الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: هذا أيضاً من الغرائب مر علينا قبل قليل أن الدليل أعم وهنا الدليل أخص لأن الدليل إنما ورد فيمن كان يصلي في المسجد الحرام ويمر الطائفون من عنده والمؤلف رحمه الله يقول لا حاجة في مكة إلى السترة ولا يضر ما مر بين يديه والصواب أنه يحتاج إلى السترة في مكة كما يحتاج إليها في غيرها وأن ما يقطع الصلاة في غير مكة يقطعها في مكة إلا من صلى حول المطاف ومر الطائفون من بين يديه فإنه هو الذي جنى على نفسه لأن الطائفين أحق بالمكان منه ومثل ذلك من صلى بمكان المارة عند الأبواب فإنه هو الذي اعتدى عليهم وصلى في أماكن مرورهم والله أعلم.
باب
قصر الصلاة
القارئ: ولا يجوز قصر الصبح والمغرب بالإجماع لأن قصر الصبح يجحف بها لقلتها وقصر المغرب يخرجها عن كونها وترا.
الشيخ: وأيضاً قصر الفجر لا يمكن لأنه كما قال يجحف بها ولأنه يجعلها وتراً وإذا جعلها وتراً لم تكن الصلوات المفروضة وترا أليس كذلك إذا كانت الفجر وتراً لم تكن الصلوات الخمس وتراً لأنها واحدة مع المغرب ثلاث تكون أربعة شفعاً وهذا على كل حال تعليل أو بيان للحكمة وإلا فالأصل هو النص والدليل.
القارئ: ويجوز قصر الرباعية فيصليها ركعتين بشروط ستة.
الشيخ: قوله يجوز هذا التعبير في مقابلة المنع فلا ينافي أن يكون مستحباً لأن قصر الصلاة الرباعية في السفر سنة مؤكدة حتى قال بعض أهل العلم بوجوب ذلك ولولا شيء واحد عندي لقلت بالوجوب أي وجوب القصر الشيء الذي عندي هو أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أتم في منى وأنكر عليه الصحابة حتى أن ابن مسعود لما بلغه أنه أتم استرجع ورأى ذلك من المصائب وصلى خلفه إتماماً فقيل له في ذلك قال إن الخلاف شر ولو كان الصحابة يرون أن القصر واجب ما تابعوا عثمان على ذلك لأنه إذا رأوا أنه واجب صار الزيادة على القصر محرمة مبطلة للصلاة كما لو صلى الأربع ستاً مثلاً هذا هو الذي يجعلني أتوقف عن القول بالوجوب وإلا فالقول بوجوب القصر قول قوي جداً جداً لأن حديث عائشة صريح في ذلك فرضت الصلاة أول ما فرضت ركعتين فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم أقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى وزيد في صلاة الحضر وعلى القول بالوجوب أكثر الأمة أو جمهور الأمة لأن هذا هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله وفي العصور الوسطى كان أكثر الأمة على مذهب أبي حنيفة ولكننا يعكر علينا مسألة اتباع الصحابة رضي الله عنهم لعثمان مع أنه أتم إذاً قوله يجوز في مقابل المنع أي في مقابل قوله لا يجوز قصر الصبح والمغرب.
السائل: ألا يدل إنكار الصحابة لعثمان على وجوب القصر لأن السنة لا ينكر عليها؟
الشيخ: لا، قد تنكر السنة، السنة قد تنكر لا سيما إن وقعت من خليفة وفي مجتمع عام.
القارئ: أحدها: أن تكون في سفر طويل قدره أربعة برد وهي ستة عشر فرسخا ثمانية وأربعون ميلاً بالهاشمي وذلك نحو من يومين قاصدين.
الشيخ: قَاصِدَيْن القصد ما بين الطرفين كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (والقصد القصد تبلغ) فمعنى قاصدين يعني ليس السير سريعاً ولا بطيئاً.
القارئ: لما روي عن ابن عباس أنه قال يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد ما بين عسفان إلى مكة وكان ابن عباس رضي الله عنهما وابن عمر لا يقصران في أقل من أربعة برد ولأنها مسافة تجمع مشقة السفر من الحل والشد فجاز القصر فيها كمسيرة ثلاثة أيام.
وسواء كان في بر أو بحر لأن الاعتبار بالفراسخ وإن شك في قدر السفر لم يبح القصر لأن الأصل الإتمام فلا يزول بالشك والاعتبار بالنية دون حقيقة السفر فلو نوى سفراً طويلاً فقصر ثم بدى له فأقام أو رجع كانت صلاته صحيحة ولو خرج طالباً لآبق أو منتجعاً غيثا متى وجده رجع أو أقام لم يقصر ولو سافر شهراً.
ولو خرج مكرهاً كالأسير يقصد به بلد بعينه فله القصر لأنه تابع لمن يقصد مسافة القصر فإذا وصل حصنهم أتم حينئذٍ نص عليه وإن كان للبلد طريقان طويلة وقصيرة فسلك البعيدة ليقصر فله ذلك لأنه سفر يقصر في مثله فجاز له القصر كما لو لم يكن له طريق سواه.
