المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الشيخ: لا بأس أن تصلي النساء جماعة أو فرادى وإتيانهم - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٢

[ابن عثيمين]

الفصل: الشيخ: لا بأس أن تصلي النساء جماعة أو فرادى وإتيانهم

الشيخ: لا بأس أن تصلي النساء جماعة أو فرادى وإتيانهم المسجد أحسن لأن نساء الصحابة حضرن وقد يقال إن نساء الصحابة حضرن كالعادة وبيوتهن خير لهن لكن تنظر للمصلحة إن رأت أنها إذا حضرت للمسجد أخشع لها فلتحضر.

‌باب

صلاة الاستسقاء

القارئ: وهي سنة عند الحاجة إليها لما روى عبد الله بن زيد قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه وصلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة متفق عليه.

الشيخ: ترتيب المؤلف وغيره من الفقهاء جيد لأن صلاة الكسوف لدفع المكروه وصلاة الاستسقاء لحصول المطلوب والاستسقاء هو طلب السقيا سواء كان بالدعاء في البيت أو في حال الصلاة أو في خطبة الجمعة أو على وجه الصلاة المعروفة المهم أنه طلب السقيا من الله عز وجل وهو سنة عند الحاجة إليه ومتى تكون الحاجة؟ إذا أجذبت الأرض وقحط المطر وامتنع صار الناس في حاجة وكذلك لو لم تجذب في الأرض بأن يكون في محل يكون فيه الطل كثير ولكن نقصت المياه فيستسقى أيضاً لذلك.

القارئ: وصفتها في موضعها وأحكامها صفة صلاة العيد وهل يكبر فيهما تكبير العيدين على روايتين

الشيخ: عندكم فيهما يعني في الركعتين.

القارئ: إحداهما لا يكبر لأن عبد الله بن زيد لم يذكره والثانية يكبر لأن ابن عباس روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين كما يصلي في العيدين حديث صحيح وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون صلاة الاستسقاء يكبرون فيها سبعا وخمسا رواه الشافعي في مسنده ولا وقت لها معين إلا أن الأَوْلى فعلها في وقت صلاة العيد لشبهها بها وذكر ابن عبد البر أن الخروج إليها عند زوال الشمس عند جماعة العلماء.

ص: 278

الشيخ: والصواب أنه ينظر للمصلحة إن رأى أن يبكر بها بكر وإن رأى أن يتأخر أخر لأنه ليس فيها شيء يراعى، يراعى في عيد الفطر زكاة الفطر فتؤخر الصلاة وفي عيد الأضحى يراعى ذبح الأضحية فتقدم الصلاة لكن الاستسقاء ليس هناك شيء يراعى فيها فينظر للمصلحة إذا كان الجو بارداً فالأرفق بالناس أن يتأخر وإن كان العكس فالأرفق بالناس أن يتقدم فينظر للمصلحة.

فصل

في إذن الإمام للاستسقاء

القارئ: وفي إذن الإمام روايتان بناءً على صلاة العيد إحداهما هو شرط لها قال أبو بكر فإن خرجوا بغير إذن الإمام صلوا ودعوا بغير خطبة والثانية يصلون ويخطب بهم أحدهم والأولى للإمام إذا أراد الاستسقاء أن يعظ الناس ويأمرهم بتقوى الله والخروج من المظالم والتوبة من المعاصي وتحليل بعضهم بعضا والصيام والصدقة وترك التشاحن لأن المعاصي سبب القحط والتقوى سبب البركات قال الله تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).

الشيخ: ذكر المؤلف رحمه الله أنه ينبغي للإمام أن يعظ الناس ويذكرهم ويعدهم يوماً يخرجون فيه ويأمرهم بالصدقة ويأمرهم أيضاً بالصوم وكل ما ذكر حسن إلا الصوم فإنه لم يرد أنه يكون سبباً لنزول الأمطار الصدقة سبب لنزول المطر ولهذا جاء في الحديث (ما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء) وأما الصوم فلا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأمر به ومن أجل أن هذا هو الشائع عند الفقهاء صار الاستسقاء إما في الاثنين وإما في الخميس لا تكاد تراه خارجاً عن ذلك فهذا هو السبب أن الناس كانوا اعتادوا أن يكون الاستسقاء يوم الاثنين أو يوم الخميس من أجل أنه يسن صومهما فإن صام الإنسان من أجل أنه يوم الاثنين أو من أجل أنه يوم الخميس لا لأجل الاستسقاء فهذا حسن وهذا سنة.

