المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الشيخ: في هذا الحديث دليل على أنه لا يجوز للإنسان - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٢

[ابن عثيمين]

الفصل: الشيخ: في هذا الحديث دليل على أنه لا يجوز للإنسان

الشيخ: في هذا الحديث دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يبصق في الصلاة بين يديه لأنه يقوم بين يدي الله عز وجل والله تعالى قبل وجهه وقد أشار النبي عليه الصلاة والسلام بهذا المثل إلى أنه خلاف الأدب فإن أحداً من الناس لا يرضى أن يقوم شخصاً أمامه ثم يتنخع أمامه هذا من سوء الأدب العظيم فإذا كان هذا فيما بين المخلوقين فكيف فيما بين الخالق والمخلوق وفيه دليل على أن النخامة طاهرة لقوله (أو تحت قدمه) وفيه دليل أيضاً على أنه لا يجوز أن يتنخع في المسجد لقوله (فإن لم يجد فليقل هكذا) معناه إن لم يجد محلاً صالحاً مثل أن يكون في المسجد فإنه لا يجوز أن يتنخع فيه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (البصاق في المسجد خطيئة) وفيه دليل على أنه يجوز للعالم أن يصنع ما يستحيى منه من أجل التعليم لأن كون الإنسان يبصق أمام الناس في ثوبه ويحك بعضه بعض قد يكون مستكرهاً لكن إذا كان لأجل التعليم فإنه لا بأس به.

القارئ: وإن سُلِّم على المصلي رد بالإشارة لما روى جابر قال أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فأشار إلي فلما فرغ دعاني وقال (إنك سلمت علي آنفاً وأنا أصلي) متفق عليه

الشيخ: لكن إذا خاف أن يكون المصلي جاهلاً وأنه لو سلم عليه لرد عليه السلام فلا يسلم.

‌باب

الجماعة

القارئ: الجماعة واجبة على الرجال لكل صلاة مكتوبة لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) متفق عليه وليست شرطاً للصحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة) متفق عليه.

ص: 23

الشيخ: قال المؤلف باب الجماعة يعني الجماعة في الصلاة ثم بين حكمها رحمه الله وقال الجماعة واجبة على الرجال لكل صلاة مكتوبة فخرج بقيد الرجال النساء فلا تجب عليهن صلاة الجماعة لا منفردات ولا مع الرجال وخرج بقوله لكل صلاة مكتوبة جماعة القيام في ليالي رمضان والجماعة في صلاة الكسوف والجماعة في صلاة الاستسقاء فإنها ليست واجبة ثم استدل بالحديث وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره وهذا القول الذي ذكره المؤلف هو القول الأول وهو قول وسط بين قولين:

القول الثاني أن الجماعة شرط لصحة الصلاة وأن من ترك الجماعة بلا عذر فصلاته باطلة وهذا اختيار ابن عقيل من أصحاب الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال إن الجماعة واجبة فإذا كانت واجبة فالقاعدة كل واجب في العبادة إذا تركه الإنسان عمداً فإن العبادة تبطل وإلا لم يصح أن نقول إنه واجب ولا شك أن هذا التعليل قوي لكن التعليل الذي يدل النص على خلافه يلغى كما سيأتي في كلام المؤلف

القول الثالث أن الجماعة ليست واجبة وإنما هي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين وعلى هذا فإذا كان أهل الحي ألف نفر وذهب إلى المسجد منهم اثنان وصلوا في المسجد كفى عن الجميع

ص: 24

القول الرابع أنها سنة وأن الناس لو تركوا صلاة الجماعة لم يأثموا وهذا قول ضعيف جداً وليس هو مذهب الشافعي كما يذكر وأقصد أنه ليس مذهب الشافعي المذهب الشخصي لأنه قال لا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة أن يتركها بلا عذر ومثل هذه العبارة تدل على أنه يرى وجوبها كما هو القول الراجح فالحاصل الآن أن القول الراجح من أقوال العلماء في صلاة الجماعة أنها واجبة وأنها فرض عين على الرجال لكل صلاة مكتوبة والدليل على هذا ما ذكره المؤلف رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) متفق عليه ووجه الدلالة من الحديث ظاهرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم هَمَّ أن يحرقهم بالنار وحدث أصحابه بذلك ولا يمكن أن يهمَّ بشيء محرم ولا يمكن أن يهم بشيء يُحدِّث به أصحابه وهو سهل والذين قالوا بعدم الوجوب قالوا إن الرسول صلى الله عليه وسلم هَمَّ ولم يفعل فيقال سلمنا ذلك أنه هَمَّ ولم يفعل لكن ما الفائدة من تحديثه الناس بأنه هَمَّ أن يحرق بيوتهم بالنار هل الفائدة التحذير أو الفائدة التقرير وإقرارهم على ترك الجماعة؟ لا شك أنه الأول ولهذا نرى أن هذا الحديث نص في وجوب صلاة الجماعة وليس ظاهراً كما يدل على ذلك أيضاً قول الله تبارك وتعالى (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) فهذه الآية تدل على أن صلاة الجماعة فرض عين وليست فرض كفاية لأنها لو كانت فرض كفاية لاكتفي بالطائفة الأولى فهي فرض عين وإذا كانت الجماعة واجبة في

ص: 25

حال التحام القتال ففي حال الأمن من باب أولى.

قال وليست شرطاً للصحة نفى القول بذلك رداً على من زعم أنها شرط للصحة ثم استدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم (تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة) متفق عليه ووجه الدلالة أنه لو كانت شرطاً لصحة الصلاة لم يكن في صلاة الفذ أجر إطلاقا.

السائل: هل يقال الآن يجوز للإمام أن يحرق من تخلف عن الصلاة؟

الشيخ: لا يجوز لأن الرسول لم يفعل وقد نهى عن التعذيب بالنار ثم في رواية لكنها ضعيفة في المسند (لولا ما فيها من النساء والذرية).

السائل: هل حديث (لا يعذب بالنار إلا رب النار) صحيح؟

الشيخ: الذي في الصحيحين أنه نهى أن يعذب بالنار.

السائل: ما هو رأيكم فيمن يحمل قوله (الفذ) على من عنده عذر؟

الشيخ: غير صحيح حمله على من له عذر غير صحيح وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) ولأن المعذور لا إثم عليه.

القارئ: وتنعقد باثنين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الاثنان فما فوقهما جماعة).

الشيخ: الاثنان بكسر اللام لماذا لأن همزة الوصل إذا جاءت درج سقطت فيكون الثاء ساكناً واللام التي كانت ساكنةً قبل الهمزة ساكنة فيجب أن تحرك اللام فيقال الِاثْنان وأما النون واضحة أن نون المثنى تكسر.

القارئ: (الاثنان فما فوقهما جماعة) رواه ابن ماجة فإن أم الرجل عبده أو زوجته كانا جماعة لذلك وإن أم صبياً في النفل جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم أم ابن عباس في التهجد وإن أمه في فرض فقال أحمد لا يكون مسقطاً له لأنه ليس من أهله وعنه يصح كما لو أم رجلاً متنفلا.

ص: 26

الشيخ: تنعقد باثنين واستدل المؤلف بحديث ابن ماجه (الاثنان فما فوقهما جماعة) ويمكن أيضاً أن نستدل بحديث ابن عباس حين قام مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في التهجد وكذلك حديث حذيفة وابن مسعود ووجه الدلالة أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل، والدليل أن الصحابة لما حكوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته في السفر حيثما توجهت به قالوا غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة فاستثنوا ذلك مما يدل على أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل وهم قد حكوا أنه يوتر على راحلته قالوا غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة المهم أن عندنا أدلة على انعقاد الجماعة باثنين وهل تنعقد بالصبي إن كان نفلاً فنعم وإن كان فرضاً ففيه روايتان عن أحمد والصواب أنها تنعقد بالصبي.

السائل: بالنسبة لوجوب الجماعة بعض الأئمة يقول لا نلزم المخالف فيها فلا إنكار في مسائل الاجتهاد؟

الشيخ: كل مسائل الاجتهاد لا إنكار فيها لكن مسائل الخلاف فيها الإنكار ولهذا بعض الناس يقول لا إنكار في مسائل الخلاف وهذا غلط بل لا إنكار في مسائل الاجتهاد وأما المخالف الذي لا وجه لمخالفته فهذا ينكر عليه.

السائل: هل يراعى أهل البلد في الإنكار؟

الشيخ: إذا رأى ولي الأمر أن هذا الرجل لو أنه ترك واجتهاده لأضر بالناس فهذا له أن يمنعه كما صار الآن إظهار الوجه يجب أن ينكر على النساء اللاتي يظهرن الوجوه لأن هذا إعلان بما يراه أهل البلد منكراً.

السائل: بعض الناس يقول لو كانت الصلاة جماعة واجبة لم يتركها النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يحرق عليهم بيوتهم بالنار؟

ص: 27

الشيخ: يتبعون المتشابه يقول لو كانت واجبة ما ذهب النبي عليه الصلاة والسلام من أجل أن يحرق عليهم بيوتهم بالنار هل إن الرسول قال إني أنا آمر رجلاً بالناس وأذهب إلى هؤلاء في حال ائتمام في حال صلاتهم الجماعة فيه احتمال لكن ظاهر الحديث أنه يذهب في هذه الحال يحرق عليهم بيوتهم بالنار فنقول هذا من باب إزالة المنكر والذين يوكل إليهم إزالة المنكر إذا ذهبوا وقت جماعة الناس لإزالة المنكر فلا حرج وربما يقال أيضاً انطلق برجال معهم حزم أنهم يصلون جماعة أيضاً.

فصل

القارئ: ويجوز فعلها في البيت والصحراء لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أينما أدركتك الصلاة فصلِّ فإنه مسجد) متفق عليه وعنه أن حضور المسجد واجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد).

ص: 28

الشيخ: هذه مسألة أيضاً هل يجب أن تصلي في المساجد أو يجوز فعلها في البيت وفي الصحراء قدم المؤلف رحمه الله أنه يجوز فعلها في البيت وبناءً على ذلك يجوز للإنسان أن يصلي بامرأته في بيته ولا يشهد الجماعة وهذا هو المشهور من المذهب لكنه ضعيف جداً والصواب أنه يجب أن تكون في المسجد أولاً لهذا الحديث لكنه ضعيف (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) هذا الحديث ضعيف لكن هناك أدلة أخرى منها ما سبق في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم همَّ أن يأمر رجلاً أن يؤم الناس ثم ينطلق إلى قوم لا يشهدون الصلاة فيحرق عليهم بيوتهم بالنار لأن هؤلاء بإمكانهم أن يدفعوا العذاب عنهم بقولهم نصلي جماعة في بيوتنا فلم يكن لهم عذر في التخلف عن المسجد ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استأذنه رجل لأنه أعمى فقال (هل تسمع النداء) قال نعم قال (فأجب) وهذا نص صريح في أنه يجب حضور الجماعة في المساجد ولو أننا لو قلنا بهذا القول لزم منه تعطيل المساجد إذا قلنا كل إنسان يصلي جماعة بأهله في البيت فإن المساجد سوف تتعطل وحينئذٍ نفقد شعيرة من شعائر الإسلام ولأن عمل المسلمين من عهد نبيهم إلى اليوم إقامة الجماعة في المساجد وهذا شبه إجماع على أن هذا هو هدي الإسلام فالصواب أنها واجبة في المساجد ولا يجوز للإنسان أن يتخلف عنها ولكن ها هنا مسألة في وقتنا الحاضر أحياناً تكون المساجد إلى جنب مصلحة حكومية أو مدرسة وإذا خرجوا إلى المسجد فإنه أولاً إن كانوا طلاباً ضيقوا المسجد وربما يعبثون فيه وربما يتفرقون ولا يصلون فهل يرخص لهم في هذه الحال أن يصلوا في المدرسة الجواب نعم أولاً دفعاً لأذاهم وثانياً لأجل أن لا يهرب أحد عن الجماعة وثالثاً أن هذا ليس أمراً دائماً راتباً إنما هو أمر عارض في صلاة واحدة وكذلك يقال في بعض الدوائر التي لها مساس بعامة الناس لو أن أهل الدائرة أغلقوا الدائرة وذهبوا لتعطلت أمور الناس من جهة ولذهب بعض

ص: 29

هؤلاء الموظفين إلى بيوتهم كما هو واقع يخرج على أنه سيصلي ثم يذهب إلى البيت وإذا أحرى أنهم جاؤوا إلى العمل جاء هذا شيء شهد به الناس فمثل هؤلاء أيضاً نقول يرخص لكم في أن تصلوا مكانكم لما يترتب على ذلك من حفظ الوقت وعدم ضياعه ولأنهم إذا كانوا لهم مساس بالجمهور وعامة الناس يعطلون الناس إذا ذهبوا ولأنه ربما يكون هناك وثائق يصعب أن الإنسان يغلق الباب ثم يرجع ويفتح وإن تركها خاف عليها من الضياع أو من السرقة.