الشيخ: هذا الشرط الأول أن يبلغ المسافة التي عينها المؤلف رحمه الله وهي أربعة برد ستة عشر فرسخا ثمانية وأربعون ميلاً هاشمية وقدرت بالكيلو بنحو واحد وثمانين أو ثلاث وثمانين كيلو هذه هي المسافة والمراد من كلام العلماء في هذا التحديد المراد التقريب لا التحديد لأن التحديد إلى هذا الحد نعلم علم اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرده إذ أنه يقتضي أن من كان في مكان هذا وهو دون ثمانية وأربعين ميلاً يقصر والذي في مكان القارئ لا يقصر لأنه تمت ثمان وأربعون ميلاً وهذا أمر لا يمكن ولهذا أنكر شيخ الإسلام هذا غاية الإنكار وقال لا يمكن هذا التحديد لم يكن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام مساحين يمسحون الأرض حتى نقول أن مقدار شعيرة تميز بين من يصح له القصر ومن لا يصح هذا بعيد جداً واختار رحمه الله أن العبرة في ذلك بالعرف فما عده الناس سفراً فهو سفر وما لم يعدوه سفراً فليس بسفر وقال إن المسافة الطويلة في الزمن القصير سفر وإن الزمن الطويل في المسافة القصيرة سفر فالعبرة بمن يودع ويشيع ويستقبل حسب عادة الناس فيما سبق أما الآن فليس بوداع ولا تشيع فالعبرة بما عده الناس وقال إن هذا داخل تحت العموم أي عموم القاعدة المعروفة وهي:
وكل ما أتى ولم يحدد
…
بالشرع كالحرز فبالعرف احدد
وقال أقرؤوا الآيات (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) ومعلوم أن الضرب يحصل بالسفر ولو قصر وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين والفقهاء يقولون لابد من ستة عشر فرسخاً فالصواب ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله لكن فيه آفة هذا القول الآفة هي أنه ليس بمنضبط ذاك الانضباط الذي يتمكن فيه الإنسان من الفصل في الحكم إذ قد يقال هذا سفر وهذا غير سفر فمثلاً بيننا وبين بريدة ثلاثين كيلو مثلاً لو أن الإنسان سافر ذهب لبريدة ليدرس ورجع في يومه لا شك إنه غير مسافر لكن لو ذهب إلى أقارب له هناك ليزورهم ويبقى عندهم يومين ثلاثة لعد ذلك سفراً فتأمل الآن لما طالت المدة صار سفراً مع قصر المسافة الآن الإنسان إذا سافر إلى الرياض ولو رجع في يومه يعتبره الناس مسافراً لأجل طول المسافة على كل حال انضباط هذا القول فيه صعوبة وإلا لا شك من الناحية النظرية أنه هو الذي تقتضيه الأدلة الشرعية.
فإذا قال قائل إذا شككت هل هذا ينطبق عليه أنه سفر أو لا فالأصل عدم السفر الأصل وجوب الإتمام كما قال المؤلف في المسألة الآتية الأصل وجوب الإتمام ما دمت في شك فأتم إبراءً للذمة واحتياطاً ولهذا قال المؤلف إن شك في قدر السفر لم يبح القصر لأن الأصل الإتمام.
ثم إن المؤلف رحمه الله قال العبرة بالنية لا بالفعل يعني مثلاً إذا أردت أن تسافر إلى مكة فإننا نقول لك أن تقصر من حين أن تخرج من بلدك أو حتى تصل ستة عشر فرسخاً الأول أو الثاني؟ الأول ما دمت نويت ما يبلغ المسافة فاقصر من حين أن تخرج من البلد خرج هذا الرجل من بلده وقصر ثم بدا له فعاد هل عليه أن يقضي الصلاة؟ لا لأنه أبرأ ذمته وأتى بما أمر ومن أبرأ ذمته وأتى بما أمر فإننا لا نلزمه بالإعادة.
ثم ذكر المؤلف أنه لابد من قصد معين فلو خرج إنسان يطلب آبقاً أو يطلب ضالة من إبله أو غنمه فإنه على رأي المؤلف لا يقصر لأنه متى وجد هذه الضالة أو هذا الآبق رجع وما يدرينا فلعله يرجع قبل أن يستكمل المسافة ولهذا قال بعض أهل العلم إنه يقصر إذا بلغ المسافة قصر وإن كان لا يدري متى ولا أين يجد هذا الضال لأن المسافة تحققت بالفعل والقول الثالث في المسألة أنه إذا نوى السفر وارتحل وعرف أن هذه الضالة ليست حول البلد بالقرائن فإن له أن يقصر وهذا القول هو الصحيح لأن المشقة يستوي فيها من قصد شيئاً معيناً ومن لم يقصد شيئاً معيناً ما دام الرجل خرج وشد رحله وأخذ عصاه وصار يضرب في الآفاق يميناً وشمالاً لماذا نقول إنه لا يجوز أن يقصر الصلاة.
السائل: قلنا فيمن سافر ليفطر أنه لا يترخص برخص السفر وهنا قال إذا كان له طريقان فسلك أبعدهما فإن له أن يقصر؟
الشيخ: هو إذا سلك الأبعد بدون قصد لا شك أنه يقصر لأنه له غرض صحيح قد يكون الأبعد أسهل أو آمن أو ما أشبه ذلك لكن إذا قصد الأبعد ليقصر هذا محل الإشكال والذي يظهر أنه لا يقصر ولكن القول الراجح أن العبرة بما يسمى سفراً وعلى هذا لا فرق بين القصير والطويل.
