المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(كتاب الجنائز) الشيخ: على ما هي عليه. القارئ: فإن كثر المطر بحيث - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٢

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌ ‌(كتاب الجنائز) الشيخ: على ما هي عليه. القارئ: فإن كثر المطر بحيث

(كتاب الجنائز)

الشيخ: على ما هي عليه.

القارئ: فإن كثر المطر بحيث يضرهم أو كثرت مياه العيون حتى خيف منها استحب أن يدعو الله تعالى.

الشيخ: لأنه قال يضرهم وهذه جمع فيكون يدعو ضميرها ضمير جمع.

القارئ: استحب أن يدعو الله تعالى أن يخففه لأن في حديث أنس قال فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم على ظهور الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر) فانجابت عن المدينة انجياب الثوب) متفق عليه وفي حديث آخر (اللهم حوالينا ولا علينا) ويقول (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) الآية.

الشيخ: وغيره ذكر أنه يقرأ (رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) وهذا هو المقصود لكن كأن المؤلف رحمه الله استحب أن تُقرأ الآية كلها وينبغي للإنسان إذا استشهد بآية وكان محل الاستشهاد في آخرها أن لا يقول الآية بل يأتي بمحل الشاهد.

كتاب الجنائز

القارئ: يستحب الإكثار من ذكر الموت والإستعدادُ له.

ص: 295

الشيخ: قوله كتاب الجنائز الجنائز جمع جنازة فمن اللغويين من قال جنازة وجنازة بمعنى واحد ومنهم من فرق وقال الجَنازة الميت والجِنازة ما يحمل عليه وهذا له وجهة نظر لأن الجنازة بالفتح حركته عليا فكانت للأعلى والجنازة بالكسر حركتها سفلى فكانت للأسفل وعلى هذا فتقول صليت على الجنازة ولا تقول صليت على الجنازة لأن الجنازة هي النعش وقول المؤلف يستحب الإكثار من ذكر الموت لأنه ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام بحديث فيه نظر (أكثروا من ذكر هاذم اللذات الموت) وهل المراد ذكره أي تذكره بحيث أن الإنسان يتذكر هذا بنفسه أو ذكره بين الناس إذا صح الحديث فهو عام لكن ذكره بين الناس يجب على الإنسان أن يلاحظ الحال هل هي مناسب أن يتكلم بالموت أو غير مناسب قد لا يكون من المناسب أن يتذكر الموت في حفل عرس مثلاً أو ما أشبه ذلك فالإنسان يذكر غيره بالموت إذا اقتضت الحال هذا أما الاستعداد له فنعم يسن الاستعداد له وقد يجب فيما يجب على الإنسان أداؤه كالديون والعبادات الواجبة عليه وما أشبه ذلك فالاستعداد نوعان نوع واجب ونوع مستحب حسب ما يستعد به للموت.

القارئ: فإذا مرض استحب عيادته لما روى البراء قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع الجنازة وعيادة المريض متفق عليه.

ص: 296

الشيخ: وقوله استحب الصحيح أن عيادة المريض فرض كفاية وأنه إذا لم يقم بها من يكفي وجب على المسلمين عيادة أخيهم لأنها من حقوق المسلم على المسلم وكيف يليق بنا أن نعرف أن أخينا مريض في بيته ولا يعوده أحد منا فالصواب أن عيادة المريض فرض كفاية وأنه إذا كان المريض ذا رحم فعيادته فرض عين لأنها من صلة الرحم وقول المؤلف عيادة المريض ظاهره العموم لكن ينبغي أن يقيد بالعيادة في مرض جرت العادة بالعيادة فيه أما لو كان مريضاً مرضاً سهلاً كوجع الضرس ونحو ذلك فإنه لا يعاد لأن الغالب أنه لا ينحبس في بيته ولو قيل بضابط أنه يسن عيادة المريض الذي اقتضى مرضه أن ينحبس في البيت لكان هذا ضابطاً جيداً.

القارئ: فإذا دخل عليه سأله عن حاله ورقاه ببعض رقى النبي صلى الله عليه وسلم ويحثه على التوبة ويرغبه في الوصية ويذكر له ما روى ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده) متفق عليه.

