جميعاً ورجل آخر ليس له آلة ذكر ولا فرج أنثى وإنما فيه شيء كالورم يخرج منه البول رشحاً كالعرق والثالث ليس له شيء يخرج منه الفضلات من الأسفل وإنما يخرج من فوق إذا أكل الطعام وبقي في المعدة ما شاء الله تقيئه فهذه ثلاث صور الصورة الرابعة هي أن يكون له آلتان لا تتميز إحداهما عن الأخرى بأن يبول منهما جمعياً.

ص: 82

وأما إذا كان يبول من أحدهما فهو واضح إما ذكر أو أنثى لكن والحمد لله هو قليل بالنسبة للآدمين كثير بالنسبة للبهائم ولا سيما المعز فإنه يكثر فيها الخنثى وقد ورد سؤال من بعض الناس يسأل عن التضحية بالخنثى هل تجوز أو لا تجوز فما الجواب؟ تجوز لأنها مجزئة على كل احتمال إن كانت ذكراً فهي مجزئة وإن كانت أنثى فهي مجزئة.

القارئ: الثاني الأمي وهو من لا يحسن الفاتحة أو يخل بترتيبها أو حرف منها أو يبدله بغيره كالألثغ الذي يجعل الراء غينا ومن يلحن لحناً يحيل المعنى مثل أن يضم تاء (أنعمت) أو يكسر كاف (إياكَ) أو يخل بتشديدة فإن الشدة قامت مقام حرف بدليل أن شدة راء الرحيم قامت مقام اللام لكن إن خففها أجزأته فهؤلاء إذا لم يقدروا على إصلاح قراءتهم أميون تصح صلاتهم بمثلهم ولا تصح بقارئ لأنه عجز عن ركن الصلاة فأشبه العاجز عن السجود فإن أم أميين وقارئاً صحت صلاة الأمين وفسدت صلاة القارئ.

ص: 83

الشيخ: هذا لو قيل بأنها لا تصح صلاة الجميع لكان قولاً وجيهاً وذلك لأنهم عصوا النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله) فتكون إمامة هذا الرجل الأمي في غير محلها ومعلوم أن المعصية إذا عادت إلى ذات العبادة أفسدتها فلو قيل ببطلان صلاة الجميع لكان له وجه نرجع الآن لقوله في الأمي، الأمي في الأصل هو الذي لا يقرأ ولا يكتب ومنه سمي العرب أميين لأنهم لا يقرؤون ولا يكتبون نسبة إلى الأم والإنسان يخرج من بطن أمه لا يعلم شيئاً كما جاء في القرآن الكريم أما في الاصطلاح في باب صلاة الجماعة فهو ما ذكره المؤلف هو من لا يحسن أو يخل بترتيبها فمن يقرأ الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين ولا يقرأ إلا هكذا نقول هذا أمي وهذا في ترتيب الآيات وكذلك ترتيب الكلمات لو قال الحمد لرب العالمين الله كذلك أيضاً يخل بحرف منها فيسقطه مثلاً ومن ذلك ما نسمعه من بعض القراء يُخلِّون بالباء في ربّ حتى إنك تكاد أن تقول إنهم يقولون الحمد لله ربِ العالمين وأما إخلال بعضهم بكلمة نعبدْ هذا لا يحيل المعنى لأنهم يقرؤونها بالجزم كثير من الأئمة إذا سمعته يقرأ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) لا يبين الضمة فهل نقول إن هذا إخلال بحركة أو نقول لأنه لما جاز الوقف بالسكون صار هذا كالذي أجرى الوصل مجرى الوقف على كل حال الذي ينبغي للإنسان أن يحرص ويعتني بالفاتحة كذلك أيضاً أو يبدله بغيره كالألثغ الذي يجعل الراء غيناً فيقول مثلاً الحمد لله غب العالمين لكن غريب من المؤلف أن يقول يبدل الراء غيناً والكثير ابدال الراء لاماً هذا هو الكثير كذلك أيضاً يقول أو يلحن لحناً يحيل المعنى مثل أن يضم تاء (أنعمتَ) لأنه يختل المعنى إذا قال صراط الذين أنعمتُ عليهم من يكون المنعم؟ القارئ والمنعم هو الله عز وجل أو يكسر الكاف (إياكَ) وهذا أطم وأعظم الكاف للخطاب وهو يخاطب الله فإذا قال إياكِ نعبد بدل إياك فهذا خطأ عظيم

ص: 84

جداً أو يفتح همزة (اهدنا) أهدنا يختل المعنى أو لا؟ كيف الاختلاف أهدنا من الإهداء واهدنا من الدلالة والتوفيق أو يقول ولا الظالين لأن هذا إبدال الضاد ظاءً يختل به المعنى لأن الظال معناه الذي صار مثل (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً) يعني صار وجهه مسوداً فإذا أبدل الضاء بظاء فقد أبدل حرفاً بحرف يختل معه المعنى فلا تصح قراءته الفاتحة وهذا أحد الوجهين في هذه المسألة والوجه الثاني في مذهب الإمام أحمد أن إبدال الضاد بظاء لا يضر وذلك لمشقة التحرز منه وقرب المخارج والعامي لا يفرق بين الضاد والظاء ولو أننا أفسدنا الصلاة بمثل ذلك لفسدت صلاة كثير من الناس ولهذا الصحيح أنه لو قال ولا الظالين فصلاته صحيحة، أو يخل بشدة فإن الشدة قامت مقام حرف صحيح إذا قال الحمد لله رب العالمين ولم يأتِ بالشدة فقد نقص حرفاً لأن كل حرف يشدد فهو حرفان والدليل استدل المؤلف بدليل لغوي بدليل أن شدة راء الرحيم قامت مقام حرف اللام هناك اللام القمرية واللام الشمسية اللام القمرية ظاهرة القمر، والشمسية الشمس غير ظاهرة لكن جعل بدل اللام الشين المشددة فالشين المشددة قامت مقام الشين الأصلية والشين التي وقعت بدلاً عن (أل) وكذلك الرحيم كما قال المؤلف رحمه الله الراء المشددة قامت مقام الراء الأصلية والراء التي جعلت بدلاً عن اللام لكن إن خففها أجزأته يعني إن أتى بها مسهلة من غير أن يشدد كثيراً فإنها تجزئه وهذا أيضاً من التيسير والحمد لله مثل (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) شدد لكن ما تسمعها أنت من خلفه إنما هو في نفسه شددها فوقعت خفيفة بحيث إن السامع لا يشعر بأنه أظهرها.

السائل: ما المقصود بقوله: أو يخل بترتيبها؟

الشيخ: ترتيب الآيات وكذلك ترتيب الكلمات لو قال الحمد لرب العالمين الله.

السائل: قلتم إذا الإمام في الصلاة أسرع في الركوع والسجود فإن للمأموم أن يخرج فإذا خرج هل له أجر الجماعة؟

الشيخ: نعم لأنه معذور.

ص: 85

السائل: المسألة التي قلنا لو قيل إنها تبطل على الجميع لكان أولى فإذا كان الإمام راتباً ولا يحسن الفاتحة؟

الشيخ: إذا كان الإمام راتباً فالواجب أنه يزال وصلاة القارئ تبطل وصلاة الأميين ما تبطل على كلام المؤلف لكن ذكرنا أنه لو قيل ببطلان الصلاة صلاة الجميع لكان له وجه لأنهم عصوا الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله).

السائل: بعضنا صلى خلف بعض الأئمة أعراب لا يحسنون القراءة حتى يخطؤون كثيراً فالآن ما حكم صلاتنا؟

الشيخ: صلاتكم التي مضت نرجو أن تكون مقبولة إن شاء الله.

القارئ: وفي معنى هذا النوع من يخل بشرط أو ركن كالأخرس والعاجز عن الركوع والسجود والقيام والقعود والمستحاضة ومن به سلس البول وأشباههم تصح صلاتهم في أنفسهم وبمن حاله كحالهم.

الشيخ: الذي نرى في هذه المسألة وهو العاجز عن الشروط والأركان أنها تصح صلاته بالقادر عليها إلا في مسألة القراءة لأن القراءة فيها نص (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) وأما غيرها فمن صحت صلاته صحت إمامته فلو وجدنا إماماً يصلي بنا قارئاً لكنه لا يستطيع السجود لمرض في عينيه أو في ركبتيه أو ما أشبه ذلك ويسجد إيمائاً فالذي نرى أن الصلاة خلفه صحيحة لأنه هو اتقى الله ما استطاع ونحن كذلك اتقينا الله ما استطعنا فأتينا بالواجب من الركوع والسجود وغيرهما من الشروط والأركان.

السائل: لماذا ذكر الأخرس؟

الشيخ: الأخرس كالأمي لحديث (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) هذا ما يقرأ أصلاً.

السائل: إذا قرأ بنا إمام وأخل بالقراءة هل ننفصل أو ماذا نفعل؟

الشيخ: لا، ردوا عليه فإذا كان لا يقوَّم لو رددت عليه فهنا انفصل وجوباً.

القارئ: ولا تصح لغيرهم لأنهم أخلوا بفرض الصلاة فأشبه المضجع يؤم القائم إلا في موضع واحد وهو العاجز عن القيام يؤم القادر عليه بشرطين.

ص: 86

الشيخ: أشبه المضجع يؤم القائم لماذا قال المضجع ما قال القاعد؟ لأن لا تدخل المسألة التي استثناها لأنه استثنى القائم يؤمه القاعد.

القارئ: أحدهما أن يكون إمام الحي والثاني أن يرجى زوال مرضه ويصلون خلفه جلوسا لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم جالسا فصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا ثم قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون) متفق عليه فإن صلوا قياماً ففيه وجهان أحدهما لا تصح للنهي عنه والثاني تصح لأن القيام هو الأصل وقد أتوا به.

الشيخ: نحن الآن نتكلم على من لا تصح صلاته إلا بمثله كالعاجز عن الأركان والشروط ويستثنى من ذلك إمام الحي المرجو زوال علته إذا عجز عن القيام فإنه يصلي قاعداً ويصلي الناس وراءه قعوداً لكن اشترط المؤلف رحمه الله شرطين أن يكون إماماً للحي يعني الإمام الراتب في المسجد وأن يكون ممن يرجى زوال علته وهذان الشرطان فيهما نظر والصحيح أنهما لا يشترطان لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) ولأن العلة وهي موافقة الإمام لا تختلف بنسبتها إلى إمام الحي أو غير إمام الحي أو من يرجى زوال علته ومن لا يرجى فالصواب أنه يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وإذا كان لا يستطيع القيام صلى قاعداً وصلوا وراءه قعوداً يقول المؤلف رحمه الله إن صلوا قياماً خلف من يصلي قاعداً فهل تصح صلاتهم؟ يقول رحمه الله فيها وجهان:

الوجه الأول أن الصلاة لا تصح لأن في ذلك معصية لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (صلوا قعوداً).