السائل: على قول من يقول باعتبار المسافة في القصر هل العبرة ببلوغ حد للبلدة أو منتهى البعد يعني يكون حد البلدة أقل مسافة القصر على قول المسافة ثم ينزل في وسط البلد مثلاً؟
الشيخ: العبرة بحدود البلد يعني مثل بعض البلاد الآن توسعت وكان بين مكة وجدة مسافة يومين على الإبل أما الآن مسافة يوم أو أقل على الإبل.
السائل: قول شيخ الإسلام قصر المسافة وطول الإقامة أو العكس هل لها دليل أم مستنبطة؟
الشيخ: لا، على أنه سفر لأن الذي يذهب إلى بلد آخر يبقى يومين ثلاثة لابد يحمل معه متاع ولا تعتبر حال الناس اليوم، اليوم يوجد فنادق ويوجد مطاعم لكن فيما سبق لابد أن يحمل المتاع.
فصل
القارئ: والثاني أن يكون السفر مباحا فإن سافر لمعصية كالآبق وقطع الطريق والتجارة في خمر لم يقصر ولم يترخص بشيء من رخص السفر لأنه لا يجوز تعليق الرخص بالمعاصي لما فيه من الإعانة عليها والدعاية إليها ولا يرد الشرع بذلك.
الشيخ: هذا الشرط فيه خلاف أيضاً بين العلماء منهم من قال إنه يشترط أن يكون السفر مباحاً فإن عصى بسفره لم يقصر وإن عصى في سفره قصر عصى بسفره يعني أن السفر محرم كما مثل المؤلف رحمه الله آبق سفره محرم لأنه لا يجوز للعبد أن يأبق عن سيده كذلك أيضاً من سافر لأجل قطع الطريق هذا سفر محرم أو للتجارة في الخمر سفر محرم هذا لا يقصر وأما من عصى في سفره بأن يكون سفره مباحاً لكنه زنا وهو مسافر فإنه يقصر.
يقول رحمه الله العلة إن هذا السفر محرم والقصر رخصة ولا ينبغي أن نرخص لشخص فعل محرماً لأن هذا إعانة على المحرم وقد اختلف العلماء في هذا الشرط فذهب كثير من العلماء إلى أن ذلك ليس بشرط لأن الحكم معلق بالسفر ثم من قال بوجوب القصر صار القصر عزيمة ولا شك وإذا لم نقل به فإنه هو الأصل ولهذا كان القول الصحيح أن المسافر إذا صلى ولم ينو القصر فإنه يصلي ركعتين وإن لم ينو القصر لأن الركعتين فرضه.
والحكم معلق بالسفر (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يشترط أن يكون السفر مباحاً.
السائل: إذا كان المسافر قبل أن يدخل المدينة أخر صلاة المغرب ليجمعها مع العشاء ودخل قبل أذان العشاء ولكن دخل في ضواحي المدينة كالمزارع حول المدينة هل يجب أن يصلي المغرب قبل أذان العشاء؟
الشيخ: لا يجب عليه حتى يصل إلى المدينة.
القارئ: والثالث شروعه في السفر بخروجه من بيوت قريته لأن الله تعالى قال (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) ولا يكون ضارباً في الأرض حتى يخرج وله القصر بين حيطان البساتين لأنها ليست من حيطان البلد ولا تبنى للسكنى وإن خرب بعض البلد فصار فضاءً فهو كالصحراء وإن كانت حيطانه قائمة فقال القاضي لا يقصر حتى يفارقها لأنه يمكن السكنى فيها وقال القاضي الآمدي له القصر بينها لأنها غير معتمدة للسكنى فهي كالبساتين.
الرابع أن ينوي القصر مع نية الإحرام وقال أبو بكر لا يحتاج إلى النية لأن من خُيِّر في العبادة قبل الدخول فيها خُيِّر بعد الدخول فيها كالصيام ولنا أن الأصل الإتمام فإطلاق النية ينصرف إليه كما لو نوى الصلاة مطلقا انصرف إلى الإنفراد الذي هو الأصل.
الشيخ: والصواب أن هذا ليس بشرط يعني نية القصر ليست بشرط لأن الأصل في صلاة السفر هو القصر فلا يحتاج إلى نية وقول المؤلف رحمه الله الأصل الإتمام هذا ليس بصحيح فالحديث صحيح صريح بأن الأصل هو القصر أول ما فرضت الصلاة ركعتين فلما هاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى وعلى هذا فلا حاجة إلى نية فلو كبر وقد عزبت نية القصر عن خاطره فإنه يصلي قصراً.
السائل: بالنسبة للمطارات هل يجوز القصر فيها للمسافرين لأنها هل هي خارج البلد أم داخله؟
الشيخ: خارج البلد مثل مطار القصيم خارج البلد ومطار جدة خارج البلد ومطار الرياض خارج البلد المطار الجديد أما القديم صار الآن في وسط البلد.
السائل: بعض المدن حولها بيوت متناثرة على بعد مسافة بالكيلومترات فهل تعد منها؟
الشيخ: لا تعد منها ما دام بينها مسافة ليست منها لابد تكون متصلة.
السائل: يا شيخ أليس سبق معنا أنه ما لم يحدد شرعاً يحدد بالعرف والآن الناس لو سألتهم لقالوا هذه من عنيزة؟
الشيخ: نعم لكن ما يقال هذه من نفس المدينة لكن تابعة لها.
السائل: إذا كانت المدينة ممتدة أكثر من مسافة القصر فهل يجوز لهم القصر؟
الشيخ: ما دام لم يخرج فإنه لا يقصر لو كانت عشر كيلو أو عشرين كيلو أو ثلاثين كيلو أو ألف كيلو.