ص: 297

الشيخ: هذا مما يسن لعائد المريض أن يسأل المريض عن حاله كيف أنت؟ ويسأل كيف تصلي؟ كيف تتطهر؟ لأنه قد يخفى على بعض المرضى فرجل عاد مريضاً وقال له كيف حالك؟ وسأله كيف تصلي قال نسأل الله أن يتجاوز عنا لي خمسة عشر يوم وأنا أجمع بين الظهر والعصر وأقصر فقوله أجمع هذا صحيح يحل له الجمع إذا شق عليه الإفراد لكن أقصر لا يحل له فقال له صاحبه كيف تقصر وأنت في البلد قال المريض أليست القاعدة أن كل من جاز له الجمع جاز له القصر هذا ظنه وهذه القاعدة كل عامي يعرف أنها ليست قاعدة لأننا نجمع في حال المطر والبرد الشديد وما أشبه ذلك ولا نقصر فأقول إنه ينبغي أن يسأل عن حاله كيف تصلي وكيف تتطهر؟ ويخبره بما يجب عليه كذلك قوله يرقيه يعني يقرأ عليه وهذا يستحب أو يتأكد إذا رأى من المريض أنه متشوف لذلك وقوله أيضاً ببعض رقى النبي صلى الله عليه وسلم صحيح فإن خير الرقى رقى محمد عليه الصلاة والسلام وقوله ويحثه على التوبة صحيح لكن مع تنفيسه له في الأجل فلا يقول تب إلى الله ترى رجليك بالقبر ويضيق عليه لا ولكن يحثه على التوبة ويقول التوبة إلى الله عبادة من أجل العبادات والإنسان خطاء فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وما أشبه ذلك وكذلك الوصية يذكره لا سيما إذا كان هذا الرجل معروفاً بأنه يستدين من الناس ويستقرض وله معاملات فهنا يتأكد أن يذكره لكن إذا قال قائل إذا كان المريض إذا حُدِّث بهذا الحديث انزعج وخاف فهل نحدثه أو ندعه لأنه ربما يزيده كلامنا مرضاً لأن الناس ليسوا على مستوى واحد فهل نذكره؟

ص: 298

نقول أما ما يجب التذكير فيه فإنه قد يتوجه أن نذكره حتى وإن ارتاع يعني مثل أن يكون الإنسان له مداخلات بين الناس ونعرف أن عليه ديوناً فنذكره لكن بأسلوب بعيد عن أن يشعر بأن المعنى أنه دنا أجله ثم إن دنو الأجل ما هو في المرض كم من إنسان مرض وقرب نعشه واشتري كفنه وحفر قبره وعافاه الله عز وجل وكم من إنسان صحيح ليس فيه أدنى مرض ثم يموت أليس كذلك؟ فممكن أن الإنسان يأتي بأسلوب ينفس لهذا المريض في الأجل ويذكره الوصية.

فصل

فيمن يلي المريض

القارئ: ويستحب أن يلي المريض أرفق أهله به وأعلمهم بسياسته وأتقاهم لربه وإذا رآه منزولاً به تعاهد بل حلقه فيقطر فيه ماءً أو شرابا ويندي شفتيه بقطنة ويلقنه قول لا إله إلا الله مرة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) رواه مسلم ويكون ذلك في لطف ومداراة ولا يكرر عليه فيضجره إلا أن يتكلم بشيء فيعيد تلقينه لتكون آخر كلامه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه أبو داود.