ص: 279

السائل: بالنسبة لصلاة الخسوف قول النبي صلى الله عليه وسلم (صلوا حتى ينجلي) إذا صلينا ركعتين ولم ينجل فهل نعيد الصلاة؟

الشيخ: كما سمعت في الكافي قبل قليل أنها لا تعاد الصلاة ولكن يشتغلون بالاستغفار والتوبة وقراءة القرآن والذكر وما أشبه ذلك وقال بعض العلماء بل يصلي أيضاً لأن قول الرسول (صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) يعم تكرار الصلاة إذا لم تنجل وأنا في تردد من هذا لكن أنا أرى الآن لما كان الناس يعلمون بزمن الكسوف أرى أن الإنسان يأخذ احتياطه من الأول بمعنى أنه يطيل القراءة ويطيل الركوع والسجود.

السائل: بالنسبة للأحداث التي تأتي على غير المعهود كالريح والبرد وغيرهما ما هي كيفية هذه الصلاة وهل تصلى جماعة أي يدعى الناس إليها؟

الشيخ: تصلى كصلاة الكسوف تماماً ويدعى الناس إليها.

القارئ: ويعد الناس يوماً يخرجون فيه ويأمرهم أن يخرجوا على الصفة التي خرج عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متبذلاّ متواضعا متخشعاً متضرعاً حتى أتى المصلى فلم يخطب كخطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد هذا حديث صحيح ويسن التنظيف وإزالة الرائحة لئلا يؤذي الناس بها ولا يلبس ثياب زينة ولا يتطيب لأن هذا يوم استكانة وخضوع.

الشيخ: وكما ذكر ابن عباس رضي الله عنهما أنه خرج متواضعاً متخشعاً متضرعاً وهذا ينافيه التجمل أو التطيب فالأولى أن يخرج كعادته لكن إن كان فيه أذىً من رائحة منتة أو ما أشبه ذلك فليزلها لأنه سوف يجتمع بالناس.

فصل

فيمن يخرج لصلاة الاستسقاء

القارئ: ويخرج الشيوخ والصبيان ومن له ذكر جميل ودين وصلاح لأنه أسرع للإجابة.

ص: 280

الشيخ: والصواب أنه يخرج جميع الناس الصغار والكبار من شيوخ وغلمان وكهول كل يخرج لأنه إذا كان هؤلاء قوم إجابة فعندنا حديث أن الشاب الذي نشأ في طاعة الله ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فالصواب أن يقال أنه يخرج جميع الناس الشيوخ والكهول والصبيان.

القارئ: ويستحب أن يستسقي الإمام بمن ظهر صلاحه لأن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستسقى معاوية والضحاك بيزيد بن الأسود الجرشي وروي أن معاوية أمر يزيد بن الأسود فصعد المنبر فقعد عند رجليه فقال معاوية اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا اللهم إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود الجرشي يا يزيد ارفع يديك إلى الله فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فما كان بأوشك من أن ثارت سحابة في الغرب كأنها ترس وهب لها ريح فسقوا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم.

الشيخ: وهذا كما قال إنه ينبغي أن يستسقي بأهل الصلاح الذين ترجى إجابتهم لفعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أن عمر أفضل الأمة لكن لقرابة العباس من رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه وهذا مشروط بما إذا لم يخشَ فتنة للذي أقامه الإمام أن يستسقي للناس فإن خشي بذلك فتنة كما هو الغالب في عهدنا فإنه لا يفعل لأنه إذا قدر أن هذا الذي أقامه الإمام يستسقي أجاب الله دعائه ونزل المطر صار فتنة للناس وصار الناس يتوسلون به في كل حال فإذا خيفت الفتنة فإننا لا نتعرض لأمور يحصل بها فتنة الناس أو فتنة من أقامه الإمام مقامه لا نرتكب هذا خوفاً من الفتنة أما ما ذكره عن استسقاء معاوية رضي الله عنه بيزيد بن الأسود ففيه من آيات الله عز وجل ما هو ظاهر وقد وقع مثله قبله للنبي صلى الله عليه وسلم حين استسقى في خطبة الجمعة فما نزل من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته عليه الصلاة والسلام.

ص: 281

القارئ: ولا يستحب إخراج البهائم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرجها ولا إخراج الكفار لأنهم أعداء الله فلا يتوسل بهم فإن خرجوا لم يمنعوا لأنهم يطلبون رزقهم ويفردون عن المسلمين بحيث إن أصابهم عذاب لم يصب غيرهم.