والوجه الثاني أنها تصح لأن الأمر بصلاتهم قعوداً ليس على سبيل الوجوب، ولكن القول بأن صلاتهم لا تصح قول قوي لأنهم ارتكبوا محظوراً في نفس الصلاة والقاعدة لمن ارتكب محظوراً في نفس العبادة فإنه يبطل العبادة لكن المذهب الأول أن الصلاة لا تبطل لكنهم أخطؤوا.

ص: 87

القارئ: فإن صلوا قياماً ففيه وجهان أحدهما لا تصح للنهي عنه والثاني تصح لأن القيام هو الأصل وقد أتوا به.

الشيخ: لكن هذا التعليل لأن القيام هو الأصل وقد أتوا به هذا التعليل معارض بأن هذا أصل أبطلته السنة.

القارئ: فإن ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل فجلس أتموا قياما لأن عائشة قالت لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (مروا أبا بكر فليصل بالناس) فلما دخل أبو بكر في الصلاة خرج النبي صلى الله عليه وسلم فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر متفق عليه فأتموا قياما لابتدائهم إياها قياماً.

الشيخ: هذا التخريج هو الصحيح يعني تخريج فعل النبي عليه الصلاة والسلام في آخر حياته حيث صلى قاعداً والناس خلفه قيام هذا التخريج الذي ذكره المؤلف هو المتعين لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم في أثناء الصلاة وقد ابتدؤوها قياماً فلزم أن يتموها قياماً وإنما قلنا هذا هو المتعين لنجمع بينه وبين قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) فيقال يصلون قعوداً ما لم يبتدئ بهم الصلاة قائماً فإن ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل فإنهم يتمون قياماً وذهب الأئمة الثلاثة إلى أن هذا الحديث ناسخ لقوله صلى الله عليه وسلم (صلوا قعوداً) وعللوا ذلك بأن هذا في آخر حياته وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر ولكن يقال إن من شرط النسخ أن لا يمكن الجمع بين النصين فإن أمكن فلا يجوز النسخ لأن النسخ مقتضاه إبطال أحد النصين والجمع مقتضاه العمل بالنصين وما اقتضى العمل بالنصين فهو أولى مما اقتضى إبطال أحد النصين فالصواب هو ما ذكره المؤلف رحمه الله من أن الإمام إذا ابتدأ بهم قاعداً ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً أما إذا ابتدأ بهم الصلاة جالساً فإنهم يصلون جلوساً.

ص: 88

السائل: إذا حضر الإمام الراتب والناس يصلون فتقدم إماماً فهل تسقط عنه قراءة الفاتحة؟

الشيخ: الإمام الذي حضر ثم أتم بهم الصلاة يبني على صلاة الأول لكن بالنسبة لقراءة الفاتحة لابد من قراءتها بالنسبة لهذا الذي حضر أخيراً لأنه لم يستمعها ولم يقرأها فلابد من أن يقرأ وإذا كان قد فاته شيء منها فإنه يقضيه ويجلس الناس الذين أتموا صلاتهم فمثلاً لو أن الإمام دخل وهم في الركعة الثالثة فيصلي بهم ما بقي ثم يقوم وهم يجلسون ينتظرون تسليمه.

القارئ: فأما غير إمام الحي فلا يصح أن يؤم قادراً على القيام وهو جالس لعدم الحاجة إلى تقديمه مع عجزه.

الشيخ: قوله لعدم الحاجة لتقديمه هذه علة فيها نظر لأن إمام الحي أحق من غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه) لكن الأقرأ أحق من غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) فإذا اجتمع اثنان أحدهما قادر على القيام والثاني غير قادر لكن غير القادر أقرأ فالسنة تقتضي أن يقدم الأقرأ.

القارئ: وإن لم يرجَ برؤه لم تجز إمامته لأنه لا يجوز استبقاؤه إماماً دائماً مع عجزه.

الشيخ: هذا أيضاً فيه نظر يقول لابد أن يرجى زوال علته لأنه لو لم يرجَ زوال علته لم يجز أن يبقى إماماً فيقال هذا ليس إلينا هذا إلى الجهات المسؤولة هي التي تفصله أو تبدله ليس إلينا مادام باقياً يصلي بنا وهو إمام من قبل المسؤولين فلا يهمنا أن يرجى زوال علته أو لا.

ص: 89

لكن كيف نعرف أنه يرجى زوال علته أو لا؟ نعرف ذلك بنوع المرض المانع له فمثلاً إذا كان المرض قطع رجل مثلاً ولا يستطيع أن يعتمد على الرجل الأخرى لا بعصا ولا بغير عصا أو كان شلل في الأسفل أو ما أشبه ذلك عرفنا أنه لا يرجى زواله وإذا كان مرضاً عارضاً كوجع في ساقه أو فخذه أو ركبته ينتظر زواله فهذا مما يرجى زواله ولكن على كل حال الصحيح أنه لا فرق بين من يرجى زوال علته ومن لا يرجى لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً).

السائل: إذا قلنا أنه إذا ابتدأ قاعداً يجب عليهم أن يصلوا خلفه قعوداً وهذا هو الأقرب لكن إذا صلوا قياماً فهل تبطل صلاتهم؟

الشيخ: هذا يحتمل أن يقال إن صلاتهم تبطل لأنهم فعلوا أمراً منهياً عنه في نفس الصلاة ويحتمل أن يقال إنها لا تبطل لأنهم رجعوا إلى الأصل وهذه مخالفة في صفة الاقتداء والأقوى أن تبطل صلاتهم ويعيدون.

السائل: إذا كان القارئ ممن لا يحسن القراءة في صلاة سرية هل الحكم سواء؟

الشيخ: إذا كان يدري أنه يلحن لحناً يحيل المعنى لا يجوز أن يأتم به إلا على القول الثاني الذي قلنا أنه إذا كان عاجزاً لا يستطيع كما لو كان ألثغ يبدل الراء غيناً أو لاماً ولا يستطيع أن يعدل فالصحيح أنه يجوز أن يصلي خلفه.

القارئ: واحتمل هذا في القيام دون سائر الأركان لخفته بدليل سقوطه في النفل دونها.

الشيخ: هذا التعليل عليل لأنه يقال والركوع والسجود يسقطان في النفل لأن الإنسان إذا صلى قاعداً في النفل فإنه يؤمئ بالركوع ويومئ بالسجود وأنتم تقولون إن العاجز عن الركوع والسجود لا يصح أن يكون إماماً للقادر عليهما فالصواب المطرد هو أن نقول يصح أن يأتم الإنسان القادر على الأركان بالعاجز عنها ولكن لابد من ملاحظة أن العاجز أحق بالإمامة لكونه أقرأ أو أعلم بالسنة أو ما أشبه ذلك.

ص: 90

القارئ: فإن كان أقطع اليدين فقال أبو بكر لا تصح إمامته لإخلاله بالسجود على عضوين من أعضاء السجود فأشبه العاجز عن السجود على جبهته وفي معناه أقطع اليد الواحدة وقال القاضي تصح إمامته لأنه لا يخل بركن الصلاة بخلاف تارك السجود على الجبهة.

الشيخ: وبناءً على القول الصحيح يكون لا فرق الصلاة صحيحة ولا فرق بين الذي أقطع اليدين والعاجز عن السجود على الجبهة ومسألة من عجز عن السجود على الجبهة هل يسقط عنه بقية الأعضاء؟ المذهب يسقط وأن من عجز عن السجود على الجبهة لم يلزمه بغيرها والقول الصحيح أنه لا يسقط لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فإذا كان الرجل يستطيع أن ينحني إلى قرب الأرض ويضع يديه على الأرض لكن لا يستطيع أن يسجد لجروح في جبهته أو وجع في عينه أو ما أشبه ذلك فإنه يلزمه أن يأتي بما يقدر عليه فينحني إلى المكان أو الهيئة التي يعجز معها عن السجود ويضع يديه ويقرب من الأرض بقدر ما يستطيع.

السائل: إمام يصلي ومعه طفلة صغيرة فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها فعند السجود بكت البنت فحصل هنا مفسدة إذا بكت أخرجت المصلين من الخشوع فحملها عند السجود على رأسه وأمسكها بيد وبذلك يكون سجد على ستة أعضاء فهل هذا يجوز؟

الشيخ: لا، أنا أرى أن مثل هذا يخفف بدل ما يطيل السجود إذا أتى بقدر الواجب وهو الطمأنينة والطمأنينة هي السكون وإن قل وحينئذٍ تزول المفسدة فلا بد أن يسجد على سبعة أعظم فالحديث (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه والكفين) فالأقطع الكف هو ما ذكره المؤلف.

ص: 91

القارئ: النوع الثالث الصبي تصح إمامته بمثله لأنه بمنزلته ولا تصح إمامته ببالغ في فرض نص عليه لأن ذلك روي عن ابن مسعود وابن عباس ولأنه ليس من أهل الكمال فلا يؤم الرجال كالمرأة وهل يؤمهم في النفل على روايتين إحداهما لا تصح لذلك والثانية تصح لأن صلاته نافلة فيؤم من هو في مثل حاله ويتخرج أن تصح إمامته لهم في الفرض بناءً على إمامة المتنفل للمفترض ولأن عمرو بن سلمة الجرمي كان يؤم قومه وهو غلام في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري.

الشيخ: هذا التخريج هو الصواب بلا شك وليت المؤلف رحمه الله قدم النقل على العقل في هذه المسألة لأنه قدم رحمه الله التعليل على النص وهذا يعني تقديم العقل على النقل والأولى في الترتيب أن يقدم النقل على العقل وهذه القصة قصة عمرو بن سلمة الجرمي ثابتة في صحيح البخاري لأنه قال عليه الصلاة والسلام (يؤمكم أكثركم قرآناً) فنظروا في القوم فلم يجدوا أكثر من هذا الصبي قرآناً فجعلوه إمامهم وله ست أو سبع سنوات صغير فكان يؤم قومه فخرجت امرأة من القوم ذات يوم ووجدت أن إزاره رفيع تكاد تنكشف عورته فقالت غطوا عنا إست قارئكم والإست الدبر وليست القبل اللهم إلا تجوزاً يقول فاشتروا لي ثوباً جديداً فما فرحت بعد الإسلام فرحي بهذا الثوب لأن الناس في ذلك الزمن معدومون وهذا القول هو المتعين لوجود الدليل عليه وعلى هذا فلو وجدنا صبياً يصلي في الناس نافلة أو فريضة قلنا إمامته صحيحة على هذا القول الراجح صارت المسألة فيها ثلاثة أقوال:

القول الأول الصحة في النفل دون الفرض.

والقول الثاني الفساد في النفل والفرض.

والثالث الصحة في النفل والفرض وهذا هو الصحيح.