ص: 299

الشيخ: هذا أيضاً مما ينبغي ملاحظته أن يمرض المريض أقرب الناس إليه وأشدهم حنواً وعطفاً لأن هذا مما يزيد في صحته ويخفف عليه المرض والألم والقلق وإذا رأى أنه قد نزل به فإنه كما يقول المؤلف يستحب فيه أفعال وأقوال الأفعال أن يتعاهد بل حلقه بماء لأن ريقه ينشف وكذلك شفتاه تندى بماء ليسهل عليه النطق ويلقنه لا إله إلا الله لكن كيف التلقين؟ هل يأمره بلا إله إلا الله أو ينطق بلا إله إلا الله عنده بصوت يسمعه؟ الجواب الثاني لأنه ربما إذا أمره مع ضيق نفسه في تلك الحال ربما يكره هذا أو يقول لا أنت تأمرني أو ما أشبه ذلك فإذا ذكر الله عنده بصوت يسمعه انتبه وصار هذا تلقيناً فإن قيل ما الجواب عن قول الرسول عليه الصلاة والسلام لعمه أبي طالب وهو محتضر (يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله)؟ الجواب سهل أن أبا طالب كان كافراً وأشد ما يخشى أن يقول أبو طالب لا وإذا قال لا لم يزد عليه الأمر لأنه كان كافراً إن نطق بها فهي كسب وإن لم ينطق بها فهو غير ناطق بها ولهذا كان آخر ما قال والعياذ بالله أنه على ملة عبد المطلب بسبب رجلين كانا عنده قالا له أترغب عن ملة عبد المطلب؟ وإذا قال الذي يمرضه لا إله إلا الله ونطق المحتضر وقال لا إله إلا الله هل يعيد؟ لا لا يعيد ما دام هذا آخر كلامه لا يعيد لكن لو تكلم المحتضر بأي كلام فإنه يعيد حتى لو قال يا رباه أو أشكو إلى الله أو ما أشبه ذلك فليعد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله).

القارئ: ويقرأ عنده سورة يس ليخفف عنه لما روى معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اقرأوا يس على موتاكم) رواه أبو داود.

ص: 300

الشيخ: هذا الحديث ضعفه كثير من أهل العلم وقال إنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن حسنه قال إنه تقرأ يس على المحتضر وليس على الميت الذي نزعت روحه وعللوا ذلك بأن يس فيها ترغيب وترهيب ففيها (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) وفيها (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) وفي آخرها أيضاً (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وإذا أحس الإنسان المحتضر بأنه سيرجع إلى الله عز وجل وعنده إيمان _ نسأل الله أن يجعلني وإياكم من هؤلاء _ فإنه سوف يفرح وتهون عليه الدنيا لأنه يقول أنا أرجع إلى ربي الذي هو أرحم بي من أمي وأبي فلا يتكدر وقراءتها إن شاء الله لا بأس بها إن كان الحديث صحيحاً فهذا المطلوب وإن لم يكن صحيحاً فهي خير ولكن هل يقرؤها جهراً أو سرا؟ يقرأها بحيث يسمع المحتضر لا يجهر الجهر الذي يزعجه ولا يسر السر الذي لا يسمعه لأنه إذا قرأها على وجه لا يسمعه لم يستفد منها شيئاً ولم تتحرك لها نفسه وإن قرأها بصوت مرتفع ربما يزعجه ويقلقه.

القارئ: ويوجهه إلى القبلة كتوجيهه في الصلاة لأن حذيفة رضي الله عنه قال وجهوني ولأن خير المجالس ما استقبل به القبلة.

ص: 301

الشيخ: هذه في النفس منها شيء أنه يسن أن يوجه إلى القبلة لأن النبي عليه الصلاة والسلام حضر أبا سلمة ووجده ميتاً وهو نفسه عليه الصلاة والسلام مات ولم ينقل أنهم يتقصدون أو يتعمدون توجيهه إلى القبلة ثم هذا الأثر عن حذيفة رضي الله عنه يحتاج إلى نظر في صحته فإذا صح فهو عمل صحابي وإذا كانت السنة لم ترد به فلا يعمل به كما لم نعمل بحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه حين أمر أهله إذا دفنوه أن يقيموا عنده قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها فإننا نقول هذا ليس بصحيح وهذا اجتهاد منه وهدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه.

السائل: هل يطلب من الشخص الذي عند المحتضر أن يقرأ سورة يس؟

الشيخ: على رأي من يرى أن الحديث حسن يكون سنة ولكني أقول إن ذكر هذا الحديث وإن كان فيه نظر فيقال الحمد لله نفعله فإن كان صحيحاً فهذا المطلوب وإلا فلا يضر إن شاء الله وقد ذكرنا لكم قاعدة ذكرها صاحب النكت على المحرر قال إن النهي إذا كان في حديث ضعيف يحمل على الكراهة والأمر يحمل على الاستحباب.

السائل: ماكيفية تلقين الميت لا إله إلا الله هل يقال له لا إله إلا الله فقط أو يقال له لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى آخره؟

الشيخ: يكفي لا إله إلا الله.