القارئ: وفعلها فيما كثر فيه الجمع أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى) من المسند.

الشيخ: أزكى هنا من الزكاء الذي هو النماء يعني أكثر أجراً وفي هذا دليل على أنه إذا دخل رجلان وقد صُليت الجماعة الأولى فإنهما يصليان جماعة لأن صلاتهما جميعاً أزكى من صلاة كل واحد وحده.

القارئ: وإن كان في جواره مسجد تختل الجماعة فيه بغيبته عنه ففعلها فيه أفضل وإن لم تختل بذلك وثم مسجد آخر فالعتيق أفضل لأن الطاعة فيه أسبق وإن كان سواء فهل الأفضل قصد الأقرب أو الأبعد على روايتين.

ص: 30

الشيخ: أولاً لابد من دليل على هذا إذا كان في جوار المسجد تختل الجماعة بغيبته عنه فالأفضل أن يصلي في هذا المسجد على كل حال لأنه في هذه الحال ينشط الجماعة ويقويهم ويجبر خاطرهم فصار صلاته فيه أفضل من صلاته في غيره وهذا لأمر يعود إلى شيء خارج لا يتعلق بالمكان يقول وإن كان سواءً فهل الأفضل قصد الأبعد أو الأقرب؟ على روايتين فمن العلماء من قال يقصد الأقرب ومنهم من قال يقصد الأبعد فالذين قالوا إنه يقصد الأقرب قالوا لأنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يهجر الرجل مسجده إلى مسجد آخر هذا أو معناه والذين قالوا الأفضل أن يقصد الأبعد استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم ممشى) والحديث الثاني ليس فيه دليل واضح أن الإنسان يقصد الأبعد بل هو يدل على أن الإنسان إذا بعد مكانه عن المسجد فهو أفضل لا أن يقصد المكان الأبعد ويشبه هذا من بعض الوجوه قول من قال من أهل العلم إن الإنسان ينبغي له إذا قصد المسجد أن يدني الخطوات بعضها من بعض من أجل أن يكثر الأجر والصواب خلاف ذلك وأنه لا يسن لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم (له في كل خطوة يخطوها) يعني الخطوة المعتادة فنحن نقول لا توسع الخُطا ولا تقربها اجعل مشيك مشياً معتادا ولك بكل خطوة يرفع لك بها درجة ويحط بها عنك خطيئة.

أما الثاني وهو وكونه العتيق أفضل قالوا لأن الطاعة فيه أسبق فإذا كان الطاعة فيه أسبق صار هذا المكان محل عبادة لله عز وجل على وجه أسبق من الآخر فصار أولى في التقديم وهذا كله مع مراعاة المكان لكن قد يقصد الإنسان مسجداً آخر لحسن تلاوة إمامه أو لكونه عالماً أو لكونه فيه درس أو ما أشبه ذلك فيكون هذا الفضل لأمر خارج.

القارئ: وإن كان البلد ثغراً فالأفضل اجتماع الناس في مسجد واحد لأنه أعلى للكلمة وأوقع للهيبة.

ص: 31

الشيخ: تعرفون الثغر يعني الحدود التي بين المسلمين والأعداء الأفضل أن يجتمعوا في مسجد واحد لأن ذلك أوقع للهيبة وأذل للأعداء.

القارئ: وبيت المرأة خير لها فإن أرادت المسجد لم تمنع منه ولا تتطيب له لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن) رواه احمد وفي رواية (ليخرجن تفلات) يعني غير متطيبات.

الشيخ: أما النهي عن منع النساء من المساجد فهو في الصحيحين وغيره وأما (بيوتهن خير لهن) فليس في الصحيح.

القارئ: وفي رواية (وليخرجن تفلات) يعني غير متطيبات ولا بأس أن تصلي المرأة بالنساء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأم ورقة أن تؤم أهل دارها رواه أبو داود.

الشيخ: وعلم من قول المؤلف ولا بأس أنه لا يسن للنساء الجماعة وقد اختلف العلماء في هذا فمنهم من قال لا يسن للنساء أن يصلين جماعة في البيوت.

ومنهم من قال يسن.

ومنهم من قال يباح إن شئن صلين وإن شئن لم يصلين.

فالأقوال فيها ثلاثة وحتى على القول بأنه يسن لهن أن يصلين جماعة فإنهن لا ينلن أجر صلاة الجماعة التي ينالها الرجال في المساجد يعني لا يحصلن على سبع وعشرين درجة لأن الأحاديث الواردة كلها في الرجال الذين تجب عليهم الجماعة والله أعلم.

السائل: مسألة الصلاة في العتيق أفضل هذا ما ينتقض بالصلاة في المسجد الأقصى وهو أسبق من مسجد النبي عليه الصلاة والسلام والعبادة فيه أقدم ومع ذلك الصلاة في مسجد المدينة بألف صلاة وفي مسجد الأقصى بخمسمائة مع أنه أسبق؟

الشيخ: لا ما يدل على هذا، أصل النوع هنا النوعية في مسجد الرسول أفضل والمراد بالنوعية يعني أن هذا مسجد خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام وهو أفضل الرسل وهذاك إنما كان له فضل لأنه غالب الرسل من هناك.

فصل

القارئ: ويعذر في ترك الجماعة والجمعة بثمانية أشياء:

ص: 32

المرض لما روى ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) قالوا يا رسول الله وما العذر قال (خوف أو مرض) رواه أبو داود.

الشيخ: لدينا دليل عام لكن المؤلف رحمه الله أتى بالدليل الخاص على ما فيه من المقال في سنده وصحته لأنه إذا أمكن أن تأتي بالدليل الخاص فهو أولى من الدليل العام لأن الدليل العام قد يدعي الخصم أنه مخصوص ولا يسلم بشموله لجميع الأفراد كما أن بعض علماء الأصول قالوا إن العام لا يتناول جميع أفراده على التعيين لكنه ظاهر فقط في تناول جميع الأفراد لكن هذا القول ضعيف أبطلته السنة القول بأنه لا يتناول جميع الأفراد ولكن هذا ظاهره هذا ضعيف أبطلته السنة والسنة هي قول الرسول عليه الصلاة والسلام (إنكم إذا قلتم ذلك) يعني السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض) وهذا نص صريح في أن العام يتناول جميع أفراده فأنت الآن إذا أتتك مسألة فيها دليل خاص وفيها دليل عام فما هو الأولى؟ الدليل الخاص لاحتمال التخصيص أو منازعة الخصم فمثلاً قتل الصيد في الإحرام إذا كان عن غير عمد كرجل يمشي في السيارة وصدم صيداً بغير عمد هذا ليس فيه شيء لا إثم فيه ولا كفارة لقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) هذا دليل استدل به واحد من الناس والآخر قال (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) أيهما أليق بالقاعدة الثاني فيستدل بالخاص ثم يستدل بالعام، فالعام الذي أريد أن أقوله في مسألة من يعذر بالمرض في ترك الجماعة هو قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) وقوله (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) والآيات العامة في هذا كثيرة وكذلك الأحاديث.

ص: 33

القارئ: والخوف لهذا الحديث وسواء خاف على نفسه من سلطان أو لص أو سبع أو غريم يلزمه ولا شيء معه يعطيه.

الشيخ: إلى هذا الحد إذا خاف من غريم يلزمه وليس عنده شيء يكفيه فهو معذور فالإنسان المفلس الذي له أناس يطلبونه كثيراً ويخشى أنه إذا خرج للمسجد وإذا واحد على عتبة الباب وواحد في الطريق وواحد على عتبة المسجد والثاني في الصف يخشى من هؤلاء فهو معذور إلى أن يجد وفاء يعني لو بقي كل حياته لا يصلي مع الجماعة خوفاً من الغرماء فإنه معذور لكن هؤلاء الغرماء يأثمون من وجهين:

الوجه الأول أنه يلزمهم الإنظار في حق المعسر لقوله تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).

الثاني أنهم كانوا سبباً في ترك هذا الرجل لصلاة الجماعة.

القارئ: أو على ماله من تلف أو ضياع أو سرقة.

الشيخ: وهذا أيضاً إذا خاف على ماله من تلف أو ضياع وكلمة مال مفرد مضاف تعم وظاهره أنه وإن قل لأنه لم يقيد ولهذا قالوا لو خاف الخباز على خبزه أن يحترق فله ترك الجماعة لأنه يضيع ماله ومن ذلك أيضاً إذا كان يخشى أن تفسد خلطة الإسمنت إذا ذهب يصلي فله أن يترك الجماعة وكذلك إذا خاف خلطة الجبس يعني الجص لأنه أسرع أيضاً من جمود الإسمنت فله أن يترك الجماعة كذلك إذا خاف على ماله من ضياع وعلى ولده من باب أولى فلو انطلق الصبي فلك أن تترك الجماعة وتلحق هذا الصبي وهذا يقع كثيراً في المسجد الحرام والمسجد النبوي أيام المواسم يأتي الإنسان بصبيه والصبي كما تعرفون ينطلق فهل نقول إنك تعذر بترك الجماعة لتبحث عن صبيك؟ الجواب نعم هذا من باب أولى أولى من المال.

القارئ: أو يكون له دين على غريم يخاف سفره.

ص: 34

الشيخ: وهذه أيضاً، هذه لو نقولها للعامي يستغرب، ذكر له أن غريمه قدم البلد وأنه سوف يسافر الآن وهو يسمع الإقامة قد قامت الصلاة أين الغريم قالوا في الموقف موقف السيارات يدع الصلاة ويذهب إلى غريمه ليأخذ حقه منه وهذا يمكن أن يستدل عليه بقول الرسول عليه الصلاة والسلام (لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) لأن الإنسان إذا صلى مع الجماعة وهو يشعر بأن غريمه في الموقف وسيسافر هل يحضر قلبه في الصلاة؟ لا ما يحضر لأن انشغال قلبه أشد مما لو حضر الطعام لا سيما إذا كان ماله كثيراً وكان الغريم مماطلاً.

القارئ: أو وديعة عنده إن تشاغل بالجماعة مضى وتركه أو يخاف شرود دابته أو احتراق خبزه أو صديقه أو ناطور بستان يخاف سرقة شيء منه أو مسافر يخاف فوت رُفقته.

الشيخ: ناطور البستان الحارس هل له ترك الجماعة؟ نعم لأنه مؤتمن عليه فله أن يدع الجماعة ويصلي في مكانه والدليل على هذا أنه سوف ينشغل قلبه إذا ذهب يصلي ولو سرق هذا المكان لألزم به لأنه مفرط.

القارئ: أو يكون له مريض يخاف ضياعه.

الشيخ: كيف مريض يخاف ضياعه؟ الظاهر مراده بالمريض الذي ثقل به المرض حتى صار لا يميز فيخشى أن يخرج هذا المريض ويذهب يميناً وشمالاً فيضيع.

القارئ: أو صغيراً أو حرمة يخاف عليها.

الشيخ: هذه من أشد ما يكون في العذر، إنسان مثلاً معه امرأة لو قال لها ابقي عند باب المسجد خاف عليها وهي لا تدخل المسجد لأنها حائض مثلاً فيخشى عليها نقول أنت معذور لكن هل من المستحسن أن يبقى معها عند عتبة المسجد؟ لا نقول اذهب أنت وإياها إلى البيت أو إلى أي مكان.

السائل: أين الدليل على هذه الأعذار بسبب الخوف لأن الأعذار لاتنتهي؟

الشيخ: ولتكن لا تنتهي الحمد لله (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) والحوادث لا يمكن الإحاطة بها الشريعة قواعد هذه المسائل التي ذكرها المؤلف لو ذهب إنسان يصلي مع جماعة لانشغل قلبه لأنه يخشى.

ص: 35

السائل: هذه الأعذار إذا علم بها العوام سيتهاونون بالجماعة؟

الشيخ: إذا كنت تخشى أن العامي يتهاون لا تعلمه إن جاء أحد يستفتي فأفتي بما ترى لكن لا تنشره بين الناس.

السائل: هل الخوف من الغريم هو من الطلب أو من الضرب؟

الشيخ: لا بل من الطلب لازم يمسك يده ويقول اعطني.

