المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب غسل الميت - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٢

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌باب غسل الميت

السائل: في البحرين أصبح عندنا عادة في كل مرة يأتي أناس متأخرون فيصلون على القبر ليس عمداً ولكن لا يدركون صلاة الجنازة فيأتون ويصلون على القبر فهل في هذا بأس

الشيخ: هو بارك الله فيك ليس بسنة مطلقة الصلاة على القبر لكن من كان فيه نفع للمسلمين أو غناء للمسلمين فهذا يصلى على قبره كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قبر التي كانت تقم المسجد أو كان إنساناً قريباً لك فتريد أن تشفي نفسك بالصلاة عليه أما كونك تخرج للمقبرة كل يوم وتصلي على من دفن اليوم أو أمس فهذا ليس بمشروع.

السائل: هناك مشروع عند الأخوة بحيث إذا كانت هناك جنازة يتصل بجميع الأخوة لكي من يرغب أن يأتي الجنازة يحضر ولذلك يتكرر وجود الأخوة تقريباً يومياً عند الجنازة.

الشيخ: لا بأس بهذا يعني إخبار الناس لأجل يكثر المصلين عليه لا بأس به والنعي الذي ورد النهي عنه النعي بعد الدفن أما قبل فلا بأس أن يعلم الناس من أجل أن يكثر عدد المصلين عليه.

‌باب غسل الميت

القارئ: وهو فرض على الكفاية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته ناقته (اغسلوه بماء وسدر) وأولى الناس بغسله من أوصي إليه بذلك لأن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس فقدمت بذلك وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ففعل ولأنه حق للميت فقدم وصيه فيه على غيره كتفريق ثلثه.

الشيخ: فيه أيضاً تعليل ثالث مهم وهو أن الميت قد يكون فيه أشياء لا يحب أن يطلع عليها كل أحد ولا يحب أن يطلع عليها إلا شخص يأتمنه فيوصي أن يغسله فلان، رابعاً لأن الميت يحب أن يغسله من كان أعبد لله وأطوع لله فيختار شخصاً معينا ففي هذا الحكم أثر ونظر يعني آثار ونظر صحيح في أنه يقدم في

ص: 309

تغسيل الميت من أوصى وفي أثر أبي بكر الصديق رضي الله عنه جواز تغسيل المرأة زوجها بعد موته فإن قال قائل أليس قد وقعت الفرقة بينهما وأعظم فرقة؟ قلنا بلى لكن آثار النكاح باقية من وجوب العدة وثبوت الميراث وغير هذا فلذلك جاز للرجل أن يغسل امرأته وللمرأة أن تغسل زوجها.

القارئ: فإن لم يكن له وصي فأولاهم بغسل الرجل أبوه ثم ابنه وإن نزل ثم الأقرب فالأقرب من عصباته ثم الرجال من ذوي أرحامه ثم الأجانب لأنهم أولى الناس بالصلاة عليه وأولاهم بغسل المرأة أمها ثم جدتها ثم ابنتها ثم الأقرب فالأقرب ثم الأجانب.

الشيخ: ولكن كل هذه الترتيبات التي قالها المؤلف رحمه الله مسبوقة بأمر مهم وهو أعلم الناس بكيفية التغسيل هذا مقدم على كل هذه الأولويات يعني بعد الوصي يقدم أعلم الناس بأحكام التغسيل كقول الرسول عليه الصلاة والسلام (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) فإذا قدر أن في هؤلاء الذين رتبهم المؤلف من لا يحسن التغسيل فإنه لا يقدم لأن المحافظة على التغسيل أولى من التقديم ولا يستثنى من هذا إلا شيء واحد وهو الوصي.

القارئ: ويجوز للمرأة غسل زوجها بلا خلاف لحديث أبي بكر ولقول عائشة (لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه) وفي غسل الرجل امرأته روايتان أشهرهما يباح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة (لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك) رواه ابن ماجة وغسل علي فاطمة فلم ينكره منكر فكان إجماعا ولأنها أحد الزوجين فأبيح للآخر غسله كالزوج والأخرى لا يباح لأنها فرقة أباحت أختها وأربعاً سواها فحرمت اللمس والنظر كالطلاق وأم الولد كالزوجة في هذا لأنها محل استمتاعه فإن طلق الرجل زوجته فماتت في العدة وكان الطلاق بائناً فهي كالأجنبية لأنها محرمة عليه وإن كانت رجعية وقلنا إن الرجعية مباحة له فله غسلها وإلا فلا.

فصل

ص: 310

القارئ: ولا يصح غسل الكافر المسلم لأن الغسل عبادة محضة فلا تصح من كافر كالصلاة ولا يجوز للمسلم أن يغسل الكافر.

الشيخ: ويدل على أنها عبادة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها حيث قال (اغسلوه بماء وسدر) فالغاسل الذي يغسل الميت ينبغي له أن يستشعر أن الرسول أمره بهذا حتى يكون قائماً بعبادة أي يمتثل بها أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى هذا فلا يصح أن يغسل الكافر مسلماً.

فإذا كان لا يصلي وأراد أن يغسل ابنه هل يطاع أو لا؟ لا يطاع لأنه كافر والكافر لا يغسل المسلم.

السائل: قوله رحمه الله لأنها فرقة أباحت أختها وأربعاً سواها ما معناها؟

الشيخ: معناه أن المرأة إذا ماتت جاز لزوجها أن يتزوج أختها بمجرد موت الزوجة التي معه هذا معنى أباحت أختها ومعنى قوله وأربعاً سواها أي إذا كانت هذه الميتة هي الرابعة جاز أن يتزوج الرابعة بدلاً عنها هذا معنى كلامه رحمه الله.