الشيخ: لكنهم يفردون عن المسلمون في المكان لا في الزمان يعني يكون اليوم واحداً لكن هؤلاء في جهة والمسلمون في جهة لأن إفرادهم بزمان ربما يصيب قضاءً وقدراً في نزول المطر في اليوم الذي استسقى فيه الكفار فيحصل بذلك فتنة عظيمة ويقال أجيب الكفار ولم يجب المسلمون ولهذا يقال قول المؤلف يفردون عن المسلمين مراده بالمكان ويدل عليه التعليل قال بحيث إن أصابهم عذاب لم يصب غيرهم.

فصل

في الخطبة لصلاة الاستسقاء

القارئ: واختلفت الرواية في الخطبة فروي أنه لا يخطب وإنما يدعو لقول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم هذه وروي أنه يخطب قبل الصلاة لقول عبد الله بن زيد فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه ثم صلى وعنه أنه مخير في الخطبة قبل الصلاة وبعدها لأن الجميع مروي وعنه يخطب بعد الصلاة لأن أبا هريرة رضي الله عنه قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم خطبنا وهذا صريح ولأنها مشبهة بصلاة العيد وخطبتها بعد الصلاة.

الشيخ: فعندنا الآن أقوال أولاً هل يوجد خطبة أو مجرد دعاء؟ فيه خلاف: فمن العلماء من قال لا يخطب ولكن يأتي فيدعو الله عز وجل لقول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم هذه والقول الثاني أن فيها خطبة لكن هل هي قبل الصلاة أو بعد الصلاة أو هو مخير فيها؟ وأولى الأقوال الثلاثة في الخطبة أنه مخير إن شاء قبل الصلاة وإن شاء بعدها لورود السنة في هذا وهذا وأما الاقتصار على الدعاء فقد يقال إن مراد ابن عباس رضي الله عنهما أنه أدرك أناساً يطيلون في الخطبة ويملون الناس.

ص: 282

القارئ: فإذا صعد المنبر جلس ثم قام فخطب خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير لأنه لم ينقل أحد من الرواة خطبتين ويكثر فيها الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر بالاستغفار مثل (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً) (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) ويكثر الدعاء والتضرع ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى ابن قتيبة بإسناده عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الاستسقاء فتقدم فصلى ركعتين يجهر فيهما بالقراءة فلما قضى صلاته استقبل القوم بوجهه وقلب رداءه ورفع يديه وكبر تكبيرة قبل أن يستسقي ثم قال (اللهم اسقنا وأغثنا اللهم اسقنا غيثاً مغيثا وحياً ربيعاً وجداً طبقاً غدقاً مغدقا مونقاً هنيئاً مريئاً مريعاً مربعاً مرتعا سابلاً مُسَبِّلاً مُجَلِّلاً دائماً دروراً نافعاً غير ضار عاجلاً غير رائث اللهم تحي به البلاد وتغيث به العباد وتجعله بلاغاً للحاضر منا والباد اللهم أنزل في أرضنا زينتها وأنزل في أرضنا سكنها اللهم أنزل علينا من السماء ماءً طهورا فأحي به بلدة ميتا وأسقه مما خلقت أنعاماً وأناسي كثيرة فالحيا الذي تحيي به الأرض.

والجدا المطر العام.

والطبق الذي يطبق الأرض.

والغدق الكثير.

والمونق المعجب.

والمريع ذو المراعة والخصب

والمربع المقيم من قولك ربعت بالمكان إذا أقمت به.

والمرتع من قولك رتعت الإبل إذا رعت.

والسابل المطر.

والمسبِّل الماطر.

ص: 283

والسكن القوة لأن الأرض تسكن به وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال (اللهم اسقنا غيثاً مغيثا هنيئاً مريئاً غدقاً مجللا طبقاً عاماً سحاً دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والضنك والجهد ما لا نشكوه إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنزل علينا من بركاتك اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري واكشف عنا من العذاب ما لا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا) ويستقبل القبلة في أثناء الخطبة ويحول رداءه يجعل اليمين يسارا واليسار يمينا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم تفاؤلاً أن يحول الله تعالى الجدب خصبا ولا يجعل أعلاه أسفله لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ويدعو الله في استقباله.

