الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الأحاديث المعارضة لهذا منها:
حديث نعيم بن عبد الله المجمر قال: صليت خلف أبي هريرة فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) قبل أم القرآن، وقبل السورة، وكبّر في الخفض، والرفع. وقال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم «1»
. ومنها
حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم «2» .
ومنها
حديث أم سلمة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)«3» .
شرح المفردات
الاسم: هو اللفظ الموضوع على الجوهر والعرض، وهو مشتق من السمو، وهو الرفعة، لأن التسمية تنويه بالمسمّى، فهو محذوف اللام: ك: (يد، ودم) وأصله (سمو) بدليل تصغيره على (سميّ) وجمعه على (أسماء) ومجيء فعله (سميت) .
الله: علم على واجب الوجود، وأصله الإله، حذفت الهمزة، وأدغم أحد المثلين في الآخر كقول القائل:
وترمينني بالطرف أي أنت مذنب
…
وتقلينني لكنّ إيّاك لا أقلي
الأصل (لكن أنا) حذفت الهمزة، وأدغم أحد المثلين في الآخر، وهو مأخوذ من أله يأله إلهة أي عبد. وقال الخليل «4» : إنه اسم جامد لا اشتقاق له، وقال بعضهم: إنه معرّب عن السريانية أصله فيها (إلاها) بالألف، عرّب بحذف الألف، وتعويض اللام.
الرحمن: فعلان من رحم، وهو الذي وسعت رحمته كل شيء، كغضبان للممتلىء غضبا.
الرحيم: فعيل منه. وفي (الرحمن) من المبالغة ما ليس في (الرحيم) ، لأن زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى، وفي (الرحمن) زيادتان، وفي (الرحيم) زيادة واحدة.
وقد وقال بعضهم: (الرحمن) : المنعم بجلائل النعم، و (الرحيم) المنعم بدقائقها.
وقال بعضهم: (الرحمن) : المنعم بنعم عامة تشمل المؤمنين والكافرين، و (الرحيم) :
المنعم بنعم خاصة بالمؤمنين، وهذا قول في اللغة بلا دليل، وكأن الذي حملهم على
(1) انظر تفصيله في نصب الراية للزيلعي، كتاب الصلاة، باب صفة الصلاة (1/ 400) .
(2)
سبق تخريجه صفحة 14.
(3)
سبق تخريجه صفحة 14.
(4)
هو الخليل بن أحمد الفراهيدي: من أئمة اللغة والأدب، واضع علم العروض وسيبويه تلميذه وناقل علمه توفي (170 هـ) في البصرة. انظر الأعلام للزركلي ط 7، بيروت، دار العلم للملايين، 1986 (2/ 314) .
هذا تلك القاعدة: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى. ولكن الزيادة تدل على زيادة الوصف مطلقا، فصفة الرحمن تدل على كثرة الإحسان الذي يعطيه سواء أكان جليلا أم دقيقا، وليس المعنى أن أفراد الإحسان التي يدل عليها لفظ (الرحمن) أكثر من أفراد الإحسان التي يدل عليها لفظ (الرحيم)، وقال بعضهم: إنهما مترادفان. وقد فرّق ابن القيم «1» بينهما بفرق حسن، فذكر أن الرحمن دالّ على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دالّ على تعلقها بالمرحوم، وكأنّ الأول الوصف والثاني الفعل، لذلك ورد وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب: 43] بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128] لم يجئ مطلقا رحمن بهم- أه والرحمن وصف خاصّ بالله لا يطلق على غيره بخلاف رحيم.
والجار في بِسْمِ متعلق بمحذوف يقدّر هاهنا (أقرأ) . فإن قيل: إن المتعلق هنا كون خاص وهو لا يحذف. قيل: إنه يجوز حذفه لدليل، وهو هنا حالي، إذ حينما يقرأ البسملة، ويأخذ بعد ذلك في القراءة يعلم المتعلّق، وإنه (أقرأ) . وكذا المسافر إذا حلّ أو ارتحل فقال (بسم الله) علم المتعلّق، وهو (أحل) أو (أرتحل) وكذا كل فاعل فعل يقول:(بسم الله) يضمر ما جعل التسمية مبدأ له، ويعلم السامع ذلك من دلالة الحال.
والمعنى: ومعنى أقرأ بِسْمِ اللَّهِ أقرأ مستعينا باسم الله، وهنا محل بحث، وهو أنه إذا كان الأمر على ما وصفنا، فكان ينبغي أن يقال:(بالله) لا (باسم الله) ، لأن الاستعانة إنما هي بالله لا باسمه. وقد اختلف الناس في الخروج من هذا، فذهب بعضهم إلى أن لفظ (اسم) مقحم كقول الشاعر «2» :
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
…
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
أي: ثم السلام عليكما. وذهب آخرون إلى أن الاسم عين المسمّى.
وذهب ابن جرير الطبري «3» إلى أن اسم في بِسْمِ اللَّهِ المراد به الحدث، أي بذكر الله أقرأ، وقد عمل وإن كان ليس جاريا على حروف فعله كقوله:
أكفرا بعد ردّ الموت عنّي
…
وبعد عطائك المائة الرتاعا «4»
وقال المتأخرون: الباء للمصاحبة، والغرض مصاحبة اسم الله في القراءة تبركا،
(1) محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، تلميذ ابن تيمية وهو الذي هذّب كتبه ونشر علمه، وسجن معه، انظر الدر الكامنة لابن حجر (3/ 243) ترجمة (3700) .
(2)
هو لبيد بن ربيعة انظر المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي (1/ 62) .
(3)
محمد بن جرير الطبري نسبة إلى طبرستان توفي في بغداد (310 هـ) ، انظر شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي، بيروت دار الفكر 1994 (2/ 260) .
(4)
الرّتاع: الرعي في الخصب، انظر لسان العرب لابن منظور، ط 1، بيروت دار صادر، 1955 (8/ 113) .