السائل: وهل يزاد محمد رسول الله؟

الشيخ: لا.

فصل

في تجهيز الميت

القارئ: فإذا مات أغمض عينيه لما روى شداد بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح) من المسند ولأنه إذا لم تغمض عيناه بقيتا مفتوحتين فيقبح منظره.

ص: 302

الشيخ: لو أن المؤلف استدل بحديث أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أبي سلمة وقد شخص بصره فأغمض عينيه عليه الصلاة والسلام وقال (إن الروح إذا قبض اتبعه البصر) يعني أن البصر يبقى ضوء الإبصار فيه بعد أن تخرج الروح وهذا شيء شهد به الطب الحديث فكنا نظن أنه إذا خرجت الروح مع الجسد كل شيء بطل لكن لا يبطل والبصر يبقى ينظر هذه الروح التي خرجت منه وفي هذا دليل على أن الروح جسم وليست معنى أو وصفاً بل هي جسم يرى ولهذا تكفن بالكفن الذي تنزل به الملائكة من السماء فيغمض عينيه لما ذكر المؤلف من الحديث إذا صح ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أغمض عيني أبي سلمة رضي الله عنه ولئلا يقبح منظره عند التغسيل والتكفين ولئلا تكون الأعين مفتوحة للهوام في القبر ففيها فوائد ويبادر بالتغميض حتى لا يبرد الجسم لأنه إذا برد صعب فيبادر بذلك.

القارئ: ويشد لحيته بعصابة عريضة يجمع لحييه ثم يشدها على رأسه لئلا ينفتح فوه فيقبح منظره ويدخل فيه ماء الغسل ويقول الذي يغمضه بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الشيخ: هذا فيه نظر يعني كونه إذا أغمضه يقول بسم الله وعلى ملة رسول الله فيه نظر لأن ذلك لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا من قوله ولا من فعله.

القارئ: ويلين مفاصله لأنه أسهل في الغَسل ولئلا تبقى جافة فلا يمكن تكفينه.

الشيخ: كيفية تليين المفاصل أن يرد ذراعيه إلى عضديه وعضديه إلى صدره ثم يمد اليد ثم يعود ويمد وذلك لأنها إذا بردت الأعصاب بقيت على ما هي عليه أحياناً تأتي جنازة تكون ماتت وليس عندها أحد وقد قبض فخذيه إلى بطنه فتأتي هكذا منعقدة لأنها إذا بردت الأعصاب لم يمكن أن تلين.

وفي الرجل يرد الساق إلى الفخذ ثم الفخذ إلى البطن ثم يمدها مرتين أو ثلاثاً حتى تلين ليسهل تغسيله ويبقى منظره ممدوداً.

القارئ: ويخلع ثيابه لئلا يحمى جسمه فيسرع إليه التغير والفساد.

ص: 303

الشيخ: وأيضاً الصحابة لما توفي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالوا أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا؟ فإذا مات فإنه يسرع في خلع ثيابه ويغطيه فيسجى بشيء يكون ساتراً له حتى يحضر الماء وما يترتب على غسله ثم ينقل إلى سرير غسله ويغسل.

القارئ: ويجعل على سرير أو لوح حتى لا تصيبه نداوة الأرض فتغيره ويترك على بطنه حديدة لئلا ينتفخ بطنه وإن لم يكن فطين مبلول.

الشيخ: هذا فيه نظر لأن الحديدة لا تمنع الورم والانتفاخ فالانتفاخ لابد أن ينتفخ حتى لو كان عليه حديدة وإن وضع حديدة ثقيلة جداً فليس بمناسب وكذلك الطين ليس بمناسب لكن يغني عن ذلك كله الإسراع في تجهيزه لئلا يبقى جيفة عند أهله.

القارئ: ويسجى بثوب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجي ببرد حبرة متفق عليه ويسارع في تجهيزه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) رواه أبو داود.

الشيخ: ظهراني هذا مثنى غير مراد والمراد ظهر أهله لكن هكذا جاء في اللغة مثل لبيك وسعديك وما أشبهه.

القارئ: وإن شُكّ في موته انتظر به حتى يتيقن موته بانخساف صُدغيه وميل أنفه وانفصال كفيه واسترخاء رجليه.