القارئ: القسم الرابع من تصح إمامته بمن دونه ولا تصح بمثله ولا أعلى منه وهو الخنثى المشكل تصح إمامته بالنساء لأن أدنى أحواله أن يكون امرأة ولا تصح برجل لأنه يحتمل أن يكون امرأة ولا خنثى مشكل لأنه يحتمل كون المأموم رجلا.

ص: 92

الشيخ: الخنثى المشكل مشكل فمن الخنثى المشكل؟ هو الذي لا يعلم أذكر هو أم أنثى وذلك بأن يكون له آله ذكر وأنثى يعني ذكراً وفرجاً يبول منهما جميعاً ولم يحصل له شيء يتميز به عن النساء أو عن الرجال هذا لا يصح أن يكون إماماً إلا بمن دونه من الذي دونه؟ المرأة فالخنثى المشكل يكون إماماً للمرأة ولا يكون إماماً للرجل ولا لمثله لما ذكر المؤلف لاحتمال أن يكون الخنثى أنثى والمأموم رجل وإمامة الأنثى للرجل لا تصح وإذا كان بمثله فيحتمل أن يكون الإمام هو الأنثى والمأموم هو الرجل أو بالعكس، والعكس يصح لكنه غير متيقن أما بالأنثى فواضح لكن إذا أمَّ أنثى أين تقف منه إلى جنبه لاحتمال أنه أنثى أو خلفه لاحتمال أنه ذكر؟ مشكل إذا وقفت خلفه وقفت منفردة مع إمام واحد وهذا يقتضي أن تكون صلاتها باطلة لكن لو وقفت عن يمينه لم تبطل صلاتها حتى لو قلنا إنه ذكر وهي أنثى فإن مقامها خلفه على سبيل الاستحباب وعلى هذا فيكون الاحتياط أن تقف إلى جنبه.

فصل

في إمامة المتنفل للمفترض

القارئ: القسم الخامس المتنفل يصح أن يؤم متنفلاً وهل يصح أن يؤم مفترضا فيه روايتان إحداهما لا تصح لأن صلاة المأموم لا تتأدى بنية الإمام فأشبه الجمعة خلف من يصلي الظهر والثانية تصح وهو أولى لأن جابراً روى أن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة متفق عليه وصلى النبي صلى الله عليه وسلم في الخوف بطائفة ركعتين ثم سلم ثم صلى بالأخرى ركعتين ثم سلم رواه أبو داود وهو في الثانية متنفل يؤم مفترضين ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال فأشبه المتنفل يأتم بمفترض.

الشيخ: المؤلف رحمه الله ذكر في هذه المسألة المتنفل يصح أن يؤم متنفلاً واضح وهل يصح أن يؤم مفترضاً فيه روايتان:

الرواية الأولى لا تصح قال لأن صلاة المأموم لا تتأدى بنية الإمام لأن المأموم سينويها فرضاً والإمام نفلاً ومعلوم أن الفرض لا تتأدى بنية النفل.

ص: 93

وقوله أشبه الجمعة خلف من يصلي الظهر فيه نظر ظاهر لأن الجمعة لا توافق الظهر الظهر أربع والجمعة ركعتان فيلزم المأموم الذي صلى يريد الجمعة خلف من يصلي الظهر يلزمه إما أن يخالف الإمام فيسلم قبله وإما أن يوافقه فيصلي أربعاً لكن لو قال رحمه الله لأن صلاة المأموم أعلى من صلاة الإمام لكان هذا هو التعليل صلاة المأموم فرض والإمام نفل لو قال هذا لكان واضحاً.

الرواية الثانية تصح ثم ذكر حديث جابر رضي الله عنه في قصة معاذ، معاذ كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة العشاء ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم نفس الصلاة فهو متنفل وهم مفترضون ثم استدل أيضاً المؤلف بصلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صلاة الخوف فإن أحد وجوهها أن يصلي بطائفة ركعتين ويسلم ثم بطائفة ركعتين ويسلم والثانية في حقه نفل لأنه لا يمكن أن يصلي فرضين لوقت واحد لكن الاستدلال بهذا فيه نظر لماذا لأن مسألة الخوف لحاجة أن يصلي المتنفل بالمفترض من أجل إقامة العدل بين الطائفتين لكن على كل حال هي تشبه المسألة من بعض الوجوه إلا أن حديث قصة معاذ أوضح في ذلك.

وقوله ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال فأشبهتا المتنفل يأتم بمفترض هذا أيضاً فيه نظر في قوله فأشبه المتنفل يأتم بمفترض نقول لا شبه لأن المتنفل يأتم بمفترض ائتم بمن هو أعلى منه وأما المفترض بالمتنفل فيمن هو أدنى فهذا التشبيه فيه نظر.

القارئ: وإن صلى الظهر خلف من يصلي العصر أو صلى العشاء خلف من يصلي التراويح ففيه روايتان وجههما ما تقدم.

الشيخ: والصواب أنها تصح إذا صلى الظهر خلف من يصلي العصر فهي صحيحة وإذا صلى العشاء خلف من يصلي التراويح فهي صحيحة هذا الصحيح هذا القول هو الراجح لكن من صلى العشاء خلف من يصلي التراويح هل يسلم معه إن كان مسافراً سلم معه وإن كان مقيماً أتى بركعتين.

ص: 94

القارئ: فإن كانت إحدى الصلاتين تخالف الأخرى كصلاة الكسوف والجمعة خلف من يصلي غيرهما أو غيرهما خلف من يصليهما لم تصح رواية واحدة لأنه يفضي إلى المخالفة في الأفعال فيدخل في قوله عليه السلام (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه).

الشيخ: هذه المسألة يقول إنها رواية واحدة يعني إذا صلى خلف من يخالفه في الأفعال كصلاة المغرب مثلاً خلف من يصلي العشاء أو صلاة العشاء خلف من يصلي المغرب فظاهر كلام المؤلف أنها لا تصح رواية واحدة في الصورتين وعلل ذلك بأنه يؤدي إلى المخالفة في الأفعال فيقال إذا كانت صلاة المأموم أقصر فهنا سوف يخالفه في الأفعال وإن كانت أكثر فإنه لن يخالفه لأنه سيبقى حتى يسلم الإمام ثم يأتي ثم يقوم فيقضي ما بقي عليه كالمسبوق فالتعليل فيه نظر أيضاً والصواب أن ذلك صحيح أي أنه يجوز أن يأتم بشخص تخالف صلاتُه صلاتَه في الأفعال فإذا صلى العشاء خلف من يصلي المغرب فالصلاة صحيحة وإذا سلم الإمام قام فأتى بالرابعة وهذا واضح فيما إذا كان المأموم مقيماً لكن لو كان مسافراً فماذا يصنع؟ الظاهر لي أنه يخير بين أن يسلم إذا قرأ الإمام التشهد الأول وقرأ هو التشهد الأخير يسلم لأن صلاته انتهت ويحتمل أن نقول كمِّل مع الإمام وأتِ بالركعة الرابعة لأنك ائتممت بإمام متم أتم صلاته لأن المغرب لا تقصر وإن كان الأمر بالعكس المغرب خلف العشاء فكذلك أيضاً نقول صلي المغرب خلف الإمام الذي يصلي العشاء فإذا قام إلى الرابعة فاجلس وتشهد وسلم ثم ادخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء وإن كنت لا تريد أن تصلي العشاء فلا بأس أن تنتظر وأنت جالس حتى يصل الإمام وتسلم بعده فإن قال قائل هذا فيه مخالفة ظاهرة للإمام لأنك سوف تفارقه وتتشهد وتسلم والإمام في صلاته قلنا نعم هذا فيه مفارقة لكن المفارقة هنا مفارقة للعذر العذر الحسي أو الشرعي؟ العذر الشرعي لأنه لا يمكن أن تصلي المغرب أكثر من ثلاثاً فالمخالفة هنا مخالفة في

ص: 95

عذر شرعي كمخالفة الطائفة الأولى في صلاة الخوف حيث إنها تنفرد عن الإمام وتكمل الركعة الثانية وتسلم وتنصرف فهذا انفرد عن إمامه لعذر وكما لو أصيب الإنسان بمدافعة الأخبثين أو أحدهما وهو مع الإمام فهنا له أن ينوي الانفراد ويسلم وهذا الذي قلته هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبه نعمل وعملنا أيضاً أي صلينا المغرب خلف العشاء وجلسنا لما قام للرابعة وتشهدنا وسلمنا ثم أدركنا الإمام فيما بقي من صلاة العشاء.

القارئ: وإن صلى من يؤدي الصلاة خلف من يقضيها أو من يقضيها خلف من يؤديها صحت رواية واحدة ذكره الخلال لأن الصلاة واحدة وإنما اختلف الوقت وخرَّج بعض أصحابنا فيها روايتين كالتي قبلها.

الشيخ: الفرق بين الأداء والقضاء أن الأداء ما فعل في وقته والقضاء ما فعل بعد وقته هذا الفرق فهل يمكن أن يكون أحد يصلي الظهر قضاءً بمن يصليها أداءً؟ نعم وبالعكس كذلك مثاله رجل نام عن صلاة الظهر بالأمس ثم حضر المسجد الآن والناس يصلون الظهر فذكر أنه لم يصلِّ الظهر بالأمس لأنه نام عنها ونسي أن يصليها فنقول ادخل بنية صلاة الظهر بالأمس وكذلك بالعكس والصحيح أن ذلك صحيح كما قال المؤلف رحمه الله والتخريج فيه نظر.

فصل

القارئ: الأمر الثاني في أولى الناس بالإمامة وأتم ما روي فيه حديث أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمهم سناً أو قال سلما ولا يؤمَّنَّ الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) رواه أحمد ومسلم.