مسألة: ذهب بعض العلماء إلى أن أم الولد لا تغسل سيدها وهذا أقرب إلى الصواب لأنها ليست زوجة ولهذا كانت أمهات الأولاد يبعن على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى عهد أبي بكر.

السائل: إذا أوصى الرجل بأن يغسله رجل وكان هذا الوصي جاهلاً بصفة الغسل؟

الشيخ: يعلّم صفة الغسل.

القارئ: ولا يجوز للمسلم أن يغسل كافراً وإن كان قريبه ولا يتولى دفنه إلا أن يخاف ضياعه فيواريه وقال أبو حفص العكبري يجوز ذلك وحكاه قولاً لأحمد لما روي عن علي أنه قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم (إن عمك الشيخ الضال قد مات قال اذهب فواره) رواه أبو داود والنسائي ولنا أنه لا يصلى عليه فلم يكن له غسله كالأجنبي والخبر يدل على مواراته وله ذلك لأنه (يتغير).

الشيخ: الصواب يعيَّر بدل يتغير لأنه حتى لو دفن يتغير لكن يعير يقال هذا عم فلان جيفة كالحمار ويعير ياء مضمومة ثم عين مفتوحة ثم ياء مشددة مفتوحة ثم راء على حسب العوام.

ص: 311

القارئ: لأنه يعير بتركه ويتضرر ببقاءه قال أحمد رضي الله عنه في مسلم مات والده النصراني فليركب دابته وليسر أمام الجنازة، وإذا أراد أن يدفن رجع مثل قول عمر.

الشيخ: هذا هو الصحيح أنه لا يجوز أن يُغَسّل الكافر ولا أن يكفن ولا أن يدفن مع المسلمين ولكنه يدفن في أي مكان غير مملوك لأحد للأسباب التي ذكرها المؤلف رحمه الله وهي أن لا يعير به وأن لا يتضرر ببقائه وأن لا يؤذي الناس برائحته وأن لا يزعج من رآه والمهم أنه يدفن لكف شره لا كرامة له ولكن لكف شره ومن هؤلاء الكفرة الذين لا يصلون فإذا مات من نعلم أنه لا يصلي فإن الواجب أن نخرج به إلى مكان غير مملوك ثم نحفر له حفرة بدون لحد ثم نرمسه فيها اتقاءً لشره واجتناباً لما يلوث به الجو من الرائحة الكريهة ولئلا يعير قريبه به ولئلا ينزعج من رآه.

وهذه قلّ من يخاف الله عز وجل ويعمل بها تجد الإنسان يأتي بأبيه أو أخيه أو ابنه وهو يعلم أنه ما سجد لله سجدة ثم يقدمه للمسلمين يصلون عليه ويدفنه مع المسلمين فيتأذى منه الأحياء والأموات أما الأحياء فلأنهم صلوا على من لا يستحق الصلاة وأما الأموات فلأنه يعذب في قبره وربما يتأذون منه ومن صياحه وعويله والعياذ بالله وفي نقله رحمه الله عن الإمام أحمد قوله وليسر أمام الجنازة لأنه لا ينبغي لكافر أن يتقدم

على مسلم فإذا كان لابد من خروجه معه خرج وصار أمام الجنازة ثم عند الدفن يرجع وهو لن يدفن في مقابر المسلمين بل في مقابر الكفار إذا كان لهم مقابر خاصة ثم عند الدفن يرجع كما قال الإمام أحمد يعني لا ينحبس من أجل أن يحضر دفنه لأنه لا فائدة من ذلك لا يمكن أن يدعى له بالمغفرة ولا بالتثبيت لأنه ليس أهلاً لهذا.

ص: 312

القارئ: ولا يجوز لرجل غسل امرأة غير من ذكرنا ولا لامرأة غسل رجل سوى زوجها وسيدها لأن أحدهما مُحَرَّم على صاحبه في الحياة فلم يجز له غسله كحال الحياة فإن مات رجل بين نساء أو امرأة بين رجال أو خنثى مشكل فإنه ييمم في أصح الروايتين لما روى واثلة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس بينها وبينهم محرم تيمم كما ييمم الرجال) أخرجه تمام في فوائده وعنه في الرجل تموت أخته فلم يجد نساء يغسلها وعليها ثيابها ويصب عليها الماء صبا والأول أولى لأن الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف ولا إزالة النجاسة بل ربما كثرت فكان التيمم أولى كما لو وجد ماء لا يطهر النجاسة.

ص: 313

الشيخ: كلام المؤلف الذي يسمعه يقول إن المراد بتغسيل الميت هو التنظيف لأنه قال لا يحصل به التنظيف يعني الغسل من دون مس لكنه يحصل به التطهير ولهذا لو توضأ الإنسان بدون مس أو اغتسل بدون مس أجزأه فيحصل به التطهير لكن المؤلف يقول لا يحصل به التنظيف وإذا كانت العلة من وجوب غسل الميت هي التنظيف لزم من هذا أن نقول إذا تعذر غسله فإنه لا ييمم لأن التيمم لا يفيد شيئاً فإما أن ننظر إلى الغسل على أنه طهارة شرعية فمتى تعذر استعمال الماء في حقه فإنه ييمم وإما أن ننظر إلى أنها طهارة تنظيف وبناءً على ذلك إذا تعذر غسله فإنه لا ييمم والحقيقة أن ظاهر الأدلة أنه غسل تنظيف لقول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) وهذا يدل على أن المراد من ذلك التنظيف ولقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته راحلته يوم عرفة (اغسلوه بماء وسدر) ولا نعلم فائدة للسدر إلا التنظيف وبناءً على هذا فإذا تعذر تغسيل الميت إما لعدم وجود الماء أو لتمزق جلده بحريق أو نحوه فإنه لا ييمم وإنما تلف عليه أكفانه ويصلى عليه ويدفن وكون الرجل لا يغسل المرأة ولو كانت من أقاربه أو بالعكس هذا حق لأن الميت كله عورة ولا أحد يطلع على العورات إلا الزوج أو الزوجة فلهذا نقول لا يغسل فإن قال قائل ما دليلكم على أن الميت عورة قلنا قول الله تبارك وتعالى في سورة المائدة (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ).