الشيخ: إن شك في موته بأن مات بحادث أو بغتة فإنه ينتظر حتى يتيقن موته وله علامات منها يقول المؤلف رحمه الله انخساف الصدغين الصدغ هذا ينخسف لأن اللحيين تنفصل فإذا انفصلت اللحيين من العظم الناتئ انخسفت وكذلك أيضاً ميل أنفه إذا مات الإنسان مال أنفه والثالث انفصال كفيه تنفصل عن الذراعين وتنفصل الكف لأنها الآن مشدودة بالذراع فإذا مات ارتخت وانفصلت وبان الانفصال كذلك استرخاء رجليه فالقدمين تسترخي ما تقف هي الآن ولله الحكمة يعني مشدودة لكن إذا مات

ص: 304

استرخت وحدثنا شيخنا أن رجلاً طبيباً مروا بجنازة من عنده وإذا قدما الميت واقفة غير رخية فقال أنزلوا هذا الميت قالوا إنه مات وسنذهب ندفنه قال أنزلوه إنه لم يمت فقالوا ما الدليل قال لأن رجليه لم تسترخي فهذا دليل على أنه فيه روح ولكن يقوله غلبت عليه البرودة لأن الطبائع الأربع البرودة والحرارة والرطوبة واليبوسة إذا لم تكن متكافئة اعتلت الصحة يقول فجاء بسوط وجعل يضربه في مواضع معينة حتى حمي ثم تحرك فقال ارجعوا به إلى بيته والشيء هذا حدثنا به شيخنا رحمه الله عبد الرحمن بن سعدي وهذا يدل على أن استرخاء الرجلين من علامات الموت.

القارئ: ولا بأس بالانتظار بها قدر ما يجتمع لها جماعة ما لم يخف عليه أو يشق على الناس ويسارع في قضاء دينه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) وهذا حديث حسن فإن تعذر تعجيله استحب أن يتكفل به عنه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة فسأل هل عليه دين قالوا نعم ديناران فلم يصل عليه فقال أبو قتادة هما علي يا رسول الله فصلى عليه رواه النسائي وتستحب المسارعة في تفريق وصيته ليتعجل ثوابها بجريانها على الموصى له.

ص: 305

الشيخ: إذن الإسراع في قضاء الدين واجب ولا يحل للورثه أن يتفكهوا بما خلفه الميت وعليه دين ولا يحل لهم أيضاً أن ينتظروا زيادة الأثمان كما لو خلف الميت أراضي أو عقارات وقالوا ننتظر بها حتى يزيد السعر فإن هذا حرام عليهم والواجب أن يبادروا والإنسان العاقل إذا عرف أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصل على من عليه الدين يحذر من الدين قليله وكثيره ولا يكون كصاحب السيارة التي اشتراها بمائة ألف وثمانية آلاف مع أنه يمكن أن يجد سيارة بعشرين ألف أو بأقل لأن هذا من السفه لكن مع الأسف أن الديون صارت الآن عند الناس من أسهل ما يكون حتى أن الإنسان أحياناً يقدم لك ورقة وإذا فيها أربعة ملايين أو خمسة ملايين نسأل الله العافية أكثر الناس أو كثير منهم لا يبالي وهذا غلط إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام لم يرشد الرجل المحتاج للزواج أن يستقرض مهر للزوجة فما بالك بأن يتدين الإنسان أو يستقرض لأمور كمالية لا حاجة لها إطلاقاً والرجل الذي قال لا أجد ولا خاتم من حديد هل قال له استقرض؟ لا ما قال له استقرض مع أنه يمكن أن يستقرض عشرة دراهم ويعطيه إياها لكن لم يرشده لهذا وتجد الناس الآن نسأل الله العافية لا يهتمون إطلاقاً بالدين هذا مع أن الورثة كثير منهم لا يخاف الله ولا يرحم الميت يتفكه بالمال المخلف أو ينتظر زيادة الأثمان أو ما أشبه ذلك وكل هذا حرام والواجب المسارعة في قضاء الدين حتى إن العلماء قالوا ينبغي أن لا يصلى عليه حتى يقضى دينه لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يسأل عند الصلاة هل عليه دين أم لا واستدل بهذه القصة على أن الميت لا يقضى دينه من الزكاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده زكوات لا شك من أول ما فرضت الزكاة يكون عنده زكوات ولم يتحملها عليه الصلاة والسلام ولكن لما فتح الله عليه وأفاء الله