القارئ: والثالث والرابع المطر والوحل لما روي عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل حي على الصلاة وقل صلوا في بيوتكم فعل ذلك من هو خير مني إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض متفق عليه.

الشيخ: في كلام ابن عباس رضي الله عنهما إشكال وهو أنه قال لا تقل حي على الصلاة ووجه ذلك أن قول حي على الصلاة يعني أقبلوا إلى الصلاة وإذا كانوا معذورين فكيف نقول أقبلوا على الصلاة فنقول بدل حي على الصلاة صلوا في رحالكم ولكن هل نقول حي على الفلاح نعم ربما نقول حي على الفلاح لأن الإنسان مفلح ولو صلى في بيته والحديث الآن ما فيه إلا حي على الصلاة ثم نقول هذا يقتضي أن ألفاظ الأذان ليست كلها تعبدية أي ليست كلها مما يتعبد به ولهذا قال العلماء لو قال في صلاته الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله لم تبطل صلاته ولو قال حي على الصلاة بطلت لأنها كلام آدميين ويدل عليه هذا الحديث أنها ليست ذكراً مقصوداً بذاته كما يقصد التكبير والتشهد.

ومن فوائد حديث ابن عباس أنه رضي الله عنهما لما قال له قل صلوا في بيوتكم قال إن الجمعة عزمة يعني واجبة لأنه خشي أن يظن ظان أنها ليست بواجبة وأنها مستحبة فلهذا رخص لهم أن يصلوا في البيوت.

ومن فوائده أيضاً أن المطر عذر في ترك الجمعة إذا كان يشق على الناس مع أن الجمعة الجماعة فيها أوكد من الصلوات الخمس ومع ذلك يعذر فيها الإنسان.

ص: 36

ومن فوائد الحديث الشخصية أن ابن عباس رضي الله عنهما ممن يميل إلى الرخص عكس ابن عمر فإنه كان يميل إلى التشديد ولهذا يقال إن الخليفة قال للإمام مالك رحمه الله لما أراد أن يصنف الموطأ قال تجنب تشديدات ابن عمر ورخص ابن عباس ولكن لو دار الأمر في مسألة مَّا بين أن نأخذ بالتشديد أو بالتسهيل أخذنا بالتسهيل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إن الدين يسر) وقوله (يسروا ولا تعسروا).

القارئ: والخامس الريح الشديد في الليلة المظلمة الباردة وهذا يختص بالجماعة لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر منادياً فيؤذن ثم يقول على إثر ذلك (ألا صلوا في الرحال) في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر متفق عليه.

الشيخ: هذه خاصة بالجماعة يعني لا في الجمعة وهذه القيود التي ذكرها تخرج الجمعة لأنه قال الرياح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة والجمعة لا تكون في الليل وهذا واضح أنه خاص بالجماعة يعني أنه عذر في ترك الجماعة ريح شديدة باردة في ليلة مظلمة وهذه قد تكون أشق من المطر إذا كانت ريح وشديدة وباردة والليلة مظلمة لا شك أن فيها تعب وذكر بعض الأصحاب أنه لا يشترط في الليلة أن تكون مظلمة لأن الإظلام والإسفار لا أثر له في المشقة وبناءً على ذلك نقول إذا كان هناك ريح شديدة باردة فإنها عذر في ترك الجماعة لكن لابد أن تكون باردة غير البرد المعتاد باردة شديدة وهذه لا شك أن مشقة الناس في الخروج إلى الجماعة أشد من مشقتهم في الخروج إلى الجماعة في مطر يبل الثياب.

السائل: في الحديث قال (أو المطيرة في السفر)؟

ص: 37

الشيخ: السفر قد نقول إن هذا يدل على أنه في الحضر لا يكون عذراً لأن السفر مظنة شاقة بخلاف الحضر وقد يقال ما دامت العلة المشقة فهي تكون في الحضر وتكون في السفر لكن الحديث كما ترون ليس فيه ريح وليس فيه شديدة وإنما هي ليلة باردة ولا شك أن المراد بالليلة الباردة التي يشق على الناس الخروج من بيوتهم إلى المسجد أما الشيء المعتاد فهذا ليس بعذر لأننا لو قلنا أن البرودة المعتادة عذر في ترك الجماعة لكان الناس يتركون صلاة الجماعة في جميع الشتاء وأما قوله (في السفر) نقول ما دام العلة المشقة حتى في الحضر كذلك.

القارئ: السادس أن يحضر الطعام ونفسه تتوق إليه.

السابع أن يدافع الأخبثين أو أحدهما لما روت عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا يصلي أحدكم بحضرة الطعام ولا وهو يدافع الأخبثنين) متفق عليه.

ص: 38

الشيخ: هذا أيضاً من العذر أن يحضر الطعام ونفسه تتوق إليه فيعذر حتى يأكل ويشبع ثم ينصرف وكان ابن عمر رضي الله عنه على شدة تمسكه بالسنة كان يسمع المقيم يقيم الصلاة وهو يتعشى ولا يقوم من عشائه ولكن هذا مقيد بما إذا لم يجعل من عادته أن يكون عشاؤه في وقت صلاة الجماعة فإن جعل من عادته أن يكون عشاؤه وقت صلاة الجماعة فإنه لا يعذر لأنه يمكنه أن يقدم ويؤخر لكن إذا طرأ طارئ مثل أن يتأخر طهي الطعام أو الحصول عليه أو ما أشبه ذلك أو هو يتأخر لعذر له خارج البيت فهذا يعذر (إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل العشاء) فيعذر بترك الجماعة لأنه لو جاء إلى الجماعة فسوف يكون قلبه مشغولاً والمحافظة على ما يتعلق بذات العبادة أولى من المحافظة على ما يتعلق بوصفها فهنا إذا قدم الطعام فإن ذات العبادة سوف تختل بالخشوع وحضور القلب ويمكن أن نأخذ من هذا أن ما سبق ذكره من صور الخوف التي عدها المؤلف بشرط أن لا يتعمد وجودها في ذلك الوقت فإن تعمد وجودها في ذلك الوقت مثل أن يكون خباز لا يخبز إلا وقت الصلاة أو البناء لا يبني إلا وقت الصلاة وما أشبه ذلك فإنه يمنع لكن أحياناً تأتي الأمور على غير ما يريد الإنسان فإذا حصل ذلك فإنه يعذر على ما سبق وقوله (يدافع الأخبثين) الأخبثان هما البول والغائط ومثل ذلك مدافعة الريح فإنها إذا كان عند الإنسان ريح في بطنه وآذته فإننا نقول إنه يعذر بترك الجماعة ويذهب ويتنفس ثم يتوضأ ويرجع للجماعة.

السائل: إذا كان هناك عمال غير مسلمين يعملون وقت الصلاة فهل نجبرهم بترك العمل؟

الشيخ: إذا كانوا حول المسجد فإننا نمنعهم لأن هذا كالمنابذة للمسلمين وجرح شعور المسلمين أما إذا كانوا بعيدين نتركهم.

السائل: هل قولكم يعذر معناه الأفضل عدم الذهاب للجماعة؟

ص: 39

الشيخ: قولنا يعذر ليس معناه أنه لا يفعل لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى وهو يدافع الأخبثين أو بحضرة الطعام واختلف العلماء لو فعل فهل تصح صلاته؟ فمنهم من قال إنها تصح ولو مع المدافعة ولو مع توقان نفسه الطعام لأن النهي هنا من أجل أن يخشع في صلاته ويحضر قلبه في صلاته وهذا لابد أن يكون لكن ليس على الكمال والصحيح أنه إذا أدى ذلك إلى عدم حضور القلب نهائياً وانشغال الإنسان ولا سيما في مدافعة الأخبثين بحيث تجده يتعصر أو يتصبر فهذا قد نقول بعدم صحة الصلاة كما هو مذهب الظاهرية أما إذا كان يدافع لكن يستطيع أن يأتي بالصلاة بواجباتها وأركانها فهذا نقول الصلاة هنا مكروهة ولكنها لا تبطل.

السائل: كيف نقول الصلاة صحيحة مع أن الحديث قال (لا صلاة)؟

الشيخ: نعم الحديث (لا صلاة) ولكن إذا علمنا أن العلة هو ذهاب الخشوع والرجل سيكون معه شيء من الخشوع فهذا لا يجوز إبطالها أما لو فقد الخشوع بالكلية وصار لا يدري ما يقول ولا يدري ما يفعل من شدة المدافعة فهنا يتوجه القول بأنها لا تصح صلاته.

السائل: بعض الناس في رمضان يقرب إفطاره في وقت أذان المغرب؟

الشيخ: أقول هذا عارض مع أنه ليس من الحسن من الناحية الطبية حتى من الناحية الطبية لا ينبغي أن تأكل أكلاً تشبع فيه بعد فراغ المعدة اعط المعدة الطعام شيئاً شيئا ولهذا كثير من الناس يقتصرون عند الإفطار على تمرات قليلة وما تيسير ويجعلون العَشاء بعد صلاة العشاء وإما بين المغرب والعشاء.

القارئ: الثامن أن يكون له قريب يخاف موته ولا يحضره لما روي أن ابن عمر اُسُتصِرخ على سعيد بن زيد وقد تجمر للجمعة فذهب إليه وتركها.

فأما الأعمى فلا يعذر إذا أمكنه الحضور لما روى أبو هريرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأله أن يرخص له فرخص له فلما ولى دعاه فقال (أتسمع النداء بالصلاة) قال نعم قال (فأجب) رواه مسلم.

ص: 40

السائل: إذا كان الإمام في التشهد الأخير ثم دخل رجل المسجد فهل يدخل في الصلاة أم ينتظر جماعة أخرى؟ وهل يجوز إقامة الصلاة للجماعة الأخرى والإمام لم يسلم؟

الشيخ: إذا كان يعلم أنه يدرك جماعة فلا يجلس معه وإلا جلس وإن أقام الصلاة بمن معه فلا بأس لأن الإمام انتهت صلاته بالنسبة لنا ولم يسلم لكنه إذا كان قريباً من المصلين لا يفعل لئلا يشوش عليهم.

فصل

القارئ: ومن شرط صحة الجماعة أن ينوي الإمام والمأموم حالهما فإن نوى أحدهما دون صاحبه لم تصح لأن الجماعة إنما تنعقد بالنية فيعتبر وجودها منهما فإن نوى كل واحد منهما أنه إمام صاحبه لم يصح لأنه لا مأموم له وإن نوى كل واحد منهما أنه مأموم لم يصح لأنه لا إمام له وإن نوى أن يأتم بأحد الإمامين لا بعينه لم يصح لأنه لا يمكنه اتباعه وإن نوى الائتمام بهما لم يصح لذلك وإن نوى الائتمام بالمأموم أو المنفرد لم يصح لأنه ليس بإمام.

الشيخ: إذاً لابد أن ينوي المأموم أنه مأموم والإمام أنه إمام فإن نويا أنهما إمام لم يصح لأنه لا مأموم له أو أنهما مأموم لم يصح لأنه لا إمام له وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لو نوى الائتمام بمن لم ينو الإمامة أنه لا يصح والصحيح أنه يصح يعني كرجلين وجدا شخصاً يصلي فاعتقداه إماماً واستمر هو في صلاته واستمرا في متابعته فالمذهب أن صلاتهما لا تصح لأن الإمام لم ينو أنه إمام وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أن ذلك صحيح واستدل بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى في رمضان في حجرة احتجرها بخصيف من النخل وصلى وراءه أناس دون أن يعلموه بأنهم يصلون وراءه وأجاب الذين يقولون بعدم الصحة بأن النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون قد علم بهم فنوى أنه إمامهم وعلى كل حال إذا وقعت المسألة نقول الصحيح ما ذهب إليه مالك رحمه الله من أنه يصح أن ينوي الائتمام بمن لم ينو الإمامة.

فصل

القارئ: فإن أحرم على صفة ثم انتقل عنها ففيه ست مسائل:

ص: 41

إحداهن أحرم منفرداً ثم جاء إنسان فأحرم معه فنوى إمامته فيجوز في النفل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي في التهجد فجاء ابن عباس فأحرم معه فصلى به النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه وإن كان في فرض وكان يرجو مجيء من يصلي معه جاز أيضاً نص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالصلاة وحده فجاء جابر وجبار فصلى بهما رواه أبو داود وإن لم يكن كذلك فعن أحمد لا يجزئه لأنه لم ينو الإمامة في ابتداء الصلاة وعنه ما يدل على الإجزاء لأنه يصح في النفل والفرض في معناه.