السائل: هل يقدم الزوج على نساء أهل الميتة أم تقدم النساء على الزوج؟

الشيخ: تقدم النساء على الزوج إلا إذا كانت الزوجة قد أوصت بذلك أو لم نجد من يحسن التغسيل.

ص: 314

السائل: وما الموقف من حديث عائشة رضي الله عنها (لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا لم يغسل رسول الله إلا نساؤه) وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة (لو مت قبلي لغسلتك)؟

الشيخ: يقال إن عائشة رضي الله عنها أرادت بيان الجواز وأن المرأة لا بأس أن تغسل زوجها وأما قول الرسول (لو مت قبلي لغسلتك) فقصده بهذا إظهار محبته لها وأنه يتولاها حية وميتة.

السائل: رجل مات عن زوجة وأربع بنات وأختين شقيقتين وأولاد أخ فما لكل منهم.

الشيخ: الزوجة لها الثمن والبنات لهن الثلثان والباقي للأختين الشقيقتين ولا شيء لأبناء الأخ الشقيق.

السائل: يعني الأخوات يحجبن أبناء الأخ الشقيق؟

الشيخ: نعم لأنهن أقرب.

السائل: ماذا نقول لمن يعترض على قتل ساب الرسول بقوله أن الكافر لا يقتل وهو مكذب وشاتم لله؟

الشيخ: الساب للرسول عليه الصلاة والسلام اعتدى على حق شخصي ولهذا يجب قتله ولو تاب وساب الله عز وجل اعتدى على حق الله والله عز وجل قد بين أن من تاب تاب الله عليه.

القارئ: ويجوز للمرأة غسل صبي لم يبلغ سبع سنين نص عليه لأن عورته ليست بعورة وتوقف عن غسل الرجل الجارية قال الخلال القياس التسوية بين الغلام والجارية لولا أن التابعين فرقوا بينهما وسوى أبو الخطاب بينهما في الجواب جرياً على موجَب القياس.

الشيخ: وذلك لأن عندهم من لم يبلغ سبع سنين فليس لعورته حكم لا في النظر ولا في المس والظاهر أنه إذا دعت الضرورة فلا فرق بين الرجل والمرأة فيجوز للرجل أن يغسل طفلة ماتت ولها أقل من سبع سنوات لا سيما إذا لم يكن هناك امرأة ولا سيما أيضاً إذا كانت ابنته أو أخته أو من قرابته.

فصل

في أمانة الغاسل

ص: 315

القارئ: وينبغي أن يكون الغاسل أمينا لما روي عن ابن عمر أنه قال لا يغسل موتاكم إلا المأمونون ولأن غير الأمين لا يؤمن أن لا يستوفي الغسل ويذيع ما يرى من قبيح وعليه ستر ما يرى من قبيح لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من غسل ميتاً ثم لم يفشِ عليه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) رواه ابن ماجه بمعناه.

الشيخ: قوله رحمه الله وعليه ستر ما يرى من قبيح عليه تفيد الوجوب ولهذا عبر غيره بقول ويجب على الغاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسنا فإن رأى حسناً فهل الأفضل أن يذيعه؟ نقول في هذا تفصيل إن خيفت الفتنة فلا يذعه وإن لم تخف فإن نشر محاسن إخوانه من الأمور المطلوبة أما إذا خيفت الفتنة بأن يكون قبره مزاراً أو تتعلق به الأفئدة فلا يبين.

القارئ: وإن رأى أمارات الخير استحب إظهارها ليترحم عليه ويرغب في مثل طريقته وإن كان مغموصاً عليه في السنة والدين مشهوراً بذلك فلا بأس بإظهار الشر عنه لتحذر طريقته.

الشيخ: هذا كالاستثناء من قوله وعليه ستر ما يرى من قبيح يعني إذا كان الإنسان مغموصاً عليه في السنة يعني صاحب بدعة يدعو لها ويحث عليها ثم رأى منه من غسله بعد موته ما يسوء من اسوداد وجه أو ما أشبه ذلك من العلامات السيئة فإنه يشيعه والفائدة من ذلك هو أن يحذر الناس من طريقته وهذا التعليل يوحي بأن المراد من كان داعية يدعو إلى بدعته لئلا يغتر الناس به الداعية أوكد أن نظهر مساوئه وسوء خاتمته من غير الداعية.

القارئ: ويستحب ستر الميت عن العيون ولا يحضرَه إلا من يعين في أمره لأنه ربما كان به عيب يستره في حياته وربما بدت عورته فشاهدها.

الشيخ: هذا تعليل جيد لا بأس به يؤدي إلى أن يقال لا يحضره إلا من احتيج إليه لمعاونة الغاسل في تقليب الميت أو تقريب الماء إليه أو الصب عليه أو ما أشبه ذلك.

فصل

في صفة الغسل

ص: 316

القارئ: ويجرد الميت عند تغسيله ويستر ما بين سرته وركبتيه روى ذلك الأثرم عنه واختاره الخرقي وأبو الخطاب لأن ذلك أمكن في تغسيله وأبلغ في تطهيره وأشبه بغسل الحي وأصون له عن أن يتنجس بالثوب إذا خلع عنه ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يفعلون ذلك بدليل أنهم قالوا لا ندري أنجرد النبي صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا رواه أبو داود والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم به وأقرهم عليه وروى المروذي عنه أن الأفضل غسله في قميص رقيق ينزل الماء فيه ويدخل الغاسل يده في كم القميص فيمرها على بدنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل في قميصه.