الشيخ: قال بعضهم الفائدة من قلب الرداء ثلاث فوائد الفائدة الأولى اتباع سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

والفائدة الثانية التفاؤل.

والفائدة الثالثة الإشعار بأن الإنسان سوف ينتقل من حال إلى أخرى من لباس إلى لباس لباس المعاصي إلى لباس التقوى وهذه مناسبة جيدة قد تكون مساوية لمناسبة التفاؤل أو أعظم فيكون في ذلك ثلاث فوائد ولكن هل هذا خاص بالرداء وما شابهه كالعباءة أو يشمل حتى الغترة والكوت وما أشبهه؟ الظاهر الأول أنه يختص بالرداء والكوت الشبيه بالرداء لأنه لباس على أعلى البدن فهو شبيه بالرداء أما الغترة فلا لأنها كالعمامة ولم ينقل عمن سلف أنهم كانوا يقلبون العمائم فتبقى الغترة كما هي عليه ولأن الغترة ليست لباس بدن بل هي لباس الرأس.

السائل: إذا كان لا يحفظ هذا الدعاء هل يحسن يكتبه؟

ص: 284

الشيخ: والله إذا كان لا يحفظ هذا الدعاء وكتبه فينظر إن كان الناس يشعرون بأنها كأنها ورقة تقرأ فلا يفعل لأن الغالب أن الإنسان إذا ركز على القراءة ما يخشع قلبه يصير همه إقامة اللفظ المكتوب فقط وربما لو دعا بدعاء من عنده صار أشد تضرعاً إلى الله عز وجل وأشد انفعالاً في الدعاء لكن إذا بقي يقرأ هذه الصحيفة ما يكون عنده ذاك التأثير في الدعاء اللهم إلا أن يسلك طريقة خاصة بحيث مثلاً إذا دعا وكما هو السنة أن يرفع يديه يكون رافعاً الصحيفة بيديه وهو قد شدها إلى فوق فقد يحصل في هذا فائدة لكن لو كرر اللهم أغثنا اللهم أغثنا الرسول قرأها ثلاث مرات في خطبة الجمعة وهذه الأدعية أيضاً ربما يقال إنها تحتاج إلى تخريج وتحرير هل هي ثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام أو لا.

السائل: بالنسبة لدعاء الناس أحياناً يدعون بشيء غير واقع؟

الشيخ: لا تدعُ إلا بشيء واقع لأن الإنسان إذا دعا بشيء غير واقع والله قد أنعم عليه بوجوده صار هذا اعتداءً في الدعاء لكن لابد من أن يكون واقعاً.

السائل: هل النساء يقلبن العباءة؟

الشيخ: نعم يقلبن العباءة وأما التكشف إذا حصل يمنع لأن هذا سنة والتكشف محرم لكن إذا كانت النساء بعيدة في طرف مصلى كبير وغالباً النساء والحمد لله عليهن ثياب ليست ثياب تبرج فهذا يشرع لهن.

القارئ: ويدعو الله في استقباله فيقول اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا لأن عبد الله بن زيد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى يستسقي فاستقبل القبلة ودعا وحول رداءه وجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ويرفع يديه لأن أنساً قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه متفق عليه.

ص: 285

الشيخ: هذا الحديث ليس على عمومه لا يرفع يديه في شيء من الدعاء بل هو محمول على أحد أمرين إما أن المعنى لا يرفع يديه في شيء من الدعاء يعني في حال الخطبة وإما أن المراد لا يرفع يديه رفعاً كثيراً إلا في الاستسقاء وكلا الوجهين صحيح وحينئذٍ لا نحتاج إلى أن يقال إن هذا الحديث يعارضه أحاديث كثيرة تزيد على الثلاثين ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه في الدعاء نقول لا حاجة وليس هناك تعارض بل يحمل على أحد أمرين هما أن المعنى لا يرفع يديه في الدعاء حال الخطبة إلا في الاستسقاء ولهذا أنكر الصحابة رضي الله عنهم على بشر بن مروان لما رفع يديه في الخطبة في غير الاستسقاء أو يقال لا يرفع يديه رفعاً يبالغ فيه إلا في الاستسقاء.

القارئ: فإن سقوا قبل الصلاة صلوا وشكروا الله تعالى وسألوه المزيد من فضله وإن صلوا ولم يسقوا عادوا في اليوم الثاني والثالث لأن الله يحب الملحين في الدعاء.