الشيخ: وهذه الرواية هي الصحيحة أنه يصح أن ينوي الإمامة في أثناء الصلاة سواء دخل وهو يرجو أن يدخل معه أحد أم دخل وليس يرجو أن يدخل معه أحد ثم دخل معه أحد فإنه يصح لأنه ثبت في النفل وما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل فإذا قال قائل ما هو الدليل على تساوي النفل والفرض؟ قلنا الدليل أن كلاً منهما يسمى صلاة وقد اشتركا في كل الأحكام إلا مسائل نادرة ولأن الصحابة رضي الله عنهم لما ذكروا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي على راحلته حيثما توجهت به قالوا غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة فدل ذلك على أن الأصل تساوي النفل والفرض إلا بدليل.

السائل: رجل من عادته أن يكون إماما وصلى مرة منفرداً على أنه إمام ناسياً متوهماً فهل تصح صلاته؟

الشيخ: صلاته صحيحة.

السائل: لماذا نشترط أن ينوي الإمام أنه إمام هي أفعال لا تتغير؟

الشيخ: لارتباط صلاتهما بعضها ببعض ولهذا لو بطلت صلاة المأموم وهو واحد واستمر الإمام على نية الإمامة بطلت صلاته لأنه نوى أن يكون إماماً وهو منفرد.

ص: 42

القارئ: الثانية أحرم منفرداً فحضرت جماعة فأحب أن يصلي معهم فقال أحمد رضي الله عنه أعجب إلي أن يقطع الصلاة ويدخل مع الإمام فإن لم يفعل ودخل معهم ففيه روايتان إحداهما لا يجزئه لأنه لم ينو الائتمام في ابتداء الصلاة والثانية يجزئه لأنه لما جاز أن يجعل نفسه إماماً جاز أن يجعلها مأموماً.

الشيخ: الإمام أحمد رحمه الله قال أعجب إلي أن أقطع الصلاة أو أحب على نسخة أخرى لكن لو قال قائل كيف يقطع الصلاة وقد دخل في فرض والمعروف أن من دخل في فرض فإنه لا يجوز له أن يخرج منه إلا بعذر شرعي فالجواب أن هذا قطع الصلاة من أجل أن يكملها وهناك فرق بين من يقطع الصلاة ليتخلص منها وبين من يقطعها من أجل أن يكملها ونظير ذلك لو أن إنساناً أحرم بالحج وفي أثناء فعله وبعد أن طاف قال أريد أن أجعل هذا الطواف والسعي للعمرة لأتخلص من الحج ففعل طاف وسعى وقصر ورجع لبلده فلا يجوز هذا ولو قال أريد أن أتحلل بعمرة لأكون متمتعاً جاز، أي أن هذا الإنسان أحرم بالحج قال لبيك حجة ولما طاف وسعى قال أريد أأجعلها عمرة فقصر ليصير متمتعاً نقول هذا جائز لماذا لأنه قطع هذا الفرض لينتقل إلى ما هو أكمل لا ليتخلص فهذا وجه قول الإمام أحمد رحمه الله ويمكن أن يؤخذ من إذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمن نذر أن يصلي في بيت المقدس قال له (صلِّ ها هنا) لأنه انتقل من مفضول إلى أفضل لكن المثال الذي يطابق وهو أقرب إلى المسألة التي ذكرها الإمام أحمد هي مسألة تحلل المفرد بالحج ليكون متمتعاً.

القارئ: الثالثة أحرم مأموماً ثم نوى الانفراد لعذر جاز نحو أن يطول الإمام أو تفسد صلاته لعذر من سَبْقِ حدث أو نحوه لما روى جابر قال صلى معاذ بقومه فقرأ بسورة البقرة فتأخر رجل وصلى وحده فقيل له نافقت يا فلان فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال (أفتان أنت يا معاذ) مرتين متفق عليه.

ص: 43

الشيخ: هذه المسألة يقول رحمه الله الثالثة أحرم مأموماً ثم نوى الانفراد لعذر جاز نحو أن يطول الإمام وكذلك أن يقصر الإمام بحيث لا يمكن هذا المأموم أن يتابعه مع الطمأنينة يعني لو كان الإمام يعجل ولا يمكن أن يتابعه إلا بالإخلال بالطمأنينة فهنا يجب وجوباً أن يفارقه، التطويل لا يجب أن يفارقه لكن يجوز أما عدم الطمأنينة فيجب أن يفارقه لأنني لا يمكن أن أتابعه إلا بترك ركن من أركان الصلاة وهذا يبطلها كذلك لو أن المأموم أصابه رعاف فانفتل من الصلاة فلا بأس أو أصابه حصر أو أصابته غازات ويشق عليه أن يبقى مع الإمام فله أن ينفرد ويصلي بقية الصلاة وحده المهم أن قول المؤلف لعذر ثم قال نحو أن يطول هذا مثال فقط وليس على سبيل الحصر.

السائل: عند مسلم أن هذا الرجل الذي انفتل من الصلاة سلم ثم صلى في طرف المسجد؟

الشيخ: هذا انفرد به شيخ مسلم وأنكروا عليه.

السائل: إذا أراد المنفرد قطع صلاته ليدخل في جماعة فهل يقطعها بأن يقلب الفرض إلى نفل ويكمل الصلاة أم أنه ينهي الصلاة؟

الشيخ: الإمام أحمد يقول أعجب إلي أن أقطعها يقطعها بتاتاً لأنه إذا قلبها نفلاً ما يأمن أن يفوته ركعة أو ركعتان مع هؤلاء الجماعة.

السائل: صلى ركعتين منفرداً ثم رأى جماعة فدخل معهم ولم يقطع صلاته فماذا يفعل؟

الشيخ: فإذا قام الإمام إلى الثالثة جلس هو ثم إن شاء سلم وإن شاء انتظره.

السائل: هل يجوز للمأموم أن يخرج من الصلاة إذا كان الإمام يلحن كثيراً؟

الشيخ: ما يخرج ويفتح عليه ويبين له الصواب إلا إذا كان يلحن كما قلت وأنه يرد عليه ولكن لو ما امتثل أو ما عرف أن يقيم الحرف فحينئذٍ له أن يخرج المهم العذر عام.

القارئ: فإن نوى الانفراد لغير عذر فسدت صلاته لأنه ترك متابعة إمامه لغير عذر فأشبه ما لو تركها بغير نية المفارقة وفيه وجه أنه يصح بناءً على المنفرد إذا نوى الإمامة.

ص: 44

الشيخ: لكنه قياس عكسي هذا مأموم نوى الانفراد وذاك منفرد نوى الإمامة أو منفرد نوى الائتمام على الوجه الثاني الذي ذكره فيما لو حضرت جماعة وهو يصلي وهذا الوجه الذي ذكره هو مذهب الشافعي أنه يجوز للمأموم أن ينفرد بلا عذر لكن الصحيح أنه لا يجوز أن ينفرد بلا عذر لعموم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وعلى القول أنه يجوز أن ينفرد عن الإمام بلا عذر على إحدى الروايتين به يزول الإشكال الذي حصل لبعض الناس فيما لو دخل شخص يريد صلاة المغرب خلف من يصلي العشاء وقال كيف يصح أن ينفرد إذا قام الإمام إلى الرابعة لأنه صلى ثلاثاً فسوف يجلس ويسلم فكيف جاز الانفراد نقول أولاً أن المسألة ليست إجماعاً في أنه لا يجوز الانفراد بلا عذر وثانياً أنه في هذه الحال عنده عذر شرعي لأنه لا يجوز أن يصلي المغرب أربعاً فهو عذر شرعي فيجلس ويسلم ويقوم مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء.

السائل: لو كانت الجماعة رجلين ثم المأموم خرج من الصلاة لعذر ماذا ينوي الإمام؟

الشيخ: ينوي الانفراد بخروج المأموم ينوي الانفراد.

السائل: إنسان يدخل مع الإمام يقرأ الفاتحة وفيها خلل بيِّن هل يستمر معه؟

الشيخ: لا ما يستمر إذا كان يلحن لحناً يحيل المعنى ولم يمكن تقويمه فلا يستمر معه.

السائل: دخل في التشهد الأخير وحضرت جماعة أخرى هل له أن يقطع صلاته؟

الشيخ: له ذلك لأنه لم يدرك الجماعة الأولى ويجوز أن يقلبها نفلاً ويكمل لكن كما قلت يفوته بعض الفريضة مع هؤلاء الذين دخلوا.

القارئ: الرابعة أحرم مأموماً ثم صار إماماً لعذر مثل أن سبق إمامه الحدث فيستخلفه فإنه يصح وعنه لا يصح.

الشيخ: والصحيح الأول أنه يصح ومعنى سبقه الحدث يعني أحدث في أثناء الصلاة.

القارئ: وإن أدرك نفسان بعض الصلاة مع الإمام فلما سلم ائتم أحدهما بصاحبه في بقيتها ففيه وجهان فإن كان لغير عذر لم تصح.

ص: 45

الشيخ: ففيه وجهان الصحة وعدمها وبهذا نعرف أنه لا ينبغي إذا دخل اثنان قد فاتهما بعض الصلاة أن يقول أحدهما للثاني أنا إمامك فيما نقضي لأن المسألة كما عرفتم فيها وجهان وجه بالجواز ووجه بالمنع وليس فيه من يقول إنه يستحب ثم إن في فعل هذا تشويش على الناس إذا قام اثنان لقضاء ما فاتهما فصليا جماعة ولا سيما إذا كانت الصلاة جهرية ولم يدركا إلا ركعة واحدة.

القارئ: الخامسة أحرم إماماً ثم صار منفرداً لعذر مثل أن يسبق المأموم الحدث أو تفسد صلاته لعذر فينوي الإمام الانفراد فيصح وإن كان لغير عذر لم يصح.

الشيخ: معنى قوله لعذر يعني لو أن الإمام انفرد بنفسه وتخلى عن الإمامة فإنه لا يصح كما لو تخلى المأموم عن الائتمام أما لو انفرد المأموم بلا عذر فالإمام معذور في الواقع فقول المؤلف رحمه الله لعذر يعني من قبل الإمام ولتوضيح الصورة: إمام ومأموم إذا انفرد الإمام نقول إن كان لعذر فلا بأس وإن كان لغير عذر فلا يجوز مثال لغير عذر نفس الإمام وهو إمام فسخ الإمامة وأراد أن يصلي وحده نقول هذا لا يجوز لغير عذر أما إذا كان لعذر مثل أن يسبق المأموم الحدث فينصرف فيبقى الإمام وحده منفرداً فهذا لا بأس وكذلك لو أن المأموم قطع صلاته بلا عذر فبقي الإمام منفرداً فلا بأس لأن هذا ليس باختياره المأموم قطع صلاته بغير اختيار الإمام فبقي منفرداً معذوراً لأنه لا يمكنه أن يقول للمأموم لا تقطع صلاتك فصارت المسألة الآن ثلاث صور:

الصورة الأولى قطع الإمام إمامته لغير عذر هذا لا تصح لأنه انتقل من إمامة إلى انفراد بلا عذر فبطلت صلاته.

الثانية قطع الإمام إمامته لانقطاع صلاة المأموم لعذر فهذا جائز ولا إشكال فيه.

الثالثة قطع الإمام إمامته لقطع المأموم ائتمامه بلا عذر فهنا تصح للإمام، والمأموم على كل حال قطع صلاته لا تصح له لماذا؟ لأنه ليس باختياره أن يجبر المأموم على البقاء فهو معذور.

ص: 46

القارئ: السادسة أحرم إماماً ثم صار مأموماً لعذر مثل أن يؤم غير إمام الحي فيزول عذر الإمام فيتقدم في أثناء الصلاة ويبني على صلاة الأول ويصير الأول مأموما ففيه روايتان إحداهما يصح لما روى سهل بن سعد قال ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فاستأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف متفق عليه والثانية لا يصح لأنه لا حاجة إلى ذلك وفعل الني صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون خاصاً له لأن أحداً لا يساويه.