الشيخ: والصحيح الأول الصحيح أنه يجرد إلا عورته وهي ما بين السرة والركبة.

القارئ: ولأنه أستر للميت ويستحب أن يوضع على سرير غسله متوجهاً منحدراً نحو رجليه لينصب ماء الغسل عنه ولا يستنقع تحته فيفسده.

الشيخ: وهذا بناءً على أن سرير الغسل صفحة واحدة لكن الآن المعمول به عندنا أن سرير الغسل عوارض بمعنى أن الماء لا يبقى وعلى هذا فلا حاجة إلى أن نقول إنه يكون منحدراً نحو رجليه.

القارئ: ويستحب أن يتخذ الغاسل ثلاثة آنية إناء كبير فيه ماء بعيداً من الميت وإناء وسط وإناء يغترف به من الوسط ويصب على الميت فإن فسد الماء الذي في الوسط كان الآخر سليما ويكون بقربه مجمر فيه بَخور لتخفي رائحة ما يخرج منه.

الشيخ: وهذا الذي ذكره رحمه الله بناءً على ما سبق من أن الاغتسال عندهم في الأواني أما الآن فأصبح الأمر أيسر من هذا يضع اللي مثلاً في الصنبور ويصب على البدن ويدلكه ولا حاجة إلى أن يضع ثلاثة أواني إلا فيما إذا احتجنا إلى السدر وكذلك في الغسلة الأخيرة التي يجعل فيها الكافور فلابد من إناء.

السائل: ما حكم حضور أكثر من المغسل والمساعد لكي يتعلموا صفة الغسل؟

ص: 317

الشيخ: هذا مكروه لأن التعليم هنا لا يتعلق بهذا الميت نفسه والتعليم يمكن أن يوصف الإنسان خارجاً في غير هذا الوقت سواء جعل هذا التطبيق بأن يأتي بجسد ويغسله أمام الناس أو يصفونه وصفاً وكثير من طلبة العلم إنما عرفوا التغسيل بالوصف.

فصل

في فرائض غسل الميت

القارئ: والفرض فيه ثلاثة أشياء النية لأنها طهارة تعبدية أشبهت غُسل الجنابة وتعميم البدن بالغسل لأنه غسل فوجب فيه ذلك كغسل الجنابة وتطهيره من النجاسة وفي التسمية وجهان بناءً على غسل الجنابة.

الشيخ: سبق أنه يشترط في الغاسل أن يكون مسلماً وأن يكون مميزاً وأن يكون عاقلاً هذا سبق أما التغسيل فيشترط فيه ثلاثة شروط.

الشرط الأول النية لأنها عبادة والعبادة لابد فيها من النية فلو أن الميت مات بغرق وتطهر جسمه تماماً بالماء فإنه لابد من تغسيله ولو سقط ثوب نجس في ماء وطهر فإن الثوب يكون طاهراً لأن إزالة النجاسة لا يشترط فيها النية وأما تغسيل الميت فيشترط فيه النية.

الشرط الثاني تعميم البدن بالتغسيل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اغسلوه بماء وسدر) ولقوله للنساء اللاتي يغسلن ابنته (اغسلنها) ولو استدل المؤلف بهذا لكان أحسن من استدلاله بالقياس على غسل الجنابة لأن هذا نص صريح اغسلوه فيعم جميع البدن (اغسلنها) يعم جميع بدنها.

الشرط الثالث تطهيره من النجاسة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغاسلات لابنته (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) فدل هذا على أنه لابد من غسل تزول به النجاسة على أدنى تقدير.

القارئ: ويسن فيه ثمانية أشياء أحدها أن يبدأ فيحنيَ الميت حنياً لا يبلغ به الجلوس ويمر يده على بطنه فيعصره عصراً دقيقاً ليخرج ما في جوفه من فضلة لئلا يخرج بعد الغسل أو بعد التكفين فيفسده.

ص: 318

الشيخ: يعني لو قال المؤلف بدل الحني الذي قد يشكل على الطالب لو قال أن يرفع رأسه وهذا هو المراد لأنه هو الآن مستلقي على سرير الغسل فيرفع رأسه لكن لا إلى حد القعود لأن ذلك متعب لكن يرفعه قليلاً ثم يعصر بطنه برفق ليخرج ما كان مستعداً للخروج حتى لا يتلوث البدن بعد التغسيل أو بعد التكفين.

القارئ: ويصب عليه الماء وقت العصر صباً كثيرا ليذهب بما يخرج فلا تظهر رائحته والثاني أن يلف على يده خرقة فينجيه بها ولا يحل له مس عورته لأن رؤيتها محرمة فلمسها أولى ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة وينبغي أن يتخذ الغاسل خرقتين خشنتين ينجيه بإحداهما ثم

يلقيها ويلف الأخرى على يده فيمسح بها سائر البدن لما روي أن علياً رضي الله عنه غسل النبي صلى الله عليه وسلم وبيده خرقة يمسح بها ما تحت القميص الثالث أن يبدأ بعد إنجائه فيوضئه لما روت أم عطية أنها قالت لما غسلنا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) متفق عليه ولأن الحي يتوضأ إذا أراد الغُسل فكذلك الميت.

الشيخ: الغَسل بالفتح التغسيل والغسل بالضم العبادة يعني هذه للفعل وهذه للمعنى.