ص: 96

الشيخ: أولى الناس بالإمامة أتم ما فيه هذا الحديث حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) وهل المراد أقرؤهم أكثرهم أو أقرؤهم يعني أجودهم بالقراءة يحتمل معنيين المعنى الأول الأكثر كما جاء في الحديث الصحيح (وليؤمكم أكثركم قرآناً) ويحتمل الأقرأ يعني الأجود في القراءة بحيث يؤديها على الوجه المطلوب والكل محتمل في هذا الحديث أما (وليؤمكم أكثركم قرآناً) فهذا صريح فإن قال قائل إذا اجتمع فقيه وأقرأ فمن يقدم؟ قلنا ظاهر الحديث أنه يقدم الأقرأ وليكن هو المعتمد لأن العمل بظاهر الأحاديث بل بظاهر النصوص عموماً هو الواجب إلا بدليل ويؤيد ذلك قوله (فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة) والعالم بالسنة عنده فقه أكثر ممن لم يعرف السنة فدل هذا على أنه إذا اجتمع قارئ وفقيه قدم القارئ، قوله (أعلمهم بالسنة) أي سنة هل المراد بالسنة عموماً أو بالسنة التي تتصل بالصلاة؟ الظاهر الثانية ويظهر أثر ذلك فيما لو كان عالماً بالسنة فيما يتعلق بالصلاة لكنه جاهل بالسنة فيما يتعلق بالمعاملات والأنكحة والفرائض وما أشبه ذلك وآخر بالعكس يقدم الأول لأنه أشد صلة بالصلاة وماذا ينتفع الإنسان الذي عنده علم بالبيوع وغيرها من العقود والتوثيقات ماذا يستفيد بالنسبة لما يتعلق بالصلاة؟ لا يستفيد شيئاً وماذا ينقص الرجل إذا كان عالماً بالسنة المتعلقة بالصلاة لكنه جاهل فيما سوى ذلك؟ لا ينقصه شيء إذاً (أعلمهم بالسنة) التي تتعلق بالصلاة (فإن كانوا في السنة سواءً فأقدمهم هجرة) هجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام وهذا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام واضح السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أولى ممن تأخروا ولهذا قال الله عز وجل (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ) وهو صلح الحديبية يعني ومن كان دون ذلك (وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)

ص: 97

فإن كانوا في الهجرة سواءً أو كانوا ولدوا في دار الإسلام كلهم (فأقدمهم سناً) يعني أكبرهم أو قال سلماً والثانية لا تتأتى إلا فيما إذا كان الناس يدخلون في الإسلام واحداً فواحداً أما من كانوا في بلد الإسلام فلا يتصور إلا أن المراد أقدمهم سناً وهو الأكبر هكذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم ذكر ما يكون مستثنى من ذلك بقوله (ولا يؤمن الرجل الرجل في بيته) ولو كان أقرأ من صاحب البيت فلو أن شخصاً دعا جماعة إلى بستانه وحضر وقت الصلاة وصلوا فمن الذي يقدم صاحب البستان وإن كان دون هؤلاء في القراءة كذلك لا يؤمنه في سلطانه كإمام المسجد الراتب فإنه مقدم على من سواه ولو كان في الجماعة من هو أقرأ منه وذلك لتقدم حق هؤلاء فالإمام الراتب في سلطانه في المسجد متقدم على الحادث وكذلك يقال في البيت يقول (ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) إلا بإذنه عائدة على كل الجمل الثلاثة (لا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) في الصور الثلاث التكرمة: ما يقدم إكراماً للضيف هذه التكرمة لا تجلس إلا بالإذن فلو أن رجلاً قدم الطعام لكن صاحب البيت لم يقل تفضل إلا أن هذا الرجل كان جائعاً جداً فمن حين انتهى تقديم الطعام تقدم نقول هذا لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولهذا يرى الحاضرون أن هذا عنده سوء أدب ولهذا امتدح الشاعر نفسه في قوله:

وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن

بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجلهم

ص: 98

فلا تقعد على التكرمة إلا بإذنه كما أنك لا تدخل بيته إلا بإذنه أحياناً يقدم صاحب البيت الطعام ثم يذهب إلى بيته يأتي بأشياء ليست ضرورية في الطعام وإذا كانت ليست ضرورية في الطعام ربما يتأخر كثيراً أو يحصل مشكلة في البيت يبقى في البيت يحلها والطعام موجود بين الحاضرين في هذه الحال هل يتقدمون للطعام أو ينتظرون رجوعه؟ ظاهر الحديث الثاني لا شك لكن بعض الناس يكون عنده جرأة ويقول يا جماعة تفضلوا تفضلوا الرجل ما قدم الطعام إلا لنا فيأذن لهم فهل له أن يأذن؟ فيه تفصيل إذا علم أن صاحب البيت يرضى بهذا وهو غالباً يرضى فلا بأس وتجد هذا الذي قال تفضلوا إذا جاء صاحب البيت سيقول له أنا أمن عليك وتقدمنا ربما يقول جزاكم الله خيراً كونكم تتقدمون ولا تنتظرونني ربما أنا لا أجيء إلا بعد مدة فهذه المسألة فيها تفصيل.

عندي رواه أحمد ومسلم وأيهما أصح المسند أو صحيح مسلم؟ صحيح مسلم لا شك لكنهم يقدمون الإمام أحمد لإمامته وجلالته رحمه الله ولا سيما إذا كانت المؤلفات في مذهبه فإن تقديمه وجيه.

القارئ: فأولى الناس بالإمامة السلطان للحديث وهو الخليفة أو الوالي من قبله أو نائبهما.

الشيخ: إذاً إذا حضر السلطان إلى بلد مثلاً ودخل المسجد الجامع فمن يؤم الناس؟ السلطان ولو كان للمسجد إمام راتب لأن للسلطان الولاية العامة، حتى في الجمعة وهو قادم لهذا البلد على سفر؟ المذهب لا لأن هذا السلطان لا يصح أن يكون إماماً في الجمعة لكونه غير مستوطن في هذا البلد لكن الصحيح أنه يصح أن يكون إماماً وإن لم يكن مستوطناً كما أنه لو قيل إن السلطان مستوطن في جميع بلاده وعلى هذا حمل فعل عثمان رضي الله عنه في منى حيث أتم لكن هذا ليس بصحيح لأنه لو كان كذلك لكان السلطان لا يقصر أبداً وهذا لا يمكن.

ص: 99

القارئ: فإن لم يكن سلطان فصاحب البيت أحق للخبر وقال أبو سعيد مولى أبي أسيد تزوجت وأنا مملوك فدعوت ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو ذر وابن مسعود وحذيفة فحضرت الصلاة فتقدم أبو ذر فقالوا له ورائك فالتفت إلى أصحابه فقال أكذلك قالوا نعم فقدموني رواه صالح بإسناده في مسائله.

الشيخ: لماذا؟ لأنه سلطان في بيته.

القارئ: فإن أذن صاحب البيت لرجل فهو بمنزلته فإن اجتمع السلطان وصاحب البيت فالسلطان أولى لأن ولايته على البيت وصاحبه وإن اجتمع السلطان وخليفته فالسلطان أولى لأن ولايته أعم وإن اجتمع العبد وسيده في بيت العبد فالسيد أولى لأنه مالك للعبد وبيته وإن اجتمع المؤجر والمستأجر في الدار فالمستأجر أولى لأنه أحق بالمنفعة وإمام المسجد الراتب فيه بمنزلة صاحب البيت، لا يجوز لأحد أن يؤم فيه بغير إذنه لذلك ويجوز مع غيبته لأن أبا بكر صلى حين غاب النبي صلى الله عليه وسلم وفعل ذلك عبد الرحمن بن عوف مرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أحسنتم) رواه مسلم فإن لم يكن ذو مزية من هؤلاء فأولاهم أقرؤهم لكتاب الله للخبر ولقول رسول الله الله صلى الله عليه وسلم (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم) رواه مسلم.

الشيخ: لماذا قلنا فليؤمَهم بالنصب مع أن لام الأمر تجزم؟ لأن الميم مشددة فحرك بالفتح لالتقاء الساكنين.

القارئ: ويرجع في القراءة بجودتها وكثرة القرآن فإن كان أحدهم أجود والآخر أكثر قرآناً فالأجود أولى لأنه أعظم أجرا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة) حديث حسن صحيح وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه.

ص: 100

فإن اجتمع قارئ لا يعرف أحكام الصلاة وفقيه أمي فالقارئ أولى للخبر ولأنه لا تصح صلاته خلف الأمي وإن كان الفقيه يقرأ ما يجزئ في الصلاة فكذلك للخبر وقال ابن عقيل الفقيه أولى لأنه تميز بما لا يستغنى عنه في الصلاة.

الشيخ: فإذا قال قائل هل لكلام ابن عقيل وجه مع الحديث قلنا قد يكون له وجه وذلك أن الصحابة أقرؤهم لكتاب الله في الغالب هو أفقههم لأنهم لا يتجاوزن عشرة آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل فالأقرأ منهم غالباً يكون أفقه لكن من أخذ بظاهر الحديث وعمومه فهو أولى كما شرحنا وقلنا إن قوله (أعلمهم بالسنة) يقتضي أن يكون أفقه ومع ذلك جعله في المرتبة الثانية.

السائل: قوله صلى الله عليه وسلم (ولا يؤمَّنَّ الرجل الرجل ولا يجلس

) هل النهي هنا في الحالين للتحريم؟

الشيخ: للتحريم مع أن قوله (ولا يجلس على تكرمته

) من باب الآداب مع ذلك فهو محرم لأن هذه فيها اتلاف مال، لماذا تتلف مالي وأنا ما أذنت فإن قيل إن تقديم الطعام إذن صار إذناً عرفياً أو إذناً بالفعل.

السائل: أليس الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة؟

الشيخ: بلى لكن هذه الولاية الخاصة ما استفادها الولي إلا من قبل الولاية العامة فيكون كالسيد مع عبده.

ص: 101

القارئ: فإن استويا في القراءة فأولاهما أفقههما للخبر ولأن الفقه يحتاج إليه في الصلاة فأشبه القراءة وإن استويا في ذلك فأولاهما أقدمهما هجرة وهو المهاجر من دار الكفر إلى دار الإسلام فإن استويا في ذلك فأكبرهما سنا للخبر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث (إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما) حديث صحيح ولأنه أقرب إلى الخشوع وإجابة الدعاء ويرجح بتقدم الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم (أقدمهم سلما) ولأنه إذا رجح بتقدم السن فالإسلام أولى فإن استويا في ذلك قدم أشرفهما نسبا وأفضلهما في أنفسهما وأعلاهما قدرا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (قدموا قريشاً ولا تقدموها) هذا ظاهر كلام أحمد وقال الخرقي إذا استويا في الفقه قدم أكبرهما سنا فإن استويا فأقدمهما هجرة وقال ابن حامد يقدم الشرف بعد الفقه ثم الهجرة ثم السن فإن استووا قدم أتقاهم وأورعهم لقول الله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ولأنه أقربهم إلى الإجابة.

الشيخ: وما أشار إليه رحمه الله في التقديم بشرف النسب فيه نظر لأن هذا يقتضي أو يستلزم التفاخر بالأنساب لكن لو قيل إذا استووا في الصفات المذكورة في الحديث فيقدم أكثرهما مروءة وأحسنهما أدباً وما أشبه ذلك من الصفات المرغوبة المحبوبة لأنه إذا تقدم مثل هذا أحبه الجماعة الذين وراءه وأصل مشروعية الجماعة من جملة حكمها أنها سبب للألفة هذا هذا هو الصحيح ولهذا لو أننا اجتمعنا ووجدنا أن القوم تساووا في جميع الصفات المطلوبة لكن أحدهما من القبائل الشريفة المشهورة إلا أنه نكد فظ القول غليظ القلب عبوس الوجه لا يكاد يضحك أيضاً ويوجد أحد من الموالي لكنه طيب القلب منشرح الصدر منبسط الوجه وسألت الحاضرين أيهما أحب إليكم لقالوا الثاني إذاً مثل هذا يقدم حتى يأتلف الناس عليه والله أعلم.