الشيخ: أما قوله فْإن سقوا قبل الصلاة فإنهم يصلونها شكراً لله فهذا غلط لا وجه له لأن صلاة الاستسقاء ليست صلاة شكر بل صلاة رهبة ودعاء وإزالة شدة فإذا سقوا قبل الخروج فإنهم لا يخرجون وإن سقوا في أثناء الخروج يعني لما وصلوا إلى المصلى نزل المطر فهنا يحتمل أن يقال يصلون لأن ابتداء المجيء إلى الصلاة كان السبب موجوداً ويحتمل أن يقال لا يصلون بل يقول لهم الإمام انصرفوا فقد سقانا الله تعالى وما ذكر عن سليمان عليه الصلاة والسلام وإن كان ضعيفاً أنه خرج يستسقي فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوامها للسماء تقول اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا رزقك قال ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم هذا الأثر فيه ضعف كثير فيه مقال لكن إن صح فهو أصل لما ذكرنا أنهم إذا سقوا قبل أن يخرجوا فلا يخرجون وإن سقوا بعد الخروج فيحتمل أن يصلوا ويحتمل أن لا يصلوا وهو الأقرب.

فصل

ص: 286

القارئ: والاستسقاء على ثلاثة أضرب أحدها مثل ما وصفنا والثاني أن يستسقي الإمام يوم الجمعة على المنبر كما روى أنس أن رجلاً دخل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما ثم قال يا رسول الله هلكت الأموال وتقطعت السبل فادعو الله يغيثنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال (اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا) وذكر الحديث متفق عليه الثالث أن يدعو عقيب الصلوات ويستحب أن يقف في أول المطر ويخرج ثيابه ليصيبها لما روى أنس في حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر عن لحيته رواه البخاري.

الشيخ: المؤلف رحمه الله بين أن الاستسقاء يقع على ثلاثة أوجه:

الوجه الأول صلاة الاستسقاء أن يخرج الناس إلى المصلى ويصلون كما مر.

ص: 287

الوجه الثاني أن يستسقي في خطبة الجمعة ودليله ما ساقه المؤلف من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادعو الله يغيثنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ورفع الناس أيديهم ودعا (اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا) قال أنس فو الله ما في السماء من سحاب ولا قزعة يعني ما فيها سحاب عام ولا قطع من الغيم وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار سلع جبل معروف في المدينة تأتي من قبله السحب فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس فارتفعت في السماء فلما توسطت انتشرت ورعدت وبرقت وأمطرت والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر لم ينزل حتى تحادر المطر من لحيته وهذا يعني أنها بسرعة عظيمة لأن من عادة الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقصر الخطبة ولا يطيلها وهذه السحابة جاءت وانتشرت ورعدت وبرقت يعني بلحظات لا شك في هذا ثم أمطرت ثم المطر نزل من العريش عريش المسجد حتى تحادر من لحية الرسول صلى الله عليه وسلم وفي هذا آية عظيمة من آيات الله عز وجل وأنه إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون وفيها آية للرسول عليه الصلاة والسلام وأنه رسول الله حقاً لأنه دعا الله فأجابه والناس ينظرون وبقي المطر أسبوعاً كاملاً ثم جاء رجل أو الرجل الأول وقال يا رسول الله غرق المال وتهدم البناء فادعو الله يمسكها عنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال (اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) وجعل يشير عليه الصلاة والسلام فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت وخرج الناس يمشون في الشمس ففي هذا الحديث فوائد عظيمة جمة نشير إلى شيء منها:

ص: 288

فمن ذلك أنه يجوز للإنسان أن يخاطب الإمام وهو يخطب يوم الجمعة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم ينكر على هذا الرجل ولكن هل هذا جائز في كل شيء؟ لا إنما يجوز إذا كان هناك مصلحة عامة أما إذا كان لمصلحة خاصة فإنه لا يجوز لأن الأصل منع الكلام فيقتصر على ما ورد والذي ورد إنما كان لمصلحة عامة ومن ذلك لو أنه انقطع التيار الكهربائي أو انقطع سماع الميكرفون فلبعض الجماعة أن يكلم الإمام يقول إنه انقطع التيار لأن هذا مصلحة عامة.

ومن فوائد هذا الحديث أن الإنسان إذا استسقى في خطبة الجمعة رفع يديه ورفع الناس أيديهم لأن هذا هو الذي وقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم أما في غير ذلك أي في غير الدعاء بالاستسقاء والاستصحاء فإنه لا يرفع يديه في الخطبة ولا يرفع الناس أيديهم ولهذا أنكر الصحابة على بشر بن مروان حين دعا في خطبة الجمعة ورفع يديه.