الشيخ: هذه المسألة السادسة انتقل من كونه إماماً إلى كونه مأموماً لعذر ومثاله ما ذكر إمام خلَّفه إمام الحي قال صلِّ بالناس فلما شرع في الصلاة حضر إمام الحي فهنا لإمام الحي أن يتقدم ويكون هو الإمام والذي كان إماماً يكون مأموماً والدليل على ذلك فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين صلى أبو بكر بالناس فجاء النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الصلاة فجعل الصحابة رضي الله عنهم يصفحون بأيديهم وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فالتفت فإذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى وصل النبي إلى مكانه فأراد أبو بكر أن يتأخر فدفعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرفع يديه أبو بكر يحمد الله أن الرسول عليه الصلاة والسلام رضي أن يكون أبو بكر إماماً له وهذه غبطة لكنه رضي الله عنه أصر على أن يتأخر والرسول يدفعه ويصر على التأخر إكراماً للرسول عليه الصلاة والسلام وقال ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكمل بهم الصلاة الرسول عليه الصلاة والسلام وأبو بكر تأخر حتى قام في الصف وهذه فيها غُرَر مسائل:

ص: 47

المسألة الأولى أن المخالفة للإكرام لا تعد معصية فإن أبا بكر خالف النبي عليه الصلاة والسلام ولكنه خالفه للإكرام فلا تكون هذه المخالفة معصية ونظيرها ما وقع لعلي بن أبي طالب في صلح الحديبية حيث جاء سهيل بن عمرو للمفاوضة في الصلح واتفقوا على أن يكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل لا نعرف الرحمن ولكن اكتب باسمك اللهم فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (اكتب باسمك اللهم) فكتب باسمك اللهم ثم قال هذا ما قضى عليه محمد رسول الله قال سهيل لا يمكن تكتب محمد رسول الله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ولا منعناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله كغيرك من رجال قريش ننسبك إلى أبيك بعد أن كتب محمد رسول الله فقال النبي عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب امح محمد رسول الله اكتب محمد بن عبد الله قال والله ما أمحوها وأبى فقال الرسول عليه الصلاة والسلام أرينها فأراه إياها فمحاها الرسول عليه الصلاة والسلام بيده هذه مخالفة علي بن أبي طالب وإقسامه في رد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام هل يعد معصية؟ لا لماذا؟ إكراماً وتعظيماً للرسول عليه الصلاة والسلام ومن ثم أخذ شيخ الإسلام أن مخالفة الإنسان الذي حلف عليك إكراماً له لا يعد حنثاً ولا تجب فيه كفارة لأن الحنث مبناه على الإثم وهذا ليس فيه إثم فلو قال مثلاً والله إنك تدخل فقلت والله ما أدخل ولا دخلت هل نلزم الحالف الأول بالكفارة؟ لا لأنه أراد الإكرام وقد حصل لكن جموع العلماء على أنه يحنث ولا أريد أن ينفتح عليكم هذا الباب فتخالفونني في شيء مثل ما تقولون نحن (كلمة غير واضحة) من باب الإكرام أخشى ينفتح هذا الباب إنما القرائن لها أحوال وهذا الرسول عليه الصلاة والسلام قال (امحها واكتب محمد بن عبد الله).

ص: 48

ومن النكت في قضية صلح الحديبية أن الذين صاروا الآن يقولون قال محمد بن عبد الله وحكم محمد بن عبد الله دون أن يقولوا محمد رسول الله نقول إنهم تركوا ما ينبغي إلى ما لا ينبغي لأنه لو قيل محمد بن عبد الله ولم يوصف بالعبودية والرسالة التي هي أشرف أوصافه صار في القلب شيء بدل من أن تقول محمد بن عبد الله قل محمد رسول الله ولهذا انظر قريش قالوا ما نكتب محمد رسول الله نكتب محمد بن عبد الله فقال اكتب محمد بن عبد الله إذا قيل كيف الرسول عليه الصلاة والسلام يرضى بهذا يعدل عن بسم الله الرحمن إلى باسمك اللهم وعن محمد رسول الله إلى محمد بن عبد الله وشرط آخر أن من جاء مسلماً رده إليهم ومن ذهب منا من المسلمين فإنه لا يرد قلنا لأنه التزم حينما بركت الناقة ناقته عليه الصلاة والسلام بركت وحرنت رفضت أن تمشي فصاح الناس خلأت القصواء يعني حرنت وأبت أن تمشي فقال (والله ما خلأت القصواء) ودافع عنها وهي بيهيمة لأن الحق أحق أن يتبع ولا يمكن أن تغتاب البهيمة وهي خالية من هذا السوء قال (والله ما خلأت القصواء وما كان ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل) ثم قال (والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أجبتهم عليها) أقسم فنفذ لو لم يجبهم على هذا ماذا يكون صار الحرب ببطن مكة لكن من حكمة الله عز وجل وما آتاه الرسول من الحكمة حصل ما حصل المهم الآن على أن المخالفة إكراماً لا تعد معصية لكنها تعد إكراماً واحتراماً وتعظيماً وأما قول المؤلف رحمه الله في هذه المسألة الرواية الثانية أنها لا تصح لأنه لا حاجة إلى ذلك ويحتمل الخصوصية فنقول الأصل عدم الخصوصية ومسألة إنه يحتاج أو لا يحتاج هذا أمر اعتباري ربما يحتاج إليه إمام الحي لكون نائبه ليس ذا قبول عند جميع الجماعة فيحب أن يتقدم هو ليكمل بهم الصلاة ويكون في هذا حاجة ثم لو فرض أنه لا حاجة لذلك وأن النائب أحسن من إمام الحي فما المانع من جواز ذلك وقد وقع من رسول

ص: 49

الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يقل إن هذا خاص بي فالأصل عدم الخصوصية ثم اعلموا أن بعض العلماء عفا الله عنا وعنهم يلجؤون إلى شيئين عند الضيق إذا ضاق عليهم الأمر لجؤوا إليه الأمر الأول النسخ فتجد العالم إذا عجز عن التخلص قال هذا منسوخ الثاني الخصوصية إذا عجز عن التخلص مما ورد قال هذا خاص بالرسول وهذا لا يجوز لأن الأصل عدم النسخ والأصل أن النصوص محكمة والنسخ لابد فيه من شرطين مهمين هما تعذر الجمع والعلم بالتاريخ والخصوصية الأصل فيها العدم ولهذا قال الله عز وجل لما قال (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً) والقضية مع الرسول لم يقل لكي لا يكون عليك حرج بل قال (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) وهذا إشارة إلى أن ما أحل للرسول أحل لغيره وهذا نص واضح ولما أراد الله الخصوصية قال (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً) يعني أحللنا لك امرأة مؤمنة (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).

فصل

القارئ: وإذا أقيمت الصلاة لم يشتغل عنها بغيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) رواه مسلم وإن أقيمت وهو في نافلة خففها وأتمها إلا أن يخاف فوات الجماعة فيقطعها لأن الفريضة أهم وعنه يتمها لقول الله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ).

ص: 50

الشيخ: قوله رحمه الله وإذا أقيمت الصلاة لم يشتغل بغيرها أما غيرها من أمور الدنيا فلا شك أنه لا يجوز أن يشتغل به لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة) وأما اشتغاله بطاعة أخرى فإن كان ابتداءً فإنه لا يجوز يعني مثل رجل بعد أن أقيمت الصلاة ذهب يصلي راتبة أو ذهب يصلي فائتة كانت عليه فإن ذلك لا يجوز لعموم قوله (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) وفي رواية لأحمد وإن كانت سندها ضعيفاً (إلا التي أقيمت) وهذا هو المراد لا شك وإن كان استمراراً معناه أنه قد شرع في العبادة إن كان قد شرع في العبادة فإن كانت فريضة أتمها كما لو كان عليه فائتة ثم دخل فأقيمت الصلاة وقد شرع في الفائتة فإنه يتمها مثل كانت عليه صلاة الظهر فدخل وشرع في صلاة الظهر ثم أقام صلاة العصر نقول أتمها وهذا لا إشكال فيه لكن يتمها خفيفة من أجل أن يدرك الصلاة الحاضرة أما إذا كانت نافلة شرع في نافلة ثم أقيمت الصلاة فقد اختلف العلماء رحمهم الله في ذلك على أقوال:

القول الأول أن النافلة تبطل لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) وهذا نفي للصلاة ابتداءً واستمراراً وهذا رأي كثير من المحدثين أنه إذا أقيمت الصلاة وأنت في نافلة بطلت الصلاة لأن النفي إما لنفي الوجود وإما لنفي الصحة وإما لنفي الكمال ونفي الوجود هنا متعذر لأنه قد شرع فيبقى نفي الصحة وقال بعض العلماء يتم النافلة ويخففها إلا أن يخشى فوات الجماعة وبماذا تفوت الجماعة؟ اختلف فيه العلماء أيضاً

فقيل تفوت إذا لم يدرك تكبيرة الإحرام قبل السلام وهذا هو المشهور من المذهب وبناءً على ذلك نقول أتم نافلتك حتى لا يبقى عليك إلا مقدار تكبيرة الإحرام فإذا لم يبق إلا هذه فاقطعها ولهذا قال إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها.

ص: 51

وقيل إنه لا يدرك الجماعة إلا بإدراك ركعة وعلى هذا فنقول أتم النافلة حتى يبقى على الإمام ركعة إذا لم يبق إلا ركعة اقطعها.

وقال بعض العلماء لا يقطعها ولو فاتت الجماعة لا يقطعها ولو فاتت الجماعة لأن الله قال (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) وهذا عام وهو لو قطعها لأبطل عمله ولكن هذا القول ضعيف بلا شك والاستدلال بالآية في غير محله لأن المراد بقوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) يعني بالردة عن الإسلام ليس نهياً عن إبطال العمل مطلقا فها هو النبي عليه الصلاة والسلام دخل على أهله فقال (هل عندكم شيء) قالوا عندنا حيس قال (أرينيه فلقد أصبحت صائماً) فأكل فالآية ليس فيها النهي عن إبطال العمل يعني الخروج منه بعد الدخول فيه ليس هذا وأقرب الأقوال في هذه المسألة أن نقول إذا أقيمت الصلاة وأنت في الركعة الثانية فأتمها خفيفة وإن أقيمت وأنت في الركعة الأولى فاقطعها وجه التفصيل أنه إذا صلى ركعة تامة فقد أدرك الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وهذا صلى ركعة في وقت يؤذن له بالتطوع فيكون أدرك التطوع فيتمها لكن يخفف لأن إدراكه شيئاً من واجب الصلاة أفضل من نافلة الصلاة أما إذا كان لم يصلِّ ركعة بأن أقام وهو في الركعة الأولى فليقطعها لعموم (فلا صلاة إلا المكتوبة) ولأنه لم يدرك النافلة في وقت يحل له فيه الدخول فيها ولأن التشاغل بالفريضة أفضل من التشاغل بالنافلة لقوله تعالى في الحديث القدسي (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه).

القارئ: وإن أقيمت قبل مجيئه لم يسع إليها لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ائتوها وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وروي (فاقضوا) متفق عليه.

ص: 52

الشيخ: روي (فأتموا) وروي (فاقضوا) فاختلف العلماء رحمهم الله فمنهم من أخذ بقوله (فأتموا) ومنهم من أخذ بقوله (فاقضوا) وفرق بين الإتمام والقضاء فالقضاء لما فات والإتمام للباقي ويتفرع على هذا الخلاف هل ما يقضيه أول صلاته أو آخر صلاته؟ إن قلنا القضاء لما فات فما يقضيه أول صلاته فإذا أدرك من الرباعية ركعتين ثم قام يقضي الركعتين الأخريين فإنه يقرأ الفاتحة وسورة ويقرأ الاستفتاح ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويطيل الركعتين الأخريين أكثر من الأوليين ومن قال إن الإتمام يفسر معنى القضاء وأن معنى (فاقضوا) يعني (أتموا) واستدلوا بقول الله تعالى (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) قضاهن يعني أتمهن وبقوله تعالى (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ) قضى موسى الأجل يعني أتمه وقالوا إن كلام الرسول عليه الصلاة والسلام يفسر بعضه بعضاً فمعنى اقضوا أي أتموا لأن تفسير اقضوا بأتموا وارد في اللغة العربية لكن تفسير أتموا باقضوا لم يرد لأن الإتمام بناء على ما سبق وعلى هذا فيكون القول الراجح أن ما يقضيه الإنسان من الصلاة الفائتة الذي فاته مع الإمام هو آخر صلاته سيقتصر فيه على الفاتحة ويخفف الركعتين اللتين يقضيهما اللهم إلا إذا كان الإمام يخفف تخفيفاً لو خفف دونه لفاتته الطمأنينة فهنا لا يخفف فإن قال قائل ما تقولون في المسبوق إذا زاد الإمام ركعة؟ يعني دخل مع الإمام في الركعة الثانية والإمام سها فصلى خمساً هل يلزمه أن يأتي بركعة أو لا يلزمه؟ فيه قولان للعلماء:

فمنهم من قال يلزمه لأنه فاته ركعة ولا سيما إذا قلنا أن ما يقضيه هو أول صلاته فقد فاتته الركعة الأولى فيأتي بها وعلى هذا فيلغز في هذه المسألة ويقال رجل تعمد زيادة ركعة في صلاته فلم تبطل صلاته.

