الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من سورة المائدة
قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (1)
شرح المفردات
يقال أوفى ووفى (بفتح الفاء مخففة) ووفّى (بتشديد الفاء) بمعنى أدّى ما التزمه، مع المبالغة في حالة التشديد، والكلّ ورد في القرآن أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة: 111] وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)[النجم: 37] .
والعقود: جمع عقد، وهو في الأصل الربط، تقول عقدت الحبل بالحبل إذا ربطته به، وعقدت البناء بالجص إذا ربطته به، وتقول: عقدت البيع لفلان إذا ربطته بالقول، واليمين في المستقبل تسمّى عقدا لأنّ الحالف ربط نفسه بالمحلوف عليه وألزمها به.
المراد بالعقود هنا ما يشمل العهود التي عقدها الله علينا، وألزمنا بها من الفرائض والواجبات والمباحثات من معاملاتهم ومناكحاتهم.
والأنعام: جمع نعم (بفتحتين) وأكثر ما يطلق على الإبل، ولكن المراد به هنا ما يشمل الإبل والبقر والغنم.
والحرم: جمع حرام، بمعنى محرم، كعناق وهي الأنثى من ولد المعز وعنق بالضم.
دعا الله المؤمنين وناداهم بوصف الإيمان، ليحثهم على امتثال ما يكلفهم به، فإنّ الشأن في المؤمنين الانقياد لما يكلّفون به من قبل الله تعالى، وطالبهم بالوفاء بالعقود أي التكاليف التي أعلمهم بها، والتزموها بقبولهم الإيمان الذي يعتبر تعهّدا منهم بالعمل بمبادئه، والوقوف عند حدوده، ومن هذه التكاليف ما يعقد الناس بعضهم مع بعض من الأمانات والمعاملات.
ثم قال تعالى تمهيدا للنبيّ عن بعض محرمات الإحرام أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ أي من الإبل والبقر والضأن والمعز.
والبهيمة في الأصل كلّ حيّ لا يميّز، سمّي بذلك لأنه أبهم عن أن يميز أي حجب، فهو عام يشمل الأنعام وغيرها، سواء أكانت من ذوات الأربع أم لا، وإضافته للبيان، أيّ بهيمة هي الأنعام، وخرج بها غير الأنعام، سواء كان من ذوات الحوافر كالخيل والبغال والحمير أم من غيرها مثل الأسد والنمر والذئب.
وقيل: البهيمة خاصّ بذوات الأربع، وقال ابن عباس: المراد بالبهيمة هنا أجنة الأنعام، فهي حلال متى ذكّيت أمهاتها، وهو مذهب الشافعية، وإنما لم يقل أحلّت لكم الأنعام ليشير إلى أنّ ما يماثل الأنعام مثلها في الحل كالظباء وبقر الوحش ما لم يدلّ الدليل على حرمته.
لما كان الإحلال لا يتعلق إلا بالأفعال كان من اللازم إضمار فعل يناسب الكلام، وقد دلّ على هذا بقوله تعالى: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (5)[النحل: 5] أي لتنتفعوا بها في الدفء وغيره، فالمراد أحلّ لكم الانتفاع ببهيمة الأنعام، وهو يشمل الانتفاع بلحمها وجلدها وعظمها وصوفها وما أشبه ذلك.
ثم قال: إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ أي يستثنى من حلّ بهيمة الأنعام ما يتلى عليكم في آية تحريمه: من الميتة والمنخنقة إلخ فإنّ كلّ هذا حرام ما لم تدرك ذكاته، وهو حيّ بالتفصيل الذي يأتي.
وقوله: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ حال من الكاف في أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ.
إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ أي يشرع ما يشاء من تحليل وتحريم بحسب ما تقتضيه حكمته البالغة، فأباح بهيمة الأنعام في جميع الأحوال، وأباح الصيد في بعض الأحوال دون بعض، ولا اعتراض عليه، لأنّه مالك الأشياء وخالقها، فيتصرف فيها كما يشاء بحكمته وحسن تدبيره.
وينبغي أن يعلم أنّ العقود التي يجب الوفاء بها لا تشمل التعاقد على المحرمات، فلا يجب الوفاء به، ومثله حلف الجاهلية على الباطل، كحلفهم على التناصر والميراث، بأن يقول أحد الطرفين للآخر إذا حالفه: دمي دمك وهدمي هدمك، وترثني وأرثك، فيتعاقدان بذلك على النّصرة والحماية سواء أكانت بحق أم بباطل، فأبطل الإسلام التناصر على الباطل بقوله تعالى: وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ
وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا ضرر ولا ضرار» «1»
وبنهيه عن العصبية العمية كما
(1) رواه ابن ماجه في السنن (2/ 784) ، 13- كتاب الأحكام، 16- باب من بنى في حقه حديث رقم (2340) و (2341) ، ومالك في الموطأ (2/ 745) ، 36- كتاب الأقضية، 26- باب القضاء حديث رقم (31) ، وأحمد في المسند (1/ 672) .