الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال بعضهم: إنها تقتضي التحريم، لأنّ الله قال: فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ: وقد حرم الله الإثم بقوله: إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ [الأعراف: 33] وإنما شربها من شربها متأوّلا.
ما هي الخمر
؟
اختلف العلماء فيما هي الخمر، فذهب مالك والشافعي، وأحمد، وأهل الحجاز وجمهور المحدّثين إلى أنها الشراب المسكر من عصير العنب وغيره، فالشراب المسكر من عصير التمر، والشعير، والبرّ خمر.
وقال العراقيون: أبو حنيفة، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، وابن أبي ليلى «1» ، وشريك وابن شبرمة: الخمر من الشراب المسكر من عصير العنب فقط، أما المسكر من غيره كالشراب من التمر أو الشعير فلا يسمّى خمرا، بل يسمّى نبيذا.
ولمّا ذهب الحجازيون إلى أن الخمر اسم لكل ما أسكر- سواء أكان من عصير العنب أم من التمر، أم من الشعير أم من غيره- كانت هذه كلّها حراما، بالآيات التي وردت في تحريم الخمر. وكانت كلّها سواء في التحريم، قليلها وكثيرها.
ولمّا ذهب الكوفيون إلى أن الخمر اسم لما اتّخذ من عصير العنب فقط- كان المحرم بالآيات ما يطلق عليه اسم الخمر، وهو المسكر من عصير العنب، أما ما اتخذ من غيرها- وهو المسمى نبيذا- فليس بداخل عندهم في تحريم الخمر، وقد بحثوا له عن حكم في السنة، فوجدوا أنّ القليل الذي لا يسكر من الأنبذة حلال، وأنّ المسكر منها هو الثالث دون الكأسين.
وقد استدل الحجازيون لمذهبهم بأنّ اللغة والشرع يدلّان على أنّ المسكر من الأنبذة يسمّى خمرا، أما اللغة فلأنّ الاشتقاق اللغوي يرجّحه. وهو أنها سمّيت خمرا لمخامرتها العقل، وهذه الأنبذة تخامر العقل، وهذا ضعيف، لأن اللغة لا تثبت قياسا.
وأما الشرع
فقد روى مسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلّ مسكر خمر، وكلّ مسكر حرام» «2» .
(1) عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي، الفقيه الحافظ، قتل في وقعة الجماجم، انظر سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 245) ترجمة (463) .
(2)
رواه مسلم في الصحيح (3/ 1587) ، 36- كتاب الأشربة، 7- باب بيان أن كل مسكر خمر حديث رقم (73/ 2003) .
وروي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الخمر من هاتين الشّجرتين:
النخلة والعنبة» «1» .
وروي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ من العنب خمرا، وإنّ من العسل خمرا، ومن الزّبيب خمرا، ومن الحنطة خمرا، وأنا أنهاكم عن كلّ مسكر» «2» .
فذلك جميعه يدل على أن الأنبذة تسمّى خمرا فتكون حراما، ويدل على حرمتها- قليلها وكثيرها- ما
روي عن عائشة أنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع وعن نبيذ العسل فقال صلى الله عليه وسلم: «كلّ شراب أسكر فهو حرام» «3» أخرجه البخاري
،
وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» «4» .
وقد احتجّ العراقيون على أنّ الأنبذة لا تسمّى خمرا، ولا يسمّى خمرا إلا الشيء المشتدّ من ماء العنب باللغة وبالسنة أيضا.
أما السنة فما
روي عن أبي سعيد الخدري قال: أتي النبيّ صلى الله عليه وسلم بنشوان فقال له:
«أشربت خمرا؟» فقال: ما شربتها منذ حرّمها الله ورسوله. قال: «فما شربت؟» قال:
الخليطين. قال: فحرّم رسول الله الخليطين «5»
. فنفى الشارب اسم الخمر عن الخليطين بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكره عليه. قالوا: ولو كان ذلك يسمّى خمرا لما أقرّه عليه، إذ كان في نفي الاسم الذي علّق به حكم نفي الحكم، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقرّ أحدا على حظر مباح، أو إباحة محظور.
وقد روي عن أنس بن مالك يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الخمر بعينها حرام، والسّكر من كلّ شراب» «6» .
وأما اللغة فقول أبي الأسود الدؤلي وهو حجة في اللغة:
دع الخمر تشربها الغواة فإنّني
…
رأيت أخاها مغنيا بمكانها
(1) رواه مسلم في الصحيح (3/ 1573) - كتاب الأشربة، 4- باب بيان أن جميع ما ينبذ حديث رقم (13/ 1985) .
(2)
رواه أحمد في المسند (4/ 273) ، وأبو داود في السنن (3/ 325) ، كتاب الأشربة باب الخمر حديث رقم (3676) ، والترمذي في الجامع الصحيح (4/ 262) ، كتاب الأشربة، باب في الحبوب حديث رقم (1873) .
(3)
رواه البخاري في الصحيح (6/ 302) ، 74- كتب الأشربة، 4- باب الخمر من العسل حديث رقم (5585) .
(4)
رواه أبو داود في السنن (3/ 326) ، كتاب الأشربة باب النهي عن المسكر حديث رقم (3681) ، والترمذي في الجامع الصحيح (4/ 258) ، كتاب الأشربة باب ما أسكر كثيره حديث رقم (1865) .
(5)
ذكره الجصاص في كتابه أحكام القرآن (1/ 324) .
(6)
رواه النسائي في السنن (5- 6/ 718) ، كتاب الأشربة، باب الأخبار حديث رقم (5683) .