ص: 53

ومنهم من قال لا يلزمه أن يأتي بالركعة بل لا يجوز أن يأتي بها وهذا القول هو الصحيح فإن قال قائل إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ما فاتكم فأتموا) وهذا فاتته ركعة فيجب أن يتم قلنا لكنه لم يقل ما فاتكم فأتموا أو زيدوا قال (فأتموا) وهذا الذي أدرك الإمام فزاد ركعة هل يقال إن صلاته الآن ناقصة حتى تتم؟ لا هي تامة الآن فيكون قول الرسول (ما فاتكم فأتموا) يخرج ما إذا زاد الإمام ركعة لأن هذا أمر نادر والأحكام تبنى على الظواهر والكثير فلا يكون في قوله (فأتموا) دليل على أنه يأتي بالركعة الزائدة عمداً بل فيه دليل على أنه لا يأتي بها لقوله (فأتموا) فيقال هذا لم ينقص عليه شيء الآن حتى يطالب بالإتمام.

السائل: بعض العلماء يقولون إذا أردت أن تقطع الصلاة لأمر ما فإنك تقطعها بالتسليم لحديث (وتحليلها التسليم)؟

الشيخ: هذا غير صحيح هو إذا قطعها يقطعها بلا سلام لأن التسليم آخرها وهنا لم تتم حتى يسلم لها بل يقطعها بدون شيء.

السائل: إمام قام إلى الخامسة لو أن المأموم تيقن أن الإمام قام إلى خامسة فهو الآن يصلي مع إمام يعتقد بطلان الركعة.

الشيخ: هذا لا يمكن أن تتيقن أنها خامسة لأنه قد يكون نسي الفاتحة وهذه ترد كثيراً، ومعلوم إذا أتى بركعة ما فيها الفاتحة لابد يأتي ببدلها وهذه دائماً تقع يقول الإمام للناس إذا سبحوا به وأصر قال إنه لم يقرأ الفاتحة في الركعة الأولى مثلاً.

السائل: المسبوق إذا دخل مع الإمام الثانية وزاد ركعة نقول إن الركعة التي أتى بها الإمام إذا كانت زائدة تكون ركعة غير مشروعة فلا تحسب على قول الكثيرين فكيف تحسب للمسبوق وهي غير مشروعة؟

ص: 54

الشيخ: هي بارك الله فيك الإمام إما ناسي أو متعمد لكنه جبراً لركعة ترك فيها الفاتحة إن كانت الثانية فهذه ركعة معتد بها وإن كانت الأولى ناسياً فهو معذور به والمأموم أيضاً معذور لأنه تابع هذا الإمام قد يكون ما يعلم أنه حين دخل معه، دخل معه في الثانية ما يدري وقد يدري بواسطة التشهد إذا جلس يعرف أن هذه هي الثانية لكن هل هذه الزيادة مبطلة للصلاة؟ ما دام فيه احتمال أن الإمام قام لهذه الخامسة لأنه ترك ركناً في إحدى الركعات فأنا ما أتيقن أنه زائد.

القارئ: ولا بأس أن يسرع شيئاً إذا خاف فوات الركعة لأنه جاء عن أصحاب رسول الله أنهم كانوا يعجلون شيئاً إذا خافوا الفوات فإن أدركه راكعاً كبر للإحرام وهو قائم ثم كبر أخرى للركوع فإن كبر واحدة أجزأه نص عليه واحتج بأنه فعل زيد بن ثابت وابن عمر وإن أدرك قدر ما يجزئ في الركوع مع الإمام أدرك الركعة وإن لم يدرك ذلك لم يكن مدركاً لها لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أدركتم الإمام في السجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة) رواه أبو داود فإن أدركه في سجود أو جلوس كبر للإحرام وانحط من غير تكبير لأنه لم يدرك محل التكبير من السجود.

ص: 55

الشيخ: هذا واضح ما يحتاج إلى تعليق لكن قوله عجل بعض الشيء أو عجل شيئاً معناه شيئاً يسيراً عجلة لا تقبح ولا يكون لها صوت فإن قال قائل إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لأبي بكرة (زادك الله حرصاً ولا تعد) قلنا لأن أبا بكرة عجل عجلة أدركها الرسول عليه الصلاة والسلام وسمعها وهذا يدل على أنها شديدة ولهذا قال الإمام أحمد لا بأس بعجلة لا تقبح وبه نعرف ما يفعله بعض الناس حين يدخل والإمام راكع يركض شديداً ويقول اصبروا إن الله مع الصابرين أو يتنحنح ويقال إن بعض الأئمة إذا سمع الذي يركض رفع مباشرة من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه يعاقبه وأنه في يوم من الأيام كأن هذا الإمام أطال الركوع وبعض المأمومين وده يسرع شوي فجعل يخبط برجليه كأنه رجل داخل فلما أحس به الإمام نهض وهذا قد يكون من بعض الناس يتحيل على سرعة الإمام إذا كان من عادته أنه إذا سمع الذي يخبط أو يعجل رفع لكن الأفضل في هذا أن يتأخر كما قال الأصحاب رحمهم الله يتأخر بشرط أن لا يشق على من خلفه فإن شق عليهم فهم أولى بالمراعاة من الرجل الداخل ثم هذا الذي دخل إما أن يتيقن أنه أدرك الركعة فقد أدركها يعني أدرك الركوع وإما أن يتيقن أنه لم يدرك الركوع فهو لم يدرك الركعة وإما أن يشك لا يدري هل وصل إلى الركوع قبل أن ينهض الإمام منه أو لا حينئذٍ نقول هو الآن شاك وكيف نعامل الشاك نقول هل عندك غلبة ظن أنك أدركت أو لم تدرك؟ إن قال نعم قلنا اعمل بغلبة الظن وابنِ عليه وإن قال ليس عندي غلبة ظن قلنا إنك لم تدرك الركعة بناءً على الأصل وعلى اليقين.

ص: 56

في المسألة الأولى التي فيها غلبة الظن هل يسجد للسهو إن قلتم لا أخطأتم وإن قلتم نعم أخطأتم يقال إن كانت هي الركعة الأولى وغلب على ظنه أنه أدركها فإنه يسقط سجود السهو لأن الإمام يتحمل عنه لأن العلماء قالوا إن المأموم إذا كان أدرك الصلاة من أولها فلا سجود عليه لكن قد يقول قائل إنما أسقطوا سجود السهو عن المأموم لئلا يخالف الإمام وهذا إنما يصدق فيما إذا كان سجود السهو قبل السلام أما بعده فلا تحق المخالفة فيقال نعم هذا وارد لكن كونه يسجد بعد سلام إمامه وهو لم يفته شيء هذا نوع مخالفة فلا يسجد.

بقي علينا المسألة الأخيرة إذا أدرك الإمام ساجداً يقول إنه ينحط بلا تكبير لأنه لم يدرك محل تكبير من السجود صحيح يعني إذا أدرك الإمام ساجداً أو قاعداً فكبر للإحرام ثم اتبع الإمام بدون تكبير لماذا؟ لأنك الآن ستنتقل من قيام إلى قعود وهذا ليس بمشروع بخلاف الذي يدرك الإمام راكعاً فإن الإمام قد انتقل إلى الركوع من القيام وأنت الآن ستنتقل من القيام إلى الركوع فتكبر مع أن التكبير لمن أدرك الإمام راكعاً التكبير للركوع في حقه ليس بواجب لكنه أفضل.

السائل: أما القعود فالانتقال من قيام إلى قعود التكبير غير مشروع لكن ما يقال إن الانتقال من قيام إلى سجود التكبير مشروع لأن السجود يكون بعد القيام؟

الشيخ: ليس بمشروع أيضاً لأن السجود يكون من رفع بعد ركوع أما الآن أنت سوف تنحط من قيام قبل ركوع وأما السجود الذي بعد الركوع فهو بعد الركوع فيفرق بين هذا وهذا فليس هناك سجود من قيام إلا بعد ركوع.

السائل: ما هو المقدار أو الحد الذي يدرك به الركوع مع الإمام؟

الشيخ: الركوع بارك الله فيك يدرك فيما إذا كبرت للإحرام ثم أهويت وأدركت الإمام في حال ركوعه قبل أن ينهض يعني أنت اتفقت والإمام في حد الركوع.

السائل: مسألة أن ينحط من قيام إلى سجود أو قعود بدون تكبير لماذا سقط التكبير وهو واجب؟

ص: 57

الشيخ: إذا جئت والإمام ساجد أو جالس بين السجدتين أو جالس للتشهد فكبر للإحرام ثم انزل بدون تكبير والتكبيرات هنا ليست واجبة لأنه لا يوجد قعود مشروع بعد القيام مباشرة ولا سجود مشروع بعد القيام مباشرة السجود المشروع بعد القيام إنما يكون بعد قيام قبله ركوع وهنا ليس قبله ركوع هذا وجهه.

السائل: لو زاد الخامسة سهواً ثم سها فيها فهل يسجد للسهو؟

الشيخ: نعم يسجد للسهو لأنها في حكم الصلاة كما لو أحدث فيها بطلت.

فصل

القارئ: وإذا أحس بداخل في القيام أو الركوع استحب له انتظاره ما لم يشق على المأمومين لما روى ابن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم ولأنه انتظار ليدرك المأموم على وجه لا يشق فلم يكره كالانتظار في صلاة الخوف إلا أن يكون الجمع كثيراً فإنه لا يستحب لأنه لا يبعد أن يكون فيهم من يشق عليه ولأنه يفوت حق جماعة كثيرة لأجل واحد ومن كبر قبل سلام الإمام فقد أدرك فضيلة الجماعة ويبني عليها.

ص: 58

الشيخ: قوله رحمه الله ومن كبر قبل سلام الإمام فقد أدرك فضيلة الجماعة إن أراد بذلك الفضيلة المطلقة ففيه نظر وإن أراد أنه أدرك شيئاً من فضيلة الجماعة فهذا صحيح ووجه هذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فمنطوق هذا اللفظ أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ومفهومه من أدرك دون ذلك فإنه لم يدرك الصلاة وهذا عام في جميع الإدراكات وكما أنه لا يدرك الجمعة بالتكبير قبل سلام الإمام حتى يدرك ركعة كاملة فكذا هنا فصار الدليل على القول الراجح أنه لا يدرك الفضيلة المطلقة إلا بإدراك ركعة الدليل أثر ونظر، أثر وهو قوله (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) النظر القياس على إدراك صلاة الجمعة أن الإنسان لو أتى إلى الجمعة وكبر قبل سلام الإمام وقد فاته الركوع الأخير فإنه لا يصلي جمعة لأنه لم يدركها بل يصلي ظهراً.

فصل

القارئ: وما يدركه المأموم مع الإمام آخر صلاته لا يستفتح فيه وما يقضيه أولها يستفتح إذا قام إليه ويستعيذ لقوله صلى الله عليه وسلم (وما فاتكم فاقضوا) والمقضي هو الفائت وعنه أن ما يدركه أولها وما يقضيه آخرها لقوله صلى الله عليه وسلم (وما فاتكم فأتموا) والأول المشهور.

ص: 59

الشيخ: إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ما فاتكم فأتموا) وقال (ما فاتكم فاقضوا) والظاهر والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل إلا أحد اللفظين اللهم إلا أن يكون قالهما في زمنين مختلفين وإلا فلا يمكن أن يقول ما فاتكم فأتموا ما فاتكم فاقضوا هذا بعيد وأياً كان فإن أحسن ما يفسر به كلام النبي هو كلام النبي فإذا قال (فأتموا) وقال (فاقضوا) قلنا يجب أن نفسر القضاء بالإتمام لأن القضاء بمعنى الإتمام وارد في اللغة العربية بل في القرآن الكريم قال الله تبارك وتعالى (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) قضاهن بمعنى أتمهن فالصحيح أن ما أدركه المسبوق أول صلاته يستفتح فيه ويستعيذ ويقرأ الفاتحة وسورة إن تمكن وأن ما يقضيه هو آخرها فلا يستفتح ولا يستعيذ إلا إذا قلنا بأنه يستعيذ في كل ركعة فيستعيذ في المقضي كما يستعيذ في المؤدى ويدل لهذا القول الصحيح أنه لو أدرك ركعة من المغرب فكيف يكون القضاء؟ قام فصلى ركعة ثم جلس للتشهد الأول ولو قلنا إن ما يدركه هو آخر صلاته لكان يصلي ركعتين بتشهد واحد.