ص: 102

القارئ: فإن استووا قدم أعمرهم للمسجد وأتمهم مراعاة له ويقدم الحر على العبد لأنه من أهل المناصب والحاضر يقدم على المسافر لأنه إذا أمَّ حصل جميع الصلاة في جماعة بخلاف المسافر والحضري على البدوي لأنه أجدر بمعرفة حدود الله تعالى وأحرى بإصابة الحق والبصير على الأعمى لأنه أقدر على توقي النجاسات واستقبال القبلة بعلم نفسه وقال القاضي هما سواء لأن الضرير لا يرى ما يلهيه ويشغله فذلك في مقابلة البصير فيستويان.

الشيخ: الصواب الأول أن البصير أولى لكن يندر جداً أن يوجد تساوٍ في كل ما ذكره المؤلف لكن إذا وجد فالبصير أولى وذلك لأن البصير يحصل به مطلوب شيء والأعمى يزول به ما يخاف منه فيقدم الأول كما يقدم الواجب على ترك المحرم.

القارئ: والأولى لإمام الحي إذا عجز عن القيام أن يستنيب لأن لا يلزمهم ترك ركن فإن استووا أقرع بينهم لأن سعداً أقرع بين أهل القادسية في الأذان ولا يرجح بحسن الوجه لأنه لا مدخل له في الإمامة.

الشيخ: صحيح يعني جميع الأمور الخَلْقية لا يرجح فيها إذا لم يكن لها أثر في تحسين الصلاة وقولنا إذا لم يكن لها أثر احترازاً مما لو كان لها أثر كالأعرج مثلاً فإن الأعرج لا يستطيع أن يأتي بالصلاة على الوجه الأكمل قد يمد رجله أو يسجد سجوداً ليس مستقيماً أو ما أشبه ذلك.

فصل

القارئ: الثالث يكره إمامة اللحان لأنه نقص يذهب ببعضه الثواب وإمامة من لا يفصح ببعض الحروف كالضاد والقاف.

الشيخ: أنا عندي كالصاد نسخة لأن الصاد قد لا يفصح بها الإنسان حيث إنها قريبة من السين.

القارئ: وإمامة التمتام وهو من يكرر التاء والفأفاء الذي يكرر الفاء لأنهما يزيدان على الحروف.

ص: 103

الشيخ: هل يقال أن هذا الذي يسمونه الصدا من هذا النوع لأن الظاهر إنه يكرر الحرف ويشغل أيضاً ولهذا ينبغي أن ينهى عنه أنا سمعت أنه يوجد في بعض المساجد وهذا غلط والقرآن ما نزل ليكون اسطوانة لهو يحسن الإنسان صوته لكن لا يأتي بمثل هذه الآلات التي توجب تضعيف الحروف وأن يكون كأنه بوق.

القارئ: وتصح الصلاة خلفهما لأنهما يأتيان بالحروف على الكمال فإن كان يجعل الضاد ظاء في الفاتحة فقياس المذهب أنه كالأمي لأنه يبدل حرفاً بغيره ويحيل المعنى فإنه يقال ظل يفعل كذا إذا فعله نهاراً.

الشيخ: ولكن المذهب أنه لا بأس ولا يضر قالوا لتقارب المخرجين مخرجي الضاد والظاء ولأن أكثر العامة لا يستطيعون أن يفرقوا ولأننا لو سألنا الذي قال ولا الظالين ماذا تريد هل تريد ولا الظالين أي الظالين نهاراً قال أبداً أريد بالظال الذي ليس على هدى وهذا القول هو الصحيح أن إبدال الضاد ظاءً أو بالعكس لا يضر لتقارب المخرجين ومشقة التفريق بينهما.

السائل: هل يدخل في اللحن من لا يراعي قواعد الترتيل؟

الشيخ: لا، اللحَّان ليس هو من اللحن ولكن من التلحين الذي يجعل القرآن كأنه لحن أغنية.

السائل: هل جواز إبدال حرف الضاد ظاءً في جميع القرآن أم الفاتحة فقط؟

الشيخ: لا، في جميع القرآن لكن نُص على الفاتحة لأنها ركن.

القارئ: ويكره أن يؤم قوماً أكثرهم له كارهون لما روى أبو أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع وامرأة باتت وزوجها ساخط عليها وإمام قوم وهم له كارهون) وهذا حديث حسن.

الشيخ: قوله (لا تجاوز صلاتهم آذانهم) يعني لا ترفع ولا تقبل وهم ثلاثة:

ص: 104

الأول (العبد الآبق) أي الهارب من سيده لا تقبل صلاته وظاهر الحديث أنها لا تقبل صلاته الفريضة ولا النافلة لأن صلاة مفرد مضاف فيعم وقيل لا تقبل النافلة فقط وأما الفريضة فتقبل لأن زمن الفريضة مستثنى شرعاً لا يملكه السيد، زمن الفريضة من يملكه؟ الله عز وجل هو لله حتى لو كان عند سيده ومنعه من أن يصلي فريضة فإنه لا يجوز أن يمتنع لكن لو منعه من النفل لزمه أن لا يتنفل وهذا القول هو الصحيح أن المراد بهذا صلاة النافلة.

الثاني (امرأة باتت وزوجها عليها ساخط) هذا أيضاً ينبغي أن يستثنى منه الفريضة وأما النافلة فلا وذلك أن الزوج إذا دعا امرأته إلى فراشه وأبت سخط عليها فإذا قامت تتطوع فإن هذه الصلاة لا تقبل لأنها مأمورة بأن تجيب زوجها فتكون كأنها صلت في زمن مغصوب.

الثالث (إمام قوم وهم له كارهون) هذا أيضاً لا تقبل صلاته وظاهر الحديث لا تقبل لا في الفرض ولا في النفل ولكن هل المراد الكارهون له بحق أو مطلقاً لأن الجماعة يكرهون الإمام بحق مثل أن يطيل بهم أكثر من السنة أو يصلي يوماً مبكراً ويوماً متأخراً أو يصلي صلاة لا يطمئن فيها أو ما أشبه ذلك هؤلاء يكرهونه بحق والثاني أن لا يكرهونه بحق يكرهونه مثلاً لأنه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحثهم على الصلاة ويتفقدهم فيكرهونه فما المراد الأول أو الثاني؟ المراد الأول الذين يكرهونه بحق فإن اختلف الناس في ذلك منهم من يكرهه ومنهم من لا يكرهه فالعبرة بالأكثر إذا كان أكثرهم يكرهه بحق فإنه لا ينبغي أن يؤمهم وظاهر الحديث أن صلاته لا تقبل.

القارئ: فإن كانوا يكرهونه لسنته أو دينه فلا يكره قال منصور قيل لنا إنما عُني بهذا أئمة الظلمة فأما من أقام بالسنة فإنما الإثم على من كرهه.

الشيخ: أنا عندي مثلكم من أقام والظاهر أن الصواب فأما من قام بالسنة.

ص: 105

القارئ: ويكره أن يؤم نساءً أجانب لا رجل معهن ويكره أن يتقدم المفضول من هو أولى منه لأنه جاء في الحديث (إذا أم الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال) احتج به أحمد.

الشيخ: قوله رحمه الله أن يؤم نساءً أجانب لا رجل معهن يعني ولا امرأة من المحارم فإن كان معهن امرأة من محارمه فلا بأس وهذا يقع كثيراً في ليالي رمضان حيث تكون بعض البيوت فيها نساء كثير فيأتي رجل فيؤمهن يصلي بهن القيام فهذا لا بأس به.

باب

موقف الصلاة

الشيخ: في الواقع أن هذه الترجمة فيها إجمال كبير لأن المراد باب موقف المأموم في صلاة الجماعة هذا المراد أما قوله موقف الصلاة فليس لها معنى تحتاج إلى تعديل.

القارئ: إذا كان المأموم واحداً وقف عن يمين الإمام فإن كبر عن يساره أداره الإمام عن يمينه فإن جاء آخر كبر وتأخر أو صفا خلفه ولا يتقدم الإمام إلا إن كان الموضع ضيقا فإن كبر الثاني عن يساره أخرهما الإمام بيديه لما روى جابر قال سرت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فقام يصلي فتوضأت ثم جئت حتى قمت عن يساره صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه فجاء جبار بن صخر حتى قام عن يساره فأخذنا بيديه جميعاً حتى أقامنا خلفه من المسند ورواه مسلم فإن صليا عن يمينه أو أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره جاز لما روي أن ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل رواه أبو داود.

الشيخ: غريب أن المؤلف رحمه الله يقول رواه أبو داود مع أنه في المسند.

القارئ: ولأن الوسط موقف لإمام العراة وإمامة النساء فإن كان معهم امرأة قامت خلفهم لما روى أنس قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والمرأة خلفنا فصلى بنا ركعتين متفق عليه.

الشيخ: وإذا كانت المرأة من محارم الرجل وصلى بها فأين تقف؟ تقف خلفه حتى وإن كانت من محارمه.

ص: 106

القارئ: فإن اجتمع رجال ونساء وصبيان وخناثى تقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء لما روى أبو مالك الأشعري أنه قال ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال أقام الصلاة فصف الرجال ثم صف خلفهم الغلمان ثم صلى بهم ثم قال هكذا قال عبد الأعلى لا أحسبه إلا قال صلاة أمتي رواه أبو داود فإن لم يكن مع الرجل إلا امرأة وقفت خلفه فإن كان معه صبي وقف عن يمينه لما روى ابن عباس قال بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا الليل فقمت فوقفت عن يساره فأخذ بذؤابتي فأدارني عن يمينه) متفق عليه وإن كان معه رجل وصبي في فرض وقف بينهما كما في حديث ابن مسعود وجعل الرجل عن يمينه أو جعلهما عن يمينه وإن كان في نافلة وقفا خلفه على ما في حديث أنس.

الشيخ: وفي هذا دليل على أن الثلاثة إذا اقتضت الحال أن يصفوا صفاً واحداً فإنهم لا يكونون عن يمين الإمام بل يكون الإمام بينهم هذا هو الأفضل لكن إن كانوا عن يمينه فلا بأس لكن الأفضل أن يكون الإمام بينهما.

السائل: هل جمع خنثى خناثى أو خناثي؟

الشيخ: يصلح هذا وهذا.

السائل: ما الفرق بين حديث جابر وجبار بن صخر وحديث ابن مسعود؟

الشيخ: حديث ابن مسعود رضي الله عنه نسخ.

السائل: ما وجه التفريق بين النافلة والفرض في جعله عن يمينه وشماله؟

الشيخ: التفريق أنه لا يصح أن يصاف الصبي في الفريضة ولهذا نقول إذا كان في الفريضة يكون أحدهما عن يمينه والثاني عن يساره بل يكون الرجل عن يمينه والصبي عن يساره.

فصل

القارئ: فإن وقف المأمومون قدام الإمام لم تصح صلاتهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به).