القارئ: فإن شك في نية القصر لزمه الإتمام لأنه الأصل فلو نوى الإتمام في ابتداء الصلاة أو في أثنائها أو ما يلزمه الإتمام كالإقامة أو قلب نيته إلى سفر قصير أو معصية لزمه إتمام الصلاة ولزم من خلفه متابعته لأن نية الأربع أو ما يوجبها قد وجد فلزمته الأربع كما لو نواه في الابتداء ومن قصر معتقداً تحريم القصر فصلاته فاسدة لأنه فعل ما يعتقد تحريمه.
الشيخ: ولأنه متلاعب كيف يقصر وهو يعتقد أن القصر حرام وهذه لا تقع إلا مثلاً لو أن إنساناً أقام في بلد أكثر من أربعة أيام وكان يرى أن من نوى إقامة أربعة أيام فإنه يقصر ومن زاد فلا يقصر فنوى إقامة خمسة أيام ولكنه قصر وهو يعتقد أنه حرام فصلاته غير صحيحة لأنه متلاعب.
السائل: إذا خرج من بلده إلى المطار وخرج من عامر بلده فإن له رخصاً كالقصر ولكن الحجز في المطار انتظار فلا يدري هل يطير أو لا هل يترخص؟
الشيخ: الأصل ما تيقن وهو أنه غير مسافر.
السائل: لو نوى المسافر الإتمام ظناً منه أن الإمام مقيم فقصر الإمام فهل يتم هو أو يسلم مع الإمام؟
الشيخ: الظاهر في هذه الحال وجوب الإتمام عليه لكن في مثل هذا لا ينوي الإتمام ينوي أنها صلاة ظهر فقط ثم إن أتم إمامه أتم معه وإن لم يتم سلَّم معه.
القارئ: الخامس أن لا تكون الصلاة وجبت في الحضر فلو ترك صلاة حضر فقضاها في السفر لم يجز له قصرها لأنه تعين فعلها أربعاً فلم يجز النقصان فيها كما لو نوى أربع ركعات ولأن القضاء معتبر بالأداء والأداء أربع ومن سافر بعد دخول وقت الصلاة لم يقصرها لذلك وحكي عنه أن له قصرها لأنها صلاة مؤداة في السفر فأشبه ما لو دخل وقتها فيه.
الشيخ: قوله وحكي عنه أي عن الإمام أحمد وهذا هو الصحيح، الصحيح أنه إذا سافر بعد دخول الوقت فإنه يقصر كما أنه لو وصل البلد بعد دخول الوقت فإنه يتم فالعبرة بفعل الصلاة إن فعلتها في السفر فركعتان وإن فعلتها في الحضر فأربع أما لو ترك صلاة حضر فقضاها في السفر فيصلي أربعاً ولو نسي صلاة سفر فقضاها في الحضر فإنه يصلي ركعتين اعتباراً بالمقضية لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها) يصلها يعني بعينها ووصفها (فليصلها إذا ذكرها) فعليه إن ذكر صلاة حضر في سفر صلى أربعا أو ذكر صلاة سفر في حضر فإنه يصلي ركعتين.
السائل: الرسول صلى الله عليه وسلم سافر من المدينة ووصل أبيار علي وقصر فيها والآن العمران في المدينة متصل بأبيار علي فهل يجوز القصر عندها؟
الشيخ: لا ما أظنه اتصل على كل حال نفرض أنه اتصل إذا اتصل فإنها تكون من البلد ولا يجوز للإنسان أن يقصر فيها لأنها امتدت المدينة.
القارئ: ولو أحرم بها في سفينة في الحضر فخرجت به في أثناء الصلاة أو أحرم بها في السفر فدخلت البلد في أثناء الصلاة لم يقصر لأنها عبادة تختلف بالسفر والحضر وجد أحد طرفيها في الحضر فغلب حكمه كالمسح.
الشيخ: هذا صحيح.
القارئ: وإن نسي صلاة سفر فذكرها في الحضر أتمها لذلك.
الشيخ: والصحيح أنه يصليها ركعتين لأنها وجبت كذلك ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم (فليصلها) قلنا وهذا يعود إلى عينها ووصفها.
القارئ: وإن ذكرها في السفر أو في سفر آخر قصر لأن وجوبها وفعلها وجدا في السفر فكان له قصرها كما لو أداها ويتخرج أن يلزمه إتمامها إذا ذكرها في سفر آخر لأن الوجوب كان ثابتاً في ذمته في الحضر.
الشيخ: هذا تخريج ضعيف لأنه كان في الحضر ناسياً لها نعم لو ذكرها في الحضر ولكن تهاون ولم يصلها إلا في السفر لكان على القول بأنه يلزمه الإتمام إذا ذكرها في الحضر متخرجاً أما إذا كان قد بقي على نسيانه ففي هذا التخريج نظر ظاهر.
القارئ: السادس أن لا يأتم بمقيم فإن ائتم بمقيم لزمه الإتمام سواء ائتم به في الصلاة كلها أو جزء منها لأن ابن عباس سئل ما بال المسافر يصلي ركعتين حال الإنفراد وأربعاً إذا ائتم بمقيم فقال تلك السنة رواه الإمام أحمد وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولأنها صلاة مردودة من أربع إلى ركعتين فلا يصليها خلف من يصلي الأربع كالجمعة.
