الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سوره الفاتحة
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في البسملة
أجمع العلماء على أن البسملة بعض آية [30] من سورة النمل، ثم اختلف القراء والعلماء فيها أهي آية من أول الفاتحة ومن أول كل سورة. أم لا؟ وسنذكر أقوال المختلفين، ومأخذ كل فريق.
كتب المصحف الإمام، وكتبت فيه البسملة في أول الفاتحة، وفي أول كل سورة عدا سورة براءة، وكتبت كذلك في مصاحف الأمصار المنقولة عنه، وتواتر كتبها في أوائل السور، مع العلم بأنهم كانوا لا يكتبون في المصحف ما ليس من القرآن، وكانوا يتشددون في ذلك، حتى إنهم منعوا من كتابة التعشير ومن أسماء السور ومن الإعجام، وما وجد من ذلك أخيرا فقد كتب بغير خط المصحف وبمداد غير المداد، حفظا للقرآن أن يتسرّب إليه ما ليس منه.
روى عبد الحميد بن جعفر، عن نوح بن أبي بلال، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:«الحمد لله رب العالمين سبع آيات إحداهن بسم الله الرحمن الرحيم»
وحديث أبي هريرة روي مرفوعا وموقوفا، وفيه اضطراب في السند، وفي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» .
وأخرج ابن خزيمة في «صحيحه» عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وغيرها آية
. وفي إسناده عمر بن هارون البلخي، وفيه ضعف «2» .
روى الترمذي وأبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم
. قال الترمذي: وليس إسناده بذلك «3» .
وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
(1) رواه البيهقي في السنن الكبرى، بيروت دار الكتب العلمية 1994 (2/ 67) .
(2)
انظر نصب الراية تخريج أحاديث الهداية للزيلعي، ط 1، بيروت، دار الكتب العلمية 1996. كتاب الصلاة باب المواقيت (1/ 427) تخريجا مفصلا للحديث.
(3)
رواه أبو داود في السنن (1/ 297) ، كتاب الصلاة، 25- باب من لم ير الجهر حديث رقم (783) ، والترمذي في الجامع الصحيح (2/ 14) حديث رقم (245) .
وكان ذلك يوجب أن يقول الأئمة الآخرون بمثل ما قال الشافعي، لأن ذلك هو الطريق الذي علمت به قرآنية ما بين دفتي المصحف، وأن هذه الآية من هذه السورة، وتلك من تلك.
ولكن عرض لمالك رحمه الله رأي: أن أهل المدينة لا يقرؤون البسملة في صلاتهم في مسجد المدينة، وجرى العمل على ذلك في الصلاة من أيامه صلى الله عليه وسلم إلى أيام الإمام مالك رضي الله عنه، مع قيام الدليل عنده على وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة، فلو كانت آية من الفاتحة لوجبت قراءتها معها في الصلاة.
وقوّى ذلك عنده عدة أحاديث يفهم منها أنها ليست آية من الفاتحة ولا من أوائل السور، وإليك بعض هذه الأحاديث:
جاء في «صحيح مسلم» عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين «2» .
وفي «الصحيحين» عن أنس قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين.
ورواه مسلم بلفظ: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا آخرها «3» .
ومن الدليل على أنها ليست آية من الفاتحة
حديث سفيان بن عيينة، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى:
قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) قال الله تعالى:
أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) قال: مجدني عبدي، وقال مرة:
فوّض إليّ عبدي فإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
(1) رواه البخاري في الصحيح (6/ 136) ، 66- كتاب فضائل القرآن، 29- باب مد القراءة حديث رقم (5046) .
(2)
رواه مسلم في الصحيح (1/ 357) ، 4- كتاب الصلاة، 46- باب ما يجمع صفة الصلاة حديث رقم (240/ 498) .
(3)
رواه البخاري في الصحيح (1/ 203) ، 10- كتاب الأذان، 89- باب ما يقول بعد التكبير حديث رقم (743) ، ومسلم في الصحيح (1/ 299) ، 4- كتاب الصلاة، 13- باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة حديث رقم (52/ 000) .
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) . قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» «1» .
هكذا فهم مالك رضي الله عنه من هذه الأحاديث أنّ البسملة ليست آية من الفاتحة، واحتمل عنده أن يكون كتبها في أوائل السور امتثالا للأمر بطلبها والبدء بها في أوائل الأمور، وهي وإن تواتر كتبها في أوائل السور فلم يتواتر كونها قرآنا فيها.
وأما الحنفية: فقد رأوا أن كتبها في المصحف يدل على أنها قرآن، ولكن لا يدل على أنها بعض السورة، والأحاديث التي تدل على عدم قراءتها جهرا في الصلاة مع الفاتحة تدل على أنها ليست منها، فحكموا بأنها آية من القرآن تامة في غير سورة النمل [30] أنزلت للفصل بين السور، وإلى هذا يشير
الحديث الذي أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى أنزل عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) وأخرجه الحاكم في «المستدرك» «2» .