ومن فوائد هذا الحديث تصديق خبر الواحد إذا احتفت به القرينة قرينة الصدق لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صدَّق هذا الرجل الذي قال هلكت الأموال وانقطعت السبل ولم يقل نتأنى ونشوف هل هو صادق أو كاذب أو ما شابه ذلك لأن قرينة الحال تشهد بصدقه أولاً لأن مثل هذا الجذب لا يخفى على النبي عليه الصلاة والسلام وثانياً كون هذا الرجل يأتي يدخل المسجد والناس يستمعون الخطبة والرسول يخطب ثم يتجشم أن يتكلم هذا دليل على صدقه وأنه صادق.

ومن فوائد هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يسأل منه الغوث في الأمر الذي لا يقدر عليه لأن الرجل قال ادعو الله يغيثنا ولم يقل أغثنا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقدر أن يغيث في هذا الأمر لكن لو كان الإنسان غريقاً في ماء وحوله رجل فقال أغثني أغثني انقذني فإنه يجوز لأنه قادر عليه.

ص: 289

ومن فوائد هذا الحديث بطلان دعوى المخرفين الذين يقولون إن الرسول عليه الصلاة والسلام على كل شيء قدير فإنهم في الحقيقة أرادوا بهذا رفع الرسول عليه الصلاة والسلام ولكنهم على العكس من ذلك ارتكبوا ما نهى عنه حيث نهى عن الغلو فيه وهم غلوا فيه.

في هذا إشكال في قوله ادعو الله يغيثنا ولم يقل ادعو الله يغثنا مع أن الفعل المضارع مسبوق بطلب فلماذا لم يجزم؟ الجواب واضح لأن هذا الفعل المضارع ليس جواباً للطلب إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يدعو ولا يغاثون ولو كان إذا دعا أغيثوا قطعاً لقال ادعو الله يغثنا لكنه قال ادعو الله ثم بين هذا المطلوب بقوله يغيثنا فبقي الفعل مرفوعاً.

ومن فوائد هذا الحديث تكرار الدعاء ثلاثاً لقوله (اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا) وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثاً وإذا تكلم تكلم ثلاثاً ليفهم عنه وإذا سلم سلم ثلاثاً والتثليث وارد كثيراً في أشياء كثيرة.

من فوائد هذا الحديث بيان قدرة الله عز وجل حيث أنشأ الله السحابة وأمطرت في هذه المدة القصيرة فهي دليل على كمال قدرته جل وعلا وعلى علمه وعلى سمعه وعلى رحمته كل هذه من لوازم إجابة الله دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام لولا سمعه ما سمع الدعاء لولا علمه ما نشأت السحب لكنه عالم قادر غني كريم رحيم سميع كل هذه من لوازم إجابة الدعاء.

ص: 290

ومن فوائد هذا الحديث أيضاً آية للرسول عليه الصلاة والسلام حيث أن الله أجاب دعاءه بهذه السرعة العظيمة فلم ينزل من المنبر إلا وقد تحادر المطر من لحيته صلوات الله وسلامه عليه فهي آية دالة على صدقه وقد تكون الآية دالة على كذب المدعي كما يذكر عن مسيلمة الكذاب يقال إنه جاءه قوم يشكون إليه غور بئرهم فقال أخرجوا إلي فخرج إليهم وأعطوه ماءً منها فأداره في فهمه ثم مجه في البئر وفيها شيء من الماء فلما مجه فيها غار الماء يعني هو يؤمل أنه يفور كما فار البئر في الحديبية لكن الأمر بالعكس هذه آية لا شك تدل على قدرة الله لكن آية لتكذيب هذا الرجل لا لتصديقه وكما جيئ إليه أيضاً بصبي قد تمزق شعر رأسه فجيء إليه لعله يمسح رأسه فينبت الشعر نباتاً طيباً قالوا إنه مسح رأسه لينبت فحتى الشعر الموجود زال هذه أيضاً آية لكنها على عكس ما يريد أما آيات النبي عليه الصلاة والسلام فهي على وفق ما يريد.