الشيخ: قوله وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولأنها صلاة مردودة من أربع إلى ركعتين هذا من الغلط الواضح لأنها لم ترد من أربع إلى ركعتين وإنما زيدت الركعتان فصارت أربعاً
وقوله فلا يصليها خلف من يصلي الأربع كالجمعة قياس غريب على كل حال الصواب في هذه المسألة أن الدليل الذي هو عمدة حديث ابن عباس رضي الله عنهما وما هو أصح منه أيضاً وهو قول الرسول عليه الصلاة والسلام (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فقوله (ما أدركتم فصلوا) يعم كل الأربع إذا أدركها (وما فاتكم فأتموا) يعم قضاء ما فاته من الأربع فالصواب أنه يجب عليه الإتمام سواء أدرك الصلاة من أولها أو من أثنائها حتى لو أدركه في الركعة الثالثة وصلى معه ركعتين فإنه لا يسلم معه بل يجب أن يأتي بالركعتين اللتين فاتته.
السائل: لو دخل مع الإمام ولم يدرك من الصلاة إلا التسليم فقط ولم يقل شيئاً فهل يجب عليه الإتمام؟
الشيخ: يجب عليه الإتمام (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فهو أدرك التشهد الحديث ليس فيه إن أدركتم ركعة فصلوا وما فاتكم فأتموا (ما أدركتم) عام.
السائل: دخل عليه الوقت وهو في الحضر ثم سافر الآن يريد أن يصلي فماذا يصلي صلاة حضر أو سفر؟
الشيخ: الصحيح أنه يصلي صلاة سفر والمؤلف يقول صلاة حضر ولكنه ضعيف.
القارئ: ولو أدرك المسافر من الجمعة أقل من ركعة لزمه إتمامها أربعا لائتمامه بالمقيم.
الشيخ: هذه غريبة وجه ذلك أنه إذا أدرك أقل من ركعة في الجمعة يلزمه أربعاً لو كان مقيماً لكن هنا مسافر وصلاة الظهر في حقه ركعتان وهو إذا قضى ركعتين فقد قضى ما فاته فيدخل في عموم قوله (وما فاتكم فأتموا) الصواب أنه لا يلزمه إلا ركعتان لأنه لم يخالف الإمام والفرق بينها وبين من ائتم بمقيم يصلي الظهر أن المقيم الذي يصلي الظهر كم صلى؟ أربعاً والذي يصلي الجمعة كم صلى؟ ركعتين فقول الرسول (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) يقال هذا أتم ما فاته ركعتان على هيئة الإمام لم يخالفه.
السائل: قول الرسول (ما فاتكم فأتموا) هو أدرك جزءاً من ركعة وهو مقيم فيتم ما فاته وهو ركعتان؟
الشيخ: لكن صار الآن ما أدرك الجمعة وإذا لم يدرك الجمعة صار الواجب عليه أن يصليها ظهراً والفرق بين مسألتنا هذه وما تذكر أن هذه إنما وجبت عليه الظهر ركعتين لأنه مسافر.
السائل: إذا صلى يوم الجمعة هل ينوي ظهراً أو جمعة؟
الشيخ: ينوي جمعة لأنه لو نوى ظهراً لفاته أجر الجمعة.
القارئ: ومن ائتم بالمقيم ففسدت الصلاة لم يجز له قصرها بعد ذلك لأنها تعينت عليه تامة لائتمامه بمقيم.
ومن أحرم مع من يظنه مقيما أو يشك فيه لزمه الإتمام وإن قصر إمامه اعتباراً بالنية وإن غلب على ظنه أنه مسافر لدليل فله أن ينوي القصر ويتبع إمامه فيقصر بقصره ويتم بإتمامه.
الشيخ: ومما يغلب على الظن هذه المساجد التي تكون عند المحطات في الطرقات فإن الذي يغلب على الظن أن الذي يصلي فيها مسافر فينوي القصر ثم إن قدر أنه أتم يتابعه وكذلك فيما يظهر من كان في صالة الانتظار في المطارات فإن الذين يكونون في صالات المطارات الغالب أنهم مسافرون فإذا دخل مع الإمام نوى القصر ثم إن أتم أتم.
القارئ: وإن أحدث إمامه قبل علمه بحاله فله القصر لأن الظاهر أنه مسافر وإن أم المسافر مقيماً لزم المقيم الإتمام ويستحب للإمام أن يقول لهم أتموا فإنا قوم سفر لما روى عمران بن حصين أنه قال شهدت الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يصلي إلا ركعتين ثم يقول لأهل البلد (صلوا أربعا فإنا سفر) رواه أبو داود.
الشيخ: وإنما استحب ذلك من أجل أن لا يغتر الجاهل فيسلم مع الإمام فإذا كان الإمام مسافراً فليقل أتموا فإنا قوم سفر لكن متى يقولوها يقولها قبل أن يدخل في الصلاة لأنه لو لم يقلها إلا بعد السلام لأوشك أن يسلم معه الناس فيقولها من قبل وإذا خشي أن أحداً دخل معه في الركعة الثانية فليقلها أيضاً بعد السلام ولا يضره.
السائل: بعض البلدان عندهم جهل إذا قال لهم طالب العلم أنا مسافر فأتموا بعد السلام أخروه وقدموا غيره مقيماً؟
الشيخ: صحيح هذا وارد إذا قال يا جماعة أنا مسافر سأصلي ركعتين وإذا سلمت فأتموا قالوا ارجع نجعل واحداً ما يقصر لأنهم يظنون أنه إذا فعل هذا نقصهم نصف الصلاة سيتمونها فرادى لكن نقول (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) فإذا كان هذا المسافر هو أقرأ القوم فليؤمهم ولا يتم الصلاة، المسافر لايتم.