الشيخ: هذا الحديث استدل به المؤلف رحمه الله على أنه لا يصح أن يتقدم المأمومون على الإمام فما وجه الاستدلال؟

ص: 107

يمكن أن يقال وجه الاستدلال أن الرسول قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به) والإمام لابد أن يكون متقدماً وإلا لما كان إماماً وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء:

منهم من قال إنه يصح أن يتقدم المأموم على الإمام مطلقاً لكنه خلاف السنة.

ومنهم من قال إنه يصح أن يتقدم المأموم على الإمام في حال الضرورة والحاجة كما لو كان المسجد ضيقاً فاضطر الناس إلى أن يصلوا في السوق وليس خلف المسجد سوق وإنما السوق أمامه قالوا فمثل هذا يكون جائزاً لدعاء الحاجة وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وهو وسط بين قول من يقول إنه لا يصح أن يكون المأموم أمام الإمام مطلقا أو إنه يصح أن يكون المأموم أمام الإمام مطلقاً هذا قول وسط وهذا هو الذي ينبغي أن يعمل به لأنه أحياناً ولا سيما في مواسم الحج تكون المساجد بمكة ضيقة يحتاج الناس أن يصلوا من كل جانب.

السائل: ألا يؤخذ عدم صحة الصلاة من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم الدائم في كونه لم يتقدم عليه المأمومون أبداً؟

الشيخ: هي معروفة لكن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب.

السائل: ما هو حد السن في الصبي الذي يصافه؟

الشيخ: إذا صار عنده تمييز صح أن يصافه.

القارئ: وإن وقف الواحد خلف الصف أو خلف الإمام أو عن يساره لم تصح صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس وجابراً لما وقفا عن يساره وروى وابصة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد رواه أبو داود وعن علي بن شيبان قال صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم فانصرف ورجل فرد خلف الصف فوقف النبي صلى الله عليه وسلم حتى انصرف الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم (استقبل صلاتك فلا صلاة لفرد خلف الصف) رواه الأثرم، قال أحمد فيه وفي حديث وابصة هذا حديث حسن ولأنه خالف الموقف فلم تصح صلاته كما لو وقف قدام الإمام فإن صلى ركعة وحده لم تصح صلاته.

ص: 108

الشيخ: هذه المسائل إن وقف المأمومون قدام الإمام لم تصح صلاتهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وقد عرفتم مأخذ الدليل وإن وقف الواحد خلف الصف لم تصح صلاته لحديث وابصة بن معبد وعلي بن شيبان ولكن إذا لم يكن هناك عذر بأن صلى وحده خلف الصف مع إمكان أن يكون في الصف فهذا موضع خلاف بين العلماء:

الأئمة الثلاثة الشافعي ومالك وأبو حنيفة ونصف مذهب الأمام أحمد على أن الصلاة صحيحة ولو لغير عذر وحملوا قوله (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) على نفي الكمال، والمذهب المشهور عند أصحاب الإمام أحمد أن الصلاة لا تصح مطلقاً لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا صلاة لفرد خلف الصف) وهذا عام يشمل من أمكنه المصافة ومن لم تمكنه.

والقول الثالث الوسط في هذه المسألة وهو أنه إن تعذر وقوفه في الصف لاستكمال الصف صحت صلاته وإلا فلا وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمهما الله وهو الصحيح فإذا جئت والصف تام فلا بأس أن تصلي وحدك لأنك معذور حيث لا تجد مكاناً فإن قال إنسان يمكن أن يجتذب واحداً من الصف ليكون معه قلنا لكن هذا لا يجوز:

أولاً لأنه تصرف في الغير بغير حق.

وثانياً جناية على الغير لأنه سوف يرجعه من الفاضل إلى المفضول.

وثالثاً أنه يوجب أن يقع في الصف خلل وفرجة وهذه الفرجة سوف يأتي الناس شيئاً فشيئاً ليسدوها فيلزم من هذا أن يتحرك الصف كله وهذا لا داعي له.

ومنها أنه ربما يشوش على هذا المصلي حتى يخبطه من ورائه ما هذا الذي جرني؟ فربما يخبطه ويضره لذلك نقول لا يجوز أن يجتذب أحداً فإن قال قائل إذاً دعوه يتقدم ليكون مع الإمام قلنا وهذا أيضاً فيه محاذير:

المحذور الأول مخالفة السنة بانفراد الإمام في مكانه لأن السنة أن ينفرد الإمام في مكانه لا يكون معه أحد.

ثانياً يلزم منه في الغالب تخطي الرقاب إنه يريد أن يمشي إذا كان مثلا قبله عشرة صفوف.

ص: 109

ثالثاً إذا قلنا يتقدم إلى الإمام ويقف معه ثم جاء آخر نقول تقدم إلى الإمام وكون معه جاء ثالث كذلك تقدم فيبقى مع الإمام صف كامل لكن لو قلنا صلِّ في مكانك الذي قدرت عليه وجاء آخر صف معه وانتهى الموضوع لهذا لا شك أن القول الراجح أنه يجوز إذا كان الصف تاماً أن يقف الإنسان وحده وصلاته صحيحة أما هذه القضايا التي وقعت فهي قضايا أعيان فربما كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم علم أن الصف لم يتم فأمره أن يعيد الصلاة وهو أيضاً فحوى الخطاب تدل على أن الصف فيه مكان لأنه قال (لا صلاة لفرد خلف الصف) يعني فيما يمكنه أن يصف فيه فعلى كل حال الصواب أن ذلك جائز وعندنا قاعدة شرعية عامة أن الواجب يسقط بالعجز.

ص: 110

المسألة الثانية يقول رحمه الله أو عن يساره لم تصح الصلاة إذا وقف المأموم واحد عن يسار الإمام فإن صلاته لا تصح الدليل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أدار جابراً وابن عباس حين وقفا عن يساره فجعلهما عن يمينه ومعلوم أن هذا لا يدل على الوجوب ولا على إبطال عبادة قام الدليل على صحتها لأن غايته أنه فعل وفعل الرسول المجرد يدل على الاستحباب لا يدل على الوجوب ولو كان ذلك واجباً أي أن يقف عن يمينه لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين انتهت الصلاة ولقال لا تعودا لذلك كما قاله لأبي بكرة رضي الله عنه وهذا القول أعني الوقوف عن يسار الإمام مبطلاً للصلاة قول ضعيف والصواب أنه لو وقف عن يسار الإمام مع خلو يمينه فصلاته صحيحة لكن ذلك خلاف السنة قد يقول قائل كون الرسول يتحرك في أثناء الصلاة والحركة مكروهة ويحرك غيره أيضاً ألا يدل على الوجوب نقول ربما يلتمس هذا دليلاً على الوجوب لكن كون النبي عليه الصلاة والسلام لم يقل لهما أي لابن عباس وجابر لا تعودا يدل على أن المسألة على وجه الاستحباب وتجوز الحركة في الصلاة لفعل مستحب كما لو تقارب الصف فإننا نقول للناس ليقف بعضكم إلى بعض إذاً الصحيح في هذه المسالة أن الصلاة تصح لكنه خلاف السنة والصحيح فيمن صلى خلف الصف أنه إذا كان لعذر وهو تمام الصف فالصلاة صحيحة والصحيح في الصلاة قدام الإمام أنها تصح عند الحاجة ولا تصح إذا لم يكن هناك حاجة والله أعلم.

السائل: هل يلزمه ينتظر حتى يرفع الإمام؟

الشيخ: لا يلزمه بل يدخل فوراً.

السائل: هل العبرة في الصف الآن نهاية الفرشة التي تفرش بها المساجد أم الجدار؟

الشيخ: لا، العبرة إلى الجدار أو إلى الطريق أحياناً يكون الطريق مفصول وكونه لا يوجد فرشة فلا يريد أن يصلي على البلاط ما له عذر الفرشة ما هي بعذر ويؤمر بالإعادة.

ص: 111

القارئ: وإن جاء آخر فوقف معه أو دخل في الصف قبل رفع الإمام من الركوع صحت صلاته لأنه أدرك في الصف ما يدرك به الركعة وإن كان ذلك بعد رفع الإمام ففيه ثلاث روايات إحداهن تصح لأنه لم يصلِّ ركعة كاملة أشبه ما لو أدرك الركوع والثانية لا تصح لأنه لم يدرك في الصف ما يدرك به الركعة أشبه ما لو صلى ركعة والثالثة إن كان جاهلاً لم يعد وإن كان عالماً أعاد لما روى البخاري أن أبا بكرة انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصله فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال (زادك الله حرصاً ولا تعد) فلم يأمره بالإعادة لجهله ونهاه عن العود والنهي يقتضي الفساد فإن فعل ذلك لغير عذر ولا خشي الفوات فحكمه حكم من خاف الفوات لأن الموقف لا يختلف لخيفة الفوات وعدمه ويحتمل أن لا يصح لأن الرخصة وردت في حق المعذور فلا يلحق به غيره.

الشيخ: هذا حديث أبي بكرة قيل إنه روي بلفظ (زادك الله حرصاً ولا تُعِدْ) وبلفظ آخر (ولا تعدو) ولكن الصواب (ولا تَعُدْ) هذا هو الذي ثبتت فيه الرواية وأما قوله (ولا تعدو) فإن قوله (ولا تَعُد) يدخل فيه (لا تعدو) وأما قوله (ولا تُعِد) فلا حاجة إليها لأنه إذا لم يأمره بالإعادة فلا إعادة عليه فالصواب أن الذي صحت فيه الرواية (ولا تَعُد) من العود.

السائل: ذكر بعض العلماء أن الإنسان إذا كان أقبل على الصف فقرب منه جداً والإمام راكع فإن ركع قبل الصف بخطوة أو خطوتين يدرك الركعة وإن انتظر حتى يصل للصف فاتته الركعة فإنه يركع فما رأيكم؟

الشيخ: الصحيح أنه ما يجوز أبداً اللهم إلا إذا ركع وهو واقف في مكان لا يُعدُّ خارجاً عن الصف يعني يعد إنه متأخر مثلاً أو متقدم وأما إذا كان ركع يحتاج إلى خطوات فهذا لا تصح صلاته فالمعيار إذا قيل هذا كأنه صاف مع الناس.

السائل: لو ركع بعد ابتداء رفع الإمام من الركوع هل أدرك الركوع؟

الشيخ: إذا كان الإمام إلى الركوع أقرب إذاً أدركه.

فصل

ص: 112

القارئ: ومن وقف معه كافر أو امرأة أو خنثى مشكل أو من صلاته فاسدة فحكمه حكم الفذ لأنهم من غير أهل الوقوف معه.

الشيخ: وهذا إذا علم أن هذا كافر مثل أن يعرف أنه رجل يستهزئ بالله وآياته ورسوله أو علم أنها امرأة وهل يمكن أن تخفى المرأة؟ يمكن لأن بعض النساء يلبسن ثياباً كأنها ثياب رجال كذلك أيضاً خنثى مشكل يمكن يشكل؟ هذه يمكن لأن الخنثى المشكل قد يلبس ثياب رجال ومن صلاته فاسدة مثل أن يعلم أنه محدث هذا علم أن صلاته فاسدة فلا تصح مصافاته.