القارئ: لأنه يقرأ فيما يقضيه بالسورة بعد الفاتحة فكان أول صلاته كما لو بدأ به.

الشيخ: كأنه يقول إنكم تقولون إنه إذا قام يقضي تقولون إنه يقرأ الفاتحة وسورة وهذا يدل على أن ما كان يقضيه أول صلاته فنقول هذا لا يلزمنا من وجهين:

الوجه الأول أن نقول إننا لا نلتزم به ولا نقول إنه يقرأ سورة مع الفاتحة بل يقتصر على الفاتحة.

ص: 60

الثاني أن نقول إنه يقرأ سورة مع الفاتحة ويكون هذا قضاءً لما لم يدركه مع الإمام لأن الإمام في آخر الصلاة سوف يقتصر على الفاتحة وقد لا يتمكن المأموم من قراءة غيرها فإذا لم يتمكن فإنه يقرأ ما فاته ويكون ذلك داخلاً في عموم قوله (وما فاتكم فأتموا) لأن هذا فاتنا فلابد من إتمامه فصار التخلص من هذا الإلزام بأحد وجهين الوجه الأول أن نقول لا يقرأ مع الفاتحة سورة أخرى ولا يلزمنا لأننا نقول هذا آخر الصلاة وآخر الصلاة ليس فيه إلا الفاتحة الثاني أن نقول يقرأ سورة مع الفاتحة لكن هذا قضاء لما لم يقرأه في أول صلاته وبناءً على ذلك نقول إذا تمكن هذا المسبوق من قراءة سورة بعد الفاتحة في آخر صلاة الإمام فإنه لا يعيد السورة مرة ثانية.

السائل: إن العقل ما يوافق على أن أول الصلاة يصير في آخرها؟

الشيخ: هذا صحيح هذا الترتيب المعقول أن ما أدركه هو أول صلاته لكن أنا أقول كأن المؤلف رحمه الله يريد أن يلزم القائلين بأن ما يقضيه آخر صلاته يلزمهم يقول إنكم تقولون إنه يقرأ سورة مع الفاتحة وهذا يدل على أن الذي يقضيه أول الصلاة نحن نقول ننفصل عن هذا الإلزام بأحد وجهين هما أن نقول لا تقرأ ولا دليل من السنة على أنه يقرأ فنقول اقتصر فيما تقضي على الفاتحة ولا تقرأ والثاني أن نقول اقرأ مع الفاتحة سورة لأنك لم تقرأها في أول صلاتك فيكون هذا مما يقضى لأن الصلاة لابد فيها من قراءة سورة مع الفاتحة في أولها ولم يحصل لك فلا تتمه إلا إذا قرأت.

السائل: أدرك الإمام في التشهد الأخير هل نقول ادخل مع الإمام؟ وكيف نجيب على حديث أبي هريرة (ما أدركتم فصلوا)؟

ص: 61

الشيخ: نقول ادخل مع الإمام إلا إذا كان سيدرك جماعة أخرى من أول الصلاة فلا يدخل معه وحديث أبي هريرة محمول على قوله صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وهذا في الحقيقة لم يدركها فكونه يأتي بصلاة يدركها من أولها ويدرك فضل الجماعة المطلق خير من كونه يدخل مع الإمام في حال لا يدرك الصلاة معه.

فإذا لم يدرك الجماعة فهل نقول أن الإنسان يخير بين أن يدخل مع إمام لم يدرك معه الجماعة وبين أن يصلي مع إمام يدرك معه الجماعة؟ الجواب الثاني.

القارئ: فإن لم يدرك إلا ركعة من المغرب أو الرباعية ففي موضع تشهده روايتان إحداهما يأتي بركعتين متواليتين ثم يتشهد لأن المقضي أول صلاته وهذا صفة أول الصلاة ولأنهما ركعتان يقرأ فيهما بالسورة فكانتا متواليتين كغير المسبوق والثانية يأتي بركعة ثم يجلس لأنه يروى عن ابن مسعود وسعيد بن المسيب ومسروق فإذا جلس مع الإمام في تشهده الأخير كرر التشهد الأول فإذا قضى ما عليه تشهد وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم سلم.

الشيخ: وقوله الثانية يأتي بركعة ثم يجلس بناءً على أن ما يقضيه أول صلاته يعني حتى على هذا القول يقولون إنه يجلس عقب ركعة مع أنهم يقولون إنما يقضيه أول صلاته أما على القول بأنه يأتي بركعتين متواليتين فهذا مطرد.

ص: 62

وقوله إذا جلس مع الإمام في تشهده الأخير كرر التشهد الأول هذا أيضاً فيه خلاف فبعضهم قال إن كان جلوسه مع الإمام هو جلوسه الأول كرر التشهد مثل أن يكون أدرك مع الإمام ركعتين في رباعية فإن تشهد الإمام الأخير سيكون له تشهداً أولاً ففي هذه الحال يكرر التشهد الأول لأن لا يزيد فيه على ما يشرع فيه وأما إذا كان تشهد الإمام الأخير ليس تشهده الأول مثل أن يدخل معه في الركعة الأخيرة فإنه يكمل التشهد لأن هذا الجلوس ليس موضع جلوس له إلا لمجرد المتابعة فيتابعه بالقول كما يتابعه بالفعل وهذا له وجه ومنهم من قال بل يكمل التشهد لأنه لا دليل على تكرار التشهد مرتين فيكمل التشهد ويستمر إلى آخره فالأقوال إذاً ثلاثة أقوال:

القول الأول ما ذهب إليه المؤلف وهو أنه يكرر التشهد مطلقاً سواء كان ذلك موضع تشهده أولا.

والقول الثاني أنه يكرره إن كان موضع تشهده.

والقول الثالث يستمر سواء كان موضع تشهده أو ليس موضع تشهده.

ونقول نحن الأمر في هذا واسع إن كرر فعل خير وإن استمر فعل خير وليس هناك دليل يفصل بين هذه الأقوال الثلاثة.

فصل

القارئ: فإن فاتته الجماعة استحب أن يصلي في جماعة أخرى فإن لم يجد إلا من قد صلى استحب لبعضهم أن يصلي معه لما روى أبو سعيد أن رجلاً جاء وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (من يتصدق على هذا فيصلي معه) وهذا حديث حسن ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) ويجوز ذلك في جميع المساجد إلا أن أحمد كرهه في المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الشيخ: هذه إعادة الجماعة في مسجد واحد وإعادة الجماعة في مسجد واحد تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

ص: 63

الأول أن يكون هذا المسجد للمارة فكل من مر صلى وذلك كالمساجد التي تكون في الطرقات مثل المساجد التي تكون في المحطات محطات البنزين أو غيرها فإعادة الجماعة فيها غير مكروهة قولاً واحداً لأن هذه للمارة ولا يمكن أن ينتظر الناس بعضهم بعضاً فنقول كلما جاءت جماعة صلوا لكن المكروه أن يدخل جماعة وقد شرعت الجماعة الأولى في الصلاة فيصلون وحدهم كما يوجد هذا في مساجد الطرق وهذا خطأ لأنه يؤدي إلى تقسيم المسلمين ولكن إذا قالوا نحن ندخل لم نصل المغرب وهؤلاء يحتمل أنهم يصلون العشاء قلنا هذا لا يضر لأنهم إذا كانوا يصلون العشاء فهم سفر سيصلونها ركعتين وهذا لا يغير صلاة المغرب بالنسبة لكم ادخلوا معهم فإن أدركتم آخر ركعة فأتوا بركعتين إذا كنتم تصلون المغرب وإن أدركتموه في أول ركعة فأتوا بركعة ولا إشكال في هذا أما أن تقيموا صلاة وحدكم فهذا غلط تفريق للمسلمين.

القسم الثاني أن تتخذ إعادة الجماعة راتبة في غير مساجد الطرق فهذا بدعة مكروهة وهذا كان يفعل في المسجد الحرام قبل أن تستولي عليه الحكومة السعودية كان المسجد الحرام يصلي فيه أربعة أئمة كل إمام يصلي بمن يتبعونه في مذهبه فللحنابلة إمام وللشافعية إمام وللحنفية إمام وللمالكية إمام فيقال هذا المقام الحنفي هذا المقام المالكي هذا المقام الشافعي هذا المقام الحنبلي أحياناً ربما يتفقون جميعاً هذا يصلي مع الجهة الجنوبية وهذا يصلي مع الجهة الشمالية ولا شك أن هذا بدعة منكرة وموجبة لتفريق المسلمين ولهذا كان من حسنات الملك عبد العزيز رحمة الله عليه أن ألغى هذا وقال المسجد مسجد واحد فيكون إمامه واحداً ولا يمكن أن تتعدد الأئمة هذا لا شك في أنه بدعة منكرة.

ص: 64

القسم الثالث أن تكون إعادة الجماعة في هذا المسجد طارئة وهذا هو الذي يقع كثيراً فيأتي جماعة وقد صلى الناس في هذا المسجد وانصرفوا من الصلاة فهنا نقول كما قال المؤلف رحمه الله إنه يستحب أن يصلي في جماعة أخرى ودليل ذلك أولاً قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) وهذا عام.

ثانياً أنه دخل رجل والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جالس بأصحابه فقال (من يتصدق على هذا فيصلي معه) فقام إليه أحد الصحابة وصلى معه وهذه إقامة جماعة بعد جماعة أخرى.

ص: 65

ثالثاً ما استدل به المؤلف من عموم قوله صلى الله عليه وسلم (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) وهذا عام ولكن هذا الاستدلال بهذا الحديث يقتضي أن فضيلة الجماعة الثانية كفضيلة الجماعة الأولى أي أنها تكون بسبع وعشرين درجة وفي هذا عندي نظر فالظاهر أن الجماعة التي تكون أفضل بسبع وعشرين درجة إنما هي الجماعة الأولى أما الثانية فلا شك أن الجماعة أفضل من الانفراد ولكن لا تلحق أن تكون سبعاً وعشرين درجة هذا هو الظاهر هذا وقد بلغنا أن بعض العلماء قال إنها لا تعاد الجماعة إلا فيما إذا تصدق أحد عليه وهذا في الحقيقة من أبعد ما يكون عن القياس النظري وعن الدليل الأثري أما الدليل الأثري فقد علمتموه وأما القياس النظري فيقال إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تقام الجماعة مع شخص يُتصدق عليه فإقامتها مع شخص تكون فضيلة له من باب أولى لأن هذا المتصدق يقوم يصلي نفلاً والرجلان الداخلان اللذان فاتتهما الجماعة كل واحد منهما يصلي فرضاً فإذا جاز إقامة الجماعة في نفل فإقامتها في الفرض من باب أولى بل لو قال قائل إن الجماعة هنا تجب لكان له وجه لكن المؤلف يقول إنها تستحب وبناءً على قوله لو أن هذين الرجلين الداخلين تفرقا وصلى كل واحد وحده لم يكن عليهما إثم لكن فاتهما الأجر ولو قيل بوجوب الجماعة حينئذٍ لكان له وجه لكن الإنسان لا يجزم بوجوب الجماعة في مثل هذه الحال لأن الجماعة الواجبة هي الجماعة الأولى فإن قال قائل إن الذين يقولون لا تعاد الجماعة حتى في هذا الأمر العارض إلا في حال الصدقة استدلوا بأثر روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه دخل المسجد ومعه أصحابه وقد صلى الناس فانصرف إلى البيت وصلى فيقال في الجواب عن ذلك

أولاً إن ابن مسعود رضي الله عنه قد روي عنه أنه دخل المسجد فرآهم قد صلوا فصلى جماعة بأصحابه هكذا نقله صاحب المغني عنه فيكون لابن مسعود في ذلك قولان.

ص: 66

ثانياً أن رجوع ابن مسعود وصلاته في بيته قضية عين ليست قولاً عاماً هي قضية عين أي فعل يحتمل ربما يكون ابن مسعود رضي الله عنه خاف إن أقام الجماعة أن يتهاون الناس بالحضور إلى الجماعة الأولى لأنه صحابي جليل فإذا رأوه في هذه الحال اقتدوا به فخاف أن إذا رآه الناس يصلي جماعة أن يتهاون الناس بحضور الجماعة الأولى ثانياً أنه رضي الله عنه ربما ذهب إلى بيته ليصلي بالجماعة الذين معه خوفاً من أن يكون في قلب الإمام إمام المسجد ما فيه قد يكون في قلبه ما فيه ويفكر لماذا تأخر ابن مسعود حتى فرغت الصلاة وجاء يصلي بأصحابه وهذا أمر وارد لا سيما الصحابي.