السائل: إذا صلى المسافر إمام وأتم وخلفه مسافر هل يتم معه؟
الشيخ: يتمون ويلزم المأموم متابعته كما لو كان مقيماً غير مسافر.
القارئ: وإن أتم الإمام بهم صحت الصلاة وعنه تفسد صلاة المقيمين لأنهم ائتموا بمتنفل في الركعتين الأخيرتين والأول المذهب لأن الإتمام يلزمه بنيته.
وإن نسي المسافر فقام إلى ثالثة فله أن يجلس ولا يلزمه الإتمام لأن الموجب للإتمام نيته أو ائتمامه بمقيم ولم يوجد فإن جلس سجد للسهو وله أن يتم.
فإن لم يعلم المأمومون هل سها أو نوى الإتمام لزمهم متابعته لأن حكم وجوب المتابعة ثابت فلا يزول بالشك فإذا اتبعوه فصلاتهم صحيحة لما ذكرنا فإن علموا أن قيامه لسهو فلهم مفارقته فإن تابعوه فقال القاضي تفسد صلاتهم لأنهم زادوا في الصلاة عمدا والصحيح أنها لا تفسد لأنها زيادة لا تفسد بها صلاة الإمام عمدا فلا تفسد بها صلاة المأموم كزيادات الأقوال فإذا صلى بهم الأربع سهوا سجد للسهو وليس بواجب عليه لأنها زيادة لا يبطل عمدها فلا يجب لها السجود كقراءة السورة في الثالثة.
الشيخ: لأن القاعدة في سجود السهو أن ما أبطل الصلاة عمدُه وجب السجود لسهوه وما لا فلا.
فصل
القارئ: وللمسافر أن يقصر وله أن يتم لقول الله تعالى (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) فمفهومه أن القصر رخصة يجوز تركها وعن عائشة أنها قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أفطرت وصمت وقصرت وأتممت فقال (أحسنت) رواه أبو داود الطيالسي.
الشيخ: هذا حديث باطل لا شك:
أولاً أنه لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان قط لأنه لم يسافر إلى مكة في رمضان إلا في غزوة الفتح وبالاتفاق أنه لم يعتمر.
الثاني كيف تفعل أم المؤمنين عائشة هذه المخالفة الرسول يقصر وهي تتم ويفطر وهي تصوم ثم تقولها للرسول صلى الله عليه وسلم ثم يقول (أحسنت) هذا واضح بطلانه ولهذا يعتبر هذا الحديث من الاحاديث الموضوعة.
] يوجد سقط بمقدار (6) أسطر قراءة مع الشرح من قوله (ولأنه تخفيف أبيح للسفر
…
) إلى قوله (وصاحبك يتم) [
فصل
القارئ: وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم وإن نوى دونها قصر وعنه إن نوى الإقامة أربعة أيام أتم لأن الثلاث حد القلة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا) رواه أبو داود فإذا أقام أربعاً فقد زاد على حد القلة فيتم والأول المذهب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة فصلى بها إحدى وعشرين صلاة يقصر فيها وذلك أنه قدم لصبح رابعة فأقام إلى يوم التروية فصلى الصبح ثم خرج فمن أقام مثل إقامته قصر ومن زاد أتم ذكره الإمام أحمد قال أنس أقمنا بمكة عشراً نقصر الصلاة ومعناه ما ذكرناه لأنه حسب خروجه إلى منى وعرفة وما بعده من العشرة وفي هذا الحديث دليل على أن من قصد بلداً ينوي الرجوع عنه قريباً فله القصر فيه لكون النبي صلى الله عليه وسلم قصر بمكة وهي مقصده.
الشيخ: هذه المسألة إذا نوى المسافر الإقامة في بلد فهل ينقطع عنه حكم السفر ويلزمه حكم الإقامة؟ في هذا خلاف بين أهل العلم زاد على عشرين قولاً كما في المجموع شرح المهذب للنووي وإنما وصلت الأقوال إلى هذا لأنه ليس في المسألة نص قاطع يفصل في الخلاف فاختلف في هذا العلماء اختلافاً كثيراً:
فمنهم من يقول إذا نوى أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم وإن نوى دونها قصر كما في كلام المؤلف في أول الفصل وبقي إذا نوى إحدى وعشرين هل يقصر أو لا لأنه قال إذا نوى أكثر من إحدى وعشرين يعني كم؟ اثنين وعشرين فما زاد وإن نوى دونها يعني عشرين وحينئذٍ تكون الإحدى وعشرون مسكوتاً عنها فهل يلزمه الإتمام أو لا؟ المذهب أنه يلزمه الإتمام.
القول الثاني إذا نوى الإقامة أربعة أيام أتم وإن نوى ثلاثاً لم يتم وعللوا ذلك بأن الثلاثة حد القلة بدليل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً) رواه أبو داود وهذا قياس في مقابلة النص فيكون فاسد الاعتبار لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقام أربعة أيام قطعاً في حجة الوداع قبل أن يخرج إلى منى وعرفة ولأنه لا علاقة بين إقامة المهاجر ثلاثة أيام وإقامة المسافر لحاجته.