القارئ: وإن وقف معه فاسق أو أمي أو متنفل كانوا معه صفا لأنهم من أهل الوقوف معه وإن وقف الصبي معه في النفل كانا صفاً لحديث أنس وإن كان في فرض احتمل أن يكون معه صفا لأنه كالمتنفل واحتمل أن لا يصح لأنه ليس من أهل الإمامة له فيه أشبه المرأة.

الشيخ: والصحيح أنه يصح وقوله لأنه ليس من أهل الإمامة فيه هذا أيضاً ممنوع والصواب أن الصبي أهل للإمامة بالبالغ ويدل لهذا عموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) وما رواه البخاري أيضاً في حديث عمرو بن سلمة الجرمي أنه أمَّ قومه وله ست أو سبع سنين وهذا نص صريح ولأن الأصل أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل فإذا جازت إمامته في النفل فلتكن جائزة في الفرض أيضاً.

القارئ: وإن وقف معه محدث أو نجس يعلمان بذلك فهو كالفذ وإن لم يعلما بذلك صحت صلاته لأنه لو كان إماماً له صحت صلاته.

وإن وقفت المرأة في صف الرجال كره ولا تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها وقال أبو بكر تبطل صلاة من يليها لأنه خالف الموقف والأول أولى لأنها هي التي خالفت بوقوفها مع الرجال فلم تبطل صلاتها فصلاته أولى.

ص: 113

الشيخ: هذا يقع كثيراً في أيام الموسم في الحج أو في أيام موسم العمرة في رمضان تجد المرأة إلى جنب الرجل فهل هذا جائز نقول هذا ضرورة لكن إذا رأيت من نفسك شبهة فانعزل واطلب مكاناً آخر لأن بعض الناس قد تتحرك شهوته إذا قامت إلى جنبه امرأة وبعض الناس أيضاً ربما تفسد صلاته بحدث فإذا كانت المسألة لا يُخشى منها محظور وكان في ذلك ضرورة فلا بأس، فإن كان هناك صف من نساء كامل فهل يصف من ورائهن الرجال؟ الجواب نعم عند الضرورة.

القارئ: فإن وقف اثنان خلف الصف فخرج أحدهما لعذر دخل الآخر في الصف أو وقف عن يمين الإمام أو نبه من يخرج فيقف معه فإن لم يمكنه نوى مفارقته وأتم منفردا لأنه عذر أشبه ما لو سبق إمامه الحدث فإن دخل المسبوق فوجد فرجة قام فيها وإن لم يمكنه قام عن يمين الإمام فإن لم يمكنه نبه رجلاً يتأخر معه فإن لم يفعل لم يكرهه ويصلي وحده أو ينتظر جماعة أخرى.

الشيخ: المسألة الأخيرة فيها نظر والصواب أنك إذا أتيت والصف قد تم فإنك تصلي وحدك مع الجماعة يعني تصف وحدك ولا تتقدم إلى الإمام ولا تجتذب أحدا لأن التقدم إلى الإمام تحصل به مخالفة السنة في موقف الإمام إذ أن الإمام متميز بالموقف كما أنه متميز بكونه يقتدى به فإذا وقفت إلى جنبه صار كأنكما إمامان فإن جاء آخر وقف معكما وجاء الثاني والثالث صرتما صفاً لكن لو أنك صليت خلف الصف وجاء آخر صرتما اثنين واستقام الصف فالصواب أن الإنسان إذا جاء والصف تام فإنه يصف وحده وصلاته صحيحة وليُعلم أن القول ببطلان الصلاة صلاة الرجل خلف الصف مخالف للمذاهب الثلاثة فإن مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة كلها تقول إن وقوف الإنسان خلف الصف ولو لغير عذر لا يبطل الصلاة وهو رواية عن الإمام أحمد والرواية الثانية أنه تبطل الصلاة مطلقا سواء لعذر أو لغير عذر والصحيح أنه إذا كان لعذر كامتلاء الصف فلا بأس به.

ص: 114

السائل: بعض الناس يجد فرجة صغيرة فيضيق على المأمومين فهل لمن حصل له ضيق أن يرجع إلى الخلف؟

الشيخ: هو إذا كان يخشى من أن يشوش عليه صلاته من أجل الضيق فلا بأس أن يرجع القهقرى بل نقول هذا أولى لكن هذا الذي دخل في فرجة صغيرة وبدنه كبير يحرم عليه ذلك لأنه يؤذي الناس.

السائل: في المسألة التي قبلها فإن لم يمكنه نوى مفارقته وأتم منفردا ما تحمل على المسألة الثانية أنه يبقى لوحده؟

الشيخ: المذهب إذا لم يمكنه الدخول لابد أن ينوي الانفراد والقول الصحيح يبقى وحده في الصف.

فصل

القارئ: السنة للمرأة إذا أمت نساءً أن تقوم وسطهن لأن ذلك يروى عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما وإن كانت معها امرأة وقفت عن يمينها وإن وقفت خلفها جاز لأن المرأة يجوز وقوفها وحدها بدليل حديث أنس.

الشيخ: وهذا الذي قاله فيه نظر إذا كانت امرأة مع امرأة فلابد أن تصف إلى جنبها إلى اليمين إما وجوباً أو استحباباً حسب ما سبق لنا أن قلنا أن القول الراجح أن الإنسان لو صلى عن يسار الإنسان مع خلو يمينه فصلاته صحيحة لكنها خلاف الأولى والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل تماماً فيجب أن تصف معها إما إلى اليمين وهو الأفضل أو إلى اليسار وأما انفرادها خلف المرأة الواحدة فلا يجوز كالرجل وهو داخل في عموم (لا صلاة لمنفرد خلف الصف).

فصل

القارئ: والسنة أن يقف الإمام حذاء وسط الصف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (وسِّطوا الإمام وسدوا الخلل) رواه أبو داود وأن يتموا الصف الأول لما روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أتموا الصف الأول فما كان من نقص فليكن في الصف الآخر) رواه أبو داود.

الشيخ: هاتان مسألتان:

ص: 115

المسألة الأولى السنة أن يقوم الإمام وسط الصف لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (وسطوا الإمام وسدوا الخلل) هذا الحديث في صحته نظر لكن هو مقتضى القاعدة الشرعية لأن القاعدة الشرعية تقتضي العدل وليس من العدل أن يقوم الإمام في أيسر الصف بحيث يكون الناس كلهم على اليمين لأنه إجحاف فالوسط يكون هو الوسط ومن ذلك لو أن الإمام وقف في وسط الصف أول ما أقيمت الصلاة ثم دخل أناس آخرون فكثير من الناس يذهب إلى الأيمن ولو بعد ويدع الأيسر وهذا فيه نظر والصواب أن الأيمن أفضل من الأيسر عند التساوي أو التقارب ويدل لهذا أنه لما كان المشروع في حق الثلاثة أن يكون الإمام بينهم كان متوسطاً ولو كان الأيمن أفضل مطلقاً لكان هو الأيسر من الثلاثة فلما توسط بينهما دل على مراعاة التساوي من الجانبين فإذا تساويا أو تقاربا فلا شك أن اليمين أفضل.

المسألة الثانية إتمام الصف الأول فالأول فإن هذا هو المشهور قال العلماء وينبغي تقارب الصفوف وقرب الإمام من الصف الأول والخطوط المعلمة هذه جيدة لأن الناس يتقاربون فيها.

القارئ: وخير صفوف الرجال أولها وخير صفوف النساء آخرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم قال (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) رواه مسلم. وقال أحمد: ويلي الإمام الشيوخ وأهل القرآن ويؤخر الصبيان والغلمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى) رواه مسلم.

الشيخ: لماذا كان خير صفوف النساء آخرها لأنه أبعد عن الرجال وكان خير صفوف الرجال أولها لأجل السبق إلى الصف الأول (ولو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لا ستهموا).

السائل: بالنسبة للخطوط ما يقال إنها بدعة لأن بعض الناس يقول بإمكان الرسول عليه الصلاة والسلام أن يضع خطاً لكن لم يفعل؟

ص: 116

الشيخ: نقول هذه وسيلة فالناس لا يتعبدون بهذه الخطوط لكن يرون أنها وسيلة إلى تعديل الصفوف والوسائل لها أحكام المقاصد ولهذا لم يكن في عهد النبي عليه الصلاة والسلام تدوين الكتب ولا بناء المدارس ولا تنقيط القرآن ولا إعراب القرآن كل هذا حدث بعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه وسيلة وأما قولهم إن الرسول يمكنه أن يفعل فليس بصحيح لأن أرض مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم مفروشة بالحصباء وكيف يكون التخطيط مهما وضعوا من الخطوط سيزول ولو قالوا يمكن أن يجعل خيطاً قلنا الخيط فيه مضرة على الناس يعثرون به.

السائل: بالنسبة لخير صفوف النساء آخرها في وقتنا النساء منفصلات أحياناً في مصلى خاص؟

الشيخ: هذا سؤال وجيه يقول خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها هذا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام حيث لا حاجز بين النساء والرجال أما في وقتنا فإن كثيراً من المساجد يكون للنساء مصلى خاص أو حاجز بينهن وبين الرجال فنقول في هذه الحال يكون خير صفوف النساء أولها كالرجال.

فصل

ص: 117

القارئ: والسنة أن لا يكون الإمام أعلى من المأمومين لما روي أن عمار بن ياسر كان في المدائن فأقيمت الصلاة فتقدم عمار فقام على دكان والناس أسفل منه فتقدم حذيفة فأخذ بيديه واتبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ من صلاته قال حذيفة ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أعلى من مكانهم) وقال عمار فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي رواه أبو داود، فإن فعل فقال ابن حامد تبطل صلاته لارتكابه النهي وقال القاضي لا تبطل لأن عماراً بنى على صلاته وعن أحمد لا بأس بهذا لما روى سهل قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المنبر فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر ثم ركع ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ثم قال (أيها الناس إنما فعلت هذا لتأتموا بي وتعلَّموا صلاتي) متفق عليه ولا بأس بالعلو اليسير لأنه لا يحتاج فيه إلى رفع البصر المنهي عنه فيه بخلاف الكثير.

