الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشافعية: إنّ العلة في الذهب والفضة هي اتحاد الجنس مع الثمنيّة. وفي الأشياء الأربعة الباقية اتحاد الجنس مع الطعم، والتفاصيل في أمر الربا تعلم من كتب الفقه.
سبب تحريم الربا
1-
إنّه يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض، وهو شنيع ممنوع، لأنّ المال شقيق الروح، فكما يحرم إزهاق الروح من غير حقّ، يحرم أخذ المال من غير حق.
2-
إنّه يفضي إلى امتناع الناس عن تحمّل المشاقّ في الكسب والتجارة والصناعة، وهو يؤدي إلى انقطاع مصالح الخلق.
3-
إنّه يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض الحسن، ويمكّن الغني من أخذ مال الفقير الضعيف من غير مقابل، وهو لا يجوز برحمة الرحيم.
ولا وجه للتمسك بما يقال: إن رأس المال لو بقي في يد صاحبه لاستفاد منه ربحا بسبب التجارة فيه، فما تركه في يد المدين لم يكن هناك بأس في أن يدفع إلى ربّ المال مالا زائدا عوضا عن انتفاعه بماله، لأنّه يمكن دفعه بأن الذي يذكرونه أمر موهوم، قد يحصل وقد لا يحصل، والمال الزائد ملك للفقير على وجه اليقين، فتفويت المتيقّن لأمر موهوم إضرار بالضعيف، وهو لا يجوز.
المعنى: الذين يأخذون الربا ويقتطعونه من أموال الناس بغير حق لا يقومون من القبور يوم القيامة إلا قياما كقيام الشخص الذي يضربه الشيطان على غير اعتدال، بسبب المسّ، أي الجنون الذي أصابه، وهذا التمثيل وارد على ما يزعم العرب من أنّ الشيطان يخبط الإنسان فيصرعه، ويمسّه يختلط عقله، وذلك السوء الذي يعتريهم عند قيامهم بسبب أنهم تعاملوا بالربا، وبالغوا في استباحته حتى قالوا: إنما البيع مثل الربا، قد اعتبروا الربا أصلا في الإباحة يقاس عليه البيع: فيجوز بيع درهم بدرهمين، كما يجوز بيع ما قيمته درهم بدر همين، مع وضوح الفرق بينهما، فإنّ أحد الدرهمين في الأول ضائع حتما، والثاني منجبر بالاحتياج إلى السلعة، أو يتوقّع رواجها.
وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا لما في الأول من وجوه الجابر، وفي الثاني: من الإضرار المحتّم.
فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ أي تذكرة يذكّره فيها بحكمه تعالى فاتعظ بلا تراخ، واتبع النهي الوارد، فله ما تعامل به فيما سلف، ولا يستردّ منه، وأمر جزائه موكول إلى الله.
وَمَنْ عادَ إلى استحلاله فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ماكثون أبدا.
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ بالغ الله تعالى- في هذه الآية- في الزجر عن الربا، وكان قد بالغ في الآيات السابقة في الأمر بالصدقات، وكان النّاس يرون بحسب الظاهر أن الربا يوجب زيادة الخيرات، وأنّ الصدقات توجب نقصان الخيرات، فأراد سبحانه وتعالى أن يدفع هذه الشبهة، وبيّن أنه تعالى كفيل بعكس ذلك، وأنّ الربا وإن كان زيادة في المال ظاهرا، إلا أنه نقصان في الحقيقة، وأنّ الصدقات وإن كانت نقصانا في المال إلا أنها زيادة في المعنى، فاللائق بالمسلم أن يعوّل على ما ندبه إليه الشارع، فإنّه بذلك يضمن خيري الدنيا والآخرة، وهو المشار إليه بقوله تعالى:
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ.
وإرباء الصدقات يكون في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فلما يأتي:
أولا: يزداد جاهه وذكره الجميل، وميل القلوب إليه، واطمئنان النفوس إليه، وفي ذلك من أسباب تيسير أموره ما يشهد به كلّ خبير.
ثانيا: إنّ محبة الناس له تجرّ إلى معاونته في كثير من معاملاته. وقضاء مصالحه، فتفتح له أبواب الخيرات، وتتسع أرزاقه.
ثالثا: من كان لله كان الله له.