القول الثالث أنه إذا أقام أكثر من أربعة أيام فإنه يتم وإن أقام أربعة أيام فإنه لا يتم لكن لا يحسب يوم الدخول ويوم الخروج وعلى هذا تكون الأيام ستة وهذا مذهب الشافعي رحمه الله.
والقول الرابع أنه إذا أقام أكثر من خمسة عشر يوماً أتم وإن نوى خمسة عشر فما دونها قصر وهذا مذهب أبي حنيفة.
والقول الخامس قول ابن عباس رضي الله عنه إن نوى إقامة تسعة عشر يوماً قصر وإن نوى أكثر أتم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة وذكروا أقاويل كثيرة لكن أرجحها ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم أنه ما دام الإنسان لا ينوي الإقامة المطلقة في هذا البلد فهو مسافر فإذا أقام ينتظر حاجة متى انتهت عاد إلى بلده فهو مسافر وسيأتي في كلام المؤلف أن هذا هو الحكم بشرط أن لا يحدد الأيام وأنه إذا أقام لحاجة معينة فهو مسافر ولو أقام ألف سنة ما دام لم يحدد أيام والصواب أنه لا فرق بين تحديد الأيام وتحديد العمل فمن نوى إقامة محددة بعمل أو محددة بزمن فإنه مسافر ولا ينقطع سفره والناس يقولون إنه مسافر لو سئل شخص عن ابنه الذي يدرس في أمريكا أو فرنسا أو غيرها قال أين فلان قال مسافر إلى أمريكا إلى فرنسا إلى لندن للدراسة وهو داخل في عموم (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) وقوله تعالى (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) ومن المعلوم أن التجار يبقون لشراء سلعهم أو لبيع ما معهم يبقون أياماً أكثر من أربعة أيام بلا شك وينون ذلك ويتحرون المواسم ولنا في ذلك ورقات كتبناها جواباً لسؤال ورد علينا من أمريكا وهو أظن قبل حوالي عشر سنوات أو تسع سنوات وبسطنا فيه القول وبينا أن القول الراجح أن من تقيدت إقامته بزمن أو عمل فإنه يعتبر مسافراً.
السائل: على الذي رجحناه هل له أن يترخص في الجمع وغيره من رخص السفر؟
الشيخ: نعم جميع رخص السفر تثبت له إلا مسألة الصيام ذكرنا أن الأولى أن لا يؤخر الصيام إلى رمضان الثاني لأسباب:
أولاً أن تأكد الإفطار في السفر ليس كتأكد القصر.
والثاني أنه ربما يحصل له عائق إذا تعددت الأشهر عليه فيعجز.
والثالث أنه إذا أخر الصيام حتى يصل إلى بلده فإنه سيبقى سنة أو سنتين أو ثلاثاً لم يصمه فرضاً وأما الصلاة فهو يصلي كل صلاة بوقتها إلا أنها مقصورة فنرى أنه لا يؤخر الصوم إلى ما بعد رمضان الثاني وحينئذٍ تكون فائدة ذلك أي فائدة القول بترخصه بالفطر أنه يفطر في أيام الصيف ويقضي في أيام الشتاء
السائل: بالنسبة للسنة الراتبة؟
الشيخ: السنن الراتبة كما تعلم ليست مشروعة راتبة الظهر والمغرب والعشاء وأما بقية النوافل فهي مشروعة وكذلك أيضاً لو صلى بين يدي صلاة الظهر وخلفها بغير نية الراتبة فلا بأس لأن قول بعضهم من السنة للمسافر أن يدع السنة هذا قول باطل لا يصح على العموم بالاتفاق.
القارئ: وفيه دليل على أن من قصد رستاقاً.
الشيخ: الرستاق عندي يقول القرى المتعددة القريبة من بعضها.
القارئ: وفيه دليل على أن من قصد رستاقاً يتنقل فيه لا ينوي إقامة في موضع واحد فله القصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قصر بمكة ومنى وعرفة عشرا.
الشيخ: ودليل ذلك أن أنساً رضي الله عنه سئل كم أقمتم في مكة؟ قال أقمنا عشراً فعد منها أربعة أيام قبل الخروج إلى الحج وستة أيام في أيام الحج.
القارئ: ومن كان بمكة مقيما فخرج إلى عرفة عازماً على أنه إذا رجع إلى مكة لا يقيم بها فله القصر من حين خروجه.
الشيخ: وهذا من غرائب الدنيا يقولون إن الحاج إذا خرج إلى منى في اليوم الثامن فهو خارج للسفر السفر إلى ماذا؟ إلى بلده لأنه ورد عليهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قصر في منى وقصر في مزدلفة وقصر في عرفة قالوا لأنه عزم على الرحيل من حين خرج في اليوم الثامن فجعلوا المقصود الذي لم يأتِ الرسول عليه الصلاة والسلام من المدينة إلا له جعلوا البدء بهذا المقصود بدء بالسفر والمغادرة وهذا لا شك أنه بعيد من الصواب وأن الحامل له هو الاعتقاد قبل الاستدلال وهذه آفة نعوذ بالله منها فيقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعزم السفر إلى المدينة من حين خرج اليوم الثامن بل عزم أن يخرج إلى منى ثم إلى عرفة ثم إلى مزدلفة ثم إلى منى هكذا عزم بلا شك وأنس بن مالك أعلم منهم بمراد الرسول صلى الله عليه وسلم قال أقمنا بمكة عشرا فجعل خروجه إلى منى ومزدلفة وعرفة جعله من الإقامة بمكة ولو كان كما قالوا لكان أقام بمكة أربعة أيام.