ص: 319

القارئ: ولا يدخل فاه ولا أنفه ماء لأنه لا يمكنه إخراجه فربما دخل بطنه ثم خرج فأفسد وضوءه لكن يلف على يده خرقة مبلولة ويدخلها بين شفتيه فيمسح أسنانه وأنفه ويتتبع ما تحت أظفاره إن لم يكن قلمها بعود لين كالصفصاف فيزيله ويغسله كما يفعل الحي في وضوءه وغسله الرابع أن يغسله بسدر مع الماء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (اغسلوه بماء وسدر) وقال للنساء اللاتي غسلن ابنته (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور) متفق عليه وظاهر كلام أحمد أن السدر يجعل في جميع الغسلات لظاهر الخبر وذكره الخرقي وقال القاضي وأبو الخطاب يغسل الأولى بماء وسدر ثم يغسل الثانية بماء لا سدر فيه كي لا يسلب طهوريته ولا يجعل فيه سدر صحيح ولا فائدة في ترك يسير لا يؤثر فإن أعوز السدر جعل مكانه ما يقوم مقامه كالخطمي والصابون ونحوه مما ينقي.

الشيخ: الماء والسدر ظاهر الحديث أنه في كل غسلة وقال القاضي في الغسلة الأولى فقط والصحيح أنه ينظر إن احتيج إليه في كل غسلة استعمل في كل غسلة وإلا يكتفى بالأولى فقط لأن كثرته ربما تضعف الجلد وتُرهِّفَه ولأنه إضاعة مال لا فائدة منه أما الكافور فإنه يجعل في الغسلة الأخيرة وذكر في غسل بنت الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يذكر في غسل الذي وقصته ناقته لأن الكافور من الطيب والمحرم لا يتطيب.

القارئ: الخامس أن يضرب السدر ثم يبدأ فيغسل برغوته رأسه ولحيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بعد الوضوء بالصب على رأسه في الجنابة

ص: 320

الشيخ: يعني معناه أن الغاسل يعد ماء ثم يضع فيه السدر مدقوقاً ثم يضربه بيده حتى يكون له رغوة أي زبد فيأخذ هذه الرغوة ويغسل بها الرأس والوجه لأنه لو غسل الرأس بثفل السدر لبقي في رأسه حبات منه أما الرُّغوة فلا يبقى فيها شيء إذا أتاها الماء بعد ذلك ذهبت وأما استدلال المؤلف رحمه الله بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يبدأ غسل الجنابة بالإفاضة على رأسه فهذا بعد الوضوء ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم النساء اللاتي يغسلن ابنته أن يبدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها.

القارئ: السادس أن يبدأ بشقه الأيمن لقوله عليه السلام (ابدأن بميامنها) فيغسل يده اليمنى وصفحة عنقه وشق صدره وجنبه وفخذه وساقه وقدمه ثم يقلبه على جنبه الأيسر ويغسل شق ظهره الأيمن وما يليه ثم يقلبه على جنبه الأيمن ويغسل شقه الأيسر كذلك السابع أن يغسله وترا للخبر.

الشيخ: الخبر (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك).

القارئ: فيغسله ثلاثاً فإن لم يَنقَ بالثلاث زاد إلى خمس أو إلى سبع لا يزيد عليها لأنه آخر ما انتهى إليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم.

الشيخ: في هذا نظر بل ثبت في صحيح البخاري أنه قال (أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) فالصواب أن الأمر راجع إلى اجتهاد الغاسل فقد لا ينظف الميت بالسبع فإذا نظف بالثمان أضاف إليه التاسعة ليقطعها على وتر فقول المؤلف رحمه الله لأنه آخر ما انتهى إليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه نظر لأنه ثبت في صحيح البخاري أنه قال أو سبعاً أو أكثر من ذلك إذا رأيتن ذلك.

ص: 321

القارئ: ويمر في كل مرة يده ولا يوضئه إلا في المرة الأولى إلا أن يخرج منه شيء فيعيد وضوءه لأنه بمنزلة الحدث من المغتسل في الجنابة ولو غسله ثلاثاً فخرج منه شيء غسله إلى خمس فإن خرج بعد ذلك غسله إلى سبع فإن خرج بعد ذلك لم يعد إلى الغسل ويسد مخرج النجاسة بالقطن فإن لم يستمسك فبالطين الحر ويغسل موضع النجاسة.

الشيخ: الطين الحر هو الذي يتماسك لأن الطين بعضه يكون قريباً من الرمل لا يتماسك وبعضه يكون متماسكاً يسمى الحر وإلى الآن في عرف الناس يقال أرض حرة يعني ذات طين متماسك فإن قال قائل في وقتنا الحاضر يعز هذا الطين ويقل أو لا يوجد؟ نقول ما قام مقامه من الأمور الحديثة يكفي لأن المقصود أن ينسد هذا الخارج وظاهر كلام المؤلف سواء كان الخارج من القبل أو الدبر أو من طعنة فيه أو ما أشبه ذلك لأنه لابد أن يحرص على إيقافها.

القارئ: ويغسل موضع النجاسة ويوضأ لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل انتهى إلى سبع واختار أبو الخطاب أنه لا يعاد إلى الغسل لخروج الحدث لأن الجنب إذا أحدث بعد غسله لم يعده ويوضأ وضوءه للصلاة.

الشيخ: وما ذكره أبو الخطاب رحمه الله أقرب للصواب لأنه ليس هناك ما يوجب غسل الجنابة كل الأحداث التي تخرج بعد الموت لا توجب الغسل وعلى هذا فما ذهب إليه أبو الخطاب هو الصحيح أنه إذا خرج بعد انتهاء الغسل فإنه يُغسل المحل ويحرص على إيقاف الخارج ثم يوضأ.

القارئ: الثامن أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً يشده ويبرده ويطيبه.

