الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي لا يبدل مَسْطُورًا وإن كان تعالى شرع خلافه في وقت لما له من الحكمة البالغة، (وَإِذْ أَخَذْنَا) أي: اذكره، (مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ): في إقامة دينه وإبلاغ رسالته والتعاون والإنفاق، (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)، صرح بأسماء أولي العزم الخمسة من بينهم وقدم ذكر خاتم الأنبياء لشرفهم وشرفه عليهم الصلاة والسلام، (وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)، عهدًا شديدًا مؤكدًا، (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) أي: فعلنا ذلك ليسأل الله الذين صدقوا عهدهم من الأنبياء عن تبليغهم تبكيتًا للكفار وقيل عن تصديقهم إياهم، (وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا)، عطف على ما دل عليه ليسأل كأنه قال فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين.
* * *
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا
(9)
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)
* * *
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ) يعني الأحزاب لما اجتمع المشركون وأَهل الكتاب كـ يدٍ واحدٍة لعداوة المؤمنين أمر عليه
السلام بحفر الخندق بشورى سلمان فنزلوا وحاصووا المدينة قريبًا من شهر، (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا) أي الصَّبَا، (وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا): من الملائكة أرسل تعالى بعد مدة من المحاصرة في ليلة مظلمة باردة ريحًا صرصرًا فنسفت التراب في وجوههم وأطفأت نيرانهم، وقلعت خيامهم فماجت خيولهم بعضها ببعض فقذف في قلوبهم الرعب وكبرت الملائكة في جوانبهم فارتحلوا خائفين خائبين، (وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ): من حفر الخندق، (بَصِيرًا إِذْ جَاءوكم) بدل من جاءتكم، (مِّن فوْقِكُمْ): من أعلى الوادي من قبل المشرق، (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ): من قبل المغرب، (وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ) مالت أبصار المسلمين عن سنتها حيرة لشدة الأمر، (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ): رعبًا وهذا مثل في الاضطراب، قيل: إذا انتفخت الرئة من فزع أو غضب ارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة وهي منتهى الحلقوم، (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ
صفحة فارغة
الظُّنُونَا)، حتى قال بعض المنافقين: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر والآن لا نقدر أن نذهب إلى الغائط، والألف زيدت تشبيهًا للفواصل بالقوافي، (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ): اختبروا فظهر المخلص من المنافق، (وَزُلْزِلُوا): أزعجوا، (زِلْزَالًا شَدِيدً وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شبهة لم تطمئن قلوبهم على الإيمان، (مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا): وعدًا لا وفاء له، (وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ) وهم المنافقون:(يَا أَهْلَ يَثْرِبَ) كان اسمًا للمدينة أي: أهل المدينة، (لَا مُقَامَ لَكُمْ): لا موضع قيام لكم هاهنا أي عند النبي المصطفى في مقام المرابط، (فارْجِعُوا): إلى بيوتكم، (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ) للرجوع فإنه كان عليه السلام خارجًا من المدينة بحيث أسند المسلمون ظهورهم إلى سلع ووجوههم نحو العدو والخندق بينهم، (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ): غير حصينة نخاف عليها السراق، (وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ): فإنها حصينة، (إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا): من القتال، (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا) يعني: لو دخلت هذه العساكر المدينة من جوانبها، (ثُمَّ سُئِلُوا): سألت هذه العساكر من قال إن بيوتنا عورة، (الفِتْنَةَ): الردة ومحاربة المسلمين، (لَآتَوْهَا) لأعطوها، (وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا): بالفتنة، (إِلَّا يَسِيرًا): تلبثًا يسيرًا قدر سؤال وجواب فأسرعوا الإجابة، (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ): من قبل
تلك المحاربة، (لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ): لا يفرون من الزحف، (وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْئُولًا): عن الوفاء به، (قُل لن يَنفَعَكُمُ الفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ المَوْتِ أَوِ القَتْلِ) فإنه لابد لكل من الموت حتف أنفه أو قتل في وقتٍ معينٍ، (وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ): بعد الفرار، (إِلَّا قَلِيلاً): زمانًا قليلاً يعني: لو فرضتم أنه ينفعكم لا ينفعكم إلا قليلاً، (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا): مصيبة، (أَوْ أَرَأدَ بكُمْ) عطف على من ذا تقديره أو من ذا الذي يصيبكم بسوء إن أراد بكم، (رَحْمَةً) أو عطف على أرادوا العصمة بمعنى المنع مجازًا ولا حذف، (وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا): ينفعهم، (وَلَا نَصِيرًا): يدفع ضرهم، (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ): الذين يعوقون المسلمين عن معاونة النبي عليه السلام، (مِنكُمْ)، وهم المنافقون، (وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ) من ساكني المدينة:(هَلُمَّ إِلَيْنَا): قربوا أنفسكم إلينا فنحن في ظلال وثمار وراحة في بيوتنا، عن مقاتل: أرسلت اليهود إلى المنافقين فخوفوهم وقالوا: هلموا إلينا والمنافقون كانوا يخوفون المؤمنين يقولون انطلقوا معنا إلى إخواننا، أي: اليهود، (وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ): الحرب مع المؤمنين، (إِلَّا قَلِيلًا): يخرجون ولا يبارزون إلا شيئًا قليلاً، أو معناه لا يحضرون إلا زمانًا قليلاً ثم يعتذرون ويرجعون قيل هذا من تتمة قولهم يعني؛ الذين قالوا لإخوانهم هلموا إلينا، والمؤمنون لا يحاربون الكفار إلا زمانًا قليلاً فيغلبون، (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) بخلاء بالشفقة أو بالنفقة أو فى الغنائم نصب على الحال من فاعل لا يأتون وهو حال من ضمير القائلين أو هما حالان من ضمير القائلين، (فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ): وقت الحرب، (رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ)، في أحداقهم، (كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ) أي: كدوران عين