وقد روي في الحديث الشريف: «أنّ ملكا ينادي كلّ يوم: اللهم يسّر لكلّ منفق خلفا، ولممسك تلفا» «1» .
وأما في الآخرة فلما
ولما ورد في القرآن الكريم مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ [البقرة: 261] . ومحق الرّبا يكون في الدنيا والآخرة:
أما في الدنيا فلما يأتي:
أولا: لأنّ الغالب في المرابي وإن كثر ماله أن تؤول عاقبته في الفقر والدمار، كما
روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «الرّبا وإن كثر فإنّ عاقبته تصير إلى قلّ» .
ثانيا: أن الذين تؤخذ أموالهم بسبب الربا يبغضون المرابي، ويقصدونه بالأذى عند غفلته، ويسلبون أمواله عند التمكن، وكل ذلك يؤدّي إلى المحق والدمار وإن طال الزمان.
(1) رواه البخاري (بغير هذا اللفظ) في الصحيح (2/ 147) ، 24- كتاب الزكاة، 27- باب قوله تعالى:
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى حديث رقم (1442) ، ومسلم في الصحيح (2/ 700) ، 12- كتاب الزكاة، 17- باب في المنفق حديث رقم (57/ 1010) .
(2)
رواه البخاري في الصحيح (2/ 138) ، 24- كتاب الزكاة، 8- باب الصدقة حديث رقم (1410) ، ومسلم في الصحيح (2/ 702) ، 12- كتاب الزكاة، 19- باب قبول الصدقة حديث رقم (63/ 1014) . [.....]
ثالثا: أنه يحبب إليه التعامل بالمقامرات وأنواع المعاملات الخطرة، وفي الغالب يؤول أمره إلى المحق والدمار.
وأما الآخرة فلما يأتي:
أولا: لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: معنى هذا المحق أنّ الله تعالى لا يقبل منه صدقة ولا جهادا ولا حجا ولا صلة رحم.
ثانيا: لأنّ مال الدنيا لا يبقى عند الموت، وتبقى التبعات والعقوبات، وهذه هي الخسارة الكبرى.
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أي لا يرضى عن كلّ من يصرّ على تحليل- أي ارتكاب- المحرمات أَثِيمٍ منهمك في ارتكاب المعاصي التي توجب الإثم. فالآية في المسلمين الذين يرتكبون المعاصي وهاهنا أمور:
الأول: التخبط- مصدر (يتخبط) بوزن تفعّل- غير متعد، ولكنّه عداه هنا نظرا لأنّ تفعّل يأتي كثيرا بمعنى فعل، نحو تقسّم المال: أي قسمه.
الثاني: قوله: مِنَ الْمَسِّ يصح تعلّقه بقوله: يَقُومُونَ، أو بقوله: يَقُومُ وهو علة لما تعلق.
الثالث: هذه الآية ظاهرة في أنّ الشيطان يتخبط الإنسان ويضربه ويمسّه ويصرعه، وبذلك قال أهل السنة، وهو مبنيّ على أنه لا يوجد مانع من القول بأن الشيطان جسم كثيف.
وقيل: إن الشيطان ضعيف لا قدرة له على الضرب والصرع والأعمال الشاقة، لأنه جسم لطيف كالهواء، ليس فيه صلابة ولا قوة، فيمتنع أن يكون قادرا على أن يضرب الإنسان ويصرعه، ولأن القرآن الكريم يدل على أنه ليس للشيطان قدرة على الصّرع والقتل والإيذاء، حيث يقول حكاية عن الشيطان: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم: 22] فأفسد أحوالهم، وأفشى أسرارهم وأزال عقولهم، وكل ذلك باطل.
وأما ما ورد في القرآن الكريم: من أنهم كانوا يعملون لسليمان بن داود عليهما السلام ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات، فإنما كان بإقدار من الله على هذه الأفعال معجزة لسليمان عليه السلام.
وتأوّل أصحاب هذا القول التخبط والمسّ في هذه الآية بوسوسة الشيطان المؤذية التي يحدث عندها الصرع.
وإنما تحدث الوسوسة الصرع بسبب ضعف الطباع وغلبة السوداء على الإنسان، فيعتريه من الخوف والذّعر عند الوسوسة ما يصرعه، كما يصرع الجبان في