القارئ: ولو خرج المسافر فذكر حاجة في بلده قصر في رجوعه إليها فإذا وصل البلد فإن كان له به أهل أو مال أتم وإلا قصر فيه أيضا.
الشيخ: قد يقال يمكن تصوير المسألة بأن يكون الرجل نوى الاستيطان في بلد وسافر منه وليس له فيه أهل ولا مال ثم عاد إليه لحاجته هكذا يمكن تصويره أما في الغالب فإنه لا يمكن أن يكون مستوطناً في بلد إلا وفيه أهل أو مال.
القارئ: ومتى مر المسافر ببلد له به أهل أو ماشية أتم لأن ذلك يروى عن عثمان وابن عباس.
الشيخ: يُجْمِع بمعنى يعزم لأن الإجماع في اللغة العزم والاتفاق والمراد به هنا العزم ومنه قوله تعالى (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ) أي اعزموه.
فائدة: إعراب الآية يكون كالتالي: الواو حرف عطف وهو من باب عطف الجمل على الجمل فتكون شركاء منصوبة لفعل محذوف تقديره واْجمعوا شركاءكم.
القارئ: ومن لم يجمع على إقامة إحدى وعشرين صلاة قصر وإن أقام دهرا مثل من يقيم لحاجة يرجو إنجازها أو جهاد أو حبس سلطان أو عدو أو مرض سواء غلب على ظنه كثرة ذلك أو قلته.
الشيخ: حتى لو غلب على ظنه أنه لا ينتهي إلا بشهر أو شهرين أو سنة أو سنتين فإنه يقصر لأنه لم يعزم على هذه الإقامة.
القارئ: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في بعض أسفاره تسع عشرة يقصر الصلاة رواه البخاري.
الشيخ: أي سفر هذا؟ عام الفتح.
القارئ: وأقام بتبوك عشرين يوماً يقصر رواه الإمام أحمد وأقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين وقد حال الثلج بينه وبين الدخول.
الشيخ: ابن عمر أقام ستة أشهر هل نوى أن يقيم ستة أشهر؟ لا، كم يقيم؟ على حسب ما ينتهي الثلج وهل الثلج يذوب في أربعة أيام؟ لا يذوب لا شك قد يذوب شهر يمكن إذا كان في آخر الشتاء وإن كان في أول الشتاء فإنه لا تزيده الأيام إلا برودة أو ثلجا ولهذا كان حديث ابن عمر مما استدل به شيخ الإسلام رحمه الله وابن القيم على أنه ما دام الإنسان لم يعزم إقامة تامة فإنه يقصر ولو نوى إقامة مقيدة بزمن أو عمل والغريب أن هؤلاء القوم يقولون إنه مسافر غير مسافر يقولون إن الجمعة لا تنعقد به يعني إذا قلنا بأنه لابد من أربعين رجلاً ووجدنا عشرة من الطلاب مقيمين في هذا البلد إلى أربع سنين مثلاً أو خمس يقولون لا يكمل بهم عدد الجمعة وإذا لم يوجد إلا طلاب في هذه المدينة فإنهم لا يقيمون الجمعة ولو أقاموها لم تصح لأنهم غير مقيمين لأنه لابد من الاستيطان وكذلك يقولون لا يصح أن يكون واحد منهم إماماً في الجمعة ولا خطيباً فيها وهذا تبعيض الأحكام بلا دليل.
القارئ: وإن قال إن لقيت فلاناً أقمت وإلا لم أقم لم يبطل حكم سفره لأنه لم يعزم على الإقامة.
فصل
القارئ: والملاح الذي أهله معه في السفينة وحاجة بيته ولا بيت له غيرها وليس له نية المقام ببلد لا يقصر نص عليه.
الشيخ: لا يقصر هذا خبر المبتدأ الذي هو الملاح.
القارئ: لأنه غير ظاعن عن بلده ومنزله فأشبه المقيم ببلد قال القاضي والمكاري والفيج.
الشيخ: الفيج عندي هو المسرع في سيره الذي يحمل أخباراً من بلد إلى بلد أشبه رجل البريد.
القارئ: قال القاضي والمكاري والفيج مثله في ذلك والأولى إباحة القصر لهما لدخولهما في النصوص المبيحة وامتناع قياسهما على الملاح لأنه لا يمكنهما استصحاب الأهل ومصالح المنزل في السفر وزيادة المشقة عليه في سفره لحمل أهله معه بخلاف الملاح.
الشيخ: غير صحيح قول القاضي رحمه الله ضعيف وقول القاضي ينبني على أصحاب السيارات الكبيرة التي للأجرة الآن هم دائماً في السفر هل نقول إن هؤلاء لا يقصرون ولا يفطرون في رمضان الجواب لا، نقول يقصرون ويفطرون في رمضان وليسوا كالملاح الذي معه أهله في السفينة لأن الملاح الذي معه أهله في السفينة كأنه مقيم هذا بيته وهذا وطنه ولهذا لابد أن لا يكون له وطن أعني الملاح فإن كان له وطن يأوي إليه فإنه مسافر يعني لو فرضنا أن هذا الملاح يحمل معه أهله لانه يسافر إلى مسافات بعيدة إلى قارات أخرى لكن له وطن معروف يأوي إليه فإنه يكون مسافراً أما الملاح الذي ليس له أهل ولا وطن إلا هذا البحر ووطنه البحر وبيته السفينة هذا نقول إنه مقيم.