ص: 322

الشيخ: وهذه الثلاث فوائد الكافور يشد البدن ويصلب البدن والثاني يبرده والثالث يطيبه لأنه نوع من الطيب والكافور معروف عند الباعة الذين يبيعون مثل هذه الأشياء فيؤتى بالكافور ويدق ثم يخلط في الماء في آخر غسلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اجعلن في الغسلة الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافور) وفوائده الثلاث ذكرها المؤلف الشد والتبريد والتطييب وذكر بعضهم رابعة أنه يطرد الهوام عنه في القبر فرائحته الجيدة الطيبة تطرد الهوام فتكون الفوائد حينئذٍ أربعاً.

القارئ: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، ويستحب أن يُضْفَر شعر المرأة ثلاثة قرون ويسدل من ورائها لما روت أم عطية قالت ضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه من خلفها تعني ابنة النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه.

الشيخ: ثلاثة قرون يعني الضفاير تجعل ثلاثة قرون وتلقى خلفها.

السائل: ما الصفة المجزئة في غسل الميت؟

الشيخ: المجزئ أن يعم جميع بدنه بالغسل مرة واحدة كغسل الجنابة.

السائل: الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال لأم عطية (أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) أليس المراد عند خروج شيء من بطنها.

الشيخ: لا فأحياناً يكون المرضى فيهم وسخ كثير ما يكفيهم الغسلة ولا الغسلتين والثلاث لا سيما في الزمن الأول لما كان الناس يصعب عليهم أن يتنظفوا كل جمعة أو كل عشرة أيام وما أشبهها ولو كان المراد الخروج لقال إن خرج شيء.

فصل

القارئ: وكره أحمد تسريح الميت لأن عائشة قالت علام تنصون ميتكم يعني لا تسرحوا رأسه بالمشط ولأنه يقطع شعره وينتفه والماء البارد في الغسل أفضل من الحار لأن البارد يشده والحار يرخيه إلا من حاجة إليه لوسخ يقلع به أو شدة برد يتأذى به الغاسل ولا يستعمل الإشنان إلا لحاجة إليه للاستعانة على إزالة الوسخ.

ص: 323

الشيخ: الإشنان نبات معروف له حبيبات صغيرة يدق ثم هذه الحبيبات تنظف تماماً والحبيبات مثل الرمل لكنه خفيف فينظف بها إذا قال قائل الآن ما يوجد الإشنان؟ نقول يجزئ عنه الصابون والشامبو أيضاً الشامبو ينظف وفيه أيضاً رائحة طيبة.

فصل

القارئ: ويستحب تقليم أظافر الميت وقص شاربه لأن ذلك سنة في حياته ويترك ذلك معه في أكفانه لأنه من أجزائه وكل ما سقط من الميت جعل معه في أكفانه ليجمع بين أجزائه وفي أخذ عانته وجهان أحدهما يستحب إزالتها بنورة أو حلق لأن سعد بن أبي وقاص جز عانة ميت ولأنه من الفطرة فأشبه تقليم الأظافر والثاني لا يستحب لأن فيه لمس العورة وربما احتاج إلى نظرها وذلك محرم فلا يفعل لأجل مندوب.

الشيخ: ومن العلماء من قال لا تقلم أظفاره ولا يقص شاربه ولا ينتف إبطه بل يبقى كما هو لأن الميت انقطع عمله والمقصود من إزالة هذه الأشياء كمال التطهير والميت لا يحتاج إلى ذلك لكن ما ذكره المؤلف لا بأس به أن يقال إن تقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الأبط جائز وأما حلق العانة فكما قال رحمه الله فيه كشف للعورة وربما احتاج إلى مسها فالأولى أن تبقى على ما هي عليه لكن في الوقت الحاضر يوجد أدهان يدهن بها المحل وإن لم ينظر إليها الإنسان وإن لم يمسها فهل نقول في هذه الحال تزال العانة بهذا المزيل؟ فيه احتمال لأن الحكم يدور مع علته إذا وجدت وجد وإذا فقدت فقد، بقي علينا الختان فإذا مات قبل أن يختن فهل نختنه بعد الموت؟ الجواب لا، والختان حرام لأنه قطع عضو ليس في حكم المنفصل أما ما سبق من الشعور والأظفار فإنه في حكم المنفصل وأما الختان فلا يحل لأنه أولاً ليس هناك ضرورة إليه إذ أن الختان إنما هو لتكميل الطهارة والميت قد انتهى والثاني أن فيه قطع جزء من الميت فلا يحل.

السائل: بالنسبة للأسنان المركبة هل يجوز خلعها؟

ص: 324

الشيخ: الأسنان المركبة تؤخذ أما إن كانت ذهباً وفضة فإنها تؤخذ وجوباً لما في دفنها معه من إضاعة المال ولا سيما إذا كان الورثة قصاراً لكن إذا خيفت المثلة بحيث يكون الذهب ملبساً على سن أصلي فهنا ربما لو قلعناه انقلع السن فحينئذٍ لا نتعرض له يدفن معه ثم إن أجاز الورثة ذلك فالحق لهم لأن أسنان الميت بعد موته إذا كانت مالاً تكون للورثة إذا رضوا بأن يبقى عليه فلا بأس وإن لم يرضوا فإنه إذا علم أن الميت قد بلي يؤخذ من الميت وهذا ربما لا نعلم إلا بعد سنوات طويلة لكن ينتقل هذا الذهب أو الفضة من وارث إلى وارث.

السائل: وإذا لم يكن السن ذهباً ولا فضة؟

الشيخ: هذا يخلع لأنه لا حاجة إليه.

السائل: جعلها في كفنه هذه الأشياء ما دليل المؤلف على هذا؟

الشيخ: لأنها من أجزائه.

السائل: والصحيح؟

الشيخ: إذا قلنا بأنها تؤخذ فأحسن شيء أن تكون في كفنه أحسن من لو وضعناها في نفس القبر.

