الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة ص
مكية
وَهِى ثمانٍ وثمانونَ آيةً وَخَمْسُ ركوعَاتٍ
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ
(1)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14)
* * *
(ص وَالْقُرْآنِ) إن كانت اسمًا للسورة فتقديره: هذه صاد، ومضمون هذه الجملة، هو المقسم عليه بناء على ما يتضمنه من الأنباء عن الإعجاز والاشتهار به كما تقول: هذا حاتم والله أو معناه صدق الله، أو صدق محمد عليه السلام، وعلى كل وجه جواب القسم مقدم، وقيل: قسم حذف حرفه، والواو للعطف، والجواب محذوف أي: إنه لمعجز حق (ذِي الذِّكْرِ) أي: ذي الشرف، والشهرة، أو ذي التذكير والعظة (بَلِ
الذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ): استكبار عن الحق (وَشِقَاقٍ): خلاف لله ورسوله، والتنوين فيهما للتعظيم، والإضراب عما يتضمنه الكلام من وجوب الإذعان، كأنه قيل هو معجز والله والكفار لا يقرون، بل يصرون على العناد (كمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ) وعيد لهم على عدم الإذعان (فَنَادَوْا) استغاثة وتوبة عند حلول العذاب (وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ): لا مشبهة بليس، أو للجنس زيدت عليها التاء للمبالغة، كما في ثم ورب، وخُصَّتْ بلزوم الأحيان، وحذف أحد المعمولين، أي: ليس الحين حين فرار ونجاة وتأخر أو لا من حين مناص لهم، قال البغوي: لات بمعنى ليس بلغة اليمن (وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذرٌ منْهُمْ): رسول بشر من أنفسهم (وَقَالَ الْكافِرُونَ) أي: فقالوا لكفرهم (هَذَا سَاحِرٌ) لمعجزاته (كَذابٌ) لما ينسب إلى الله تعالى (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا) نسب الألوهية التي للآلهة لاله واحد فيقول: لا إله إلا الله (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) بليغ في التعجب، نزلت حين اجتمعت سراة قريش عند أبي
طالب قائلين: اقض بيننا وبين ابن أخيك بأن يرفض ذكر آلهتنا ونذره وإلهه، فأجاب - عليه من الله أشرف صلاة وألطف سلام - بعد ما جاء وأخبره عمه عنهم:(يا عم أفلا أدعوهم إلى كلمة واحدة يدين لهم بها العرب، ويملكون بها العجم) فقال -من بين القوم- أبو جهل: ما هي لنعطينكها وعشر أمثالها، فقال:(قولوا لا إله إلا الله) فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم، وذلك قوله تعالى:(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ): الأشراف (مِنْهُمْ) من القوم عن محضر أبى طالب قائلين بعضهم لبعض: (أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا): اثبتوا (عَلَى آلِهَتِكُمْ): على عبادتها وأن مفسرة؛ لأن إطلاقهم يدل على القول فإن المنطلقين عن مجالس التقاول يتكلمون حال الانطلاق في ذلك الأمر الذي كان فيه تقاولهم بحسب جري العادة (إِنَّ هَذا لَشَيْء يُرَادُ) أي: هذا الذي يدعوننا إليه لشيء يريده محمد ويتمناه لكن لا يصل إليه، أو لشيء من ريب الزمان بنا فلا مرد له (ما سَمِعْنَا بِهَذا): الذي يقوله (في الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ): في ملة قريش التي أدركنا عليها آباءنا أو ملة عيسى، فإن ملة عيسى عند قريش آخر الملل وهم مثلثة، وقيل: في الملة حال من اسم الإشارة، كأنه قال: ما سمعنا أحدًا من أهل الملل، ولا الكهان يقول بالتوحيد كائنًا في الملة المترقبة (إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ): كذب اختلقه (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا) وليس له علينا مزيد شرف، فكيف يختص بهذا الشرف؟! (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي): من القرآن في أنه حق أو باطل، وأما قولهم إن هذا إلا اختلاق، وهذا ساحر كذاب، وأمثاله، فلا يتفوهون به إلا عنادًا من غير اعتقاد في صميم قلوبهم (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ): لم يذوقوا عذابي، فإذا ذاقوه زال عنهم الشك من العناد والحسد وحين
العذاب لم يبق عناد (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ): بل أعندهم خزائن رحمته حتى يعطوها من أرادوه، ويصرفوا عمن لم يريدوا، فيتخيروا للنبوة التي هى أعلى رحمة من أرادوا من صناديدهم؟! وإنما رحمته بيده يعطيها من يشاء (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا): إن كان لهم ذلك (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ): فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء من أبوابها وطرقها من سماء إلى سماء، وليأتوا منها بالوحي إلى من يستصوبون، وهذا تهكم بهم، وأي تهكم (جندٌ ما) أي: هم جند ما من الكفار، وما مزيدة للتقليل (هنالِكَ مَهْزُومٌ): مكسور (مِّنَ الأَحْزَابِ): هنالك ظرف لمهزوم الذي هو صفة جند، وهنالك إشارة إلى بدر، فإنه مصارعهم أو صفة أخرى لجند، وفيه تحقيرهم (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ): ذو الملك الثابت، وعن الكلبي له أوتاد يعذب الناس عليها إذا غضب، وعن قتادة وعطاء له أوتاد وأرسان يلعب بها بين يديه (وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ) وهم قوم شعيب (أُوْلَئِكَ الْأَحْزَابُ) مبتدأ وخبر أي: الأحزاب الذين جعل الجند الهزوم بعضًا منهم هم هؤلاء الذين أخبر عنهم بأنه وجد منهم التكذيب (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ): ما كل واحد منهم مخبرًا عنه بخبر إلا