ص: 118

الشيخ: الآن فهمنا أن العلو علو الإمام على المأموم منهي عنه ولكن هل تبطل الصلاة أو لا تبطل؟ فيها قولان للعلماء كما رأيتم ثم هل العلو منهي عنه بمطلقه يعني أن مطلق العلو منهي عنه أو العلو الكثير؟ في هذا أيضاً خلاف والذي يظهر أن المراد بالنهي عن العلو إذا كان كثيراً أما العلو اليسير كدرجة المنبر والدرجتين فلا بأس بذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على المنبر وقال (إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلَّموا صلاتي) ثم إن التعليل الذي ذكر المؤلف أخيراً قال لأنه لا يحتاج إلى رفع البصر المنهي عنه فيه بخلاف الكثير ظاهره يشعر بأن المشروع في حق المأموم أن ينظر إلى الإمام لأن الإمام إذا كان رفيعاً يحتاج المأموم إلى رفع البصر وإذا كان ارتفاعه قليلاً لم يحتج إلى رفع البصر ومعلوم أن رفع البصر إلى السماء في الصلاة محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال (لينتهين أقوام عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم).

السائل: العلو هنا هل هو علو مطلق كما يكون في بعض المساجد طابقين طابق يصلي فيه الإمام وطابق أسفل يصلي فيه بعض المأمومين؟

الشيخ: المؤلف ما ذكر القليل يشترط أن يكون العلو للإمام وحده فإن كان معه أحد فلا بأس يعني لو كان الإمام معه أناس في الطابق الأعلى فلا حرج.

السائل: قول عمار: فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي هل هذا إقرار منه بسماع الحديث؟

الشيخ: يحتمل أنه إقرار منه بسماع الحديث لأنه قال ألم تسمع ويحتمل أنه قال ذلك يعني أنك لم تفعل إلا عن دليل.

السائل: لو العلو ينهى عنه مطلقاً وأما الحديث فإنه للحاجة لذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل ذلك للتعليم؟

الشيخ: لو قيل ذلك لكان له وجه لكن يقال إن هذا ليست حاجة تبيح النهي إذ من الممكن أن يعلمهم بالقول كما هو دأبه كثيراً.

القارئ: ولا بأس أن يكون المأموم أعلى من الإمام لذلك ويصح أن يأتم به من في أعلى المسجد وغيره إذا اتصلت الصفوف.

ص: 119

الشيخ: اشترط المؤلف للاقتداء فيمن كان خارج المسجد أن تتصل الصفوف وظاهره أنها إذا لم تتصل لم يصح الاقتداء ولو سمع صوتاً وهذا هو الأقرب لأن المراد بالجماعة الاجتماع أن يجتمع الناس في المكان كما يجتمعون في الأفعال ولأننا لو قلنا بصحة الاعتماد على مطلق الصوت لانفتح علينا باب لا يمكن سده الباب الذي لا يمكن سده أن يقول قائل أنا أصلي في بيتي خلف إمام المسجد الحرام لأن الصلاة تنقل على الهواء في التلفزيون وجماعتي أكثر من جماعتكم ومكان إمامي أفضل من مكان إمامكم فأنا صلاتي أتم من صلاتكم لأني أسمع وأشاهد حتى أسمع نَفَس الإمام وربما يكون سماعي لذلك أقوى من سماع بعض الذين في المسجد الذي في بلدي ولو فتح هذا الباب لحصل في ذلك شر كثير وإن كان بعض المعاصرين نسأل الله لنا ولهم الهداية قال إنه يصح أن يصلي الإنسان خلف المذياع قبل أن يأتي التلفزيون وكتب في ذلك رسالة سماها الإقناع في صحة الصلاة خلف المذياع وعلى هذا تجعل الراديو أمامك وتصلي خلف الإمام الذي تسمعه والصحيح أنه لابد أن يكون اجتماع في المكان.

فصل

ص: 120

القارئ: يجوز أن يأتم بالإمام من في المسجد وإن تباعد لأن المسجد كله موضع للجماعة فإن كان بينهما حائل يمنع المشاهدة وسماع التكبير لم يصح الائتمام به لتعذر اتباعه وإن مَنَع المشاهدة دون السماع ففيه وجهان أصحهما صحة الصلاة لأن أحمد قال في المنبر إذا قطع الصف لم يضر ولأنهم في موضع الجماعة ويمكنهم الاقتداء به لسماع التكبير فأشبه المشاهد والثاني لا يصح لأن عائشة قالت لنساء كن يصلين في حجرتها لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب والحجاب موجود ها هنا فإن كان المأموم في غير المسجد وبينهما حائل يمنع رؤية الإمام أو من وراءه لم تصح الصلاة لحديث عائشة وقال ابن حامد يمنع في الفرض وفي النافلة روايتان وعن أحمد في رجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة وأبوابه مغلقة أرجو أن لا يكون به بأس ويشترط اتصال الصفوف وهو أن لا يكون بينهما بعد كثير لم تجر العادة بمثله واشترط أصحابنا أن لا يكون بينهما نهر تجري فيه السفن ولا طريق والصحيح أن هذا لا يمنع لأنه لا يمنع المتابعة إلا أن يكون عريضاً يمنع الاتصال.

الشيخ: الله المستعان نهر ما يمنع الاتصال وتجري به السفن سبحان الله! ما أدري وما معنى هذا هل يريد جدول من النهر ساقي أما نفس النهر فإنه يمنع الإتصال ولا شك.

السائل: هل يشترط اتصال الصفوف لمن يصلي أعلى المسجد؟

الشيخ: خارج المسجد يشترط وأعلى المسجد لا يشترط.

السائل: على ماذا يدل حديث عائشة؟

الشيخ: هذا يدل على أن من كان خارج المسجد فإنه لا يصح اقتداؤه به إلا إذا اتصلت الصفوف فهذا حاجة لأنها لا تتصل الصفوف عادة إلا لامتلاء المسجد.

السائل: المسجد الحرام يكون فيه تقطع للصفوف وتباعد فيما بينها؟

الشيخ: نعم يوجد كما قلت في المسجد الحرام تقطع للصفوف لكن ما داموا في المسجد فالصلاة صحيحة ولو تباعدت كما يوجد أيضاً في مسجد المدينة بعد السعة لكننا نقول إن هذا خلاف السنة والسنة أن يتقدموا إلى الأول فالأول.

فصل

ص: 121

القارئ: ويستحب أن يصلي إلى سترة ويدنو منها لما روى أبو سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صلى أحدكم فلييصلِّ إلى سترة وليدنو منها) رواه الأثرم قال سهل كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر الشاة رواه البخاري ومسلم وقدر السترة مثل آخرة الرحل وذلك قدر الذراع أو عَظْم الذراع.

الشيخ: من رؤوس الأصابع إلى المرفق ذراع، عظم الذراع يسقط منه الكف من مفصل الكف إلى المرفق.

القارئ: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبالي ما مر وراء ذلك) رواه مسلم ويجوز أن يستتر بعصا أو بحيوان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان تركز له الحربة فيصلي إليها ويعرض البعير فيصلي إليه وقال نافع كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلاً إلى سارية قال ولني ظهرك فإن لم يجد سترة خط خطاً لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره ما مر وراءه) رواه أبو داود.

قال أحمد رضي الله عنه الخط عرْضاً مثل الهلال وقد قالوا طولا وقد قالوا عرضا وأنا أختار هذا فإن لم يمكنه نصب العصا ولا الخط عرضها بين يديه لأنها تقوم مقام الخط ولا يصمد للسترة ولكن ينحرف عنها يسيراً لقول المقدام ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن ولا يصمد لها صمدا رواه أبو داود.

الشيخ: هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وذهب إليه الأصحاب وقيل إنه لا ينحرف يميناً ولا يساراً وضعفوا هذا الحديث وقالوا إن ظاهر النصوص أنه يجعلها بين يديه صمداً وهذا لا شك أنه ظاهر النصوص أنه يجعلها بين يديه وهذا الحديث به لين كما ذكره في شرح الإقناع وغيره.

ص: 122

القارئ: وسترة الإمام سترة لمن خلفه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه إلى سترة ولم يأمرهم أن يستتروا بشيء.

فصل

القارئ: وإذا مر من وراء سترته شيء فلا بأس للحديث فإذا أراد المرور دونها إنسان رده فإن لحَّ دفعه إلا أن يغلبه أو يحوجه إلى عمل كثير لما روى أبو سعيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا كان أحدكم يصلي إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان) متفق عليه فإن مر بين يديه لم يرده من حيث جاء لأنه مرور ثانٍ وإن صلى إلى غير سترة فمر من بين يديه شيء فحكمه حكم ما مر بينه وبين السترة للحديث ويتقيد ذلك بالقريب منه الذي لو مشى إليه فدفعه لم تفسد صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفع المار فتقيد به بدلالة الإجماع بما لا يفسد الصلاة فكذلك هذا.

فصل

القارئ: ويحرم المرور بين يدي المصلي لما روى أبو جهيم الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه) متفق عليه، ولا يقطعها شيء إلا الكلب الأسود البهيم الذي لا لون فيه سوى السواد لما روى أبو ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره مثل آخرة الرحل فإن لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود) قلت يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر قال يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال (الكلب الأسود شيطان) رواه مسلم.

الشيخ: وهذا من عجائب الاستدلال يقول لا يقطعها إلا الكلب الأسود ثم يستدل بما يدل على أنه يقطعها الكلب الأسود والحمار والمرأة والله المستعان.

ص: 123

القارئ: وعن أحمد أن مرور المرأة والحمار يقطع الصلاة للحديث والمشهور الأول لأن عائشة رضي الله عنها قالت (عدلتمونا بالكلب والحمار لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة) متفق عليه وقال الفضل بن عباس (أتانا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية فصلى في صحراء وليس بين يديه سترة وحمارة لنا وكلبة يعبثان بين يديه فما بالا ذلك) رواه أبو داود فإن كان الكلب واقفاً بين يديه ففيه وجهان أحدهما حكمه حكم المار لأنه حصل بين يديه أشبه المار والثاني لا تفسد الصلاة لأن حكم الواقف يخالف حكم المار بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى البعير ويصلي وعائشة في قبلته ولا يرى ذلك كالمرور ومن غصب سترة فاستتر بها فهل تمنع ما مر وراءها فيه وجهان بناءً على الصلاة في الثوب المغصوب.

الشيخ: والصواب أن السترة هذه تجزئ وتكفي ولو كانت مغصوبة حتى ولو كانت نجسة إذا لم يكن لها رائحة تشغله في صلاته فإنها تجزئ وقوله كالصلاة في الثوب المغصوب أيضاً قياس على ما فيه الخلاف وقد مر علينا في نظم الورقات أنه يشترط لصحة القياس الاتفاق على الأصل المقيس عليه فإذا لم يتفق المتناظران على الأصل لم يُلزم بالقياس.

فصل

القارئ: ولا حاجة في مكة إلى سترة ولا يضره ما مر بين يديه لأن المطلب قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيال الحجر والناس يمرون بين يديه رواه الخلال وكان ابن الزبير رضي الله عنه يصلي والطُّواف بينه وبين القبلة تمر المرأة بين يديه فينتظرها حتى تمر ثم يضع جبهته في موضع قدمها.

ص: 124