مسألة: من تعذر تغسيله هل ييمم أو لا؟ إذا قلنا إنها طهارة تعبد أي طهارة تغسيل الميت فإنه ييمم وإذا قلنا طهارة تنظيف فإنه لا ييمم لأن التيمم لا ينفعه ولكن إذا لم نجد إلا رِجْلاً من ميت يعني تقطعت أوصاله وطارت ما نعرف أين وقعت ووجدنا رجله فقط مع علمنا بأنه قد مات هل نفعل بالرِّجْل كما نفعل بالكل؟ الجواب نعم تغسل وتكفن ويصلى عليها أما لو وجدنا رجلاً لكن بقية المصاب باقية ومعلومة فإننا نأخذ الرجل ونضمها إلى الأصل برباط أو غيره ونصلي عليه جميعاً وإذا وجدنا الأصل دون الرِّجل صلينا عليه أيضاً ثم إذا وجدت الرِجْل بعد ذلك فإنه لا يصلى عليها لأنه قد صلي على جملة الميت وسقط الواجب.

السائل: إذا صلي على الرِّجل وصاحبها ميت ثم وجد الأصل فهل تعاد الصلاة؟

الشيخ: يحسن أن تعاد ولكنها لا تجب لأنها سقطت.

فصل

ص: 325

القارئ: والسقط إذا أتى عليه أربعة أشهر غسل وصلي عليه لما روى المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (والسقط يصلى عليه) رواه أبو داود ولأنه ميت مسلم فأشبه المستهل ودليل أنه ميت ما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه فيكون نطفة أربعين يوما ثم علقة مثل ذلك ثم مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكاً فينفخ فيه الروح) متفق عليه، ومن كان فيه الروح ثم خرجت فهو ميت ويستحب تسميته لقول النبي صلى الله عليه وسلم (سموا أسقاطكم فإنهم أسلافكم) فإن لم يعلم أذكر هو أم أنثى سمي اسماً يصلح لهما كسعادة وسلامة ومن له دون أربعة أشهر لا يغسل ولا يصلى عليه لعدم ما ذكرناه فيه.

الشيخ: السقط هو الحمل إذا خرج قبل أوانه هذا إن كان قد نفخت فيه الروح وهو الذي تم له أربعة أشهر فحكمه كالحي تماماً يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع الناس ويسمى لأنه سيبعث وإن كان لم تنفخ فيه الروح وهو ما دون أربعة أشهر فلا حكم له هذا يدفن في أي مكان ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه لأنه ليس بإنسان هذا معنى كلام المؤلف لكن التسمية إذا لم نعلم أذكر كان أم أنثى وهذا بعيد لأن هذا سيكون متى؟ إذا نفخت فيه الروح وإذا نفخت فيه الروح فسيتبين أذكر أم أنثى ولكن لو فرض

أننا لم نعرف أذكر هو أم أنثى فإنه يسمى بما يصلح لهما أي باسم صالح للأثنى والذكر مثل سَعادة وسلامة وهل سَعادة يصلح للرجل؟ يمكن في زمنهم وسلامة يصلح للذكر فيه من يسمى سلامة لكن هل تسمى به الأنثى؟ يمكن وفيه أيضاً سمرة وطلحة وعلى كل حال هذا شيء يتبع العرف يسمى بصالح لهما لأنه سوف يبعث يوم القيامة ويدعى باسمه.

فصل

ص: 326

القارئ: والشهيد إذا مات في المعركة لم يُغَسّل رواية واحدة وفي الصلاة عليه روايتان إحداهما يصل عليه اختارها الخلال لما روى عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف متفق عليه والثانية لا يصلى عليه وهي أصح لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم رواه البخاري وحديث عقبة مخصوص بشهداء أحد بدليل أنه صلى عليهم بعد ثمان سنين.

الشيخ: الصحيح في هذه المسالة أن المقتول شهيداً في المعركة لا يغسل لأنه لو غسل لزال أثر الدم الذي يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب اللون لون الدم والريح ريح مسك وكذلك لا يكفن بل يدفن في ثيابه وإنما لا يكفن من أجل أن تبقى ثيابه التي استشهد فيها عليه ونظير ذلك إذا مات وهو محرم فإنه يكفن في ثوبي إحرامه كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام (كفنوه في ثوبيه) وكذلك لا يصلى عليه لماذا؟ لأن الصلاة شفاعة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه) والشهيد غني عنها لأن الشهادة تكفر كل شيء من المعاصي إلا الدين الذي هو حق الآدمي فلابد من قضائه وإذا كان كذلك فإنه لا يصلى عليه ولهذا لم يصلّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على شهداء أحد وأما صلاته عليهم في آخر حياته صلوات الله وسلامه عليه فإن هذا من باب الدعاء لهم كالمودع وليست هي الصلاة على الجنازة لأن الصلاة على الجنازة يجب أن تكون قبل الدفن وهذا بعد الدفن بسنوات فالصواب ما ذكره المؤلف أولاً أنهم لا يغسلون ولا يكفنون ولا يصلى عليهم.

ويدفنون في أي مكان؟ في مصارعهم التي استشهدوا فيها ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم برد من نقل من شهداء أحد أمر بردهم إلى مصارعهم.

ص: 327

القارئ: والخيرة في تكفين الشهيد إلى الولي إن أحب زمله في ثيابه ونزع ما عليه من جلد أو سلاح لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم رواه أبو داود وإن أحب نزع ثيابه وكفنه بغيرها لأن صفية أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين ليكفن حمزة فيهما فكفنه في أحدهما وكفن في الآخر رجلاً آخر قال يعقوب بن شيبة هو صالح الإسناد.