ثالثاً أننا لا ندري فربما يكون ابن مسعود تذكر أنه ليس على وضوء فذهب إلى بيته ليتوضأ منه وهذا الاحتمال أضعف الاحتمالات فعلى كل حال نقول إن فعل ابن مسعود رضي الله عنه قضية عين تحتمل وجوهاً ثم هي معارضة بما يروى عنه أنه صلى ثم هي معارضة بما تدل عليه أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام والمعول على الأخير على ما دلت عليه السنة.

فصل

القارئ: ويتبع المأموم الإمام فيجعل أفعاله بعد أفعاله لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) متفق عليه والفاء للتعقيب وقال في حديث أبي موسى فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم رواه مسلم وقال البراء بن عازب كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحد ظهره حتى يقع ساجداً فنقع سجوداً بعده متفق عليه.

الشيخ: إذاً المتابعة تكون بأمرين المبادرة في الاتباع وعدم السبق ولهذا قال (إذا كبر فكبروا) والفاء يقول المؤلف إنها تدل على التعقيب وعلى هذا فليس من السنة أن يتأخر المأموم عن الإمام حتى وإن كان قد تأخر للدعاء فإن ذلك ليس من السنة.

ص: 67

القارئ: فإن كبر للإحرام مع إمامه أو قبله لم يصح لأنه ائتم بمن لم تنعقد صلاته.

الشيخ: إذاً موافقته في تكبيرة الإحرام توجب أن لا تنعقد صلاته صلاة المأموم لأنه ائتم بمن لم تنعقد صلاته فإن الإمام لا تنعقد صلاته حتى يتم التكبير.

القارئ: وإن فعل سائر الأفعال معه كره لمخالفة السنة ولم تفسد صلاته لأنه اجتمع معه في الركن وإن ركع أو رفع قبله عمداً أثم لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام) والنهي يقتضي التحريم وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار) متفق عليه فظاهر كلام الإمام أحمد أن صلاته تبطل لهذا الحديث قال لو كان له صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب وقال القاضي تصح صلاته لأنه اجتمع معه في الركن أشبه ما لو وافقه.

الشيخ: والصواب الأول الصواب ما كان ظاهر كلام الإمام أحمد أنه إذا سبقه بطلت صلاته لأنه فعل شيئاً محرماً في نفس العبادة وكما قال الإمام أحمد رحمه الله لو كان له صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب إذاً لو ركع قبل الإمام متعمداً عالماً أنه لا يجوز فصلاته باطلة لأنه ارتكب محظوراً عالماً بذلك والمذهب أن صلاته لا تبطل لأن إمامه وافقه في الركن لكن مع ذلك هو آثم بسبقه وهذا مخالف للقواعد لأن القاعدة أن ما كان محرماً في العبادة فهو مبطل لها مفسد لها.

السائل: ما الفرق بين الفساد والبطلان؟

ص: 68

الشيخ: لا فرق، فسدت صلاته، يعني بطلت وبطلت يعني فسدت فلا فرق بين الفاسد والباطل عند الحنابلة إلا في بابين من أبواب العلم الباب الأول في باب الإحرام والباب الثاني في باب النكاح فباب الإحرام يقولون إن الإحرام لا يبطل إلا بالردة فإذا ارتد الإنسان وهو محرم بطل إحرامه، ويفسد بالجماع قبل التحلل الأول فالنسك بالجماع قبل التحلل الأول فاسد ولا يقال إنه باطل وبالردة باطل ولا يقال إنه فاسد.

والباب الثاني باب النكاح فما أجمع العلماء على فساده فهو باطل وما اختلفوا فيه فهو فاسد فالنكاح بلا ولي فاسد ونكاح المعتدة باطل لأنه مجمع على تحريمه.

السائل: ما معنى اجتمع معه في الركن؟

الشيخ: لما ركع قبل الإمام ثم ركع الإمام بعده اجتمعا في الركوع وهو الركن وإنما قالوا ذلك لأجل أن يسلم لهم قولهم لو أنه ركع ورفع قبل ركوع إمامه بطلت لأنه لم يجتمع معه في الركن لكن هذا التعليل عليل، لأن التعليل الأول وهو أن هذا الرجل أتى بمحرم في الصلاة فوجبت أن تبطل هو الصحيح.

السائل: ما وجه كراهة الإمام أحمد في إعادة الجماعة في المسجد الحرام والمسجد النبوي دون غيرهما؟

الشيخ: وجه ذلك علله بأنه يخشى أن يتوانى الناس عن حضور الإمام الراتب وهذا يقتضي أن مراده إذا كان ذلك على سبيل الإعادة الراتبة يعني الدائمة كما يفعلون فيما سبق.

القارئ: وإن فعله جاهلاً أو ناسياً فلا بأس وعليه أن يعود ليأتي بذلك معه فإن لم يفعل صحت صلاته لأنه سبق يسير لا يمكن التحرز منه فإن ركع ورفع قبل أن يركع إمامه وسجد قبل رفعه عمداً عالماً بالتحريم بطلت صلاته لأنه لم يأتم بإمامه في معظم الركعة وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته للعذر ولم يعتد بتلك الركعة لما ذكرنا.

ص: 69

الشيخ: انتبهوا لهذا التفصيل صار المأموم إذا سبق الإمام إلى الركن ففي بطلان صلاته قولان والصحيح البطلان هذا إذا كان عالماً ذاكراً أما إن كان جاهلاً أو كان ناسياً أو غافلاً أو سمع صوتاً ظنه تكبير الإمام فركع ثم تبين له الأمر فإنه يرجع يجب عليه أن يرجع ليأتي به بعد إمامه فإن لم يفعل يقول المؤلف إن لم يفعل صحت صلاته لأنه اجتمع معه في الركن قال وهذا السبق يسير لا يمكن التحرز منه فقولهم إنه يسير قد يسلم به وقولهم لا يمكن التحرز منه غير مسلم إذ يمكن التحرز يقال للمأموم انتظر هذه واحدة ثم قال فإن ركع ورفع قبل أن يركع إمامه وسجد قبل رفع الإمام عامداً عالماً بتحريمه بطلت صلاته لأنه لم يأتم بإمامه في معظم الركعة هذا إذا سبقه بركن بأن ركع ورفع قبل أن يركع الإمام فهنا سبق إمامه بركن لأنه أتى بالركوع تاماً قبل أن يركع الإمام يقول المؤلف إنه تبطل صلاته وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته للعذر ولم يعتد بتلك الركعة لما ذكرنا أي لأنه لم يأتم به في معظم الركعة هذا إذا سبقه بالركن فعندنا الآن السبق إلى الركن والسبق بالركن، السبق إلى الركن معناه أن المأموم يصل إلى الركن قبل الإمام لكن يوافقه الإمام فيه يعني الإمام يلحقه هذا في بطلان صلاته قولان والصحيح البطلان أما السبق بالركن فمعناه أن المأموم يفرغ من الركن قبل أن يصل إليه الإمام مثل أن يركع ويرفع قبل إمامه فهذا نقول إنه سبقه بركن إن كان عالماً ذاكراً بطلت صلاته بمجرد السبق بالركن وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته لكن تبطل ركعته وعللوا ذلك بأنه لم يأتم بإمامه في معظم الركعة حيث أنه ركع ورفع قبل إمامه والصحيح أنه لا فرق إذا كان جاهلاً أو ناسياً بين أن يسبقه إلى الركن أو يسبقه بالركن فإنه إذا كان جاهلاً ثم زال جهله يعود ليأتي بما سبق إمامه به بعد إمامه مثال ذلك رجل سمع صوتاً فظنه الإمام مكبراً للسجود فسجد ثم سمع الصوت مرة أخرى فظنه

ص: 70

الإمام رافعاً فرفع والإمام لم يسجد بعد هذا جاهل كيف نقول إن هذا تبطل صلاته بل نقول لما رفع من السجود ثم سجد الإمام يعود فيسجد بعد إمامه وتكون زيادته زيادة السجدة هنا غير مبطلة للصلاة لأنه معذور ومن هذا ما حدث أخيراً من رفع الصلاة على مكبر الصوت في المنارة فإن بعض المساجد إذا سمعوا تكبير من حولهم ظنوه إمامهم فركعوا أو سجدوا بل إن بعض المأمومين إذا كان قراءة جارهم في المسجد قراءة جيدة مجودة بصوت حسن يمشون مع هذا الإمام ويتركون إمامهم ما يدرون ما الذي قرأ يمشون مع هذا الإمام فإذا قال (وَلا الضَّالِّينَ) قالوا آمين وإن كان إمامهم في سورة أخرى وهذا من مفاسد رفع الصلاة بمكبر الصوت من فوق المنارة.

الخلاصة أن العلماء يفرقون بين السبق إلى الركن والسبق بالركن والصواب أنه لا فرق بينهما وأنه متى كان السابق عالماً ذاكراً فصلاته باطلة مطلقاً وإن كان جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة وعليه أن يعود ليأتي به بعد الإمام.

القارئ: فإن ركع قبله فلما ركع رفع ففي بطلان الصلاة بذلك والاعتداد بالركعة مع جهله ونسيانه وجهان فإن ركع الإمام ورفع قبل ركوع المأموم عمدا بطلت صلاته لتركه المتابعة وإن كان لنوم أو غفلة ونحو ذلك لم تبطل لأنه سبق يسير ويركع ثم يدركه فإن سبقه بأكثر من ذلك لعذر ففيه وجهان أحدهما يفعله ويلحق كالمزحوم في الجمعة والثاني تبطل الركعة لأنها مفارقة كثيرة.

الشيخ: هذا يقع كثيراً يغفل الإنسان أو لا يسمع صوت الإمام فيركع الإمام مثلاً ويرفع ولا يحس به إلا وقد قال سمع الله لمن حمده فماذا يصنع هل يلغي الركعة نقول لا يلغيها يركع ويرفع ويتابع الإمام فإن سبقه بأكثر من ذلك بأن ركع الإمام ورفع وسجد وذلك غافل ففي متابعته وجهان:

الوجه الأول أنه يأتي بما سبقه به الإمام ثم يتابع.

ص: 71

والثاني تبطل هذه الركعة وليس هناك دليل ولكن هناك تعليل يقول لأنه إذا تخلف عن الإمام بركوع فإنه تخلف يسير بخلاف ما إذا تخلف عنه بأكثر الركعة فإنه كثير فلا يغتفر.

وأما وجه الصحة فيقول لأن العذر قائم في القليل والكثير ما دمنا عذرناه بالتخلف القليل ولو كان بركن هام كالركوع فلنعذره بالتخلف الكثير وهذا هو الصحيح إلا إذا وصل الإمام إلى مكانه فإنه هنا لا يتوجه أن يقضي ما فاته بل تلغى الركعة الأولى للمأموم ويكون له ركعة ملفقة، مثاله مأموم تخلف عن الإمام فركع الإمام ورفع وسجد ورفع وقام يقرأ فأحس به حين قام يقرأ في الركعة الثانية فالآن تخلف عنه بركعة كاملة هنا لا نقول إنك تقضي ما فاتك لما في ذلك من الخلل الكبير بل نقول ابق على ما أنت عليه وتكون لك ركعة ملفقة معنى ملفقة أنها ملفقة من الركعة الأولى للإمام والركعة الثانية فإذا سلم الإمام فأتِ بهذه الركعة التي فاتت أما إذا كان الإمام لم يصل إلى مكانك فإنك تأتي بما تخلفت به وتتابعه وهذا هو الصحيح، الصحيح أنك تأتي بما تخلفت به عنه ولو كثرت إلا أن يصل إلى الموضع الذي أنت فيه.

السائل: ركع الإمام ثم ركع المأموم معه فغفل فلم يحس إلا بعد قراءة الفاتحة من الركعة الثانية؟

الشيخ: يأتي بها ولو كان كثيراً والمسألة فيها خلاف لكن الراجح أنه يأتي بها ما لم يصل إلى مكانه وهنا لم يصل إلى مكانه.

السائل: ما الحكم إذا تعمد المأموم إطالة الركن؟

الشيخ: إذا تعمد فإنه إذا فارق الإمام بركن واحد بطلت صلاته هذا هو المذهب أن التخلف كالسبق إلا إذا كان لعذر.

السائل: إذا كان الإمام يستعجل في قراءة الفاتحة بحيث لا يستطيع الماموم القراءة؟

ص: 72