ص: 306

عليه وكثرت الأموال عنده صار يتحملها وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء بل حكاه ابن عبد البر وأبو عبيد إجماعاً أنه لا تجزئ الزكاة في قضاء الدين على الميت لكن الصحيح أنه لا إجماع في المسألة ففيها وجه أنه يجوز ولكن الراجح أنه لا يجزئ أما الإسراع في تفريق الوصية فالعلماء رحمهم الله لا يعرفون وصايانا الآن، وصايانا الآن يكون فيها عقار وغالب الوصايا ولا سيما وصايا الأولين غالبها أضحية وعشاء في رمضان هذا غالبها لكن الوصايا في الأول تكون وصايا معينة لشخص معين إذا مت فأعطوا فلاناً كذا من الدراهم كذا من الأموال ولذلك يمكن أن يسارع في إنفاذ الوصية قبل الدفن أما وصايانا الآن فالأمر فيها مختلف.

السائل: ما حكم تأخير الجنازة يعني عدم الصلاة عليها لمدة يوم فقط من أجل حضور بعض الأقارب؟

الشيخ: أما التأخير اليسير كالساعة والساعتين لا بأس وأما التأخير يوماً أو يومين وبعضهم أكثر من يومين يكون مثلاً ابنه أو أخوه في بلاد بعيدة ويؤخر فهذا لا يجوز لأن في ذلك إضراراً على الميت والميت إذا كان مؤمناً يقول قدموني قدموني ثم هو قد بشر بالجنة ولا يمكن أن يصل إليه نعيم الجنة حتى يدفن فيكون في هذا جناية عليه.

ص: 307

فإن قال قائل أليس النبي صلوات الله وسلامه عليه توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء قلنا بلى لكن الصحابة أخروا ذلك حتى ينصبوا خليفة بعده لئلا تخلو الأمة من وجود خليفة بينها على ظهر الأرض ولهذا لم يدفنوه حتى بايعوا أبا بكر رضي الله عنه هذا من وجه ومن وجه آخر أن الصحابة كانوا يأتون إليه يصلون عليه أرسالاً بلا إمام يعني صلوا عليه بدون إمام لأنه صلوات الله وسلامه عليه هو الإمام فكان يأتي الرجل يصلي عليه وحده والرجلان والثلاثة كل يصلي عليه وحده وصلى عليه حتى النساء وهذا يستدعي أن يتأخر دفنه لكن هذه العلة الأخيرة علة فيها نظر إذ يمكن الاستغناء عن الصلاة عليه حاضراً بعد الدفن ولكن يجاب عن ذلك بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الدفن فيها صعوبة لأنه دفن في بيته ليس ظاهراً لكل أحد وعلى كل حال الأمر الذي هو ظاهر جداً أن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر الصحابة في دفنه حتى لا تخلو الأمة من خليفة بعده وهذا أمر ظاهر.

مسألة: إذا كنت تريد أن تقضي ديناً عن حي فسواء أعطيته ودفعه هو أو ذهبت أنت إلى غريمه وأوفيت عنه كله جائز.

السائل: ما مثال قضاء الدين عن الميت؟

الشيخ: إنسان ميت عليه ألف ريال وليس له تركة فذهب رجل من الناس إلى دائنه وقال هذه ألف ريال عن فلان من الزكاة فهذا لا يجوز أما لو كانت صدقة تطوع فلا بأس.

السائل: هل يدخل تحت الدين الذي يمنع الصلاة على الميت القروض التي يستقرضها الرجل من البنوك العقارية.

الشيخ: نعم ما فيها شك تدخل في ذلك إلا إذا خلف وفاءً فإذا خلف وفاءً فلا بأس والمراد إذا خلف وفاءً عن أقساط حلت عليه من قبل أما إذا كان أوفى كل الأقساط فإن بقية الأقساط تكون على الورثة لأنهم هم الذين آل إليهم البيت.

السائل: وهل يحاسب على الباقي؟

الشيخ: لا ما يحاسب على الباقي لأن البيت انتقل عنه الآن والبيت مرهون فيه تأمين.

ص: 308