الشيخ: ولعل هذا لسبب اقتضى ذلك لأن حمزة رضي الله عنه كان كبير الجسم فلعله كفن في غير ثيابه والأصح أنه ليس لهم الخيار وأن الشهيد يكفن في ثيابه ويدفن في ثيابه كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

القارئ: وإن حمل وبه رمق أو أكل أو طالت حياته غسل وصلي عليه لأن سعد بن معاذ غسله النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه وكان شهيدا.

الشيخ: هذا فيه تفصيل إذا حمل الشهيد وبه رمق ولكن هذا الجرح مما يقتل غالباً يعني أنه جرح موحي فينبغي أن يلحق بحكم من مات في أرض المعركة وأما قصة سعد بن معاذ فسعد بن معاذ بقي مدة طويلة بعد أن رمي بأكحله رضي الله عنه وسأل الله تعالى أن لا يميته حتى يقر عينه بحلفائه بني قريظة فعلى هذا نقول إن الدليل لا يطابق المدلول إلا إذا فصلنا وقلنا إذا كان جرحه موحياً بمعنى أنه مميت لا يمكن أن يحيا معه فهذا لا شك أنه في حكم من مات في المعركة ولو حمل فلو حمل مثلاً إلى مستشفى وقد تقطعت أوصاله وأمعاؤه لكن الرجل حي فهل نقول إن هذا كقضية سعد بن معاذ؟ لا فلا يصح الاستدلال.

ص: 328

القارئ: وإن قتل وهو جنب غسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد (ما بال حنظلة بن الراهب إني رأيت الملائكة تغسله) قالوا إنه سمع الهائعة فخرج ولم يغتسل رواه الطيالسي وإن سقط من دابته أو تردى من شاهق أو وجد ميتاً لا أثر به غسل وصلي عليه لأنه ليس بقتيل الكفار والذي لا أثر به يحتمل أنه مات حتف أنفه فلا يسقط الغسل الواجب بالشك.

الشيخ: وهنا ينبغي أن يقال يقاس على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما إذا غاب الصيد بعد رميه ثم وجده ميتاً وليس به إلا أثر سهمه فما حكم هذا الصيد يعني رمى صيداً فغاب عنه ثم وجده ميتاً ليس فيه إلا أثر سهمه فهل يأكله أم لا؟ يأكله بناءً على الظاهر أنه مات بهذا الأثر كذلك هذا الذي قتل شهيداً قتل وهرب مثلاً أو حمله أحد المهم وجدناه بعد ذلك ميتاً لكن ليس به أثر إلا أثر السهم الذي نعلم أنه يميته ويقتله فهنا ينبغي أن يقال إنه شهيد لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه.

السائل: المدينة الآمنة ويحاربها عدو فتقصف فيموت فيها أناس لا دخل لهم في الحرب فهل يعدون شهداء؟

الشيخ: هؤلاء ليس لهم حكم الشهيد المذكور لكن هم شهداء لأنهم قتلوا ظلماً والشهيد هو شهيد المعركة أما الذين يقتلون بمثل ما ذكرت فليسوا من الشهداء الذين لا يغسلون لكنهم شهداء عند الله لأنهم إنما قتلوا بسبب العداوة بينهم وبين المشركين وقتلوا ظلماً أيضاً فهؤلاء يعدون شهداء في الآخرة لكن في الدنيا لا لأنه ليس بالمعركة.

ص: 329

القارئ: ومن عاد عليه سلاحه فقتله فهو كقتيل الكفار لأن عامر بن الأكوع عاد عليه سيفه فقتله فلم يفرد عن الشهداء بحكم وقال القاضي يغسل ويصلى عليه لأنه ليس بقتيل الكفار ومن قتل من أهل العدل في المعترف فحكمه حكم قتيل المشركين وأما أهل البغي فقال الخرقي يغسلون ويصلى عليهم لأنه ليس لهم حكم الشهداء وأما المقتول ظلماً كقتيل اللصوص وقتيل ماله ففيه روايتان إحداهما يغسل ويصلى عليه لأن ابن الزبير غسل وصلي عليه ولأنه ليس بشهيد معترك أشبه المبطون والثانية لا يغسل لأنه قتيل شهيد أشبه شهيد المعترك.

الشيخ: لكن الصواب الرواية الأولى أن المقتول ظلماً يغسل ويكفن ويصلى عليه ولا يمكن إلحاقه بقتيل المعركة لوجهين الأول أن قتيل المعركة هو الذي سلم نفسه وعرض صفحة عنقه للقتل باختياره والمقتول ظلماً ليس كذلك المقتول ظلما اعتدي عليه وقتل.

ثانياً أن الذي قتل في معترك الجهاد بين المسلمين والكفار إنما قتل دفاعاً عن الإسلام فنيته عالية وهمته عالية بخلاف من قتل دفاعاً عن نفسه أو ماله فمن أجل ذلك نقول لا يجوز إلحاق المقتول ظلماً بشهيد المعركة بل يجب أن يغسل ويكفن ويصلى عليه.

السائل: هل ما قاله القاضي أن من رجع عليه سيفه يصلى عليه؟

الشيخ: الصحيح خلاف كلام القاضي.

فصل

القارئ: ومن تعذر غسله لعدم الماء أو خيف تقطعه به كالمجذوم والمحترق ييمم لأنها طهارة على البدن فيدخلها تيمم عند العجز عن استعمال الماء كالجنابة وإن تعذر غسل بعضه يمم لما لم يصبه الماء وإن أمكن صب الماء عليه وخيف من عركه صب عليه الماء صباً ولا يعرك.

ومن مات في بئر ذات نفس أخرج فإن لم يمكن إلا بِمُثْلة وكانت البئر يحتاج إليها أخرج أيضا لأن رعاية حقوق الأحياء أولى من حفظه عن المثله وإن لم يحتج إليها ظمت عليه فكانت قبرا.

ص: 330