ومن فوائد هذا الحديث في البقية التي لم يذكرها المؤلف جواز تكليم الخطيب بالمصلحة العامة حيث قال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فأقره النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 291

ومن فوائده أيضاً الآية العظيمة أن الرسول قال اللهم حوالينا ولا علينا وجعل يشير إلى النواحي بيده فيتفرق السحاب وصار المطر حول المدينة حتى سال الوادي الذي يسمى قناة شهراً كاملاً وفيه أيضاً حسن تصرف الرسول عليه الصلاة والسلام لأن الرجل قال ادعو الله يمسكها عنا والرسول عليه الصلاة والسلام لم يدعُ الله أن يمسكها بل دعا الله برفع الضرر وبقاء النفع ماذا قال (حوالينا ولا علينا)(حوالينا) بقاء النفع (ولا علينا) دفع الضرر فأجاب السائل بغير ما يتوقع لأن المصلحة في ذلك وهذا يسمى عند البلاغين أسلوب الحكيم أن يجاب السائل بخلاف ما يتوقع ثم إن في دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام أيضاً ملاحظة مهمة قال على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر ما قال حوالينا ولا علينا حتى على السباخ والمدينة كما تعرفون فيها سباخ بل قال (اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام) وهذا تخصيص بعد تعميم (على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) الآكام الجبال الضراب الروابي الصغيرة بطون الأودية الشعبان منابت الشجر الأراضي الرياض التي ينبت فيها الشجر.

ص: 292

أما الوجه الثالث فيقول أن يدعو عقب الصلوات وهذا لا يحضرني الآن دليل له لكن الرسول عليه الصلاة والسلام كان مرة في ناحية من المدينة فجاءه رجل يسأله أن يدعو الله بالغيث فقال (اللهم أغثنا حتى يقوم فلان فيسد ثعلب مربده بإزاره) ثعلب المربد يعني الذي يدخل معه الماء كان المربد وهو مجمع الزرع كان محوطاً وكان فيه فتحة للماء كما هو المعروف فأمطرت السماء وأمطرت وأمطرت وخاف الناس فجاؤوا لهذا الرجل وقالوا إن الرسول عليه الصلاة والسلام سأل الله السقيا حتى تقوم وتسد ثعلب مربدك بإزارك قم المطر ضرنا فقام الرجل فسد ثعلب مربده بإزاره فوقفت السماء سبحان الله هذه من آيات الله أيضاً ثم إن هناك أيضاً مواضع غير هذه السؤال في حال السجود في آخر الليل والسؤال عندما يشعر الإنسان بالاضطرار إلى نزول الغيث لأنه كلما كان الإنسان في ضرورة كانت إجابة الدعاء أقرب حتى الكافر الذي هو كافر ويعلم الله أنه سيكفر إذا دعا الله في حال الضرورة أجابه (وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فينجيهم.

ص: 293

ثم ذكر المؤلف أنه يستحب أن يقف في أول المطر ويخرج ثيابه ليصيبها لما روى أنس رضي الله عنه في حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر من لحيته والاستدلال بهذا الحديث فيه نظر لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتقصد أن يبقى على المنبر حتى ينزل المطر على رأسه ولحيته لكن هناك أدلة أخرى فإن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا نزل المطر حسر عن ثوبه حتى يصيب بدنه ويقول (إنه حديث عهد بربه) يعني خلق الآن هذا الذي يستدل به وقوله في أول المطر هل المراد في أول مطرة تأتي في السنة أو أول ما يبدأ المطر؟ المراد الثاني والفوائد التي في حديث أنس لم نستوعبها لا تظنوا أن ما ذكرناه هو كل الفوائد يوجد فوائد كثيرة ومنها بل من المهم منها اتخاذ شعر اللحية وأن الرسول عليه الصلاة والسلام ذو لحية وهو كذلك وكان عظيم اللحية عليه الصلاة والسلام كثة وكانت ترى لحيته وهو يقرأ في الصلاة تتحرك اللهم صلِّ وسلم عليه.

فصل

القارئ: فإن كثر المطر بحيث يضرهم أو كثرت مياه العيون حتى خيف منها استحب أن يدعو الله تعالى أن يخففه لأن في حديث أنس قال فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم على ظهور الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر) فانجابت عن المدينة انجياب الثوب متفق عليه وفي حديث آخر (اللهم حوالينا ولا علينا ويقول (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) الآية.

الشيخ: وغيره ذكر أنه يقرأ (رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) وهذا هو المقصود لكن كأن المؤلف رحمه الله استحب أن تقرأ الآية كلها.

ص: 294