وهذا المذهب قريب، لأن كتبها في المصحف، وتواتر ذلك دون نكير من أحد مع العلم بأنهم كان يجرّدون المصحف من كل ما ليس قرآنا، يدل على أنها قرآن.
والأحاديث التي تبيّن أنها ما كانت تقرأ مع الفاتحة في الصلاة جهرا تدل على أنها ليست من الفاتحة، وكذلك ما
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: «سورة من القرآن، هي ثلاثون آية شفعت لقارئها وهي: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ» «3»
، وقد أجمع القرّاء والعدّادون على أنها ثلاثون آية عدا البسملة، وكذلك سورة الكوثر اتفقوا على أنها ثلاث آيات ليست البسملة منها «4» .
وذلك يدل على أن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) ليست إحدى آيات هاتين السورتين، ولا فارق بين سورة وأخرى، فلا تكون آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور. ويؤكد أنها ليست من أوائل السور أن القرآن نزل على مناهج العرب في الكلام، والعرب كانت ترى التفنن في البلاغة، لا سيما في افتتاحاتها، فلا يظن بالقرآن أن يأتي بآية بعينها، ويجعلها أوّل كل سورة.
وقول المالكية: لم يتواتر كونها قرآنا، فليست بقرآن، غير ظاهر، لأنه ليس
(1) رواه مسلم في الصحيح (1/ 296) ، 4- كتاب الصلاة، 11- باب وجوب قراءة الفاتحة حديث رقم (38/ 395) .
(2)
انظر كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري في كتاب الصلاة، باب من جهر بها حديث رقم (788) .
(3)
رواه الترمذي في الجامع الصحيح (5/ 151) ، كتاب الفضائل، باب ما جاء في فضل سورة تبارك حديث رقم (2891) .
(4)
لكن هذا خلاف ما رواه مسلم في الصحيح (1/ 300) ، 4- كتاب الصلاة، 14- باب حجة من قال البسملة آية من أول كل سورة حديث رقم (53/ 400) .
بلازم أن يقال في كل آية هي قرآن ويتواتر ذلك، بل قرائن الأحوال تكفي في مثل ذلك، فإذا استدعى النبي صلى الله عليه وسلم كاتب الوحي، وطلب منه أن يكتب في المصحف كذا، وأن يضع كذا في موضع كذا، كان ذلك دليلا على أن ما أمر بكتبه قرآن، وإن لم يصرح بأنه من القرآن، وهل البسملة إلّا كذلك «اجعلوها في أول كل سورة» .
واختلفوا في حكم قراءة البسملة في الصلاة، فذهب مالك رحمه الله إلى منع قراءتها في الصلاة المكتوبة، جهرا كانت أو سرّا، لا في استفتاح أم القرآن، ولا في غيرها من السور. وأجاز قراءتها في النافلة وقال أبو حنيفة «1» رضي الله عنه: يقرؤها سرّا مع أم القرآن في كل ركعة، وروي عنه أنه يقرؤها في الأولى فقط وقال الشافعي وأحمد: يقرؤها وجوبا، في الجهر جهرا، وفي السر سرّا.
وسبب الخلاف ما قدمناه في بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) أهي آية من أول الفاتحة ومن أول كل سورة أم لا؟ وشيء آخر وهو اختلاف الآثار في هذا الباب، فمن ذهب إلى أنها آية من الفاتحة، ومن كل سورة كالشافعي أوجب قراءتها مع الفاتحة، ومن ذهب إلى أنها ليست آية من الفاتحة، واعتمد الأحاديث الدالّة على عدم قراءتها في الصلاة منع من قراءتها كالإمام مالك. ومن رأى أنها ليست من فاتحة الكتاب، ولكنه صحت عنده الأحاديث التي تدل على قراءتها سرّا طلب قراءتها سرّا كأبي حنيفة رحمه الله. فأما الآثار التي تدل على إسقاط البسملة: فمنها
حديث ابن مغفل قال: سمعني أبي وأنا أقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) فقال: يا بني! إياك والحدث، فإني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلم أسمع رجلا منهم يقرؤها
. قال أبو عمر ابن عبد البرّ: ابن مغفل هذا رجل مجهول «2» . ومنها ما رواه مالك من حديث أنس أنه قال: قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم كان لا يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) إذا افتتح الصلاة «3» .
وفي بعض الروايات: أنه قام خلف النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) .
قال أبو عمر: إن أهل الحديث قالوا في حديث أنس هذا: إن النقل فيه مضطرب اضطرابا لا تقوم به حجة، وذلك أنه مرّة روي عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومرّة لم يرفع. ومرّة ذكر عثمان ومرة لم يذكر، ومنهم من يقول: فكانوا يقرؤون بِسْمِ اللَّهِ
…
ومنهم من يقول فكانوا لا يقرؤون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)، ومنهم من يرويه بلفظ: فكانوا لا يجهرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) .
(1) انظر الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني، ط 1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1990 (1- 2/ 52) . [.....]
(2)
رواه الترمذي في الجامع الصحيح (2/ 12) ، من باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم حديث رقم (244) .
(3)
رواه الإمام مالك في الموطأ صفحة (45) ، باب العمل في القراءة حديث رقم (175) .