الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من سورة النور
قال الله تعالى: سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)
وَفَرَضْناها الفرض: قطع الشيء الصلب، والتأثير فيه، والمراد به هنا الإيجاب على أتم وجه، أي أوجبنا ما فيها من الأحكام إيجابا قطعيا.
آياتٍ بَيِّناتٍ ترد الآية في القرآن بمعنى الكلام المتصل إلى مقطعه الاصطلاحي وبمعنى العلامة، وفي هذه السورة آياتٍ بَيِّناتٍ واضحة الدلالة على أحكامها. مثل الآيات التي نيطت بها أحكام الزنى، والقذف، واللعان، والحلف على ترك الخير، والاستئذان، وغض البصر، وإبداء الزينة للمحارم وغير المحارم، وإنكاح الأيامى، واستعفاف من لم يجد نكاحا، ومكاتبة الأرقاء، وإكراه الفتيات على البغاء، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، والسلام على المؤمنين. إلى كثير من الأحكام التي ذكرت في هذه السورة.
وفي هذه السورة أيضا طائفة من الآيات الكونية، والظواهر الطبيعية، فيها دلالات واضحة، وحجج قاطعة، على توحيد الله وكمال قدرته: مثل النور والظلمة، والتأليف بين السحاب، وإنزال المطر من خلاله، ووميض البرق ولمعانه، وتقليب الليل والنهار، واختلاف الحيوانات في أشكالها وهيئاتها وطبائعها، مع اتحاد المادة التي منها خلقت، إلى غير ذلك من حجج التوحيد وشواهد القدرة.
وإذا علمت أنّ إطلاق الآية على كلّ من المعنيين- الكلام والعلامة- حقيقي علمت أنّ كلمة آية مشترك لفظي، فمن أجاز استعمال المشترك في معنييه لا مانع عنده من إرادة المعنيين جميعا في قوله تعالى: وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ ومن أبى استعمال المشترك في معنييه يحتّم إرادة أحد المعنيين لا غير، فيحتمل أن يكون المراد بالآيات الآيات التي نيطت بها الأحكام في هذه السورة، ومعنى كونها بينات أنها واضحة الدلالة على ما نيط بها من الأحكام، ويحتمل أن يكون المراد بالآيات ما في هذه السورة من دلائل التوحيد، وشواهد القدرة، ومعنى كونها بينات أن دلالتها على ما ذكر واضحة ظاهرة وعلى هذا الاحتمال يكون قوله تعالى: وَفَرَضْناها إشارة إلى الأحكام والحدود المبينة في السورة. وقوله تعالى: وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ إشارة إلى آيات التوحيد، ويؤيّد هذا الاحتمال قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فإنّ معنى التذكر أن يعاد إلى الذاكرة ما كان معلوما، والأحكام التي في هذه السورة لم تكن معلومة لهم
حتى يتذكروها، ولكن دلائل التوحيد وشواهده معروفة للناس، ولكنهم لم يفطنوا لها، فهم ليسوا في حاجة إلى أكثر من أن يلتفتوا إليها فيتذكروها بعد النسيان.
والمعنى: هذه سورة أنزلناها، وفرضنا ما فيها من أحكام، وأنزلنا فيها دلائل وعلامات على توحيد الله وكمال قدرته، لتتذكروها، فتعتقدوا وحدانيته وقدرته جلّ شأنه.
ومعلوم أن إنزال السورة كلها يستلزم إنزال هذه الآيات منها، فيكون التكرار في قوله تعالى: وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لكمال العناية بشأنها، كما هي الحال في ذكر الخاصّ بعد العام.
قال الله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزنى مقصور في اللغة الفصحى، وهي لغة الحجازيين. وقد يمدّ في لغة أهل نجد.
والزنى من الرجل وطء المرأة في قبل من غير ملك ولا شبهة ملك، والزنى من المرأة تمكينها الرجل أن يزني بها.
والجلد بفتح الجيم: ضرب الجلد بكسرها. وقد جاء صوغ فعل مفتوح العين من أسماء الأعيان يقال: رأسه، وظهره، وبطنه، وفأده، وحسه: إذا أصاب رأسه وظهره وبطنه وفؤاده وحسه.
وجوّز الراغب أن يكون معنى جلده ضربه بالجلد مثل: عصاه ضربه بالعصا، وسافه ضربه بالسيف، ورمحه أي طعنه بالرمح.
والرأفة: الشفقة والعطف.
فِي دِينِ اللَّهِ في طاعته وإقامة حدّه الذي شرعه.
وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما شهد كسمع شهودا: حضر.
طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الطائفة في الأصل اسم فاعل مؤنّث من الطواف، وهو الدوران، والإحاطة، فهي إما صفة مفرد مؤنث أي نفس طائفة، فتطلق حينئذ على الرجل الواحد. وإما صفة جماعة، أي جماعة طائفة، فتطلق على من فوق الواحد.
ويكاد اللغويون يجمعون على أنه يقال للواحد طائفة كما يقال لمن فوقه طائفة.
وفي المراد بها هنا أقوال سنبينها فيما بعد.
وقوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا إلخ شروع في تفصيل الأحكام التي أشير إليها في قوله جل شأنه: وَفَرَضْناها والرفع في قوله جلّ شأنه الزَّانِيَةُ عند سيبويه والخليل على أنه مبتدأ، خبره محذوف، والكلام على حذف مضاف، والتقدير: مما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني، ويفهم من كلام سيبويه في «الكتاب» أن النهج المألوف